أمين إسلام
2010-04-19, 06:26
الحمد لله الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على النبي الأكرم، الذي دلَّ الأمة على الخير وسلك بها الطريق الأمَمَ الأقوم.
أما بعد
فإن المعلمين هم حُماةُ الثُّغور، ومربو الأجيال، وسُقَاةُ الغرس، وعُمَّارُ المدارس، المستحقون لأجر الجهاد، وشكر العباد، والثواب من الله يوم المعاد.
ثم إن الحديث عن المعلمين ذو شجون؛ فلهم هموم وشؤون، ولهم آمال وآلام، وعليهم واجبات وتبعات.
ثم أما بعد:
فأحببت أن أشارك إخواني المعلمين بهذه الحلقات التي سأنزلها تباعا - إن شاء الله-
في محاولة مني لتغيير ما يمكن تغييره من حال معلمينا في مواضيعهم التي يخوضون ، ومجالاتهم التي حولها يدندنون .
وللإشارة فإن هذه الحلقات منقولة من كتاب بعنوان : مع المعلمين
فهي تدور مع المعلمين في شجونهم وشؤونهم، وفي أدبهم في أنفسهم، ومع زملائهم وطلابهم، إلى غير ذلك مما يدور في فلكهم.
فيا معاشر المعلمين سلامٌ من الله عليكم، وتحيات مباركاتٌ تُزجى إليكم، وثناء عليكم يَأْرَج كالمسك من محبٍّ لكم.
ثم إن هذه الحلقات مهداة إليكم فعسى أن تنال رضاكم، وتجد قبولاً عندكم.
فإلى تلك الصفحات، والله المستعان وعليه التكلان.
1_ استحضار فضل العلم والتعليم:
فللعلم شأن جلل، وفضل عظيم، ومكانة سامقة، فيحسن بالمعلمين أن يستحضروا هذا المعنى، ويضعوه نصب أعينهم وفي سويداء قلوبهم؛ فما يقدمونه في سبيل العلم يعلي ذكرهم، ويزكي علومهم، ويعود بالنفع عليهم وعلى أمتهم.
ولهذا فلا غرو أن تتظاهر آثار الشرع، وأقوال السلف، وكلمات الحكماء في بيان فضل العلم ونشره بين الناس.
قال الله تعالى: [يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ] (المجادلة: 10).
قال ابن عباس _رضي الله عنهما_: =العلماء فوق المؤمنين مائة درجة، ما بين الدرجتين مائة عام
قال وهب ابن منبه رحمه الله: = يتشعب من العلم الشرفُ وإن كان صاحبه دَنِيَّاً، والعز وإن كان صاحبه مهيناً، والقرب وإن كان قصيَّاً، والغنى وإن كان فقيراً، والمهابة وإن كان وضيعاً.
وقال أبو الوليد الباجي رحمه الله في وصيته لولديه: =والعلم لا يفضي بصاحبه إلا إلى السعادة، ولا يقصر عن درجة الرفعة والكرامة، قليله ينفع، وكثيره يعلي ويرفع، كنز يزكو على كل حال، ويكثر مع الإنفاق، ولا يغصبه غاصب، ولا يُخاف عليه سارق ولا محارب؛ فاجتهدا في تحصيله، واستعذبا التعب في حفظه والسهر في درسه، والنصب الطويل في جمعه، وواظبا على تقييده وروايته، ثم انتقلا إلى فهمه ودرايته.
وقال ابن حزم رحمه الله: =لو لم يكن من فضل العلم إلا أن الجهال يهابونك، وأن العلماء يجلونك ، لكان ذلك سبباً إلى وجوب طلبه، فكيف بسائر فضله في الدنيا والآخرة؟.
ولو لم يكن من نقص الجهل إلا أن صاحبه يحسد العلماء، ويغبط نظراءه من الجهال لكان ذلك سباً إلى وجوب الفرار عنه، فكيف بسائر رذائله في الدنيا والآخرة؟.
وعن سفيان الثوري والشافعي _رضي الله عنهما_: =ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم
قال ابن جماعة رحمه الله بعد أن ساق جملة من الآثار عن السلف في فضل العلم: =وقد ظهر بما ذكرنا أن الاشتغال بالعلم لله أفضل من نوال العبادات البدنية من صلاة، وصيام، وتسبيح، ودعاء، ونحو ذلك؛ لأن نفعَ العلم يعم صاحبه والناسَ، والنوافل البدنية مقصورةٌ على صاحبها، ولأن العلم مصحح لغيره من العبادات؛ فهي تفتقر إليه، وتتوقف عليه، لا يتوقف هو عليها، ولأن العلماء ورثة الأنبياء _عليهم الصلاة والتسليم_ وليس ذلك للمتعبدين، ولأن طاعة العالم واجبة على غيره فيه، ولأن العلم يبقى أثره بعد موت صاحبه، وغيرُهُ من النوافل تنقطع بموت صاحبها، ولأن في بقاء العلم إحياءَ الشريعة، وحفظ معالم الملة.
هذا شيء من فضل العلم، أما فضل نشر العلم وبثه بين الناس فيكفي في ذلك قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : =إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. رواه مسلم
قال ابن جماعة رحمه الله في هذا الحديث: = وأنا أقول: إذا نظرت وجدت المعاني الثلاثة موجودة في معلم العلم؛ أما الصدقة فإقراؤه إياه العلم وإفادته إياه؛ ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم في المصلي وحده: =من يتصدق على هذا.
أي بالصلاة معه؛ لتحصل فضيلة الجماعة، ومعلم العلم يحصل للطالب المنتفع به فضيلة العلم التي هي أفضل من صلاة في جماعة، وينال بها شرف الدنيا والآخرة.
وأما العلم المُنْتَفع به فظاهر؛ لأنه كان سبباً لإيصاله ذلك العلم إلى كل من انتفع به.
وأما الدعاء الصالح له فالمعتاد المستقر على ألسنة أهل العلم والحديث قاطبة من الدعاء لمشايخهم وأئمتهم.
وبعض أهل العلم يدعون لكل من يذكر عنه شيء من العلم، وربما قرأ بعضهم الحديث بسنده، فيدعو لجميع رجال السند؛ فسبحان من اختص من شاء من عباده بما شاء من جزيل عطائه.
قال الشيخ عبدالرحمن ابن سعدي رحمه الله : =فالمعلم مأجور على نفس تعليمه، سواء أفهم المتعلم أو لم يفهم؛ فإذا فهم ما علمه، وانتفع به بنفسه أو نفع به غيره _ كان الأجر جارياً للمعلم ما دام النفع متسلسلاً متصلاً.
وهذه تجارة بمثلها يتنافس المتنافسون؛ فعلى المعلم أن يسعى سعياً شديداً في إيجاد هذه التجارة؛ فهي من عمله وآثار عمله.
قال _تعالى_: [إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ] (يس: 12).
فـ[مَا قَدَّمُوا] ما باشروا عمله، و [آثَارَهُمْ]: ما ترتب على أعمالهم من المصالح والمنافع أو ضدها في حياتهم وبعد مماتهم.
قال ابن جماعة رحمه الله : = واعلم أن الطالب الصالح أعودُ على العالِم بخير الدنيا والآخرة من أعز الناس عليه، وأقرب أهله إليه.
ولذلك كان علماء السلف الناصحون لله ودينه يُلْقون شبك الاجتهاد لصيد طالب ينتفع الناس به في حياتهم ومِنْ بعدهم.
ولو لم يكن للعالم إلا طالب واحد ينفع الله بعلمه وهديه لكفاه ذلك الطالب عند الله _تعالى_؛ فإنه لا يتصل شيء من علمه إلى أحد فينتفع به إلا كان له نصيب من الأجر.
فأكرم بالتعليم من مهنة، وأعظم به من شرف ومهمة.
أعَلِمْتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي
يبني وينشئ أنفساً وعقولا(
هذا وسيأتي مزيد بيان لفضل العلم والتعليم ضمناً في الحلقات التالية.
أما بعد
فإن المعلمين هم حُماةُ الثُّغور، ومربو الأجيال، وسُقَاةُ الغرس، وعُمَّارُ المدارس، المستحقون لأجر الجهاد، وشكر العباد، والثواب من الله يوم المعاد.
ثم إن الحديث عن المعلمين ذو شجون؛ فلهم هموم وشؤون، ولهم آمال وآلام، وعليهم واجبات وتبعات.
ثم أما بعد:
فأحببت أن أشارك إخواني المعلمين بهذه الحلقات التي سأنزلها تباعا - إن شاء الله-
في محاولة مني لتغيير ما يمكن تغييره من حال معلمينا في مواضيعهم التي يخوضون ، ومجالاتهم التي حولها يدندنون .
وللإشارة فإن هذه الحلقات منقولة من كتاب بعنوان : مع المعلمين
فهي تدور مع المعلمين في شجونهم وشؤونهم، وفي أدبهم في أنفسهم، ومع زملائهم وطلابهم، إلى غير ذلك مما يدور في فلكهم.
فيا معاشر المعلمين سلامٌ من الله عليكم، وتحيات مباركاتٌ تُزجى إليكم، وثناء عليكم يَأْرَج كالمسك من محبٍّ لكم.
ثم إن هذه الحلقات مهداة إليكم فعسى أن تنال رضاكم، وتجد قبولاً عندكم.
فإلى تلك الصفحات، والله المستعان وعليه التكلان.
1_ استحضار فضل العلم والتعليم:
فللعلم شأن جلل، وفضل عظيم، ومكانة سامقة، فيحسن بالمعلمين أن يستحضروا هذا المعنى، ويضعوه نصب أعينهم وفي سويداء قلوبهم؛ فما يقدمونه في سبيل العلم يعلي ذكرهم، ويزكي علومهم، ويعود بالنفع عليهم وعلى أمتهم.
ولهذا فلا غرو أن تتظاهر آثار الشرع، وأقوال السلف، وكلمات الحكماء في بيان فضل العلم ونشره بين الناس.
قال الله تعالى: [يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ] (المجادلة: 10).
قال ابن عباس _رضي الله عنهما_: =العلماء فوق المؤمنين مائة درجة، ما بين الدرجتين مائة عام
قال وهب ابن منبه رحمه الله: = يتشعب من العلم الشرفُ وإن كان صاحبه دَنِيَّاً، والعز وإن كان صاحبه مهيناً، والقرب وإن كان قصيَّاً، والغنى وإن كان فقيراً، والمهابة وإن كان وضيعاً.
وقال أبو الوليد الباجي رحمه الله في وصيته لولديه: =والعلم لا يفضي بصاحبه إلا إلى السعادة، ولا يقصر عن درجة الرفعة والكرامة، قليله ينفع، وكثيره يعلي ويرفع، كنز يزكو على كل حال، ويكثر مع الإنفاق، ولا يغصبه غاصب، ولا يُخاف عليه سارق ولا محارب؛ فاجتهدا في تحصيله، واستعذبا التعب في حفظه والسهر في درسه، والنصب الطويل في جمعه، وواظبا على تقييده وروايته، ثم انتقلا إلى فهمه ودرايته.
وقال ابن حزم رحمه الله: =لو لم يكن من فضل العلم إلا أن الجهال يهابونك، وأن العلماء يجلونك ، لكان ذلك سبباً إلى وجوب طلبه، فكيف بسائر فضله في الدنيا والآخرة؟.
ولو لم يكن من نقص الجهل إلا أن صاحبه يحسد العلماء، ويغبط نظراءه من الجهال لكان ذلك سباً إلى وجوب الفرار عنه، فكيف بسائر رذائله في الدنيا والآخرة؟.
وعن سفيان الثوري والشافعي _رضي الله عنهما_: =ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم
قال ابن جماعة رحمه الله بعد أن ساق جملة من الآثار عن السلف في فضل العلم: =وقد ظهر بما ذكرنا أن الاشتغال بالعلم لله أفضل من نوال العبادات البدنية من صلاة، وصيام، وتسبيح، ودعاء، ونحو ذلك؛ لأن نفعَ العلم يعم صاحبه والناسَ، والنوافل البدنية مقصورةٌ على صاحبها، ولأن العلم مصحح لغيره من العبادات؛ فهي تفتقر إليه، وتتوقف عليه، لا يتوقف هو عليها، ولأن العلماء ورثة الأنبياء _عليهم الصلاة والتسليم_ وليس ذلك للمتعبدين، ولأن طاعة العالم واجبة على غيره فيه، ولأن العلم يبقى أثره بعد موت صاحبه، وغيرُهُ من النوافل تنقطع بموت صاحبها، ولأن في بقاء العلم إحياءَ الشريعة، وحفظ معالم الملة.
هذا شيء من فضل العلم، أما فضل نشر العلم وبثه بين الناس فيكفي في ذلك قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : =إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. رواه مسلم
قال ابن جماعة رحمه الله في هذا الحديث: = وأنا أقول: إذا نظرت وجدت المعاني الثلاثة موجودة في معلم العلم؛ أما الصدقة فإقراؤه إياه العلم وإفادته إياه؛ ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم في المصلي وحده: =من يتصدق على هذا.
أي بالصلاة معه؛ لتحصل فضيلة الجماعة، ومعلم العلم يحصل للطالب المنتفع به فضيلة العلم التي هي أفضل من صلاة في جماعة، وينال بها شرف الدنيا والآخرة.
وأما العلم المُنْتَفع به فظاهر؛ لأنه كان سبباً لإيصاله ذلك العلم إلى كل من انتفع به.
وأما الدعاء الصالح له فالمعتاد المستقر على ألسنة أهل العلم والحديث قاطبة من الدعاء لمشايخهم وأئمتهم.
وبعض أهل العلم يدعون لكل من يذكر عنه شيء من العلم، وربما قرأ بعضهم الحديث بسنده، فيدعو لجميع رجال السند؛ فسبحان من اختص من شاء من عباده بما شاء من جزيل عطائه.
قال الشيخ عبدالرحمن ابن سعدي رحمه الله : =فالمعلم مأجور على نفس تعليمه، سواء أفهم المتعلم أو لم يفهم؛ فإذا فهم ما علمه، وانتفع به بنفسه أو نفع به غيره _ كان الأجر جارياً للمعلم ما دام النفع متسلسلاً متصلاً.
وهذه تجارة بمثلها يتنافس المتنافسون؛ فعلى المعلم أن يسعى سعياً شديداً في إيجاد هذه التجارة؛ فهي من عمله وآثار عمله.
قال _تعالى_: [إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ] (يس: 12).
فـ[مَا قَدَّمُوا] ما باشروا عمله، و [آثَارَهُمْ]: ما ترتب على أعمالهم من المصالح والمنافع أو ضدها في حياتهم وبعد مماتهم.
قال ابن جماعة رحمه الله : = واعلم أن الطالب الصالح أعودُ على العالِم بخير الدنيا والآخرة من أعز الناس عليه، وأقرب أهله إليه.
ولذلك كان علماء السلف الناصحون لله ودينه يُلْقون شبك الاجتهاد لصيد طالب ينتفع الناس به في حياتهم ومِنْ بعدهم.
ولو لم يكن للعالم إلا طالب واحد ينفع الله بعلمه وهديه لكفاه ذلك الطالب عند الله _تعالى_؛ فإنه لا يتصل شيء من علمه إلى أحد فينتفع به إلا كان له نصيب من الأجر.
فأكرم بالتعليم من مهنة، وأعظم به من شرف ومهمة.
أعَلِمْتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي
يبني وينشئ أنفساً وعقولا(
هذا وسيأتي مزيد بيان لفضل العلم والتعليم ضمناً في الحلقات التالية.