تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حدبث الاحاد بين الاشاعرة في الجوهرة والسلف


ابو إبراهيم
2008-02-03, 21:37
البيجوري وحديث الآحـــاد

البيجوري من قوم لا يحتجون لعقائدهم إلا بالمتواتر لأنها قطعية بزعمهم ، ولا يقبلون حديث الآحــاد لأنه يفيد الظن فقط ، وهؤلاء القوم يزعمون التوقي لدينهم من الدخن والتحرز من اعتقاد الخطأ.

فهو يرفض حديث إطالة الأجل بصلة الرحم لأنه حديث آحــاد ولا يجزم أن للأنبيــاء أحواض لأنها أحاديث آحــاد "1".

وهذه المسألة هي من المسائل التي ظهرت عندما نبتت نابتة الســوء في تاريخ الإسـلام فدخلت آثار اليونان ونفايات السابقين إلى أُمتنا فصـارت مسلّمة لا شبهة فيها حتى زعم أقوام أن الإجماع قد انعقد على أن العقائد لا يقبل فيها إلا بالمتواتر .
قال الشيخ شلتوت: نصوص العلماء المتكلمين وأصوليين مجتمعة على أن خبر الآحـاد لا يفيد اليقين فلا تثبت به العقيدة ونجد المحققين من العلماء يصفون ذلك بأنه ضروري لا يصح أن ينازع أحد في شيء "2".
فعندما بلغ الأمر بهذه الأمة إلى هذه الحالة ، وصار أمر أعلامها وعلمائها إلى تقليد السابقين وترك النصوص والآثار ، تغيرت العقائد ومسخت أصول الإسلام ، فصــار المنطق اليوناني دثار الأصوليين ومهوى مرادهم.

وهذا الأمر –وهو ترك الحتجاج بحديث الآحــاد في العقائـد- صرف الناس عن طريق الهدى والصواب ، فتحجمت العقيدة ، وقلص التوحيـد ، فصــار أهل الكلام يملؤون مداخل العقيدة بآرائهم ونتاج عقولهم وأهوائهم فخرج الحق من نصله وحل الخبيث بدلاً منه ، ولعل قارئ شرح جوهرة التوحيـد للبيجوري يرى ذلك واضحاً جلياً.

ولأهمية هذه الردود على المذاهب الدخيلة التي تزيت بزي الإسـلام وعقيدته فإننا نقتصر على الإجـابة بالأدلة النقلية النصية وبأقوال أهل العلم الموثقين المقبولين بإجماع أهل الأمة.


تحقيق المسألة:

التواتر في لغة القرآن والعرب التتابع قل أو كثر قال تعالى: { ثم أرسلنا رسلنا تترا كل ما جاء أمة رسولها كذبوه }.

والمعنى أن الرسل تتابعت إلى أممها وتواترت إليها.

قال الشوكاني:
والمتواتر لغة عبارة عن مجيء الواحد بعد الواحد بفترة بينهما مأخوذ من الوتر"3".

وفي الاصطلاح: خبر جمع عن جمع محسوس يمنع تواطؤهم على الكذب "4" .

وقيل: هو أن يرويه جماعة عن جماعة مثلها من أول طريقه إليهم قرناً فقرناً حتى يصل من الصادر منه إلى المرفوع إليه.

والآحــاد: هو ما لم يوجد على صفة المتواتر.

ولا يظن ظان أن الآحاد ما رواه الواحد عن واحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فليس هذا المراد وإن عُد من الآحاد.

والمتواتر: عندهم هو أن يبلغ العدد مبلغاً من غير العادة تواطؤهم على الكذب ولا يُقيّد ذلك بعدد معين.

والمســالة كما هي معروضـة واضحة دائرة حول حصول الاطمئنان القلبي ، فهي في الأصل شاء المنكرون أم أبوا تعود إلى نفس الشخص السامع وحاله لا إلى ضابط صحيح.

وما دام أن المســألة تعود إلى السامع فقد يحصل الاطمئنان واليقين في نفس السامع بخبر الواحد فقط لاعتقاده بصدقه وقد لا يحصل الاطمئنان واليقين بخبر جماعة كثيرة لتردده وتوارد وساوسه.
ولعل إدراكنا لهذا الأمر يكشف لنا عن حقيقة أصل هذه البدعة –وهي رفض حديث الآحاد في العقيدة- وهو أن أقواماً ظنوا أن الحقائق هي ما وجدوه من نفايات اليونان ؛ فوجدوا أن هذه الحقائق كما زعموا تخالف ما ورد من كتاب الله وسنة رسوله سواء أكانت هذه المسائل في الإلهيات أم في غيرها فانتحلوا الأسبـاب والدلائل لردها لحصول الشك لديهم في هذه النصوص فابتدع لهم شيطانهم هذه المقالة.

قال ابن القيم:
وأعلم أن خبر الواحد وإن كان يحتمل الصدق والكذب والظن وللتجوز فيه مدخل ؛ ولكن هذا الذي قلناه –وهو أن الحديث بنفسه يفيد العلم- لا يناله أحد إلا بعد أن يكون معظم وقته مشتغلاً بالحديث والبحث عن سيرة النقلة والرواة ليقف على رسوخهم في هذا العلم وكبير معرفتهم به وصدق ورعهم في أقوالهم وأفعالهم وشدة حذرهم من الطغيان والزلل وما بذلوه من شدة العناية في تمهيد هذا الأمر والبحث عن أحوال الرواة والوقوف على صحيح الأخبار وسقيمها وكانوا بحيث لو قتلوا لم يسامحوا أحداً في كلمة واحدة يتقولها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فعلوا هم بأنفسهم ذلك وقد نقلوا هذا الدين كما نقل إليهم وأدوا كما أدى إليهم وكانوا في صدق العناية والاهتمام بهذا الشأن ما يجلّ عن الوصف ويقصر دونه الذكر وإذا وقف المرء على هذا في شأنهم وعرف أحوالهم وخبر صدقهم وورعهم وأمانتهم ظهر له العلم فيما نقلوه ورووه "5".

ولآن أهل الحديث هم أدرى الناس بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أعلم أمة محمد صلى الله عليه وسلم بما يفيد الاطمئنان واليقين من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لا يفيد ذلك فقد حاول الخصوم إخراج هؤلاء الزمرة من ساحة المحاورة ليخلو لهم الجو فينشروا بضاعتهم الفجة ويوردها الناس بلا مدافع ولذلك قالوا:
"وبعدما تبين اختصاص كل علم بموضوعه يتضح أن تحقيق مسألة عدم جواز الاستدلال بحديث الآحـاد في العقيدة إنما يكون في علم أصول الفقه ولا تعلق له بالمسائل الفقهية والحديثية إلا من حيث التمثيل والتوضيح ؛ بل هي التي لها علاقة بعلم الأصول أو لم يبنوا بحث هذه المسألة على الأسس الأصولية يكون بحثهم ناقصاً غير ناضج وبالتالي لا يعتد بآرائهم وأقوالهم في هذا الموضوع" "6" .

وبياناً لهذا المعنى يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:
كون الدليل من الأمور الظنية أو القطعية أمر نسبي يختلف باختلاف المدرك المستدل ليس هو صفة للدليل في نفسه فهذا أمر لا ينازع فيه عاقل فقد يكون قطعياً عند زيد ما هو ظني عند عمرو فقولهم إن إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة المتلقاة بين الأمة بالقبول لا تفيد العلم ؛ بل هي ظنية هو إخبار عما عندهم إذ لم يحصل لهم من الطرق التي استفاد بها العلم أهل السنة ما حصل لهم فقولهم لم نستفد بها العلم لم يلزم منها النفي العام على ذلك بمنزلة الاستدلال على أن الواجد للشيء العالم به غير واجد له ولا عالم به فهو كمن يجد من نفسه وجعاً أو لذة أو حباً أو بغضاً فينتصب له من يستدل على أنه غير وجع ولا متألم ولا محب ولا مبغض ويكثر له من الشبه التي غايتها أني لم أجد ما وجدته ولو كان حقاً لاشتركت أنا وأنت في وهذا عين الباطل وأحسن ما قيل:
أقول للائم المهدي ملامته *** ذق الهوى وإن استطعت الملام لم

فيقال له:
اصرف عنايتك إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم والحرص عليه وتتبعه وجمعه ومعرفة أحوال نقلته وسيرتهم وأعراض عما سواه واجعله غاية طلبك ونهاية مقصدك ؛ بل احرص عليه حرص أتباع أرباب المذاهب على معرفة مذاهب أئمتهم بحيث حصل لهم العلم الضروري بأنها مذاهبهم وأقوالهم ولو أنكر ذلك عليهم منكر لسخروا منه ، وحينئذٍ تعلم هل تفيد أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم العلم أولا تفيده فأما مع إعراضك عنها وعن طلبها فهي لا تفيدك علماً ، ولو قلت: لا تفيدك أيضاً ظناً لكنت مخبراً بحصتك ونصيبك منها "7" .


أقوال الأئمـــة في هذا المســـألة:
ذكر كثير من أهل العلم الإجماع السلفي على قبول حديث الآحـاد في العقائد وأنه يفيد العلم كما أنه يفيد العمل.
قال السفاريني في لوامع الأنوار البهية:
يعمل بخبر الآحــاد في أصول الدين ، وحكى الإمام ابن عبدالبر الإجماع على ذلك"8".

وقال الإمام الشافعي رحمه الله:
ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذه السبيل (أي تثبت بخبر الواحد) "9".

وقال رحمه الله:
ولو جاز لأحد أن يقول في علم الخاصة: أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه ، بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته جاز لي. ولكني أقول: لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد ، بما وصفت من أن ذلك موجوداً على كلهم "10" .

قال ابن القيم رحمه الله:
وقد صرح الشافعي في كتبه بأن خبر الواحد يفيد العلم ، نص على ذلك صريحاً في كتاب اختلاف مالك.

وفي كتاب المسودة قال أبو بكر المروزي: قلتُ لأبي عبدالله (الإمام أحمد) : ههنا إنسان يقول: إن الخبر يوجب عملاً ولا يوجب علماً ، فعابه وقال: ما أدري ما هذا.
قال المؤلف: وظاهر هذا أنه سوى فيه بين العمل والعلم "11".

وقال السفاريني: نقل أحمد بن جعفر الفارسي في كتاب الرسالة عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه قال: لا نشهد على أحد من أهل القبلة أنه في النار لذنب عمله ولا لكبيرة أتاها إلا أن يكون ذلك في حديث كما جاء نصدقه أنه كما جاء فقوله: ونعلم أنه كما جاء نص صريح في أن هذه الأحاديث تفيد العلم عنده "12" .

قال الشوكاني: وقال أحمد بن حنبل أن يفيد بنفسه العلم "13" .

وقال: وحكاه ابن جواز منداد عن مالك بن أنس واختاره "14".

وقال ابن حزم: وقد ثبت يقيناً أن خبر الواحد العدل عن مثله مبلغاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حق مقطوع به موجب للعمل والعلم معاً "15".
وقال ابن أبي العز الحنفي: وخبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول ، عملاً به وتصديقاً له يفيد العلم اليقيني عند جماهير الأمة ، وهو أحد قسمي المتواتر.
ولم يكن بين سلف الأمة نزاع في ذلك كالأحاديث المتفق عليها بين الصحيحين: كخبر عمر إنما الأعمال بالنيات. وخبر ابن عمر رضي الله عنهما ((نهى عن بيع الولاء وهبته)) . وخبر أبي هريرة: ولا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها ، وكقوله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وأمثال ذلك "16".

وفي فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يجب العمل بالأحاديث الصحيحة التي لا يعلم لها معارض يدفعها وهي تنقسم إلى ما دلالته قطعية بأن يكون قطعي السند والمتن وهو ما تيقنا أن رسول الله قاله وتيقنا أنه أراد به تلك الصورة وإلى ما دلالته ظاهرة غير قطعية.

فأما الأول فلا خلاف بين العلماء في الجملة أنه يجب اعتقاد موجبه علماً وعملاً...

وقد اختلفوا في خبر الواحد الذي تلقته الأمة بالقبول والتصديق أو الذي اتفقت على العمل به ، فعند عامة الفقهاء وأكثر المتكلمين أنه يفيد العلم وذهب طوائف من المتكلمين إلى أنه لا يفيد ... وأما القسم الثاني وهو الظاهر فهذا يجب العمل به في الأحكام الشرعية باتفاق العلماء المعتبرين فإن كان تضمن حكماً علمياً مثل الوعيد ونحوه فقد اختلفوا فيه فذهب طوائف من الفقهاء إلى أن خبر الواحد العدل إذا تضمن وعيداً على فعل فإنه يجب العمل به في تحريم ذلك الفعل ولا يعمل به في الوعيد إلا أن يكون قطعياً وكذلك لو كان المتن قطعياً لكن الدلالة ظاهرة. وذهب الأكثرون من الفقهاء وهو قول عامة السلف إلى أن هذه الأحاديث حجة في جميع ما تضمنته من الوعيد فإن أصحاب رسول الله والتابعين من بعدهم ما زالوا يثبتون بهذه الأحاديث الوعيد كما يثبتون بها العمل "17" .

وقال رحمه الله:
ومن الحديث الصحيح ما تلقاه المسلمون بالقبول فعملوا به فهذا يفيد العلم ونجزم بأنه صدق لأن الأمة تلقته بالقبول تصديقاً وعملاً بموجبه والأمة لا تجتمع على ضلالة"18".

ويقول كذلك:
" فالخبر الذي رواه الواحد من الصحــابة والاثنان إذا تلقته الأمة بالقبول والتصديق أفاج العلم عند جماهير العلماء ومن الناس من يسمي هذا المستفيض ، والعلم هنا حصل بإجماع العلماء على صحته فإن الإجماع لا يكون على خطأ ولهذا كان أكثر متون الصحيحين مما يعلم صحته عند علماء الطوائف من الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية والأشعرية وإنما خالف في ذلك فريق من أهل الكلام""19".

قال الشوكاني:
ولا نزاع في أن خبر الواحد إذا وقع الإجماع على العمل بمقتضاه فإنه يفيد العلم لأن الإجماع عليه قد صيره من المعلوم صدقه ، وهكذا خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول فكانوا بين عامل به ومتأول له ومن هذا القسم أحاديث الصحيحين فإن الأمة قد تلقت ما فيها بالقبول"20".

قال ابن حزم:
قال أبو سليمان والحسين بن علي الكرابيسي والحارث بن أسد المحاسبي: إن خبر الواحد العدل عن مثله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب العلم والعمل جميعاً"21".

وقال ابن تيمية رحمه الله:
وهو قول المنصفين من أصحاب أبي حنيفة ، ومالك والشافعي وأحمد ، إلا فرقة قليلة من المتأخرين اتبعوا في ذلك طائفة من أهل الكلام أنكروا ذلك.
وقال: وأهل الحديث والسلف على ذلك ، وهو قول أكثر الأشعرية ، كأبي إسحاق وابن فورك.
وقال: وهو قول أبي حامد وأبي الطيب وأبي إسحاق من الشافعية ، وقول القاضي عبدالوهاب من المالكية ، وهو قول السرخسي وأمثاله من الحنفية ، وإذا كان الإجماع على تصديق الخبر موجباً للقطع به فالاعتبار في ذلك بإجماع أهل العلم والحديث "22".

قال أبو إسحاق الإسفراييني:
أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبـار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بصحة أصولها ومتونها ، ولا يحصل الخلاف فيها بحال ، وإن حصل فذاك اختلاف في طرقها ورواتها ؛ قال: فمن خالف حكمه خبراً منها وليس له تأويل سائغ للخبر ، نقضنا حكمه ، لأن هذه الأخبــار تلقتها الأمة بالقبول "23".

وقال ابن حجر:
الخبر المحتف بالقرائن قد يفيد العلم خلافاً لمن أبى ذلك "24".

هذه أقوال لأساطين العلم وجهابذة الفتوى يرون أن حديث الآحــاد يفيد العلم والعمل وأن هذه الأحاديث كما توجب العلم والعمل كذلك هي حجة في العقائد والتصورات والزعم بخلاف ذلك أمر محدث بدعي لم يعلم عند السلف السابقين اه- والى جزا اخر ان شاء الله.
-----ابو ابراهيم --

حسين القسنطيني
2008-02-13, 13:45
أخي الفاضل صاحب الموضوع، بارك الله فيك على الجهد، و نسأل الله أن يوسع صدرك لما سنشير به عليك، فموضوع إفادة خبر الآحاد للعلم مسألة درسها علماء الدين من قبل الشوكاني و ابن القيم و ابن تيمية عليهم رحمة الله، و كنت أريدك أن تنقل عنهم كلامهم في المسألة قبل أن تعرض ما ذهب إليه هؤلاء أو ابن منداد و نقله عن مالك ما لا يوثق، و يكفيك في هذه المسألة أن أعلمك و لعلك أعلم مني بذلك أن أقوال الأئمة كلهم على هذا أي عدم إفادته العلم مطلقا ما لم يحتف بقرائن، فلو تركنا القرائن جانبا و لم يحتف بها، فهو غير مفيد للعلم، و عيبنا أننا نسرع في تغليط مشايخنا من أمثال الشيخ شلتوت رحمه الله تعالى حتى من قبل أن نحقق المسائل، يا أخي الفاضل، و قبل أن أنقل إليك كلام المذاهب الأربعة في المسألة و حتى الظاهرية، اسألك سؤالا، أنت فيما نقلته عن بعض علماء الدين المتأخرين إذا كان خبر الآحاد
نقلت عن الشوكاني رحمه الله قوله :
ولا يظن ظان أن الآحاد ما رواه الواحد عن واحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فليس هذا المراد وإن عُد من الآحاد. اه

فهل هذا النوع من الآحاد يفيد العلم؟ فإن لم يفد هذا العلم بالإتفاق فيعتبر خبر الآحاد غير مفيد للعلم عند الإطلاق، و لكي يفيد علما عليه أن يحتف بقرائن أو يبلغ درجة التواتر المعنوي أن تتلقاه الأمة بالقبول أو غير ذلك مما اشترطه علماء الأصول، و لكن إلقاء الكلام هكذا على الإطلاق و نبز المخالف لهذا الكلام لهو خروج عن مذهب أهل السنة و الجماعة، و شذوذ في الدين، و يكفينا أنه إن أفاد خبر الآحاد على إطلاقه العلم فإن منكره و راده يكون كافرا يكون كافرا، كيف و قد ثبت عن أعلام الدين ردهم لأحاديث صحاح، و في علم الأصول كثير من الأبواب فيما إذا تعارض نصان، فهل العلم بأحدهما، يقضي على العلم بالأخر و يلغيه؟ لأنه بذلك يكون قدحا في المعلم، والله أعلى و أعلم و هو يهدي للتي هي أقوم، ثم ألا ترى معي أخي الفاضل أن خبر الآحدا لو أفاد العلم لكانت القراءات الشاذة من القرآن لإفادتها العلم، فكيف لم يدرجها سلفنا الصالح في القرآن مع أن الناقل لها هو ابن مسعود رضي الله عنه، و لعلنا نفصل لك مسألة الفرق بين التبليغ و الرواية إذا ما احتججت بفعله صلى الله عليه و سلم من بعثه لمعاذ لوحده، و على كل فالمسألة مبثوثة في كتب الأصول و الدين، و نحن مطالبون بالتحري عن الحق في كتب الأقدمين، و لعلك تطالع ما نقلته من كلام بعض العلماء في هذا لتعلم اشتراطهم المضمن للشروط التي قالها مفصلة علماء الدين
ثم قلت أخي الفاضل :
ولعل إدراكنا لهذا الأمر يكشف لنا عن حقيقة أصل هذه البدعة –وهي رفض حديث الآحاد في العقيدة- اه
و هذه مغالطة بالعرض أخي الكريم، فالذي يقول بعدم إفادة خبر الآحاد للعلم، لا يقول برفضه في العقيدة، و لكن لا يسمى ما جاء في الحديث معلوما من الدين بالضرورة و تكفير الناس على حسابه، لأن من أنكر شيئا ورد في حديث آحاد و لم يحتف بالقرائن، لا يكون كافرا، و كم من عالم من علماء المسلمين تعقبوا البخاري و مسلما رحمهما الله تعالى على أحاديث صحت عندهما و لم تصح عند غيرهما، و كم هي الأحاديث التي صحت عند مالك رحمه الله و هو أعلم الناس بالسنة و لم تفد عنده لا علما و لا عملا، بل رواها في موطئه و لم يعمل بها... و ليتك أخي لم تطلق الكلام بخصوص الشيطان و وحيه، فربما قدحت في علماء المسلمين و تلقى الله بها يوم القيامة، فاستبرئ أخي الفاضل.
أما قول ابن القيم رحمه الله تعالى:
قال ابن القيم:
وأعلم أن خبر الواحد وإن كان يحتمل الصدق والكذب والظن وللتجوز فيه مدخل ؛ ولكن هذا الذي قلناه –وهو أن الحديث بنفسه يفيد العلم- لا يناله أحد إلا بعد أن يكون معظم وقته مشتغلاً بالحديث والبحث عن سيرة النقلة والرواة ليقف على رسوخهم في هذا العلم وكبير معرفتهم به وصدق ورعهم في أقوالهم وأفعالهم وشدة حذرهم من الطغيان والزلل وما بذلوه من شدة العناية في تمهيد هذا الأمر والبحث عن أحوال الرواة والوقوف على صحيح الأخبار وسقيمها وكانوا بحيث لو قتلوا لم يسامحوا أحداً في كلمة واحدة يتقولها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فعلوا هم بأنفسهم ذلك وقد نقلوا هذا الدين كما نقل إليهم وأدوا كما أدى إليهم وكانوا في صدق العناية والاهتمام بهذا الشأن ما يجلّ عن الوصف ويقصر دونه الذكر وإذا وقف المرء على هذا في شأنهم وعرف أحوالهم وخبر صدقهم وورعهم وأمانتهم ظهر له العلم فيما نقلوه ورووه "5".
فصدق، لكنه لا يحمل محمل الإطلاق، و عند البحث و التنقيب نجد أحاديث صحت و صح ناقلوها و لكن منها الشاذ و منها المضطرب و منها ما وهم فيه الناس، و منها المؤول و المجمل و ما إلى ذلك من تفصيلات دقق فيها علماء الأصول رحمهم الله...
أما أقوال العلم التي نقلتها فتحتاج إلى ضبط و تمعن، و ليس من نقل متشابها أو ما لا يصح كمن روى محكما، و لو شئت أخي الفاضل أتيناك بالنقول عنهم كلهم أي الأئمة الأربعة و من جاء بعدهم من علماء المسلمين، و من خاصة أهل الحديث كما تحب و ترضى... و لو شئت أخي نقلت لك حتى من ابن تيمية رحمه الله و ابن القيم قولهما صريحا عدم الإطلاق في إفادة خبر الآحاد للعلم، و إنما يفيد ذلك متى احتف بقرائن... أي أن القول بإفادته لنفسه العلم قول شاذ... والله أعلى و أعلم و هو يهدي للتي هي أقوم...