تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مع المعلمين الحلقة الرابعة


أمين إسلام
2010-04-25, 06:00
7_ الإخلاصَ الإخلاصَ:
فالإخلاص يرفع شأن الأعمال حتى تكون مراقي للفلاح، والإخلاص هو الذي يحمل على مواصلة عمل الخير، وهو الذي يجعل في عزم الرجل متانة، ويربط على قلبه إلى أن يبلغ الغاية.
وكثير من العقبات لا يساعدك على العمل لتذليلها إلاّ الإخلاص.
ولولا الإخلاص يضعه الله في قلوب زاكيات لحرم الناس من خيرات كثيرة تقف دونها عقبات.
ومدار الإخلاص على أن يكون الباعث على العمل أولاً امتثال أمر الله، وابتغاء وجهه _عز وجل_.
ولا حرج على من يطمح بعد ذلك إلى شيء آخر كالفوز بنعيم الآخرة، والنجاة من أليم عذابها.
بل لا يذهب بالإخلاص بعد ابتغاء وجه الله أن يخطر ببال الإنسان أن للعمل الصالح آثاراً طيبة في هذه الحياة الدنيا، كطمأنينة النفس، وأمنها من المخاوف، وصيانتها من مواقف الهون، إلى غير ذلك من الخيرات التي تعقب العمل الصالح، ويزداد بها إقبال النفوس على الطاعات قوة إلى قوة.
والذي يرفع الشخص إلى أقصى درجات الفضل إنما هو الإخلاص الذي يجعله الإنسان حليف سيرته، فلا يقدم على عمل إلا وهو مستمسك بعروته الوثقى، ولا تبالغُ إذا قلت: إن النفس التي تتحرر من رق الأهواء ولا تسير إلا على ما يمليه عليها الإخلاص هي النفس المطمئنة بالإيمان، المؤدبة بحكمة الدين ومواعظه الحسنة؛ فذلك الإخلاص هو الذي يسمو سلطانهُ على كل سلطان، ويبلغ أن يكون مبدأً راسخاً تصدر عنه الأعمال بانتظام.
ثم إن العمل المثمر هو الذي ينبني على عقيدة؛ لئلا يتناقض، وما تدفعه إرادة؛ لئلا يتراجع، وما يحثه جهاد؛ لئلا يقف، وما يصحبه تجرد؛ لئلا يتهم، وما ينتشر؛ لئلا يضيق فيضيع، وما تكون غايته الخير؛ لئلا يكون فساداً في الأرض.
وذلك إنما يكون بالإخلاص؛ فإن للإخلاص تأثيراً عظيماً في هذا الشأن؛ فمن تَعَكَّسَتْ عليه أمورُه، وتضايقت عليه مقاصده فليعلم أن بذنبه أصيب، وبقلة إخلاصه عوقب.
فإذا كان الإخلاص بهذه المثابة، وإذا كان له تلك المآثر فحقيق علينا _معاشر المعلمين_ أن نضعه نصب أعيننا، وأن نجاهد أنفسنا على التحلي به، وأن نربي من تحت أيدينا عليه؛ لكي يتخرجوا رجالاً يقوم كل منهم بالعمل الذي يتولاه بحزم وإتقان.
وإن مما يعين على التحلي بالإخلاص أن تعلم أخي المعلم أن الإخلاص يثمر لك أن تتمتع بما يتمتع به غيرك من مزايا مادية، وإجازات وترقيات، وتزيد عليهم أن تتذوق عملك، وتعشق مهمتك، وتقبل عليها بكل ارتياح وسرور، وأن جميع ساعاتك التي تقضيها في إعداد دروسك، وفي ذهابك إلى المدرسة وإيابك منها مدخرة لك عند الله_عز وجل_.
أما الآخرة _وهي المقصود الأعظم، والمطلب الأسمى _فهناك أي ثواب ستناله، وأي أجر ينتظرك؟ هذه أمور علمها عند ربي في كتاب لا يظل ربي ولا ينسى، والله يضاعف لمن يشاء.
8_ القدوة القدوة:
فالمعلم كبير في عيون طلابه، والطلاب مولعون بمحاكاته والاقتداء به؛ لذلك كان لزاماً على المعلمين أن يتصفوا بما يدعو إليه العلمُ من الأخلاق والأعمال؛ فهم أحق الناس بذلك وأهلُه؛ لما تميزوا به من العلوم التي لم تحصل لغيرهم، ولأنهم قدوة للناس.
فإذا كانوا كذلك أثَّروا على طلابهم، وانطبع من تحت أيديهم على أخلاق متينة، وعزائم قوية، ودين صحيح.
وإن المعلم لا يستطيع أن يربي تلاميذه على الفضائل إلا إذا كان هو فاضلاً، ولا يستطيع إصلاحهم إلا إذا كان بنفسه صالحاً؛ لأنهم يأخذون عنه بالقدوة أكثر مما يأخذون عنه بالتلقين.
ولقد كان السلف الصالح _رضي الله عنهم_ يستعينون بالعمل على العلم؛ لأن العلم إذا عُمِل به نما، واستقر، وكثرت بركته.
وإذا ترك العمل به ذهبت بركته، وربما صار وبالاً على صاحبه؛ فروح العلم، وحياته، وقوامه إنما هو بالقيام به عملاً، وتخلقاً، وتعليماً، ونصحاً؛ فالشرف للعلم لا يثبت إلا إذا أنبت المحامد، وجلب السعادة، وأثمر عملاً نافعاً.
ومما يحقق ذلك قوله _تعالى_: [مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً] (الجمعة: 5).
فانظر كيف ذم الله الذين درسوا التوراة، وأتوا عليها تلاوةً، ثم أحجموا عن العمل بموجبها _في أسلوب بليغ؛ فضرب في وصفهم مَثَلَ الحمار يحمل الأسفار؛ من حيث خلوهم عن المزية، وعدم استحقاقهم للحاق بزمرة العلماء؛ إذ لا ميزة بين من يحمل كتب الحكمة على غاربه وبين من يضعها داخل صدره أو دماغه إذا صدَّ وجهه عن العمل بها.
وتنسحب هذه المذمة على كل من حفظ علماً طاشت به أهواؤه عن اقتفائه بصورة من العمل تطابقه.
قال الإلبيري رحمه الله في العلم:
وإن أوتيت فيه طويلَ باعٍ
وقال الناس إنك قد سبقت

فلا تأمنْ سؤالَ الله عنه
بتوبيخٍ علمت فهل عملتا

فرأسُ العلم تقوى الله حقًّا
وليس بأن يقال: لقد رأستا

إذا ما لم يُفِدْك العلم خيراً
فخيرٌ منه أنْ لَوْ قَدْ جهلتا

وإن ألقاك فَهْمُكَ في مهاوٍ
فليتك ثم ليتك ما فهمت

قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله في وصيته للمعلمين: =ثم احرصوا على أن ما تلقونه لتلامذتكم من الأقوال منطبقاً على ما يرونه ويشهدونه منكم من الأعمال؛ فإن الناشئ الصغير مرهفُ الحس، طُلَعَةٌ إلى مثل هذه الدقائق التي تغفلون عنها، ولا ينالها اهتمامكم، وإنه قوي الإدراك للمعايب والكمالات؛ فإذا زينتم له الصدق فكونوا صادقين، وإذا حسَّنتم له الصبر فكونوا من الصابرين.واعلموا أن كل نقشٍ تنقشونه في نفوس تلامذتكم من غير أن يكون منقوشاً في نفوسكم فهو زائل، وأن كل صبغ تنفضونه على أرواحهم من قبل أن يكون متغلغلاً في أرواحكم فهو لا محالة ناصل حائل، وأن كل سحر تنفثونه؛ لاستنزالهم غير الصدق فهو باطل.ألا إن رأس مال التلميذ هو ما يأخذه عنكم من الأخلاق الصالحة بالقدوة، وأما ما يأخذه عنكم بالتلقين من العلم والمعرفة فهو ربح وفائدة
وقال في موطن آخر: وأعيذكم بالله يا أبنائي أن تجعلوا اعتمادكم في تربية الصغار للرجولة على البرامج والكتب؛ فإن النظم الآلية لا تبني عالماً، ولا تكوُّن أمة، ولا تجدد حياة.وإنما هي ضوابط وأعلام ترشد إلى الغاية، وتعين على الوصول إليها من طريق قاصد، وعلى نهج سويٍّ.
أما العمدة الحقيقية في الوصول إلى الغاية من التربية فهي ما يفيض من نفوسكم على نفوس تلاميذكم الناشئين من أخلاق طاهرة قويمة يحتذونكم فيها، ويقتبسونها منكم، وما تبثونه في أرواحهم من قوة عزم، وفي أفكارهم من إصابة وتسديد، وفي نزعاتهم من إصلاح وتقويم، وفي ألسنتهم من إفصاح وإبانة.وكل هذا مما لا تغني فيه البرامج غناء
وقال رحمه الله : كونوا لتلاميذكم قدوة صالحة في الأعمال، والأحوال، والأقوال، لا يرون منكم إلا الصالح من الأعمال والأحوال، ولا يسمعون منكم إلا الصادق من الأقوال.
وإن الكذب في الأحوال أضر على صاحبه وعلى الأمة من الكذب في الأقوال؛ فالأقوال الكاذبة قد يُحترز منها، أما الأحوال الكاذبة فلا يمكن منها الاحتراز
وبعد هذا قد تقول _أيها المعلم الكريم_: أنَّى لي أن أكون قدوةً وأنا مقصر في نفسي؟ وكيف وأنا أعاني من بعض النقائص ونفسي تميل بطبعها إلى بعض الأخلاق المرذولة؟
وكيف أنصح للطلاب وأنا لم أُكمِّلْ نفسي بعد؟ ألا أخشى أن أدخل في وعيد الله بقوله _عز وجل_: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ] (الصف: 2_3).
أليس الحكيم العربي يقول:
يا أيها الرجلُ المعلم غيرَه
هلا لنفسك كان ذا التعليمُ

تصف الدواء وأنت أولى بالدوا
وتعالج المرضى وأنت سقيم

ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك تعدل إن وعظت ويقتدى
بالقول منك ويُقبل التعليم

والجواب عن ذلك أن يقال لك: ليس من شرط القدوةِ العصمةُ؛ فالعصمة إنما هي للأنبياء _عليهم السلام_ فيما يبلغون به عن ربهم.
ولا يضيرك تقصيرك ما دمت مخلصاً في نصحك، حريصاً على تكميل نفسك وغيرك؛ فالسعي في التكميل كمال، ومن الذي يخلو من النقائص؟ فأي الرجال المهذب؟
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها
كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه

ولو ترك الناس النصح بحجة التقصير لما بقي ناصح على وجه الأرض، ولو كان من شرط القدرة العصمة لما بقي للناس قدوة بعد الأنبياء عليهم السلام.
إذا لم يعِظْ في الناس من هو مذنب
فمن يعظ العاصين بعد محمد

قال ابن حزم رحمه الله : فَرْضٌ على الناس تَعَلُّمُ الخير والعمل به؛ فمن جمع الأمرين فقد استوفى الفضيلتين معاً، ومن عَلِمَهُ ولم يعمل به فقد أحسن في التعليم وأساء في ترك العمل به، فخلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً
وقال: ولو لم يَنْهَ عن الشر إلا من ليس فيه منه شيء، ولا أمر بالخير إلا من استوعبه _لما نهى أحدٌ عن شر، ولا أمر بخير بعد النبي " وحسبك بمن أدَّى رأيه إلى هذا فساداً، وسوءَ طبعٍ، وذمَّ حال
وقال : وقد صح عن الحسن أنه سمع إنساناً يقول: لا يجب أن ينهى عن الشر إلا من لا يفعله.
فقال الحسن: ودَّ إبليس لو ظفر منا بهذه؛ حتى لا ينهى أحد عن منكر، ولا يأمر بمعروف
ثم إن ميل الإنسان بطبعه إلى بعض النقائص لا ينافي التقوى إذا كان لا يغشى تلك النقائص، وكان يجاهد نفسه على بغضها.
قال ابن حزم رحمه الله : لا عيب على من مال بطبعه إلى بعض القبائح ولو أنه أشد العيوب، وأعظم الرذائل ما لم يظهره بقول أو فعل.بل يكاد يكون أحمد ممن أعانه طبعه على الفضائل.ولا تكون مغالبة الطبع الفاسد إلا عن قوة عقل فاضل
ومع ذلك فكلما اقتربت من الكمال، وحرصت على التخلص من النقائص _عظم الاقتداء بك، وزاد الانتفاع بحكمتك؛ فلا يعني ما سبق أن تبقى على عيوبك دون سعي لعلاجها، ودون مجاهدة للترقي في مدارج الكمال.
..... يتبع ...........

بقداد
2010-05-04, 17:32
شكرا لك أخي وجعلك الله اسما على مسمى
وجزاك الله خيرا

abou wassim
2010-05-04, 20:55
ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام