أم إدريس
2008-01-08, 15:24
عيد رأس السنة الميلادية وتهنئة النصارى واليهود وفتاوى العلماء
بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ }[الممتحنة :1]
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ }[الممتحنة :4]
وعن ابن عباس أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((أبغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلاثَةٌ ؛ مُلْحِدٌ فِي الحَرَمِ ، وَمُبْتَغٍ في الإِسلامِ سُنَّةَ الجَاهِلِيَّةِ ، وَمُطَّلِبٌ دَمَ امرِئٍ بِغَيرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ)) رواه البخاري في صحيحهالحمد لله رب العالمين وبعد :
فأسأل الله تعالى أن يثبتنا جميعًا على الحق وأن لا يفتننا وأن يختم لنا بالحسنى .
سألني بعض الإخوة عن أمرٍ قرأه في الشابكة (الإنترنت) وهو زعم بعض الناس أنّ تهنئة أهل الكتاب اليهود والنصارى في أعيادهم أمرٌ اجتهادي ؛ هناك من العلماء من أجازه ومنهم من منعه واليوم لا حاجة لنا للأخذ برأي المانعين والأولى الأخذ بقول المجيزين!! وأنّ المانعين هم من طائفة المتشددين المعاصرين!!!
فسألته وهل ذكر أصحاب هذه الدعوى من هم العلماء الذين قالوا بالجواز؟
فأجابني بـ :لا!
فقلت له هذا ما كنت أتوقعه ، لأن هذه المسألة من الأساسيات والواضحات ولا أظن أنّ أحدًا من علماء المسلمين الأعلام قال فيها بالجواز ، لأنّ في ذلك تعارضًا شديدًا مع قطعيات الإسلام .
فطلب الأخ السائل أن أذكر له أقوال الأئمة الكبار وتلامذتهم في العصور المتقدّمة ، واستعجلني كثيرًا .
وهذه نقول مقتضبة أضعها بين أيديكم جميعًا حتى تتبينوا الحق من الباطل . وهناك غيرها كثير جدًا .
وأنا أطالب أصحاب هذه الدعوى الجديدة أن يكونوا صادقين مع الناس ، فلا يفتونهم بفتاوى تنقصها الأمانة .
ليفتوا برأيهم إن كانت لهم أدلّة يقتنعون بها ، ولكن لا يجوز لهم أن يوهموا الناس أن فتواهم هي فتوى علماء المسلمين منذ القديم ، وأن المخالفين لهم هم من المتشددين الذين لا سلف لهم!!
فأقول :قال ابن الحاج المالكي في المدخل : ((ومِنَ (العُتبيّة) قال أشهب قيل لمالك أترى بأسًا أن يُهدي الرجل لجاره النصراني مكافأة له على هدية أهداها إليه؟
قال (مالك) : ما يعجبني ذلك ، قال الله عزوجل : {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} الآية.قال ابن رشد رحمه الله تعالى : قوله مكافأة له على هدية أهداها إليه إذ لا ينبغي له أن يقبل منه هدية لأن المقصود من الهدايا التودد لقول النبي صلى الله عليه وسلم (تهادوا تحابوا وتذهب الشحناء) فإن أخطأ وقَبِلَ منه هديته وفاتت عنده فالأحسن أن يُكافئه عليها حتى لا يكون له عليه فضل في معروف صنعه معه .
ومن مختصر (الواضحة) سُئل ابنُ القاسم عن الركوب في السفن التي يركب فيها النصارى لأعيادهم؟
فكَرِه ذلك مخافَةَ نزول السخط عليهم لكفرهم الذي اجتمعوا له .قال وكره ابن القاسم للمسلم أن يهدي إلى النصراني في عيده مكافأة له . ورآه من تعظيم عيده وعونًا له على مصلحة كفرهِ .ألا ترى أنه لا يحلّ للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئًا من مصلحة عيدهم لا لحمًا ولا إدامًا ولا ثوبًا ولا يعارون دابة ولا يعانون على شيء من دينهم . لأن ذلك من التعظيم لشركهم وعونهم على كفرهم .
وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك وهو قول مالك وغيره لم أعلم أحدًا اختلف في ذلك .انتهى
ويمنع التشبه بهم كما تقدم لما ورد في الحديث (من تشبّه بقوم فهو منهم) ومعنى ذلك تنفير المسلمين عن موافقة الكفار في كل ما اختصوا به . وقد كان عليه الصلاة والسلام يكره موافقة أهل الكتاب في كل أحوالهم حتى قالت اليهود إن محمدًا يريد أن لا يدع شيئًا إلا خالفنا فيه .
وقد جمع هؤلاء بين التشبه بهم فيما ذكر والإعانة لهم على كفرهم فيزدادون به طغيانًا ، إذ إنهم إذا رأوا المسلمين يوافقونهم أو يساعدونهم أو هما معًا كان ذلك سببًا لغبطتهم بدينهم ويظنون أنهم على حق ، وكثر هذا بينهم!)) انتهى [المدخل 2/46ـ47]
وقال الإمام الونشريسي المالكي في المعيار :تحت عنوان (الاحتفال بفاتح السنة الميلادية)
(( وسُئل أبو الأصبغ عيسى بن محمد التميلي عن ليلة ينير (يناير) التي يسميها الناس (الميلاد) ويجتهدون لها في الاستعداد ، ويجعلونها كأحد الأعياد ، ويتهادون بينهم صنوف الأطعمة وأنواع التحف والطرف المثوبة لوجه الصِّلة ، ويترك الرجالُ والنساءُ أعمالهم صبيحتها تعظيمًا لليوم ، ويعدّونه رأس السنة ، أترى ذلك ـ أكرمك الله ـ بدعة محرّمة لا يحل لمسلم أن يفعل ذلك ، ولا أن يجيب أحدًا من أقاربه وأصهاره إلى شيء من ذلك الطعام الذي أعدّه لها؟
أم هو مكروه ليس بالحرام الصراح؟ أم مستقل؟ وقد جاءت أحاديث مأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتشبّهين من أمته بالنصارى في نيروزهم ومهرجانهم ، وأنهم محشورون معهم يوم القيامة . وجاء عنه أيضًا أنه قال : (من تشبّه بقوم فهو منهم) . فبيّن لنا أكرمك الله ما صح عندك في ذلك إن شاء الله .
فأجاب : قرأت كتابك ووقفت على ما عنه سألت وكل ما ذكَرْتَه في كتابك فمحرّمٌ فِعْلُه عند أهل العلم . وقد رويت الأحاديث التي ذكرتها من التشديد في ذلك .
ورويتُ أيضًا أن يحيى بن يحيى الليثي (راوي الموطأ) قال : لا تجوز الهدايا في الميلاد من نصراني ولا من مسلم ، ولا إجابة الدعوة فيه ، ولا استعداد له . وينبغي أن يجعل كسائر الأيام ، ورَفَعَ فيه حديثًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يومًا لأصحابه : (إنكم مُسْتَنْزَلون بين ظهراني عجم ، فمن تشبه بهم في نيروزهم ومهرجانهم حُشِرَ معهم) قال يحيى : وسألتُ عن ذلك ابن كنانة ، وأخبرته بحالنا في بلدنا فأنكر وعابه وقال : الذي يثبت عندنا في ذلك الكراهية ، وكذلك سمعت مالكًا يقول : لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من تشبّه بقوم حشر معهم) . [المعيار 11/150ـ151]
ووقع لسحنون مثل ما تقدم ، ونصّه :"ولا تجوز الهدايا في الميلاد من مسلم ولا من نصراني ولا إجابة الدعوة فيه ، ولا الاستعداد له. انتهى [المعيار 11/154]
قال الإمام النووي الشافعي في (الروضة) 10/230 عند المسألة العاشرة من مسائل في السلام
: (قول الرافعي)..العاشرة في استحباب السلام على الفساق ووجوب الرد على المجنون والسكران إذا سلما وجهان ولا يجوز ابتداء أهل الذمة بالسلام فلو سلم على من لم يعرفه فبان ذمياً استحب أن يسترد سلامه بأن يقول استرجعت سلامي تحقيراً له وله أن يحيي الذمي بغير السلام بأن يقول هداك الله أو أنعم الله صباحك ولو سلم عليه ذمي لم يزد في الرد على قوله وعليك.
قلت (النووي): ما ذكره من استحباب استرداد السلام من الذمي ذكره (المتولي) ونقله عن ابن عمر رضي الله عنهما ، وقوله أن يحيي الذمي بغير السلام ذكره المتولي وهذا إذا احتاج إليه لعذر فأما من غير حاجة فالاختيار أن لا يبتدئه بشيء من الإكرام أصلاً فإن ذلك بسطٌ له وإيناس وملاطفة وإظهار ودٍّ وقد قال الله تعالى {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله}
وقال الإمام الغزالي الشافعي في إحياء علوم الدين 2 / 16
بيان مراتب الذين يبغضون في الله وكيفية معا ملتهم:
فإن قلت: إظهار البغض والعداوة بالفعل إن لم يكن واجباً فلا شك أنه مندوب إليه والعصاة والفساق على مراتب مختلفة فكيف ينال الفضل بمعاملتهم وهل يسلك بجميعهم مسلكاً واحداً أم لا؟ فاعلم أن المخالف لأمر الله سبحانه لا يخلو إما أن يكون مخالفاً في عقده أو في عمله، والمخالف في العقد إما مبتدع أو كافر والمبتدع إما داع إلى بدعته أو ساكت والساكت إما بعجزه أو باختياره: فأقسام الفساد في الاعتقاد ثلاثة: الأول: الكفر، فالكافر إن كان محارباً فهو يستحق القتل والإرقاق وليس بعد هذين إهانة، وأما الذمي فإنه لا يجوز إيذاؤه إلا بالإعراض عنه والتحقير له بالاضطرار إلى أضيق الطرق وبترك المفاتحة بالسلام، فإذا قال: السلام عليك، قلت: وعليك. والأولى الكف عن مخاطبته ومعاملته ومؤاكلته ، وأما الانبساط معه والاسترسال إليه كما يسترسل إلى الأصدقاء فهو مكروه كراهة شديدة يكاد ينتهي ما يقوى منها إلى حد التحريم، قال الله تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} الآية، وقال صلى الله عليه وسلم: (( المسلم والمشرك لا تتراءى ناراهما)) وقال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} الآية.
والحمد لله رب العالمين
خلدون مكي الحسني
بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ }[الممتحنة :1]
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ }[الممتحنة :4]
وعن ابن عباس أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((أبغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلاثَةٌ ؛ مُلْحِدٌ فِي الحَرَمِ ، وَمُبْتَغٍ في الإِسلامِ سُنَّةَ الجَاهِلِيَّةِ ، وَمُطَّلِبٌ دَمَ امرِئٍ بِغَيرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ)) رواه البخاري في صحيحهالحمد لله رب العالمين وبعد :
فأسأل الله تعالى أن يثبتنا جميعًا على الحق وأن لا يفتننا وأن يختم لنا بالحسنى .
سألني بعض الإخوة عن أمرٍ قرأه في الشابكة (الإنترنت) وهو زعم بعض الناس أنّ تهنئة أهل الكتاب اليهود والنصارى في أعيادهم أمرٌ اجتهادي ؛ هناك من العلماء من أجازه ومنهم من منعه واليوم لا حاجة لنا للأخذ برأي المانعين والأولى الأخذ بقول المجيزين!! وأنّ المانعين هم من طائفة المتشددين المعاصرين!!!
فسألته وهل ذكر أصحاب هذه الدعوى من هم العلماء الذين قالوا بالجواز؟
فأجابني بـ :لا!
فقلت له هذا ما كنت أتوقعه ، لأن هذه المسألة من الأساسيات والواضحات ولا أظن أنّ أحدًا من علماء المسلمين الأعلام قال فيها بالجواز ، لأنّ في ذلك تعارضًا شديدًا مع قطعيات الإسلام .
فطلب الأخ السائل أن أذكر له أقوال الأئمة الكبار وتلامذتهم في العصور المتقدّمة ، واستعجلني كثيرًا .
وهذه نقول مقتضبة أضعها بين أيديكم جميعًا حتى تتبينوا الحق من الباطل . وهناك غيرها كثير جدًا .
وأنا أطالب أصحاب هذه الدعوى الجديدة أن يكونوا صادقين مع الناس ، فلا يفتونهم بفتاوى تنقصها الأمانة .
ليفتوا برأيهم إن كانت لهم أدلّة يقتنعون بها ، ولكن لا يجوز لهم أن يوهموا الناس أن فتواهم هي فتوى علماء المسلمين منذ القديم ، وأن المخالفين لهم هم من المتشددين الذين لا سلف لهم!!
فأقول :قال ابن الحاج المالكي في المدخل : ((ومِنَ (العُتبيّة) قال أشهب قيل لمالك أترى بأسًا أن يُهدي الرجل لجاره النصراني مكافأة له على هدية أهداها إليه؟
قال (مالك) : ما يعجبني ذلك ، قال الله عزوجل : {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} الآية.قال ابن رشد رحمه الله تعالى : قوله مكافأة له على هدية أهداها إليه إذ لا ينبغي له أن يقبل منه هدية لأن المقصود من الهدايا التودد لقول النبي صلى الله عليه وسلم (تهادوا تحابوا وتذهب الشحناء) فإن أخطأ وقَبِلَ منه هديته وفاتت عنده فالأحسن أن يُكافئه عليها حتى لا يكون له عليه فضل في معروف صنعه معه .
ومن مختصر (الواضحة) سُئل ابنُ القاسم عن الركوب في السفن التي يركب فيها النصارى لأعيادهم؟
فكَرِه ذلك مخافَةَ نزول السخط عليهم لكفرهم الذي اجتمعوا له .قال وكره ابن القاسم للمسلم أن يهدي إلى النصراني في عيده مكافأة له . ورآه من تعظيم عيده وعونًا له على مصلحة كفرهِ .ألا ترى أنه لا يحلّ للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئًا من مصلحة عيدهم لا لحمًا ولا إدامًا ولا ثوبًا ولا يعارون دابة ولا يعانون على شيء من دينهم . لأن ذلك من التعظيم لشركهم وعونهم على كفرهم .
وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك وهو قول مالك وغيره لم أعلم أحدًا اختلف في ذلك .انتهى
ويمنع التشبه بهم كما تقدم لما ورد في الحديث (من تشبّه بقوم فهو منهم) ومعنى ذلك تنفير المسلمين عن موافقة الكفار في كل ما اختصوا به . وقد كان عليه الصلاة والسلام يكره موافقة أهل الكتاب في كل أحوالهم حتى قالت اليهود إن محمدًا يريد أن لا يدع شيئًا إلا خالفنا فيه .
وقد جمع هؤلاء بين التشبه بهم فيما ذكر والإعانة لهم على كفرهم فيزدادون به طغيانًا ، إذ إنهم إذا رأوا المسلمين يوافقونهم أو يساعدونهم أو هما معًا كان ذلك سببًا لغبطتهم بدينهم ويظنون أنهم على حق ، وكثر هذا بينهم!)) انتهى [المدخل 2/46ـ47]
وقال الإمام الونشريسي المالكي في المعيار :تحت عنوان (الاحتفال بفاتح السنة الميلادية)
(( وسُئل أبو الأصبغ عيسى بن محمد التميلي عن ليلة ينير (يناير) التي يسميها الناس (الميلاد) ويجتهدون لها في الاستعداد ، ويجعلونها كأحد الأعياد ، ويتهادون بينهم صنوف الأطعمة وأنواع التحف والطرف المثوبة لوجه الصِّلة ، ويترك الرجالُ والنساءُ أعمالهم صبيحتها تعظيمًا لليوم ، ويعدّونه رأس السنة ، أترى ذلك ـ أكرمك الله ـ بدعة محرّمة لا يحل لمسلم أن يفعل ذلك ، ولا أن يجيب أحدًا من أقاربه وأصهاره إلى شيء من ذلك الطعام الذي أعدّه لها؟
أم هو مكروه ليس بالحرام الصراح؟ أم مستقل؟ وقد جاءت أحاديث مأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتشبّهين من أمته بالنصارى في نيروزهم ومهرجانهم ، وأنهم محشورون معهم يوم القيامة . وجاء عنه أيضًا أنه قال : (من تشبّه بقوم فهو منهم) . فبيّن لنا أكرمك الله ما صح عندك في ذلك إن شاء الله .
فأجاب : قرأت كتابك ووقفت على ما عنه سألت وكل ما ذكَرْتَه في كتابك فمحرّمٌ فِعْلُه عند أهل العلم . وقد رويت الأحاديث التي ذكرتها من التشديد في ذلك .
ورويتُ أيضًا أن يحيى بن يحيى الليثي (راوي الموطأ) قال : لا تجوز الهدايا في الميلاد من نصراني ولا من مسلم ، ولا إجابة الدعوة فيه ، ولا استعداد له . وينبغي أن يجعل كسائر الأيام ، ورَفَعَ فيه حديثًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يومًا لأصحابه : (إنكم مُسْتَنْزَلون بين ظهراني عجم ، فمن تشبه بهم في نيروزهم ومهرجانهم حُشِرَ معهم) قال يحيى : وسألتُ عن ذلك ابن كنانة ، وأخبرته بحالنا في بلدنا فأنكر وعابه وقال : الذي يثبت عندنا في ذلك الكراهية ، وكذلك سمعت مالكًا يقول : لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من تشبّه بقوم حشر معهم) . [المعيار 11/150ـ151]
ووقع لسحنون مثل ما تقدم ، ونصّه :"ولا تجوز الهدايا في الميلاد من مسلم ولا من نصراني ولا إجابة الدعوة فيه ، ولا الاستعداد له. انتهى [المعيار 11/154]
قال الإمام النووي الشافعي في (الروضة) 10/230 عند المسألة العاشرة من مسائل في السلام
: (قول الرافعي)..العاشرة في استحباب السلام على الفساق ووجوب الرد على المجنون والسكران إذا سلما وجهان ولا يجوز ابتداء أهل الذمة بالسلام فلو سلم على من لم يعرفه فبان ذمياً استحب أن يسترد سلامه بأن يقول استرجعت سلامي تحقيراً له وله أن يحيي الذمي بغير السلام بأن يقول هداك الله أو أنعم الله صباحك ولو سلم عليه ذمي لم يزد في الرد على قوله وعليك.
قلت (النووي): ما ذكره من استحباب استرداد السلام من الذمي ذكره (المتولي) ونقله عن ابن عمر رضي الله عنهما ، وقوله أن يحيي الذمي بغير السلام ذكره المتولي وهذا إذا احتاج إليه لعذر فأما من غير حاجة فالاختيار أن لا يبتدئه بشيء من الإكرام أصلاً فإن ذلك بسطٌ له وإيناس وملاطفة وإظهار ودٍّ وقد قال الله تعالى {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله}
وقال الإمام الغزالي الشافعي في إحياء علوم الدين 2 / 16
بيان مراتب الذين يبغضون في الله وكيفية معا ملتهم:
فإن قلت: إظهار البغض والعداوة بالفعل إن لم يكن واجباً فلا شك أنه مندوب إليه والعصاة والفساق على مراتب مختلفة فكيف ينال الفضل بمعاملتهم وهل يسلك بجميعهم مسلكاً واحداً أم لا؟ فاعلم أن المخالف لأمر الله سبحانه لا يخلو إما أن يكون مخالفاً في عقده أو في عمله، والمخالف في العقد إما مبتدع أو كافر والمبتدع إما داع إلى بدعته أو ساكت والساكت إما بعجزه أو باختياره: فأقسام الفساد في الاعتقاد ثلاثة: الأول: الكفر، فالكافر إن كان محارباً فهو يستحق القتل والإرقاق وليس بعد هذين إهانة، وأما الذمي فإنه لا يجوز إيذاؤه إلا بالإعراض عنه والتحقير له بالاضطرار إلى أضيق الطرق وبترك المفاتحة بالسلام، فإذا قال: السلام عليك، قلت: وعليك. والأولى الكف عن مخاطبته ومعاملته ومؤاكلته ، وأما الانبساط معه والاسترسال إليه كما يسترسل إلى الأصدقاء فهو مكروه كراهة شديدة يكاد ينتهي ما يقوى منها إلى حد التحريم، قال الله تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} الآية، وقال صلى الله عليه وسلم: (( المسلم والمشرك لا تتراءى ناراهما)) وقال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} الآية.
والحمد لله رب العالمين
خلدون مكي الحسني