طاهر القلب
2010-05-18, 21:16
بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
التعصــــــب
للأحزاب و الطوائف
سلبياته ، أسبابه ، سبل علاجه
كما يراها المحدث / محمد ناصر الدين الألباني (*)
التعصب للأحزاب و الطوائف :
لم يستخدم الشيخ الألباني لفظ التحزب و إنما استخدم لفظ (التكتل) بديلاً عنه حيث يعني بالتكتل خلاف ما يعنيه غيره إلا أنه أوضح أن هذا اللفظ (التكتل) يعني عند غيره لفظ (التحزب) .
و قال الشيخ إن الهدف الوحيد من هذا التكتل هو تجميع المسلمين كلهم على الكتاب و السنة . و استدل بقوله تعالى : {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام : 153) و قول النبي صلى الله عليه و سلم :"يد الله مع الجماعة" (رواه النسائي و ابن حبان غيرهما و ذكره الألباني في صحيح الجامع برقم 5934) (الألباني د.ت ، 1/594) و كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية) (رواه أحمد و أبو داود و النسائي ، و حسن الألباني في مشكاة المصابيح برقم 1067) (التبريزي : 1405 هـ ، 1/ 235) .
و يقصد الشيخ بالتكتل قوله : نحن نريد بالتكتل أن يتعاون المسلمون على فهم الكتاب و السنة و على تطبيقه في حدود استطاعتهم و نريد من هذه الكلمة ما يراد من كلمة الحزبية في العصر الحاضر . (الألباني : سلسلة الهدى و النور) .
سلبيات التعصب للأحزاب و الطوائف :
يذكر الشيخ الألباني العديد من سلبيات التحزب و يحث المسلمين على تجنب هذه السلبيات قائلاً : (إن الإسلام يحارب هذا التفرق الذي ينافي التكتل ، و لكن التكتل ينافي التحزب أيضاً ، لأن التحزب يعني التعصب لطائفة من الطوائف الإسلامية ضد الطوائف الأخرى ، و لو كانوا على الحق فيما هم سائرون فيه ) (الألباني : سلسلة الهدى و النور) . و نذكر جملة من هذه السلبيات :
1- معاداة من لا ينتمي للحزب :
يبين الشيخ الألباني أن من آثار سلبيات التعصب للطوائف و الأحزاب أنهم يعادون من لم يكن في تكتلهم و في منهجهم و لو كان أخاً مسلماً صالحاً ، فهم يعادونه لأنه لم ينضم لهذا التكتل الخاص أو التحزب الخاص . (الألباني : سلسلة الهدى و النور) .
2- الهيمنة الفكرية و عدم إعطاء الحرية لأفراد الحزب :
قال الشيخ الألباني : قد وصل بهم أن حزباً منهم يفرض على كل فرد من أفراد الحزب أن يتبنوا أي رأي يتبناه الحزب مهما كان هذا الرأي لا قيمة له من الناحية الإسلامية . و إذا لم يقتنع ذلك الفرد برأي من آراء الحزب . فُصل و لم يعتبر من هذا الحزب الذين يقولون أنه حزب إسلامي . و معناه أنهم يعودون إلى ما يشبه اليهود و النصارى في إتباعهم لأحبارهم و رهبانهم في تحريمهم و تحليلهم . فقد قال اللهتعالى : {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (التوبة : 31) . (الألباني : سلسلة الهدى و النور) .
سبب التعصب للأحزاب و الطوائف :
يرى الشيخ الألباني أن هناك سبباً رئيساً أدى إلى ظهور التعصب للأحزاب و الجماعات و الطوائف يتمثل في عدم تبني الكتاب و السنة و نهج السلف الصالح نظاماً و منهاجاً عملياً . و قد أوضح الشيخ هذا الأصل في حديثه عن الأحزاب الموجودة اليوم أو الجماعات القائمة على الأرض الإسلامية فقد تعددت مناهجها و اختلفت نظمها اختلافاً كبيراً .
بين الشيخ رحمه الله أن "لفظة الأحزاب ليس على منهج الإسلام الذي قال ربنا عز و جل : { وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{31} مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ{32}} (الروم 33,32) و قال في آية أخرى أن حزباً واحداً هو الذي يكون الحزب الناجح و الحزب الفالح و هو قوله تبارك وتعالى : {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام : 153) ، فالأحزاب كثيرة و السبل عديدة ، و الآيتان تلتقيان في ذم التعدد الحزبي و التعدد الطرقي . و يبين ربنا عز وجل في كل منهما بصراحة أن الطريقة الموصلة إلى الله عز و جل إنما هو طريق واحد . و لقد زاد النبي صلى الله عليه و سلم كغالب عادته مع كثير من آيات ربه ، فزاد بياناً تلك الآيتان بمثل قوله صلى الله عليه و سلم "و قد كان جالساً بين أصحابه جلسته الدالة على تواضعه ، كان جالساً على الأرض فخط عليها خطاً مستقيماً و خط حول هذا الخط المستقيم خطوطاً قصيرة ثم قرأ :{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام : 153) ،ثم قال و هو يمر أصبعه الشريفة على الخط المستقيم . هذا صراط الله و هذه طرق على رأس كل طريق منها شيطان يدعوا الناس إليه". أما الحديث الآخر و هو قوله صلى الله عليه و سلم : "تفرقت اليهود على إحدى و سبعين و تفرقت النصارى على اثنتين و سبعين فرقة و ستفترق أمتي على ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة . قالوا من هي يا رسول الله ؟ قال هي الجماعة" و في رواية أخرى "ما أنا عليه و أصحابي" . (الترمذي : د . ت ، 5/26) و هذا الحديث يؤكد أن النجاة لا تكون بالتفرق و التحزب إلى أحزاب و شيع و طرق شتى و إنما بالانتماء إلى طريق واحدة و بسلوك طريق واحدة ألا و هو طريق محمد صلى الله عليه و سلم .
لا يبقى بعد ذلك إلا حزب واحد أثنى عليه الله عز و جل في القرآن { فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة : 56) . و الذي يرغب أن يكون في هذا الحزب الذي كتب له الفلاح في الدنيا و الآخرة فلا يمكن أن يحقق ذلك في نفسه إلا إذا عرف علامة هذه الحزب و نظامه و منهجه " (الألباني : سلسلة الهدى و النور)
و يبين الشيخ سمات هذا الحزب فيقول : إذا كان الطريق الموصل إلى تحقيق هذا الحزب واحداً فلا بد كذلك أن يكون المنهج واحداً . فإذا تعددت المناهج لتلك الجماعات أو الطوائف و الأحزاب ، فلا شك أن التعدد لهذه المناهج فرع لتعدد الأحزاب و الجماعات .
و بين الشيخ رحمه الله أن قوله النبي صلى الله عليه و سلم : ( ما أنا عليه و أصحابي) في وصفه للفرقة الناجية في غاية الأهمية ، و أن سبيل هذه الفرقة الناجية ليس ما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم فحسب بل إضافة إلى ذلك ما كان عليه أصحابه رضي الله عنهم . (الألباني : سلسلة الهدى و النور) فلذا على جميع التكتلات الإسلامية الموجودة أن تقتدي بالصحابة .
سبل علاج التعصب للأحزاب و الطوائف و الجماعات :
وجد الباحث مجموعة من آراء الشيخ حول علاج هذا التعصب للأحزاب و الجماعات و الطوائف ، و كانت هذه الآراء على النحو التالي :
3- أن يقوم على هذا التكتل مجموعة من العلماء :
يقول الشيخ ناصر الدين رحمه الله : مشكلة أي تكتل في العالم الإسلامي هو فقدهم للعلماء الكثيرين ، فلا يكفي واحد أو اثنان أو ثلاثة أو خمسة أو عشرة ، و إنما يجب أن يكون هناك العشرات من العلماء و ذوي الاختصاصات المختلفة . فالتكتل الإسلامي يحتاج إلى أناس قد أوتوا حظاً من العلوم الضرورية . فهو (التكتل) يحتاج إلى أفراد مختلفين من كافة الاختصاصات . ينبغي أن لا نتصور أن من كان خطيباً مفوهاً أن يكون عالماً بالكتاب و السنة ، كما لا ينبغي أن نتصور العكس تماماً ، أن من كان عالماً بالكتاب و السنة أن يكون خطيباً مفوهاً ، أو أن يكون قد جمع العلوم كلها . أن يتوفر في شخص واحد كل المتطلبات التي تتطلبها الدعوة فهناك أفراد قليلون جداً جداًَ يعدون على الأصابع ، و على رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية . فهذا النقص الموجود في مجموع الأفراد إنما يكون بتكتل هؤلاء الأفراد و تطعيم كل علم بالآخر مما قام في مجموعة من الأفراد . (الألباني : سلسلة الهدى و النور, 1/320)
4- أن يكون هذا التكتل قائماً على الكتاب و السنة :
فيرى الشيخ الألباني أنه بعد تجمّع هؤلاء العلماء من كافة الاختصاصات فإن أول أمر يجب عليهم أن يهتموا به عند إقامة أي تكتل هو "أن يكون هذا التكتل قائماً على الكتاب و السنة .
فقال رحمه الله : علينا أن نسعى لإيجاد هؤلاء الأشخاص ثم أن يتكتلوا على عقيدة و على كلمة سواء و أن يسعوا في تطبيق هذا المنهج . (الألباني : سلسلة الهدى و النور , 1/320) .
5- أن يعطي هذا التكتل الحرية العلمية للأفراد :
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله : ينبغي على أي تكتل إسلامي صحيح أن يعطي للأفراد حريتهم العلمية . فلا مانع أن يكون في ذلك التكتل الإسلامي شخصان أحدهما يخالف الآخر . لأننا نعتقد (أن كل خير في اتباع من سلف و كل شر في ابتداع من خلف) فقد كان في السلف الأول نوع من الاختلاف في بعض المسائل الشرعية . فما كان ذلك بالذي يلزم الحاكم المسلم بأن يفرض رأيه على كل مسلم يتبناه و لو كان مخالفاً لرأي الفرد . (الألباني : سلسلة الهدى والنور , 1/320) .
6- أن يفهم أفراد هذا التكتل الإسلام فهماً صحيحاً و يربوا عليه :
بين الشيخ الألباني أهمية أن يولي هذا التكتل اهتماماً كبيراً بأن يعمل على تكتيل جماعة من المسلمين يفهمون الإسلام فهماً صحيحاً في كل فروعه و أصوله و يربون أنفسهم على ذلك كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم في أول بعثته (الألباني : سلسلة الهدى و النور ، 1/322) .
7- الاهتمام الأكبر بالنوع لا بالعدد :
أكد الشيخ الألباني على أن يهتم هذا التكتل بالأفراد و قد عاب الشيخ رحمه الله على بعض الأحزاب و التكتلات التي تجمع بين السني و البدعي ، و بين السلفي و الخلفي . بل قد يكون في بعضهم من هو ليس من أهل السنة و الجماعة (الألباني : سلسلة الهدى و النور ، 1/791 – 792) . لذا فعلى القائمين على التكتلات الإسلامية أن يهتموا بأن يكون أفراد هذا التكتل من أهل السنة و الجماعة أصحاب المنهج السلفي حيث قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيان الفرقة الناجية (إن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين و سبعين ملة و تفترق أمتي على ثلاث و سبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا و من هي يا رسول الله قال ما أنا عليه و أصحابي) . (الترمذي : د . ت ، 5 / 26) .
----------------------------
(*) جزء من دراسة علمية
يحتفظ الشيخ بحث التوثيق الكامل لعزمه على طباعة الكتاب في المستقبل
المصـدر (http://saaid.net/bahoth/33.htm#%28*%29)
الكاتب إياد محمد الشامي
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
التعصــــــب
للأحزاب و الطوائف
سلبياته ، أسبابه ، سبل علاجه
كما يراها المحدث / محمد ناصر الدين الألباني (*)
التعصب للأحزاب و الطوائف :
لم يستخدم الشيخ الألباني لفظ التحزب و إنما استخدم لفظ (التكتل) بديلاً عنه حيث يعني بالتكتل خلاف ما يعنيه غيره إلا أنه أوضح أن هذا اللفظ (التكتل) يعني عند غيره لفظ (التحزب) .
و قال الشيخ إن الهدف الوحيد من هذا التكتل هو تجميع المسلمين كلهم على الكتاب و السنة . و استدل بقوله تعالى : {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام : 153) و قول النبي صلى الله عليه و سلم :"يد الله مع الجماعة" (رواه النسائي و ابن حبان غيرهما و ذكره الألباني في صحيح الجامع برقم 5934) (الألباني د.ت ، 1/594) و كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية) (رواه أحمد و أبو داود و النسائي ، و حسن الألباني في مشكاة المصابيح برقم 1067) (التبريزي : 1405 هـ ، 1/ 235) .
و يقصد الشيخ بالتكتل قوله : نحن نريد بالتكتل أن يتعاون المسلمون على فهم الكتاب و السنة و على تطبيقه في حدود استطاعتهم و نريد من هذه الكلمة ما يراد من كلمة الحزبية في العصر الحاضر . (الألباني : سلسلة الهدى و النور) .
سلبيات التعصب للأحزاب و الطوائف :
يذكر الشيخ الألباني العديد من سلبيات التحزب و يحث المسلمين على تجنب هذه السلبيات قائلاً : (إن الإسلام يحارب هذا التفرق الذي ينافي التكتل ، و لكن التكتل ينافي التحزب أيضاً ، لأن التحزب يعني التعصب لطائفة من الطوائف الإسلامية ضد الطوائف الأخرى ، و لو كانوا على الحق فيما هم سائرون فيه ) (الألباني : سلسلة الهدى و النور) . و نذكر جملة من هذه السلبيات :
1- معاداة من لا ينتمي للحزب :
يبين الشيخ الألباني أن من آثار سلبيات التعصب للطوائف و الأحزاب أنهم يعادون من لم يكن في تكتلهم و في منهجهم و لو كان أخاً مسلماً صالحاً ، فهم يعادونه لأنه لم ينضم لهذا التكتل الخاص أو التحزب الخاص . (الألباني : سلسلة الهدى و النور) .
2- الهيمنة الفكرية و عدم إعطاء الحرية لأفراد الحزب :
قال الشيخ الألباني : قد وصل بهم أن حزباً منهم يفرض على كل فرد من أفراد الحزب أن يتبنوا أي رأي يتبناه الحزب مهما كان هذا الرأي لا قيمة له من الناحية الإسلامية . و إذا لم يقتنع ذلك الفرد برأي من آراء الحزب . فُصل و لم يعتبر من هذا الحزب الذين يقولون أنه حزب إسلامي . و معناه أنهم يعودون إلى ما يشبه اليهود و النصارى في إتباعهم لأحبارهم و رهبانهم في تحريمهم و تحليلهم . فقد قال اللهتعالى : {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (التوبة : 31) . (الألباني : سلسلة الهدى و النور) .
سبب التعصب للأحزاب و الطوائف :
يرى الشيخ الألباني أن هناك سبباً رئيساً أدى إلى ظهور التعصب للأحزاب و الجماعات و الطوائف يتمثل في عدم تبني الكتاب و السنة و نهج السلف الصالح نظاماً و منهاجاً عملياً . و قد أوضح الشيخ هذا الأصل في حديثه عن الأحزاب الموجودة اليوم أو الجماعات القائمة على الأرض الإسلامية فقد تعددت مناهجها و اختلفت نظمها اختلافاً كبيراً .
بين الشيخ رحمه الله أن "لفظة الأحزاب ليس على منهج الإسلام الذي قال ربنا عز و جل : { وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{31} مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ{32}} (الروم 33,32) و قال في آية أخرى أن حزباً واحداً هو الذي يكون الحزب الناجح و الحزب الفالح و هو قوله تبارك وتعالى : {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام : 153) ، فالأحزاب كثيرة و السبل عديدة ، و الآيتان تلتقيان في ذم التعدد الحزبي و التعدد الطرقي . و يبين ربنا عز وجل في كل منهما بصراحة أن الطريقة الموصلة إلى الله عز و جل إنما هو طريق واحد . و لقد زاد النبي صلى الله عليه و سلم كغالب عادته مع كثير من آيات ربه ، فزاد بياناً تلك الآيتان بمثل قوله صلى الله عليه و سلم "و قد كان جالساً بين أصحابه جلسته الدالة على تواضعه ، كان جالساً على الأرض فخط عليها خطاً مستقيماً و خط حول هذا الخط المستقيم خطوطاً قصيرة ثم قرأ :{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام : 153) ،ثم قال و هو يمر أصبعه الشريفة على الخط المستقيم . هذا صراط الله و هذه طرق على رأس كل طريق منها شيطان يدعوا الناس إليه". أما الحديث الآخر و هو قوله صلى الله عليه و سلم : "تفرقت اليهود على إحدى و سبعين و تفرقت النصارى على اثنتين و سبعين فرقة و ستفترق أمتي على ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة . قالوا من هي يا رسول الله ؟ قال هي الجماعة" و في رواية أخرى "ما أنا عليه و أصحابي" . (الترمذي : د . ت ، 5/26) و هذا الحديث يؤكد أن النجاة لا تكون بالتفرق و التحزب إلى أحزاب و شيع و طرق شتى و إنما بالانتماء إلى طريق واحدة و بسلوك طريق واحدة ألا و هو طريق محمد صلى الله عليه و سلم .
لا يبقى بعد ذلك إلا حزب واحد أثنى عليه الله عز و جل في القرآن { فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة : 56) . و الذي يرغب أن يكون في هذا الحزب الذي كتب له الفلاح في الدنيا و الآخرة فلا يمكن أن يحقق ذلك في نفسه إلا إذا عرف علامة هذه الحزب و نظامه و منهجه " (الألباني : سلسلة الهدى و النور)
و يبين الشيخ سمات هذا الحزب فيقول : إذا كان الطريق الموصل إلى تحقيق هذا الحزب واحداً فلا بد كذلك أن يكون المنهج واحداً . فإذا تعددت المناهج لتلك الجماعات أو الطوائف و الأحزاب ، فلا شك أن التعدد لهذه المناهج فرع لتعدد الأحزاب و الجماعات .
و بين الشيخ رحمه الله أن قوله النبي صلى الله عليه و سلم : ( ما أنا عليه و أصحابي) في وصفه للفرقة الناجية في غاية الأهمية ، و أن سبيل هذه الفرقة الناجية ليس ما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم فحسب بل إضافة إلى ذلك ما كان عليه أصحابه رضي الله عنهم . (الألباني : سلسلة الهدى و النور) فلذا على جميع التكتلات الإسلامية الموجودة أن تقتدي بالصحابة .
سبل علاج التعصب للأحزاب و الطوائف و الجماعات :
وجد الباحث مجموعة من آراء الشيخ حول علاج هذا التعصب للأحزاب و الجماعات و الطوائف ، و كانت هذه الآراء على النحو التالي :
3- أن يقوم على هذا التكتل مجموعة من العلماء :
يقول الشيخ ناصر الدين رحمه الله : مشكلة أي تكتل في العالم الإسلامي هو فقدهم للعلماء الكثيرين ، فلا يكفي واحد أو اثنان أو ثلاثة أو خمسة أو عشرة ، و إنما يجب أن يكون هناك العشرات من العلماء و ذوي الاختصاصات المختلفة . فالتكتل الإسلامي يحتاج إلى أناس قد أوتوا حظاً من العلوم الضرورية . فهو (التكتل) يحتاج إلى أفراد مختلفين من كافة الاختصاصات . ينبغي أن لا نتصور أن من كان خطيباً مفوهاً أن يكون عالماً بالكتاب و السنة ، كما لا ينبغي أن نتصور العكس تماماً ، أن من كان عالماً بالكتاب و السنة أن يكون خطيباً مفوهاً ، أو أن يكون قد جمع العلوم كلها . أن يتوفر في شخص واحد كل المتطلبات التي تتطلبها الدعوة فهناك أفراد قليلون جداً جداًَ يعدون على الأصابع ، و على رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية . فهذا النقص الموجود في مجموع الأفراد إنما يكون بتكتل هؤلاء الأفراد و تطعيم كل علم بالآخر مما قام في مجموعة من الأفراد . (الألباني : سلسلة الهدى و النور, 1/320)
4- أن يكون هذا التكتل قائماً على الكتاب و السنة :
فيرى الشيخ الألباني أنه بعد تجمّع هؤلاء العلماء من كافة الاختصاصات فإن أول أمر يجب عليهم أن يهتموا به عند إقامة أي تكتل هو "أن يكون هذا التكتل قائماً على الكتاب و السنة .
فقال رحمه الله : علينا أن نسعى لإيجاد هؤلاء الأشخاص ثم أن يتكتلوا على عقيدة و على كلمة سواء و أن يسعوا في تطبيق هذا المنهج . (الألباني : سلسلة الهدى و النور , 1/320) .
5- أن يعطي هذا التكتل الحرية العلمية للأفراد :
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله : ينبغي على أي تكتل إسلامي صحيح أن يعطي للأفراد حريتهم العلمية . فلا مانع أن يكون في ذلك التكتل الإسلامي شخصان أحدهما يخالف الآخر . لأننا نعتقد (أن كل خير في اتباع من سلف و كل شر في ابتداع من خلف) فقد كان في السلف الأول نوع من الاختلاف في بعض المسائل الشرعية . فما كان ذلك بالذي يلزم الحاكم المسلم بأن يفرض رأيه على كل مسلم يتبناه و لو كان مخالفاً لرأي الفرد . (الألباني : سلسلة الهدى والنور , 1/320) .
6- أن يفهم أفراد هذا التكتل الإسلام فهماً صحيحاً و يربوا عليه :
بين الشيخ الألباني أهمية أن يولي هذا التكتل اهتماماً كبيراً بأن يعمل على تكتيل جماعة من المسلمين يفهمون الإسلام فهماً صحيحاً في كل فروعه و أصوله و يربون أنفسهم على ذلك كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم في أول بعثته (الألباني : سلسلة الهدى و النور ، 1/322) .
7- الاهتمام الأكبر بالنوع لا بالعدد :
أكد الشيخ الألباني على أن يهتم هذا التكتل بالأفراد و قد عاب الشيخ رحمه الله على بعض الأحزاب و التكتلات التي تجمع بين السني و البدعي ، و بين السلفي و الخلفي . بل قد يكون في بعضهم من هو ليس من أهل السنة و الجماعة (الألباني : سلسلة الهدى و النور ، 1/791 – 792) . لذا فعلى القائمين على التكتلات الإسلامية أن يهتموا بأن يكون أفراد هذا التكتل من أهل السنة و الجماعة أصحاب المنهج السلفي حيث قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيان الفرقة الناجية (إن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين و سبعين ملة و تفترق أمتي على ثلاث و سبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا و من هي يا رسول الله قال ما أنا عليه و أصحابي) . (الترمذي : د . ت ، 5 / 26) .
----------------------------
(*) جزء من دراسة علمية
يحتفظ الشيخ بحث التوثيق الكامل لعزمه على طباعة الكتاب في المستقبل
المصـدر (http://saaid.net/bahoth/33.htm#%28*%29)
الكاتب إياد محمد الشامي