الباشـــــــــــق
2010-04-07, 20:21
تتميز المجتمعات الخليجية بانفتاحها و بطيبتها و حميميتها التي تتيح اندماج العديد من شعوب المنطقة في بيئاتها الاجتماعية , كما أن شعوب و أعراق عديدة قد انصهرت و اندمجت في هذه المجتمعات التي ترحب بكل وافد شريف , ولكن مع بروز الكيانات السياسية العصرية و تطور قضايا التعصب المذهبي و الفكري و السياسي وظهور مشاريع الغزو و الهيمنة و الضم و الإلحاق , تغيرت العديد من المعطيات الاجتماعية و التاريخية المعروفة , و تجسدت المخاطر السياسية الهائلة التي نجمت عن مشاريع أنظمة التبشير السياسي والعقائدي في المنطقة, وخصوصا النظام الإيراني مع اختلاف الأنظمة السياسية الحاكمة في إيران , فليس سرا أبدا القول بأن اللوبي الإيراني في دول الخليج العربي هو من العناصر القوية جدا بيد صانع القرار السياسي و العسكري في طهران بصرف النظر عن الهوية الفكرية و العقائدية لمن يمتلك مفاتيح السلطة في بلاد فارس , فالنظام القومي الفارسي الشاهنشاهي الذي بسط هيمنته على إيران بأسرها و مدها لتشمل كل سواحل الخليج العربي وضم إقليم ألأحواز ( عربستان ) العربي الخليجي على يد مؤسس السلطة الفارسية الشاهنشاهية البهلوية رضا شاه عام 1925 , كان قد نصب نفسه في مراحل حياته الأخيرة بمثابة شرطي المنطقة الأول, بل أن طموحاته الستراتيجية تضخمت بشكل مرضي و بالشكل الذي لم يكن متناسبا مع حقيقة قوته الميدانية حتى أن الشاه السابق محمد رضا بهلوي كان يتطلع الى أن يكون نظامه قوة كبرى و عظمى في جنوب غرب آسيا! و كان ذلك يحمل من الأوهام جرعات أكبر من الحقائق , و كانت الساحة الخليجية هي الهم الستراتيجي الأول لنظام الشاه , فقد كانت وصية رضا بهلوي لابنه محمد رضا هي مطالبته بالهيمنة الإيرانية المباشرة على الضفة العربية من الخليج العربي فقد ذكر رضا شاه في وصيته النص التالي : لقد حررت الشاطئ الشرقي للخليج من العرب و عليك أن تحرر الشاطئ "الغربي "!
وطبعا طبقت تلك الوصية ليس من خلال الاحتلال العسكري المباشر لأن ذلك أمر مستحيل في ظل وجود المصالح الغربية التي منعت الآلة العسكرية الإيرانية من تحقيق مطامعها إلا في ظل حدود معينة كما حصل عام 1971 حينما أحتلت القوات الإيرانية الجزر الإماراتية الثلاث في مدخل الخليج العربي طنب الكبرى و الصغرى و أبو موسى وكذلك جزيرة "سيري" من دون أن ننسى المطالبة الإيرانية الرسمية بضم مملكة البحرين منذ عام 1927وهي مطالبة كانت شرسة للغاية و خطيرة لم تحسمها إلا إرادة الشعب العربي البحريني من خلال الاستفتاء الشعبي العام الذي أنهى المطالبة الإيرانية بالكامل , فكان البديل الإيراني هو حملات التسلل الرسمية المنظمة لمحاولة تغيير الواقع الديموغرافي للمنطقة وفرض مراكز قوى إيرانية الولاء تستطيع التأسيس للهيمنة الإيرانية وهو ما حصل فعلا بأساليب وطرق مختلفة مما ولد هيمنة إيرانية على بعض القطاعات الحساسة في دول الخليج العربي و منها القطاع التجاري فضلا عن عمليات التدفق البشري التي فرضت أوضاعا سكانية معينة , ومع التغيير السياسي الكبير في إيران اعتبارا من عام 1979 تغير نظام الحكم, ولكن لم تتغير العقلية التسلطية و لم تتغير أيضا النظرة الدونية و الاستصغارية التي ينظر بها الجالس على العرش في طهران تجاه دول الجوار العربية تحديدا, وهي نظرة صبغت منذ الثمانينات من القرن الماضي بطلاء آيديولوجي مذهبي قوامه الأساس ما عرف في حينه ب¯ "تصدير الثورة الإسلامية" من خلال عمليات الانقلاب السياسي, وحتى العسكري, لإسقاط الحكومات الخليجية و قيام البديل السياسي الطائفي الذي يدين بالولاء التام للنظام في إيران , فكانت سياسة الهيمنة المباشرة أو من خلال الوكلاء هي السمة العامة للوضع والتوجه الستراتيجي الإيراني الجديد , فما تغير في السلوك السياسي الإيراني هو الإطار الشكلي فقط, أما الروح و النوايا فهي واحدة, بل تحولت الى جوانب أشد خطورة من خطورة مشروع النظام الشاهنشاهي السابق الذي كان يعتمد على بلطجة القوة العسكرية و سلاح التخويف المباشر من دون اللجوء لمخاطبة المشاعر والولاءات المذهبية و الطائفية فقط , وأعتقد أن من الصعوبة بمكان تلخيص الأحداث الكبرى والمأسوية التي مرت بها دول الخليج العربي منذ إشتعال الحرب العراقية - الإيرانية ( 1980-1988 ) وحتى ما قبلها مرورا بمرحلة التفجيرات المتنقلة في دول الخليج العربي في الكويت والبحرين تحديدا والأحداث الخطيرة التي شهدتها مواسم الحج خلال ذلك العقد حتى جاء الغزو العراقي لدولة الكويت في صيف عام 1990 ليغير الصورة الستراتيجية, وليرسم خارطة طريق إقليمية ودولية جديدة إستفاد منها النظام الإيراني استفادة جمة ووفرت له متنفسا ستراتيجيا لا مثيل له مكنه من ترسيخ قواعد مؤسساته في الإقليم الخليجي والمحيط العربي المجاور, وخصوصا في الشام ولبنان فحماقات نظام صدام حسين المهلكة كانت من أكبر العوامل التي قوت المشروع السياسي والآيديولوجي الإيراني ووفرت له وسائل الحماية والتوسع بصمت هوأشبه بالسم البطيء الذي كان يقطع في أوصال بعض الزوايا الإقليمية , وازاء فضيحة غسل الأموال الأخيرة التي أميط عنها اللثام في مملكة البحرين ظهر جزء بسيط فقط من صورة التسلل الإيراني المرعب والحقيقي وليس التخويفي , فمؤسسة الحرس الثوري الإيراني وخصوصا بعد اجتياح العراق وقيام الفوضى وتحلل السلطة المركزية وتربع أهل الولاءات الإيرانية على مراكز القرار المهمة والفعالة قد أضحت من أكبر القوى السرية الفاعلة والتي تمتلك برنامجا إرهابيا شاملا أحاطت مخابرات الغرب ببعض حلقاته من دون أن تتمكن من السيطرة عليه بالمطلق أوفضح جميع أسرار حلقاته المتشابكة والمتداخلة ,من دون شك فإن أجهزة أمن دول الخليج العربي تمتلك اليوم من المعلومات ومن وسائل اليقظة والحذر الشيء الكثير كما أن لها من الخبرات المتراكمة ما يجعلها تمتلك وسائل عديدة للتحسب أوحتى للرد رغم أن كل شيء مرهون بطبيعة الوضع السياسي العام والإرادة السياسية لكل دولة من دول الإقليم الخليجي , المشكلة الحقيقية في هذا الملف الشائك هو وجود أماكن رخوة ستراتيجيا هي بمثابة حصان طروادة إيراني متقدم في الجسم الخليجي , كما أن الحواة في طهران يمتلكون أفاعي خطيرة قادرة على التلون والتسلل والضرب في العمق في ظل غياب ستراتيجية تصدي أمنية خليجية مشتركة تتجاوز كل الحساسيات , هناك أمور خطيرة تجري ¯ ومساومات مذهلة تتحقق , رغم أن الحقائق تقول بأن المخاطر المحيطة بدول الخليج العربي هي الأكبر في تاريخها المعاصر , فهل سيغسل الكشف عن فضيحة غسل الأموال الأخيرة كل آثار التسلل الاستخباري الإيراني الواسع , أم أنها ستكون الخطوة الأولى في طريق طويل من طرق ومراحل إدارة الصراع الإقليمي المعقدة والمتداخلة? المهم أن رأس الخيط قد ظهر وبتتبع مساراته سيتم الكشف بالكامل عن جحور الثعابين الإيرانية السامة التي تستهدف عروبة وأصالة وحرية وسيادة وحتى هوية دول الخليج العربي.
المصدر: السياسة الكويتية
وطبعا طبقت تلك الوصية ليس من خلال الاحتلال العسكري المباشر لأن ذلك أمر مستحيل في ظل وجود المصالح الغربية التي منعت الآلة العسكرية الإيرانية من تحقيق مطامعها إلا في ظل حدود معينة كما حصل عام 1971 حينما أحتلت القوات الإيرانية الجزر الإماراتية الثلاث في مدخل الخليج العربي طنب الكبرى و الصغرى و أبو موسى وكذلك جزيرة "سيري" من دون أن ننسى المطالبة الإيرانية الرسمية بضم مملكة البحرين منذ عام 1927وهي مطالبة كانت شرسة للغاية و خطيرة لم تحسمها إلا إرادة الشعب العربي البحريني من خلال الاستفتاء الشعبي العام الذي أنهى المطالبة الإيرانية بالكامل , فكان البديل الإيراني هو حملات التسلل الرسمية المنظمة لمحاولة تغيير الواقع الديموغرافي للمنطقة وفرض مراكز قوى إيرانية الولاء تستطيع التأسيس للهيمنة الإيرانية وهو ما حصل فعلا بأساليب وطرق مختلفة مما ولد هيمنة إيرانية على بعض القطاعات الحساسة في دول الخليج العربي و منها القطاع التجاري فضلا عن عمليات التدفق البشري التي فرضت أوضاعا سكانية معينة , ومع التغيير السياسي الكبير في إيران اعتبارا من عام 1979 تغير نظام الحكم, ولكن لم تتغير العقلية التسلطية و لم تتغير أيضا النظرة الدونية و الاستصغارية التي ينظر بها الجالس على العرش في طهران تجاه دول الجوار العربية تحديدا, وهي نظرة صبغت منذ الثمانينات من القرن الماضي بطلاء آيديولوجي مذهبي قوامه الأساس ما عرف في حينه ب¯ "تصدير الثورة الإسلامية" من خلال عمليات الانقلاب السياسي, وحتى العسكري, لإسقاط الحكومات الخليجية و قيام البديل السياسي الطائفي الذي يدين بالولاء التام للنظام في إيران , فكانت سياسة الهيمنة المباشرة أو من خلال الوكلاء هي السمة العامة للوضع والتوجه الستراتيجي الإيراني الجديد , فما تغير في السلوك السياسي الإيراني هو الإطار الشكلي فقط, أما الروح و النوايا فهي واحدة, بل تحولت الى جوانب أشد خطورة من خطورة مشروع النظام الشاهنشاهي السابق الذي كان يعتمد على بلطجة القوة العسكرية و سلاح التخويف المباشر من دون اللجوء لمخاطبة المشاعر والولاءات المذهبية و الطائفية فقط , وأعتقد أن من الصعوبة بمكان تلخيص الأحداث الكبرى والمأسوية التي مرت بها دول الخليج العربي منذ إشتعال الحرب العراقية - الإيرانية ( 1980-1988 ) وحتى ما قبلها مرورا بمرحلة التفجيرات المتنقلة في دول الخليج العربي في الكويت والبحرين تحديدا والأحداث الخطيرة التي شهدتها مواسم الحج خلال ذلك العقد حتى جاء الغزو العراقي لدولة الكويت في صيف عام 1990 ليغير الصورة الستراتيجية, وليرسم خارطة طريق إقليمية ودولية جديدة إستفاد منها النظام الإيراني استفادة جمة ووفرت له متنفسا ستراتيجيا لا مثيل له مكنه من ترسيخ قواعد مؤسساته في الإقليم الخليجي والمحيط العربي المجاور, وخصوصا في الشام ولبنان فحماقات نظام صدام حسين المهلكة كانت من أكبر العوامل التي قوت المشروع السياسي والآيديولوجي الإيراني ووفرت له وسائل الحماية والتوسع بصمت هوأشبه بالسم البطيء الذي كان يقطع في أوصال بعض الزوايا الإقليمية , وازاء فضيحة غسل الأموال الأخيرة التي أميط عنها اللثام في مملكة البحرين ظهر جزء بسيط فقط من صورة التسلل الإيراني المرعب والحقيقي وليس التخويفي , فمؤسسة الحرس الثوري الإيراني وخصوصا بعد اجتياح العراق وقيام الفوضى وتحلل السلطة المركزية وتربع أهل الولاءات الإيرانية على مراكز القرار المهمة والفعالة قد أضحت من أكبر القوى السرية الفاعلة والتي تمتلك برنامجا إرهابيا شاملا أحاطت مخابرات الغرب ببعض حلقاته من دون أن تتمكن من السيطرة عليه بالمطلق أوفضح جميع أسرار حلقاته المتشابكة والمتداخلة ,من دون شك فإن أجهزة أمن دول الخليج العربي تمتلك اليوم من المعلومات ومن وسائل اليقظة والحذر الشيء الكثير كما أن لها من الخبرات المتراكمة ما يجعلها تمتلك وسائل عديدة للتحسب أوحتى للرد رغم أن كل شيء مرهون بطبيعة الوضع السياسي العام والإرادة السياسية لكل دولة من دول الإقليم الخليجي , المشكلة الحقيقية في هذا الملف الشائك هو وجود أماكن رخوة ستراتيجيا هي بمثابة حصان طروادة إيراني متقدم في الجسم الخليجي , كما أن الحواة في طهران يمتلكون أفاعي خطيرة قادرة على التلون والتسلل والضرب في العمق في ظل غياب ستراتيجية تصدي أمنية خليجية مشتركة تتجاوز كل الحساسيات , هناك أمور خطيرة تجري ¯ ومساومات مذهلة تتحقق , رغم أن الحقائق تقول بأن المخاطر المحيطة بدول الخليج العربي هي الأكبر في تاريخها المعاصر , فهل سيغسل الكشف عن فضيحة غسل الأموال الأخيرة كل آثار التسلل الاستخباري الإيراني الواسع , أم أنها ستكون الخطوة الأولى في طريق طويل من طرق ومراحل إدارة الصراع الإقليمي المعقدة والمتداخلة? المهم أن رأس الخيط قد ظهر وبتتبع مساراته سيتم الكشف بالكامل عن جحور الثعابين الإيرانية السامة التي تستهدف عروبة وأصالة وحرية وسيادة وحتى هوية دول الخليج العربي.
المصدر: السياسة الكويتية