أمين إسلام
2010-05-08, 12:02
16_ التنزه عن الحسد:
فمن جميل أخلاق المعلمين أن يتنزهوا عن الحسد، وأن يؤثروا على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة؛ لأن الحسد اعتراض على حكمة الله، وشح بالخير على عباد الله.
فأعيذك بالله _أيها المعلم المبارك_ من الحسد؛ لأن الحاسد لا تعلو به رتبة، ولا يهدأ له بال؛ فهو دنيء مهين النفس، ولأنه بحسده اشتغل بما لا يعنيه، فأضاع ما يعنيه، وما يعود عليه بالخير والنفع، فتراه يزري بفلان، وينتقص فلاناً؛ محاولاً بذلك تهديم أقدارهم، والنهوض على أكتافهم، وغاب عنه أن الرافع الخافض هو الله _عز وجل_.
فمما يدل على نزاهة النفس وطهارة الطوية أن يترفع المرء عن الحسد، وأن يحب لإخوانه ما يحب لنفسه، فيفتح المجالات أمامهم، ويعطيهم فرصة للإبداع والحديث ونحو ذلك بعيداً عن الأثرة وحب التفرد بالخير.
ومما يجمل به في هذا الصدد أن يفرح لنجاحهم، ويحزن لإخفاقهم، فذلك مما يدل على رسوخ القدم في الفضيلة.
وبدلاً من الحسد خيراً للحاسد أن يرتقي بنفسه، وأن يسعى للسير في المعالي سعيه.
قال ابن المقفع: "ليكن ما تصرف به الأذى عن نفسك ألا تكون حسوداً؛ فإن الحسد خلق لئيم، ومن لؤمه أنه موكل بالأدنى فالأدنى من الأقارب، والأكفاء، والمعارف، والخلطاء؛ فليكن ما تعامل به الحسد أن تعلم أن خير ما تكون حين تكون مع من هو خير منك، وأنَّ غُنْماً حسناً لك أن يكون عشيرك وخليطك أفضل منك في العلم فتقتبس من علمه، وأفضل منك في القوة فيدفع عنك بقوته، وأفضل منك في المال فتفيد من ماله، وأفضل منك في الجاه فتصيب حاجتك بجاهه، وأفضل منك في الدين فتزداد صلاحاً بصلاحه "
17_ الاعتدال في الملبس:
فالمعلم قدوة، ومثال يُحتذى _كما مر_ آنفاً _ومما يحسن به أن يعتدل في ملبسه؛ لأن الملبس عنوان على انتماء الشخص، بل تحديدٌ له، وهل اللباس إلا وسيلة من وسائل التعبير عن الذات؟ فكن حذراً في لباسك؛ لأنه يُعبِّر لغيرك عن تقويمك في الانتماء، والتكوين والذوق.
ولهذا قيل: الحلية في الظاهر تدل على ميل الباطن.
والناس يُصَنِّفونك من لباسك، بل إن كيفية اللبس تعطي الناظر تصنيف اللابس من الرصانة، والتَّعَقُّل، أو التمشيخ والرهبنة، أو التصابي وحب الظهور؛ فخذ من اللباس ما يزينك ولا يشينك، ولا يجعل فيك مقالاً لقائل، ولا لمزاً للامز
فالإسلام_ وإن عني بتزكية الأرواح، وترقيتها في مراقي الفلاح_ لم يبخس الحواس حقها، بل قضى للأجسام لبانتها من الزينة والتجمل بالقسطاس المستقيم.
فالتجمل والعناية بالمظهر_ في حد ذاته_ أمر حسن؛ فالله _عز وجل_ جميل يحب الجمال، ويحب أن يُرى أثر نعمته على عبده.
وإنما المحذور هو المبالغة في التجمل، وصرف الهمة للتأنُّق، واشتداد الكلف بحسن البزة والمظهر؛ فهذا الصنيع يقطع عن الاهتمام بإصلاح النفس، ويومئ إلى نقص متأصل.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " إياكم لبستين: لبسةً مشهورة، ولبسة محقورة "
وقال بعض الحكماء: " البس من الثياب ما لا يزدريك فيه العظماء، ولا يعيبك الحكماء "
وقيل:
أما الطعام فكل لنفسك ما اشتهت**والبس لباساً يشتهيه الناس
قال الماوردي رحمه الله: " واعلم أن المروءة أن يكون الإنسان معتدل الحال في مراعاة لباسه من غير إكثار أو اطراح؛ فإن اطراح مراعاتها، وترك تفقُّدها مهانة وذلة، وكثرة مراعاتها، وصرف الهمة إلى العناية لها دناءة ونقص.
وربما توهم من خلا من فضل، وعري من تمييز أن ذلك هو المروءة الكاملة، والسيرة الفاضلة؛ لما يرى من تَمَيُّزه عن الأكثرين، وخروجه عن جملة العوام المسترذلين.
وخفي عليه أنه إذا تعدى طوره، وتجاوز قدره كان أقبح لذكره، وأبعث على ذمه "
قال المتنبي:
لا يعجبن مضيماً حسنُ بزته**وهل يروق دفيناً جودةُ الكفن
وخلاصة القول أن الشارع قد فوض في أمر اللباس إلى حكم العادة، وما يليق بحال الإنسان؛ فإذا جرت العادة بلبس نوع من الثياب، وكان مستطيعاً له، فعدل عنه إلى صنفٍ أسفلَ منه أو أبلى قَبُح به الحال، وكره له؛ لأن بذاذة اللباس ورِثَّته مما تقذفها العيون، وتنشز عنها الطباع، فتلقي بصاحبها إلى الهوان، والالتفات إليه بألحاظ الازدراء.
وأما الخروج عن المعتاد، والتطلع إلى ما هو أنفس وأغلى _فمرفوض كما مر.
قال المعري:
وإن كان في لبس الفتى شرف له**فما السيف إلا غمدُه والحمائل
بل تجد أكثر الناس يَسْتَحقُّون بمن يتعدى طور أمثاله في ملبسه، ويعدونه سفهاً في العقل، وطيشاً مع الهوى.
هذا وقد عُلم بالتَّتَبُّع والاستقراء أن كل عرف خالف الشرع فإنه ناقص مختل.
وهذه قاعدة مُطَّرِدة لا تنتقض.
18_ الاعتدال في المزاح:
فالطلاب ينتابهم الكسل، ويغلب عليهم السآمة والملل؛ فإذا لَطَّف المعلم حرارة الدرس، وكسر حدة الجد بشيء من المزاح كان ذلك باعثاً على النشاط، مجدداً للهمة.
ولكن يراعي في ذلك ما يلي:
أ_ ألا يكون المزاح كثيراً:
لأن كثرة المزاح تسقط الهيبة، وتُخلُّ بالمروءة، وتجرئ الأنذال.
قال ابن جماعة رحمه الله في أدب المعلم: " ويتقي المزاح، وكثرةَ الضحك؛ فإنه يقلل الهيبة، ويسقط الحشمة كما قيل: من مزح استخف به، ومن أكثر من شيء عُرِف به "
وقال أحد الشعراء:
فإياك إياك المزاحَ فإنه يُجَرِّي** عليك الطفل والدَّنِس النذلا
ويذهب ماء الوجه بعد بهائه ** ويورثه من بعد عزته ذلا
ب_ أن يكون المزاح منضبطاً في حدود الأدب واللياقة:
فلا يسمح للطلاب أن يَسِفُّوا بالمزاح، أو أن يتجاوزوا حدود الأدب.
لا تَمزَحَنْ وإذامزحت فلا يكن**مزحاً تضاف به إلى سوء الأدب
واحذر ممازحةً تعود عداوةً ** إن المزاح على مقدمة الغضب
جـ _ أن يتجنب المزاح مع من لا يَرْغَب فيه:
فقد يمازح المعلم طالباً لا يتحمل المزاح، كأنْ يكون شديد الحياء، أو ذا نفس متوترة قلقة، أو نحو ذلك فإذا مازحه المعلم نفر من الدرس، وثقل على الحاضرين، وثقلوا عليه.
د_ ألا يمازح السفهاء:
لأنه قد يسمع منهم ما لا يرضيه كما سيأتي بعد قليل عند الحديث عن مجاراة السفهاء.
هـ _تجنب الإحراج:
فلا يوقع نفسه في حرج، ولا يوقع الطلاب في حرج؛ بحيث يكون المزاح في أمور واضحة لا يترتب عليها ما يوقع الحرج.
و_ ألا يسمح بالفوضى تعم القسم.
ز_ ألا يكون المزاح على حساب وقت الدرس.
وبالجملة فالمزاح في الكلام كالملح في الطعام؛ إن عدم أو زاد عن الحد فهو مذموم.
أفِدْ طبعَك المكدودَ بالجدِّ راحةً ** يَجِمَّ وعَلِّلْهُ بشيء من المزح
ولكن إذا أعطيته المزح فليكن **بمقدارما تعطي الطعام من الملح
والعرب تقول في أمثالها: " الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة، والإفراط في الأنس مكسبة لقرناء السوء "
19_ محاسبة النفس:
فمما يجب علينا _معاشر المعلمين_ أن نقف مع أنفسنا، وأن ننقد ذواتنا؛ سعياً في الكمال، وحرصاً على النهوض بما أنيط بنا من أعمال؛ إذ لا يليق بنا أن نزكي أنفسنا بالأقوال دون الأفعال، ونُبَرِّأها من العيوب والنقائص؛ لأن هذا عين الجهل، وآية الغفلة؛ فالإصلاح لا يتأتى بتجاهل العيوب، ولا بإلقاء الستار عليها؛ فنحن في تحمل الأمانة أمام رب العالمين يعلم ما نخفي من النيات، وما نعلن من الأعمال، وأمام تاريخ لا يغادر سيئة ولا حسنة إلا أحصاها؛ فلنحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، ولنجعل من ضمائرنا علينا رقيباً.
هذا ومما يعين على محاسبة النفس وتلافي العيوب ما يلي:
أ_ الإقرار بالنقص:
قال ابن حزم رحمه الله : " لو علم الناقص نقصه لكان كاملاً "
وقال: " لا يخلو مخلوق من عيب، فالسعيد من قلَّت عيوبه ودقَّت "
ب_ أن نعرف عيوبنا:
فمعرفة الداء تعين على وصف الدواء، قال ابن المقفع: " من أشد عيوب الإنسان خفاءُ عيوبه عليه؛ فإن من خفي عليه عيبُه خفيت عليه محاسن غيره.
ومن خفي عليه عيبُ نفسه، ومحاسنُ غيره فلن يقلع عن عيبه الذي لا يعرف، ولن ينال محاسن غيره التي لا يبصر أبداً "
وقال محمود الوراق رحمه الله :
أتم الناس أعرفُهم بنقصه ** وأقمعهم لشهوته وحرصه
وقال ابن حزم رحمه الله : " واعلم يقيناً أنه لا يسلم إنسيٌّ من نقص حاشا الأنبياء _صلوات الله عليهم_ فمن خفيت عليه عيوبُ نفسه فقد سقط، وصار من السخف، والرذالة، والخسة، وضعف التمييز والعقل، وقلة الفهم بحيث لا يتخلف عنه متخلف من الأراذل، وبحيث ليس تحته منزلة من الدناءة؛ فليتدارك نفسه بالبحث عن عيوبه، والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها، وعن عيوب غيره التي لا تضره لا في الدنيا ولا في الآخرة "
جـ _ أن نسعى في الخلاص من العيوب:
فلا يكفي مجرد معرفة العيوب، بل لا بد من السعي في الخلاص منها.
قال _تعالى_: [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى] (الأعلى: 14).
وقال: [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا] (الشمس: 9).
قال ابن حزم رحمه الله : " العاقل من مَيَّزَ عيوب نفسه، فغالبها، وسعى في قمعها، والأحمق هو الذي يجهل عيوب نفسه إما لقلة علمه وتمييزه، وضعف فكرته؛ وإما لأنه يُقَدِّر أن عيوبه خصال، وهذا أشد عيب في الأرض"
د_ حسن التعاهد للنفس:
قال ابن المقفع: " ليحسن تعاهدُك نَفْسَك بما تكون به للخير أهلاً؛ فإنك إن فعلت ذلك أتاك الخير يطلبك كما يطلب الماء السيل إلى الحدورة "
وقال ابن حزم رحمه الله : " إهمال ساعة يفسد رياضة سنة "
هـ _ ألا نجعل إساءة الأمس مسوغةً لإساءة اليوم، ولا إساءة فلان من الناس مسوغة لإساءتنا:
قال ابن حزم رحمه الله : " لم أرَ لإبليس أصْيَدَ، ولا أقبح، ولا أحمق من كلمتين ألقاها على ألسنة دعاته، إحداهما: اعتذار من أساء بأن فلاناً أساء قبله.
والثانية: استسهال الإنسان أن يسيء اليوم؛ لأنه قد أساء أمس، أو أن يسيء في وجه ما؛ لأنه قد أساء في غيره.
فقد صارت هاتان الكلمتان عذراً مسهلتين للشر، ومُدْخِلَتين له في حد ما يعرف، ويحمل، ولا ينكر"
و_ الاطلاع على الجديد والمفيد فيما يخدم التربية والتعليم:
فذلك مما ينمي المهارة، ويعين على الارتقاء بالمستوى.
فمن جميل أخلاق المعلمين أن يتنزهوا عن الحسد، وأن يؤثروا على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة؛ لأن الحسد اعتراض على حكمة الله، وشح بالخير على عباد الله.
فأعيذك بالله _أيها المعلم المبارك_ من الحسد؛ لأن الحاسد لا تعلو به رتبة، ولا يهدأ له بال؛ فهو دنيء مهين النفس، ولأنه بحسده اشتغل بما لا يعنيه، فأضاع ما يعنيه، وما يعود عليه بالخير والنفع، فتراه يزري بفلان، وينتقص فلاناً؛ محاولاً بذلك تهديم أقدارهم، والنهوض على أكتافهم، وغاب عنه أن الرافع الخافض هو الله _عز وجل_.
فمما يدل على نزاهة النفس وطهارة الطوية أن يترفع المرء عن الحسد، وأن يحب لإخوانه ما يحب لنفسه، فيفتح المجالات أمامهم، ويعطيهم فرصة للإبداع والحديث ونحو ذلك بعيداً عن الأثرة وحب التفرد بالخير.
ومما يجمل به في هذا الصدد أن يفرح لنجاحهم، ويحزن لإخفاقهم، فذلك مما يدل على رسوخ القدم في الفضيلة.
وبدلاً من الحسد خيراً للحاسد أن يرتقي بنفسه، وأن يسعى للسير في المعالي سعيه.
قال ابن المقفع: "ليكن ما تصرف به الأذى عن نفسك ألا تكون حسوداً؛ فإن الحسد خلق لئيم، ومن لؤمه أنه موكل بالأدنى فالأدنى من الأقارب، والأكفاء، والمعارف، والخلطاء؛ فليكن ما تعامل به الحسد أن تعلم أن خير ما تكون حين تكون مع من هو خير منك، وأنَّ غُنْماً حسناً لك أن يكون عشيرك وخليطك أفضل منك في العلم فتقتبس من علمه، وأفضل منك في القوة فيدفع عنك بقوته، وأفضل منك في المال فتفيد من ماله، وأفضل منك في الجاه فتصيب حاجتك بجاهه، وأفضل منك في الدين فتزداد صلاحاً بصلاحه "
17_ الاعتدال في الملبس:
فالمعلم قدوة، ومثال يُحتذى _كما مر_ آنفاً _ومما يحسن به أن يعتدل في ملبسه؛ لأن الملبس عنوان على انتماء الشخص، بل تحديدٌ له، وهل اللباس إلا وسيلة من وسائل التعبير عن الذات؟ فكن حذراً في لباسك؛ لأنه يُعبِّر لغيرك عن تقويمك في الانتماء، والتكوين والذوق.
ولهذا قيل: الحلية في الظاهر تدل على ميل الباطن.
والناس يُصَنِّفونك من لباسك، بل إن كيفية اللبس تعطي الناظر تصنيف اللابس من الرصانة، والتَّعَقُّل، أو التمشيخ والرهبنة، أو التصابي وحب الظهور؛ فخذ من اللباس ما يزينك ولا يشينك، ولا يجعل فيك مقالاً لقائل، ولا لمزاً للامز
فالإسلام_ وإن عني بتزكية الأرواح، وترقيتها في مراقي الفلاح_ لم يبخس الحواس حقها، بل قضى للأجسام لبانتها من الزينة والتجمل بالقسطاس المستقيم.
فالتجمل والعناية بالمظهر_ في حد ذاته_ أمر حسن؛ فالله _عز وجل_ جميل يحب الجمال، ويحب أن يُرى أثر نعمته على عبده.
وإنما المحذور هو المبالغة في التجمل، وصرف الهمة للتأنُّق، واشتداد الكلف بحسن البزة والمظهر؛ فهذا الصنيع يقطع عن الاهتمام بإصلاح النفس، ويومئ إلى نقص متأصل.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " إياكم لبستين: لبسةً مشهورة، ولبسة محقورة "
وقال بعض الحكماء: " البس من الثياب ما لا يزدريك فيه العظماء، ولا يعيبك الحكماء "
وقيل:
أما الطعام فكل لنفسك ما اشتهت**والبس لباساً يشتهيه الناس
قال الماوردي رحمه الله: " واعلم أن المروءة أن يكون الإنسان معتدل الحال في مراعاة لباسه من غير إكثار أو اطراح؛ فإن اطراح مراعاتها، وترك تفقُّدها مهانة وذلة، وكثرة مراعاتها، وصرف الهمة إلى العناية لها دناءة ونقص.
وربما توهم من خلا من فضل، وعري من تمييز أن ذلك هو المروءة الكاملة، والسيرة الفاضلة؛ لما يرى من تَمَيُّزه عن الأكثرين، وخروجه عن جملة العوام المسترذلين.
وخفي عليه أنه إذا تعدى طوره، وتجاوز قدره كان أقبح لذكره، وأبعث على ذمه "
قال المتنبي:
لا يعجبن مضيماً حسنُ بزته**وهل يروق دفيناً جودةُ الكفن
وخلاصة القول أن الشارع قد فوض في أمر اللباس إلى حكم العادة، وما يليق بحال الإنسان؛ فإذا جرت العادة بلبس نوع من الثياب، وكان مستطيعاً له، فعدل عنه إلى صنفٍ أسفلَ منه أو أبلى قَبُح به الحال، وكره له؛ لأن بذاذة اللباس ورِثَّته مما تقذفها العيون، وتنشز عنها الطباع، فتلقي بصاحبها إلى الهوان، والالتفات إليه بألحاظ الازدراء.
وأما الخروج عن المعتاد، والتطلع إلى ما هو أنفس وأغلى _فمرفوض كما مر.
قال المعري:
وإن كان في لبس الفتى شرف له**فما السيف إلا غمدُه والحمائل
بل تجد أكثر الناس يَسْتَحقُّون بمن يتعدى طور أمثاله في ملبسه، ويعدونه سفهاً في العقل، وطيشاً مع الهوى.
هذا وقد عُلم بالتَّتَبُّع والاستقراء أن كل عرف خالف الشرع فإنه ناقص مختل.
وهذه قاعدة مُطَّرِدة لا تنتقض.
18_ الاعتدال في المزاح:
فالطلاب ينتابهم الكسل، ويغلب عليهم السآمة والملل؛ فإذا لَطَّف المعلم حرارة الدرس، وكسر حدة الجد بشيء من المزاح كان ذلك باعثاً على النشاط، مجدداً للهمة.
ولكن يراعي في ذلك ما يلي:
أ_ ألا يكون المزاح كثيراً:
لأن كثرة المزاح تسقط الهيبة، وتُخلُّ بالمروءة، وتجرئ الأنذال.
قال ابن جماعة رحمه الله في أدب المعلم: " ويتقي المزاح، وكثرةَ الضحك؛ فإنه يقلل الهيبة، ويسقط الحشمة كما قيل: من مزح استخف به، ومن أكثر من شيء عُرِف به "
وقال أحد الشعراء:
فإياك إياك المزاحَ فإنه يُجَرِّي** عليك الطفل والدَّنِس النذلا
ويذهب ماء الوجه بعد بهائه ** ويورثه من بعد عزته ذلا
ب_ أن يكون المزاح منضبطاً في حدود الأدب واللياقة:
فلا يسمح للطلاب أن يَسِفُّوا بالمزاح، أو أن يتجاوزوا حدود الأدب.
لا تَمزَحَنْ وإذامزحت فلا يكن**مزحاً تضاف به إلى سوء الأدب
واحذر ممازحةً تعود عداوةً ** إن المزاح على مقدمة الغضب
جـ _ أن يتجنب المزاح مع من لا يَرْغَب فيه:
فقد يمازح المعلم طالباً لا يتحمل المزاح، كأنْ يكون شديد الحياء، أو ذا نفس متوترة قلقة، أو نحو ذلك فإذا مازحه المعلم نفر من الدرس، وثقل على الحاضرين، وثقلوا عليه.
د_ ألا يمازح السفهاء:
لأنه قد يسمع منهم ما لا يرضيه كما سيأتي بعد قليل عند الحديث عن مجاراة السفهاء.
هـ _تجنب الإحراج:
فلا يوقع نفسه في حرج، ولا يوقع الطلاب في حرج؛ بحيث يكون المزاح في أمور واضحة لا يترتب عليها ما يوقع الحرج.
و_ ألا يسمح بالفوضى تعم القسم.
ز_ ألا يكون المزاح على حساب وقت الدرس.
وبالجملة فالمزاح في الكلام كالملح في الطعام؛ إن عدم أو زاد عن الحد فهو مذموم.
أفِدْ طبعَك المكدودَ بالجدِّ راحةً ** يَجِمَّ وعَلِّلْهُ بشيء من المزح
ولكن إذا أعطيته المزح فليكن **بمقدارما تعطي الطعام من الملح
والعرب تقول في أمثالها: " الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة، والإفراط في الأنس مكسبة لقرناء السوء "
19_ محاسبة النفس:
فمما يجب علينا _معاشر المعلمين_ أن نقف مع أنفسنا، وأن ننقد ذواتنا؛ سعياً في الكمال، وحرصاً على النهوض بما أنيط بنا من أعمال؛ إذ لا يليق بنا أن نزكي أنفسنا بالأقوال دون الأفعال، ونُبَرِّأها من العيوب والنقائص؛ لأن هذا عين الجهل، وآية الغفلة؛ فالإصلاح لا يتأتى بتجاهل العيوب، ولا بإلقاء الستار عليها؛ فنحن في تحمل الأمانة أمام رب العالمين يعلم ما نخفي من النيات، وما نعلن من الأعمال، وأمام تاريخ لا يغادر سيئة ولا حسنة إلا أحصاها؛ فلنحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، ولنجعل من ضمائرنا علينا رقيباً.
هذا ومما يعين على محاسبة النفس وتلافي العيوب ما يلي:
أ_ الإقرار بالنقص:
قال ابن حزم رحمه الله : " لو علم الناقص نقصه لكان كاملاً "
وقال: " لا يخلو مخلوق من عيب، فالسعيد من قلَّت عيوبه ودقَّت "
ب_ أن نعرف عيوبنا:
فمعرفة الداء تعين على وصف الدواء، قال ابن المقفع: " من أشد عيوب الإنسان خفاءُ عيوبه عليه؛ فإن من خفي عليه عيبُه خفيت عليه محاسن غيره.
ومن خفي عليه عيبُ نفسه، ومحاسنُ غيره فلن يقلع عن عيبه الذي لا يعرف، ولن ينال محاسن غيره التي لا يبصر أبداً "
وقال محمود الوراق رحمه الله :
أتم الناس أعرفُهم بنقصه ** وأقمعهم لشهوته وحرصه
وقال ابن حزم رحمه الله : " واعلم يقيناً أنه لا يسلم إنسيٌّ من نقص حاشا الأنبياء _صلوات الله عليهم_ فمن خفيت عليه عيوبُ نفسه فقد سقط، وصار من السخف، والرذالة، والخسة، وضعف التمييز والعقل، وقلة الفهم بحيث لا يتخلف عنه متخلف من الأراذل، وبحيث ليس تحته منزلة من الدناءة؛ فليتدارك نفسه بالبحث عن عيوبه، والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها، وعن عيوب غيره التي لا تضره لا في الدنيا ولا في الآخرة "
جـ _ أن نسعى في الخلاص من العيوب:
فلا يكفي مجرد معرفة العيوب، بل لا بد من السعي في الخلاص منها.
قال _تعالى_: [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى] (الأعلى: 14).
وقال: [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا] (الشمس: 9).
قال ابن حزم رحمه الله : " العاقل من مَيَّزَ عيوب نفسه، فغالبها، وسعى في قمعها، والأحمق هو الذي يجهل عيوب نفسه إما لقلة علمه وتمييزه، وضعف فكرته؛ وإما لأنه يُقَدِّر أن عيوبه خصال، وهذا أشد عيب في الأرض"
د_ حسن التعاهد للنفس:
قال ابن المقفع: " ليحسن تعاهدُك نَفْسَك بما تكون به للخير أهلاً؛ فإنك إن فعلت ذلك أتاك الخير يطلبك كما يطلب الماء السيل إلى الحدورة "
وقال ابن حزم رحمه الله : " إهمال ساعة يفسد رياضة سنة "
هـ _ ألا نجعل إساءة الأمس مسوغةً لإساءة اليوم، ولا إساءة فلان من الناس مسوغة لإساءتنا:
قال ابن حزم رحمه الله : " لم أرَ لإبليس أصْيَدَ، ولا أقبح، ولا أحمق من كلمتين ألقاها على ألسنة دعاته، إحداهما: اعتذار من أساء بأن فلاناً أساء قبله.
والثانية: استسهال الإنسان أن يسيء اليوم؛ لأنه قد أساء أمس، أو أن يسيء في وجه ما؛ لأنه قد أساء في غيره.
فقد صارت هاتان الكلمتان عذراً مسهلتين للشر، ومُدْخِلَتين له في حد ما يعرف، ويحمل، ولا ينكر"
و_ الاطلاع على الجديد والمفيد فيما يخدم التربية والتعليم:
فذلك مما ينمي المهارة، ويعين على الارتقاء بالمستوى.