تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الطب النبوي لمن يريد


krid abdelbasset
2010-03-31, 23:45
www.maknoon.com 1 الطب النبوي
الطب النبوي
تأليف الشيخ الزنداني
أنواع المرض
المرض : نوعان : مرض القلوب ، ومرض الأبدان ، وهما مذكوران في القرآن .
ومرض القلوب : نوعان : مرض شبهة وشك ، ومرض شهوة وغي ، وكلاهما في القرآن . قال تعالى في
مرض الشبهة :﴿ في قلوﺑﻬم مرض فزادهم الله مرضا ﴾ ( البقرة : 110 )وقال تعالى :﴿وليقول الذين
في قلوﺑﻬم مرض والكافرون ماذا أراد الله ﺑﻬذا مثلا ﴾( المدثر : 31 ) وقال تعالى في حق من دعي إلى
تحكيم القرآن والسنة ، فأبى وأعرض:﴿وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون *
وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوﺑﻬم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله
بل أولئك هم الظالمون﴾ ( النور: 48 و 49 ) فهذا مرض الشبهات والشكوك . وأما مرض الشهوات ،
فقال تعالى:﴿يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه
مرض ﴾( الأحزاب : 32 ) . فهذا مرض شهوة الزنى ، والله أعلم .
وأما مرض الأبدان ، فقال تعالى ﴿ ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض
حرج ﴾ ( النور : 61 )،وذكر مرض البدن في الحج والصوم والوضوء لسر بديع يبين لك عظمة
القرآن،والإستغناء به لمن فهمه وعقله عن سواه ،وذلك أن قواعد طب الأبدان ثلاثة : حفظ الصحة ،
والحمية عن المؤذي ، واستفراغ المواد الفاسدة ، فذكر سبحانه هذه الأصول الثلاثة في هذه المواضع
الثلاثة .فقال في آية الصوم:﴿ فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ﴾( البقرة :
184 )،فأباح الفطر للمريض لعذر المرض،وللمسافر طلبًا لحفظ صحته وقوته لئلا يذهبها الصوم في
السفر لاجتماع شدة الحركة،وما يوجبه من التحليل،وعدم الغذاء الذي يخلف ما تحلل ، فتخور القوة ،
وتضعف ، فأباح للمسافر الفطر حفظًا لصحته وقوته عما يضعفها.وقال في آية الحج:﴿فمن كان منكم
مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك﴾( البقرة : 196 ) ، فأباح للمريض ،
ومن به أذى من رأسه ، من قمل ، أو حكة ، أو غيرهما ، أن يحلق رأسه في الإحرام استفراغًا لمادة الأبخرة
الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باحتقاﻧﻬا تحت الشعر ، فإذا حلق رأسه ، تفتحت المسام ، فخرجت
www.maknoon.com 2 الطب النبوي
تلك الأبخرة منها ، فهذا الإستفراغ يقاس عليه كل استفراغ يؤذي انحباسه .والأشياء التي يؤذي انحباسها
ومدافعتها عشرة : الدم إذا هاج ، والمني إذا تبيغ ، والبول ، والغائط ، والريح ، والقئ ، والعطاس ،
والنوم ، والجوع ،والعطش . وكل واحد من هذه العشرة يوجب حبسه داء من الأدواء بحسبه .وقد نبه
سبحانه باستفراغ أدناها ،وهو البخار المحتقن في الرأس على استفراغ ما هو أصعب منه ، كما هي طريقة
القرآن التنبيه بالأدنى على الأعلى .وأما الحمية : فقال تعالى في آية الوضوء : ﴿ وإن كنتم مرضى أو
على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا﴾( النساء :
43 )،فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه،وهذا تنبيه على
الحمية عن كل مؤذ له من داخل أو خارج،فقد أرشد - سبحانه - عباده إلى أصول الطب ومجامع
قواعده،ونحن نذكر هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك،ونبين أن هديه فيه أكمل هدي .فأما
طب القلوب ،فمسلم إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ، ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم وعلى
أيديهم ، فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة برﺑﻬا ، وفاطرها ، وبأسمائه ، وصفاته ، وأفعاله ، وأحكامه ،
وأن تكون مؤثرة لمرضاته ومحابه ، متجنبة لمناهيه ومساخطه ، ولا صحة لها ولا حياة البتة إلا بذلك ، ولا
سبيل إلى تلقيه إلا من جهة الرسل ، وما يظن من حصول صحة القلب بدون اتباعهم ، فغلط ممن يظن
ذلك ، وإنما ذلك حياة نفسه البهيمية الشهوانية ، وصحتها وقوﺗﻬا ، وحياة قلبه وصحته ، وقوته عن ذلك
بمعزل، ومن لم يميز بين هذا وهذا ، فليبك على حياة قلبه ، فإنه من الأموات ، وعلى نوره ، فإنه منغمس
في بحار الظلمات .وأما طب الأبدان : فإنه نوعان : نوع قد فطر الله عليه الحيوان ناطقه وﺑﻬيمه،فهذا لا
يحتاج فيه إلى معالجة طبيب ، كطب الجوع ، والعطش ، والبرد ، والتعب بأضدادها وما يزيلها .
والثاني : ما يحتاج إلى فكر وتأمل ، كدفع الأمراض المتشاﺑﻬة الحادثة في المزاج ، بحيث يخرج ﺑﻬا عن
الإعتدال ، إما إلى حرارة ، أو برودة ، أو يبوسة ، أو رطوبة ، أو ما يتركب من اثنين منها ، وهي
نوعان : إما مادية ، وإما كيفية ، أعني إما أن يكون بانصباب مادة ، أو بحدوث كيفية ، والفرق بينهما
أن أمراض الكيفية تكون بعد زوال المواد التي أوجبتها ، فتزول موادها ، ويبقى أثرها كيفية في
المزاج .وأمراض المادة أسباﺑﻬا معها تمدها ،وإذا كان سبب المرض معه ،فالنظر في السبب ينبغي أن يقع
أو ً لا ،ثم في المرض ثانيًا ،ثم في الدواء ثالثًا . أو الأمراض الآلية وهي التي تخرج العضو عن هيئته ، إما في
شكل ، أو تجويف ، أو مجرى ، أو خشونة ، أو ملاسة ، أو عدد ، أو عظم ، أو وضع ، فإن هذه
الأعضاء إذا تألفت وكان منها البدن سمي تألفها اتصا ً لا ، والخروج عن الإعتدال فيه يسمى تفرق
الإتصال ، أو الأمراض العامة التي تعم المتشاﺑﻬة والآلية .والأمراض المتشاﺑﻬة : هي التي يخرج ﺑﻬا المزاج عن
الإعتدال ، وهذا الخروج يسمى مرضًا بعد أن يضر بالفعل إضرارًا محسوسًا .وهي على ثمانية أضرب :
www.maknoon.com 3 الطب النبوي
أربعة بسيطة ، وأربعة مركبة ، فالبسيطة : البارد ، والحار ، والرطب ، واليابس ، والمركبة : الحار
الرطب ، والحار اليابس ، والبارد الرطب ، والبارد اليابس ، وهي إما أن تكون بانصباب مادة ، أو بغير
انصباب مادة ، وإن لم يضر المرض بالفعل يسمى خروجًا عن الإعتدال صحة .وللبدن ثلاثة أحوال :
حال طبيعية ، وحال خارجة عن الطبيعية ، وحال متوسطة بين الأمرين . فالأولى : ﺑﻬا يكون البدن
صحيحًا ، والثانية : ﺑﻬا يكون مريضًا . والحال الثالثة : هي متوسطة بين الحالتين ، فإن الضد لا ينتقل إلى
ضده إلا بمتوسط ، وسبب خروج البدن عن طبيعته ، إما من داخله ، لأنه مركب من الحار والبارد ،
والرطب واليابس ، وإما من خارج ، فلأن ما يلقاه قد يكون موافقًا ، وقد يكون غير موافق ، والضرر
الذي يلحق الإنسان قد يكون من سوء المزاج بخروجه عن الإعتدال ، وقد يكون من فساد في العضو ،
وقد يكون من ضعف في القوى ، أو الأرواح الحاملة لها ، ويرجع ذلك إلى زيادة ما الإعتدال في عدم
زيادته ، أو نقصان ما الإعتدال في عدم نقصانه ، أو تفرق ما الإعتدال في اتصاله ، أو اتصال ما الإعتدال
في تفرقه ، أو امتداد ما الإعتدال في انقباضه ، أو خروج ذي وضع وشكل عن وضعه وشكله بحيث
يخرجه عن اعتداله .فالطبيب:هو الذي يفرق ما يضر بالإنسان جمعه ، أو يجمع فيه ما يضره تفرقه ، أو
ينقص منه ما يضره زيادته ، أو يزيد فيه ما يضره نقصه ، فيجلب الصحة المفقودة ، أو يحفظها بالشكل
والشبه ، ويدفع العلة الموجودة بالضد والنقيض ، ويخرجها ، أو يدفعها بما يمنع من حصولها بالحمية ،
وسترى هذا كله في هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم شافيًا كافيًا بحول الله وقوته ، وفضله ومعونته .
فكان من هديه صلى الله عليه وسلم فعل التداوي في نفسه ، والأمر به لمن أصابه مرض من أهله
وأصحابه
ولكن لم يكن من هديه ولا هدي أصحابه استعمال هذه الأدوية المركبة التي تسمى أقرباذين،بل كان
غالب أدويتهم بالمفردات ، وربما أضافوا إلى المفرد ما يعاونه ، أو يكسر سورته،وهذا غالب طب الأمم
على اختلاف أجناسها من العرب والترك ، وأهل البوادي قاطبة ، وإنما عني بالمركبات الروم
واليونانيون،وأكثر طب الهند بالمفردات.وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء لا يعدل عنه
إلى الدواء،ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل عنه إلى المركب
www.maknoon.com 4 الطب النبوي
قالوا : وكل داء قدر على دفعه بالأغذية والحمية ، لم يحاول دفعه بالأدوية .قالوا : ولا ينبغي للطبيب أن
يولع بسقي الأدوية ، فإن الدواء إذا لم يجد في البدن داء يحلله ، أو وجد داء لا يوافقه ، أو وجد ما يوافقه
فزادت كميته عليه ، أو كيفيته ، تشبث بالصحة ، وعبث ﺑﻬا . وأرباب التجارب من الأطباء طبهم
بالمفردات غالبًا ، وهم أحد فرق الطب الثلاث . والتحقيق في ذلك أن الأدوية من جنس الأغذية ، فالأمة
والطائفة التي غالب أغذيتها المفردات ، أمراضها قليلة جدًا ، وطبها بالمفردات ، وأهل المدن الذين غلبت
عليهم الأغذية المركبة يحتاجون إلى الأدوية المركبة ، وسبب ذلك أن أمراضهم في الغالب مركبة ،
فالأدوية المركبة أنفع لها ، وأمراض أهل البوادي والصحاري مفردة ، فيكفي في مداواﺗﻬا الأدوية المفردة ،
فهذا برهان بحسب الصناعة الطبية .
ونحن نقول : إن ها هنا أمرًا آخر ، نسبة طب الأطباء إليه كنسبة طب الطرقية والعجائز إلى طبهم ، وقد
اعترف به حذاقهم وأئمتهم ، فإن ما عندهم من العلم بالطب منهم من يقول : هو قياس . ومنهم من
يقول : هو تجربة . ومنهم من يقول:هو إلهامات ، ومنامات ، وحدس صائب . ومنهم من يقول :أخذ
كثير منه من الحيوانات البهيمية ،كما نشاهد السنانير إذا أكلت ذوات السموم تعمد إلى السراج،فتلغ في
الزيت تتداوى به،وكما رؤيت الحيات إذا خرجت من بطون الأرض،وقد عشيت أبصارها تأتي إلى ورق
الرازيانج ،فتمر عيوﻧﻬا عليها.وكما عهد من الطير الذي يحتقن بماء البحر عند انحباس طبعه، وأمثال ذلك
مما ذكر في مبادئ الطب .وأين يقع هذا وأمثاله من الوحي الذي يوحيه الله إلى رسوله بما ينفعه ويضره ،
فنسبة ما عندهم من الطب إلى هذا الوحي كنسبة ما عندهم من العلوم إلى ما جاءت به الأنبياء ، بل ها
هنا من الأدوية التي تشفي من الأمراض ما لم يهتد إليها عقول أكابر الأطباء، ولم تصل إليها علومهم
وتجارﺑﻬم ، وأقيستهم من الأدوية القلبية ، والروحانية ، وقوة القلب ، واعتماده على الله ، والتوكل عليه ،
والإلتجاء إليه ،والإنطراح والإنكسار بين يديه ، والتذلل له ، والصدقة ، والدعاء ، والتوبة ، والإستغفار
، والإحسان إلى الخلق ، وإغاثة الملهوف ، والتفريج عن المكروب ، فإن هذه الأدوية قد جربتها الأمم
على اختلاف أدياﻧﻬا ومللها ، فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لا يصل إليه علم أعلم الأطباء ، ولا
تجربته ، ولا قياسه .وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أمورًا كثيرة ، ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية
، بل تصير الأدوية الحسية عندها بمترلة أدوية الطرقية عند الأطباء ، وهذا جار على قانون الحكمة الإلهية
ليس خارجًا عنها ، ولكن الأسباب متنوعة فإن القلب متى اتصل برب العالمين ، وخالق الداء والدواء ،
ومدبر الطبيعة ومصرفها على ما يشاء كانت له أدوية أخرى غير الأدوية التي يعانيها القلب البعيد منه
المعرض عنه ، وقد علم أن الأرواح متى قويت ، وقويت النفس والطبيعة تعاونا على دفع الداء وقهره ،
www.maknoon.com 5 الطب النبوي
فكيف ينكر لمن قويت طبيعته ونفسه ، وفرحت بقرﺑﻬا من بارئها ، وأنسها به ، وحبها له ، وتنعمها
بذكره ، وانصراف قواها كلها إليه ، وجمعها عليه ، واستعانتها به ، وتوكلها عليه ، أن يكون ذلك لها
من أكبر الأدوية ، وأن توجب لها هذه القوة دفع الألم بالكلية ، ولا ينكر هذا إلا أجهل الناس ،وأغلظهم
حجابًا ، وأكثفهم نفسًا ، وأبعدهم عن الله وعن حقيقة الإنسانية ، وسنذكر إن شاء الله السبب الذي به
أزالت قراءة الفاتحة داء اللدغة عن اللديغ التي رقي ﺑﻬا ، فقام حتى كأن ما به قلبة .فهذان نوعان من
الطب النبوي ، نحن بحول الله نتكلم عليهما بحسب الجهد والطاقة ، ومبلغ علومنا القاصرة ، ومعارفنا
المتلاشية جدًا ، وبضاعتنا المزجاة ، ولكنا نستوهب من بيده الخير كله ، ونستمد من فضله ، فإنه العزيز
الوهاب .روى مسلم في صحيحه : من حديث أبى الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله
عليه وسلم ، أنه قال : ( لكل داء دواء ، فإذا أصيب دواء الداء ، برأ بإذن الله عز وجل ) .وفي
الصحيحين : عن عطاء ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أنزل الله من
داء إلا أنزل له شفاء " . وفي مسند الإمام أحمد : من حديث زياد بن علاقة ، عن أسامة بن شريك ،
قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وجاءت الأعراب ، فقالوا : يا رسول الله ! أنتداوى ؟
فقال : نعم يا عباد الله تداووا ، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد ، قالوا :
ما هو ؟ قال : الهرم ) .وفي لفظ : ( إن الله لم يترل داء إلا أنزل له شفاء ، علمه من علمه وجهله من
جهله ) . وفي المسند : من حديث ابن مسعود يرفعه : ( إن الله عز وجل لم يترل داء إلا أنزل له شفاء ،
علمه من علمه ، وجهله من جهله ) وفي المسند و السنن : عن أبي خزامة ، قال : قلت : يا رسول الله !
أرأيت رقى نسترقيها ، ودواء نتداوى به ، وتقاة نتقيها ، هل ترد من قدر الله شيئًا ؟ فقال : ( هي من
قدر الله ) .فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات ، وإبطال قول من أنكرها ، ويجوز أن
يكون قوله :( لكل داء دواء ) ، على عمومه حتى يتناول الأدواء القاتلة ، والأدواء التي لا يمكن لطبيب
أن يبرئها ، ويكون الله عز وجل قد جعل لها أدوية تبرئها ، ولكن طوى علمها عن البشر ،ولم يجعل لهم
إليه سبي ً لا ، لأنه لا علم للخلق إلا ما علمهم الله ، ولهذا علق النبي صلى الله عليه وسلم الشفاء على
مصادفة الدواء للداء ، فإنه لا شئ من المخلوقات إلا له ضد ، وكل داء له ضد من الدواء يعالج بضده ،
فعلق النبي صلى الله عليه وسلم البرء بموافقة الداء للدواء ، وهذا قدر زائد على مجرد وجوده ، فإن الدواء
متى جاوز درجة الداء في الكيفية، أو زاد في الكمية على ما ينبغي ، نقله إلى داء آخر ، ومتى قصر عنها لم
يف بمقاومته ، وكان العلاج قاصرًا ، ومتى لم يقع المداوي على الدواء ،أو لم يقع الدواء على الداء،لم
يحصل الشفاء ، ومتى لم يكن الزمان صالحًا لذلك الدواء ، لم ينفع ، ومتى كان البدن غير قابل له ، أو
القوة عاجزة عن حمله ، أو ثم مانع يمنع من تأثيره ، لم يحصل البرء لعدم المصادفة ، ومتى تمت المصادفة
www.maknoon.com 6 الطب النبوي
حصل البرء بإذن الله ولا بد ، وهذا أحسن المحملين في الحديث .والثاني : أن يكون من العام المراد به
الخاص ، لا سيما والداخل في اللفظ أضعاف أضعاف الخارج منه ، وهذا يستعمل في كل لسان ، ويكون
المراد أن الله لم يضع داء يقبل الدواء إلا وضع له دواء ، فلا يدخل في هذا الأدواء التي لا تقبل الدواء ،
( وهذا كقوله تعالى في الريح التي سلطها على قوم عاد:﴿ تدمر كل شيء بأمر رﺑﻬا﴾( الأحقاف : 25
أي كل شئ يقبل التدمير ، ومن شأن الريح أن تدمره ، ونظائره كثيرة .ومن تأمل خلق الأضداد في هذا
العالم ، ومقاومة بعضها لبعض ، ودفع بعضها ببعض ، وتسليط بعضها على بعض ، تبين له كمال قدرة
الرب تعالى ، وحكمته ، وإتقانه ما صنعه ، وتفرده بالربوبية ، والوحدانية ، والقهر ، وأن كل ما سواه
فله ما يضاده ويمانعه ، كما أنه الغني بذاته ، وكل ما سواه محتاج بذاته .وفي الأحاديث الصحيحة الأمر
بالتداوي ، وأنه لا ينافي التوكل ، كما لا ينافيه دفع داء الجوع ، والعطش ، والحر ، والبرد بأضدادها ،
بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباﺗﻬا قدرًا وشرعًا ، وأن
تعطيلها يقدح في نفس التوكل ، كما يقدح في الأمر والحكمة ، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن
تركها أقوى في التوكل ، فإن تركها عجزًا ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول
ما ينفع العبد في دينه ودنياه ، ودفع ما يضره في دينه ودنياه ، ولا بد مع هذا الإعتماد من مباشرة
الأسباب ، وإلا كان معط ً لا للحكمة والشرع ، فلا يجعل العبد عجزه توك ً لا ، ولا توكله عجزًا .وفيها
رد على من أنكر التداوي ، وقال : إن كان الشفاء قد قدر ، فالتداوي لا يفيد ، وإن لم يكن قد قدر ،
فكذلك . وأيضًا ، فإن المرض حصل بقدر الله ، وقدر الله لا يدفع ولا يرد ، وهذا السؤال هو الذي
أورده الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأما أفاضل الصحابة ، فأعلم بالله وحكمته
وصفاته من أن يوردوا مثل هذا ، وقد أجاﺑﻬم النبي صلى الله عليه وسلم بما شفى وكفى ، فقال : هذه
الأدوية والرقى والتقى هي من قدر الله ، فما خرج شئ عن قدره ، بل يرد قدره بقدره ، وهذا الرد من
قدره ، فلا سبيل إلى الخروج عن قدره بوجه ما ، وهذا كرد قدر الجوع ، والعطش والحر ، والبرد
بأضدادها ، وكرد قدر العدو بالجهاد وكل من قدر الله : الدافع ، والمدفوع والدفع .ويقال لمورد هذا
السؤال : هذا يوجب عليك أن لا تباشر سببًا من الأسباب التي تجلب ﺑﻬا منفعة ، أو تدفع ﺑﻬا مضرة ، لأن
المنفعة والمضرة إن قدرتا ، لم يكن بد من وقوعهما ، وإن لم تقدرا لم يكن سبيل إلى وقوعهما ، وفي ذلك
خراب الدين والدنيا ، وفساد العالم ، وهذا لا يقوله إلا دافع للحق ، معاند له ، فيذكر القدر ليدفع حجة
المحق عليه ، كالمشركين الذين قالوا :﴿ لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ﴾( الأنعام : 148 ) ، و ﴿ لو
شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ﴾ ( النحل : 35 ) ، فهذا قالوه دفعًا لحجة الله
عليهم بالرسل .وجواب هذا السائل أن يقال : بقي قسم ثالث لم تذكره ، هو أن الله قدر كذا وكذا ﺑﻬذا
www.maknoon.com 7 الطب النبوي
السبب ،فإن أتيت بالسبب حصل المسبب ،وإلا فلا ، فإن قال:إن كان قدر لي السبب ، فعلته ، وإن لم
يقدره لي لم أتمكن من فعله .قيل : فهل تقبل هذا الإحتجاج من عبدك ، وولدك ، وأجيرك إذا احتج به
عليك فيما أمرته به ، وﻧﻬيته عنه فخالفك ؟ فإن قبلته ، فلا تلم من عصاك ، وأخذ مالك ، وقذف
عرضك ، وضيع حقوقك ، وإن لم تقبله ، فكيف يكون مقبو ً لا منك في دفع حقوق الله عليك. وقد
روي في أثر إسرائيلي : أن إبراهيم الخليل قال : يا رب ممن الداء ؟ قال : مني . قال : فممن الدواء ؟
قال : مني. قال : فما بال الطبيب ؟ . قال : رجل أرسل الدواء على يديه . وفي قوله صلى الله عليه
وسلم : ( لكل داء دواء ) ، تقوية لنفس المريض والطبيب ، وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش
عليه ، فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيله ، تعلق قلبه بروح الرجاء ، وبردت عنده
حرارة اليأس ، وانفتح له باب الرجاء ، ومتى قويت نفسه انبعثت حرارته الغريزية ، وكان ذلك سببها
لقوة الأرواح الحيوانية والنفسانية والطبيعية ، ومتى قويت هذه الأرواح ، قويت القوى التي هي حاملة لها
، فقهرت المرض ودفعته .وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواء أمكنه طلبه والتفتيش عليه .
وأمراض الأبدان على وزان أمراض القلوب ، وما جعل الله للقلب مرضًا إلا جعل له شفاء بضده ، فإن
علمه صاحب الداء واستعمله ، وصادف داء قلبه ، أبرأه بإذن الله تعالى .
في هديه صلى الله عليه وسلم في الإحتماء من التخم،والزيادة في الأكل على قدر الحاجة
والقانون الذي ينبغي مراعاته في الأكل والشرب في المسند وغيره : عنه صلى الله عليه وسلم أنه
قال:( ما ملأ آدمي وعاءً شرًا من بطن ، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا بد فاع ً لا ،
فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه ) .الأمراض نوعان : أمراض مادية تكون عن زيادة مادة
أفرطت في البدن حتى أضرت بأفعاله الطبيعية ، وهي الأمراض الأكثرية،وسببها إدخال الطعام على البدن
قبل هضم الأول ،والزيادة في القدر الذي يحتاج إليه البدن ، وتناول الأغذية القليلة النفع ، البطيئة الهضم ،
والإكثار من الأغذية المختلفة التراكيب المتنوعة ، فإذا ملأ الآدمي بطنه من هذه الأغذية ، واعتاد ذلك
،أورثته أمراضًا متنوعة ، منها بطيء الزوال وسريعه ،فإذا توسط في الغذاء ، وتناول منه قدر الحاجة
،وكان معتد ً لا في كميته وكيفيته،كان انتفاع البدن به أكثر من انتفاعه بالغذاء الكثير ومراتب الغذاء
ثلاثة:أحدها: مرتبة الحاجة . والثانية : مرتبة الكفاية . والثالثة : مرتبة الفضلة .
www.maknoon.com 8 الطب النبوي
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم : أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه ، فلا تسقط قوته ، ولا تضف معها ،
فإن تجاوزها ، فليأكل في ثلث بطنه ، ويدع الثلث الآخر للماء ، والثالث للنفس ، وهذا من أنفع ما
للبدن والقلب ، فإن البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب ، فإذا ورد عليه الشراب ضاق عن
النفس ، وعرض له الكرب والتعب بحمله بمترلة حامل الحمل الثقيل ، هذا إلى ما يلزم ذلك من فساد
القلب ، وكسل الجوارح عن الطاعات ، وتحركها في الشهوات التي يستلزمها الشبع . فامتلاء البطن من
الطعام مضر للقلب والبدن .هذا إذا كان دائمًا أو أكثريًا . وأما إذا كان في الأحيان ، فلا بأس به ، فقد
شرب أبو هريرة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم من اللبن ، حتى قال : والذي بعثك بالحق ، لا أجد له
مسلكًا . وأكل الصحابة بحضرته مرارًا حتى شبعوا .والشبع المفرط يضعف القوى والبدن ، وإن أخصبه ،
وإنما يقوى البدن بحسب ما يقبل من الغذاء ، لا بحسب كثرته .ولما كان في الإنسان جزء أرضي ، وجزء
هوائي ، وجزء مائي ، قسم النبي صلى الله عليه وسلم طعامه وشرابه ونفسه على الأجزاء الثلاثة .
فإن قيل : فأين حظ الجزء الناري ؟ قيل : هذه مسألة تكلم فيها الأطباء ، وقالوا : إن في البدن جزءًا ناريًا
بالفعل ، وهو أحد أركانه واسطقساته .ونازعهم في ذلك آخرون من العقلاء من الأطباء وغيرهم ،
وقالوا : ليس في البدن جزء ناري بالفعل ، واستدلوا بوجوه : أحدها : أن ذلك الجزء الناري إما أن
يدعى أنه نزل عن الأثير،واختلط ﺑﻬذه الأجزاء المائية والأرضية ، أو يقال : إنه تولد فيها وتكون ، والأول
مستبعد لوجهين ، أحدهما : أن النار بالطبع صاعدة ، فلو نزلت ، لكانت بقاسر من مركزها إلى هذا
العالم . الثاني : أن تلك الأجزاء النارية لا بد في نزولها أن تعبر على كرة الزمهرير التي هي في غاية البرد ،
ونحن نشاهد في هذا العالم أن النار العظيمة تنطفئ بالماء القليل ، فتلك الأجزاء الصغيرة عند مرورها بكرة
الزمهرير التي هي في غاية البرد ، وﻧﻬاية العظم أولى بالإنطفاء .وأما الثاني : - وهو أن يقال : إﻧﻬا تكونت
ها هنا - فهو أبعد وأبعد ، لأن الجسم الذي صار نارًا بعد أن لم يكن كذلك ، قد كان قبل صيرورته إما
أرضًا ، وإما ماء ، وإما هواء لانحصار الأركان في هذه الأربعة ، وهذا الذي قد صار نارًا أو ً لا ، كان
مختلطًا بأحد هذه الأجسام ، ومتص ً لا ﺑﻬا ، والجسم الذي لا يكون نارًا إذا اختلط بأجسام عظيمة ليست
بنار ولا واحد منها ، لا يكون مستعدًا لأن ينقلب نارًا لأنه في نفسه ليس بنار ، والأجسام المختلطة باردة
، فكيف يكون مستعدًا لانقلابه نارًا ؟ فإن قلتم : لم لا تكون هناك أجزاء نارية تقلب هذه الأجسام ،
وتجعلها نارًا بسبب مخالطتها إياها ؟ قلنا : الكلام في حصول تلك الأجزاء النارية كالكلام في الأول ، فإن
قلتم : إنا نرى من رش الماء على النورة المطفأة تنفصل منها نار ، وإذا وقع شعاع الشمس على البلورة ،
www.maknoon.com 9 الطب النبوي
ظهرت النار منها ، وإذا ضربنا الحجر على الحديد،ظهرت النار ، وكل هذه النارية حدثت عند الإختلاط
، وذلك يبطل ما قررتموه في القسم الأول أيضًا
قال المنكرون : نحن لا ننكر أن تكون المصاكة الشديدة محدثة للنار ، كما في ضرب الحجارة على الحديد
، أو تكون قوة تسخين الشمس محدثة للنار ، كما في البلورة ، لكنا نستبعد ذلك جدًا في أجرام النبات
والحيوان ، إذ ليس في أجرامها من الإصطكاك ما يوجب حدوث النار ، ولا فيها من الصفاء والصقال ما
يبلغ إلى حد البلورة ، كيف وشعاع الشمس يقع على ظاهرها،فلا تتولد النار البتة ، فالشعاع الذي يصل
إلى باطنها كيف يولد النار ؟
الوجه الثاني : في أصل المسألة : أن الأطباء مجمعون على أن الشراب العتيق في غاية السخونة بالطبع ، فلو
كانت تلك السخونة بسبب الأجزاء النارية ، لكانت محا ً لا إذ تلك الأجزاء النارية مع حقارﺗﻬا كيف يعقل
بقاؤها في الأجزاء المائية الغالبة دهرًا طوي ً لا ، بحيث لا تنطفئ مع أنا نرى النار العظيمة تطفأ بالماء القليل .
الوجه الثالث : أنه لو كان في الحيوان والنبات جزء ناري بالفعل ، لكان مغلوبًا بالجزء المائي الذي فيه ،
وكان الجزء الناري مقهورًا به ، وغلبة بعض الطبائع والعناصر على بعض يقتضي انقلاب طبيعة المغلوب
إلى طبيعة الغالب ، فكان يلزم بالضرورة انقلاب تلك الأجزاء النارية القليلة جدًا إلى طبيعة الماء الذي هو
ضد النار
الوجه الرابع : أن الله سبحانه وتعالى ذكر خلق الإنسان في كتابه في مواضع متعددة ، يخبر في بعضها أنه
خلقه من ماء ، وفي بعضها أنه خلقه من تراب ، وفي بعضها أنه خلقه من المركب منهما وهو الطين ،
وفي بعضها أنه خلقه من صلصال كالفخار ، وهو الطين الذي ضربته الشمس والريح حتى صار صلصا ً لا
كالفخار ، ولم يخبر في موضع واحد أنه خلقه من نار ، بل جعل ذلك خاصية إبليس . وثبت في صحيح
مسلم : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ،
وخلق آدم مما وصف لكم ) ، وهذا صريح في أنه خلق مما وصفه الله في كتابه فقط ، ولم يصف لنا
سبحانه أنه خلقه من نار ، ولا أن في مادته شيئًا من النار .
الوجه الخامس : أن غاية ما يستدلون به ما يشاهدون من الحرارة في أبدان الحيوان ، وهي دليل على
الأجزاء النارية ، وهذا لا يدل ، فإن أسباب الحرارة أعم من النار ، فإﻧﻬا تكون عن النار تارة ، وعن
الحركة أخرى ، وعن انعكاس الأشعة ، وعن سخونة الهواء ، وعن مجاورة النار ، وذلك بواسطة سخونة
www.maknoon.com 10 الطب النبوي
الهواء أيضًا ، وتكون عن أسباب أخر ، فلا يلزم من الحرارة النار .قال أصحاب النار : من المعلوم أن
التراب والماء إذا اختلطا فلا بد لهما من حرارة تقتضي طبخهما وامتزاجهما ، وإلا كان كل منهما غير
ممازج للآخر ، ولا متحدًا به ، وكذلك إذا ألقينا البذر في الطين بحيث لا يصل إليه الهواء ولا الشمس
فسد ، فلا يخلو ، إما أن يحصل في المركب جسم منضج طابخ بالطبع أو لا ، فإن حصل ، فهو الجزء
الناري ، وإن لم يحصل ، لم يكن المركب مسخنًا بطبعه ، بل إن سخن كان التسخين عرضيًا ، فإذا زال
التسخين العرضي ، لم يكن الشيء حارًا في طبعه ، ولا في كيفيته ، وكان باردًا مطلقًا ، لكن من الأغذية
والأدوية ما يكون حارًا بالطبع ، فعلمنا أن حرارﺗﻬا إنما كانت ، لأن فيها جوهرًا ناريًا .وأيضًا فلو لم يكن
في البدن جزء مسخن لوجب أن يكون في ﻧﻬاية البرد ، لأن الطبيعة إذا كانت مقتضية للبرد ، وكانت
خالية عن المعاون والمعارض ، وجب انتهاء البرد إلى أقصى الغاية ، ولو كان كذلك لما حصل لها
الإحساس بالبرد ، لأن البرد الواصل إليه إذا كان في الغاية كان مثله ، والشئ لا ينفعل عن مثله ، وإذا لم
ينفعل عنه لم يحس به ، وإذا لم يحس به لم يتألم عنه ، وإن كان دونه فعدم الإنفعال يكون أولى ، فلو لم
يكن في البدن جزء مسخن بالطبع لما انفعل عن البرد ، ولا تألم به . قالوا : وأدلتكم إنما تبطل قول من
يقول : الأجزاء النارية باقية في هذه المركبات على حالها ، وطبيعتها النارية ، ونحن لا نقول بذلك ، بل
نقول : إن صورﺗﻬا النوعية تفسد عند الإمتزاج .قال الآخرون : لم لا يجوز أن يقال : إن الأرض والماء
والهواء إذا اختلطت ، فالحرارة المنضجة الطابخة لها هي حرارة الشمس وسائر الكواكب ، ثم ذلك المركب
عند كمال نضجه مستعد لقبول الهيئة التركيبية بواسطة السخونة نباتًا كان أو حيوانًا أو معدنًا ، وما المانع
أن تلك السخونة والحرارة التي في المركبات هي بسبب خواص وقوى يحدثها الله تعالى عند ذلك الإمتزاج
لا من أجزاء نارية بالفعل ؟ ولا سبيل لكم إلى إبطال هذا الإمكان البتة ، وقد اعترف جماعة من فضلاء
الأطباء بذلك .وأما حديث إحساس البدن بالبرد ، فنقول : هذا يدل على أن في البدن حرارة وتسخينًا ،
ومن ينكر ذلك ؟ لكن ما الدليل على انحصار المسخن في النار ، فإنه وإن كان كل نار مسخنًا ، فإن هذه
القضية لا تنعكس كلية ، بل عكسها الصادق بعض المسخن نار .وأما قولكم بفساد صورة النار النوعية ،
فأكثر الأطباء على بقاء صورﺗﻬا النوعية ، والقول بفسادها قول فاسد قد اعترف بفساده أفضل متأخريكم
في كتابه المسمى بالشفا ، وبرهن على بقاء الأركان أجمع على طبائعها في المركبات . وبالله التوفيق .
وكان علاجه صلى الله عليه وسلم للمرض ثلاثة أنواع . . .
أحدها : بالأدوية الطبيعية .
www.maknoon.com 11 الطب النبوي
والثاني : بالأدوية الإلهية .
والثالث : بالمركب من الأمرين .
ونحن نذكر الأنواع الثلاثة من هديه صلى الله عليه وسلم ، فنبدأ بذكر الأدوية الطبيعية التي وصفها
واستعملها ، ثم نذكر الأدوية الإلهية ، ثم المركبة .وهذا إنما نشير إليه إشارة ، فإن رسول الله صلى الله
عليه وسلم إنما بعث هاديًا ، وداعيًا إلى الله ، وإلى جنته ، ومعرفًا بالله ، ومبينًا للأمة مواقع رضاه وآمرًا
لهم ﺑﻬا ، ومواقع سخطه وناهيًا لهم عنها ، ومخبرهم أخبار الأنبياء والرسل وأحوالهم مع أممهم ، وأخبار
تخليق العالم ، وأمر المبدأ والمعاد ، وكيفية شقاوة النفوس وسعادﺗﻬا ، وأسباب ذلك .وأما طب الأبدان :
فجاء من تكميل شريعته ، ومقصودًا لغيره ، بحيث إنما يستعمل عند الحاجة إليه ، فإذا قدر على الإستغناء
عنه، كان صرف الهمم والقوى إلى علاج القلوب والأرواح ، وحفظ صحتها ، ودفع أسقامها ، وحميتها
مما يفسدها هو المقصود بالقصد الأول ، وإصلاح البدن بدون إصلاح القلب لا ينفع ، وفساد البدن مع
إصلاح القلب مضرته يسيرة جدًا ، وهي مضرة زائلة تعقبها المنفعة الدائمة التامة ، وبالله التوفيق
ذكر القسم الأول وهو العلاج بالأدوية الطبيعية
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الحمى
ثبت في الصحيحين : عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما الحمى أو شدة
الحمى من فيح جهنم ، فأبردوها بالماء ) .وقد أشكل هذا الحديث على كثير من جهلة الأطباء ، ورأوه
منافيًا لدواء الحمى وعلاجها ، ونحن نبين بحول الله وقوته وجهه وفقهه ، فنقول:خطاب النبي صلى الله
عليه وسلم نوعان : عام لأهل الأرض ، وخاص ببعضهم ، فالأول : كعامة خطابه ، والثاني : كقوله :
( لا تستقبلوا القبلة بغائط ، ولا بول ، ولا تستدبروها ، ولكن شرقوا ، أو غربوا ) فهذا ليس بخطاب
لأهل المشرق والمغرب ولا العراق ، ولكن لأهل المدينة وما على سمتها ، كالشام وغيرها . وكذلك
قوله : ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) .وإذا عرف هذا ، فخطابه في هذا الحديث خاص بأهل الحجاز ،
وما والاهم ، إذ كان أكثر الحميات التي تعرض لهم من نوع الحمى اليومية العرضية الحادثة عن شدة
حرارة الشمس ، وهذه ينفعها الماء البارد شربًا واغتسا ً لا ، فإن الحمى حرارة غريبة تشتعل في القلب ،
www.maknoon.com 12 الطب النبوي
وتنبث منه بتوسط الروح والدم في الشرايين والعروق إلى جميع البدن ، فتشتعل فيه اشتعا ً لا يضر بالأفعال
الطبيعية ، وهي تنقسم إلى قسمين : عرضية : وهي الحادثة إما عن الورم ، أو الحركة ، أو إصابة حرارة
الشمس ، أو القيظ الشديد ونحو ذلك .ومرضية : وهي ثلاثة أنواع ، وهي لا تكون إلا في مادة أولى ،
ثم منها يسخن جميع البدن . فإن كان مبدأ تعلقها بالروح سميت حمى يوم ، لأﻧﻬا في الغالب تزول في يوم
، وﻧﻬايتها ثلاثة أيام ، وإن كان مبدأ تعلقها بالأخلاط سميت عفنية ، وهي أربعة أصناف : صفراوية ،
وسوداوية ، وبلغمية ، ودموية . وإن كان مبدأ تعلقها بالأعضاء الصلبة الأصلية ، سميت حمى دق ،
وتحت هذه الأنواع أصناف كثيرة .وقد ينتفع البدن بالحمى انتفاعًا عظيمًا لا يبلغه الدواء ، وكثيرًا ما
يكون حمى يوم ، وحمى العفن سببًا لإنضاج مواد غليظة لم تكن تنضج بدوﻧﻬا ، وسببًا لتفتح سدد لم يكن
تصل إليها الأدوية المفتحة . وأما الرمد الحديث والمتقادم ، فإﻧﻬا تبرئ أكثر أنواعه برءًا عجيبًا سريعًا ،
وتنفع من الفالج ، واللقوة ، والتشنج الإمتلائي ، وكثيرًا من الأمراض الحادثة عن الفضول الغليظة .وقال
لي بعض فضلاء الأطباء : إن كثيرًا من الأمراض نستبشر فيها بالحمى ، كما يستبشر المريض بالعافية ،
فتكون الحمى فيه أنفع من شرب الدواء بكثير ، فإﻧﻬا تنضج من الأخلاط والمواد الفاسدة ما يضر بالبدن ،
فإذا أنضجتها صادفها الدواء متهيئة للخروج بنضاجها ، فأخرجها ، فكانت سببًا للشفاء .وإذا عرف هذا
، فيجوز أن يكون مراد الحديث من أقسام الحميات العرضية ، فإﻧﻬا تسكن على المكان بالإنغماس في الماء
البارد، وسقي الماء البارد المثلوج ، ولا يحتاج صاحبها مع ذلك إلى علاج آخر ، فإﻧﻬا مجرد كيفية حارة
متعلقة بالروح ، فيكفي في زوالها مجرد وصول كيفية باردة تسكنها ، وتخمد لهبها من غير حاجة إلى
استفراغ مادة ، أو انتظار نضج .ويجوز أن يراد به جميع أنواع الحميات ، وقد اعترف فاضل الأطباء
جالينوس : بأن الماء البارد ينفع فيها ، قال في المقالة العاشرة من كتاب حيلة البرء : ولو أن رج ً لا شابًا
حسن اللحم ، خصب البدن في وقت القيظ ، وفي وقت منتهى الحمى ، وليس في أحشائه ورم ، استحم
بماء بارد أو سبح فيه ، لانتفع بذلك . قال : ونحن نأمر بذلك لا توقف.وقال الرازي في كتابه الكبير :إذا
كانت القوة قوية ، والحمى ، حادة جدًا ، والنضج بين ولا ورم في الجوف ، ولا فتق ، ينفع الماء البارد
شربًا ، وإن كان العليل خصب البدن والزمان حار ، وكان معتادًا لاستعمال الماء البارد من خارج ،
فليؤذن فيه .
وقوله:( الحمى من فيح جهنم )هو شدة لهبها ،وانتشارها ، ونظيره قوله:( شدة الحر من فيح جهنم )وفيه
وجهان
أحدهما : أن ذلك أنموذج ورقيقة اشتقت من جهنم ليستدل ﺑﻬا العباد عليها ، ويعتبروا ﺑﻬا ، ثم إن الله
سبحانه قدر ظهورها بأسباب تقتضيها ، كما أن الروح والفرح و السرور واللذة من نعيم الجنة أظهرها
www.maknoon.com 13 الطب النبوي
الله في هذه الدار عبرة ودلالة ، وقدر ظهورها بأسباب توجبها .والثاني : أن يكون المراد التشبيه ، فشبه
شدة الحمى ولهبها بفيح جهنم ، وشبه شدة الحر به أيضًا تنبيهًا للنفوس على شدة عذاب النار ، وأن هذه
الحرارة العظيمة مشبهة بفيحها ، وهو ما يصيب من قرب منها من حرها وقوله : فأبردوها ، روي
بوجهين : بقطع الهمزة وفتحها ، رباعي : من أبرد الشئ : إذا صيره باردًا ، مثل أسخنه : إذا صيره
سخنًا .والثاني : ﺑﻬمزة الوصل مضمومة من برد الشئ يبرده ، وهو أفصح لغة واستعما ً لا ، والرباعي لغة
رديئة عندهم قال : إذا وجدت لهيب الحب في كبدي أقبلت نحو سقاء القوم أبترد هبني بردت ببرد الماء
ظاهره فمن لنار علي الأحشاء تتقد وقوله : بالماء ، فيه قولان . أحدهما : أنه كل ماء وهو الصحيح .
والثاني : أنه ماء زمزم ، واحتج أصحاب هذا القول بما رواه البخاري في صحيحه عن أبي جمرة نصر بن
عمران الضبعي ، قال : كنت أجالس ابن عباس بمكة ، فأخذتني الحمى ، فقال : أبردها عنك بماء زمزم ،
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء ، أو قال: بماء
زمزم ) . وراوي هذا قد شك فيه ، ولو جزم به لكان أمرًا لأهل مكة بماء زمزم ، إذ هو متيسر عندهم ،
ولغيرهم بما عندهم من الماء .ثم اختلف من قال : إنه على عمومه ، هل المراد به الصدقة بالماء ، أو
استعماله ؟ على قولين . والصحيح أنه استعمال ، وأظن أن الذي حمل من قال : المراد الصدقة به أنه
أشكل عليه استعمال الماء البارد في الحمى ، ولم يفهم وجهه مع أن لقوله وجهًا حسنًا ، وهو أن الجزاء
من جنس العمل ، فكما أخمد لهيب العطش عن الظمآن بالماء البارد ، أخمد الله لهيب الحمى عنه جزاء
وفاقًا ، ولكن هذا يؤخذ من فقه الحديث وإشارته ، وأما المراد به فاستعماله .وقد ذكر أبو نعيم وغيره من
حديث أنس يرفعه :
( إذا حم أحدكم ، فليرش عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر ) .وفي سنن ابن ماجه عن أبي هريرة
يرفعه : ( الحمى كير من كير جهنم ، فنحوها عنكم بالماء البارد ) .وفي المسند وغيره ، من حديث
الحسن ، عن سمرة يرفعه : ( الحمى قطعة من النار ، فأبردوها عنكم بالماء البارد ) ، وكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا حم دعا بقربة من ماء ، فأفرغها على رأسه فاغتسل .وفي السنن : من حديث
أبي هريرة قال : ذكرت الحمى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسبها رجل ، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ( لا تسبها فإﻧﻬا تنفي الذنوب ، كما تنفي النار خبث الحديد ) .لما كانت الحمى
يتبعها حمية عن الأغذية الرديئة ، وتناول الأغذية والأدوية النافعة ، وفي ذلك إعانة على تنقية البدن ،
ونفي أخباثه وفضوله ، وتصفيته من مواده الرديئة ، وتفعل فيه كما تفعل النار في الحديد في نفي خبثه ،
وتصفية جوهره ، كانت أشبه الأشياء بنار الكير التي تصفي جوهر الحديد ، وهذا القدر هو المعلوم عند
أطباء الأبدان .وأما تصفيتها القلب من وسخه ودرنه ، وإخراجها خبائثه ، فأمر يعلمه أطباء القلوب ،
www.maknoon.com 14 الطب النبوي
ويجدونه كما أخبرهم به نبيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن مرض القلب إذا صار مأيوسًا من
برئه ، لم ينفع فيه هذا العلاج .فالحمى تنفع البدن والقلب ، وما كان ﺑﻬذه المثابة فسبه ظلم وعدوان ،
وذكرت مرة وأنا محموم قول بعض الشعراء يسبها :
زارت مكفرة الذنوب وودعت تبًا لها من زائر ومودع
قالت وقد عزمت على ترحالها ماذا تريد فقلت أن لا ترجعي
فقلت : تبًا له إذ سب ما ﻧﻬى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبه ، ولو قال :
زارت مكفرة الذنوب لصبها أه ً لا ﺑﻬا من زائر ومودع
قالت وقد عزمت على ترحالها ماذا تريد فقلت : أن لا تقلعي
لكان أولى به ، ولأقلعت عنه ، فأقلعت عني سريعًا . وقد روي في أثر لا أعرف حاله حمى يوم كفارة
سنة ، وفيه قولان أحدهما : أن الحمى تدخل في كل الأعضاء والمفاصل ، وعدﺗﻬا ثلاثمائة وستون مفص ً لا ،
فتكفر عنه - بعدد كل مفصل - ذنوب يوم. والثاني:أﻧﻬا تؤثر في البدن تأثيرًا لا يزول بالكلية إلى سنة،
كما قيل في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يومًا ) : إن أثر
الخمر يبقى في جوف العبد ، وعروقه ، وأعضائه أربعين يومًا والله أعلم .قال أبو هريرة : ما من مرض
يصيبني أحب إلي من الحمى ، لأﻧﻬا تدخل في كل عضو مني ، وإن الله سبحانه يعطي كل عضو حظه من
الأجر .وقد روى الترمذي في جامعه من حديث رافع بن خديج يرفعه : ( إذا أصابت أحدكم الحمى -
وإن الحمى قطعة من النار - فليطفئها بالماء البارد ويستقبل ﻧﻬرًا جاريًا ، فليستقبل جرية الماء بعد الفجر
وقبل طلوع الشمس ، وليقل : بسم الله اللهم اشف عبدك ، وصدق رسولك ، وينغمس فيه ثلاث
غمسات ثلاثة أيام ، فان برئ ، والإ ففى خمس ، فإن لم يبرأ في خمس ، فسبع ، فإن لم يبرأ في سبع فتسع
، فإﻧﻬا لا تكاد تجاوز تسعًا بإذن الله ) . قلت : وهو ينفع فعله في فصل الصيف في البلاد الحارة على
الشرائط التي تقدمت ، فإن الماء في ذلك الوقت أبرد ما يكون لبعده عن ملاقاة الشمس ، ووفور القوى
في ذلك الوقت لما أفادها النوم ، والسكون ، وبرد الهواء ، فتجتمع فيه قوة القوى ، وقوة الدواء ، وهو
الماء البارد على حرارة الحمى العرضية ، أو الغب الخالصة ، أعني التي لا ورم معها ، ولا شئ من
الأعراض الرديئة والمواد الفاسدة ، فيطفئها بإذن الله ، لا سيما في أحد الأيام المذكورة في الحديث ، وهي
www.maknoon.com 15 الطب النبوي
الأيام التي يقع فيها بحران الأمراض الحادة كثيرًا ، سيما في البلاد المذكورة لرقة أخلاط سكاﻧﻬا ، وسرعة
انفعالهم عن الدواء النافع .
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج استطلاق البطن
في الصحيحين : من حديث أبي المتوكل ، عن أبي سعيد الخدري ، ( أن رج ً لا أتى النبي صلى الله عليه
وسلم ، فقال : إن أخي يشتكي بطنه : وفي رواية : استطلق بطنه ، فقال : اسقه عس ً لا ، فذهب ثم رجع
، فقال : قد سقيته ، فلم يغن عنه شيئًا. وفي لفظ : فلم يزده إلا استطلاقًا مرتين أو ثلاثًا ، كل ذلك
يقول له : اسقه عس ً لا ، فقال له في الثالثة أو الرابعة : صدق الله ، وكذب بطن أخيك ) .وفي صحيح
مسلم في لفظ له : ( إن أخي عرب بطنه ) ، أي فسد هضمه ، واعتلت معدته ، والاسم العرب بفتح
الراء ، والذرب أيضًا .والعسل فيه منافع عظيمة ، فإنه جلاء للأوساخ التي في العروق والأمعاء وغيرها ،
محلل للرطوبات أك ً لا وطلاءً ، نافع للمشايخ وأصحاب البلغم ، ومن كان مزاجه باردًا رطبًا ، وهو مغذ
ملين للطبيعة ، حافظ لقوى المعاجين ولما استودع فيه ، مذهب لكيفيات الأدوية الكريهة ، منق للكبد
والصدر ، مدر للبول ، موافق للسعال الكائن عن البلغم ، وإذا شرب حارًا بدهن الورد ، نفع من
ﻧﻬش الهوام وشرب الأفيون ، وإن شرب وحده ممزوجًا بماء نفع من عضة الكلب الكلب ، وأكل الفطر
القتال ، وإذا جعل فيه اللحم الطري ، حفظ طراوته ثلاثة أشهر ، وكذلك إن جعل فيه القثاء ، والخيار ،
والقرع ، والباذنجان ، ويحفظ كثيرًا من الفاكهة ستة أشهر ، ويحفظ جثة الموتى ، ويسمى الحافظ
الأمين . وإذا لطخ به البدن المقمل والشعر ، قتل قمله وصئبانه ، وطول الشعر ، وحسنه ، ونعمه ، وإن
اكتحل به ، جلا ظلمة البصر ، وإن استن به ، بيض الأسنان وصقلها ، وحفظ صحتها ، وصحة اللثة ،
ويفتح أفواه العروق ، ويدر الطمث ، ولعقه على الريق يذهب البلغم ، ويغسل خمل المعدة ، ويدفع
الفضلات عنها ، ويسخنها تسخينًا معتد ً لا ، ويفتح سددها ، ويفعل ذلك بالكبد والكلى والمثانة ، وهو
أقل ضررًا لسدد الكبد والطحال من كل حلو .وهو مع هذا كله مأمون الغائلة ، قليل المضار ، مضر
بالعرض للصفراويين ، ودفعها بالخل ونحوه ، فيعود حينئذ نافعًا له جدًا .وهو غذاء مع الأغذية ، ودواء
مع الأدوية ، وشراب مع الأشربة ، وحلو مع الحلوى ، وطلاء مع الأطلية ، ومفرح مع المفرحات ، فما
خلق لنا شئ فى في معناه أفضل منه ، ولا مثله ، ولا قريبًا منه ، ولم يكن معول القدماء إلا عليه ، وأكثر
كتب القدماء لا ذكر فيها للسكر البتة ، ولا يعرفونه ، فإنه حديث العهد حدث قريبًا ، وكان النبي صلى
www.maknoon.com 16 الطب النبوي
الله عليه وسلم يشربه بالماء على الريق ، وفي ذلك سر بديع في حفظ الصحة لا يدركه إلا الفطن الفاضل
، وسنذكر ذلك إن شاء الله عند ذكر هديه في حفظ الصحة .وفي سنن ابن ماجه مرفوعًا من حديث أبي
هريرة ( من لعق العسل ثلاث غدوات كل شهر ، لم يصبه عظيم من البلاء ) ، وفي أثر آخر : ( عليكم
بالشفاءين : العسل والقرآن ) فجمع بين الطب البشري والإلهي ، وبين طب الأبدان ، وطب الأرواح ،
وبين الدواء الأرضي والدواء السمائي .إذا عرف هذا ، فهذا الذي وصف له النبي صلى الله عليه وسلم
العسل ، كان استطلاق بطنه عن تخمة أصابته عن امتلاء ، فأمره بشرب العسل لدفع الفضول اﻟﻤﺠتمعة في
نواحي المعدة والأمعاء ، فإن العسل فيه جلاء ، ودفع للفضول ، وكان قد أصاب المعدة أخلاط لزجة ،
تمنع استقرار الغذاء فيها للزوجتها ، فإن المعدة لها خمل كخمل القطيفة ، فإذا علقت ﺑﻬا الأخلاط اللزجة ،
أفسدﺗﻬا وأفسدت الغذاء ، فدواؤها بما يجلوها من تلك الأخلاط ، والعسل جلاء ، والعسل من أحسن ما
عولج به هذا الداء ، لا سيما إن مزج بالماء الحار .وفي تكرار سقيه العسل معنى طبي بديع ، وهو أن
الدواء يجب أن يكون له مقدار ، وكمية بحسب حال الداء ، إن قصر عنه ، لم يزله بالكلية ، وإن
جاوزه . أوهى القوى ، فأحدث ضررًا آخر ، فلما أمره أن يسقيه العسل ، سقاه مقدارًا لا يفي بمقاومة
الداء ، ولا يبلغ الغرض ، فلما أخبره ،علم أن الذي سقاه لا يبلغ مقدار الحاجة ، فلما تكرر ترداده إلى
النبي صلى الله عليه وسلم ،أكد عليه المعاودة ليصل إلى المقدار المقاوم للداء ، فلما تكررت الشربات
بحسب مادة الداء ، برأ ،بإذن الله ، واعتبار مقادير الأدوية ،وكيفياﺗﻬا ، ومقدار قوة المرض مرض من أكبر
قواعد الطب.وفي قوله صلى الله عليه وسلم :( صدق الله وكذب بطن أخيك )،إشارة إلى تحقيق نفع هذا
الدواء ،وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه،ولكن لكذب البطن، و كثرة المادة الفاسدة فيه، فأمره
بتكرار الدواء لكثرة المادة .وليس طبه صلى الله عليه وسلم كطب الأطباء ، فإن طب النبي صلى الله عليه
وسلم متيقن قطعي إلهي ، صادر عن الوحي ، ومشكاة النبوة ، وكمال العقل . وطب غيره ، أكثره
حدس وظنون ، وتجارب ، ولا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة ، فإنه إنما ينتفع به من تلقاه
بالقبول ، واعتقاد الشفاء به ، وكمال التلقي له بالإيمان والإذعان ، فهذا القرآن الذي هو شفاء لما في
الصدور - إن لم يتلق هذا التلقي - لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائها ، بل لا يزيد المنافقين إلا
رجسًا إلى رجسهم ، ومرضًا إلى مرضهم ، وأين يقع طب الأبدان منه ، فطب النبوة لا يناسب إلا
الأبدان الطبية ، كما أن شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطبية والقلوب الحية ، فإعراض الناس عن
طب النبوة كإعراضهم عن طب الإستشفاء بالقرآن الذي هو الشفاء النافع،وليس ذلك لقصور فى الدواء
، ولكن لخبث الطبيعة ، وفساد المحل ، وعدم قبوله، والله الموفق .
www.maknoon.com 17 الطب النبوي
في هديه صلى الله عليه وسلم في داء الإستسقاء وعلاجه
في الصحيحين : من حديث أنس بن مالك ، قال : قدم رهط من عرينة وعكل على النبي صلى الله عليه
وسلم ، فاجتووا المدينة ، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال :( لو خرجتم إلى إبل
الصدقة فشربتم من أبوالها وألباﻧﻬا ، ففعلوا ، فلما صحوا ، عمدوا إلى الرعاة فقتلوهم ، واستاقوا الإبل ،
وحاربو الله ورسوله ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم ، فأخذوا ، فقطع أيديهم ،
وأرجلهم ، وسمل أعينهم ، وألقاهم في الشمس حتى ماتوا ) .والدليل على أن هذا المرض كان الإستسقاء
، ما رواه مسلم في صحيحه في هذا الحديث أﻧﻬم قالوا : إنا اجتوينا المدينة ، فعظمت بطوننا ، وارﺗﻬشت
أعضاؤنا ، وذكر تمام الحديث . . .والجوى : داء من أدواء الجوف - والإستسقاء : مرض مادي سببه
مادة غريبة باردة تتخلل الأعضاء فتربو لها إما الأعضاء الظاهرة كلها ، وإما المواضع الخالية من النواحي
التي فيها تدبير الغذاء والأخلاط ، وأقسامه ثلاثة : لحمي ، وهو أصعبها . وزقي ، وطبلي . ولما كانت
الأدوية المحتاج إليها فى علاجه هي الأدوية الجالبة التي فيها إطلاق معتدل ، وإدرار بحسب الحاجة ، وهذه
الأمور موجودة في أبوال الإبل وألباﻧﻬا ، أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بشرﺑﻬا ، فإن في لبن اللقاح
جلاءً وتليينًا ، وإدرارًا وتلطيفًا، وتفتيحًا للسدد ، إذ كان أكثر رعيها الشيح ، والقيصوم ، والبابونج ،
والأقحوان ، والإذخر ، وغير ذلك من الأدوية النافعة للإستسقاء .وهذا المرض لا يكون إلا مع آفة في
الكبد خاصة ، أو مع مشاركة ، وأكثرها عن السدد فيها ، ولبن اللقاح العربية نافع من السدد ، لما فيه
من التفتيح ، والمنافع المذكورة .قال الرازي : لبن اللقاح يشفي أوجاع الكبد ، وفساد المزاج ، وقال
الإسرائيلي : لبن اللقاح أرق الألبان ، وأكثرها مائية وحدة ، وأقلها غذاء ، فلذلك صار أقواها على
تلطيف الفضول ، وإطلاق البطن ، وتفتيح السدد ، ويدل على ذلك ملوحته اليسيرة التي فيه لإفراط
حرارة حيوانية بالطبع ، ولذلك صار أخص الألبان بتطرية الكبد ، وتفتيح سددها ، وتحليل صلابة
الطحال إذا كان حديثًا ، والنفع من الإستسقاء خاصة إذا استعمل لحرارته التي يخرج ﺑﻬا من الضرع مع
بول الفصيل ، وهو حار كما يخرج من الحيوان ، فإن ذلك مما يزيد في ملوحته ، وتقطيعه الفضول ،
وإطلاقه البطن ، فإن تعذر انحداره وإطلاقه البطن ، وجب أن يطلق بدواء مسهل .قال صاحب القانون :
ولا يلتفت إلى ما يقال : من أن طبيعة اللبن مضادة لعلاج الإستسقاء . قال :واعلم أن لبن النوق دواء
نافع لما فيه من الجلاء برفق ،وما فيه من خاصية ، وأن هذا اللبن شديد المنفعة ، فلو أن إنسانًا أقام عليه
بدل الماء والطعام شفي به ، وقد جرب ذلك في قوم دفعوا إلى بلاد العرب ، فقادﺗﻬم الضرورة إلى ذلك ،
www.maknoon.com 18 الطب النبوي
فعوفوا . وأنفع الأبوال : بول الجمل الأعرابي ، وهو النجيب ، انتهى .وفي القصة : دليل على التداوي
والتطبب ، وعلى طهارة بول مأكول اللحم ، فإن التداوي بالمحرمات غير جائز ، ولم يؤمروا مع قرب
عهدهم بالإسلام بغسل أفواههم ، وما أصابته ثياﺑﻬم من أبوالها للصلاة ، وتأخير البيان لا يجوز عن وقت
الحاجة .وعلى مقاتلة الجاني بمثل ما فعل ، فإن هؤلاء قتلوا الراعي ، وسملوا عينيه ، ثبت ذلك في صحيح
مسلم .وعلى قتل الجماعة ، وأخذ أطرافهم بالواحد .وعلى أنه إذا اجتمع في حق الجاني حد وقصاص
استوفيا معًا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قطع أيديهم وأرجلهم حدًا لله على حراﺑﻬم ، وقتلهم لقتلهم
الراعي .وعلى أن المحارب إذا أخذ المال ، وقتل ، قطعت يده ورجله في مقام واحد وقتل .وعلى أن
الجنايات إذا تعددت ، تغلظت عقوباﺗﻬا ، فإن هؤلاء ارتدوا بعد إسلامهم ، وقتلوا النفس ، ومثلوا
بالمقتول ، وأخذوا المال ، وجاهروا بالمحاربة .وعلى أن حكم ردء المحاربين حكم مباشرهم ، فإنه من
المعلوم أن كل واحد منهم لم يباشر القتل بنفسه ، ولا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك .وعلى أن
قتل الغيلة يوجب قتل القاتل حدًا ، فلا يسقطه العفو ، ولا تعتبر فيه المكافأة ، وهذا مذهب أهل المدينة ،
وأحد الوجهين فى مذهب أحمد ، اختاره شيخنا ، وأفتى به .
في هديه صلى الله عليه وسلم في العلاج بشرب العسل ، والحجامة ، والكي
في صحيح البخاري : عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :
( الشفاء في ثلاث : شربة عسل ، وشرطة محجم ، وكية نار ، وأنا أﻧﻬى أمتي عن الكي ) .قال أبو عبد
الله المازري : الأمراض الإمتلائية : إما أن تكون دموية ، أو صفراوية ، أو بلغمية ، أو سوداوية . فإن
كانت دموية ، فشفاؤها إخراج الدم ، وإن كانت من الأقسام الثلاثة الباقية ، فشفاؤها بالإسهال الذي
يليق بكل خلط منها ، وكأنه صلى الله عليه وسلم بالعسل على المسهلات ، وبالحجامة على الفصد ،
وقد قال بعض الناس : إن الفصد يدخل في قوله : شرطة محجم . فإذا أعيا الدواء ، فآخر الطب الكي ،
فذكره صلى الله عليه وسلم في الأدوية ، لأنه يستعمل عند غلبة الطباع لقوى الأدوية ، وحيث لا ينفع
الدواء المشروب . وقوله : وأنا أﻧﻬى أمتي عن الكي ، وفي الحديث الآخر : وما أحب أن أكتوي ، إشارة
إلى أن يؤخر العلاج به حتى تدفع الضرورة إليه ، ولا يعجل التداوي به لما فيه من استعجال الألم الشديد
في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكي ، انتهى كلامه .وقال بعض الأطباء : الأمراض المزاجية : إما أن
تكون بمادة ، أو بغير مادة ، والمادية منها : إما حارة ، أو باردة ، أو رطبة ، أو يابسة ، أو ما تركب
www.maknoon.com 19 الطب النبوي
منها ، وهذه الكيفيات الأربع ، منها كيفيتان فاعلتان : وهما الحرارة والبرودة ، وكيفيتان منفعلتان ، وهما
الرطوبة واليبوسة ، ويلزم من غلبة إحدى الكيفيتين الفاعلتين استصحاب كيفية منفعلة معها ، وكذلك
كان لكل واحد من الأخلاط الموجودة في البدن ، وسائر المركبات كيفيتان : فاعلة ومنفعلة .فحصل من
ذلك أن أصل الأمراض المزاجية هي التابعة لأقوى كيفيات الأخلاط التي هي الحرارة والبرودة ، فجاء
كلام النبوة في أصل معالجة الأمراض التي هي الحارة والباردة على طريق التمثيل ، فإن كان المرض حارًا ،
عالجناه بإخراج الدم ، بالفصد كان أو بالحجامة ، لأن في ذلك استفراغًا للمادة ، وتبريدًا للمزاج . وإن
كان باردًا عالجناه بالتسخين ، وذلك موجود في العسل ، فإن كان يحتاج مع ذلك إلى استفراغ المادة
الباردة ، فالعسل أيضًا يفعل في ذلك لما فيه من الإنضاج ، والتقطيع ، والتلطيف، والجلاء، والتليين ،
فيحصل بذلك استفراغ تلك المادة برفق وأمن من نكاية المسهلات القوية .وأما الكي : فلأن كل واحد
من الأمراض المادية ، إما أن يكون حادًا فيكون سريع الإفضاء لأحد الطرفين ، فلا يحتاج إليه فيه ، وإما
أن يكون مزمنًا ، وأفضل علاجه بعد الإستفراغ الكي في الأعضاء التي يجوز فيها الكي ، لأنه لا يكون
مزمنًا إلا عن مادة باردة غليظة قد رسخت في العضو ، وأفسدت مزاجه ، وأحالت جميع ما يصل إليه إلى
مشاﺑﻬة جوهرها ، فيشتعل في ذلك العضو، فيستخرج بالكي تلك المادة من ذلك المكان الذي هو فيه
بإفناء الجزء الناري الموجود بالكي لتلك المادة .فتعلمنا ﺑﻬذا الحديث الشريف أخذ معالجة الأمراض المادية
جميعها ، كما استنبطنا معالجة الأمراض الساذجة من قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن شدة الحمى من
فيح جهنم ، فأبردوها بالماء ) .
وأما الحجامة
ففي سنن ابن ماجه من حديث جبارة بن المغلس ، - وهو ضعيف - عن كثير بن سليم ، قال : سمعت
أنس بن مالك يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما مررت ليلة أسري بي بملإ إلا قالوا : يا
محمد ! مر أمتك بالحجامة) .وروى الترمذي في جامعه من حديث ابن عباس هذا الحديث : وقال فيه :
(عليك بالحجامة يا محمد ) .وفي الصحيحين : من حديث طاووس ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله
عليه وسلم : ( احتجم وأعطى الحجام أجره ) .وفي الصحيحين أيضًا ، عن حميد الطويل ، عن أنس ،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة ، فأمر له بصاعين من طعام ، وكلم مواليه ، فخففوا
عنه من ضريبته ، وقال : ( خير ما تداويتم به الحجامة ) .وفي جامع الترمذي عن عباد بن منصور ،
قال : سمعت عكرمة يقول : كان لابن عباس غلمة ثلاثة حجامون ، فكان اثنان يغلان عليه ، وعلى أهله
، وواحد لحجمه ، وحجم أهله . قال : وقال ابن عباس : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : ( نعم
www.maknoon.com 20 الطب النبوي
العبد الحجام يذهب بالدم ، ويخف الصلب ، ويجلو البصر ) ، وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حيث عرج به ، ما مر على ملإ من الملائكه إلا قالوا : ( عليك بالحجامة )، وقال : ( إن خير ما
تحتجمون فيه يوم سبع عشرة ، ويوم تسع عشرة ، ويوم إحدى وعشرين) ، وقال ( إن خير ما تداويتم به
السعوط واللدود والحجامة والمشي )، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لد فقال:(من لدني ؟ فكلهم
أمسكوا ، فقال:لا يبقى أحد في البيت إلا لد إلا العباس ) قال: هذا حديث غريب ، ورواه ابن ماجه .
وأما منافع الحجامة :
فإﻧﻬا تنقي سطح البدن أكثر من الفصد،والفصد لأعماق البدن أفضل، والحجامة تستخرج الدم من نواحي
الجلد.
قلت : والتحقيق في أمرها وأمر الفصد ، أﻧﻬما يختلفان باختلاف الزمان ، والمكان ، والأسنان ، والأمزجة
، فالبلاد الحارة ، والأزمنة الحارة ، والأمزجة الحارة التي دم أصحاﺑﻬا في غاية النضج الحجامة فيها أنفع
من الفصد بكثير ، فإن الدم ينضج ويرق ويخرج إلى سطح الجسد الداخل ، فتخرج الحجامة ما لا يخرجه
الفصد ، ولذلك كانت أنفع للصبيان من الفصد ، ولمن لا يقوى على الفصد ، وقد نص الأطباء على أن
البلاد الحارة الحجامة فيها أنفع وأفضل من الفصد ، وتستحب في وسط الشهر ، وبعد وسطه . وبالجملة
، في الربع الثالث من أرباع الشهر ، لأن الدم في أول الشهر لم يكن بعد قد هاج وتبيغ ، وفي آخره
يكون قد سكن . وأما في وسطه وبعيده ، فيكون في ﻧﻬاية التزيد .قال صاحب القانون : ويؤمر باستعمال
الحجامة لا في أول الشهر ، لأن الأخلاط لا تكون قد تحركت وهاجت ، ولا في آخره لأﻧﻬا تكون قد
نقصت ، بل في وسط الشهر حين تكون الأخلاط هائجة بالغة في تزايدها لتزيد النور في جرم القمر .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( خير ما تداويتم به الحجامة والفصد ) . وفي
حديث : (خير الدواء الحجامة والفصد) . انتهى . وقوله صلى الله عليه وسلم : ( خير ما تداويتم به
الحجامة ) إشارة إلى أهل الحجاز ، والبلاد الحارة ، لأن دماءهم رقيقة ، وهي أميل الى ظاهر أبداﻧﻬم
لجذب الحرارة الخارجة لها إلى سطح الجسد ، واجتماعها في نواحي الجلد ، ولأن مسام أبداﻧﻬم واسعة ،
وقواهم متخلخلة ، ففي الفصد لهم خطر ، والحجامة تفرق اتصالي إرادي يتبعه استفراغ كلي من العروق
، وخاصة العروق التي لا تفصد كثيرًا ، ولفصد كل واحد منها نفع خاص ، ففصد الباسليق : ينفع من
حرارة الكبد والطحال والأورام الكائنة فيهما من الدم ، وينفع من أورام الرئة ، وينفع من الشوصة وذات
الجنب وجميع الأمراض الدموية العارضة من أسفل الركبة إلى الورك .وفصد الأكحل : ينفع من الإمتلاء
العارض في جميع البدن إذا كان دمويًا ، وكذلك إذا كان الدم قد فسد في جميع البدن .وفصد القيفال :
www.maknoon.com 21 الطب النبوي
ينفع من العلل العارضة في الرأس والرقبة من كثرة الدم أو فساده .وفصد الودجين : ينفع من وجع
الطحال ، والربو ، والبهر ، ووجع الجبين .والحجامة على الكاهل : تنفع من وجع المنكب
والحلق .والحجامة على الأخدعين ، تنفع من أمراض الرأس ، وأجزائه ، كالوجه ، والأسنان،والأذنين،
والعينين ، والأنف،والحلق إذا كان حدوث ذلك عن كثرة الدم أو فساده ، أو عنهما جميعًا . قال أنس
رضي الله تعالى عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل .وفي
الصحيحين عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم ثلاثًا : واحدة على كاهله ، واثنتين على
الأخدعين .
وفي الصحيح : عنه ، أنه احتجم وهو محرم في رأسه لصداع كان به .وفي سنن ابن ماجه عن علي ، نزل
جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم بحجامة الأخدعين والكاهل .وفي سنن أبي داود من حديث جابر ،
أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( احتجم في وركه من وثء كان به ) .
واختلف الأطباء فى الحجامة على نقرة القفا ، وهى القمحدوة .
وذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي حديثًا مرفوعًا " عليكم بالحجامة في جوزة القمحدوة ، فإﻧﻬا
تشفي من خمسة أدواء " ، ذكر منها الجذام .وفي حديث آخر : ( عليكم بالحجامة في جوزة القمحدوة
، فإﻧﻬا شفاء من اثنين وسبعين داء ) .فطائفة منهم استحسنته وقالت : إﻧﻬا تنفع من جحظ العين ، والنتوء
العارض فيها ، وكثير من أمراضها ، ومن ثقل الحاجبين والجفن ، وتنفع من جربه . وروي أن أحمد بن
حنبل احتاج إليها ، فاحتجم في جانبي قفاه ، ولم يحتجم في النقرة ، وممن كرهها صاحب القانون وقال :
إﻧﻬا تورث النسيان حقًا ، كما قال سيدنا ومولانا وصاحب شريعتنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ، فإن
مؤخر الدماغ موضع الحفط ، والحجامة تذهبه ، انتهى كلامه .ورد عليه آخرون ، وقالوا : الحديث لا
يثبت ، وإن ثبث فالحجامة ، إنما تضعف مؤخر الدماغ إذا استعملت لغير ضرورة ، فأما إذا استعملت
لغلبة الدم عليه ، فإﻧﻬا نافعة له طبًا وشرعًا ، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه احتجم في عدة
أماكن من قفاه بحسب ما اقتضاه الحال في ذلك ، واحتجم في غير القفا بحسب ما دعت إليه حاجته .
والحجامة تحت الذقن تنفع من وجع الأسنان والوجه والحلقوم ، إذا استعملت في وقتها ، وتنقي الرأس
والفكين ، والحجامة على ظهر القدم تنوب عن فصد الصافن ، وهو عرق عظيم عند الكعب ، وتنفع من
قروح الفخذين والساقين ، وانقطاع الطمث ، والحكة العارضة في الإنثيين ، والحجامة في أسفل الصدر
www.maknoon.com 22 الطب النبوي
نافعة من دماميل الفخذ ، وجربه وبثوره ، ومن النقرس والبواسير ، والفيل وحكة الظهر .
في هديه في أوقات الحجامة
روى الترمذي في جامعه : من حديث ابن عباس يرفعه : ( إن خير ما تحتجمون في يوم سابع عشرة ،
أو تاسع عشرة ، ويوم إحدى وعشرين ) .وفيه (عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم في
الأخدعين والكاهل ، وكان يحتجم لسبعة عشر ، وتسعة عشر ، وفي إحدى وعشرين ) .وفي سنن ابن
ماجه عن أنس مرفوعًا : (من أراد الحجامة فليتحر سبعة عشر ، أو تسعة عشر ، أو إحدى وعشرين ، لا
يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله ) .وفي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة مرفوعًا : (من احتجم لسبع عشرة
، أو تسع عشرة ، أو إحدى وعشرين ، كانت شفاء من كل داء )، وهذا معناه من كل داء سببه غلبة
الدم .وهذه الأحاديث موافقة لما أجمع عليه الأطباء ، أن الحجامة في النصف الثاني ، وما يليه من الربع
الثالث من أرباعه أنفع من أوله وآخره ، وإذا استعملت عند الحاجة إليها نفعت أي وقت كان من أول
الشهر وآخره .قال الخلال : أخبرني عصمة بن عصام ، قال : حدثنا حنبل ، قال : كان أبو عبد الله أحمد
بن حنبل يحتجم أي وقت هاج به الدم ، وأي ساعة كانت .وقال صاحب القانون : أوقاﺗﻬا في النهار :
الساعة الثانية أو الثالثة ، ويجب توقيها بعد الحمام إلا فيمن دمه غليط ، فيجب أن يستحم ، ثم يستجم
ساعة ، ثم يحتجم ، انتهى .وتكره عندهم الحجامة على الشبع ، فإﻧﻬا ربما أورثت سددًا وأمراضًا رديئة ،
لا سيما إذا كان الغذاء رديئًا غليظًا . وفي أثر :( الحجامة على الريق دواء ، وعلى الشبع داء ، وفي سبعة
عشر من الشهر شفاء ).واختيار هذه الأوقات للحجامة ، فيما إذا كانت على سبيل الإحتياط والتحرز
من الأذى ، وحفظًا للصحة . وأما في مداواة الأمراض ، فحيثما وجد الإحتياح إليها وجب استعمالها .
وفي قوله : ( لا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله ) دلالة على ذلك ، يعني لئلا يتبيغ ، فحذف حرف الجر مع
( أن ) ، ثم حذفت ( أن ) . والتبيغ : الهيج ، وهو مقلوب البغي ، وهو بمعناه ، فإنه بغي الدم وهيجانه .
وقد تقدم أن الإمام أحمد كان يحتجم أي وقت احتاج من الشهر .
وأما اختيار أيام الأسبوع للحجامة ، فقال الخلال في جامعه : أخبرنا حرب بن إسماعيل ، قال : قلت
لأحمد : تكره الحجامة في شء من الأيام ؟ قال : قد جاء في الأربعاء والسبت .وفيه : عن الحسين بن
حسان ، أنه سأل أبا عبد الله عن الحجامة : أي يوم تكره ؟ فقال : في يوم السبت ، ويوم الأربعاء ،
ويقولون : يوم الجمعة .وروى الخلال ، عن أبي سلمة وأبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة مرفوعًا : (من
احتجم يوم الأربعاء أو يوم السبت ، فأصابه بياض أو برص ، فلا يلومن إلا نفسه ) .وقال الخلال :
أخبرنا محمد بن علي بن جعفر ، أن يعقوب بن بختان حدثهم ، قال : سئل أحمد عن النورة والحجامة يوم
www.maknoon.com 23 الطب النبوي
السبت ويوم الأربعاء ؟ فكرهها . وقال : بلغني عن رجل أنه تنور ، واحتجم يعني يوم الأربعاء ، فأصابه
البرص . قلت له : كأنه ﺗﻬاون بالحديث ؟ قال : نعم .وفي كتاب الأفراد للدارقطني ، من حديث نافع
قال : قال لي عبد الله بن عمر : تبيغ بي الدم ، فابغ لي حجامًا ، ولا يكن صبيًا ولا شيخًا كببرًا ، فإني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( الحجامة تزيد الحافظ حفظًا ، والعاقل عق ً لا ، فاحتجموا
على اسم الله تعالى ، ولا تحتجموا الخميس ، والجمعة ، والسبت ، والأحد ، واحتجموا الإثنين ، وما
كان من جذام ولا برص ، إلا نزل يوم الأربعاء ). قال الدارقطني : تفرد به زياد بن يحيى ، وقد رواه
أيوب عن نافع ، وقال فيه : ( واحتجموا يوم الإثنين والثلاثاء ، ولا تحتجموا يوم الأربعاء ) .وقد روى
أبو داود في سننه من حديث أبي بكرة ، أنه كان يكره الحجامة يوم الثلاثاء ، وقال:إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال :( يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ فيها الدم ) .
وفي ضمن هذه الأحاديث المتقدمة استحباب التداوي ، واستحباب الحجامة ، وأﻧﻬا تكون في الموضع
الذي يقتضيه الحال ، وجواز احتجام المحرم ، وإن آل إلى قطع شئ من الشعر ، فإن ذلك جائز . وفي
وجوب الفدية عليه نظر ، ولا يقوى الوجوب ، وجواز احتجام الصائم ، فإن في صحيح البخاري أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( احتجم وهو صائم ) . ولكن هل يفطر بذلك ، أم لا ؟ مسألة
أخرى ، الصواب : الفطر بالحجامة ، لصحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير معارض ،
وأصح ما يعارض به حديث حجامته وهو صائم ، ولكن لا يدل على عدم الفطر إلا بعد أربعة أمور .
أحدها : أن الصوم كان فرضًا . الثاني : أنه كان مقيمًا . الثالث : أنه لم يكن به مرض احتاج معه إلى
الحجامة . الرابع : أن هذا الحديث متأخر عن قوله : ( أفطر الحاجم والمحجوم ) .فإذا ثبتت هذه
المقدمات الأربع ، أمكن الإستدلال بفعله صلى الله عليه وسلم على بقاء الصوم مع الحجامة ، وإلا فما
المانع أن يكون الصوم نف ً لا يجوز الخروج منه بالحجامة وغيرها ، أو من رمضان لكنه في السفر ، أو من
رمضان في الحضر ، لكن دعت الحاجة إليها كما تدعو حاجة من به مرض إلى الفطر ، أو يكون فرضًا
من رمضان في الحضر من غير حاجة إليها ، لكنه مبقى على الأصل . وقوله : ( أفطر الحاجم والمحجوم )
، ناقل ومتأخر ، فيتعين المصير إليه ، ولا سبيل إلى إثبات واحدة من هذه المقدمات الأربع ، فكيف
بإثباﺗﻬا كلها .وفيها دليل على استئجار الطبيب وغيره من غير عقد إجازة ، بل يعطيه أجرة المثل ، أو ما
يرضيه .وفيها دليل على جواز التكسب بصناعة الحجامة ، وإن كان لا يطيب للحر أكل أجرته من غير
تحريم عليه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه أجره ، ولم يمنعه من أكله ، وتسميته إياه خبيثًا كتسميته
للثوم والبصل خبيثين ، ولم يلزم من ذلك تحريمهما . وفيها دليل على جواز ضرب الرجل الخراج على
www.maknoon.com 24 الطب النبوي
عبده كل يوم شيئًا معلومًا بقدر طاقته ، وأن العبد أن يتصرف فيما زاد على خراجه ، ولو منع من
التصرف،لكان كسبه كله خراجًا ولم يكن لتقديره فائدة ، بل ما زاد على خراجه ، فهو تمليك من سيده
له يتصرف فيه كما أراد ، والله أعلم .
في هديه صلى الله عليه وسلم في قطع العروق والكي
ثبت في الصحيح من حديث جابر بن عبد الله ، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي بن كعب طبيبًا
، فقطع له عرقًا وكواه عليه .ولما رمي سعد بن معاذ في أكحله حسمه النبي صلى الله عليه وسلم ثم
ورمت ، فحسمه الثانية . والحسم : هو الكي .وفي طريق آخر : أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى
سعد بن معاذ في أكحله بمشقص ، ثم حسمه سعد بن معاذ أو غيره من أصحابه .وفي لفظ آخر : أن
رج ً لا من الأنصار رمي في أكحله بمشقص ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به فكوي .وقال أبو عبيد :
وقد أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل نعت له الكي ، فقال : ( اكووه وارضفوه ) . قال أبو عبيد :
الرضف: الحجارة تسخن ، ثم يكمد ﺑﻬا .وقال الفضل بن دكين : حدثنا سفيان ، عن أبي الزبير ، عن
جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كواه في أكحله .وفي صحيح البخاري من حديث أنس ، أنه كوي
من ذات الجنب والنبى صلى الله عليه وسلم حي . وفي الترمذي ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه
وسلم : ( كوى أسعد بن زرارة من الشوكة )،وقد تقدم الحديث المتفق عليه وفيه ( وما أحب أن
أكتوي ) وفي لفظ آخر : ( وأنا أﻧﻬى أمتي عن الكي).وفي جامع الترمذي وغيره عن عمران بن حصين ،
أن النبي صلى الله عليه وسلم ﻧﻬى عن الكي قال : فابتلينا فاكتوينا فما أفلحنا ، ولا أنجحنا . وفي لفظ :
ﻧﻬينا عن الكي وقال : فما أفلحن ولا أنجحن .قال الخطابي : إنما كوى سعدًا ليرقأ الدم من جرحه ،
وخاف عليه أن يترف فيهلك . والكي مستعمل في هذا الباب ، كما يكوى من تقطع يده أو رجله .وأما
النهي عن الكي ، فهو أن يكتوي طلبًا للشفاء ، وكانوا يعتقدون أنه متى لم يكتو ، هلك ، فنهاهم عنه
لأجل هذه النية .وقيل : إنما ﻧﻬى عنه عمران بن حصين خاصة ، لأنه كان به ناصور ، وكان موضعه
خطرًا ، فنهاه عن كيه ، فيشبه أن يكون النهي منصرفًا إلى الموضع المخوف منه ، والله أعلم .وقال ابن
قتيبة : الكي جنسان : كي الصحيح لئلا يعتل ، فهذا الذي قيل فيه : لم يتوكل من اكتوى ، لأنه يريد أن
يدفع القدر عن نفسه .والثاني : كي الجرح إذا نغل ، والعضو إذا قطع ، ففي هذا الشفاء .وأما إذا كان
الكي للتداوي الذي يجوز أن ينجع ، ويجوز أن لا ينجع ، فإنه إلى الكراهة أقرب . انتهى .
www.maknoon.com 25 الطب النبوي
وثبت في الصحيح في حديث السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب (أﻧﻬم الذين لا يسترقون ولا
يكتوون ولا يتطيرون ، وعلى رﺑﻬم يتوكلون ).فقد تضمنت أحاديث الكي أربعة أنواع ، أحدها : فعله ،
والثاني : عدم محبته له ، والثالث : الثناء على من تركه ، والرابع : النهي عنه ، ولا تعارض بينها بحمد الله
تعالى ، فإن فعله يدل على جوازه ، وعدم محبته له لا يدل على المنع منه . وأما الثناء على تاركه ، فيدل
على أن تركه أولى وأفضل . وأما النهي عنه ، فعلى سبيل الإختيار والكراهة ، أو عن النوع الذي لا
يحتاج إليه ، بل يفعل خوفًا من حدوث الداء ، والله أعلم .
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الصرع
أخرجا في الصحيحين من حديث عطاء بن أبي رباح ، قال : قال ابن عباس : ألا أريك امرأة من أهل
الجنة ؟ قلت : بلى . قال : هذه المرأة السوداء ، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أصرع ،
وإني أتكشف ، فادع الله لي ، فقال : ( إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله لك أن
يعافيك ، فقالت : أصبر . قالت : فإني أتكشف ، فادع الله أن لا أتكشف ، فدعا لها ).قلت:الصرع
صرعان:صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية،وصرع من الأخلاط الرديئة.والثاني:هو الذي يتكلم فيه
الأطباء في سببه وعلاجه وأما صرع الأرواح ، فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ، ولا يدفعونه ، ويعترفون
بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة ، فتدافع آثارها ، وتعارض
أفعالها وتبطلها ، وقد نص على ذلك بقراط في بعض كتبه ، فذكر بعض علاج الصرع ، وقال:هذا إنما
ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة . وأما الصرع الذي يكون من الأرواح ، فلا ينفع فيه هذا
العلاج .وأما جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم ، ومن يعتقد بالزندقة فضيلة ، فأولئك ينكرون صرع
الأرواح ، ولا يقرون بأﻧﻬا تؤثر في بدن المصروع ، وليس معهم إلا الجهل ، وإلا فليس في الصناعة الطبية
ما يدفع ذلك ، والحس والوجود شاهد به ، وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط ، هو صادق في
بعض أقسامه لا في كلها .وقدماء الأطباء كانوا يسمون هذا الصرع : المرض الإلهي ، وقالوا : إنه من
الأرواح ، وأما جالينوس وغيره ، فتأولوا عليهم هذه التسمية ، وقالوا : إنما سموه بالمرض الإلهي لكون
هذه العلة تحدث في الرأس ، فنضر بالجزء الإلهي الطاهر الذي مسكنه الدماغ.وهذا التأويل نشأ لهم من
جهلهم ﺑﻬذه الأرواح وأحكامها ، وتأثيراﺗﻬا ، وجاءت زنادقة الأطباء فلم يثبتوا إلا صرع الأخلاط
وحده .ومن له عقل ومعرفة ﺑﻬذه الأرواح وتأثيراﺗﻬا يضحك من جهل هؤلاء وضعف عقولهم .وعلاج
www.maknoon.com 26 الطب النبوي
هذا النوع يكون بأمرين : أمر من جهة المصروع ، وأمر من جهة المعالج ، فالذي من جهة المصروع
يكون بقوة نفسه ، وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبارئها ، والتعوذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه
القلب واللسان ، فإن هذا نوع محاربة ، والمحارب لا يتم له الإنتصاف من عدوه بالسلاح إلا بأمرين : أن
يكون السلاح صحيحًا في نفسه جيدًا ، وأن يكون الساعد قويًا ، فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح
كثير طائل ، فكيف إذا عدم الأمران جميعًا : يكون القلب خرابًا من التوحيد،والتوكل ،والتقوى ،
والتوجه ، ولا سلاح له.والثاني : من جهة المعالج ، بأن يكون فيه هذان الأمران أيضًا،حتى إن من
المعالجين من يكتفي بقوله : اخرج منه . أو بقول: بسم الله أو بقول لا حول ولا قوة إلا بالله ، والنبى
صلى الله عليه وسلم كان يقول : (خرج عدو الله أنا رسول الله ) وشاهدت شيخنا يرسل إلى المصروع
من يخاطب الروح التي فيه ، ويقول : قال لك الشيخ : اخرجي ، فإن هذا لا يحل لك ، فيفيق المصروع ،
وربما خاطبها بنفسه ، وربما كانت الروح ماردة فيخرجها بالضرب ، فيفيق المصروع ولا يحس بألم ، وقد
شاهدنا نحن وغيرنا منه ذلك مرارًا .وكان كثيرًا ما يقرأ في أذن المصروع:﴿ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا
وأنكم إلينا لا ترجعون ﴾ ( المؤمنون : 115 ) .وحدثني أنه قرأها مرة في أذن المصروع ، فقالت
الروح : نعم ، ومد ﺑﻬا صوته . قال : فأخذت له عصا ، وضربته ﺑﻬا في عروق عنقه حتى كلت يداي من
الضرب ، ، ولم يشك الحاضرون أنه يموت لذلك الضرب . ففي أثناء الضرب قالت : أنا أحبه ، فقلت
لها : هو لا يحبك ، قالت : أنا أريد أن أحج به ، فقلت لها : هو لا يريد أن يحج معك ، فقالت : أنا
أدعه كرامة لك ، قال : قلت : لا ولكن طاعة لله ولرسوله ، قالت : فأنا أخرج منه ، قال : فقعد
المصروع يلتفت يمينًا وشما ً لا ، وقال : ما جاء بي إلى حضرة الشيخ ، قالوا له : وهذا الضرب كله ؟
فقال : وعلى أي شئ يضربني الشيخ ولم أذنب ، ولم يشعر بأنه وقع به ضرب البتة .وكان يعالج بآية
الكرسي ، وكان يأمر بكثرة قراءﺗﻬا المصروع ومن يعالجه ﺑﻬا ، وبقراءة المعوذتين .وبالجملة فهذا النوع من
الصرع ، وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة ، وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على
أهله تكون من جهة قلة دينهم ، وخراب قلوﺑﻬم وألسنتهم من حقائق الذكر ، والتعاويذ ، والتحصنات
النبوية والايمانية ، فتلقى الروح الخبيثة الرجل أعزل لا سلاح معه ، وربما كان عريانًا فيؤثر فيه هذا .ولو
كشف الغطاء ، لرأيت أكثر النفوس البشرية صرعى هذه الأرواح الخبيثة ، وهي في أسرها وقبضتها
تسوقها حيث شاءت ، ولا يمكنها الإمتناع عنها ولا مخالفتها ، وﺑﻬا الصرع الأعظم الذي لا يفيق صاحبه
إلا عند المفارقة والمعاينة ، فهناك يتحقق أنه كان هو المصروع حقيقة ، وبالله المستعان .وعلاج هذا
الصرع باقتران العقل الصحيح إلى الإيمان بما جاءت به الرسل ، وأن تكون الجنة والنار نصب عينيه وقبلة
قلبه ، ويستحضر أهل الدنيا ، وحلول المثلات والآفات ﺑﻬم ، ووقوعها خلال ديارهم كمواقع القطر ،
www.maknoon.com 27 الطب النبوي
وهم صرعى لا يفيقون ، وما أشد داء هذا الصرع ، ولكن لما عمت البلية به بحيث لا يرى إلا مصروعًا ،
لم يصر مستغربًا ولا مستنكرًا ، بل صار لكثرة المصروعين عين المستنكر المستغرب خلافه .فإذا أراد الله
بعبد خيرًا أفاق من هذه الصرعة ، ونظر إلى أبناء الدنيا مصروعين حوله يمينًا وشما ً لا على اختلاف طبقاﺗﻬم
، فمنهم من أطبق به الجنون ، ومنهم من يفيق أحيانًا قليلة ، ويعود إلى جنونه ، ومنهم من يفيق مرة ،
ويجن أخرى ، فإذا أفاق عمل عمل أهل الإفاقة والعقل ، ثم يعاوده الصرع فيقع في التخبط .
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج عرق النسا
روى ابن ماجه في سننه من حديث محمد بن سيرين ، عن أنس بن مالك ، قال:سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول( دواء عرق النسا ألية شاة أعرابية تذاب ، ثم تجزأ ثلاثة أجزاء ، ثم يشرب على الريق
في كل يوم جزء ) .
عرق النساء : وجع يبتدئ من مفصل الورك ، ويترل من خلف على الفخذ ، وربما على الكعب ، وكلما
طالت مدته ، زاد نزوله ، وﺗﻬزل معه الرجل والفخذ ، وهذا الحديث فيه معنى لغوي ، ومعنى طبي . فأما
المعنى اللغوي ، فدليل على جواز تسمية هذا المرض بعرق النسا خلافًا لمن منع هذه التسمية ، وقال :
النسا هو العرق نفسه ، فيكون من باب إضافة الشئ إلى نفسه ، وهو ممتنع وجواب هذا القائل من
وجهين . أحدهما : أن العرق أعم من النسا ، فهو من باب إضافة العام إلى الخاص نحو : كل الدراهم أو
بعضها .الثاني : أن النسا : هو المرض الحال بالعرق ، والإضافة فيه من باب إضافة الشئ إلى محله
وموضعه . قيل : وسمي بذلك لأن ألمه ينسي ما سواه ، وهذا العرق ممتد من مفصل الورك ، وينتهي إلى
آخر القدم وراء الكعب من الجانب الوحشي فيما بين عظم الساق والوتر .وأما المعنى الطبي : فقد تقدم
أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم نوعان : أحدهما : عام بحسب الأزمان ، والأماكن ،
والأشخاص ، والأحوال .والثاني : خاص بحسب هذه الأمور أو بضعها ، وهذا من هذا القسم ، فإن هذا
خطاب للعرب ، وأهل الحجاز ، ومن جاورهم ، ولا سيما أعراب البوادي ، فإن هذا العلاج من أنفع
العلاج لهم ، فإن هذا المرض يحدث من يبس ، وقد يحدث من مادة غليظة لزجة ، فعلاجها بالإسهال
والألية فيها الخاصيتان : الإنضاج ، والتليين ، ففيها الإنضاج ، والإخراج . وهذا المرض يحتاج علاجه إلى
هذين الأمرين ، وفي تعيين الشاة الأعرابية لقلة فضولها ، وصغر مقدارها ، ولطف جوهرها ، وخاصية
مرعاها لأﻧﻬا ترعى أعشاب البر الحارة ، كالشيح ، والقيصوم ، ونحوهما ، وهذه النباتات إذا تغذى ﺑﻬا
www.maknoon.com 28 الطب النبوي
الحيوان ، صار في لحمه من طبعها بعد أن يلطفها تغذيه ﺑﻬا ، ويكسبها مزاجًا ألطف منها ، ولا سيما
الألية ، وظهور فعل هذه النباتات في اللبن أقوى منه في اللحم ، ولكن الخاصية التي في الألية من الإنضاج
والتليين لا توجد في اللبن ، وهذا كما تقدم أن أدوية غالب الأمم والبوادي هي الأدوية المفردة ، وعليه
أطباء الهند .وأما الروم واليونان ، فيعتنون بالمركبة ، وهم متفقون كلهم على أن من مهارة الطبيب أن
يداوي بالغذاء ، فإن عجز فبالمفرد ، فإن عجز ، فبما كان أقل تركيبًا .وقد تقدم أن غالب عادات العرب
وأهل البوادي الأمراض البسيطة ، فالأدوية البسيطة تناسبها ، وهذا لبساطة أغذيتهم في الغالب . وأما
الأمراض المركبة ، فغالبًا ما تحدث عن تركيب الأغذية وتنوعها واختلافها ، فاختيرت لها الأدوية المركبة
، والله تعالى أعلم .
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج يبس الطبع ، واحتياجه إلى ما يمشيه ويلينه
روى الترمذي في جامعه وابن ماجه في سننه من حديث أسماء بنت عميس ، قالت : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :
( بماذا كنت تستمشين ؟ قالت : بالشبرم ، قال : حار جار ، قالت : ثم استمشيت بالسنا ، فقال : لو
كان شئ يشفي من الموت لكان السنا ) .وفي سنن ابن ماجه عن إبراهيم بن أبي عبلة ، قال : سمعت عبد
الله بن أم حرام ، وكان قد صلى مع رسول الله صلى الله وسلم القبلتين يقول : سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول : (عليكم بالسنا والسنوت ، فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام ، قيل : يا
رسول الله ! وما السام ؟ قال : الموت ) .قوله : بماذا كنت تستمشين ؟ أي : تلينين الطبع حتى يمشي ولا
يصير بمترلة الواقف ، فيؤذي باحتباس النجو ، ولهذا سمي الدواء المسهل مشيًا على وزن فعيل . وقيل :
لأن المسهول يكثر المشي والإختلاف للحاجة وقد روي : بماذا تستشفين ؟ فقالت : بالشبرم ، وهو من
جملة الأدوية اليتوعية ، وهو قشر عرق شجرة ، وهو حار يابس في الدرجة الرابعة ، وأجوده المائل إلى
الحمرة ، الخفيف الرقيق الذي يشبه الجلد الملفوف ، وبالجملة فهو من الأدوية التي أوصى الأطباء بترك
استعمالها لخطرها ، وفرط إسهالها .وقوله صلى الله عليه وسلم : حار جار ويروى : حار يار ، قال أبو
عبيد : وأكثر كلامهم بالياء . قلت : وفيه قولان ، أحدهما : أن الحار الجار بالجيم : الشديد الإسهال ،
فوصفه بالحرارة ، وشدة الإسهال وكذلك هو ، قاله أبو حنيفة الدينوري .
www.maknoon.com 29 الطب النبوي
والثاني - وهو الصواب - أن هذا من الإتباع الذي يقصد به تأكيد الأول،ويكون بين التأكيد اللفظي
والمعنوي ، ولهذا يراعون فيه إتباعه في أكثر حروفه ، كقولهم : حسن بسن ، أي : كامل الحسن ،
وقولهم : حسن قسن بالقاف ، ومنه شيطان ليطان ، وحار جار ، مع أن في الجار معنى آخر ، وهو الذي
يجر الشئ الذي يصيبه من شدة حرارته وجذبه له ، كأنه يترعه ويسلخه . ويار : إما لغة في جار ،
كقولهم : صهري وصهريج ، والصهاري والصهاريج ، وإما إتباع مستقل .
وأما السنا ، ففيه لغتان : المد والقصر ، وهو نبت حجازي أفضله المكي ، وهو دواء شريف مأمون
الغائلة ، قريب من الإعتدال ، حار يابس فى الدرجة الأولى ، يسهل الصفراء والسوداء ، ويقوي جرم
القلب ، وهذه فضيلة شريفة فيه ، وخاصيته النفع من الوسواس السوداوي ، ومن الشقاق العارض في
البدن ، ويفتح العضل وينفع من انتشار الشعر ، ومن القمل والصداع العتيق ، والجرب ، والبثور ،
والحكة ، والصرع ، وشرب مائه مطبوخًا أصلح من شربه مدقوقًا ، ومقدار الشربة منه ثلاثة دراهم ،
ومن مائه خمسة دراهم ، وإن طبخ معه شئ من زهر البنفسج والزبيب الأحمر المتروع العجم ، كان
أصلح .قال الرازي : السناء والشاهترج يسهلان الأخلاط المحترقة ، وينفعان من الجرب والحكة ،
والشربة من كل واحد منهما من أربعة دراهم إلى سبعة دراهم .وأما السنوت ففيه ثمانية أقوال ، أحدها :
أنه العسل . والثاني : أنه رب عكة السمن يخرج خططًا سوداء على السمن ، حكاهما عمرو بن بكر
السكسكي . الثالث : أنه حب يشبه الكمون وليس به ، قاله ابن الأعرابي .
الرابع : أنه الكمون الكرماني . الخامس : أنه الرازيانج . حكاهما أبو حنيفة الدينوري عن بعض
الأعراب . السادس : أنه الشبت . السابع : أنه التمر حكاهما أبو بكر بن السنى الحافظ . الثامن : أنه
العسل الذي يكون في زقاق السمن ، حكاه عبد اللطيف البغدادي . قال بعض الأطباء : وهذا أجدر
بالمعنى ، وأقرب إلى الصواب ، أي : يخلط السناء مدقوقًا بالعسل المخالط للسمن ، ثم يلعق فيكون أصلح
من استعماله مفردًا لما في العسل والسمن من إصلاح السنا ، وإعانته له على الإسهال . والله أعلم .وقد
روى الترمذي وغيره من حديث ابن عباس يرفعه : ( إن خير ما تداويتم به السعوط واللدود والحجامة
والمشي ) والمشي : هو الذي يمشي الطبع ويلينه ويسهل خروج الخارج
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج حكة الجسم وما يولد القمل
www.maknoon.com 30 الطب النبوي
في الصحيحين من حديث قتادة ، (عن أنس بن مالك قال : رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم
لعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما في لبس الحرير لحكة كانت ﺑﻬما) .وفي
رواية : (عن عبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما ، شكوا القمل إلى النبي
صلى الله عليه وسلم في غزاة لهما ، فرخص لهما في قمص الحرير ، ورأيته عليهما ) .هذا الحديث يتعلق
به أمران : أحدهما : فقهي ، والآخر طبي .فأما الفقهي : فالذي استقرت عليه سنته صلى الله عليه وسلم
إباحة الحرير للنساء مطلقًا ، وتحريمه على الرجال إلا لحاجة ومصلحة راجحة ، فالحاجة إما من شدة البرد
، ولا يجد غيره ، أو لا يجد سترة سواه . ومنها : لباسه للجرب ، والمرض ، والحكة ، وكثرة القمل كما
دل عليه حديث أنس هذا الصحيح .والجواز : أصح الروايتين عن الإمام أحمد ، وأصح قولي الشافعي ، إذ
الأصل عدم التخصيص ، والرخصة إذا ثبتت في حق بعض الأمة لمعنى تعدت إلى كل من وجد فيه ذلك
المعنى ، إذ الحكم يعم بعموم سببه .ومن منع منه ، قال : أحاديث التحريم عامة ، وأحاديث الرخصة
يحتمل اختصاصها بعبد الرحمن بن عوف والزبير ، ويحتمل تعديها إلى غيرهما . وإذا احتمل الأمران ، كان
الأخذ بالعموم أولى ، ولهذا قال بعض الرواة في هذا الحديث : فلا أدري أبلغت الرخصة من بعدهما ، أم
لا ؟ والصحيح : عموم الرخصة ، فإنه عرف خطاب الشرع في ذلك ما لم يصرح بالتخصيص ، وعدم
إلحاق غير من رخص له أو ً لا به ، كقوله لأبي بردة في تضحيته بالجذعة من المعز :( تجزيك ولن تجزي عن
أحد بعدك ) وكقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في نكاح من وهبت نفسها له :﴿ خالصة لك من
دون المؤمنين ﴾ ( الأحزاب : 50 ) .وتحريم الحرير : إنما كان سدًا للذريعة ، ولهذا أبيح للنساء ،
وللحاجة ، والمصلحة الراجحة ، وهذه قاعدة ما حرم لسد الذرائع ، فإنه يباح عند الحاجة والمصلحة
الراجحة ، كما حرم النظر سدًا لذريعة الفعل ، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة والمصلحة الراجحة ، وكما
حرم التنفل بالصلاة في أوقات النهي سدًا لذريعة المشاﺑﻬة الصورية بعباد الشمس ، وأبيحت للمصلحة
الراجحة ، وكما حرم ربا الفضل سدًا لذريقة ربا النسيئة ، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة من العرايا ،
وقد أشبعنا الكلام فيما يحل ويحرم من لباس الحرير في كتاب التحبير لما يحل ويحرم من لباس الحرير .وأما
الأمر الطبي : فهو أن الحرير من الأدوية المتخذة من الحيوان ، ولذلك يعد في الأدوية الحيوانية ، لأن
مخرجه من الحيوان ، وهو كثير المنافع ، جليل الموقع ، ومن خاصيته تقوية القلب ، وتفريحه ، والنفع من
كثير من أمراضه ، ومن غلبة المرة السوداء ، والأدواء الحادثة عنها ، وهو مقو للبصر إذا اكتحل به ،
والخام منه - وهو المستعمل في صناعة الطب - حار يابس في الدرجة الأولى . وقيل : حار رطب فيها :
وقيل : معتدل . وإذا اتخذ منه ملبوس كان معتدل الحرارة في مزاجه ، مسخنًا للبدن ، وربما برد البدن
بتسمينه إياه .قال الرازي : الإبريسم أسخن من الكتان ، وأبرد من القطن ، يربى اللحم ، وكل لباس
www.maknoon.com 31 الطب النبوي
خشن ، فإنه يهزل ، ويصلب البشرة وبالعكس . قلت : والملابس ثلاثة أقسام : قسم يسخن البدن
ويدفئه ، وقسم يدفئه ولا يسخنه ، وقسم لا يسخنه ولا يدفئه ، وليس هناك ما يسخنه ولا يدفئه ، إذ ما
يسخنه فهو أولى بتدفئته ، فملابس الأوبار والأصواف تسخن وتدفئ ، و ملابس الكتان والحرير والقطن
تدفئ ولا تسخن ، فثياب الكتان باردة يابسة ، وثياب الصوف حارة يابسة ، وثياب القطن معتدلة
الحرارة ، وثياب الحرير ألين من القطن وأقل حرارة منه .قال صاحب المنهاج : ولبسه لا يسخن كالقطن
، بل هو معتدل ، كل لباس أملس صقيل ، فإنه أقل إسخانًا للبدن ، وأقل عونًا في تحلل ما يتحلل منه ،
وأحرى أن يلبس في الصيف ، وفي البلاد الحارة .ولما كانت ثياب الحرير كذلك ، وليس فيها شئ من
اليبس والخشونة الكائين في غيرها ، صارت نافعة من الحكة ، إذ الحكة لا تكون إلا عن حرارة ويبس
وخشونة ، فلذلك رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير وعبد الرحمن في لباس الحرير لمداواة
الحكة ، وثياب الحرير أبعد عن تولد القمل فيها ، إذ كان مزاجها مخالفًا لمزاج ما يتولد منه القمل .وأما
القسم الذي لا يدفئ ولا يسخن ، فالمتخذ من الحديد والرصاص ، والخشب والتراب ، ونحوها ، فإن
قيل : فإذا كان لباس الحرير أعدل اللباس وأوفقه للبدن ، فلماذا حرمته الشريعة الكاملة الفاضلة التي
أباحت الطيبات ، وحرمت الخبائث ؟قيل : هذا السؤال يجيب عنه كل طائفة من طوائف المسلمين
بجواب ، فمنكرو الحكم والتعليل لما رفعت قاعدة التعليل من أصلها لم يحتاجوا إلى جواب عن هذا
السؤال .ومثبتو التعليل والحكم - وهم الأكثرون - منهم من يجيب عن هذا بأن الشريعة حرمته لتصبر
النفوس عنه ، وتتركه لله ، فتثاب على ذلك لا سيما ولها عوض عنه بغيره .ومنهم من يجيب عنه بأنه
خلق في الأصل للنساء ، كالحلية بالذهب ، فحرم على الرجال لما فيه من مفسدة تشبه الرجال بالنساء ،
ومنهم من قال : حرم لما يورثه من الفخر والخيلاء والعجب . ومنهم من قال : حرم لما يورثه بملامسته
للبدن من الأنوثة والتخنث ، وضد الشهامة والرجولة ، فإن لبسه يكسب القلب صفة من صفات الإناث
، ولهذا لا تكاد تجد من يلبسه في الأكثر إلا وعلى شمائله من التخنث والتأنث ، والرخاوة ما لا يخفى ،
حتى لو كان من أشهم الناس وأكثرهم فحولية ورجولية ، فلا بد أن ينقصه لبس الحرير منها ، وإن لم
يذهبها ، ومن غلظت طباعه وكثفت عن فهم هذا ، فليسلم للشارع الحكيم ، ولهذا كان أصح القولين :
أنه يحرم على الولي أن يلبسه الصبي لما ينشأ عليه من صفات أهل التأنيث .وقد روى النسائي من حديث
أبي موسى الأشعري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله أحل لإناث أمتي الحرير والذهب
، وحرمه على ذكورها ) . وفي لفظ : ( حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي ، وأحل
لإناثهم ) .وفي صحيح البخاري عن حذيفة قال : ﻧﻬى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير
والديباج ، وأن يجلس عليه ، وقال : ( هو لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة )
www.maknoon.com 32 الطب النبوي
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج ذات الجنب
روى الترمذي في جامعه من حديث زيد بن أرقم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( تداووا من ذات
الجنب بالقسط البحري والزيت ).وذات الجنب عند الأطباء نوعان : حقيقي وغير حقيقي . فالحقيقي :
ورم حار يعرض في نواحي الجنب في الغشاء المستبطن للأضلاع . وغير الحقيقى : ألم يشبهه يعرض في
نواحي الجنب عن رياح غليظة مؤذية تحتقن بين الصفاقات ، فتحدث وجعًا قريبًا من وجع ذات الجنب
الحقيقي ، إلا أن الوجع في هذا القسم ممدود ، وفي الحقيقي ناخس .قال صاحب القانون : قد يعرض في
الجنب ، والصفاقات ، والعضل التي في الصدر ، والأضلاع ، ونواحيها أورام مؤذية جدًا موجعة،تسمى
شوصة وبرسامًا ، وذات الجنب . وقد تكون أيضًا أوجاعًا في هذه الأعضاء ليست من ورم ، ولكن من
رياح غليظة، فيظن أﻧﻬا من هذه العلة ، ولا تكون منها . قال : واعلم أن كل وجع في الجنب قد يسمى
ذات الجنب اشتقاقًا من مكان الألم ، لأن معنى ذات الجنب صاحبة الجنب ، والغرض به ها هنا وجع
الجنب ، فإذا عرض في الجنب ألم عن أي سبب كان نسب إليه ، وعليه حمل كلام بقراط في قوله : إن
أصحاب ذات الجنب ينتفعون بالحمام . قيل : المراد به كل من به وجع جنب ، أو وجع رئة من سوء
مزاج ، أو من أخلاط غليظة ، أو لذاعة من غير ورم ولا حمى .قال بعض الأطباء : وأما معنى ذات
الجنب في لغة اليونان ، فهو ورم الجنب الحار ، وكذلك ورم كل واحد من الأعضاء الباطنة ، وإنما سمي
ذات الجنب ورم ذلك العضو إذا كان ورمًا حارًا فقط .ويلزم ذات الجنب الحقيقي خمسة أعراض : وهي
الحمى والسعال ، والوجع الناخس ، وضيق النفس ، والنبض المنشاري .والعلاج الموجود في الحديث ،
ليس هو لهذا القسم ، لكن للقسم الثاني الكائن عن الريح الغليظة ، فإن القسط البحري - وهو العود
الهندي على ما جاء مفسرًا في أحاديث أخر - صنف من القسط إذا دق دقًا ناعمًا ، وخلط بالزيت
المسخن ، ودلك به مكان الريح المذكور ، أو لعق ، كان دواء موافقًا لذلك ، نافعًا له ، محل ً لا لمادته ،
مذهبًا لها ، مقويًا للأعضاء الباطنة ، مفتحًا للسدد ، والعود المذكور في منافعه كذلك .قال المسبحي :
العود : حار يابس ، قابض يحبس البطن ، ويقوي الأعضاء الباطنة ، ويطرد الريح ، ويفتح السدد ، نافع
من ذات الجنب ، ويذهب فضل الرطوبة ، والعود المذكور جيد للدماغ . قال : ويجوز أن ينفع القسط
من ذات الجنب الحقيقية أيضًا إذا كان حدوثها عن مادة بلغمية لا سيما في وقت انحطاط العلة ، والله
أعلم .وذات الجنب : من الأمراض الخطرة ، وفي الحديث الصحيح : عن أم سلمة ، أﻧﻬا قالت : بدأ
رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضه في بيت ميمونة ، وكان كلما خف عليه ، خرج وصلى بالناس ،
www.maknoon.com 33 الطب النبوي
وكان كلما وجد ثق ً لا قال : ( مروا أبا بكر فليصل بالناس ) ، واشتد شكواه حتى غمر عليه من شدة
الوجع ، فاجتمع عنده نساؤه ، وعمه العباس ، وأم الفضل بنت الحارث وأسماء بنت عميس ، فتشاوروا
في لده ، فلدوه وهو مغمور ، فلما أفاق قال : ( من فعل بي هذا ، هذا من عمل نساء جئن من ها هنا ،
وأشار بيده إلى أرض الحبشة،وكانت أم سلمة وأسماء لدتاه ، فقالوا : يا رسول الله ! خشينا أن يكون بك
ذات الجنب . قال : فبم لددتموني ؟ قالوا :بالعود الهندي ، وشئ من ورس ، وقطرات من زيت . فقال :
ما كان الله ليقذفني بذلك الداء ، ثم قال:عزمت عليكم أن لا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا عمي
العباس ).وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فأشار أن لا تلدوني ، فقلنا : كراهية المريض للدواء ، فلما أفاق قال:( ألم أﻧﻬكم أن تلدوني ، لا يبقى
منكم أحد إلا لد غير عمي العباس ، فإنه لم يشهدكم ).قال أبو عبيد عن الأصمعي : اللدود : ما يسقى
الإنسان في أحد شقي الفم ، أخذ من لديدي الوادي ، وهما جانباه . وأما الوجور : فهو في وسط
الفم .قلت : واللدود - بالفتح :- هو الدواء الذي يلد به . والسعوط : ما أدخل من أنفه .وفي هذا
الحديث من الفقه معاقبة الجاني بمثل ما فعل سواء ، إذا لم يكن فعله محرمًا لحق الله ، وهذا هو الصواب
المقطوع به لبضعة عشر دلي ً لا قد ذكرناها في موضع آخر ، وهو منصوص أحمد وهو ثابت عن الخلفاء
الراشدين ، وترجمة المسألة بالقصاص في اللطمة والضربة ، وفيها عدة أحاديث لا معارض لها البتة ،
فيتعين القول ﺑﻬا .
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الصداع والشقيقة
روى ابن ماجه في سننه حديثًا في صحته نظر : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صدع ، غلف رأسه
بالحناء ،
ويقول : ( إنه نافع بإذن الله من الصداع ) .والصداع : ألم في بعض أجزاء الرأس أو كله ، فما كان
منه في أحد شقي الرأس لازمًا يسمى شقيقة ، وإن كان شام ً لا لجميعه لازمًا ، يسمى بيضة وخودة
تشبيهًا ببيضة السلاح التي تشتمل على الرأس كله ، وربما كان في مؤخر الرأس أو في مقدمه .وأنواعه
كثيرة ، وأسبابه مختلفة . وحقيقة الصداع سخونة الرأس ، واحتماؤه لما دار فيه من البخار يطلب النفوذ
من الرأس ، فلا يجد منفذًا فيصدعه كما يصدع الوعي إذا حمي ما فيه وطلب النفوذ ، فكل شئ رطب
إذا حمي ، طلب مكانًا أوسع من مكانه الذي كان فيه ، فإذا عرض هذا البخار في الرأس كله بحيث لا
www.maknoon.com 34 الطب النبوي
يمكنه التفشي والتحلل ، وجال في الرأس ، سمي السدر .والصداع يكون عن أسباب عديدة :
أحدها : من غلبة واحد من الطبائع الأربعة .
والخامس : يكون من قروح تكون في المعدة ، فيألم الرأس لذلك الورم لاتصال العصب المنحدر من الرأس
بالمعدة
والسادس : من ريح غليظة تكون في المعدة ، فتصعد إلى الرأس فتصدعه .
والسابع : يكون من ورم في عروق المعدة ، فيألم الرأس بألم المعدة للإتصال الذي بينهما .
والثامن : صداع يحصل عن امتلاء المعدة من الطعام ، ثم ينحدر ويبقى بعضه نيئًا ، فيصدع الرأس
ويثقله .
والتاسع : يعرض بعد الجماع لتخلخل الجسم ، فيصل إليه من حر الهواء أكثر من قدره .
والعاشر : صداع يحصل بعد القئ والإستفراغ ، إما لغلبة اليبس ، وإما لتصاعد الأبخرة من المعدة إليه .
والحادي عشر : صداع يعرض عن شدة الحر وسخونة الهواء .
والثاني عشر : ما يعرض عن شدة البرد ، وتكاثف الأبخرة في الرأس وعدم تحللها .
والثالث عشر : ما يحدث من السهر وعدم النوم .
والرابع عشر : ما يحدث من ضغط الرأس وحمل الشئ الثقيل عليه .
والخامس عشر : ما يحدث من كثرة الكلام ، فتضعف قوة الدماغ لأجله .
والسادس عشر : ما يحدث من كثرة الحركة والرياضة المفرطة .
والسابع عشر:ما يحدث من الأعراض النفسانية،كالهموم ، والغموم ، والأحزان ، والوساوس ، والأفكار
الرديئة .
والثامن عشر : ما يحدث من شدة الجوع ، فإن الأبخرة لا تجد ما تعمل فيه ، فتكثر وتتصاعد إلى الدماغ
فتؤلمه .
والتاسع عشر : ما يحدث عن ورم في صفاق الدماغ ، ويجد صاحبه كأنه يضرب بالمطارق على رأسه .
والعشرون : ما يحدث بسبب الحمى لاشتعال حرارﺗﻬا فيه فيتألم ، والله أعلم .
www.maknoon.com 35 الطب النبوي
وسبب صداع الشقيقة مادة في شرايين الرأس وحدها حاصلة فيها ، أو مرتقية إليها ، فيقبلها الجانب
الأضعف من جانبيه ، وتلك المادة إما بخارية ، وإما أخلاط حارة أو باردة ، وعلامتها الخاصة ﺑﻬا ضربان
الشرايين ، وخاصة في الدموي . وإذا ضبطت بالعصائب ، ومنعت من الضربان ، سكن الوجع .وقد
ذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي له : أن هذا النواع كان يصيب النبي صلى الله عليه وسلم ،
فيمكث اليوم واليومين ، ولا يخرج .وفيه : عن ابن عباس قال:خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
،وقد عصب رأسه بعصابة.وفي الصحيح،أنه قال في مرض موته:( وارأساه ) وكان يعصب رأسه في مرضه
، وعصب الرأس ينفع في وجع الشقيقة وغيرها من أوجاع الرأس .وعلاجه يختلف باختلاف أنواعه
وأسبابه ،فمنه ما علاجه بالإستفراغ ، ومنه ما علاجه بتناول الغذاء،ومنه ما علاجه بالسكون والدعة ،
ومنه ما علاجه بالضمادات،ومنه ما علاجه بالتبريد،ومنه ما علاجه بالتسخين ، ومنه ما علاجه بأن
يجتنب سماع الأصوات والحركات.إذا عرف هذا ، فعلاج الصداع في هذا الحديث بالحناء ، هو جزئي لا
كلي ، وهو علاج نوع من أنواعه ، فإن الصداع إذا كان من حرارة ملهبة ، ولم يكن من مادة يجب
استفراغها ، نفع فيه الحناء نفعًا ظاهرًا ، وإذا دق وضمدت به الجبهة مع الخل، سكن الصداع، وفيه قوة
موافقة للعصب إذا ضمد به ، سكنت أوجاعه ، وهذا لا يختص بوجع الرأس ، بل يعم الأعضاء ، وفيه
قبض تشد به الأعضاء ، وإذا ضمد به موضع الورم الحار والملتهب ، سكنه .وقد روى البخاري في تاريخه
وأبو داود في السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شكى إليه أحد وجعًا في رأسه إلا قال له :
( احتجم ) ، ولا شكى إليه وجعًا في رجليه إلا قال له : ( اختضب بالحناء ) .وفي الترمذي : عن سلمى
أم رافع خادمة النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان لا يصيب النبي صلى الله عليه وسلم قرحة ولا
شوكة إلا وضع عليها الحناء .والحناء بارد في الأولى ، يابس في الثانية ، وقوة شجر الحناء وأغصاﻧﻬا مركبة
من قوة محللة اكتسبتها من جوهر فيها مائي ، حار باعتدال ، ومن قوة قابضة اكتسبتها من جوهر فيها
أرضي بارد .ومن منافعه أنه محلل نافع من حرق النار ، وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضمد به ، وينفع إذا
مضغ ، من قروح الفم والسلاق العارض فيه ، ويبرئ القلاع الحادث في أفواه الصبيان ، والضماد به ينفع
من الأورام الحارة الملهبة ، ويفعل في الجراحات فهل دم الأخوين . وإذا خلط نوره مع الشمع المصفى ،
ودهن الورد ، ينفع من أوجاع الجنب .ومن خواصه أنه إذا بدأ الخدري يخرج بصبي ، فخضبت أسافل
رجليه بحناء ، فإنه يؤمن على عينيه أن يخرج فيها شئ منه ، وهذا صحيح مجرب لا شك فيه . وإذا جعل
نوره بين طي ثياب الصوف طيبها ، ومنع السوس عنها ، وإذا نقع ورقه في ماء يغمره، ثم عصر وشرب
من صفوه أربعين يومًا كل يوم عشرون درهمًا مع عشرة دراهم سكر ، ويغذى عليه بلحم الضأن الصغير
، فإنه ينفع من ابتداء الجذام بخاصية فيه عجيبة .وحكي أن رج ً لا تشققت أظافير أصابع يده ، وأنه بذل
www.maknoon.com 36 الطب النبوي
لمن يبرئه ما ً لا، فلم يجد ، فوصفت له امرأة ،أن يشرب عشرة أيام حناء ، فلم يقدم عليه ، ثم نقعه بماء
وشربه ، فبرأ ورجعت أظافيره إلى حسنها .والحناء إذا ألزمت به الأظفار معجونًا حسنها ونفعها ، وإذا
عجن بالسمن وضمد به بقايا الأورام الحارة التي ترشح ماء أصفر ، نفعها ونفع من الجرب المتقرح المزمن
منفعة بليغة،وهو ينبت الشعر ويقويه ، ويحسنه ، ويقوي الرأس ، وينفع من النفاطات ، والبثور العارضة
في الساقين والرجلين ، وسائر البدن .
في هديه صلى الله عليه وسلم في معالجة المرضى بترك إعطائهم ما يكرهونه من الطعام والشراب ،
وأﻧﻬم لا يكرهون على تناولهما
روى الترمذي في جامعه ، وابن ماجه ، عن عقبة بن عامر الجهني ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم :( لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب ، فإن الله عز وجل يطعمهم ويسقيهم ) .قال بعض
فضلاء الأطباء : ما أغزر فوائد هذه الكلمة النبوية المشتملة على حكم إلهية ، لا سيما للأطباء ، ولمن
يعالج المرضى ، وذلك أن المريض إذا عاف الطعام أو الشراب ، فذلك لاشتغال الطبيعة بمجاهدة المرض ،
أو لسقوط شهوته ، أو نقصاﻧﻬا لضعف الحرارة الغريزية أو خمودها ، وكيفما كان ، فلا يجوز حينئذ
إعطاء الغذاء في هذه الحالة .واعلم أن الجوع إنا هو طلب الأعضاء للغذاء لتخلف الطبيعة به عليها عوض
ما يتحلل منها ، فتجذب الأعضاء القصوى من الأعضاء الدنيا حتى ينتهي الجذب الى المعدة ، فيحس
الإنسان بالجوع ، فيطلب الغذاء ، وإذا وجد المرض ، اشتغلت الطبيعة بمادته وإنضاجها وإخراجها عن
طلب الغذاء ، أو الشراب ، فإذا أكره المريض على استعمال شئ من ذلك ، تعطلت به الطبيعة عن فعلها
، واشتغلت ﺑﻬضمه وتدبيره عن إنضاج مادة المرض ودفعه ، فيكون ذلك سببًا لضرر المريض ، ولا سيما
في أوقات البحران ، أو ضعف الحار الغريزي أو خموده ، فيكون ذلك زيادة في البلية ، وتعجيل النازلة
المتوقعة ، ولا ينبغي أن يستعمل في هذا الوقت والحال إلا ما يحفظ عليه قوته ويقويها من غير استعمال
مزعج للطبيعة البتة ، وذلك يكون بما لطف قوامه من الأشربة والأغذية ، واعتدل مزاجه كشراب اللينوفر
، والتفاح ، والورد الطري ، وما أشبه ذلك ، ومن الأغذية مرق الفراريج المعتدلة الطيبة فقط ، وإنعاش
قواه بالأراييح العطرة الموافقة ، والأخبار السارة ، فإن الطبيب خادم الطبيعة ، ومعينها لا معيقها .واعلم
أن الدم الجيد هو المغذي للبدن ، وأن البلغم دم فج قد نضج بعض النضج ، فإذا كان بعض المرضى في
بدنه بلغم كثير ، وعدم الغذاء ، عطفت الطبيعة عليه ، وطبخته ، وأنضجته ، وصيرته دمًا ، وغذت به
www.maknoon.com 37 الطب النبوي
الأعضاء ، واكتفت به عما سواه ، والطبيعة هي القوة التي وكلها الله سبحانه بتدبير البدن وحفظه
وصحته ، وحراسته مدة حياته .واعلم أنه قد يحتاج في الندرة إلى إجبار المريض على الطعام والشراب ،
وذلك في الأمراض التي يكون معها اختلاط العقل ، وعلى هذا فيكون الحديث من العام المخصوص ، أو
من المطلق الذي قد دل على تقييده دليل ، ومعنى الحديث : أن المريض قد يعيش بلا غذاء أيامًا لا يعيش
الصحيح في مثلها .وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( فإن الله يطعمهم ويسقيهم ) معنى لطيف زائد على
ما ذكره الأطباء لا يعرفه إلا من له عناية بأحكام القلوب والأرواح ، وتأثيرها في طبيعة البدن ، وانفعال
الطبيعة عنها ، كما تنفعل هي كثيرًا عن الطبيعة ، ونحن نشير إليه إشارة ، فنقول : النفس إذا حصل لها
ما يشغلها من محبوب أو مكروه أو مخوف ، اشتغلت به عن طلب الغذاء والشراب ، فلا تحس بجوع ولا
عطش ، بل ولا حر ولا برد ، بل تشتغل به عن الإحساس المؤلم الشديد الألم ، فلا تحس به ، وما من
أحد إلا وقد وجد في نفسه ذلك أو شيئًا منه ، وإذا اشتغلت النفس بما دهمها ، وورد عليها ، لم تحس بألم
الجوع ، فإن كان الوارد مفرحًا قوي التفريح ، قام لها مقام الغذاء ، فشبعت به ، وانتعشت قواها ،
وتضاعفت ، وجرت الدموية في الجسد حتى تظهر في سطحه ، فيشرق وجهه ، وتظهر دمويته ، فإن
الفرح يوجب انبساط دم القلب ، فينبعث في العروق ، فتمتلئ به ، فلا تطلب الأعضاء حظها من الغذاء
المعتاد لاشتغالها بما هو أحب إليها ، وإلى الطبيعة منه ، والطبيعة إذا ظفرت بما تحب ، آثرته على ما هو
دونه .وإن كان الوارد مؤلمًا أو محزنًا أو مخوفًا ، اشتغلت بمحاربته وققاومته ومدافعته عن طلب الغذاء ،
فهي في حال حرﺑﻬا في شغل عن طلب الطعام والشراب . فإن ظفرت في هذا الحرب ، انتعشت قواها ،
وأخلفت عليها نظير ما فاﺗﻬا من قوة الطعام والشراب وإن كانت مغلوبة مقهورة ، انحطت قواها بحسب
ما حصل لها من ذلك ، وإن كانت الحرب بينها وبين هذا العدو سجا ً لا ، فالقوة تظهر تارة وتختفي
أخرى ، وبالجملة فالحرب بينهما على مثال الحرب الخارج بين العدوين المتقاتلين ، والنصر للغالب ،
والمغلوب إما قتيل ، وإما جريح ، وإما أسير .فالمريض : له مدد من الله تعالى يغذيه به زائدًا على ما ذكره
الأطباء من تغذيته بالدم ، وهذا المدد بحسب ضعفه وانكساره وانطراحه بين يدي ربه عز وجل ، فيحصل
له من ذلك ما يوجب له قربًا من ربه ، فإن العبد أقرب ما يكون من ربه إذا انكسر قلبه ، ورحمة ربه
عندئذ قريبة منه ، فإن كان وليًا له ، حصل له من الأغذية القلبية ما تقوى به قوى طبيعته ، وتنتعش به
قواه أعظم من قوﺗﻬا ، وانتعاشها بالأغذية البدنية ، وكلما قوي إيمانه وحبه لربه ، وأنسه به ، وفرحه به ،
وقوي يقينه بربه ، واشتد شوقه إليه ورضاه به وعنه ، وجد في نفسه من هذه القوة ما لا يعبر عنه ، ولا
يدركه وصف طبيب ، ولا يناله علمه .ومن غلظ طبعه ، وكثفت نفسه عن فهم هذا والتصديق به ،
فلينظر حال كثير من عشاق الصور الذين قد امتلأت قلوﺑﻬم بحب ما يعشقونه من صورة ، أو جاه ، أو
www.maknoon.com 38 الطب النبوي
مال،أو علم،وقد شاهد الناس من هذا عجائب في أنفسهم وفي غيرهم .وقد ثبت في الصحيح : عن النبي
صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يواصل في الصيام الأيام ذوات العدد ، وينهى أصحابه عن الوصال
ويقول : ( لست كهيئتكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني).ومعلوم أن هذا الطعام والشراب ليس هو
الطعام الذي يأكله الإنسان بفمه ، وإلا لم يكن مواص ً لا ، ولم يتحقق الفرق ، بل لم يكن صائمًا ، فإنه
قال : ( أظل يطعمني ربي ويسقيني ) .وأيضًا فإنه فرق بينه وبينهم في نفس الوصال ، وأنه يقدر منه على
ما لا يقدرون عليه ، فلو كان يأكل ويشرب بفمه ، لم يقل لست كهيئتكم ، وإنما فهم هذا من الحديث
من قل نصيبه من غذاء الأرواح والقلوب ، وتأثيره في القوة وإنعاشها ، واغتذائها به فوق تأثير الغذاء
الجسماني ، والله الموفق .
ويجوز نفع التمر المذكور في بعض السموم ، فيكون الحديث من العام المخصوص،ويجوز نفعه لخاصية تلك
البلد ، وتلك التربة الخاصة من كل سم ، ولكن ها هنا أمر لا بد من بيانه ، وهو أن من شرط انتفاع
العليل بالدواء قبوله ، واعتقاد النفع به ، فتقبله الطبيعة ، فتستعين به على دفع العلة ، حتى إن كثيرًا من
المعالجات ينفع بالإعتقاد ، وحسن القبول ، وكمال التلقي ، وقد شاهد الناس من ذلك عجائب ، وهذا
لأن الطبيعة يشتد قبولها له ، وتفرح النفس به ، فتنتعش القوة ، ويقوى سلطان الطبيعة ، وينبعث الحار
الغريزي ، فيساعد على دفع المؤذي ، وبالعكس يكون كثير من الأدوية نافعًا لتلك العلة ، فيقطع عمله
سوء اعتقاد العليل فيه ، وعدم أخذ الطبيعة له بالقبول ، فلا يجدي عليها شيئًا . واعتبر هذا بأعظم الأدوية
والأشفية ، وأنفعها للقلوب والأبدان ، والمعاش والمعاد ، والدنيا والآخرة ، وهو القرآن الذي هو شفاء
من كل داء ، كيف لا ينفع القلوب التي لا تعتقد فيه الشفاء والنفع ، بل لا يزيدها إلا مرضًا إلى مرضها
، وليس لشفاء القلوب دواء قط أنفع من القرآن ، فإنه شفاؤها التام الكامل الذي لا يغادر فيها سقمًا إلا
أبرأه ، ويحفظ عليها صحتها المطلقة ، ويحميها الحمية التامة من كل مؤذ ومضر ، ومع هذا فإعراض
أكثر القلوب عنه ، وعدم اعتقادها الجازم الذي لا ريب فيه أنه كذلك ، وعدم استعماله ، والعدول عنه
إلى الأدوية التي ركبها بنو جنسها حال بينها وبين الشفاء به ، وغلبت العوائد ، واشتد الإعراض ،
وتمكنت العلل والأدواء المزمنة من القلوب ، وتربى المرضى والاطباء على علاج بني جنسهم وما وضعه
لهم شيوخهم ، ومن يعظمونه ويحسنون به ظنوﻧﻬم ، فعظم المصاب ، واستحكم الداء ، وتركبت أمراض
وعلل أعيا عليهم علاجها ، وكلما عالجوها بتلك العلاجات الحادثة تفاقم أمرها ، وقويت ، ولسان الحال
ينادي عليهم :
ومن العجائب والعجائب جمة قرب الشفاء وما إليه وصول
www.maknoon.com 39 الطب النبوي
كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول
في هديه صلى الله عليه وسلم في دفع ضرر الأغذية والفاكهة وإصلاحها بما يدفع ضررها ، ويقوي
نفعها
ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن جعفر ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل
الرطب بالقثاء
والرطب : حار رطب في الثانية ، يقوي المعدة الباردة ، ويوافقها ، ويزيد في الباه ، ولكنه سريع التعفن ،
معطش معكر للدم ، مصدع مولد للسدد ، ووجع المثانة ، ومضر بالأسنان ، والقثاء بارد رطب في الثانية
، مسكن للعطش ، منعش للقوى بشمه لما فيه من العطرية ، مطفئ لحرارة المعدة الملتهبة ، وإذا جفف
بزره ، ودق واستحلب بالماء ، وشرب ، سكن العطش ، وأدر البول ، ونفع من وجع المثانة . وإذا دق
ونخل ، ودلك به الأسنان ، جلاها ، وإذا دق ورقه وعمل منه ضماد مع الميبختج ، نفع من عضة الكلب
الكلب .وبالجملة : فهذا حار ، وهذا بارد ، وفي كل منهما صلاح للآخر ، وإزالة لأكثر ضرره ،
ومقاومة كل كيفية بضدها ، ودفع سورﺗﻬا بالأخرى ، وهذا أصل العلاج كله ، وهو أصل في حفظ
الصحة ، بل علم الطب كله يستفاد من هذا . وفي استعمال ذلك وأمثاله في الأغذية والأدوية إصلاح لها
وتعديل ، ودفع لما فيها من الكيفيات المضرة لما يقابلها ، وفي ذلك عون على صحة البدن ، وقوته
وخصبه ، قالت عائشة رضي الله عنها : سمنوني بكل شئ ، فلم أسمن ، فسمنوني بالقثاء والرطب ،
فسمنت .وبالجملة : فدفع ضرر البارد بالحار ، والحار بالبارد ، والرطب باليابس ، واليابس بالرطب ،
وتعديل أحدهما بالآخر من أبلغ أنواع العلاجات ، وحفظ الصحة ، ونظير هذا ما تقدم من أمره بالسنا
والسنوت، وهو العسل الذي فيه شئ من السمن يصلح به السنا ، ويعدله ، فصلوات الله وسلامه على
من بعث بعمارة القلوب والأبدان ، وبمصالح الدنيا والآخرة .
في هديه صلى الله عليه وسلم في الحمية
الدواء كله شيئان : حمية وحفظ صحة . فإذا وقع التخليط ، احتيج إلى الإستفراغ الموافق ، وكذلك
مدار الطب كله على هذه القواعد الثلاثة . والحمية : حميتان : حمية عما يجلب المرض ، وحمية عما يزيده
www.maknoon.com 40 الطب النبوي
، فيقف على حاله ، فالأول : حمية الأصحاء . والثانية :حمية المرضى ، فإن المريض إذا احتمى ، وقف
مرضه عن التزايد ، وأخذت القوى في دفعه.والأصل في الحمية قوله تعالى: ﴿ وإن كنتم مرضى أو على
سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ﴾( النساء : 43
، المائدة: 6 ) ، فحمى المريض من استعمال الماء ، لأنه يضره. وفي سنن ابن ماجه وغيره عن أم المنذر
بنت قيس الأنصارية ، قالت :( دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي ، وعلي ناقه من
مرض ، ولنا دوالي معلقة ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها ، وقام علي يأكل منها ،
فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي : إنك ناقة حتى كف . قالت : وصنعت شعيرًا وسلقًا ،
فجئت به ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : من هذا أصب ، فإنه أنفع لك ) وفي لفظ فقال :
( من هذا فأصب ، فإنه أوفق لك ) .وفي سنن ابن ماجه أيضًا عن صهيب قال : ( قدمت على النبي
صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر ، فقال : ادن فكل ، فأخذت تمرًا فأكلت ، فقال : أتأكل تمرًا
وبك رمد ؟ فقلت : يا رسول الله ! أمضع من الناحية الأخرى ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه
وسلم).وفي حديث محفوظ عنه صلى الله عليه وسلم : ( إن الله إذا أحب عبدًا ، حماه من الدنيا ، كما
يحمي أحدكم مريضه عن الطعام والشراب ).وفي لفظ:( إن الله يحمي عبده المؤمن من الدنيا ) .
وأما الحديث الدائر على ألسنة كثير من الناس : الحمية رأس الدواء ، والمعدة بيت الداء ، وعودوا كل
جسم ما اعتاد فهذا الحديث إنما هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب ، ولا يصح رفعه إلى النبي
صلى الله عليه وسلم ، قاله غير واحد من أئمة الحديث . ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن
المعدة حوض البدن ، والعروق إليها واردة ، فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة ، وإذا سقمت
المعدة ، صدرت العروق بالسقم ).وقال الحارث : رأس الطب الحمية ، والحمية عندهم للصحيح في
المضرة بمترلة التخليط للمريض والناقه ، وأنفع ما تكون الحمية للناقه من المرض ، فإن طبيعته لم ترجع بعد
إلى قوﺗﻬا ، والقوة الهاضمة ضعيفة ، والطبيعة قابلة ، والأعضاء مستعدة ، فتخليطه يوجب انتكاسها،وهو
أصعب من ابتداء مرضه .واعلم أن في رفع النبي صلى الله عليه وسلم لعلي من الأكل من الدوالي ، وهو
ناقه أحسن التدبير ، فان الدوالي أقناء من الرطب تعلق في البيت للأكل بمترلة عناقيد العنب ، والفاكهة
تضر بالناقه من المرض لسرعة استحالتها ، وضعف الطبيعة عن دفعها ، فإﻧﻬا لم تتمكن بعد من قوﺗﻬا ،
وهي مشغولة بدفع آثار العلة ، وإزالتها من البدن .وفي الرطب خاصة نوع ثقل على المعدة ، فتشتغل
بمعالجته وإصلاحه عما هي بصدده من إزالة المرض وآثاره ، فإما أن تقف تلك البقية ، وإما أن تتزايد ،
فلما وضح بين يديه السلق والشعير ، أمره أن يصيب منه ، فإنه من أنفع الأغذية للناقه ، فإن في ماء
www.maknoon.com 41 الطب النبوي
الشعير من التبريدوالتغذية ، والتلطيف والتليين ، وتقوية الطبيعة ما هو أصلح للناقه ، ولا سيما إذا طبخ
بأصول السلق ، فهذا من أوفق الغذاء لمن في معدته ضعف،ولا يتولد عنه من الأخلاط ما يخاف منه.وقال
زيد بن أسلم:حمى عمر رضي الله عنه مريضًا له ، حتى إنه من شدة ما حماه كان يمص النوى .وبالجملة :
فالحمية من أنفع الأدوية قبل الداء ، فتمنع حصوله ، وإذا حصل ، فتمنع تزايده وانتشاره .
فصل
ومما ينبغي أن يعلم أن كثيرًا مما يحمى عنه العليل والناقه والصحيح ، إذا اشتدت الشهوة إليه ، ومالت إليه
الطبيعة ، فتناول منه الشئ اليسير الذي لا تعجز الطبيعة عن هضمه ، لم يضره تناوله ، بل ربما انتفع به ،
فإن الطبيعة والمعدة تتلقيانه بالقبول والمحبة، فيصلحان ما يخشى من ضرره ، وقد يكون أنفع من تناول ما
تكرهه الطبيعة ، وتدفعه من الدواء ، ولهذا أقر النبي صلى الله عليه وسلم صهيبًا وهو أرمد على تناول
التمرات اليسيرة ، وعلم أﻧﻬا لا تضره ، ومن هذا ما يروى عن علي أنه دخل على رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو أرمد ، وبين يدي النبي صلى الله عليه وسلم تمر يأكله ، فقال :( يا علي ! تشتهيه ؟
ورمى إليه بتمرة ، ثم بأخرى حتى رمى إليه سبعًا ، ثم قال : حسبك يا علي ) .
ومن هذا ما رواه ابن ماجه في سننه من حديث عكرمة ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم
عاد رج ً لا فقال له:( ما تشتهي ؟ فقال : أشتهي خبز بر.وفي لفظ : أشتهي كعكًا ، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم : من كان عنده خبز بر فيبعث إلى أخيه ثم قال : إذا اشتهى مريض أحدكم شيئًا ،
فليطعمه ).ففي هذا الحديث سر طبي لطيف ، فإن المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوع صادق طبيعي ،
وكان فيه ضرر ما ، كان أنفع وأقل ضررًا مما لا يشتهيه ، وإن كان نافعًا في نفسه ، فإن صدق شهوته ،
ومحبة الطبيعة يدفع ضرره ، وبغض الطبيعة وكراهتها للنافع ، قد يجلب لها منه ضررًا . وبالجملة : فاللذيذ
المشتهى تقبل الطبيعة عليه بعناية ، فتهضمه على أحمد الوجوه ، سيما عند انبعاث النفس إليه بصدق
الشهوة ، وصحة القوة ، والله أعلم .
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الرمد بالسكون ، والدعة ، وترك الحركة ، والحمية مما يهيج الرمد
وقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى صهيبًا من التمر ، وأنكر عليه أكله ، وهو أرمد ، وحمى عليًا
من الرطب لما أصابه الرمد .وذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي : أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا
رمدت عين امرأة من نسائه لم يأﺗﻬا حتى تبرأ عينها .
الرمد : ورم حار يعرض في الطبقة الملتحمة من العين ، وهو بياضها الظاهر ، وسببه انصباب أحد
www.maknoon.com 42 الطب النبوي
الأخلاط الأربعة ، أو ريح حارة تكثر كميتها في الرأس والبدن ، فينبعث منها قسط إلى جوهر العين ، أو
ضربة تصيب العين ، فترسل الطبيعة إليها من الدم والروح مقدارًا كثيرًا تروم بذلك شفاءها مما عرض لها
، ولأجل ذلك يرم العضو المضروب ، والقياس يوجب ضده .واعلم أنه كما يرتفع من الأرض إلى الجو
بخاران ، أحدهما : حار يابس ، والآخر : حار رطب ، فينعقدان سحابًا متراكمًا ، ويمنعان أبصارنا من
إدراك السماء ، فكذلك يرتفع من قعر المعدة إلى منتهاها مثل ذلك ، فيمنعان النظر ، ويتولد عنهما علل
شتى ، فإن قويت الطبيعة على ذلك ودفعته إلى الخياشيم ، أحدث الزكام ، وإن دفعته إلى اللهاة والمنخرين
أحدث الخناق ، وإن دفعته إلى الجنب ، أحدث الشوصة ، وإن دفعته إلى الصدر ، أحدث الترلة ، وإن
انحدر إلى القلب ، أحدث الخبطة ، وإن دفعته إلى العين أحدث رمدًا ، وإن انحدر إلى الجوف ، أحدث
السيلان ، وإن دفعته إلى منازل الدماغ أحدث النسيان ، وإن ترطبت أوعية الدماغ منه ، وامتلأت به
عروقه أحدث النوم الشديد ، ولذلك كان النوم رطبًا ، والسهر يابسًا . وإن طلب البخار النفوذ من
الرأس ، فلم يقدر عليه ، أعقبه الصداع والسهر ، وإن مال البخار إلى أحد شقي الرأس ، أعقبه الشقيقة ،
وإن ملك قمة الرأس ووسط الهامة . أعقبه داء البيضة ، وإن برد منه حجاب الدماغ ، أو سخن ، أو
ترطب وهاجت منه أرياح ، أحدث العطاس ، وإن أهاج الرطوبة البلغمية فيه حتى غلب الحار الغريزي ،
أحدث الإغماء والسكات ، وإن أهاج المرة السوداء حتى أظلم هواء الدماغ ، أحدث الوسواس ، وإن
فاض ذلك إلى مجاري العصب ، أحدث الصرع الطبيعي ، وإن ترطبت مجامع عصب الرأس وفاض ذلك
في مجاريه ، أعقبه الفالج،وإن كان البخار من مرة صفراء ملتهبة محمية للدماغ ، أحدث البرسام ، فإن
شركه الصدر في ذلك ، كان سرسامًا ، فافهم هذا الفصل .والمقصود : أن أخلاط البدن والرأس تكون
متحركة هائجة في حال الرمد ، والجماع مما يزيد حركتها وثوراﻧﻬا ، فإنه حركة كلية للبدن والروح
والطبيعة . فأما البدن ، فيسخن بالحركة لا محالة ، والنفس تشتد حركتها طلبًا للذة واستكمالها ، والروح
تتحرك تبعًا لحركة النفس والبدن ، فإن أول تعلق الروح من البدن بالقلب ، ومنه ينشأ الروح ، وتنبث في
الأعضاء . وأما حركة الطبيعة ، فلأجل أن ترسل ما يجب إرساله من المني على المقدار الذي يجب
إرساله .
وبالجملة : فالجماع حركة كلية عامة يتحرك فيها البدن وقواه ، وطبيعته وأخلاطه ، والروح والنفس ،
فكل حركة فهى مثيرة للأخلاط مرققة لها توجب دفعها وسيلاﻧﻬا إلى الأعضاء الضعيفة ، والعين في حال
رمدها أضعف ما تكون ، فأضر ما عليها حركة الجماع .
www.maknoon.com 43 الطب النبوي
قال بقراط في كتاب الفصول : وقد يدل ركوب السفن أن الحركة تثور الأبدان . هذا مع أن في الرمد
منافع كثيرة ، منها ما يستدعيه من الحمية والإستفراغ ، وتنقية الرأس والبدن من فضلاﺗﻬما وعفوناﺗﻬما ،
والكف عما يؤذي النفس والبدن من الغضب ، والهم والحزن ، والحركات العنيفة ، والأعمال الشاقة .
وفي أثر سلفي : لا تكرهوا الرمد ، فإنه يقطع عروق العمى . ومن أسباب علاجه ملازمة السكون
والراحة ، وترك مس العين والإشتغال ﺑﻬا ، فإن أضداد ذلك يوجب انصباب المواد إليها . وقد قال بعض
السلف : مثل أصحاب محمد مثل العين ، ودواء العين ترك مسها . وقد روي في حديث مرفوع ، الله
أعلم به : ( علاج الرمد تقطير الماء البارد في العين ) وهو من أنفع الأدوية للرمد الحار ، فإن الماء دواء
بارد يستعان به على إطفاء حرارة الرمد إذا كان حارًا ، ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
لامرأته زينب وقد اشتكت عينها : لو فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيرًا لك
وأجدر أن تشفي ، تنضحين في عينك الماء ، ثم تقولين :( أذهب البأس رب الناس ، واشف أنت الشافي ،
لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقمًا ).وهذا مما تقدم مرارًا أنه خاص ببعض البلاد ، وبعض أوجاع
العين ، فلا يجعل كلام النبوة الجزئي الخاص كليًا عامًا ، ولا الكلي العام جزئيًا خاصًا ، فيقع من الخطأ ،
وخلاف الصواب ما يقع ، والله أعلم .
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الخدران الكلي الذي يجمد معه البدن
ذكر أبو عبيد في غريب الحديث من حديث أبي عثمان النهدي : أن قومًا مروا بشجرة فأكلوا منها ،
فكأنما مرت ﺑﻬم ريح ، فأجمدﺗﻬم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( قرسوا الماء في الشنان ، وصبوا
عليهم فيما بين الأذانين ) ، ثم قال أبوعبيد : قرسوا : يعني بردوا . وقول الناس : قد قرس البرد ، إنما هو
من هذا بالسين ليس بالصاد . والشنان:الأسقية والقرب الخلقان ، يقال للسقاء : شن ، وللقربة : شنة .
وإنما ذكر الشنان دون الجدد لأﻧﻬا أشد تبريدًا للماء . وقوله:بين الأذانين ، يعني أذان الفجر والإقامة ،
فسمى الإقامة أذانًا ، انتهى كلامه .قال بعض الأطباء : وهذا العلاج من النبي صلى الله عليه وسلم من
أفضل علاج هذا الداء إذا كان وقوعه بالحجاز ، وهي بلاد حارة يابسة ، والحار الغريزي ضعيف في
بواطن سكاﻧﻬا ، وصب الماء البارد عليهم في الوقت المذكور ، - وهو أبرد أوقات اليوم - يوجب جمع
الحار الغريزي المنتشر في البدن الحامل لجميع قواه ، فيقوي القوة الدافعة ، ويجتمع من أقطار البدن إلى
باطنه الذي هو محل ذاك الداء ، ويستظهر بباقي القوى على دفع المرض المذكور ، فيدفعه بإذن الله عز
www.maknoon.com 44 الطب النبوي
وجل ، ولو أن بقراط ، أو جالينوس ، أو غيرهما ، وصف هذا الدواء لهذا الداء ، لخضعت له الأطباء ،
وعجبوا من كمال معرفته .
في هديه صلى الله عليه وسلم في إصلاح الطعام الذي يقع فيه الذباب،وإرشاده إلى دفع مضرات
السموم بأضدادها
في الصحيحين من حديث أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا وقع الذباب في
إناء أحدكم ، فامقلوه ، فإن في أحد جناحيه داء ، وفي الآخر شفاء ).وفي سنن ابن ماجه عن أبي سعيد
الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أحد جناحي الذباب سم ، والآخر شفاء ، فإذا
وقع في الطعام ، فامقلوه ، فإنه يقدم السم ، ويؤخر الشفاء ) .هذا الحديث فيه أمران : أمر فقهي ، وأمر
طبي ، فأما الفقهي ، فهو دليل ظاهر الدلالة جدًا على أن الذباب إذا مات في ماء أو مائع ، فإنه لا
ينجسه ، وهذا قول جمهور العلماء ، ولا يعرف في السلف مخالف في ذلك . ووجه الإستدلال به أن النبي
صلى الله عليه وسلم أمر بمقله ، وهو غمسه في الطعام ، ومعلوم أنه يموت من ذلك ، ولا سيما إذا كان
الطعام حارًا . فلو كان ينجسه لكان أمرًا بإفساد الطعام ، وهو صلى الله عليه وسلم إنما أمر بإصلاحه ،
ثم عدي هذا الحكم إلى كل ما لا نفس له سائلة ، كالنحلة والزنبور ، والعنكبوت وأشباه ذلك ، إذ
الحكم يعم بعموم علته ، وينتفي لانتفاء سببه ، فلما كان سجب التنجيس هو الدم المحتقن في الحيوان بموته
، وكان ذلك مفقودًا فيما لا دم له سائل انتفى الحكم بالتنجيس لانتفاء علته .ثم قال من لم يحكم بنجاسة
عظم الميتة : إذا كان هذا ثابتًا في الحيوان الكامل مع ما فيه من الرطوبات ، والفضلات ، وعدم الصلابة
، فثبوته في العظم الذي هو أبعد عن الرطوبات والفضلات ، واحتقان الدم أولى ، وهذا في غاية القوة ،
فالمصير إليه أولى .وأول من حفظ عنه في الإسلام أنه تكلم ﺑﻬذه اللفظة ، فقال : ما لا نفس له سائلة ،
إبراهيم النخعي ، وعنه تلقاها الفقهاء - والنفس في اللغة : يعبر ﺑﻬا عن الدم ، ومنه نفست المرأة - بفتح
النون - إذا حاضت ، ونفست - بضمها - إذا ولدت .وأما المعنى الطبي ، فقال أبو عبيد : معنى
امقلوه : اغمسوه ليخرج الشفاء منه ، كما خرج الداء ، يقال للرجلين : هما يتماقلان ، إذا تغاطا في
الماء .واعلم أن في الذباب عندهم قوة سمية يدل عليها الورم ، والحكة العارضة عن لسعه ، وهي بمترلة
السلاح ، فإذا سقط فيما يؤذيه، اتقاه بسلاحه ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقابل تلك السمية بما
أودعه الله سبحانه في جناحه الآخر من الشفاء ، فيغمس كله في الماء والطعام ، فيقابل المادة السمية المادة
www.maknoon.com 45 الطب النبوي
النافعة ، فيزول ضررها ، وهذا طب لا يهتدي إليه كبار الأطباء وأئمتهم ، بل هو خارج من مشكاة
النبوة ، ومع هذا فالطبيب العالم العارف الموفق يخضع لهذا العلاج ، ويقر لمن جاء به بأنه أكمل الخلق
على الإطلاق،وأنه مؤيد بوحي إلهي خارج عن القوى البشرية.وقد ذكر غير واحد من الأطباء أن لسع
الزنبور والعقرب إذا دلك موضعه بالذباب نفع منه نفعًا بينًا،وسكنه ، وما ذاك إلا للمادة التي فيه من
الشفاء ، وإذا دلك به الورم الذي يخرج في شعر العين المسمى شعرة بعد قطع رؤوس الذباب ، أبرأه .
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج البثرة
ذكر ابن السني في كتابه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت :(دخل علي رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقد خرج في أصبعي بثرة ، فقال:عندك ذريرة ؟ قلت:نعم . قال:ضعيها عليها وقولي :
اللهم مصغر الكبير ،ومكبر الصغير،صغر ما بي )
الذريرة : دواء هندي يتخذ من قصب الذريرة ، وهي حارة يابسة تنفع من أورام المعدة والكبد
والإستسقاء ، وتقوي القلب لطيبها ، وفي الصحيحين عن عائشة أﻧﻬا قالت : طيبت رسول الله صلى الله
عليه وسلم بيدي بذريرة في حجة الوداع للحل والإحرام .
والبثرة : خراج صغير يكون عن مادة حارة تدفعها الطبيعة ، فتسترق مكانًا من الجسد تخرج منه ، فهي
محتاجة إلى ما ينضجها ويخرجها ، والذريرة أحد ما يفعل ﺑﻬا ذلك ، فإن فيها إنضاجًا وإخراجًا مع طيب
رائحتها ، مع أن فيها تبريدًا للنارية التي في تلك المادة ، وكذلك قال صاحب القانون : إنه لا أفضل
لحرق النار من الذريرة بدهن الورد والخل .
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الأورام ، والخرجات التي تبرأ بالبط والبزل
يذكر عن علي أنه قال : دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل يعوذه بظهره ورم ،
فقالوا : يا رسول الله ! ﺑﻬذه مدة . قال : بطوا عنه ، قال علي : فما برحت حتى بطت ، والنبي صلى الله
عليه وسلم شاهد .ويذكر عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر طبيبًا أن يبط بطن رجل
أجوى البطن ، فقيل : يا رسول الله : هل ينفع الطب ؟ قال :
www.maknoon.com 46 الطب النبوي
( الذي أنزل الداء ، أنزل الشفاء ، فيما شاء ) .الورم : مادة في حجم العضو لفضل مادة غير طبيعية
تنصب إليه ، ويوجد في أجناس الأمراض كلها ، والمواد التي تكون عنها من الأخلاط الأربعة ، والمائية ،
والريح ، وإذا اجتمع الورم سمي خراجًا ، وكل ورم حار يؤول أمره إلى أحد ثلاثة أشياء : إما تحلل ،
وإما جمع مدة ، وإما استحالة إلى الصلابة . فإن كانت القوة قوية ، استولت على مادة الورم وحللته ،
وهي أصلح الحالات التي يؤول حال الورم إليها ، وإن كانت دون ذلك ، أنضجت المادة ، وأحالتها مدة
بيضاء ، وفتحت لها مكانًا أسالتها منه . وإن نقصت عن ذلك أحالت المادة مدة غير مستحكمة النضج ،
وعجزت عن فتح مكان في العضو تدفعها منه ، فيخاف على العضو الفساد بطول لبثها فيه ، فيحتاج
حينئذ إلى إعانة الطبيب بالبط ، أو غيره لإخراج تلك المادة الرديئة المفسدة للعضو .وفي البط فائدتان :
إحداهما : إخراج المادة الرديئة المفسدة والثانية : منع اجتماع مادة أخرى إليها تقويها .
وأما قوله في الحديث الثاني : ( إنه أمر طبيبًا أن يبط بطن رجل أجوى البطن ) ، فالجوى يقال على معان
منها : الماء المنتن الذي يكون في البطن يحدث عنه الإستسقاء .وقد اختلف الأطباء في بزله لخروج هذه
المادة ، فمنعته طائفة منهم لخطره ، وبعد السلامة معه ، وجوزته طائفة أخرى ، وقالت : لا علاج له
سواه ، وهذا عندهم إنما هو في الإستسقاء الزقي ، فإنه كما تقدم ثلاثة أنواع : طبلي ، وهو الذي ينتفخ
معه البطن بمادة ريحية إذا ضربت عليه سمع له صوت كصوت الطبل ، ولحمي : وهو الذي يربو معه لحم
جميع البدن بمادة بلغمية تفشو مع الدم في الأعضاء ، وهو أصعب من الأول ، وزقي : وهو الذي يجتمع
معه في البطن الأسفل مادة رديئة يسمع لها عند الحركة خضخضة كخضخضة الماء في الزق ، وهو أردأ
أنواعه عند الأكثرين من الأطباء . وقالت طائفة : أردأ أنواعه اللحمي لعموم الآفة به .
ومن جملة علاج الزقي إخراج ذلك بالبزل ، ويكون ذلك بمترلة فصد العروق لإخراج الدم الفاسد ، لكنه
خطر كما تقدم ، وإن ثبت هذا الحديث ، فهو دليل على جواز بزله ، والله أعلم .
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج المرضى بتطييب نفوسهم وتقوية قلوﺑﻬم
روى ابن ماجه في سننه من حديث أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إذا دخلتم على المريض ، فنفسوا له في الأجل ، فإن ذلك لا يرد شيئًا ، وهو يطيب نفس
المريض ) .وفي هذا الحديث نوع شريف جدًا من أشرف أنواع العلاج ، وهو الإرشاد إلى ما يطيب نفس
العليل من الكلام الذي تقوى به الطبيعة ، وتنتعش به القوة ، وينبعث به الحار الغريزي ، فيتساعد على
www.maknoon.com 47 الطب النبوي
دفع العلة أو تخفيفها الذي هو غاية تأثير الطبيب .وتفريح نفس المريض ، وتطييب قلبه ، وإدخال ما يسره
عليه ، له تأثير عجيب في شفاء علته وخفتها ، فإن الأرواح والقوى تقوى بذلك ، فتساعد الطبيعة على
دفع المؤذي ، وقد شاهد الناس كثيرًا من المرضى تنتعش قواه بعيادة من يحبونه ، ويعظمونه ، ورؤيتهم لهم
، ولطفهم ﺑﻬم ، ومكالمتهم إياهم ، وهذا أحد فوائد عيادة المرضى التي تتعلق ﺑﻬم ، فإن فيها أربعة أنواع
من الفوائد : نوع يرجع إلى المريض ، ونوع يعود على العائد ، ونوع يعود على أهل المريض ، ونوع
يعود على العامة .وقد تقدم في هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يسأل المريض عن شكواه ، وكيف
يجده ويسأله عما يشتهيه ، ويضع يده على جبهته ، وربما وضعها بين ثدييه ، ويدعو له ، ويصف له ما
ينفعه في علته ، وربما توضأ وصب على المريض من وضوئه ، وربما كان يقول للمريض : (لا بأس طهور
إن شاء الله ) ، وهذا من كمال اللطف ، وحسن العلاج والتدبير .
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الأبدان بما اعتادته من الأدوية والأغذية دون ما لم تعتده
هذا أصل عظيم من أصول العلاج ، وأنفع شئ فيه ، وإذا أخطأه الطبيب ، أضر المريض من حيث يظن
أنه ينفعه ، ولا يعدل عنه إلى ما يجده من الأدوية في كتب الطب إلا طبيب جاهل ، فإن ملاءمة الأدوية
والأغذية للأبدان بحسب استعدادها وقبولها ، وهؤلاء أهل البوادي والأكارون وغيرهم لا ينجع فيهم
شراب اللينوفر والورد الطري ولا المغلي ، ولا يؤثر في طباعهم شيئًا ، بل عامة أدوية أهل الحضر وأهل
الرفاهية لا تجدي علهم ، والتجربة شاهدة بذلك ، ومن تأمل ما ذكرناه من العلاج انبوي ، رآه كله
موافقًا لعادة العليل وأرضه ، وما نشأ عليه . فهذا أصل عظيم من أصول العلاج يجب الإعتناء به ، وقد
صرح به أفاضل أهل الطب حتى قال طبيب العرب بل أطبهم الحارث بن كلدة ، وكان فيهم كابقراط
في قومه : الحمية رأس الدواء ، والمعدة بيت الداء ، وعودوا كل بدن ما اعتاد . وفي لفظ عنه : الأزم
دواء ، والأزم : الإمساك عن الأكل يعني به الجوع ، وهو من أكبر الأدوية في شفاء الأمراض الإمتلائية
كلها بحيث إنه أفضل في علاجها من المستفرغات إذا لم يخف من كثرة الإمتلاء ، وهيجان الأخلاط ،
وحدﺗﻬا أو غلياﻧﻬا .وقوله : المعدة بيت الداء . المعدة : عضو عصبي مجوف كالقرعة في شكلها ، مركب
من ثلاث طبقات ، مؤلفة من شظايا دقيقة عصبية تسمى الليف ، ويحيط ﺑﻬا لحم ، وليف إحدى الطبقات
بالطول ، والأخرى بالعرض ، والثالثة بالورب ، وفم المعدة أكثر عصبًا ، وقعرها أكثر لحمًا ، وفي باطنها
خمل ، وهي محصورة في وسط البطن ، وأميل إلى الجانب الأيمن قلي ً لا ، خلقت على هذه الصفة لحكمة
www.maknoon.com 48 الطب النبوي
لطيفة من الخالق الحكيم سبحانه ، وهي بيت الداء ، وكانت مح ً لا للهضم الأول ، وفيها ينضج الغذاء
وينحدر منها بعد ذلك إلى الكبد والأمعاء ، ويتخلف منه فيها فضلات قد عجزت القوة الهاضمة عن تمام
هضمها ، إما لكثرة الغذاء ، أو لردائته ، أو لسوء ترتيب في استعماله ، أو ﻟﻤﺠموع ذلك ، وهذه الأشياء
بعضها مما لا يتخلص الإنسان منه غالبًا ، فتكون المعدة بيت الداء لذلك ، وكأنه يشير بذلك إلى الحث
على تقليل الغذاء ، ومنع النفس من اتباع الشهوات ، والتحرز عن الفضلات .وأما العادة فلأﻧﻬا كالطبيعة
للإنسان ، ولذلك يقال : العادة طبع ثان ، وهي قوة عظيمة في البدن ، حتى إن أمرًا واحدًا إذا قيس إلى
أبدان مختلفة العادات ، كان مختلف النسبة إليها . وإن كانت تلك الأبدان متفقة في الوجوه الأخرى مثال
ذلك أبدان ثلاثة حارة المزاج في سن الشباب ، أحدها : عود تناول الأشياء الحارة ، والثاني : عود تناول
الأشياء الباردة ، والثالث : عود تناول الأشياء المتوسطة ، فإن الأول متى تناول عس ً لا لم يضر به ،
والثاني : متى تناوله ، أضر به ، والثالث : يضر به قلي ً لا ، فالعادة ركن عظيم في حفظ الصحة ، ومعالجة
الأمراض ، ولذلك جاء العلاج النبوي بإجراء كل بدن على عادته في استعمال الأغذية والأدوية وغير
ذلك .
في هديه صلى الله عليه وسلم في تغذية المريض بألطف ما اعتاده من الأغذية
في الصحيحين من حديث عروة عن عائشة ، أﻧﻬا كانت إذا مات الميت من أهلها ، واجتمع لذلك النساء
، ثم تفرقن إلى أهلهن ، أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت ، وصنعت ثريدًا ثم صبت التلبينة عليه ، ثم قالت :
كلوا منها ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب
ببعض الحزن ) .وفي السنن من حديث عائشة أيضًا قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( عليكم بالبغيض النافع التلبين ) ، قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى أحد من
أهله لم تزل البرمة على النار حتى ينتهي أحد طرفيه . يعني يبرأ أو يموت .وعنها : كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا قيل له : إن فلانًا وجع لا يطعم الطعام ، قال : ( عليكم بالتلبينة فحسوه إياها ) ،
ويقول : (والذي نفسي بيده إﻧﻬا تغسل بطن أحدكم كما تغسل إحداكن وجهها من الوسخ ) .التلبين :
هو الحساء الرقيق الذي هو في قوام اللبن ، ومنه اشتق إسمه ، قال الهروي : سميت تلبينة لشبهها باللبن
لبياضها ورقتها ، وهذا الغذاء هو النافع للعليل ، وهو الرقيق النضيج لا الغليظ النيء ، وإذا شئت أن
تعرف فضل التلبينة ، فاعرف فضل ماء الشعير ، بل هي ماء الشعير لهم ، فإﻧﻬا حساء متخذ من دقيق
www.maknoon.com 49 الطب النبوي
الشعير بنخالته ، والفرق بينها وبين ماء الشعير أنه يطبخ صحاحًا ، والتلبينة تطبخ منه مطحونًا ، وهي
أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن ، وقد تقدم أن للعادات تأثيرًا في الإنتفاع بالأدوية والأغذية ،
وكانت عادة القوم أن يتخذوا ماء الشعير منه مطحونًا لا صحاحًا ، وهو أكثر تغذية ، وأقوى فع ً لا ،
وأعظم جلاء ، وإنما اتخذه أطباء المدن منه صحاحًا ليكون أرق وألطف ، فلا يثقل على طبيعة المريض ،
وهذا بحسب طبائع أهل المدن ورخاوﺗﻬا ، وثقل ماء الشعير المطحون عليها . والمقصود : أن ماء الشعير
مطبوخًا صحاحًا ينفذ سريعًا ، ويجلو جلاء ظاهرًا ، ويغذي غذاء لطيفًا . وإذا شرب حارًا كان جلاؤه
أقوى ، ونفوذه أسرع ، وإنماؤه للحرارة الغريزية أكثر ، وتلميسه لسطوح المعدة أوفق .وقوله صلى الله
عليه وسلم فيها : ( مجمة لفؤاد المريض ) يروى بوجهين . بفتح الميم والجيم ، وبضم الميم ، وكسر الجيم
، والأول: أشهر ، ومعناه : أﻧﻬا مريحة له ، أي : تريحه وتسكنه من الإجمام وهو الراحة . وقوله :
( تذهب ببعض الحزن ) هذا - والله أعلم - لأن الغم والحزن يبردان المزاج ، ويضعفان الحرارة الغريزية
لميل الروح الحامل لها إلى جهة القلب الذي هو منشؤها ، وهذا الحساء يقوي الحرارة الغريزية بزيادته في
مادﺗﻬا ، فتزيل أكثر ما عرض له من الغم والحزن .وقد يقال - وهو أقرب - : إﻧﻬا تذهب ببعض الحزن
بخاصية فيها من جنس خواص الأغذية المفرحة ، فإن من الأغذية ما يفرح بالخاصية ، والله أعلم .
وقد يقال : إن قوى الحزين تضعف باستيلاء اليبس على أعضائه ، وعلى معدته خاصة لتقليل الغذاء ،
وهذا الحساء يرطبها ، ويقويها ، ويغذيها ، ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض ، لكن المريض كثيرًا ما يجتمع
في معدته خلط مراري ، أو بلغمي ، أو صديدي ، وهذا الحساء يجلو ذلك عن المعدة ويسروه ، ويحدره ،
ويميعه ، ويعدل كيفيته ، ويكسر سورته ، فيريحها ولا سيما لمن عادته الإغتذاء بخبز الشعير ، وهي عادة
أهل المدينة إذ ذاك ، وكان هو غالب قوﺗﻬم ، وكانت الحنطة عزيزة عندهم . والله أعلم .
www.maknoon.com 50 الطب النبوي
في ذكر شئ من الأدوية والأغذية المفردة التي جاءت على لسانه صلى الله عليه وسلم مرتبة على
حروف المعجم
الهمزة
إثمد :هو حجر الكحل الأسود ، يؤتى به من أصبهان ، وهو أفضله ويؤتى به من جهة المغرب أيضًا ،
وأجوده السريع التفتيت الذي لفتاته بصيص ، وداخله أملس ليس فيه شئ من الأوساخ .ومزاجه بارد
يابس ينفع العين ويقويها ، ويشد أعصاﺑﻬا ، ويحفظ صحتها ، ويذهب اللحم الزائد في القروح ويدملها ،
وينقي أوساخها ، ويجلوها ، ويذهب الصداع إذا اكتحل به مع العسل المائي الرقيق ، وإذا دق وخلط
ببعض الشحوم الطرية ، ولطخ على حرق النار ، لم تعرض فيه خشكريشة ، ونفع من التنفط الحادث
بسببه ، وهو أجود أكحال العين لا سيما للمشايخ ، والذين قد ضعفت أبصارهم إذا جعل معه شئ من
المسك .
أترج :ثبت في الصحيح : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل
الأترجة ، طعمها طيب ، وريحها طيب " .في الأترج منافع كثيرة ، وهو مركب من أربعة أشياء : قشر ،
ولحم ، وحمض ، وبزر ، ولكل واحد منها مزاج يخصه ، فقشره حار يابس ، ولحمه حار رطب ،
وحمضه بارد يابس ، وبزره حار يابس .
ومن منافع قشره : أنه إذا جعل في الثياب منع السوس ، ورائحته تصلح فساد الهواء والوباء ، ويطيب
النكهة إذا أمسكه في الفم ، ويحلل الرياح ، وإذا جعل في الطعام كالأبازير ، أعان على الهضم .
قال صاحب القانون : وعصارة قشره تنفع من ﻧﻬش الأفاعي شربًا ، وقشره ضمادًا ، وحراقة قشره طلاء
جيد للبرص . انتهى .
وأما لحمه : فملطف لحرارة المعدة ، نافع لأصحاب المرة الصفراء ، قامع للبخارات الحارة . وقال
الغافقي : أكل لحمه ينفع البواسير . انتهى .وأما حمضه : فقابض كاسر للصفراء ، ومسكن للخفقان
الحار ، نافع من اليرقان شربًا واكتحا ً لا ، قاطع للقئ الصفراوي ، مشه للطعام ، عاقل للطبيعة ، نافع من
الإسهال الصفراوي ، وعصارة حمضه يسكن غلمة النساء ، وينفع طلاء من الكلف ، ويذهب بالقوباء ،
ويستدل على ذلك من فعله في الحبر إذا وقع في الثياب قلعه ، وله قوة تلطف ، وتقطع ، وتبرد ، وتطفئ
حرارة الكبد، وتقوي المعدة ، وتمنع حدة المرة الصفراء ، وتزيل الغم العارض منها ، وتسكن
www.maknoon.com 51 الطب النبوي
العطش .وأما بزره : فله قوة محللة مجففة . وقال ابن ماسويه : خاصية حبه النفع من السموم القاتلة إذا
شرب منه وزن مثقال مقشرًا بماء فاتر وطلاء مطبوخ 0 وإن دق ووضع على موضع اللسعة ، نفع ، وهو
ملين للطبيعة ، مطيب للنكهة ، وأكثر هذا الفعل موجود في قشره ،
وقال غيره : خاصية حبه النفع من لسعات العقارب إذا شرب منه وزن مثقالين مقشرًا بماء فاتر ،
وكذلك إذا دق ووضع على موضع اللدغة . وقال غيره : حبه يصلح للسموم كلها ، وهو نافع من لدغ
الهوام كلها .
وذكر أن بعض الأكاسرة غضب على قوم من الأطباء ، فأمر بحبسهم ، وخيرهم أدمًا لا يزيد لهم عليه ،
فاختاروا الأترج ، فقيل لهم : لم اخترتموه على غيره ؟ فقالوا : لأنه في العاجل ريحان ، ومنظره مفرح ،
وقشره طيب الرائحة ، ولحمه فاكهة ، وحمضه أدم ، وحبه ترياق ، وفيه دهن .وحقيق بشئ هذه منافعه
أن يشبه به خلاصة الوجود ، وهو المؤمن الذي يقرأ القرآن ، وكان بعض السلف يحب النظر إليه لما في
منظره من التفريح
أرز :فيه حديثان باطلان موضوعان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحدهما : أنه " لو كان رج ً لا
، لكان حليمًا " الثاني : " كل شئ أخرجته الأرض ففيه داء وشفاء إلا الأرز ، فإنه شفاء لا داء فيه "
ذكرناهما تنبيهًا وتحذيرًا من نسبتهما إليه صلى الله عليه وسلم .وبعد فهو حار يابس ، وهو أغذى الحبوب
بعد الحنطة ، وأحمدها خلطًا ، يشد البطن شدًا يسيرًا ، ويقوي المعدة ، ويدبغها ، ويمكث فيها . وأطباء
الهند تزعم ، أنه أحمد الأغذية وأنفعها إذا طبخ بألبان البقر ، وله تأثير في خصب البدن ، وزيادة المني ،
وكثرة التغذية ، وتصفية اللون .
أرز : بفتح الهمزة وسكون الراء : وهو الصنوبر ، ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " مثل المؤمن
مثل الخامة من الزرع، تفيئها الرياح ، تقيمها مرة ، وتميلها أخرى، ومثل المنافق مثل الأرزة لا تزال قائمة
على أصلها حتى يكون انجعافها مرة واحدة"، وحبه حار رطب ، وفيه إنضاج وتليين ، وتحليل ، ولذع
يذهب بنقعه في الماء ، وهو عسر الهضم ، وفيه تغذية كثيرة ، وهو جيد للسعال ، ولتنقية رطوبات الرئة ،
ويزيد في المني ، ويولد مغصًا ، وترياقه حب الرمان المر .
www.maknoon.com 52 الطب النبوي
إذخر :ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في مكة : " لا يختلى خلاها ، فقال له العباس
رضي الله عنه : إلا الإذخر يا رسول الله ، فإنه لقينهم ولبيوﺗﻬم ، فقال : إلا الإذخر " .والإذخر حار في
الثانية ، يابس في الأولى ، لطيف مفتح للسدد وأفواه العروق ، يدر البول والطمث ، ويفتت الحصى ،
ويحلل الأورام الصلبة في المعدة والكبد والكليتين شربًا وضمادًا ، وأصله يقوي عمود الأسنان والمعدة ،
ويسكن الغثيان ، ويعقل البطن .
حرف الباء
بطيخ :روى أبو داود والترمذي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يأكل البطيخ بالرطب ،
يقول : " نكسر حر هذا ببرد هذا ، وبرد هذا بحر هذا " .وفي البطيخ عدة أحاديث لا يصح منها شئ
غير هذا الحديث الواحد ، والمراد به الأخضر ، وهو بارد رطب ، وفيه جلاء ، وهو أسرع انحدارًا عن
المعدة من القثاء والخيار ، وهو سريع الإستحالة إلى أي خلط كان صادفه في المعدة ، وإذا كان آكله
محرورًا انتفع به جدًا ، وإن كان مبرودًا دفع ضرره بيسير من الزنجيل ونحوه ، وينبغي أكله قبل الطعام ،
ويتبع به ، وإلا غثى وقيأ ، وقال بعض الأطباء : إنه قبل الطعام يغسل البطن غس ً لا ، ويذهب بالداء
أص ً لا .
بلح :روى النسائي وابن ماجه في سننهما : من هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها
قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلوا البلح بالتمر ، فإن الشيطان إذا نظر إلى ابن آدم
يأكل البلح بالتمر يقول : بقي ابن آدم حتى أكل الحديث بالعتيق " . وفي رواية : " كلوا البلح بالتمر ،
فإن الشيطان يحزن إذا رأى ابن آدم يأكله يقول : عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق " ، رواه البزار
في مسنده وهذا لفظه .
قلت : الباء في الحديث بمعنى : مع ، أي : كلوا هذا مع هذا قال بعض أطباء الإسلام : إنما أمر النبي صلى
الله عليه وسلم بأكل البلح بالتمر ، ولم يأمر بأكل البسر مع التمر ، لأن البلح بارد يابس ، والتمر حار
رطب ، ففي كل منهما إصلاح للآخر ، وليس كذلك البسر مع التمر ، فإن كل واحد منهما حار ،
www.maknoon.com 53 الطب النبوي
وإن كانت حرارة التمر أكثر ، ولا ينبغي من جهة الطب الجمع بين حارين أو باردين ، كما تقدم . وفي
هذا الحديث : التنبيه على صحة أصل صناعة الطب ، ومراعاة التدبير الذي يصلح في دفع كيفيات
الأغذية والأدوية بعضها ببعض ، ومراعاة القانون الطبي الذي تحفظ به الصحة .وفي البلح برودة ويبوسة ،
وهو ينفع الفم واللثة والمعدة ، وهو رديء للصدر والرئة بالخشونة التي فيه ، بطيء في المعدة يسير التغذية
، وهو للنخلة كالحصرم لشجرة العنب ، وهما جميعًا يولدان رياحًا ، وقراقر ، ونفخًا ، ولا سيما إذا
شرب عليهما الماء ، ودفع مضرﺗﻬما بالتمر ، أو بالعسل والزبد .
بسر : ثبت في الصحيح : أن أبا الهيثم بن التيهان ، لما ضافه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر
رضي الله عنهما ، جاءهم بعذق - وهو من النخلة كالعنقود من العنب - فقال له : " هلا انتقيت لنا من
رطبه فقال : أحببت أن تنتقوا من بسره ورطبه " .البسر : حار يابس ، ويبسه أكثر من حره ، ينشف
الرطوبة ، ويدبغ المعدة ، ويحبس البطن ، وينفع اللثة والفم ، وأنفعه ما كان هشًا وحلوًا ، وكثرة أكله
وأكل البلح يحدث السدد في الأحشاء .
بيض : ذكر البيهقي في شعب الإيمان أثرًا مرفوعًا : أن نبيًا من الأنبياء شكى إلى الله سبحانه الضعف ،
فأمره بأكل البيض . وفي ثبوته نظر ، ويختار من البيض الحديث على العتيق ، وبيض الدجاج على سائر
بيض الطير ، وهو معتدل يميل إلى البرودة قلي ً لا .قال صاحب القانون : ومحه : حار رطب ، يولد دمًا
صحيحًا محمودًا ، ويغذي غذاءًا يسيرًا ، ويسرع الإنحدار من المعدة إذا كان رخوًا . وقال غيره : مح
البيض : مسكن للألم ، مملس للحلق وقصبة الرئة ، نافع للحلق والسعال وقروح الرئة والكلى والمثانة ،
مذهب للخشونة ، لا سيما إذا أخذ بدهن اللوز الحلو ، ومنضج لما في الصدر ، ملين له ، مسهل لخشونة
الحلق ، وبياضه إذا قطر في العين الوارمة ورمًا حارًا ، برده ، وسكن الوجع وإذا لطخ به حرق النار أو ما
يعرض له ، لم يدعه يتنفط ، وإذا لطخ به الوجع ، منع الإحتراق العارض من الشمس ، واذا خلط
بالكندر ، ولطخ على الجبهة ، نفع من الترلة
وذكره صاحب القانون في الأدوية القلبية ، ثم قال : وهو - وإن لم يكن من الأدوية المطلقة - فإنه مما له
www.maknoon.com 54 الطب النبوي
مدخل في تقوية القلب جدًا أعني الصفرة ، وهي تجمع ثلاثة معان : سرعة الإستحالة إلى الدم ، وقلة
الفضلة ، وكون الدم المتولد منه مجانسًا للدم الذي يغذو القلب خفيفًا مندفعًا إليه بسرعة ، ولذلك هو
أوفق ما يتلافى به عادية الأمراض المحللة لجوهر الروح .
بصل :روى أبو داود في سننه : عن عائشة رضي الله عنها ، أﻧﻬا سئلت عن البصل ، فقالت : إن آخر
طعام أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيه بصل .وثبت عنه في الصحيحين أنه منع آكله من
دخول المسجد .
والبصل : حار في الثالثة ، وفيه رطوبة فضلية ينفع من تغير المياه ، ويدفع ريح السموم ، ويفتق الشهوة ،
ويقوي المعدة ، ويهيج الباه ، ويزيد في المني ، ويحسن اللون ، ويقطع البلغم ، ويجلو المعدة ، وبزره يذهب
البهق ، ويدلك به حول داء الثعلب ، فينفع جدًا ، وهو بالملح يقلع الثآليل ، وإذا شمه من شرب دواء
مسه ً لا منعه من القئ والغثيان ، وأذهب رائحة ذلك الدواء ، وإذا استعط بمائه ، نقى الرأس ، ويقطر في
الأذن لثقل السمع والطنين والقيح ، والماء الحادث في الأذنين ، وينفع من الماء النازل في العينين اكتحا ً لا
يكتحل ببزره مع العسل لبياض العين ، والمطبوخ منه كثير الغذاء ينفع من اليرقان والسعال ، وخشونة
الصدر ، ويدر البول ، ويلين الطبع ، وينفع من عضة الكلب غير الكلب إذا نطل عيها ماؤه بملح وسذاب
، وإذا احتمل ، فتح أفواه البواسير .
وأما ضرره : فإنه يورث الشقيقة ، ويصدع الرأس ، ويولد أرياحًا ، ويظلم البصر ، وكثرة أكله تورث
النسيان ، ويفسد العقل ، ويغير رائحة الفم والنكهة ، ويؤذي الجليس ، والملائكة ، وإماتته طبخًا تذهب
ﺑﻬذه المضرات منه .وفي السنن : أنه صلى الله عليه وسلم أمر آكله وآكل الثوم أن يميتهما طبخًا ويذهب
رائحته مضغ ورق السذاب عليه .
باذنجان :في الحديث الموضوع المختلق على رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الباذنجان لما أكل له " ،
وهذا الكلام مما يستقبح نسبته إلى آحاد العقلاء ، فض ً لا عن الانبياء ، وبعد : فهو نوعان : أبيض وأسود
www.maknoon.com 55 الطب النبوي
، وفيه خلاف ، هل هو بارد أو حار ؟ والصحيح : أنه حار ، وهو مولد للسوداء والبواسير ، والسدد
والسرطان والجذام ، ويفسد اللون ويسوده ، ويضر بنتن الفم ، والأبيض منه المستطيل عار من ذلك .
حرف التاء
تمر :ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم : " من تصبح بسبع تمرات وفي لفظ : من تمر العالية لم
يضره ذلك اليوم سم ولا سحر " . وثبت عنه أنه قال : " بيت لا تمر فيه جياع أهله " . وثبت عنه أكل
التمر بالزبد ، وأكل التمر بالخبز ، وأكله مفردًا . وهو حار في الثانية ، وهل هو رطب في الأولى ، أو
يابس فيها ؟ . على قولين . وهو مقو للكبد ، ملين للطبع ، يزيد في الباه ، ولا سيما مع حب الصنوبر ،
ويبرئ من خشونة الحلق ، ومن لم يعتده كأهل البلاد الباردة فإنه يورث لهم السدد ، ويؤذي الأسنان ،
ويهيج الصداع ، ودفع ضرره باللوز والخشخاش ، وهو من أكثر الثمار تغذية للبدن بما فيه من الجوهر
الحار الرطب ، وأكله على الريق يقتل الدود ، فإنه مع حرارته فيه قوة ترياقية ، فإذا أديم استعماله على
الريق ، خفف مادة الدود ، وأضعفه وقلله ، أو قتله ، وهو فاكهة وغذاء ، ودواء وشراب وحلوى .
تين :لما لم يكن التين بأرض الحجاز والمدينة ، لم يأت له ذكر في السنة ، فإن أرضه تنافي أرض النخل ،
ولكن قد أقسم الله به في كتابه ، لكثرة منافعه وفوائده ، والصحيح : أن المقسم به : هو التين
المعروف .وهو حار ، وفي رطوبته ويبوسته قولان ، وأجوده : الأبيض الناضج القشر ، يجلو رمل الكلى
والمثانة ، ويؤمن من السموم ، وهو أغذى من جميع الفواكه وينفع خشونة الحلق والصدر ، وقصبة الرئة ،
ويغسل الكبد والطحال ، وينقي الخلط البلغمي من المعدة ، ويغذو البدن غذاء جيدًا ، إلا أنه يولد القمل
إذا أكثر منه جدًا .ويابسه يغذو وينفع العصب ، وهو مع الجوز واللوز محمود ، قال جالينوس : وإذا أكل
مع الجوز والسذاب قبل أخذ السم القاتل ، نفع ، وحفظ من الضرر .ويذكر عن أبي الدرداء : أهدي إلى
النبي صلى الله عليه وسلم طبق من تين ، فقال : " كلوا و أكل منه ، وقال : لو قلت : إن فاكهة نزلت
من الجنة قلت : هذه ، لأن فاكهة الجنة بلا عجم ، فكلوا منها فإﻧﻬا تقطع البواسير ، وتنفع من النقرس
" . وفي ثبوت هذا نظر .واللحم منه أجود ، ويعطش المحرورين ، ويسكن العطش الكائن عن البلغم المالح
www.maknoon.com 56 الطب النبوي
، وينفع السعال المزمن ، ويدر البول ، ويفتح سدد الكبد والطحال ، ويوافق الكلى والمثانة ، ولأكله على
الريق منفعة عجيبة في تفتيح مجاري الغذاء وخصوصًا باللوز والجوز ، وأكله مع الأغذية الغليظة رديء
جدًا ، والتوت الأبيض قريب منه ، لكنه أقل تغذية وأضر بالمعدة .
تلبينة :قد تقدم إﻧﻬا ماء الشعير المطحون ، وذكرنا منافعها ، وأﻧﻬا أنفع لأهل الحجاز من ماء الشعير
الصحيح .
حرف الثاء
ثلج :ثبت في الصحيح : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اللهم اغسلني من خطاياي بالماء
والثلج والبرد " .
وفي هذا الحديث من الفقه : أن الداء يداوى بضده ، فان في الخطايا من الحرارة والحريق ما يضاده الثلج
والبرد ، والماء البارد ، ولا يقال : إن الماء الحار أبلغ في إزالة الوسخ ، لأن في الماء البارد من تصليب
الجسم وتقويته ما ليس في الحار ، والخطايا توجب أثرين : التدنيس والإرخاء ، فالمطلوب مداواﺗﻬا بما
ينظف القلب ويصلبه ، فذكر الماء البارد والثلج والبرد إشارة إلى هذين الأمرين .وبعد فالثلج بارد على
الأصح ، وغلط من قال : حار ،وشبهته تولد الحيوان فيه ، وهذا لا يدل على حرارته ، فإنه يتولد في
الفواكه الباردة ، وفي الخل ،وأما تعطيشه ،فلتهييجه الحرارة لا لحرارته في نفسه ، ويضر المعدة والعصب ،
وإذا كان وجع الأسنان من حرارة مفرطة ، سكنها .
ثوم :هو قريب من البصل ، وفي الحديث : " من أكلهما فليمتهما طبخًا " . وأهدي إليه طعام فيه ثوم ،
فأرسل به إلى أبي أيوب الأنصاري ، فقال : يا رسول الله ، تكرهه وترسل به إلي ؟ فقال:" إني أناجي من
لا تناجي " .
وبعد فهو حار يابس في الرابعة ، يسخن تسخينًا قويًا ، ويجفف تجفيفًا بالغًا ، نافع للمبرودين ، ولمن
www.maknoon.com 57 الطب النبوي
مزاجه بلغمي ، ولمن أشرف على الوقوع في الفالج ، وهو مجفف للمني ، مفتح للسدد ، محلل للرياح
الغليظة ، هاضم للطعام ، قاطع للعطش ، مطلق للبطن ، مدر للبول ، يقوم في لسع الهوام وجميع الأورام
الباردة مقام الترياق ، وإذا دق وعمل منه ضماد على ﻧﻬش الحيات ، أو على لسع العقارب ، نفعها
وجذب السموم منها ، ويسخن البدن ، ويزيد في حرارته ، ويقطع البلغم ، ويحلل النفخ ، ويصفي الحلق
، ويحفظ صحة أكثر الأبدان ، وينفع من تغير المياه ، والسعال المزمن ، ويؤكل نيئًا ومطبوخًا ومشويًا ،
وينفع من وجع الصدر من البرد ، ويخرج العلق من الحلق ، وإذا دق مع الخل والملح والعسل ، ثم وضع
على الضرس المتأكل ، فتته وأسقطه ، وعلى الضرس الوجع ، سكن وجعه . وإن دق منه مقدار درهمين ،
وأخذ مع ماء العسل ، أخرج البلغم والدود ، وإذا طلي بالعسل على البهق ، نفع .ومن مضاره : أنه
يصدع ، ويضر الدماغ والعينين ، ويضعف البصر والباه ، ويعطش ، ويهيج الصفراء ، ويجيف رائحة الفم
، ويذهب رائحته أن يمضع عليه ورق السذاب .
ثريد :ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " فضل عائشة على النساء كفضل الثريد
على سائر الطعام "
والثريد وإن كان مركبًا ، فإنه مركب من خبز ولحم ، فالخبز أفضل الأقوات ، واللحم سيد الإدام ، فإذا
اجتمعا لم يكن بعدهما غاية .وتنازع الناس أيهما أفضل ؟ والصواب أن الحاجة إلى الخبز أكثر وأعم ،
واللحم أجل وأفضل ، وهو أشبه بجوهر البدن من كل ما عداه ، وهو طعام أهل الجنة ، وقد قال تعالى
لمن طلب البقل ، والقثاء ، والفوم ، والعدس ، والبصل : ﴿ أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ﴾
[ البقرة : 62 ] ، وكثير من السلف على أن الفوم الحنطة ، وعلى هذا فالآية نص على أن اللحم خير
من الحنطة .
حرف الجيم
جمار :قلب النخل ، ثبت في الصحيحين : عن عبد الله بن عمر قال : بينا نحن عند رسول الله صلى الله
عليه وسلم جلوس ، إذ أتي بجمار نخلة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن من الشجر شجرة مثل
www.maknoon.com 58 الطب النبوي
الرجل المسلم لا يسقط ورقها . . . الحديث " . والجمار : بارد يابس في الأولى ، يختم القروح ، وينفع
من نفث الدم ، واستطلاق البطن ، وغلبة المرة الصفراء ، وثائرة الدم وليس برديء الكيموس ، ويغذو
غذاء يسيرًا ، وهو بطيء الهضم ، وشجرته كلها منافع ، ولهذا مثلها النبي صلى الله عليه وسلم بالرجل
المسلم لكثرة خيره ومنافعه .
جبن : في السنن عن عبد الله بن عمر قال : " أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في تبوك ، فدعا بسكين
، وسمى وقطع " رواه أبو داود ، وأكله الصحابة رضي الله عنهم بالشام ، والعراق ، والرطب منه غير
المملوح جيد للمعدة ، هين السلوك في الأعضاء ، يزيد في اللحم ، ويلين البطن تليينًا معتد ً لا ، والمملوح
أقل غذاء من الرطب ، وهو رديء للمعدة ، مؤذ للأمعاء ، والعتيق يعقل البطن ، وكذا المشوي ، وينفع
القروح ، ويمنع الإسهال .وهو بارد رطب ، فإن استعمل مشويًا ، كان أصلح لمزاجه ، فإن النار تصلحه
وتعدله ، وتلطف جوهره ، وتطيب طعمه ورائحته . والعتيق المالح ، حار يابس ، وشيه يصلحه أيضًا
بتلطيف جوهره ، وكسر حرافته لما تجذبه النار منه من الأجزاء الحارة اليابسة المناسبة لها ، والمملح منه
يهزل ، ويولد حصاة الكلى والمثانة ، وهو رديء للمعدة ، وخلطه بالملطفات أردأ بسبب تنفيذها له إلى
المعدة .
حرف الحاء
حناء :قد تقدمت الأحاديث في فضله ، وذكر منافعه ، فأغنى عن إعادته .
حبة السوداء :ثبت في الصحيحين : من حديث أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : " عليكم ﺑﻬذه الحبة السوداء ، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام " .
والسام : الموت .
الحبة السوداء : هي الشونيز في لغة الفرس ، وهي الكمون الأسود ، وتسمى الكمون الهندي ، قال
www.maknoon.com 59 الطب النبوي
الحربي ، عن الحسن : إﻧﻬا الخردل ، وحكى الهروي : أﻧﻬا الحبة الخضراء ثمرة البطم ، وكلاهما وهم
،والصواب :أﻧﻬا الشونيز .
وهي كثيرة المنافع جدًا ، وقوله : " شفاء من كل داء " ، مثل قوله تعالى :﴿ تدمر كل شيء بأمر رﺑﻬا ﴾
[ الأحقاف : 25 ] أي : كل شئ يقبل التدمير ونظائره ، وهي نافعة من جميع الأمراض الباردة ،
وتدخل في الأمراض الحارة اليابسة بالعرض ، فتوصل قوى الأدوية الباردة الرطبة إليها بسرعة تنفيذها إذا
أخذ يسيرها .
وقد نص صاحب القانون وغيره ، على الزعفران في قرص الكافور لسرعة تنفيذه وإيصاله قوته ، وله
نظائر يعرفها حذاق الصناعة ، ولا تستبعد منفعة الحار في أمراض حارة بالخاصية ، فإنك تجد ذلك في
أدوية كثيرة ، منها : الأنزروت وما يركب معه من أدوية الرمد ، كالسكر وغيره من المفردات الحارة ،
والرمد ورم حار باتفاق الأطباء ، وكذلك نفع الكبريت الحار جدًا من الجرب .والشونيز حار يابس في
الثالثة ، مذهب للنفخ ، مخرح لحب القرع ، نافع من البرص وحمى الربع : والبلغمية مفتح للسدد ، ومحلل
للرياح ، مجفف لبلة المعدة ورطوبتها . وإن دق وعجن بالعسل ، وشرب بالماء الحار ، أذاب الحصاة التي
تكون في الكليتين والمثانة ، ويدر البول والحيض واللبن إذا أديم شربه أيامًا ، وان سخن بالخل ، وطلي
على البطن ، قتل حب القرع ، فإن عجن بماء الحنظل الرطب ، أو المطبوخ ، كان فعله في إخراج الدود
أقوى ، ويجلو ويقطع ، ويحلل ، ويشفي من الزكام البارد إذا دق وصير في خرقة ، واشتم دائمًا ،
أذهبه .ودهنه نافع لداء الحية ، ومن الثآليل والخيلان ، وإذا شرب منه مثقال بماء ، نفعع من البهر وضيق
النفس ، والضماد به ينفع من الصداع البارد ، واذا نقع منه سبع حبات عددًا في لبن امرأة ، وسعط به
صاحب اليرقان ، نفعه نفعًا بليغًا .وإذا طبخ بخل ، وتمضمض به ، نفع من وجع الأسنان عن برد ، وإذا
استعط به مسحوقًا ، نفع من ابتداء الماء العارض في العين ، وإن ضمد به مع الخل ، قلع البثور والجرب
المتقرح ، وحلل الأورام البلغمية المزمنة ، والأورام الصلبة ، وينفع من اللقوة إذا تسعط بدهنه ، وإذا
شرب منه مقدار نصف مثقال إلى مثقال ، نفع من لسع الرتيلاء ، وإن سحق ناعمًا وخلط بدهن الحبة
الخضراء ، وقطر منه في الأذن ثلاث قطرات ، نفع من البرد العارض فيها والريح والسدد وإن قلي ، ثم
دق ناعمًا ، ثم نقع في زيت ، وقطر في الأنف ثلاث قطرات أو أربع ، نفع من الزكام العارض معه
عطاس كثير .
وإذا أحرق وخلط بشمع مذاب بدهن السوسن ، أو دهن الحناء ، وطلي به القروح الخارجة من الساقين
بعد غسلها بالخل ، نفعها وأزال القروح .وإذا سحق بخل ، وطلي به البرص والبهق الأسود ، والحزاز
الغليظ ، نفعها وأبرأها .وإذا سحق ناعمًا ، واستف منه كل يوم درهمين بماء بارد من عضه كلب كلب
www.maknoon.com 60 الطب النبوي
قبل أن يفرغ من الماء ، نفعه نفعًا بليغًا ، وأمن على نفسه من الهلاك . وإذا استعط بدهنه ، نفع من الفالج
والكزاز ، وقطع موادهما ، وإذا دخن به ، طرد الهوام .وإذا أذيب الأنزروت بماء ، ولطخ على داخل
الحلقة ، ثم ذر عليها الشونيز ، كان من الذرورات الجيدة العجيبة النفع من البواسير ، ومنافعه أضعاف ما
ذكرنا ، والشربة منه درهمان ، وزعم قوم أن الإكثار منه قاتل .
حرير : قد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحه للزبير ، ولعبد الرحمن بن عوف من حكة كانت ﺑﻬما
، وتقدم منافعه ومزاجه ، فلا حاجة إلى إعادته .
حرف :قال أبو حنيفة الدينوري : هذا هو الحب الذي يتداوى به ، وهو الثفاء الذي جاء فيه الخبر عن
النبي صلى الله عليه وسلم ، ونباته يقال له : الحرف ، وتسميه العامة : الرشاد ، وقال أبو عبيد : الثفاء :
هو الحرف .قلت : والحديث الذي أشار إليه ، ما رواه أبو عبيد وغيره ، من حديث ابن عباس رضي الله
عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ماذا في الأمرين من الشفاء ؟ الصبر والثفاء " رواه أبو
داود في المراسيل .وقوته في الحرارة واليبوسة في الدرجة الثالثة ، وهو يسخن ، ويلين البطن ، ويخرج
الدود وحب القرع ، ويحلل أورام الطحال ، ويحرك شهوة الجماع ، ويجلو الجرب المتقرح والقوباء .وإدا
ضمد به مع العسل ، حلل ورم الطحال ، وإذا طبخ مع الحناء أخرج الفضول التي في الصدر ، وشربه
ينفع من ﻧﻬش الهوام ولسعها ، وإذا دخن به في موضع ، طرد الهوام عنه ، ويمسك الشعر المتساقط ، وإذا
خلط بسويق الشعير والخل ، وتضمد به ، نفع من عرق النسا ، وحلل الأورام الحارة في آخرها .وإذا
تضمد به مع الماء والملح أنضج الدماميل ، وينفع من الإسترخاء في جميع الاعضاء ، ويزيد في الباه ،
ويشهي الطعام ، وينفع الربو ، وعسر التنفس ، وغلظ الطحال ، وينقي الرئة ، ويدر الطمث ، وينفع من
عرق النساء ، ووجع حق الورك مما يخرج من الفضول ، إذا شرب أو احتقن به ، ويجلو ما في الصدر
والرئة من البلغم اللزج .وإن شرب منه بعد سحقه وزن خمسة دراهم بالماء الحار ، أسهل الطبيعة ، وحلل
الرياح ، ونفع من وجع القولنج البارد السبب ، وإذا سحق وشرب ، نفع من البرص .وإن لطخ عليه
وعلى البهق الأبيض بالخل ، نفع منهما ، وينفع من الصداع الحادث من البرد والبلغم ، وإن قلي ،
وشرب ، عقل الطبع لا سيما إذا لم يسحق لتحلل لزوجته بالقلي ، وإذا غسل بمائه الرأس ، نشاه من
الاوساخ والرطوبات اللزجة .قال جالينوس : قوته مثل قوة بزر الخردل ، ولذلك قد يسخن به أوجاع
الورك المعروفة بالنسا ، وأوجاع الرأس ، وكل واحد من العلل التي تحتاج إلى التسخين ، كما يسخن بزر
www.maknoon.com 61 الطب النبوي
الخردل ، وقد يخلط أيضًا في أدوية يسقاها أصحاب الربو من طريق أن الأمر فيه معلوم أنه يقطع الأخلاط
الغليظة تقطيعًا قويًا ، كما يقطعها بزر الخردل ، لأنه شبيه به في كل شئ .
حلبة : يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، " أنه عاد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بمكة ، فقال :
ادعوا له طبيبًا ، فدعي الحارث بن كلدة ، فنظر إليه ، فقال : ليس عليه بأس ، فاتخذوا له فريقة ، وهي
الحلبة مع تمر عجوة رطب يطبخان ، فيحساهما ، ففعل ذلك ، فبرئ" .وقوة الحلبة من الحرارة في الدرجة
الثانية ، ومن اليبوسة في الأولى ، وإذا طبخت بالماء ، لينت الحلق والصدر والبطن ، وتسكن السعال
والخشونة والربو ، وعسر النفس ، وتزيد في الباه ، وهي جيدة للريح والبلغم والبواسير ، محدرة
الكيموسات المرتبكة في الأمعاء ، وتحلل البلغم اللزج من الصدر ،وتنفع من الدبيلات وأمراض الرئة ،
وتستعمل لهذه الأدواء في الأحشاء مع السمن والفانيذ وإذا شربت مع وزن خمسة دراهم فوة ،أدرت
الحيض ،وإذا طبخت ،وغسل ﺑﻬا الشعر جعدته ،وأذهبت الحزاز .ودقيقها إذا خلط بالنطرون والخل ،
وضمد به ، حلل ورم الطحال ، وقد تجلس المرأة في الماء الذي طبخت فيه الحلبة ، فتنتفع به من وجع
الرحم العارض من ورم فيه . وإذا ضمد به الأورام الصلبة القليلة الحرارة ، نفعتها وحللتها ، وإذا شرب
ماؤها ، نفع من المغص العارض من الرياح ، وأزلق الأمعاء .وإذا أكلت مطبوخة بالتمر ، أو العسل ، أو
التين على الريق ، حللت البلغم اللزج العارض في الصدر والمعدة ، ونفعت من السعال المتطاول منه.وهي
نافعة من الحصر ، مطلقة للبطن ، وإذا وضعت على الظفر المتشنج أصلحته ، ودهنها ينفع إذا خلط
بالشمع من الشقاق العارض من البرد ، ومنافعها أضعاف ما ذكرنا .ويذكر عن القاسم بن عبد الرحمن ،
أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استشفوا بالحلبة " وقال بعض الأطباء : لو علم الناس
منافعها ، لاشتروها بوزﻧﻬا ذهبًا .
حرف الخاء
خبز :ثبت في الصحيحين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "تكون الأرض يوم القيامة خبزة
واحدة يتكفؤها الجبار كما يكفؤ أحدكم خبزته في السفر نز ً لا لأهل الجنة " .وروى أبو داود في سننه :
www.maknoon.com 62 الطب النبوي
من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
الثريد من الخبز ، والثريد من الحيس .
وروى أبو داود في سننه أيضًا ، من حديث ابن عمر رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " وددت أن عندي خبزة بيضاء من برة سمراء ملبقة بسمن ولبن ، فقام رجل من القوم فاتخذه ،
فجاء به ، فقال : في أي شئ كان هذا السمن ؟ فقال : في عكة ضب ، فقال : ارفعه ".وذكر البيهقي
من حديث عائشة رضي الله عنها ترفعه : " أكرموا الخبز ، ومن كرامته أن لا ينتظر به الإدام " والموقوف
أشبه ، فلا يثبت رفعه ، ولا رفع ما قبله .وأما حديث النهى عن قطع الخبز بالسكين ، فباطل لا أصل له
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وإنما المروي : النهي عن قطع اللحم بالسكين ، ولا يصح أيضًا .قال مهنا : سألت أحمد عن حديث أبي
معشر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا
تقطعوا اللحم بالسكين ، فإن ذلك من فعل الأعاجم " . فقال : ليس بصحيح ، ولا يعرف هذا ،
وحديث عمرو بن أمية خلاف هذا ، وحديث المغيرة - يعني بحديث عمرو بن أمية - : كان النبي صلى
الله عليه وسلم يحتز من لحم الشاة . وبحديث المغيرة أنه لما أضافه أمر بجنب فشوي ، ثم أخذ الشفرة ،
فجعل يحز .وأحمد أنواع الخبز أجودها اختمارًا وعجنًا ، ثم خبز التنور أجود أصنافه ، وبعده خبز الفرن ،
ثم خبز الملة في المرتبة الثالثة ، وأجوده ما اتخذ من الحنطة الحديثة وأكثر أنواعه تغذية خبز السميد ، وهو
أبطؤها هضمًا لقلة نخالته ، ويتلوه خبز الحوارى ، ثم الخشكار .وأحمد أوقات أكله في آخر اليوم الذي
خبز فيه ، واللين منه أكثر تليينًا وغذاء وترطيبًا وأسرع انحدارًا ، واليابس بخلافه .ومزاج الخبز من البر
حار في وسط الدرجة الثانية ، وقريب من الإعتدال في الرطوبة واليبوسة ، واليبس يغلب على ما جففته
النار منه ، والرطوبة على ضده .وفي خبز الحنطة خاصية ، وهو أنه يسمن سريعًا ، وخبز القطائف يولد
خلطًا غليظًا ، والفتيت نفاخ بطيء الهضم ، والمعمول باللبن مسدد كثير الغذاء ، بطىء الإنحدار .وخبز
الشعير بارد يابس في الأولى ، وهو أقل غذاء من خبز الحنطة .
خل :روى مسلم في صحيحه : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم سأل أهله الإدام ، فقالوا : ما عندنا إلا خل ، فدعا به ، وجعل يأكل ويقول : " نعم الإدام الخل ،
نعم الإدام الخل " .
www.maknoon.com 63 الطب النبوي
وفي سنن ابن ماجه عن أم سعد رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم : " نعم الإدام الخل ، اللهم
بارك في الخل ، فإنه كان إدام الأنبياء قبلي ، ولم يفتقر بيت فيه الخل " .الخل : مركب من الحرارة ،
والبرودة أغلب عليه ، وهو يابس في الثالثة ، قوي التجفيف ، يمنع من انصباب المواد ، ويلطف الطبيعة ،
وخل الخمر ينفع المعدة الصلبة ، ويقمع الصفراء ، ويدفع ضرر الأدوية القتالة ، ويحلل اللبن والدم إذا
جمدا في الجوف ، وينفع الطحال ، ويدبغ المعدة ، ويعقل البطن ، ويقطع العطش ، ويمنع الورم حيث
يريد أن يحدث ، ويعين على الهضم ، ويضاد البلغم ، ويلطف الأغذية الغليظة ، ويرق الدم .وإذا شرب
بالملح ، نفع من أكل الفطر القتال ، وإذا احتسي ، قطع العلق المتعلق بأصل الحنك ، وإذا تمضمض به
مسخنًا ، نفع من وجع الأسنان ، وقوى اللثة .وهو نافع للداحس ، إذا طلي به ، والنملة والأورام الحارة
، وحرق النار ، وهو مشه للأكل ، مطيب للمعدة ، صالح للشباب ، وفي الصيف لسكان البلاد الحارة .
خلال :فيه حديثان لا يثبتان ، أحدهما : يروى من حديث أبي أيوب الأنصاري يرفعه : " يا حبذا
المتخللون من الطعام ، إنه ليس شئ أشد على الملك من بقية تبقى في الفم من الطعام " وفيه واصل بن
السائب ، قال البخاري والرازي : منكر الحديث ، وقال النسائي والأزدي : متروك الحديث .الثاني :
يروى من حديث ابن عباس ، قال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن شيخ روى عنه صالح الوحاظي يقال
له : محمد بن عبد الملك الأنصاري ، حدثنا عطاء ، عن ابن عباس ، قال : ﻧﻬى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يتخلل بالليط والآس ، وقال : " إﻧﻬما يسقيان عروق الجذام " ، فقال أبي : رأيت محمد بن عبد
الملك - وكان أعمى - يضع الحديث ، ويكذب .
وبعد : فالخلال نافع للثة والأسنان ، حافظ لصحتها ، نافع من تغير النكهة ، وأجوده ما اتخذ من عيدان
الأخلة ، وخشب الزيتون والخلاف ، والتخلل بالقصب والآس والريحان ، والباذروج مضر .
حرف الدال
دهن :روى الترمذي في كتاب الشمائل من حديث أنس بن مالك رضي الله عنهما ، قال : كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه ، وتسريح لحيته ، ويكثر القناع كأن ثوبه ثوب زيات .الدهن
www.maknoon.com 64 الطب النبوي
يسد مسام البدن ، ويمنع ما يتحلل منه ، وإذا استعمل به بعد الإغتسال بالماء الحار ، حسن البدن ورطبه
، وإن دهن به الشعر حسنه وطوله ، ونفع من الحصبة ، ودفع أكثر الآفات عنه .وفي الترمذي : من
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا : " كلوا الزيت وادهنوا به " . وسيأتي إن شاء الله تعالى.والدهن
في البلاد الحارة ، كالحجاز ونحوه من آكد أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن ، وهو كالضروري لهم ،
وأما البلاد الباردة ، فلا يحتاج إليه أهلها ، والإلحاح به في الرأس فيه خطر بالبصر .وأنفع الأدهان
البسيطة : الزيت ، ثم السمن ، ثم الشيرج وأما المركبة : فمنها بارد رطب ، كدهن البنفسج ينفع من
الصداع الحار ، وينوم أصحاب السهر ، ويرطب الدماغ ، وينفع من الشقاق ، وغلبة اليبس ، والجفاف
، ويطلى به الجرب ، والحكة اليابسة ، فينفعها ويسهل حركة المفاصل ، ويصلح لأصحاب الأمزجة
الحارة في زمن الصيف ، وفيه حديثان باطلان موضوعان على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما : "
فضل دهن البنفسج على سائر الأدهان ، كفضلي على سائر الناس " . والثاني : " فضل دهن البنفسج
على سائر الأدهان ، كفضل الإسلام على سائر الأديان " .ومنها : حار رطب ، كدهن البان ، ولس
دهن زهره ، بل دهن يستخرج من حب أبيض أغبر نحو الفستق ، كثير الدهنية والدسم ، ينفع من صلابة
العصب ، ويلينه ، وينفع من البرش والنمش ، والكلف والبهق ، ويسهل بلغمًا غليظًا ، ويلين الأوتار
اليابسة، ويسخن العصب ، وقد روي فيه حديث باطل مختلق لا أصل له : " ادهنوا بالبان ، فإنه أحظى
لكم عند نسائكم " . ومن منافعه أنه يجلو الأسنان ، ويكسبها ﺑﻬجة ، وينقيها من الصدأ ، ومن مسح به
وجهه وأطرافه لم يصبه حصى ولا شقاق ، وإذا دهن به حقوه ومذاكيره وما والاها ، نفع من برد
الكليتين ، وتقطير البول .
حرف الذال
ذريرة :ثبت في الصحيحين : عن عائشة رضي الله عنها قالت : طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم
بيدي ، بذريرة في حجة الوداع لحله وإحرامه . تقدم الكلام في الذريرة ومنافعها وما هيتها ، فلا حاجة
لإعادته .
www.maknoon.com 65 الطب النبوي
ذباب : تقدم في حديث أبي هريرة المتفق عليه في أمره صلى الله عليه وسلم بغمس الذباب في الطعام إذا
سقط فيه لأجل الشفاء الذي في جناحه ، وهو كالترياق للسم الذي في الجناح الآخر ، وذكرنا منافع
الذباب هناك .
ذهب : روى أبو داود ، والترمذي : " أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعرفجة بن أسعد لما قطع
أنفه يوم الكلاب ، واتخذ أنفًا من ورق ، فأنتن عليه ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفًا من
ذهب " . وليس لعرفجة عندهم غير هذا الحديث الواحد .الذهب :زينة الدنيا ، وطلسم الوجود ،
ومفرح النفوس ، ومقوي الظهور ، وسر الله في أرضه ، ومزاجه في سائر الكيفيات ، وفيه حرارة لطيفة
تدخل في سائر المعجونات اللطيفة والمفرحات ، وهو أعدل المعادن على الإطلاق وأشرفها .ومن خواصه
أنه إذا دفن في الأرض ، لم يضره التراب ، ولم ينقصه شيئًا ، وبرادته إذا خلطت بالأدوية ، نفعت من
ضعف القلب ، والرجفان العارض من السوداء ، وينفع من حديث النفس ، والحزن ، والغم ، والفزع ،
والعشق ، ويسمن البدن ، ويقويه ، ويذهب الصفار ، ويحسن اللون ، وينفع من الجذام ، وجميع الأوجاع
والأمراض السوداوية ، ويدخل بخاصية في أدوية داء الثعلب ، وداء الحية شربًا وطلاء ، ويجلو العين
ويقويها ، وينفع من كثير من أمراضها ، ويقوي جميع الأعضاء .وإمساكه في الفم يزيل البخر ، ومن كان
به مرض يحتاج إلى الكي ، وكوي به ، لم يتنفط موضعه ، ويبرأ سريعًا ، وإن اتخذ منه مي ً لا واكتحل به ،
قوى العين وجلاها ، وإذا اتخذ منه خاتم فصه منه وأحمي ، وكوي به قوادم أجنحة الحمام ، ألفت
أبراجها ، ولم تنتقل عنها .وله خاصية عجيبة في تقوية النفوس ، لأجلها أبيح في الحرب والسلاح منه ما
أبيح ، وقد روى الترمذي من حديث مزيدة العصري رضي الله عنه ، قال : دخل رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم الفتح ،وعلى سيفه ذهب وفضة .
وهو معشوق النفوس التي متى ظفرت به ، سلاها عن غيره من محبوبات الدنيا ، قال تعالى : ﴿ زين للناس
حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث
﴾ ، [ آل عمران : 14 ] .وفي الصحيحين : عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لو كان لابن آدم واد
من ذهب لابتغى إليه ثانيًا ، ولو كان له ثان ، لابتغى إليه ثالثًا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ،
ويتوب الله على من تاب " .هذا وإنه أعظم حائل بين الخليقة وبين فوزها الأكبر يوم معادها ، وأعظم
www.maknoon.com 66 الطب النبوي
شئ عصي الله به ، وبه قطعت الأرحام ، وأريقت الدماء، واستحلت المحارم ، ومنعت الحقوق ، وتظالم
العباد ، وهو المرغب في الدنيا وعاجلها ، والمزهد في الآخرة وما أعده الله لأوليائه فيها ، فكم أميت به
من حق ، وأحيي به من باطل ، ونصر به ظالم ، وقهر به مظلوم ، وما أحسن ما قال فيه الحريري :
تبًا له من خادع مماذق أصفر ذي وجهين كالمنافق
يبدو بوصفين لعين الرامق زينة معشوق ولون عاشق
وحبه عند ذوي الحقائق يدعو إلى ارتكاب سخط الخالق
لولاه لم تقطع يمين السارق ولا بدت مظلمة من فاسق
ولا اشمأز باخل من طارق ولا اشتكى الممطول مطل العائق
ولا استعيذ من حسود راشق وشر ما فيه من الخلائق
أن ليس يغني عنك في المضايق إلا إذا فر فرار الآبق
حرف الراء
رطب:قال الله تعالى :﴿وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا*فكلي واشربي وقري عينا ﴾
[مريم : 25 ] .وفي الصحيحين عن عبد الله بن جعفر ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يأكل القثاء بالرطب .وفي سنن أبي داود عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على
رطبات قبل أن يصلي ، فإن لم تكن رطبات فتمرات ، فإن لم تكن تمرات ، حسا حسوات من ماء .طبع
الرطب طبع المياه حار رطب ، يقوي المعدة الباردة ويوافقها ، ويزيد في الباه ، ويخصب البدن ، ويوافق
أصحاب الأمزجة الباردة ويغذو غذاء كثيرًا .وهو من أعظم الفاكهة موافقة لأهل المدينة وغيرها من البلاد
التي هو فاكهتهم فيها ، وأنفعها للبدن ، وإن كان من لم يعتده يسرع التعفن في جسده ، ويتولد عنه دم
ليس بمحمود ، ويحدث في إكثاره منه صداع وسوداء ، ويؤذي أسنانه ، وإصلاحه بالسكنجبين
ونحوه .وفي فطر النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم عليه ، أو على التمر ، أو الماء تدبير لطيف جدًا ،
فإن الصوم يخلي المعدة من الغذاء ، فلا تجد الكبد فيها ما تجذبه وترسله إلى القوى والأعضاء ، والحلو
www.maknoon.com 67 الطب النبوي
أسرع شئ وصو ً لا إلى الكبد ، وأحبه إليها ، ولا سيما إن كان رطبًا ، فيشتد قبولها له ، فتنتفع به هي
والقوى ، فإن لم يكن ، فالتمر لحلاوته وتغذيته ، فإن لم يكن ، فحسوات الماء تطفئ لهيب المعدة ،
وحرارة الصوم ، فتتنبه بعده للطعام ، وتأخذه بشهوة .
ريحان :قال تعالى : ﴿ فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم ﴾ [ الواقعة : 88 ] . وقال
تعالى : ﴿ والحب ذو العصف والريحان ﴾[ الرحمن : 12 ] .وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه
وسلم : " من عرض عليه ريحان ، فلا يرده ، فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة " .وفي سنن ابن ماجه :
من حديث أسامة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ألا مشمر للجنة ، فإن الجنة
لا خطر لها ، هي ورب الكعبة ، نور يتلألأ ، وريحانة ﺗﻬتز ، وقصر مشيد ، وﻧﻬر مطرد وثمرة نضيجة ،
وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة في مقام أبدًا ، في حبرة ونضرة ، في دور عالية سليمة ﺑﻬتة ، قالوا :
نعم يا رسول الله ، نحن المشمرون لها قال : قولوا : إن شاء الله تعالى ، فقال القوم : إن شاء الله
" .الريحان كل نبت طيب الريح ، فكل أهل بلد يخصونه بشئ من ذلك ، فأهل الغرب يخصونه بالآس ،
وهو الذي يعرفه العرب من الريحان ، وأهل العراق والشام يخصونه بالحبق . فأما الآس ، فمزاجه بارد في
الأولى ، يابس في الثانية ، وهو مع ذلك مركب من قوى متضادة ، والأكثر فيه الجوهر الأرضي البارد ،
وفيه شئ حار لطيف ، وهو يجفف تجفيفًا قويًا ، وأجزاؤه متقاربة القوة ، وهي قوة قابضة حابسة من
داخل وخارج معًا .وهو قاطع للإسهال الصفراوي ، دافع للبخار الحار الرطب إذا شم ، مفرح للقلب
تفريحًا شديدًا ، وشمه مانع للوباء ، وكذلك افتراشه في البيت .ويبرئ الأورام الحادثة في الحالبين إذا وضع
عليها ، وإذا دق ورقه وهو غض وضرب بالخل ، ووضع على الرأس ، قطع الرعاف ، وإذا سحق ورقه
اليابس ، وذر على القروح ذوات الرطوبة نفعها ، ويقوي الأعضاء الواعية إذا ضمد به ، وينفع داء
الداحس ، وإذا ذر على البثور والقروح التي في اليدين والرجلين ، نفعها .وإذا دلك به البدن قطع العرق ،
ونشف الرطوبات الفضلية ، وأذهب نتن الإبط ، وإذا جلس في طبيخه ، نفع من خراريج المقعدة والرحم
، ومن استرخاء المفاصل ، وإذا صب على كسور العظام التي لم تلتحم ، نفعها .ويجلو قشور الرأس
وقروحه الرطبة ، وبثوره ، ويمسك الشعر المتساقط ويسوده ، وإذا دق ورقه ، وصب عليه ماء يسير ،
وخلط به شئ من زيت أو دهن الورد ، وضمد به ، وافق القروح الرطبة والنملة والحمرة ، والأورام
الحادة ، والشرى والبواسير .وحبه نافع من نفث الدم العارض في الصدر والرئة ، دابغ للمعدة وليس
www.maknoon.com 68 الطب النبوي
بضار للصدر ولا الرئة لجلاوته ، وخاصيته النفع من استطلاق البطن مع السعال ، وذلك نادر في الأدوية
، وهو مدر للبول ، نافع من لذغ المثانة وعض الرتيلاء ، ولسع العقارب ، والتخلل بعرقه مضر ،
فليحذر . وأما الريحان الفارسي الذي يسمى الحبق ، فحار في أحد القولين ، ينفع شمه من الصداع الحار
إذا رش عليه الماء ، ويبرد ، ويرطب بالعرض ، وبارد في الاخر ، وهل هو رطب أو يابس ؟ على قولين .
والصحيح : أن فيه من الطبائع الأربع ، ويجلب النوم ،وبزره حابس للإسهال الصفراوي ، ومسكن
للمغص ، مقو للقلب ، نافع للأمراض السوداوية .
رمان :قال تعالى : ﴿ فيهما فاكهة ونخل ورمان ﴾[ الرحمن : 68 ] . ويذكر عن ابن عباس موقوفًا
ومرفوعًا : " ما من رمان من رمانكم هذا إلا وهو ملقح بحبة من رمان الجنة " والموقوف أشبه . وذكر
حرب وغيره عن علي أنه قال : كلوا الرمان بشحمه ، فإنه دباغ المعدة .حلو الرمان حار رطب ، جيد
للمعدة ، مقو لها بما فيه من قبض لطيف ، نافع للحلق والصدر والرئة ، جيد للسعال ، ماؤه ملين للبطن،
يغذو البدن غذاءًا فاض ً لا يسيرًا ، سريع التحلل لرقته ولطافته ، ويولد حرارة يسيرة في المعدة وريحًا
،ولذلك يعين على الباه ،ولا يصلح للمحمومين،وله خاصية عجيبة إذا أكل بالخبز يمنعه من الفساد في
المعدة وحامضه بارد يابس ، قابض لطيف ، ينفع المعدة الملتهبة ، ويدر البول أكثر من غيره من الرمان ،
ويسكن الصفراء ، ويقطع الإسهال ، ويمنع القئ ، ويلطف الفضول .ويطفئ حرارة الكبد ويقوي
الأعضاء ، نافع من الخفقان الصفراوي ، والآلام العارضة للقلب ، وفم المعدة ، ويقوي المعدة ، ويدفع
الفضول عنها ، ويطفئ المرة الصفراء والدم .وإذا استخرج ماؤه بشحمه ، وطبخ بيسير من العسل حتى
يصير كالمرهم واكتحل به ، قطع الصفرة من العين ، ونقاها من الرطوبات الغليظة ، وإذا لطخ على اللثة
، نفع من الأكلة العارضة لها ، وإن استخرج ماؤهما بشحمهما ، أطلق البطن ، وأحدر الرطوبات العفنة
المرية ، ونفع من حميات الغب المتطاولة .وأما الرمان المز ، فمتوسط طبعًا وفع ً لا بين النوعين ، وهذا أميل
إلى لطافة الحامض قلي ً لا ، وحب الرمان مع العسل طلاء للداحس والقروح الخبيثة ، وأقماعه للجراحات ،
قالوا : ومن ابتلع ثلاثة من جنبذ الرمان في كل سنة ، أمن من الرمد سنته كلها .
حرف الزاي
www.maknoon.com 69 الطب النبوي
زيت :قال تعالى:﴿يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه
نار ﴾ [ النور : 35 ] . وفي الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه،عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال:" كلوا الزيت وادهنوا به ، فإنه من شجرة مباركة "
وللبيهقي وابن ماجه أيضًا : عن ابن عمر رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
ائتدموا بالزيت ، وادهنوا به ، فإنه من شجرة مباركة " .الزيت حار رطب في الأولى ، وغلط من قال :
يابس ، والزيت بحسب زيتونه ، فالمعتصر من النضيج أعدله وأجوده ، ومن الفج فيه برودة ويبوسة ، ومن
الزيتون الأحمر متوسط بين الزيتين ، ومن الأسود يسخن ويرطب باعتدال ، وينفع من السموم ، ويطلق
البطن ، ويخرج الدود ، والعتيق منه أشد تسخينًا وتحلي ً لا ، وما استخرج منه بالماء ، فهو أقل حرارة ،
وألطف وأبلغ في النفع ، وجميع أصنافه ملينة للبشرة ، وتبطئ الشيب .وماء الزيتون المالح يمنع من تنفط
حرق النار ، ويشد اللثة ، وورقه ينفع من الحمرة ، والنملة ، والقروح الوسخة ، والشرى ، ويمنع العرق
، ومنافعه أضعاف ما ذكرنا .
زبد :روى أبو داود في سننه ، عن ابني بسر السلميين رضي الله عنهما قالا : دخل علينا رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، فقدمنا له زبدًا وتمرًا ، وكان يحب الزبد والتمر .الزبد حار رطب ، فيه منافع كثيرة ،
منها الإنضاج والتحليل ، ويبرئ الأورام التي تكون إلى جانب الأذنين والحالبين ، وأورام الفم ، وسائر
الأورام التي تعرض في أبدان النساء والصبيان إذا استعمل وحده ، وإذا لعق منه ، نفع في نفث الدم الذي
يكون من الرئة ، وأنضج الأورام العارضة فيها .وهو ملين للطبيعة والعصب والأورام الصلبة العارضة من
المرة السوداء والبلغم ، نافع من اليبس العارض في البدن ، واذا طلي به على منابت أسنان الطفل ، كان
معينًا على نباﺗﻬا وطلوعها ، وهو نافع من السعال العارض من البرد واليبس ، ويذهب القوباء والخشونة
التي في البدن ، ويلين الطبيعة ، ولكنه يضعف شهوة الطعام ، ويذهب بوخامته الحلو ، كالعسل والتمر ،
وفي جمعه صلى الله عليه وسلم بين التمر وبينه من الحكمة إصلاح كل منهما بالآخر .
زبيب : روي فيه حديثان لا يصحان . أحدهما : " نعم الطعام الزبيب يطيب النكهة ، ويذيب البلغم " .
www.maknoon.com 70 الطب النبوي
والثاني : " نعم الطعام الزبيب يذهب النصب ، ويشد العصب ، ويطفئ الغضب ، ويصفي اللون ،
ويطيب النكهة " وهذا أيضًا لا يصح فيه شئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .وبعد : فأجود الزبيب
ما كبر جسمه ، وسمن شحمه ولحمه ، ورق قشره ، ونزع عجمه ، وصغر حبه .وجرم الزبيب حار
رطب في الأولى ، وحبه بارد يابس ، وهو كالعنب المتخذ منه ، : الحلو منه الحار ، والحامض قابض بارد
، والأبيض أشد قبضًا من غيره ، واذا أكل لحمه ، وافق قصبة الرئة ، ونفع من السعال ، ووجع الكلى ،
والمثانة ، ويقوي المعدة ، ويلين البطن والحلو اللحم أكثر غذاء من العنب ، وأقل غذاء من التين اليابس ،
وله قوة منضجة هاضمة قابضة محللة باعتدال ، وهو بالجملة يقوي المعدة والكبد والطحال ، نافع من
وجع الحلق والصدر والرئة والكلى والمثانة ، وأعدله أن يؤكل بغير عجمه .وهو يغذي غذاء صالحًا ، ولا
يسدد كما يفعل التمر ، وإذا أكل منه بعجمه كان أكثر نفعًا للمعدة والكبد والطحال ، وإذا لصق لحمه
على الأظافير المتحركة . أسرع قلعها ، والحلو منه وما لا عجم له نافع لأصحاب الرطوبات والبلغم ،
وهو يخصب الكبد ، وينفعها بخاصيه .وفيه نفع للحفظ : قال الزهري : من أحب أن يحفظ الحديث ،
فليأكل الزبيب ، وكان المنصور يذكر عن جده عبد الله بن عباس : عجمه داء ، ولحمه دواء .
زنجبيل :قال تعالى : ﴿ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ﴾ [ الإنسان : 17 ] . وذكر أبو نعيم
في كتاب الطب النبوي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : أهدى ملك الروم إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم جرة زنجبيل ، فأطعم كل إنسان قطعة ، وأطعمني قطعة .الزنجبيل حار في الثانية ،
رطب في الأولى ، مسخن معين على هضم الطعام ، ملين للبطن تليينًا معتد ً لا ، نافع من سدد الكبد
العارضة عن البرد والرطوبة ، ومن ظلمة البصر الحادثة عن الرطوبة أك ً لا واكتحا ً لا ، معين على الجماع ،
وهو محلل للرياح الغليظة الحادثة في الأمعاء والمعدة .وبالجملة فهو صالح للكبد والمعدة الباردتي المزاج ،
وإذا أخذ منه مع السكر وزن درهمين بالماء الحار ، أسهل فضو ً لا لزجة لعابية، ويقع في المعجونات التي
تحلل البلغم وتذيبه .والمزي منه حار يابس يهيج الجماع ، ويزيد في المني ، ويسخن المعدة والكبد ، ويعين
على الإستمراء ، وينشف البلغم الغالب على البدن ويزيد في الحفظ ، ويوافق برد الكبد والمعدة ، ويزيل
بلتها الحادثة عن أكل الفاكهة ، ويطيب النكهة ، ويدفع به ضرر الأطعمة الغليظة الباردة .
www.maknoon.com 71 الطب النبوي
حرف السين
سنا :قد تقدم ، وتقدم سنوت أيضًا ، وفيه سبعة أقوال ، أحدها : أنه العسل .الثاني : أنه رب عكة
السمن يخرج خططًا سوداء على السمن . الثالث : أنه حب يشبه الكمون ، وليس بكمون . الرابع :
الكمون الكرماني . الخامس : أنه الشبت ، السادس : أنه التمر . السابع : أنه الرازيانج .
سفرجل :روى ابن ماجه في سننه : من حديث إسماعيل بن محمد الطلحي ، عن نقيب بن حاجب ، عن
أبي سعيد ، عن عبد الملك الزبيري ، عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال:دخلت على النبي صلى الله
عليه وسلم وبيده سفرجلة ، فقال :" دونكها يا طلحة ، فإﻧﻬا تجم الفؤاد " .
ورواه النسائي من طريق آخر ، وقال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في جماعة من أصحابه ،
وبيده سفرجلة يقلبها ، فلما جلست إليه ، دحا ﺑﻬا إلي ثم قال : " دونكها أبا ذر ، فإﻧﻬا تشد القلب ،
وتطيب النفس ، وتذهب بطخاء الصدر " .وقد روي في السفرجل أحاديث أخر ، هذا أمثلها ، ولا
تصح .والسفرجل بارد يابس ، ويختلف في ذلك باختلاف طعمه ، وكله بارد قابض ، جيد للمعدة ،
والحلو منه أقل برودة ويبسًا ، وأميل إلى الإعتدال ، والحامض أشد قبضًا ويبسًا وبرودة ، وكله يسكن
العطس والقئ ، ويدر البول ، ويعقل الطبع ،وينفع من قرحة الأمعاء ،ونفث الدم ،والهيضة ،وينفع من
الغثيان ،ويمنع من تصاعد الأبخرة إذا استعمل بعد الطعام ، وحراقة أغصانه وورقه المغسولة كالتوتياء في
فعلها .
وهو قبل الطعام يقبض ، وبعده يلين الطبع ، ويسرع بانحدار الثفل ، والإكثار منه مضر بالعصب ، مولد
للقولنج ، ويطفئ المرة الصفراء المتولدة في المعدة .وإن شوي كان أقل لخشونته ، وأخف ، وإذا قور
وسطه ، ونزع حبه ، وجعل فيه العسل ، وطين جرمه بالعجين ، وأودع الرماد الحار ، نفع نفعًا
حسنًا .وأجود ما أكل مشويًا أو مطبوخًا بالعسل ، وحبه ينفع من خشونة الحلق ، وقصبة الرئة ، وكثير
من الأمراض ، ودهنه يمنع العرق ، ويقوي المعدة ، والمربى منه يقوي المعدة والكبد ، ويشد القلب ،
ويطيب النفس .ومعنى تجم الفؤاد : تريحه . وقيل : تفتحه وتوسعه ، من جمام الماء ، وهو اتساعه وكثرته
، والطخاء للقلب مثل الغيم على السماء. قال أبو عبيد : الطخاء ثقل وغشي ، تقول : ما في السماء
طخاء ، أي : سحاب وظلمة .
www.maknoon.com 72 الطب النبوي
سواك :في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم : " لو لا أن أشق على أمتي لأمرﺗﻬم بالسواك عند كل
صلاة " .وفيهما : أنه صلى الله عليه وسلم ، كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك .وفي صحيح
البخاري تعليقًا عنه صلى الله عليه وسلم : " السواك مطهرة للفم مرضاة للرب " .وفي صحيح مسلم :
أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل بيته ، بدأ بالسواك .والأحاديث فيه كثيرة ، وصح عنه من حديث
أنه استاك عند موته بسواك عبد الرحمن بن أبي بكر ، وصح عنه أنه قال : " أكثرت عليكم في السواك
" .وأصلح ما اتخذ السواك من خشب الأراك ونحوه ، ولا ينبغي أن يؤخذ من شجرة مجهولة ، فربما
كانت سمًا ، وينبغي القصد في استعماله ، فإن بالغ فيه ، فربما أذهب طلاوة الأسنان وصقالتها ، وهيأها
لقبول الأبخرة المتصاعدة من المعدة والأوساخ ، ومتى استعمل باعتدال ، جلا الأسنان ، وقوى العمود ،
وأطلق اللسان ، ومنع الحفر ، وطيب النكهة ، ونقى الدماغ وشهى الطعام .وأجود ما استعمل مبلو ً لا بماء
الورد ، ومن أنفعه أصول الجوز ، قال صاحب التيسير : زعموا أنه إذا استاك به المستاك كل خامس من
الأيام ، نقى الرأس ، وصفى الحواس ، وأحد الذهن .وفي السواك عدة منافع : يطيب الفم ، ويشد اللثة ،
ويقطع البلغم ، ويجلو البصر ، ويذهب بالحفر ، ويصح المعدة ، ويصفي الصوت ، ويعين على هضم
الطعام ، ويسهل مجاري الكلام ، وينشط للقراءة ، والذكر والصلاة ، ويطرد النوم ، ويرضي الرب ،
ويعجب الملائكة ، ويكثر الحسنات ويستحب كل وقت ، ويتأكد عند الصلاة والوضوء ، والإنتباه من
النوم ، وتغيير رائحة الفم ، ويستحب للمفطر والصائم في كل وقت لعموم الأحاديث فيه ، ولحاجة
الصائم إليه ، ولأنه مرضاة للرب ، ومرضاته مطلوبة في الصوم أشد من طلبها في الفطر ، ولأنه مطهرة
للفم ، والطهور للصائم من أفضل أعماله وفي السنن : عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه ، قال :رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يستاك ،وهو صائم وقال البخاري:قال ابن عمر : يستاك
أول النهار وآخره .وأجمع الناس على أن الصائم يتمضمض وجوبًا واستحبابًا ، والمضمضة أبلغ من
السواك ، وليس لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة ، ولا هي من جنس ما شرع التعبد به ، وإنما
ذكر طيب الخلوف عند الله يوم القيامة حثًا منه على الصوم ، لا حثًا على إبقاء الرائحة ، بل الصائم
أحوج إلى السواك من المفطر .وأيضًا فإن رضوان الله أكبر من استطابته لخلوف فم الصائم .وأيضًا فإن
محبته للسواك أعظم من محبته لبقاء خلوف فم الصائم .وأيضًا فإن السواك لا يمنع طيب الخلوف الذي
يزيله السواك عند الله يوم القيامة ، بل يأتي الصائم يوم القيامة ، وخلوف فمه أطيب من المسك علامة
www.maknoon.com 73 الطب النبوي
على صيامه ، ولو أزاله بالسواك ، كما أن الجريح يأتي يوم القيامة ، ولون دم جرحه لون الدم ، وريحه
ريح المسك ، وهو مأمور بإزالته في الدنيا .وأيضًا فإن الخلوف لا يزول بالسواك ، فإن سببه قائم ، وهو
خلو المعدة عن الطعام ، وإنما يزول أثره ، وهو المنعقد على الأسنان واللثة .وأيضًا فإن النبي صلى الله عليه
وسلم علم أمته ما يستحب لهم في الصيام ، وما يكره لهم ، ولم يجعل السواك من القسم المكروه ، وهو
يعلم أﻧﻬم يفعلونه ، وقد حضهم عليه بأبلغ ألفاظ العموم والشمول ، وهم يشاهدونه يستاك وهو صائم
مرارًا كثيرة تفوت الإحصاء ، ويعلم أﻧﻬم يقتدون به ، ولم يقل لهم يومًا من الدهر : لا تستاكوا بعد
الزوال ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع ، والله أعلم .
سمن :روى محمد بن جرير الطبري بإسناده ، من حديث صهيب يرفعه : " عليكم بألبان البقر ، فإﻧﻬا
شفاء ، وسمنها دواء ، ولحومها داء " رواه عن أحمد بن الحسن الترمذي ، حدثنا محمد بن موسى النسائي
، حدثنا دفاع بن دغفل السدوسي ، عن عبد الحميد بن صيفي بن صهيب ، عن أبيه عن جده ، ولا
يثبت ما في هذا الإسناد .والسمن حار رطب في الأولى ، وفيه جلاء يسير ، ولطافة وتفشية الأورام
الحادثة من الأبدان الناعمة ، وهو أقوى من الزبد في الإنضاج والتليين ، وذكر جالينوس : أنه أبرأ به
الأورام الحادثة في الأذن ، وفي الأرنبة ، وإذا دلك به موضع الأسنان ، نبتت سريعًا ، وإذا خلط مع عسل
ولوز مر ، جلا ما في الصدر والرئة ، والكيموسات الغليظة اللزجة ، إلا أنه ضار بالمعدة ، سيما إذا كان
مزاج صاحبها بلغميًا .وأما سمن البقر والمعز ، فإنه إذا شرب مع العسل نفع من شرب السم القاتل ومن
لدغ الحيات والعقارب ، وفي كتاب ابن السني ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لم يستشف
الناس بشئ أفضل من السمن .
سمك :روى الإمام أحمد بن حنبل ، وابن ماجه في سننه : من حديث عبد الله بن عمر ، عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال : " أحلت لنا ميتتان ودمان : السمك والجراد ، والكبد والطحال " .
أصناف السمك كثيرة ، وأجوده ما لذ طعمه ، وطاب ريحه ، وتوسط مقداره ، وكان رقيق القشر ، ولم
يكن صلب اللحم ولا يابسه ، وكان في ماء عذب حار على الحصباء ، ويغتذي بالنبات لا الأقذار ،
www.maknoon.com 74 الطب النبوي
وأصلح أماكنه ما كان في ﻧﻬر جيد الماء ، وكان يأوي إلى الأماكن الصخرية ، ثم الرملية ، والمياه الجارية
العذبة التي لا قذر فيها ، ولا حمأة ، الكثيرة الإضطراب والتموج ، المكشوفة للشمس والرياح .والسمك
البحري فاضل ، محمود ، لطيف ، والطري منه بارد رطب ، عسر الإﻧﻬضام ، يولد بلغمًا كثيرًا ، إلا
البحري وما جرى مجراه، فانه يولد خلطًا محمودًا ، وهو يخصب البدن ، ويزيد في المني ، ويصلح الأمزجة
الحارة .وأما المالح ، فأجوده ما كان قريب العهد بالتملح ، وهو حار يابس ، وكلما تقادم عهده ازداد
حره ويبسه ، والسلور منه كثير اللزوجة ، ويسمى الجري ، واليهود لا تأكله ، وإذا أكل طريًا ، كان
ملينًا للبطن ، وإذا ملح وعتق وأكل ، صفى قصبة الرئة، وجود الصوت ، وإذا دق ووضع من خارج ،
أخرج السلى والفضول من عمق البدن من طريق أن له قوة جاذبة .وماء ملح الجري المالح إذا جلس فيه
من كانت به قرحة الأمعاء في ابتداء العلة ، وافقه بجذبه المواد إلى ظاهر البدن ، واذا احتقن به ، أبرأ من
عرق النسا .وأبرد ما في السمك ما قرب من مؤخرها ، والطري السمين منه يخصب البدن لحمه
وودكه . وفي الصحيحين : من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : بعثنا النبي صلى الله عليه
وسلم في ثلاثمائة راكب ، وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح ، فأتينا الساحل ، فأصابنا جوع شديد ، حتى
أكلنا الخبط ، فألقى لنا البحر حوتًا يقال لها : عنبر ، فأكلنا منه نصف شهر ، وائتدمنا بودكه حتى ثابت
أجسامنا ، فأخذ أبو جميدة ضلعًا من أضلاعه ، وحمل رج ً لا على بعيره ، ونصبه ، فمر تحته .
سلق :روى الترمذي وأبو داود ، عن أم المنذر ، قالت : " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومعه علي رضي الله عنه، ولنا دوال معلقة ، قالت : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل وعلي
معه يأكل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مه يا علي فإنك ناقه ، قالت : فجعلت لهم سلقًا
وشعيرًا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا علي فأصب من هذا ، فإنه أوفق لك " . قال الترمذي :
حديث حسن غريب .السلق حار يابس في الأولى ، وقيل : رطب فيها ، وقيل : مركب منهما ، وفيه
برودة ملطفة ، وتحليل . وتفتيح ، وفي الأسود منه قبض ونفع من داء الثعلب ، والكلف ، والحزاز ،
والثآليل إذا طلي بمائه ، ويقتل القمل ، ويطلى به القوباء مع العسل ، ويفتح سدد الكبد والطحال ،
وأسوده يعقل البطن ، ولا سيما مع العدس ، وهما رديئان . والأبيض : يلين مع العدس ، ويحقن بمائه
للإسهال ، وينفع من القولنج مع المري والتوابل ، وهو قليل الغذاء ، رديء الكيموس ، يحرق الدم ،
ويصلحه الخل والخردل ، والإكثار منه يولد القبض والنفخ .
www.maknoon.com 75 الطب النبوي
حرف الشين
شونيز :هو الحبة السوداء ، وقد تقدم في حرف الحاء .
شبرم : روى الترمذي ، وابن ماجه في سننهما : من حديث أسماء بن عميس ، قالت : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " بماذا كنت تستمشين ؟ قالت : بالشبرم . قال : حار جار " .
الشبرم شجر صغير وكبير ، كقامة الرجل وأرجح ، له قضبان حمر ملمعة ببياض ، وفي رؤوس قضبانه
جمة من ورق ، وله نور صغار أصفر إلى البياض ، يسقط ويخلفه مراود صغار فيها حب صغير مثل البطم
، قي قدره ، أحمر اللون ، ولها عروق عليها قشور حمر ، والمستعمل منه قشر عروقه ، ولبن قضبانه .وهو
حار يابس في الدرجة الرابعة ، ويسهل السوداء ، والكيموسات الغليظة ، والماء الأصفر ، والبلغم ،
مكرب ، مغث ، والإكثار منه يقتل ، وينبغي إذا استعمل أن ينقع في اللبن الحليب يومًا وليلة ، ويغير
عليها اللبن في اليوم مرتين أو ثلاثًا ، ويخرج ، ويجفف في الظل ، ويخلط معه الورود والكثيراء ، ويشرب
بماء العسل ، أو عصير العنب ، والشربة منه ما بين أربع دوانق على حسب القوة ،
قال حنين : أما لبن الشبرم ، فلا خير فيه ، ولا أرى شربه البتة ، فقد قتل به أطباء الطرقات كثيرًا من
الناس
شعير :روى ابن ماجه : من حديث عائشة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أحدًا
من أهله الوعك ، أمر بالحساء من الشعير ، فصنع ، ثم أمرهم فحسوا منه ، ثم يقول : " إنه ليرتو فؤاد
الحزين ويسرو فؤاد السقيم كما تسروا إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها " . ومعنى يرتوه : يشده
ويقويه . ويسرو ، يكشف ، ويزيل وقد تقدم أن هذا هو ماء الشعير المغلي ، وهو أكثر غذاء من سويقه
، وهو نافع للسعال ، وخشونة الحلق ، صالح لقمع حدة الفضول ، مدر للبول ، جلاء لما في المعدة ،
قاطع للعطس ، مطفئ للحرارة ، وفيه قوة يجلو ﺑﻬا ويلطف ويحلل .وصفته : أن يؤخذ من الشعير الجيد
المرضوض مقدار ، ومن الماء الصافي العذب خمسة أمثاله ، ويلقى في قدر نظيف ، ويطبخ بنار معتدلة إلى
أن يبقى منه خمساه ، ويصفى ، ويستعمل منه مقدار الحاجة مح ً لا .
www.maknoon.com 76 الطب النبوي
شواء : قال الله تعالى في ضيافة خليله إبراهيم عليه السلام لأضيافه : ﴿ فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ﴾
[ هود : 69 ] والحنيذ : المشوي على الرضف ، وهي الحجارة المحماة .
وفي الترمذي : عن أم سلمة رضي الله عنها ، أﻧﻬا قربت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جنبًا مشويًا ،
فأكل منه ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ. قال الترمذي : حديث صحيح .وفيه أيضًا : عن عبد الله بن
الحارث قال : أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شواء في المسجد . وفيه أيضًا : عن المغيرة بن
شعبة قال : ضفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فأمر بجنب ، فشوي ، ثم أخذ الشفرة
، فجعل يحز لي ﺑﻬا منه ، قال فجاء بلال يؤذن للصلاة ، فألقى الشفرة فقال : " ما له تربت يداه " .أنفع
الشواء شواء الضأن الحولي ، ثم العجل اللطيف السمين ، وهو حار رطب إلى اليبوسة ، كثير التوليد
للسوداء ، وهو من أغذية الأقوياء والأصحاء والمرتاضين ، والمطبوخ أنفع وأخف على المعدة ، وأرطب
منه ، ومن المطجن .وأردؤه المشوي في الشمس ، والمشوي على الجمر خير من المشوي باللهب ، وهو
الحنيذ .
شحم :ثبت في المسند : عن أنس ، ان يهوديًا أضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقدم له خبز
شعير وإهالة سنخة ، والإهالة : الشحم المذاب ، والألية ، والسنخة : المتغيرة .وثبت في الصحيح : عن
عبد الله بن مغفل ، قال : دلي جراب من شحم يوم خيبر ، فالتزمته وقلت : والله لا أعطي أحدًا منه شيئًا
فالتفت ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك ، ولم يقل شيئًا .أجود الشحم ما كان من حيوان
مكتمل ، وهو حار رطب ، وهو أقل رطوبة من السمن ، ولهذا لو أذيب الشحم والسمن كان الشحم
أسرع جمودًا ، وهو ينفع من خشونة الحلق ، ويرخي ويعفن ، ويدفع ضرره بالليمون المملوح ، والزنجبيل
، وشحم المعز أقبض الشحوم ، وشحم التيوس أشد تحلي ً لا ، وينفع من قروح الأمعاء وشحم العتر أقوى
في ذلك ، ويحتقن به للسحج والزحير .
حرف الصاد
www.maknoon.com 77 الطب النبوي
صلاة :قال الله تعالى:﴿واستعينوا بالصبر والصلاة وإﻧﻬا لكبيرة إلا على الخاشعين﴾ [ البقرة : 45 ]﴿يا
أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين﴾ [ البقرة : 153 ]وقال تعالى :﴿ وأمر
أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ﴾ [ طه : 132 ] .وفي
السنن : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا حزبه أمر ، فزع إلى الصلاة .وقدم تقدم ذكر
الإستشفاء بالصلاة من عامة الأوجاع قبل استحكامها .
والصلاة مجلبة للرزق ، حافظة للصحة ، دافعة للاذى ، مطردة للأدواء ، مقوية للقلب ، مبيضة للوجه ،
مفرحة للنفس ، مذهبة للكسل ، منشطة للجوارح ، ممدة للقوى ، شارحة للصدر مغذية للروح ، منورة
للقلب ، حافظة للنعمة ، دافعة للنقمة ، جالبة للحركة ، مبعدة من الشيطان ، مقربة من
الرحمن .وبالجملة : فلها تأثير عجيب في حفظ صحة البدن والقلب ، وقواهما ودفع المواد الرديئة عنهما ،
وما ابتلي رجلان بعاهة أو داء أو محنة أو بلية إلا كان حظ المصلي منهما أقل ، وعاقبته أسلم .وللصلاة
تأثير عجيب في دفع شرور الدنيا ، ولا سيما إذا أعطيت حقها من التكميل ظاهرًا وباطنًا ، فما استدفعت
شرور الدنيا والآخرة ، ولا استجلبت مصالحهما بمثل الصلاة ، وسر ذلك أن الصلاة صلة بالله عز وجل ،
وعلى قدر صلة العبد بربه عز وجل تفتح عليه من الخيرات أبواﺑﻬا ، وتقطع عنه من الشرور أسباﺑﻬا ،
وتفيض عليه مواد التوفيق من ربه عز وجل ، والعافية والصحة ، والغنيمة والغنى ، والراحة والنعيم ،
والأفراح والمسرات ، كلها محضرة لديه ، ومسارعة إليه .
صبر :" الصبر نصف الإيمان " ، فإنه ماهية مركبة من صبر وشكر ، كما قال بعض السلف : الإيمان
نصفان : نصف صبر ، ونصف شكر ، قال تعالى : ﴿ إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ﴾
[ إبراهيم : 5 ] والصبر من الإيمان بمترلة الرأس من الجسد ، وهو ثلاثة أنواع : صبر على فرائض الله ،
فلا يضيعها ، وصبر عن محارمه ، فلا يرتكبها وصبر على أقضيته وأقداره ، فلا يتسخطها ، ومن استكمل
هذه المراتب الثلاث ، استكمل الصبر ، ولذة الدنيا والآخرة ونعيمها ، والفوز والظفر فيهما ، لا يصل
إليه أحد إلا على جسر الصبر ، كما لا يصل أحد إلى الجنة إلا على الصراط ، قال عمر بن الخطاب
رضي الله عنه : خير عيش أدركناه بالصبر . وإذا تأملت مراتب الكمال المكتسب في العالم ، رأيتها كلها
منوطة بالصبر ، وإذا تأملت النقصان الذي يذم صاحبه عليه ، ويدخل تحت قدرته ، رأيته كله من عدم
الصبر ، فالشجاعة والعفة ، والجود والإيثار كله صبر ساعة .
www.maknoon.com 78 الطب النبوي
فالصبر طلسم على كتر العلى من حل ذا الطلسم فاز بكتره وأكثر أسقام البدن والقلب ، إنما تنشأ من
عدم الصبر ، فما حفظت صحة القلوب والأبدان والأرواح بمثل الصبر ، فهو الفاروق الأكبر ، والترياق
الأعظم ، ولو لم يكن فيه إلا معية الله مع أهله ، فإن الله مع الصابرين ومحبته لهم ، فإن الله يحب الصابرين
، ونصره لأهله ، فإن النصر مع الصبر ، وإنه خير لأهله ، ﴿ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ﴾ [ النحل :
126 ] ، وإنه سبب الفلاح : ﴿ يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون

. [ [ آل عمران : 200
صبر :روى أبو داود في كتاب المراسيل من حديث قيس بن رافع القيسي ، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال : " ماذا في الأمرين من الشفاء ؟ الصبر والثفاء " . وفي السنن لأبي داود : من حديث أم سلمة
، قالت : " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة ، وقد جعلت علي صبرًا ،
فقال : ماذا يا أم سلمة ؟ فقلت : إنما هو صبر يا رسول الله ، ليس فيه طيب ، قال : إنه يشب الوجه ،
فلا تجعليه إلا بالليل " وﻧﻬى عنه بالنهار .الصبر كثير المنافع ، لا سيما الهندي منه ، ينقي الفضول
الصفراوية التي في الدماغ وأعصاب البصر ، وإذا طلي على الجبهة والصدغ بدهن الورد ، نفع من
الصداع ، وينفع من قروح الأنف والفم ، ويسهل السوداء والماليخوليا والصبر الفارسي يذكي العقل ،
ويمد الفؤاد ، وينقي الفضول الصفراوية والبلغمية من المعدة إذا شرب منه ملعقتان بماء ، ويرد الشهوة
الباطلة والفاسدة ، وإذا شرب في البرد ، خيف أن يسهل دمًا .
صوم :الصوم جنة من أدواء الروح والقلب والبدن ، منافعه تفوت الإحصاء ، وله تأثير عجيب في حفظ
الصحة ، وإذابة الفضلات ، وحبس النفس عن تناول مؤذياﺗﻬا ، ولا سيما إذا كان باعتدال وقصد في
أفضل أوقاته شرعًا ، وحاجة البدن إليه طبعًا .ثم إن فيه من إراحة القوى والأعضاء ما يحفظ عليها قواها ،
وفيه خاصية تقتضي إيثاره ، وهي تفريحه للقلب عاج ً لا وآج ً لا ، وهو أنفع شئ لأصحاب الأمزجة الباردة
والرطبة ، وله تأثير عظيم في حفظ صحتهم .وهو يدخل في الأدوية الروحانية والطبيعية ، وإذا راعى
الصائم فيه ما ينبغي مراعاته طبعًا وشرعًا ، عظم انتفاع قلبه وبدنه به ، وحبس عنه المواد الغريبة الفاسدة
www.maknoon.com 79 الطب النبوي
التي هو مستعد لها ، وأزال المواد الرديئة الحاصلة بحسب كماله ونقصانه ، ويحفظ الصائم مما ينبغي أن
يتحفظ منه ، ويعينه على قيامه بمقصود الصوم وسره وعلته الغائية ، فإن القصد منه أمر آخر وراء ترك
الطعام والشراب، وباعتبار ذلك الأمر اختص من بين الأعمال بأنه لله سبحانه ، ولما كان وقاية وجنة بين
العبد وبين ما يؤذي قلبه وبدنه عاج ً لا وآج ً لا ، قال الله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام
كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ﴾[ البقرة : 183 ]، فأحد مقصودي الصيام الجنة
والوقاية ، وهي حمية عظيمة النفع ، والمقصود الآخر:اجتماع القلب والهم على الله تعالى ، وتوفير قوى
النفس على محابه وطاعته ، وقد تقدم الكلام في بعض أسرار الصوم عند ذكر هديه صلى الله عليه وسلم
فيه .