المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تصويب السلوك المنحرف بين الترهيب والترغيب


هادي حامد
2010-04-27, 00:21
بات من الواضح أن هناك العديد من السلوكيات المنحرفة قد تسللت وإنتشرت بين فئات ليست بالقليلة في مجتمعنا العربي . واللتي هي بطبيعة الحال لا تتوائم مع المعايير القيمية والأخلاقية اللتي شكلت الإتجاهات السلوكية والحراك الإجتماعي وآلية التفاعل داخل مجتمعاتنا العربية .
ويرجع ذلك إلى هذا الإنفتاح الكبير وهذه العولمة اللتي أصبحت تشكل الجانب الأكبر في عملية تسويق أغلب المنتجات الإعلامية والثقافية والسلوكية عند أكبر المؤسسات الإعلامية والثقافية وأوسعها إنتشارا ، مما أدى إلى خلق حالة من التغيير الإجتماعي داخل الكثير من المجتمعات ومن ضمنها المجتمع العربي .
هذا التغيير في بعض السلوكيات والإتجاهات القيمية جاء بشكل الإكراه لا الإجبار ، وتم تسخير كل الجهود لفرضه على المجتمعات بما يمكن مستحدثيه من السيطرة على العقول البشرية ومن ثم على كافة الموارد والإمكانات لدى المجتمعات ككل .
وبطبيعة الحال فإن هذا التوجه وإن كان جامحا في غزوه وإنطلاقته ، إلا أنه من الممكن أن تكون لدينا القدرة على الوقوف في وجه والحيلولة دون التسليم والإنقياد له .
ومن هنا تبرز الحاجة الماسة لكل الجهود والإمكانات والقدرات البشرية والمادية ، لكي تقوم بمهمة المحافظة على ثقافة المجتمع وقيمه ومحددات ثوابته وأصالته.
وهذه المهمة الإنقاذية تقع بالدرجة الأولى على جمهور المثقفين والمتعلمين وصناع القرار واللذين لديهم الوعي والإدراك لحجم المخاطر اللتي قد تنتج في حالة هيمنة هذا الإنفتاح وهذه العولمة على مجتمعاتنا .
وهنا لابد أن نلفت الإنتباه إلى أن العمل على إنجاح هذه المهمة الإنقاذية يتطلب البحث عن الأدوات والأساليب التي تساهم في النجاح وأيضا عدم التغافل عن كيفية إستخدام هذه الأدوات ، والتوقيت المناسب لكل أسلوب وأداة في الإستخدام .
وبالإشارة إلى الأسلوب أو الأداة ، نكون قد وصلنا إلى أسلوبين مهمين في تعديل السلوكيات السلبية النحرفة عن عادات وتوجهات المجتمع ، وهذين الأسلوبين هما :
1ـ أسلوب الترغيب
2ـ أسلوب الترهيب
فمع هذين الأسلوبين
يأتي الدور الأبرز في كيفية التعاطي مع أصحاب السلوك السلبي والمحاولات الجادة لتصويب سلوكهم والمحافظة عليهم من الإنزلاق في وحل الخطيئة والشذوذ عن المجتمع وقيمه الأصيلة و المتوارثة جيلا بعد جيل .
ولكن هناك سؤال مهما وهو :
أيهما أفضل ؟ هل نعمل بأسلوب الترغيب أداة ووسيلة لتحقيق الغاية المنشودة ؟ أم نعمل بأسلوب الترهيب ؟ وأيهما عنده الفرصة لتحقيق الغاية ؟
برأيي وهو موضوع للبحث والنقاش ، أن الناس والحالة المزاجية التي تحكم حركتهم ، أصبحوا يميلون أكثر إلى أسلوب الترغيب ، واللذي من خلاله يتم الحوار والمخاطبة في جو من الهدوء وعدم التوتير ، مما ينتج عنه نتائج إيجابية جدا ، فالخطاب المشدود والمتوتر والحاد ولغة الصياح والصوت المرتفع والإتهام ، قد يؤدي إلى التصلب و إزدياد الفجوة وتقلص فرص النجاح في التوافق والإنسجام .
والأمثلة عديدة في هذا الإتجاه ، فلو راجعنا الأحداث السياسية والأمنية في كثيير من البلدان ومنها فلسطين والجزائر ومصر ولبنان والعراق واليمن وغيرهما ، فإن جميع ما نتج من أحداث مؤسفة بحق ، ماهي إلا في وجود حالة التخاطب الحاد والتشهير والإتهام اللتي سادت بين التيارات التخاصمة فيما بينها ، ولو أن هذه التيارات قد إتخذت الوسائل الهادئة في لغة الحوار والتخاطب لكنا الآن نتمتع بواحة العمل الجمعي والتوافق البناء ، اللذي يأخذنا نحو التنمية والتطور والإبداع .
أرجو من الأخوة والأخوات أعضاء منتدانا المبارك المناقشة والحوار وإبداء الرأي فيما طرحته مع التقييم ، وذلك للإستفادة وتعميم الفائدة ، ودمتم بود وسعادة .

ضـيـاء
2010-04-27, 17:23
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته .

أخي الكريم ،

إن الإنحلال الذي تعانيه الامم و المجتمعات ليس يترتب فقط على كيفية مخاطبة الناس حتى يقل الفساد ، و يعم الخير الكثير .
في الحقيقة ، الحوار مهم جدا ، لكني ارى ان المشكل ، شكلتنا اليوم ، ليس في :
* كيف ننصح و نخاطب و نحاور ؟

لكن في :

من وجب ان يخاطب و يحاور ؟!

لذلك نرى اليوم من هب و دو يخاطب و يعطي لنفسه الحق في الحوار و التوعية !
هذا قد يكون خارجا عن مضمون موضوعك ، لكن اراه حقا ما وجب التطرق اليه ، لأن من وجب ان ينصح و يحاور وجب ان يكون اهلا للحوار و وجب ان يكون صاحب علم لما يحاور فيه .

إن الاسلوب اللازم هو اسلوب الترغيب اولا ، مع حسن اعطاء الحجج و اقناع المخاطَب .
ثم بعد التكرار ، قد نلجأ إلى أسلوب الترهيب .

و سواء كان اسلوب ترهيب او ترغيب ، وجب ان تكون هناك طرق يتخذها الخطيب حتى يسمعه السامع .
ان لا يكون فظا غليظ القلب فينفضوا من حوله .
وجب ان يكون اهلا للخطاب كما قلت . ان لا يسب ولا يشتم !
و ان يكون اهلا للعلم الذي يهدي اليه و محيطا بالعوامل المؤثرة فيما يتكلم فيه .

خلاصة اقول ان هلاكنا اليوم يعود الى انعدام الحوار صحيح كما انت ذكرت ، لكني اضيف ايضا ان ما لعب دورا كبيرا في هلاكنا هو افتاء اناس ليسوا في محل الافتاء ! تراهم يتناقضون و ليسو حتى اهلا للعلم الذي يفتون فيه .

ارجو ان تتقبل مشاركتي .

فريدرامي
2010-04-28, 10:17
أخي الفاضل
أثرت موضوعا مهما تختلف فيه
وجهات النظر حسب أفكار الفرد والبيئة
التي يعيش فيها فلو نظرنا الي العالم الغربي
فنجد ان الترغيب يمتل الحلقة المهمة في تعاملاته
وحتي في اسلوب حواراته الداخلية طبعا
أما في عالمنا العربي فان الترهيب هوالغالب وربما
هذا نتاج ما نعانيه من رواسب فكرية مغلوطة زيادة
علي الكبت الذي جعلنا لا نعطي مساحة لترغيب
لهذا اتهام الغرب بهذه الافات في نظري هو هروب
من واقعنا المزري الذي صنعناه بانفسنا
ماذا تنتظر من امة كبلها أبناؤها قبل الاعداء؟
ان سيمة الترهيب جارية حتي في حواراتناومناقشاتنا
وهذا ربما راجع الي تكويننا داخل الاسرة وكذا الطرق التعلمية
الفاشلة ...لاحظ الحوارات في الجامعة...أوبين المثقفين ...
والله في الكثير من المرات تكون مخجلة
نحن بصراحة لا نتحمل تعدد وتنوع الافكار ولا نقبل الرأي الاخر
ألست معي ان هذه من المشكلات التي نعاني منها؟
وقارن حالنا في هذا مع الغرب
والموضوع متشعب ويتطلب الكثير من الجهد والتحليل
ولكن أري من وجهة نظري ان الترغيب هو الاساس
في كل شئ ولنا عبرة من الانبياءوالمرسلين وحتي
المصلحين ألم يكن أسلوبهم ترغيبى؟
مع الترهيب في أضيق الحدود
فنحن نتحدث للاطفال عن النار وعذاب القبر وهذا حق
ولكن أليس من الاولي ان نعلمه محبة الله لنا وما أعد لنا
في الفردوس الاعلي
هل تعطي الطفل وردة أم جمرة ؟بالله عليك ماهو تفسيرك لهذا؟
........أعتذرعن الاطالة واشكرك علي هذا الموضوع الرائع
من مثقف رائع له أفكار مميزة

هادي حامد
2010-04-28, 23:31
من وجب ان يخاطب و يحاور ؟!

لذلك نرى اليوم من هب و دو يخاطب و يعطي لنفسه الحق في الحوار و التوعية !
هذا قد يكون خارجا عن مضمون موضوعك ، لكن اراه حقا ما وجب التطرق اليه ، لأن من وجب ان ينصح و يحاور وجب ان يكون اهلا للحوار و وجب ان يكون صاحب علم لما يحاور فيه .
أختي الكريمة : ذكرت في موضوعي أن (هذه المهمة الإنقاذية تقع بالدرجة الأولى على جمهور المثقفين والمتعلمين وصناع القرار واللذين لديهم الوعي والإدراك لحجم المخاطر اللتي قد تنتج في حالة هيمنة هذا الإنفتاح وهذه العولمة على مجتمعاتنا ).
وقد نجد من يوهم نفسه بأنه قادر على تحقيق ذلك رغم أنه لا يملك من لا من العلم ولا من الأسلوب ولا من الأدوات ، ولا يعرف أيضا متى يبدأ ولا من أين يبدأ ومن أين ينتهي .
ولكن وعلى الرغم من ذلك وحتى نتجنب سلبيات أفعال هؤلاء على ما نصبو إليه ، يجب علينا أن نكون نحن المبادرين والسباقيين في طرح هذه المسألة ، وأيضا أهمية أن نمتلك الوسائل والمنابر الإعلامية المؤثرة ، حتي تصل المفاهيم والقيم كما نريدها ونقصدها .
أشكرك على هذا النقاش الهادف ، ودمتي بود وسعادة .

هادي حامد
2010-04-29, 00:03
بداية أخي الحبيب رامي ، إسمح لي بتقديم الشكر لك على هذه المساهمة الطيبة منك ، ودعني أن أوضح بعضا من التساؤلات والإشكالات اللتي تفضلت بها .
أولا : (لهذا اتهام الغرب بهذه الافات في نظري هو هروب
من واقعنا المزري الذي صنعناه بانفسنا).في سياق حديثي على دور الغرب لم أتطرق إليه إلا في معرض الحديث عن مسببات وجود العديد من السلوكيات المنحرفة اللتي أستطاعت أن تغزو مجتمعاتنا وتلوثه ، وذلك من خلال الإنفتاح الغير منضبط والعولمة ، وأما الحديث عن الهروب من الواقع المزري ، فجملة الخطاب كان لفئة المثقفين والمتعلمين وأصحاب القرار واللذين يملكون الوعي والإدراك لحجم المشكلة وآثارها عل المجتمع .
فإذا كان الهروب من هؤلاء ، فإننا نكون قد أضعنا الأمل المتبقي لدينا للتصدي لمثل هذه المعضلات اللتي ألمت بالمجتمع .
ثانيا : فيما يتعلق بآلية التخاطب وأساليب الحوار فيما بيننا ، وإن كان الأمر كما تفضلت به ، إلا أنه من الممكن أن نقوم بجهود ومبادرات هامة من شأنها أن تؤسس قاعدة مهمة على صعيد الحوار البناء وتقبل الآخر بما لديه من قواسم مشتركة وأفكار جامعة .
هذا وتقبل مني وافر المودة والإحترام ، ودمتم بود وسعادة .

فريدرامي
2010-04-29, 00:40
أخي الفاضل
من المسؤول عن الانفتاح غير المنضط
ألسنا نحن من فعل ذلك لاسباب يعرفها
أصحابها؟
فإذا كان الهروب من هؤلاء ، فإننا نكون قد أضعنا الأمل المتبقي
ماقصدته وهذا واضح في سياق الكلام
ان كل ما وقعت عندنامشكلة جعلنا الغرب هوالسبب
أليس هذا هروبا من الواقع فلما لا نعالج مشاكلنا بدل اتهام الاخر
مع علمنا ان للغرب يد في ذلك ولكن ماذا تنتظر منه؟
فهو يفعل مايراه من مصالحه ونحن نتفرج
اما المثقفين وغيرهم فنحن ندعوهم لحل المشكلة وليس الهروب
ولم اقل ذلك انما قصدت ان لا يحملوا الغرب كل مشاكلنا
لتغطية واقع مر
وأنت تعرف من المثقفين الذين أقصدهم
والله الحوار معك ممتع ومفيد واتمنى ان يستمر النقاش
الجاد

هادي حامد
2010-04-29, 01:52
أخي العزيز .. علينا جميعا أن نكون بحجم المسؤلية الملقاة على عاتق كل واحد منا ، فكلنا قادرين بشكل أو بآخر على تحقيق الإستقرار والتناغم مع القواعد القيمية والأخلاقية لمجتمعاتنا .
وهنا أؤكد على دور رب الأسرة في عملية المحافظة والتوجيه السليم لكل فرد في عائلته ، وبأسلوب يضمن المناعة القوية لهذه الأسرة ، فالمجتمعات هي عبارة عن أسرة متكررة ،ولو قام كل واحد منا بدوره داخل الأسرة ، لإستطعنا مواجهة أي ثقافة أو فكرة أو سلوك غريب وشاذ .
أما في موضوع دور المثقفين وحتى تقسيمهم ، أفهم ما تعنيه ، ولكن إن أردنا أن نبقي هذا السواد في صفحتنا ، أعتقد أننا سنكون عرضة أكثر فأكثر لحدوث ليس تغيير في قيمنا وثوابتنا فحسب ، ولكن في إضمحلالها وإندثارها ، وكأنها جزء من الماضي .
ولذا فإن المثقف الوطني والمخلص هو أول من يقف وآخر من ينهزم ، وهو الجدار الأخير اللذي يحمي مجتمعاتنا من التيه والضياع والسقوط في بحر المجهول .
فيجب علينا جميعا أن نترصد ونقتنص كل ما تسمح به الظروف الميدانية في مجتمعاتنا من فرص لتعزيز وتقوية وتثبيت أركان القيم والأخلاق والعقيدة داخل مجتمعاتنا. دون الولوج في التناحر والإختلاف وسلك الطرق المؤدية إلى ذلك . فعالم اليوم لا يرحم ، وكل يسعى إلى ذاته وذاته فقط .
تقبل تحياتي ، ودمتم بود وسعادة.