مشاهدة النسخة كاملة : من فضلكم مساعدة من فضلكم و أنا أحتاجها الأن
miloud1992
2010-04-27, 17:46
تدوين السنة في عهد الدولة العباسية
السلام عليكم ورحمة الله
لتدوين الديوان الرسمى فى جهاز الدولة
( الكتابة الديوانية ) بدأت مع وضع الدواوين فى خلافة عمر بن الخطاب الذى قام بتدوين الدواوين فى عام 20 هجرية ، وسجل فيه أسماء العرب المسلمين وعطاء كل منهم ، و أنشأ ديوانا للجند وآخر للخراج ، وتطورت الدواوين فى عهد الأمويين لتصل الى أربعة تشمل الخراج والرسائل والايرادات واكبرها وهو ديوان الخاتم الذى يحمل أوامر الخليفة. وكانت الدواوين تكتب بالفارسية والرومية فنقلها عبد الملك الى العربية ، وأكمل ابنه الوليد نقل ديوان مصر الى العربية.
وبتعريب الدواوين ازدهرت حرفة الكتابة الديوانية ، وصار لكل خليفة كتاب رسميون وموظفون فى كل الدواوين للتعامل مع الخارج والداخل و ضبط الايرادات والمصروفات ,
ثانيا :تدوين فكر المسلمين وعلومهم ثقافتهم خلال تاريخهم .
التدوين هنا ليس مقصودا به كتابة القرآن الكريم أو نسخ ـ بمعنى كتابة ـ المصاحف ، فقد استمر هذا منذ عصر النبى محمد عليه السلام وطيلة عصر الخلفاء الراشدين وغير الراشدين.
التدوين المراد هنا هو كتابة العلوم البشرية فى الحضارة الاسلامية.
ونبدا بابن الجوزى فى كتابه ( تلقيح فهوم أهل الأثر فى عيون التاريخ و السير) الذى أوجز فيه بعض خلاصات تاريخ المسلمين وسيرة النبى محمد عليه السلام ، وقد أشار الى أوائل من قام بالتدوين أو تصنيف العلوم فقال انهم بالبصرة : الربيع بن صبيح و سعيد بن عروبة ، وبمكة : عبد الملك بن جريج ، وباليمن : معمر بن راشد ، وبالكوفة سفيان الثورى ، اما المدينة فقد كان فيها مالك بن أنس وشعبة و الأوزاعى و أبو عوانة الوضاح ، ثم حماد بن سلمة بالبصرة و سفيان بن عيينة بمكة ومحمد بن اسحاق ووكيع بن الجراح والوليد بن مسلم بالشام وجريح بن عبد الحميد بالرى وعبد الله بن المبارك بخراسان وهشيم بن بشير بواسط وعبد الرزاق باليمن وابوعبيدة القاسم بن سلام .ويقول ابن الجوزى : ثم صار علم هؤلاء الى ثلاثة : ابن المبارك وعبد الرحمن بن مهدى. وقيل صار علم هؤلاء الى رجل واحد ولم ينتفع به الناس وهو يحيى بن معين. وعليه فان الكتابات الأولى أو المدونات الأولى لم تصل الينا.
ويستدرك ابن الجوزى فيقول : وقيل أول من صنف وبوّب الربيع بن صبيح.
ولتيسير الموضوع فاننا نوجزه فى الحقائق التاريخية التالية:
1 ـ سبقت الرواية الشفهية التدوين فى القرن الأول الهجرى
فقد إنشغل العرب بالسياسة و الحروب و النزاعات فى القرن الأول الهجرى وطيلة العصر الأموى ، وهم عموما ليسوا أصحاب حضارة أو تخصص فى الكتابة وانما كانت لهم معارف يتناقلونها بالحفظ والرواية الشفهية يتركز معظمها فى الأدب والشعر وبعض الخبرات الصحراوية البسيطة. ولأنهم الحكام المسيطرون على مقاليد الأمور فقد كانت الرواية الشفهية العربية هى السائدة فى الحركة العلمية التى حافظت على بساطتها و شفويتها طيلة العصر الأموى. خصوصا وأن الدولة الأموية كانت دولة عربية عروبية خالصة.
2 ـ التدوين والموالى
سيطر العرب بالفتوحات على أمم ذات حضارة وكتابة وتدوين ، وأصبح بعض أبناء تلك الأمم من سباياهم وعبيدهم. وعاش أولئك السبايا والعبيد خدما للأسياد العرب ، وحتى الأحرار منهم عاملتهم الدولة الأموية بالعسف والاحتقار نظرا للتعصب الذى غلّف الدولة الأموية ، و">
لم يكن مقبولا فى ذلك الوقت أن يتجرأ أحد الموالى فيقول رأيه العلمى فكان المخرج أن ينسب رأيه لسيده العربى الذى يخدمه ويعيش فى ظله ويحمل ولاءه والانتساب اليه وفق ما كان سائدا فى القرنين الأوليين من الهجرة ، حيث ظلت عائلات أولئك الموالى تتوارث ولاء القبائل العربية والأسر العربية المشهورة حتى العصر العباسى الثانى . لذلك قام الموالى بالرواية الشفهية وكانوا ينسبون أقوالهم الى سادتهم من العرب من كبار الصحابة، باعتبارهم المرجعية لديهم فى العلم بالاسلام. ومن الممكن والمنتظر أن يكون بعض المنسوب للصحابة قد قالوه فعلا ورواه عنهم أتباعهم من الموالى وغيرهم ، ولكن يستحيل أن يكون كل ذلك الكمّ الهائل من المنقول عن الصحابة قد قاله فعلا الصحابة، فقد انشغل معظم الصحابة بالصراع السياسى و الحربى منذ الفتوحات الى الفتنة الكبرى الى الصراع الحربى والسياسى مع أو ضد الدولة الأموية. والحياة العلمية تستلزم تفرغا و تفكرا وتركيزا لمن يكون لديه أهلية للبحث والفكر، وهذا ما لم يكن متوفرا لدى معظم الصحابة خصوصا الرواة منهم.
3 ـ التدوين وتطور الحركة العلمية فى تاريخ المسلمين.
وكما جاء التدوين تاليا للفترة الشفهية فانه ارتبط ايضا بالتطور اللاحق للحياة الفكرية والعلمية فى تاريخ المسلمين وتأثر بها.وقام التدوين بالتعبير بأثر رجعى عن مدرسة الحديث فى المدينة و مدرسة الرأى والاجتهاد فى العراق .
فى العصر الأموى كانت مدرسة المدينة تمثل المحافظة والتقليد وتعيش في استرجاع امجاد عصر النبوة والراشدين حين كانت المدينة العاصمة الاولي للمسلمين قبل ان تنتقل عنها الاضواء للشام والعراق . ودارت الحركة العلمية في المدينة حول سيرة النبي ومغازيه وتخصصت في الاحاديث دون القول بالرأي و الاجتهاد واعتمدت علي اهل المدينة مصدرا من مصادر التشريع ، ولأن الحياة الصحراوية تسير علي وتيرة واحدة فان التقليد يفرض نفسه.
وفي مقابل المدرسة المحافظة المتزمتة في المدينة اقام ابو حنيفة ( ت 150 هـ ) مدرسة الرأي في العراق ، حيث جمع ابو حنيفة بين الفقه والفلسفة وعلم الكلام ، وحيث رفض الاسانيد التي يخترعها اقرانه من فقهاء الحديث والتقليد . وجاء العصر العباسى بزخم كبير أثرى الحركة العلمية المحافظة و المتحررة، وجاء التدوين الفردى والجماعى والشعبى والرسمى ليسجل كل ذلك التنوع فى العلوم والمعارف .
4ـ أبن عباس جعلته الدولة العباسية المرجعية الكبرى للتراث المدون.
فالجد الكبر للخلفاء العباسيين وهو عبد الله بن عباس صار بالتدوين العباسى المرجعية الكبرى للفكر والتراث لدى المسلمين. لقد تضخمت الأحاديث المروية عن ابن عباس حتى لقد أسند له أحمد بن حنبل (1696) حديثاً.. هذا مع أن الآمدى فى كتاب (الأحكام فى أصول الأحكام) يقول أن ابن عباس لم يسمع من رسول الله ( سوى أربعة أحاديث لصغر سنه ) ( الآمدى: الأحكام 2/178: 180) ويقول ابن القيم " أن ما سمعه ابن عباس من النبى لم يبلغ عشرين حديثاً . (ابن القيم: "الوابل الصيب من الكلم الطيب : 77)وذلك الأقرب للصواب من خلال سيرة ابن عباس فى كتب التاريخ، فابن عباس أسلم مع أبيه قبيل فتح مكة وقابل الرسول محمدا عليه السلام بالجحفة وهو ذاهب لفتح مكة، ومات النبى بالمدينة وابن عباس فى مكة فى العاشرة من عمره، وفى رواية أنه كان فى الخامسة عشر من عمره( سيرة ابن عباس فى تاريخ ابن كثير 8/290: 291، طبقات ابن سعد 2/192.). أى رأى النبى مدة يسيرة وكان فيها طفلاً ملازماً لوالده فى مكة، فكيف يروى عنه آلاف الأحاديث؟
ومع ذلك فقد تكفل التدوين فى العصر العباسى باسناد آلاف الأحاديث ـ بأثر رجعى الى ابن عباس تقربا للخلفاء العباسيين.
5ـ بداية التدوين
ومع ذلك بدأ التدوين على استحياء فى فترة جمعت بين الرواية الشفهية و التدوين المتفرق ، وكان ذلك بتشجيع قتادة أشهر علماء العصر الأموى المتوفى عام 117 ، وقد قيل لقتادة (نكتب ما نسمع ، فقال: وما يمنعك أحد أن تكتب ، وقد أنبأك اللطيف الخبير أنه كتب وقرأ فى كتاب لا يضل ربى ولا ينسى ) ( الطبقات الكبرى 7 / 2 / 2 )
ويرى ابن الجوزى أن أول من صنف الكتب هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح المكي ( المنتظم 8 / 124 ) ، وقد توفى ابن جريج سنة 150 ، أى أدرك ما يقرب من عشرين عاما فى العصر العباسى. ولكن ابن سعد يذكر أن سالم بن أبى الجعد المتوفى عام 101 (كان يكتب الحديث ، ولكنه كان إذا حدث شفهيا أكثر من الحديث) ( الطبقات الكبرى 6 / 203 )، أى سبق ابن جريج فى التصنيف، و لكن ابن الجوزى يتحدث عن شىء محدد وهو تصنيف الكتب ، وليس مجرد كتابة متفرقات من الأحاديث ، وعليه فابن جريج هو أول من قام بالتصنيف والتأليف وليس مجرد الكتابة والتدوين.
6 ـ ازدهار التدوين الرسمى فى عهد المأمون
أخذ التدوين تطورا مذهلا فى خلافة المأمون العباسى. يكفى أن نأخذ العالم الفارسى الأصل الفراء (ت 207 ) نموذجا . لقد كان الفراء ثقة إمامًا فى اللغة العربية وقواعدها ، قال ثعلب: لو لا الفراء ما كانت عربية لأنه خلصها وضبطها . توثقت صلة الفراء بالخليفة المأمون حيث كان الفراء هو معلم ولدى المأمون،يقول ابن الجوزى : ( وقد أمر المأمون الفراء أن يؤلف ما جمع به أصول النحو وما سمع من العرب وأمر أن يتفرغ للعلم في حجرة من حجر الدار، ووكل به جواري وخدمًا يقمن بما يحتاج إليه حتى لا يتعلق قلبه ولا تتشوق نفسه إلى شيء، حتى أنهم كانوا يؤذنونه بأوقات الصلاة ، ووظف له الوراقين ( أى أصحاب الورق ) ,, وألزمه الأمناء والمنفقين فكان يملي والوراقون يكتبون حتى صنف الحدود في سنين وأمر المأمون بكتبه في الخزائن فبعد أن فرغ من ذلك خرج إلى الناس وابتدأ يملي كتاب المعاني وكان ورَّاقاه: سلمة وأبا نصر ... فأردنا أن نعد الناس الذين اجتمعوا لإملاء كتاب المعاني فلم يضبط . فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضيًا فلم يزل يمليه حتى أتمه وله كتابان في المشكل أحدهما أكبر من الآخر.... فلما فرغ من إملاء كتاب المعاني خزنه الوراقون عن الناس ليكسبوا به وقالوا: لا نخرجه إلى أحد إلا مَنْ أراد أن ننسخه له على خمس أوراق بدرهم ، فشكى الناس ذلك إلى الفراء، فدعا الوراقين فقال لهم في ذلك فقالوا: إنما صحبناك لننتفع بك وكل ما صنفته فليس بالناس إليه من الحاجة ما بهم إلى هذا الكتاب، فدعنا نعيش به . فقال: فقاربوهم تنتفعوا وينتفعوا، فأبوا عليه فقال: سأريكم . وقال للناس: إني ممل كتاب معان أتم شرحًا وأبسط قولاا من الذي أمليت، فجلس يملي ، فأملى الحمد في مائة ورقة فجاء الوراقون إليه فقالوا: نحن نبلغ للناس ما يحبون . فنسخوا كل عشرة أوراق بدرهم . ( المنتظم 10 / 178 : )
نقلنا النصّ السابق من ابن الجوزى لنتعرف على أن التدوين صار له شهرة و مؤيدون ، وأزدهرت به حرفة (النشر) التى قام بها الوراقون وقد أرادوا احتكار ما كتبه الفراء وبيعه بالسعر الذى يريدون، ولولا موقف الفراء لنجحوا فى سعيهم.
ـ المظاهر الايجابية للتدوين
بالتدوين كثرت المدونات والكتب ،
ونأخذ أمثلة : قيل عن الشافعى ت 204 انه أخذ من محمد بن الحسن الشيبانى ت 189 مجموعة هائلة من الكتب( المنتظم 9 / 174) وأن الواقدى 207 (: انتقل .. فحمل كتبه على عشرين ومائة وقر) ( . و كان له ستمائة قمطر كتب وكان الواقدي يقول: حفظي أكثر من كتبي .( المنتظم 10 / 174 ) وخلف يحيى بن معين ت 233 من الكتب ( مائة قمطر وأربعة عشر قمطرًا وأربعة حباب شرابية مملوءة كتبًا) ( المنتظم 11/ 205 ) وامتلأ بيت ابن الفرخى ت 271 كتبا ( المنتظم 12 / 248 ).
واتسعت المصنفات لتشمل كل نواحى المعرفة من فلسفة وحكمة وآداب و فقه و تفسير و لغويات وغيرها. كان ذلك فى فترة انتعاش الحركة العلمية فى العصر العباسى ، ثم حين سيطرالفقهاء الحنابلة واضطهدوا المعتزلة و العقليين و المتأثرين بالثقافات الأجنبية لحق الاضطهاد بكتبهم ورموها بالزندقة، وفى سنة 311 وفي نصف رمضان أحرق العوام فى بغداد ( أربعة أعدال من كتب الزنادقة فسقط منها ذهب وفضة مما كان على المصاحف له قدر)( المنتظم 13 / 220 )
وتم الاعتماد على المدونات فى العلم بدلا من الرواية الشفهية .
ونأخذ أمثلة : فقيل عن على بن الحسن ت 215 انه (كان يحفظ كتب ابن المبارك) ( المنتظم 10 / 270 ) وكان إبراهيم بن الحسين بن ديزيل الهمداني .ت 255 (كثير الطلب للحديث منهمكًا في كتابته ) ( قال عبد الله بن وهب الدينوري: كنا نذكر إبراهيم بن الحسين بالحديث فيذاكرنا بالقمطر وكان يذاكر بالحديث الواحد فيقول عندي منه قمطر .( المنتظم 12 / 89 ) وتفرغ الزبير بن بكار للكتب التى ملأ بها داره واكتفى بزوجة واحدة لم يتزوج عليها ولم يشتر جوارى ، ومع ذلك كانت زوجته تقول: والله لهذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائر . ( المنتظم 12 / 110 )
وتنوع الاعتماد على المدونات العلمية
فهناك من تخصص فى رواية كتب علماء بعينهم ، مثل معاوية بن عمرو الأزدى الذى روى عن زائدة ابن قدامة كتبه ومصنفاته كما روى كتاب السيرة عن ابن اسحاق ، وقد توفى سنة 215 فى بغداد فى خلافةالمأمون ( الطبقات الكبرى 7 / 2 / 82 ). وكان اسحاق بن عيسى الطباع ت 201 قاضى العسكر فى خلافة المأمون ( يروى كتب أبيه ) (الطبقات الكبرى 7 / 2 / 83 )
وهناك علماء قاموا باملاء علمهم من الذكرةمثل وهيب بن خالد بن عجلان الذى ( كان يملى حفظا ) (الطبقات الكبرى 7 / 2 / 43 ) وهناك علماء اتخذوا لأنفسهم من يتخصص فى الكتابة عنهم ، فالليث بن سعد أتخذ لنفسه كاتبا هو عبد الله بن صالح الجهنى (الطبقات الكبرى 7 / 2 / 205 ) وهناك علماء كتبوا علمهم بأنفسهم وقاموا بتدريسه ومنهم القاسم بن سلام من خراسان ، وقد اشتهر بالنحو ، وقدم بغداد ففسر غريب الحديث وصنف كتبا واسمع الناس ، وحج وتوفى بمكة عام 224 (الطبقات الكبرى 7 / 2 / 93 ) وصنف خلف بن سالم المسند فى الحديث وقدم بغداد وكتب الناس عنه وتوفى فى بغداد عام 231 ، ومثله زهير بن حرب بن أشتال ت 234 (الطبقات الكبرى 7 / 2 / 92 ).
والواضح أن القدوم الى بغداد كان هدفا لمن يريد الشهرة من العلماء.
و فيما بعد تكاثرت المؤلفات ، وبعضهم كانت له عشرات المصنفات ، ومنهم محمد بن سعد صاحب الطبقات الكبرى الذى نعتمد عليه هنا ، وقد اشتهر بكثرة مؤلفاته فى الحديث وغيره ، وقد توفى عام 230. واشتهر ابن سعد بلقب ( كاتب الواقدى ) اذ كان يعمل كاتبا للواقدى المؤرخ المقرب من الخليفة المأمون . وقد صنف الخطيب البغدادى ت 463 ( تاريخ بغداد ) يؤرخ فيه طبقا لمنهج المحدثين فى الاسناد والعنعنة لكل من دخل بغداد وعاش فيها من العلماء ، ومعظمهم من المشتغلين بالحديث وروايته وتدوينه.
ـ مظاهر سلبية صاحبت التدوين
وبرزت مصاعب فى التدوين. أهمها :
الأخطاء الاملائية من تصحيف وتنقيط وغيره ، وكان ينتج عنها تغيير المعنى, ونستشهد بهذا النص من ابن الجوزى ، يحكى الطوسى (كنا في مجلس اللحياني . فقال يومًا: تقول العرب " مثقل استعان بذقنه " يريدون الجمل، فقام عليه ابن السكيت - وهو حدث - فقال: يا أبا الحسين إنما هو تقول العرب: " مثقل استعان بدفيه " يريدون الجمل إذا نهض بالحمل استعان بجنبيه، فقطع ( اللحيانى )الإملاء فلما كان في المجلس الثاني أملى فقال: تقول العرب "هو جاري مكاشري " فقام إليه ابن السكيت فقال: أعزك الله وما معنى مكاشري إنما هو مكاسري كسر بيتي .. . فقطع اللحياني الإملاء فما أملى بعد ذلك شيئًا ). ( المنتظم 11 / 312 ). فهذا العالم ( اللحيانى ) كان يملى ما كتبه خطأ، وقام ابن السكيت ـ وكان لا يزال حديث السن ـ بالتصحيح مرتين ، فما أملى اللحيانى بعدها. وقد مات ابن السكيت عام 243 .
أتمنى أن تفيدك هاته المعلومات
بالتوفبق لك
التدوين عند السنة:
وقع الخلاف بين أهل الحديث والتأريخ في وقت بدأ التدوين عند أبناء العامة، على أقوال:
الأول: أن التدوين ظهر في عهد الصحابة.
الثاني: أنه ظهر في آخر العهد الأموي، وأن عمر بن عبد العزيز المتوفى سنة 101هـ، أمر بجمع السنن فكتب دفاتر فبعث بها إلى كل بلد، أو أنه أمر ابن شهاب الزهري بالتدوين.
الثالث: أن التدوين كان في العصر العباسي.
هذا ولنشر هنا إلى بعض ما جاء في كلمات القوم في هذا المقام، وهو يشير إلى أمر مهم جداً، مفاده أن التدوين عند أبناء السنة لم يكن في الصدر الأول من الإسلام.
قال السيوطي: أخرج الهروي في ذم الكلام من طريق الزهري: أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن واستشار فيه أصحاب رسول الله. فأشار عليه عامتهم في ذلك، فلبث شهراً يستخير الله في ذلك شاكاً فيه، ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له فقال: إني ذكرت لكم من كتابة السنن ما قد علمتم، ثم تذكرت فإذا أناس من أهل الكتاب من قبلكم كتبوا مع كتاب الله كتباً، فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء، فترك كتابة السنـن
وكان كثير من الصحابة والتابعين يكره كتابة العلم وتخليده في الصحف كعمر، وابن عباس، والشعبي، وقتادة ومن ذهب مذهبهم.
قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم: من كره كتابة العلم إنما كرهه لوجهين: أحدهما أن يتخذ مع القرآن كتاب يضاهي به، ولئلا يتكل الكاتب على ما يكتب، فلا يحفظ فيقل الحفظ.
وهذا هو رأي عمر وما أدى إليه اجتهاده في ذلك. وقال ابن عبد البر أيضاً: كان اعتماد الصحابة أولاً على الحفظ والضبط في القلوب غير ملتفتين إلى التدوين، فلما انتشر الإسلام وتفرقت الصحابة ومات معظمهم مست الحاجة إلى تدوين الحديث وتقيـيده بالكتابة.
وقد ذهب بعضهم إلى أن حدوث التدوين كان في سنة 120، وبعضهم يرى أنه قبل ذلك في عهد عمر بن عبد العزيز، وهذا كله يصب فيما ذكرناه في أول الحديث، من أن التدوين عندهم متأخر عن الصدر الأول.
جاء في الموطأ أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمر ابن حزم: أن انظر ما كان من حديث رسول الله أو سنـته فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، وأوصاه أن يكتب له ما عند عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، والقاسم بن محمد بن أبي بكر.
وأخرج أبو نعيم في تاريخ أصفهان عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى الآفاق: انظروا إلى حديث رسول الله فاجمعوه.
وأبو بكر بن محمد بن عمر هذا كان أنصارياً مدنياً، ولي القضاء على المدينة لسليمان بن عبد الملك ولعمر بن عبد العزيز، وتوفي سنة 120 هـ، وكانت ولاية عمر بن عبد العزيز سنة 99 هـ، إلى سنة 101 هـ، فعلى هذه الرواية قد يكون أمر أبو بكر بالجمع حول سنة 100 هـ.
يقول الدكتور أحمد أمين: ولكن هل نفذ هذا الأمر؟... كل ما نعلمه أنه لم تصل إلينا هذه المجموعة، ولم يشر إليها- فيما نعلم- جامعوا الحديث بعد. ومن أجل هذا شك بعض الباحثين من المستشرقين في هذا الخبر، إذ لو جمع شيء من هذا القبيل لكان من أهم المراجع لجامعي الحديث، ولكن لا داعي إلى هذا الشك فالخبر يروي لنا أن عمر أمر، ولم يرو لنا أن الجمع تم. فلعل موت عمر سريعاً عدل بأبي بكر عن أن ينفذ ما أمر به.
نعم مما لا ريب فيه أنه لما جاء العصر العباسي، وانـتصف القرن الثاني، بدأ التأليف في الحديث، كما بدأ في العلوم الأخرى، ووجدت هذه النـزعة في أمصار مختلفة، وفي عصور متقاربة، فجمع الحديث في مكة ابن جريح الرومي الأصل، المتوفى سنة 150 هـ، وفي المدينة جمعه محمد بن إسحاق المتوفى سنة 151هـ، ومالك بن أنس المتوفى سنة 179 هـ، وبالبصرة الربيع بن صبيح المتوفى سنة 160 هـ، وسعيد بن أبي عروبة المتوفى سنة 156 هـ، وحماد بن سلمة المتوفى سنة 176 هـ، وبالكوفة سفيان الثوري المتوفى سنة 161 هـ، وبالشام الأوزاعي المتوفى سنة 156 هـ، وباليمن معمر المتوفى سنة 153 هـ، وبخراسان ابن المبارك المتوفى سنة 181 هـ، وبمصر الليث بن سعد المتوفى سنة 175 هـ.
وعلى كل حال، فإن الحديث قد تم تدوينه بعد قرن ونصف قرن من الزمان، وعندئذٍ خرج من حيز النسيان والانزواء إلى حيز المدارسة والكتابة، ولما كان المسلمون ينظرون إلى التدوين بكونه عملاً مخالفاً للسنة ومحرماً، لذلك فإنهم استصعبوه واستـثقلوه في بادئ الأمر حتى أجبرهم الخلفاء على ذلك.
بالتوفيق
miloud1992
2010-04-27, 21:52
شكرا لكم ......................
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir