تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : البردة في الميزان


ابو إبراهيم
2008-01-30, 22:23
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على المصطفى وبعد:قصيدة البردة من القصائد الشهيرة في المديح النبوي، هامَ فيها أهل التصوف فشرحوها عشرات المرات وبلغات مختلفة، وشطَّروهــا، وخمَّسوهـا، وسبَّعوها، وعارَضوها، ونظموا على نهجها، وغَلَوْا فيها حتى جعل بعضهم لأبياتها بركة خاصة وشفاء من الأمراض، بل إن من كَتَبَةِ الأحجبةِ والتمائم من يستخدم لكل مرض أو حاجة بيتاً خاصاً: فبيتٌ لمرض الصرع، وبيتٌ للحفظ من الحريق، وآخر للتوفيق بين الزوجين، وهكذا

وكانت البردة وما تزال عند بعض الناس من الأوراد التي تُقرأ في الصباح والمساء في هيبة وخشوع، وأبياتها تُستعمل إلى اليوم في الرُّقَى وتتلى عند الدفن، وقد وضعوا لها شروطاً عند قراءتها كالوضوء واستقبال القبلة، وغير ذلك. وزعموا أن سبب تسميتها بالبردة أنَّ صاحبها ألقاها أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام فألقـى علـيه النبـي - صلى الله عليه وسلم - بردته كما ألقاها على كعب بن زهير ـ رضي الله عنه ـ يقظة، مع أن قصة كعب بن زهير هذه لم تثبت بإسناد صحيح. وزعموا أنه كان مريضاً بالفالج فشفي بها ولذلك سميت بالبُرْأة، وبلغ غلوُّهم فيها أن زعموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شاركه في نظمها وأنه كان يتمايل عند سماعها؛ فلما انتهى الناظم إلى قوله:

(فمبلغُ العلمِ فيه أنه بشرٌ)... توقف، فأضاف النبي - صلى الله عليه وسلم - : (وأنه خيرُ خلقِ الله كلهمِ)

هذه القصيدة انتقدها كثيرٌ من أهل العلم في أبيات معـينة تـعدُّ من أكثر الأبيات غُلُوّاً عندهم، ودافع عنها آخرون وردُّوا ما وُجِّه إليها من نقد، معلِّلين كل بيت منتَقَد فيها بما ينفي عـلة النـقد. ومن هذه الأبيات المنتقَدة التي دافع عنها أتبـاع البوصـيري قوله
إن لم يكن في معادي آخذاً بيدي = فضلاً وإلا فقل يا زلَّةَ القدم

وقوله:
يا أكرمَ الخلق ما لي من ألوذُ به = سواكَ عند حلولِ الحادثِ العَمِمِ

وقوله:


فإنَّ من جودك الدنيا وضرَّتها = ومن علومك علم اللوح والقلمِ


فأصبح كثير من الناس لا يعرفون غلوَّ البوصيري إلا من قصيدته البردة، ولا يعرفون ما في البردة من غلوٍّ إلا من هذه الأبيات؛
نبذة مختصرة عن البوصيري.

أما البوصيري فهو أبو عبد الله محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري، مصري النشأة، مغربي الأصل، شاذلي الطريقة(2).

ولد سنة 608 هـ وتوفي سنة 696 هـ، والرجل لم يكن عالماً قط، ولم يعدَّه أحدٌ من المترجمين له في عداد العلماء، بل عـدُّوه مـن الشـعراء، ومن عدَّه كذلك من المعاصرين لم يستطع أن يثبت ذلك، وإنما هي ألقاب تكال كيلاً كما هي عادة القوم.
*** من اقوال العلماءفي البردة
العلامة محمد بن على الشوكاني
فانظر رحمك الله تعالى ما وقع من كثير من هذه الأمة من الغلو المنهى عنه المخالف لما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما يقوله صاحب البردة رحمه الله تعالى :
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ***** سواك عند حلول الحادث العمم
فانظر كيف نفى كل ملاذ ما عدا عبدالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وغفل عن ذكر ربه ورب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لله وإنا إليه راجعون .
وهذا باب واسع ، قد تلاعب الشيطان بجماعة من أهل الإسلام حتى ترقوا إلى خطاب غير الأنبياء بمثل هذا الخطاب ، ودخلوا من الشرك في أبواب بكثير من الأسباب .
ومن ذلك قول من يقول مخاطباً لابن عجيل :
هات لي منك يابن موسى إغاثة ***** عاجلاً في سيرها حثاثة
فهذا محض الاستغاثه التي لاتصلح لغير الله لميت من الأموات قد صار تحت أطباق الثرى من مئات السنين .
وقد وقع في البردة والهمزية شيء كثير من هذا الجنس ، ووقع أيضاً لمن تصدى لمدح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولمدح الصالحين والأئمة الهادين ما لا يأتي عليه الحصر ، ولا يتعلق بالاستكثار منه فائدةٌ فليس المراد إلا التنبيه والتحذير لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد ( 59 / 60 )
*******************************************
كلام العلامة عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين
قال العلامة عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين :
قول الناظم : إن من جودك الدنيا وضرتها : أ ي من عطائك وإنعامك وإفضالك الدنيا والآخرة ، وهذا كلام لا يحتمل تأويله بغير ذلك ، ووازن بين قول الناظم من جودك الدنيا وضرتها وبين قوله تعالى : ( قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً) [ الجن : 21 ] . وقوله ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ) [ الأنعام : 50 ] .
قال ابن كثير : " قل لا أقول لكم عندي خزائم الله " أي خزائن رزقه فأعطيكم ما تريدون ( ولا أعلم الغيب ) فأخبركم بما غاب مما مضى وما سيكون ( ولا أقول لكم إني ملك ) ؛ لأن الملك يقدر على ما لا يقدر عليه الآدمي ويشاهد ما لا يشاهده الآدمي .
وقوله تعالى : ( قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السـوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون) [ الأعراف : 118 ] . ص / 25
ــــــــــــ
وازن بين قول يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك ، وبين قول الذي له النبي صلى الله عليه وسلم : " أجعلتني لله ندًّا حيث قال له ما شاء الله وشئت " . فهذا لو قال ما لي من ألوذ به إلا الله وأنت ، لكان أقبح من قول القائل ما شاء الله وشئت ؛ لأن الله أثبت للعبد مشيئة لقوله : لمن شاء منكم أن يستقيم [ التكوير 28 ] فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا [ الإنسان : 29 ] فكيف إذا أفرد الرسول باللياذ والالتجاء من عذاب ذلك اليوم لا تكلم فيه نفس إلا بإذنه ! . ص / 45
ـــــــــــ
قول صاحب البردة
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ***** ومنقذي من عذاب الله والألم
هو استغاثة بل من أبلغ ألفاظ الاستغاثة، كقول الأبوين ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنـا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) [ الأعراف : 23 ] . وقول نـوح : (وإلا تغفر لي وترحمني أكـن من الخاسرين [ هود : 47 ] . وقول بني إسرائيل : لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين ) [ الأعراف : 149 ] . أترى أن الأبوين وجميع المذكورين يخبرون الله بأنه إن لم يغفر لهم ويرحمهم فهم خاسرون وأن هذا منهم مجرد إخبار ، بل كل أحد يعرف أن هؤلاء الذين أخبر الله عنهم بهذا الكلام يسألون الله ويرغبون إليه في أن يغفر لهم ويرحمهم ومعترفون بأنه إن لم يغفر لهم ويرحمهم فهم خاسرون .
وأما قول صاحب البردة وقول المشطِّر :
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ***** سواك عند حلول الحادث العم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي**** ومنقذي من عذاب الله والألم
................................. ***** فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
أي وإن لم تأخذ بيدي وتنقذني من عذاب الله فقل يا زلة القدم . أي فأنا خاسر أو هالك ، فهـو كقول الأبوين ( وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكـونن من الخاسريـن ) [ الأعراف : 23 ] . وقول نـوح : ( وإلا تغفـر لي وترحمني أكن من الخاسرين ) [ هود : 47 ] . وقول بني إسرائيل ( لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين) [ الأعراف : 149 ] . ص / 58 / 59
ـــــــــــ
كتاب تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس . ص ( 25 / 45 / 58 / 59 )
للعلامة عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين ـ رحمه الله ـ انتهى المقال والى مقال اخر بحول الله –ابو ابراهيم الجزائري.

علي الجزائري
2008-01-30, 23:32
جزاك الله خيرا و زادك حرصا على الإفادة ...

ابو إبراهيم
2008-01-30, 23:55
امين واياكم ،شكرا على الامرار والتشجيع- اخوكم ابو ابراهيم-

SALIM-DZ
2008-01-31, 09:37
بارك الله فيك اخي ابا ابراهيم...
ومادمت على الحق فإلى الامام ونحن معك...
موفق يا أخ

مهاجر إلى الله
2008-01-31, 10:19
بارك الله فيك على الإضافات والفوائد......
والعجب العجاب أن القبوري علي الجفري...رأيته وسمعته يتغنى بها مع مخرفيه ....

فأين الغيرة على التوحيد ؟؟؟
وأين إخلاص التوجه لله ؟؟
وأين تصفية العقيدة التي ترك عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته من بعده...؟؟
نسأل الله السلامة والعافية

حسين القسنطيني
2008-02-14, 10:31
إتماما للنفع لإخواني المسلمين الجزائريين نرفع لكم هذه الرسالة في الكلام بخصوص البردة، نسأل الله أن ينفع بها، و لا تنسونا من صالح دعائكم...

ابو إبراهيم
2008-02-14, 12:28
وفقنا الله واياكم لصالح الاعمال -- وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الاثم والعدوان--- ابو ابراهيم الجزائري----

حسين القسنطيني
2008-02-15, 16:12
أخي الفاضل أبو ابراهيم، أنا اعتذر أن المرفق لم يرفع و كنت أحب أن يجده إخواني الجزائريون لتعم الفائدة و يتبصروا بحقيقة البردة المباركة، و أنا أدعوك أخي على حسب مقالتك من أن علماء كثر ردوا عليها أن أنقل لكم عن كل واحد تسميه ممن انتقد البردة اثنين من كبار علماء الدين أثنوا عليها و شرحوها... فإن أبيت فاعرض لنا في كل مرحلة شيئا تنكره فينا لنبينه لك و موافقته للحق و لقول الله و رسوله عليه و على آله الصلاة و السلام، فإن أبيت نقلت لك كلام الشيخ العثيمين رحمه الله في انتقاده و الذي يحوي كلاما كفريا عميت عنه الأبصار و لم تدرك سوى بلاغة البوصيري رحمه الله... فاختر أي المناهج تريد و أنا طوع أمرك و رهن إشارتك، و إن أحببت أجزتك في البردة إجازة شيخي احمد الإماراتي لي... والله المستعان...
أنا أكتب هذا لأنني كنت كتبت ردا كاملا على مداخلتك و كان طويلا ما كتبت، ثم عند محاولة رفعه انفصل الخط و لم يعد ما كتبت والله المستعان... فأرجو أن يتسع صدرك لتكتب أول نقطة تنتقدها على البوصيري رحمه الله...

حسين القسنطيني
2008-02-16, 15:10
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه و بعد:

هذه القصيدة انتقدها كثيرٌ من أهل العلم
هلا ذكرت لنا أهل العلم هؤلاء حتى ننظر كم هم بارك الله فيك، لأن الكثرة بالعدد، و أنا أدعي أن كثيرا من أهل العلم أثنوا عليها و على قائلها و كثير منهم شرحها و وضح معانيها... و أما من اعترض على بعض الأبيات فيها فقد وقع فيما كان يرجو الخلاص منه فتلفظ بكلام لا يصح في حق الله عزوجل، كقول القائل إذا كان النتبي يعلم كل هذا فماذا يتبقى لله، تعالى الله عن أن يحد علمه أو يحصر... و لعل الإخوة اهتموا برده أو ردود من رد، و نسي ما هو أدهى و أمر... والله المستعان.

و أما قوله رحمه الله تعالى:

إن لم يكن في معادي آخذاً بيدي = فضلاً وإلا فقل يا زلَّةَ القدم

وقوله:
يا أكرمَ الخلق ما لي من ألوذُ به = سواكَ عند حلولِ الحادثِ العَمِمِ

فهذان البيتان موافقان للسنة النبوية و اعتقاد أهل السنة و الجماعة في المقام المحمود و الشفاعة، و نحن نرتجي أن ننال منها حظا، و لا نأمن على أنفسنا بأفعالنا، بل هي خير لنا من أفعالنا إن لم يحرمنا الله تعالى منها، و لذلك كان عمر يحب النبي صلى الله عليه و سلم حتى قال له: "الآن يا عمر" لأن سيدنا عمر وجد أن النبي أنفع له من نفسه فكان أحب إليه من نفسه، و أما أكرم الخلق فسيدنا محمد صلى الله عليه و على آله و سلم هو أكرم الخلق كما دلت عليه الحديث الشريف عند الترمذي و الدارمي، و أما أنه يلوذ به، فصحيح و كل الخلائق تلوذ به بعد أن تذهب للأنبياء فيجعل الواحد منهم يحيلهم للآخر حتى لا يجدون غير نبينا صلى الله عليه و على آله و سلم فيقول لهم أنا لها ، أنا لها، و أما قول البعض لماذا لا يلوذ بالله، فقد شارح الناظم ذلك بقوله إذ الكريم تجلى باسممنتقم، و هو من موافقة الحديث من أن الله قد غضب غضبة لم يغضب قبلها قط و لن يغضب بعدها مثلها، فكان الناس كلهم يرجون من يتوسط لهم عند ربهم ليبدأ الحساب، و هذا مبثوث في حديث الشفاعة...

وقوله:

فإنَّ من جودك الدنيا وضرَّتها = ومن علومك علم اللوح والقلمِ

فأما الشطر الأول فاستعمل فيه البوصيري عليه رحمة الله القرينة السببية في علاقة المجاز المرسل و الذي هو من بين أبلغ صنوف البلاغة و المجاز البليغ الذي استعمله رب العزة في مثل قوله تعالى:" و ينزل لكم من السماء رزقا" فأرزاق الناس لا تنزل من السماء كما هي بل ينزل الله المطر الذي يتسبب في إخراجها للناس من الأرض، فكذلك أراد الناظم في هذا الشطر تبيين صلاح الدنيا و الآخرة به صلى الله عليه و على آله و سلم و ربما نعود إلى هذه النقطة من خلال مبحث يعرض وقوع المجاز في القرآن الكريم بين النافين (و هم قليل شاذون) و المثبتين له...
و أما الشطر الثاني من البيت فقال المعترض بأن من تبعيضية، و هذا ليس دائما واقع، و لكننا حتى لو سلمنا بأنها تبعيضية فماذا في ذلك؟ فمعلوم أن اللوح و القلم كتب بهما أقدار ما هو كائن منذ بدأ الخلق إلى قيام الساعة، و أما ما بعد ذلك فليس فيهما شيء منه بدلالة الحديث، فالعلم المتضمنانه علم محصور بفترة زمنية، و قد دلت أحاديث كثيرة على أن رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم يعلم أكثر من ذلك، فهو بشر أقواما بالجنة، و في حديث اختصام الملأا ذكر أن ربه علمه كل شيء، و هناك من الأحاديث الكثيرة المصدقة لذلك و منها حديث "أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس..." و هو عند احمد و الطبراني و غيرهما و هو صحيح الإسناد، و كذلك حديث عمر بن الخطاب عندالبخاري من أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبرهم عن بدء الخلق و استرسل حتى أبلغهم و أما قولنا من أنها ليست دائما تبعيضية، فلأنها من قبيل قوله تعالى: "إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله و كلمته ألقاها إلى مريم و روح منه" فهل يقال هنا بأن نبي الله عيسى بعض من ربنا سبحانه و تعالى عما يقول النصارى علوا كبيرا...
و على فكرة فصاحب البردة هو نفسه من ابتدأها بقوله دع ما ادعته النصارى في نبيهم، فقد نهى أن يماثل مدحنا رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم ما قاله النصارى في نبي الله عيسى فأودى بهم ذلك إلى الكفر و العياذ بالله لأنهم أخذوا بظاهر ما وجدوه عندهم كما في الآية السابقة، تعالى الله أن يكون له ولد أو جزء أو بعض...و رحم الله البوصيري
يتبع إن شاء الله