المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قسم للخطب المنبرية أرجو التثبيت


ناصري 12
2010-04-23, 08:56
التدخين
عبدالحميد التركساني
ملخص الخطبة
1- انتشار التدخين بين المسلمين. 2- أضرار التدخين الطبية. 3- حكم التدخين. 4- أسباب انتشار التدخين. 5- حكم الاتجار بالدخان.
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله واشكروه أن أغناكم بحلاله عن حرامه وأباح لكم من الطيبات ما تقوم به مصالحكم الدينية والبدنية وحرم عليكم الخبائث لأنها تضركم ولا تنفعكم.
أيها الإخوة: إن التغذي بالطيبات يكون له أثر حميد في صحة الإنسان وسلوكه لأنها تغذي تغذية طيبة، والتغذي بالخبائث يكون له أثر خبيث في الأبدان والسلوك لأنها تغذي تغذية خبيثة.
ألا وإن من الخبائث التي ابتلي بها مجتمع المسلمين اليوم هذا الدخان الخبيث الذي فشى شربه في الصغار والكبار وصار شرابه يضايقون به الناس ويؤذون به الأبرياء من غير خجل ولا حياء بحيث أن أحدهم يملأ فمه منه ثم ينفثه في وجوه الحاضرين من غير احترام لهم ولا مبالاة بحقهم، فيخيم على الحاضرين حوله سحابة قاتمة من الدخان الخانق الملوث بالريق القذر والرائحة الكريهة ومصدر ذلك كله فم المدخن البذيء لا يراعي لمجالسه حرمة، ولا يفكر في وخيم فعله ولو أن إنسانا تنفس في وجه هذه المدخن أو امتخط أمامه كم يكون تألمه واستنكاره لهذا الفعل وهو يفعل أقبح من ذلك بمجالسه، فنفخ الدخان في وجوه الناس أعظم من ذلك بأضعاف ولكن الأمر كما جاء في الحديث: ((إذا لم تستح فاصنع ما شئت)).
ومع تنوع أضرار الدخان وآفاته وعدم الفائدة والمنفعة فيه ولو من أبعد الوجوه فقد أكب عليه الجماهير في مشارق الأرض ومغاربها وأصبح مما يتفكّه به ويتلذذ بشربه وتعبق بأنتانه المجالس والمجتمعات وذلك ما حملني على تحرير هذه الخطبة واختيار الكتابة في هذا الموضوع وتأليف ما اجتمع لديّ فيه من معلومات قياما ببعض ما أوجب الله من النصيحة والبيان، ورجاء الانتفاع والتأثر والله ولي التوفيق.
نقل الشيخ محمد بن إبراهيم عن الأطباء قولهم: والدخان مكون من مادة التبغ وهو نبات حشيش مخدر مرّ الطعم وبعد التحقيق والتجربة ظهر أن التبغ بنوعيه، التوتون، والتنباك، من الفصيلة الباذنجانية، التي تشمل على أشر النباتات السامة كالبلادونا والبرش والبنج وهما مركبان من أملاح البوتاس والنوشادر ومنه مادة صمغية ومادة حريقة تسمى: نيوكتين. قالوا: هي من أشد السموم مفعولاً، والمدخن يعتبر الدخان مكملا للرجولة وحبا لتقليد نجوم السينما عندما يراهم يشربون الدخان ومجالسة للأصدقاء فتبدأ السيجارة الأولى ثم الإدمان.
أيها المسلمون: إن شرب الدخان حارق للبدن والدين والمال والمجتمع ومعلوم أن نوعا واحدا من هذه المضار كافٍ وسوف نتكلم عنها واحدة واحدة:
أما ضرره على البدن: فهو يضعفه بوجه عام ويضعف القلب ويسبب مرض سرطان الرئة ومرض السل ومرض السعال في الصدر ويجلب البلغم والأمراض الصدرية، ويضعف العقل بحيث يصبح المدخن ذا حماقة ورعونة غالبا، ويسبب صداع الرأس ويقلل شهوة الطعام ويفسد الذوق والمزاج، ويفتر المجموع العصبي ويضعف شهوة النكاح، ويشوه الوجه بحيث يجعله كالا وتظهر على صاحبه زرقة وصفرة تعم بدنه.
ولقد ذكر الأطباء السبب في إحداثه لهذه الأمراض ونحوها وهو اشتماله على المادة السامة وهي النيكوتين، بل إن الشركات المصنعة تحذر وتقول: تحذير رسمي التدخين يضر بصحتك ننصحك بالابتعاد عنه، ومع هذا نجد الإصرار ممن يتعاطونه، ولا تقتصر مضار التدخين على ما ذكر، فقد أظهرت التجارب المجراة على الأرانب المسممة بالنيكوتين تأثر المخ والمخيخ فضلا عن اضطراب العصب السمباتي، لذلك يشكو مدمنو التدخين الأرق والقلق والتحسس والكآبة ووهن الإرادة وضعف الذاكرة وقد يظهر عليهم الكسل والخمول والتعب والنصب وغير ذلك من العاهات المصاحبة له.
ولقد أكثر الأطباء والحكماء الكتابة في التدخين، وما ينتج عنه وانتشرت أقوالهم وطبعت مؤلفاتهم وكلها تدندن حول أضراره الصحية للبدن.
وأما ضرره في الدين:
قال تعالى: http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة http://www.islamdoor.com/k/end-icon.gif، فذكر الله تعالى من أسباب تحريم الخمر والميسر الصد عن الذكر وعن الصلاة وهذه العلة تتحقق في الدخان فإن شاربه في العادة يهرب عن حلق الذكر والقراءة ويألف اللهو والباطل عادة، وهو غالبا السبب الرئيسي لبعد المدخنين عن حضور المساجد إلا من شاء الله وهكذا سائر العبادات وبالأخص الصيام فإنه أثقل على المدخنين من غيره لأنهم به ينفطمون عن لذتهم وسلوتهم ولهذا يفطر كثير منهم بالتدخين وبعضهم لا يصبر بل يشربه في نهار رمضان بلا مبالاة وخشية من الله.
وما كرّه العبد للخير فهو شر، وكذلك فهو يدعو متعاطيه إلى مخالطة الأراذل والسفهاء والابتعاد عن الأخيار فهذا يكون سببا لما هو أكبر منه وهو تعاطي المخدرات نسأل الله السلامة.
وأما ضرره في المال:
فاسأل من يتعاطاه كم ينفق فيه من الريالات في كل يوم وقد يكون فقيرا ليس عنده قوت يومه وليله ومع هذا فهو يقدّم الدخان على شراء غيره، من الضروريات ولو ركبته الديون الكثيرة ولو فكر هذا المسكين في ما ينفق في هذا السم الخبيث وصرف هذا المال لمستحقيه لإخوانه المنكوبين ليجدوا لقمة يسدون بها رمقهم لكسب بذلك الأجر والمغفرة من الله والمثوبة ولكن من يتذكر ويتعظ؟
وأما ضرر شرب الدخان في المجتمع:
فإن شارب الدخان يسيء إلى مجتمعه ويسيء إلى كل من جالسه وصاحبه بحيث ينفخ الدخان في وجوه الناس فيخنق أنفاسهم ويضايقهم برائحته الكريهة حتى يفسد الجو من حولهم وامتد هذا الأذى فصار يلاحق الناس في المكاتب والمتاجر وفي السيارات والطائرات حتى عند أبواب المساجد بل إن بعضهم ما إن يخرج حتى يشعل السيجارة عند باب المسجد، بل إن التدخين يؤذي الملائكة الكرام ففي الصحيحين عن جابر http://www.islamdoor.com/k/radia-icon.gif أن النبي http://www.islamdoor.com/k/salla-icon.gif قال: ((إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم))، ومن مضار الدخان الاجتماعية أنه يستنزف ثروة الأمة وينقلها إلى أيدي أعدائها من الشركات التي تصدر هذا الأذى الخبيث.
ومن مضاره أنه يسبب الحرائق المروعة التي تذهب بالأموال وتخرب البيوت، فكم حصل بسبب أعقاب السجائر التي تلقى وهي مشتعلة من إضرام حريق أتى على الأخضر واليابس وأتلف أموالا وأنفسا بغير حق، تولى كبرها ذلك المدخن الذي قذف بسيجارته دون مبالاة.
هذه بعض أضرار التدخين الاجتماعية والبدنية والدينية والمالية فهل يستطيع المدخنون أن يذكروا لنا فائدة واحدة أو بعض فائدة في شرب الدخان تقابل هذه المضار؟ فيا أسفاه كيف غابت عقولهم وسفهت أحلامهم وضاقت صدورهم من قبول الحق، بل إن التدخين ليس له حسنة واحدة يمكن أن تقال فيه، بل على العكس فكله مضار كما ذكرنا والتدخين في الحقيقة هو سفه ودناءة ولو رأى أحدنا إماما أو واعظا أو رجلا من أهل القدر والرفعة يشرب الدخان لاستنكر هذا الفعل ولشهّر به في المجالس ويقول منتقدا: رأيت الشيخ فلان يشرب الدخان وما ذاك إلا لأنه ليس من مقام المروءة ومكارم الأخلاق، ومن رأى مجالس المدخنين ومن يرتادها ومجالس الصالحين ومن يحضرها لعرف الفرق.
ومن أهم أسباب انتشار التدخين أقولها باختصار نظرا لضيق الوقت:
أولا: وسوسة الشيطان.
ثانيا: رفقاء السوء.
ثالثا: المقاهي والاستراحات العامة ولا إشكال في ذلك لأن من أقامها أناس قليلو الديانة والأمانة لا يهمهم سوى جمع المال بأي وسيلة.
رابعا: الآباء والمربون وخاصة إذا كانوا يتعاطون الدخان فإنهم يؤثرون فيمن يربونهم ولابد.
وأخيرا فما هو حكم التدخين أو الدخان.
ولعلك أيها المسلم بتحكيم عقلك وتفكيرك في شيء اتصف بالضرر على الدين والبدن والمال وتعدّى ضرره إلى الغير وعدمت فيه المنفعة أصلا لا تتوقف في تحريمه قبل أن تسمع النصوص النقلية ولكن لتقوية مدلول العقل تحقق أن الشرع قد نص على التحريم إجمالا وتفصيلا ولا شك أن الشرع هو الدليل القاطع في مسألة النزاع وبهذه النظرة العامة يتضح أن استعمال التدخين محرم وممنوع شرعا ولا يباح بحال من الأحوال وأما كلام العلماء وقولهم بالتحريم وأدلتهم فأكثر من أن تحصره وقد قال الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية سابقا رحمه الله في فتواه: (مما يعلم كل أحد تحريمنا إياه نحن ومشايخنا ومشايخ مشايخنا ومشايخهم، وكافة المحققين من أئمة الدعوة وسائر المحققين سواهم من العلماء في سائر الأمصار من له من وجوده بعد الألفِ بعشرة أعوام إلى يومنا هذا) انتهى كلامه.
وفي الختام أعتذر إليكم أيها المدخنون إذا قسوت عليكم فما أردت إلا تخليصكم من عدو عنيد قد تسلط عليكم وفتك بكم وأبعدكم عن الخير وأهله وقربكم من الشر وأهله.
فيا من ابتليت بشرب الدخان أسأل الله لنا ولك العافية إنني أدعوك بدافع النصيحة الخالصة أن تبادر بالتوبة منه وأن تتركه طاعة لربك وحفاظا على صحتك، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ثم لا تنسى أيها المدخن أنك ستكون قدوة سيئة لأولادك إن كنت والدا ولتلاميذك إن كنت مدرسا ولأصحابك ومخالطيك فتكون قد جنيت على نفسك وغيرك وإذا تركته وتبت منه صرت قدوة حسنة لغيرك فكن قدوة في الخير ولا تكن قدوة في الشر.
والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ولا يحملنك التقليد الأعمى والمجاملة الخادعة أن تتعاطى هذا الدخان وقد عافاك الله منه أو تستمر فيه وقد عرفت أضراره وأمامك باب التوبة مفتوح فبادر قبل أن يغلق.
وأحب أن أنبه إلى أن الشيشة تأخذ نفس الحكم في الحرمة لمن يتعاطاها فلا يجوز شربها ولا اقتناؤها بالمنزل ولا الجلوس في المقاهي من أجل شربها والله أعلم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشانه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه أما بعد:
أيها المسلمون: وكما يحرم شرب الدخان يحرم بيعه والاتجار به واستيراده فثمنه سحت والاتجار به مقت وقد قال http://www.islamdoor.com/k/salla-icon.gif: ((إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه)) رواه الإمام أحمد وأبو داود وهو صحيح، وعلى هذا فالاتجار به لا يجوز وثمنه يحرم أكله كثمن الخمر ومن تاجر فيه أي باعه بعد معرفته بالتحريم ففيه شبه من اليهود؛ لما حرمت عليهم الشحوم إذابوها فباعوها وأكلوا ثمنها فاستحقوا اللعن على هذا الفعل، فالذي يبيع هذا الدخان قد ارتكب جريمتين عظيمتين:
الأولى: أنه عمل على ترويجه بين المسلمين فجلب إليهم مادة فساد.
الثانية: أن بائع الدخان يأكل من ثمنه مالا حراما ويجمع ثروة محرمة، فالحرام لا يدوم وإن دام لا ينفع وقد شاهد الناس أن كل متجر فيه دخان وإن استدرج ونما ماله في وقت ما فإنه يبتلى بالقلة في آخر أمره وتكون عواقبه وخيمة.
فاتقوا الله عباد الله وانظروا في العواقب فإن في الحلال غنية عن الحرام وقد وردفي الحديث عنه http://www.islamdoor.com/k/salla-icon.gif قوله: ((إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله فإن ما عند الله لا يطلب إلا بطاعته)).


الله علمنا ما ينفعنا وزدنا علما وارحمنا يا أرحم الراحمين
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

ناصري 12
2010-04-29, 19:53
شدة الحر والتحذير من النار

الشيخ عبد الله القرعاوي


الحمد لله الذي جعل في اختلاف الليل والنهار تبصرة لأولي الألباب وذكرى، وجعل هذه الدار مجازاً تفضي لمن عليها إلى الدار الأخرى، ويسر من شاء من عباده لليسرى، وجنبه العسرى، ويسر مسالك الطاعات وسهلها وجزى على الحسنة الواحدة عشرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهاً واحداً أحداً وترا، شهادة تكون لقائلها في المعاد ذخرا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب المقام المحمود والشفاعة الكبرى، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
عباد الله:
اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعلموا أن الزمان بليله ونهاره وشهوره وأعوامه آية من آيات الله تبارك وتعالى التي جعلها للعباد ذكرى وموعظة قال عز وجل: -(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)- [آل عمران/190]

عباد الله:
واشتداد الحر والبرد في هذه الحياة الدنيا من جملة الآيات الكونية التي يخوف الله تعالى بها العباد، ويخطئ من ينسب شدة الحر أو البرد إلى فصول معينة من السنة أو إلى بروج قمرية، فإن الأيام والأعوام والشهور لا تأثير لها في خلق الله، بل هي خلق من خلق الله جعلها الله مواقيت للناس ليعلموا عدد السنين والحساب، وإن اشتداد الحر والبرد في هذه الحياة إنما هو من نَفَس النار من شدة حرها ومن شدة بردها وزمهريرها، يخوف الله تعالى بها عباده، ويذكر به من يتذكر ليتعظوا وينزجروا عما هم فيه من غفلة وإعراض عن الله تعالى.
ولذلك ترونه يختلف من سنة إلى أخرى ومن عام إلى آخر قال صلى الله عليه وسلم: اشتكت النار إلى ربها فقالت: «اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا. فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ» -يعني البرد- متفق عليه.
عباد الله:
ولقد أمر الله عباده أن يقوا أنفسهم وأهليهم من النار فقال سبحانه: -(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)- [التحريم/6].
ومعنى قوا أنفسكم أي اتخذوا وقاية بينكم وبين النار تقيكم من حرها وعذابها وذلك بطاعة الله تعالى وترك معصية الله، فإنه لا يقي من هذه النار كثرة الحصون أو كثرة الجنود أو كثرة المال والأولاد وإنه يقي منها رحمة الله تعالى والعمل الصالح.
وكذلك أمركم بأن تقوا أهلكم وأولادكم من النار، والأولاد والأهل هم الأولاد والنساء ومن تحت يد الإنسان، فإنه مكلف ومسؤول عنهم بأن يأمرهم بطاعة الله وينهاهم عن معصية الله وأن يبعد عن بيته وسائل الفتن التي كثرت في هذا الزمان فيخلي بيته من وسائل الفتن والشرور التي أضلت وأفسدت كثيراً من الناس إلا من رحم الله.
عباد الله:
إن المسؤولية عظيمة، خصوصاً لما اشتدت الفتن في هذا الزمان، فيجب على أهل البيوت أن يحموا بيوتهم من هذه الأخطار التي هي طريق إلى النار.
وقوله تعالى: -( وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)- [التحريم/6] أي وقودها جثث الكفار والعصاة تشتعل بها نار جهنم ومع هذا فإنهم لا يموتون كما قال سبحانه: -(كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ)- [النساء/56] وهذه النار لا تطفأ أبدا قال تعالى: -( كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا)- [الإسراء/97] فهي نار موقدة لا تطفأ أبدا ولا يبرد حرها ولا يخمد جمرها بل هي مستعرة متوقدة أبد الآباد وأهلها يشتعلون فيها أبد الآباد قال عز وجل: -(يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ)- [إبراهيم/17].
وقوله سبحانه: -(وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)- [التحريم/6] قيل هي الأصنام التي كانت تعبد في الدنيا كما قال تعالى: -(إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ)- [الأنبياء/98] وقيل: حجارة الكبريت وهي أشد اشتعالاً والتهابا وهذه النار ليست كنار الدنيا قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ».
فالفرق بين حر نار الدنيا وحر نار الآخرة عظيم والعياذ بالله من النار ومع شدته فإنه دائم مؤبد.
-(عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ)- [التحريم/6] هم خزنة جهنم غلاظ الطباع ليست فيهم رحمة شداد في أجسادهم فلا مطمع لأهل النار في رحمتهم لأنهم غلاظ ولا مطمع لأهل النار في التغلب عليهم لأنهم شداد.
-(لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)- [التحريم/6] ينفذون ما أمرهم الله تعالى به ولا يتركون منه شيئا ولا يحابون أحدا.

عباد الله:
إن هذه النار جعل الله لها مذكّرات في الدنيا فكل الهموم والأحزان والأمراض والأسقام والجوع والعطش كل ذلك يذكِّر بما في نار الآخرة مما هو أشد وأبقى وكذلك الحر في الدنيا كما قال تعالى عن المنافقين: -(وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ*فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)- [التوبة/81-82].
عباد الله:
إذا كنتم لا تطيقون حر الرمضاء وحر الهجير فكيف تطيقون حر نار جهنم، والعياذ بالله من جهنم، ففروا إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة التي تنجيكم من هذا الحر إنكم في هذه الدنيا إذا مسكم الحر تلجؤون إلى المبردات والمكيفات لتخفف عنكم الحر ولكن في جهنم لا محيد من حرها ولا وسيلة تقي من عذابها -(لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ)- [الأنبياء/39]، لا يستطيع أهل النار دفع شر من حرها وليس عندهم وسائل تبريد وليس عندهم وسائل وقاية من حر النار، يصلونها أبد الآبدين.
وكذلكم هذه النار التي توقدونها إنها تذكر بنار جهنم قال سبحانه: -(أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ*أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ*نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ)- [الواقعة/71-73] تذكِّر بنار جهنم فإذا كنتم لا تطيقون حر هذه النار التي بين أيديكم وتنفرون منها فكيف بنار جهنم والعياذ بالله.
ومع هذا ليس هذا العذاب في الآخرة يأتي ساعة أو يوماً أو شهرا أو سنة ثم ينقضي، بل هو عذاب دائم سرمدي لمن مات على الكفر والشرك عياذاً بالله، لا يخفف عنهم من عذابها أبد الآباد، بل كلما خبت زادهم الله سعيراً وعذابا، وطعامهم الزقوم وشرابهم الحميم، سرابيل من قطران وتغشى وجههم النار -(فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ*يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ*وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ*كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)- [الحج/19-22].
فتأملوا رحمكم الله هذا المصير، تأملوا هذه النار التي حذركم الله منها وأمركم بالفرار منها إلى الجنة، وذلك بطاعة الله سبحانه وتعالى وبإمكانكم بتوفيق من الله اليوم أن تفروا من هذه النار إلى طاعة الله وجنته، وأن تتوبوا إلى الله وأن تتأهبوا بالأعمال الصالحة.
فاتقوا الله عباد الله:
واحذروا من هذه النار ولا يكفي أن الإنسان يقول: أعوذ بالله من النار بلسانه بل يقول: أعوذ بالله من النار، ويعمل الأعمال التي تبعده من النار لقوله تعالى: -(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)- [التحريم/6]
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير أن نستعيذ بالله من أربع من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال( ) فبدأ بالاستعاذة من نار جهنم لشدة خطرها وعظيم ضررها وأنها أم المهلكات نسأل الله العافية، قال عز وجل: -(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ*لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ*وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ*وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ*لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ*أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ*أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)- [الزخرف/74-80] وقال عز وجل: -(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ*يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ*إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ*إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ*طَعَامُ الْأَثِيمِ*كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ*كَغَلْيِ الْحَمِيمِ*خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ*ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ*ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ*إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ)- [الدخان/40-50] وقال عز وجل: -(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ*وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ*يَا ‎لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ*مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ*هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ*خُذُوهُ فَغُلُّوهُ*ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ*ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ*إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ*وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ*فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ*وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ*لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ)- [الحاقة/25-37].
اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار، اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار.
اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر وعذاب النار اللهم أجرنا من عذاب القبر وعذاب النار.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
عباد الله:
اتقوا الله تعالى وأطيعوه واعلموا أن طاعته أقوم وأقوى، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واحذروا أسباب سخط الجبار فإن أجسامكم على النار لا تقوى.
عباد الله:
إن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار.
عباد الله:
-(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)- [الأحزاب/56].
وأكثروا عليه من الصلاة يعظم لكم ربكم بها أجرا.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم انصر دينك، وانصر من نصر دينك، واجعلنا من أنصار دينك، يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين.
اللهم وآمنا في دورنا وأوطاننا وأصلح ووفق ولاة أمورنا.
اللهم بلغنا شهر رمضان، اللهم بلغنا شهر رمضان، اللهم بلغنا شهر رمضان، وأعنا فيه على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولأولادنا ولأزواجنا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
-(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ*وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ*وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)- [الصافات/180-182].


المصدر :

http://www.qaraye.com/articles-action-show-id-130.htm

raoufdraria
2010-04-29, 20:01
جزاك الله خيرا
إن شاء الله متواصل عملك