أم عبد المصوّر
2010-05-13, 16:38
.......من المشاكل الكبرى التي واجهت – وتواجه - سير ديننا ومسيرة مجتمعنا:
مشكلة الشيعة والتشيع.
كم قال لنا (الحكماء) يوصوننا به قبل السفر ومعه وبعده:
عليكم بالرفق فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه. إياكم ومسائل الخلاف وحديث الاختلاف. بينوا للناس الحق وإياكم وذكرَ الباطل لئلا تُنَفروهم فتخسروهم، وبدل أن تلعن الظلام أشعل شمعة! قولوا لهم: إن عمر هو زوج أم كلثوم بنت علي، واذكروا لهم العلاقة الطيبة بين علي والصحابةإلخ... إلخ؟!
وحزمنا حقائبنا محشوة بهذه الوصايا، ورحنا ننفق منها بلا حساب، وزدنا عليها بما جادت به قرائحنا. بل صرنا (فقهاء) نُنَظِّر لهذا (الفقه) فنأتي منه بكل عجيب!.
لكننا كنا نقرأ القرآن فتقفنا منه آيات بينات، ونصطدم بالواقع فنعرف وننكر! وشيئاً فشيئاً صار بعض الوصايا لدينا في موضع الشك، وبدأنا نراجع الحساب لنرى من أين أُتينا فرأس المال يكاد يطير!.
واكتشفنا - بعد سلسلة من التجارب الفاشلة والناجحة التي مارسنا من خلالها دورنا في الرصد وتسجيل الملاحظات وتجميعها وتحليلها، ومتابعة الخطوات الناجحة من الفاشلة، ومحاولة إرجاع كل إلى أسبابه - اكتشفنا أن تلك (الوصفة) غير مكتملة العناصر من جهة، وأنها - من جهة أخرى - غير ناجعة في أغلب الحالات؛ لا بسبب عدم اكتمالها فحسب، وإنما لكونها مستوردة من محيط يختلف كثيراً عن المحيط الآخر الذي يراد لها أن تطبق فيه دون مراعاة لجوانب الاختلاف.
بل أستطيع أن أقول: إن أهم سبب وراء استمرار المرض وتفاقمه وانتشاره هو أن الدواء يجرب على مريضين يختلفان في أصل الداء، وإن بدت الأعراض في ظاهرها بينهما متشابهة.
الوصفة غير مكتملة العناصر
أما عدم اكتمال عناصر (الوصفة) فأول دليل عليه:
أن دين الله قام علـى فضح الباطل وأهله والتنديد بهم وبيان سبيلهم وأساليبهم وأضاليلهم جنباً إلى جنب مع بيان الحق ومدح أهله والدعوة إليه.
بل إن بيان الحق لا يتم إلا ببيان الباطل، وإن الثاني يتقدم على الأول في أصل القاعدة الصحيحة، وفي الذكر في مواضع كثيرة من القرآن الكريم.
ويكفينا في ذلك قوله تعالى:
(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (الفاتحة:7،6)،
وقوله: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)
(الأنعام:55)،
وقوله: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)
(البقرة:256).
فالقول بأن قضية كبيرة ومشكلة خطيرة كقضية (التشيع) يمكن علاجها بالإشارة والإيماء، دون وضعها على طاولة التشريح وعرض خباياها على الملأ لا يمكن أن يكون تعبيراً عن دعوة جادة محترمة لها هدف بعيد وبرنامج مدروس. إنما هو مجرد أحلام لا تليق إلا بمجموعة من البسطاء (الطيبين).
الدواء مستورد
وأما السبب الأكبر القائم على كون الدواء مستورداً من محيط إلى
محيط آخر مختلف فهو يجرب على مريضين مختلفين في أصل
العلة أو الداء فهذا أعني به أمرين:
أولهما:
أن هذه الأساليب تنفع في برنامج الدعوة الفردية، ولا تصلح أن تكون خطاباً مؤثراً في برنامج دعوة الإسلام الجماعية، التي تخاطب المجتمع كمجموع، وليس كأفراد منعزلين في دوائر ضيقة يعالجون بهذه الأساليب التي يمكن أن تؤتي ثمارها فيبدأ بالتغير بها بعض الأفراد يقلون أو يكثرون، دون أن يكتمل هذا التغيير في نهاية المطاف ببيان الحق من الباطل، ودون أن يؤثر ذلك ليحدث انعطافة في مسيرة المجتمع. إنما الذي يمكن أن يحدث هذه الانعطافة هو الخطاب الذي يتوجه إلى المجتمع ككل. وأُولى فقرات هذا الخطاب أن يكون صريحاً واضحاً في بيانه للحق وللباطل. وهكذا كانت دعوة الأنبياء عليهم السلام، بل كل الدعوات الناجحة على مر التأريخ.
المشكلة أن الكثيرين لا يدركون الفرق بين برنامج الدعوة الفردية، وبرنامج الدعوة الجماعية. فيقعون في مطب المراوحة فوق موضع الخطوة الأولى، وفي الوقت نفسه تخدعهم بعض النجاحات المحدودة على المستوى الفردي، أو نجاحات أخرى كانت نتاج أساليب اقتربت عفوياً من الأسلوب الجماعي، فيخلطون هذا بذاك ويجعلونه كلاً دليلاً على صحة ما يذهبون إليه. وهذا يؤدي بهم إلى الفشل في نهاية المطاف؛ لنقلهم مضامين وأساليب المعالجة الفردية التي لا يجيدون سواها – هذا في أحسن الأحوال - إلى غير مجالها وهو المجال الجماعي. ولا شك أن العقلية الجمعية للمجتمع - وكذلك نفسيته وثقافته كمجموع - تختلف في كل ذلك عن أي فرد من أفراد المجتمع كلاً على حدة. وهذا يستدعي – بلا شك عند كل عاقل أدرك هذا الفرق الدقيق - اختلافاً في المؤثرات التغييرية سواء في الأسلوب أو المضمون. وقد شرحت ذلك مفصلاً في كتاب: (لا بد من لعن الظلام) في الفصل الأخير منه.
وثانيهما:
تبين لنا بعد تلك التجارب الطويلة الفاحصة أن أدواء المجتمعات الشيعية تختلف في طبيعتها عن أدواء المجتمعات السنية. وهذا هو موضوع كتابـي هذا، الذي هو أحد أبواب الكتاب المذكور آنفاً استللته من هناك وأفردته هنا بتصرف أوسع، ودراسة أعمق.
إن (التشيع) عبارة عن مجموعة عقد وأمراض نفسية قبل أن يكون مشكلة عقيدية أو فكرية. إنه عقد نفسية أفرزت مشاكل عقيدية وسلوكية. أو هو مشاكل عقيدية وسلوكية كان لا بد لها أن تكون عن قصد وعمد بسبب انحرافات وعقد نفسية. ولهذا كان من الصعب علاجه علاجاً فكرياً مجرداً عن إدخال العنصر النفسي في معادلة العلاج.
إنه دين يشبه دين اليهود تماماً!
هل تستطيع أن تقول لي: لماذا لم يهتد اليهود وعلى يد أعظم الحكماء والحلماء ؟ ألخلل في البيان القرآني أو النبوي؟
كلا.
فالله تعالى يقول عنهم:
(وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (البقرة:145).
إنها معاندة مع سبق الإصرار على المخالفة. فالمخالفة عندهم غاية.
والسبب أمراض وعقد نفسية:
(أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ).
ما خالف العامة ففيه الرشاد...؟!
وكذلك الحال مع الشيعة!.
وإلا بم تفسر منهاجهم الذي يسيرون عليه في تعاملهم مع أهل السنة الذي لخصته الرواية التالية التي افتروها على سيدنا الإمام جعفر الصادق رحمه الله : (ما خالف العامة ففيه الرشاد)[1] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn1) ؟!. وأبسط وأوضح تطبيق له عندهم مخالفتهم الدائمة لنا في صومهم وفطرهم وعيدهم.
سألني صديق: لماذا لا يعجلون فيسبقونا بيوم؟ قلت: خشيةً من احتمال أن نوافقهم!
فهم لا يعلنون عن توقيتهم حتى يطمئنوا إلى إمكانية المخالفة. حتى غدا الأمر مما يتندر به وتحاك حوله الطرائف والنكت!.
قيل: إن بعثياً شيعياً احتفل في يوم 8 نيسان بمناسبة مولد الحزب ، فقال له رفاقه: لقد تأخرت يوماً! فأجابهم: ألا تدرون أنني شيعي؟!.
وقد حاول الرئيس العراقي السابق أحمد حسن البكر أن يضع علاجاً لهذا الاختلاف في الصيام والأعياد بأن طرح حلاً واقعياً على المرجع الشيعي أبي القاسم الخوئي قال له: سنوافقكم نحن في توقيتكم فلا نعلن عن صيام أو عيد حتى تخبرونا أنتم أولاً ! فرفض الخوئي هذا المقترح!
بماذا تفسر هذا الإصرار على المخالفة؟!
وصدق الله تعالى إذ يقول:
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ) (يونس:42،43).
مرضى الوهم
وهكذا هم في جل مخالفاتهم ينطلقون من موقف نفسي يفرض عليهم خلافاً فكرياً أو فقهياً أو سياسياً....إلخ...
خذ مثلاً هذا الاعتقاد الراسخ والشائع لدى الشيعة بأن أهل السنة يكرهون (أهل البيت) ويسبونهم ويتنقصون منهم. هل هناك شاهد واحد وعلى مر العصور يؤيده ؟
حينما كنا صغاراً نلعب في الحارة كان من المعتاد أن نسمع أحياناً بعض الأطفال الشيعة - إذا انتابه الغضب لسبب أو لآخر - يصب جام غضبه فيسب الحسين أو العباس، هذا مع سب الرحمان جل وعلا! وكنا نقابل ذلك بالاستغفار، حتى إننا لنقول لذلك الطفل مستنكرين: لماذا (تكفر بالعباس …). لكنني لا أذكر – ولو مرةواحدة- أنني سمعت طفلاً سنياً يسب أحداً من (أهل البيت) .
ولا شك أن هذا راجع إلى التربية البيتية؛ فإن تصرفات الطفل وتصريحاته في الحارة أو الشارع تعكس ما يدور في بيته. وهذا يعني أن ذلك الطفل يرى أمه أو أباه إذا غضب تناول تلك الأسماء بلسانه.
وفي الوقت نفسه يتعبد جمهور الشيعة ببغض الصحابة وسبهم على اعتبار أنهم اغتصبوا الخلافة، واضطهدوا علياً وفاطمة إلخ... فإذا واجهتهم بهذه الحقيقة جحدوا بها رغم استيقان أنفسهم لها!
أحمد الوائلي لم يتردد ولم يتلعثم وهو يقول ويصرح على الملأ في لقاءعلى إحدى القنوات الفضائية بالنفي المطلق لكون الشيعة يسبون الصحابة! وتحدى بكل صفاقة أن يأتيه أحد بدليل واحد عن عالم معتبر ، نال منهم في كتاب من كتبه!
(والله يشهد إنهم لكاذبون * اتخذوا أيمانهم جنة) !.
من أين جاء هذا الاعتقاد الوهمي والأمر على هذه الحال؟!
فلا توجد أية مقدمة يمكن أن يُستند إليها للوصول إلى هذه التهمة الباطلة! التي يُحَمَّل أهل السنة مسؤوليتها صغاراً وكباراً، ولم تنفع محاولات العلماء والكتاب والخطباء - وهم يكيلون المدح كيلاً - في دفع التهمة أو التخفيف من آثارها. فتجد الواحد منا إذا ذكر علياً فلا أقل من أن يترضى عنه كما يفعل مع أبي بكر وعمر وبقية الصحابة..........
ومع كل هذا وغيره لا تزال التهمة تلاحقنا كالظل!
لو كان السبب شبهة فكرية لانحل الإشكال بالبيان، ولكنه علل وعقد نفسية تجعل أصحابها يصرون على التهمة مهما كانت فاقدة لأدلة الإثبات!
[1] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref1) أصول الكافي 1/68 .
المصدر : من كتاب ( التشـيـــع عقيدة دينية ؟ أم عقدة نفسية) مع قليل من التصرف
مشكلة الشيعة والتشيع.
كم قال لنا (الحكماء) يوصوننا به قبل السفر ومعه وبعده:
عليكم بالرفق فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه. إياكم ومسائل الخلاف وحديث الاختلاف. بينوا للناس الحق وإياكم وذكرَ الباطل لئلا تُنَفروهم فتخسروهم، وبدل أن تلعن الظلام أشعل شمعة! قولوا لهم: إن عمر هو زوج أم كلثوم بنت علي، واذكروا لهم العلاقة الطيبة بين علي والصحابةإلخ... إلخ؟!
وحزمنا حقائبنا محشوة بهذه الوصايا، ورحنا ننفق منها بلا حساب، وزدنا عليها بما جادت به قرائحنا. بل صرنا (فقهاء) نُنَظِّر لهذا (الفقه) فنأتي منه بكل عجيب!.
لكننا كنا نقرأ القرآن فتقفنا منه آيات بينات، ونصطدم بالواقع فنعرف وننكر! وشيئاً فشيئاً صار بعض الوصايا لدينا في موضع الشك، وبدأنا نراجع الحساب لنرى من أين أُتينا فرأس المال يكاد يطير!.
واكتشفنا - بعد سلسلة من التجارب الفاشلة والناجحة التي مارسنا من خلالها دورنا في الرصد وتسجيل الملاحظات وتجميعها وتحليلها، ومتابعة الخطوات الناجحة من الفاشلة، ومحاولة إرجاع كل إلى أسبابه - اكتشفنا أن تلك (الوصفة) غير مكتملة العناصر من جهة، وأنها - من جهة أخرى - غير ناجعة في أغلب الحالات؛ لا بسبب عدم اكتمالها فحسب، وإنما لكونها مستوردة من محيط يختلف كثيراً عن المحيط الآخر الذي يراد لها أن تطبق فيه دون مراعاة لجوانب الاختلاف.
بل أستطيع أن أقول: إن أهم سبب وراء استمرار المرض وتفاقمه وانتشاره هو أن الدواء يجرب على مريضين يختلفان في أصل الداء، وإن بدت الأعراض في ظاهرها بينهما متشابهة.
الوصفة غير مكتملة العناصر
أما عدم اكتمال عناصر (الوصفة) فأول دليل عليه:
أن دين الله قام علـى فضح الباطل وأهله والتنديد بهم وبيان سبيلهم وأساليبهم وأضاليلهم جنباً إلى جنب مع بيان الحق ومدح أهله والدعوة إليه.
بل إن بيان الحق لا يتم إلا ببيان الباطل، وإن الثاني يتقدم على الأول في أصل القاعدة الصحيحة، وفي الذكر في مواضع كثيرة من القرآن الكريم.
ويكفينا في ذلك قوله تعالى:
(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (الفاتحة:7،6)،
وقوله: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)
(الأنعام:55)،
وقوله: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)
(البقرة:256).
فالقول بأن قضية كبيرة ومشكلة خطيرة كقضية (التشيع) يمكن علاجها بالإشارة والإيماء، دون وضعها على طاولة التشريح وعرض خباياها على الملأ لا يمكن أن يكون تعبيراً عن دعوة جادة محترمة لها هدف بعيد وبرنامج مدروس. إنما هو مجرد أحلام لا تليق إلا بمجموعة من البسطاء (الطيبين).
الدواء مستورد
وأما السبب الأكبر القائم على كون الدواء مستورداً من محيط إلى
محيط آخر مختلف فهو يجرب على مريضين مختلفين في أصل
العلة أو الداء فهذا أعني به أمرين:
أولهما:
أن هذه الأساليب تنفع في برنامج الدعوة الفردية، ولا تصلح أن تكون خطاباً مؤثراً في برنامج دعوة الإسلام الجماعية، التي تخاطب المجتمع كمجموع، وليس كأفراد منعزلين في دوائر ضيقة يعالجون بهذه الأساليب التي يمكن أن تؤتي ثمارها فيبدأ بالتغير بها بعض الأفراد يقلون أو يكثرون، دون أن يكتمل هذا التغيير في نهاية المطاف ببيان الحق من الباطل، ودون أن يؤثر ذلك ليحدث انعطافة في مسيرة المجتمع. إنما الذي يمكن أن يحدث هذه الانعطافة هو الخطاب الذي يتوجه إلى المجتمع ككل. وأُولى فقرات هذا الخطاب أن يكون صريحاً واضحاً في بيانه للحق وللباطل. وهكذا كانت دعوة الأنبياء عليهم السلام، بل كل الدعوات الناجحة على مر التأريخ.
المشكلة أن الكثيرين لا يدركون الفرق بين برنامج الدعوة الفردية، وبرنامج الدعوة الجماعية. فيقعون في مطب المراوحة فوق موضع الخطوة الأولى، وفي الوقت نفسه تخدعهم بعض النجاحات المحدودة على المستوى الفردي، أو نجاحات أخرى كانت نتاج أساليب اقتربت عفوياً من الأسلوب الجماعي، فيخلطون هذا بذاك ويجعلونه كلاً دليلاً على صحة ما يذهبون إليه. وهذا يؤدي بهم إلى الفشل في نهاية المطاف؛ لنقلهم مضامين وأساليب المعالجة الفردية التي لا يجيدون سواها – هذا في أحسن الأحوال - إلى غير مجالها وهو المجال الجماعي. ولا شك أن العقلية الجمعية للمجتمع - وكذلك نفسيته وثقافته كمجموع - تختلف في كل ذلك عن أي فرد من أفراد المجتمع كلاً على حدة. وهذا يستدعي – بلا شك عند كل عاقل أدرك هذا الفرق الدقيق - اختلافاً في المؤثرات التغييرية سواء في الأسلوب أو المضمون. وقد شرحت ذلك مفصلاً في كتاب: (لا بد من لعن الظلام) في الفصل الأخير منه.
وثانيهما:
تبين لنا بعد تلك التجارب الطويلة الفاحصة أن أدواء المجتمعات الشيعية تختلف في طبيعتها عن أدواء المجتمعات السنية. وهذا هو موضوع كتابـي هذا، الذي هو أحد أبواب الكتاب المذكور آنفاً استللته من هناك وأفردته هنا بتصرف أوسع، ودراسة أعمق.
إن (التشيع) عبارة عن مجموعة عقد وأمراض نفسية قبل أن يكون مشكلة عقيدية أو فكرية. إنه عقد نفسية أفرزت مشاكل عقيدية وسلوكية. أو هو مشاكل عقيدية وسلوكية كان لا بد لها أن تكون عن قصد وعمد بسبب انحرافات وعقد نفسية. ولهذا كان من الصعب علاجه علاجاً فكرياً مجرداً عن إدخال العنصر النفسي في معادلة العلاج.
إنه دين يشبه دين اليهود تماماً!
هل تستطيع أن تقول لي: لماذا لم يهتد اليهود وعلى يد أعظم الحكماء والحلماء ؟ ألخلل في البيان القرآني أو النبوي؟
كلا.
فالله تعالى يقول عنهم:
(وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (البقرة:145).
إنها معاندة مع سبق الإصرار على المخالفة. فالمخالفة عندهم غاية.
والسبب أمراض وعقد نفسية:
(أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ).
ما خالف العامة ففيه الرشاد...؟!
وكذلك الحال مع الشيعة!.
وإلا بم تفسر منهاجهم الذي يسيرون عليه في تعاملهم مع أهل السنة الذي لخصته الرواية التالية التي افتروها على سيدنا الإمام جعفر الصادق رحمه الله : (ما خالف العامة ففيه الرشاد)[1] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn1) ؟!. وأبسط وأوضح تطبيق له عندهم مخالفتهم الدائمة لنا في صومهم وفطرهم وعيدهم.
سألني صديق: لماذا لا يعجلون فيسبقونا بيوم؟ قلت: خشيةً من احتمال أن نوافقهم!
فهم لا يعلنون عن توقيتهم حتى يطمئنوا إلى إمكانية المخالفة. حتى غدا الأمر مما يتندر به وتحاك حوله الطرائف والنكت!.
قيل: إن بعثياً شيعياً احتفل في يوم 8 نيسان بمناسبة مولد الحزب ، فقال له رفاقه: لقد تأخرت يوماً! فأجابهم: ألا تدرون أنني شيعي؟!.
وقد حاول الرئيس العراقي السابق أحمد حسن البكر أن يضع علاجاً لهذا الاختلاف في الصيام والأعياد بأن طرح حلاً واقعياً على المرجع الشيعي أبي القاسم الخوئي قال له: سنوافقكم نحن في توقيتكم فلا نعلن عن صيام أو عيد حتى تخبرونا أنتم أولاً ! فرفض الخوئي هذا المقترح!
بماذا تفسر هذا الإصرار على المخالفة؟!
وصدق الله تعالى إذ يقول:
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ) (يونس:42،43).
مرضى الوهم
وهكذا هم في جل مخالفاتهم ينطلقون من موقف نفسي يفرض عليهم خلافاً فكرياً أو فقهياً أو سياسياً....إلخ...
خذ مثلاً هذا الاعتقاد الراسخ والشائع لدى الشيعة بأن أهل السنة يكرهون (أهل البيت) ويسبونهم ويتنقصون منهم. هل هناك شاهد واحد وعلى مر العصور يؤيده ؟
حينما كنا صغاراً نلعب في الحارة كان من المعتاد أن نسمع أحياناً بعض الأطفال الشيعة - إذا انتابه الغضب لسبب أو لآخر - يصب جام غضبه فيسب الحسين أو العباس، هذا مع سب الرحمان جل وعلا! وكنا نقابل ذلك بالاستغفار، حتى إننا لنقول لذلك الطفل مستنكرين: لماذا (تكفر بالعباس …). لكنني لا أذكر – ولو مرةواحدة- أنني سمعت طفلاً سنياً يسب أحداً من (أهل البيت) .
ولا شك أن هذا راجع إلى التربية البيتية؛ فإن تصرفات الطفل وتصريحاته في الحارة أو الشارع تعكس ما يدور في بيته. وهذا يعني أن ذلك الطفل يرى أمه أو أباه إذا غضب تناول تلك الأسماء بلسانه.
وفي الوقت نفسه يتعبد جمهور الشيعة ببغض الصحابة وسبهم على اعتبار أنهم اغتصبوا الخلافة، واضطهدوا علياً وفاطمة إلخ... فإذا واجهتهم بهذه الحقيقة جحدوا بها رغم استيقان أنفسهم لها!
أحمد الوائلي لم يتردد ولم يتلعثم وهو يقول ويصرح على الملأ في لقاءعلى إحدى القنوات الفضائية بالنفي المطلق لكون الشيعة يسبون الصحابة! وتحدى بكل صفاقة أن يأتيه أحد بدليل واحد عن عالم معتبر ، نال منهم في كتاب من كتبه!
(والله يشهد إنهم لكاذبون * اتخذوا أيمانهم جنة) !.
من أين جاء هذا الاعتقاد الوهمي والأمر على هذه الحال؟!
فلا توجد أية مقدمة يمكن أن يُستند إليها للوصول إلى هذه التهمة الباطلة! التي يُحَمَّل أهل السنة مسؤوليتها صغاراً وكباراً، ولم تنفع محاولات العلماء والكتاب والخطباء - وهم يكيلون المدح كيلاً - في دفع التهمة أو التخفيف من آثارها. فتجد الواحد منا إذا ذكر علياً فلا أقل من أن يترضى عنه كما يفعل مع أبي بكر وعمر وبقية الصحابة..........
ومع كل هذا وغيره لا تزال التهمة تلاحقنا كالظل!
لو كان السبب شبهة فكرية لانحل الإشكال بالبيان، ولكنه علل وعقد نفسية تجعل أصحابها يصرون على التهمة مهما كانت فاقدة لأدلة الإثبات!
[1] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref1) أصول الكافي 1/68 .
المصدر : من كتاب ( التشـيـــع عقيدة دينية ؟ أم عقدة نفسية) مع قليل من التصرف