abla
2007-12-30, 12:42
ظاهرة الجماعات الدينية المتشددة في الولايات المتحدة
علق قسيس متحمس ومؤمن على جدار كنيسته إعلانا ضخما كتب عليه «يسوع هو الحل» وهو ما يذكرنا بشعار مماثل ومعروف لدينا، حين صحا القس اكتشف ان فريقا من الصبية المتهكمين كتبوا تحت الإعلان: - ولكن ما هو السؤال؟
وفقا لنتائج الاستطلاع التي أجرتها مؤسسة «جالوب» الشهيرة خلصت إلى أن الشعب الأمريكي (عكس ما هو شائع) عموما شعب متدين ويقدس القيم الدينية، وأوردوا أن هذه الروح المحافظة التي سادت أمريكا منذ بداية السبعينيات تكمن وراء انتخاب رؤساء (محافظين أو متدينين) أمريكا الأربعة الأخيرين (مع استثناء بيل كلينتون) وهم جيمي كارتر (1976- 1980) ورونالد ريغان (1980-1988) وجورج بوش الأب (1988- 1992) وأخيرا الرئيس الحالي جورج بوش الابن (2000---)كما أن أول زعيم اسود رشح نفسه في انتخابات الرئاسة هو رجل الدين القس جيسي جاكسون . المفارقة هنا أن ذلك يحدث في بلد ينص دستوره على فصل الدين عن الدولة، وفي مجتمع تسوده قيم التقدم والحداثة والحرية والديمقراطية وحتى الإباحية بمقاييس متعددة، لذا ليس صدفة أن تحمل عملة هذا البلد عبارة دينية . والسؤال هو: إذا كان المجتمع الأمريكي متدينا لماذا هذا التفريخ المستمر للجماعات المتطرفة دينيا، وهل الدين يقود بالضرورة إلى التشدد ثم التطرف، أم أن التطرف هو النقيض للطابع الديني، وبالتالي فان التشدد في الدين ونزعة التطرف هما وجهان لعملة واحدة؟
حين وقع انفجار المبنى الفيدرالي في أوكلاهوما سيتي (1995) والذي أدى إلى مقتل وجرح المئات من الأمريكيين، أثار ردود فعل سريعة وتلقائية لدى المسئولين وأجهزة الإعلام والرأي العام الأمريكي الذي حمل مباشرة العرب والمسلمين مسؤولية ما جرى، إلى أن تكشفت الجهة المسئولة الضالعة في تلك العملية الإرهابية، وتبين بان المتهم الرئيس هو رجل ابيض ومسيحي «تيمبو ما كفي» جديد، وقد نفذ فيه حكم الإعدام لاحقا، وأفادت التحقيقات انه ينتمي إلى إحدى المليشيات شبه إذا كان المجتمع الأمريكي متديناً لماذا هذا
التفريخ المستمر للجماعات المتطرفة دينياً العسكرية «ميليشيا ميتشجن» وهو ما مثل صدمة للأمريكيين، وجعلهم ينتبهون إلى حقيقة أن التطرف والإرهاب مستوطن لديهم، وبالتالي فهو ظاهرة عامة لا تتعلق بدين أو عرق أو ثقافة بعينها، وان ما حصل ليس حادثاً عرضياً أو الاستثناء في الحياة الأمريكية. الواقع الأمريكي يشير إلى انفلات الأمن وتصاعد العنف (الفردي والجماعي) والذي يتمثل في تزايد معدلات الجريمة وإطلاق النار على تجمعات المدنيين من الموظفين والعمال، وطلاب وطالبات المدارس الابتدائية والثانوية والجامعات، غير أن الأخطر هو نشوء وتزايد حضور وتأثير المليشيات العسكرية وشبه العسكرية والمنظمات المتشددة والمنغلقة والغرائبية الذي أصبح ظاهرة عامة وملحوظة في الحياة الأمريكية، ولم يكن انفجار أوكلاهوما سوى رأس جبل الجليد. وفي هذا الإطار نذكر حادثة «واكو – تكساس» المأساوية الشهيرة (1992) حينما مات حرقا زعيم جماعة «الداودين» ديفد كوريش ومعه نحو ثمانين من أتباعه من بينهم نساء وأطفال بعد حصار قوات الأمن الأمريكي لهم زهاء خمسين يوما، وقبلها بسنين عدة كانت مأساة جونز تاون (جويانا) في عام 1978 حيث استطاع زعيم جماعة أخرى اسمه جيم جونز من إقناع أكثر من 900من اتباعه بالانتحار الجماعي بمادة «السيانيد» وهم مجموعة أمريكية وقعت تحت سيطرته وهاجرت معه إلى جويانا (امريكا الجنوبية) حيث شيدوا وسط الغابات «معبد الشعب». المعلومات المتوفرة عن الجماعات الدينية المتطرفة في داخل الولايات المتحدة متباينة حيث تقدر أعدادها بين ألفين وخمسة آلاف جماعة ،ويتراوح العدد الإجمالي لأعضائها بين عشرة وعشرين مليون شخص، وتقدير متوسط عدد الأعضاء في كل منها يتراوح بين العشرات والآلاف . وقد أصبحت هذه الظاهرة محل اهتمام المؤسسات الدينية الرسمية (التقليدية) المعروفة وكذلك أجهزة الأمن والإعلام والكونغرس ومراكز الأبحاث والدراسات، لمعرفة جذورها وأسبابها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية والنفسية وسبل التصدي ووضع الحلول لها . وكانت «مؤسسة العائلة الأمريكية» قد أجرت استطلاعا للرأي بين أعضاء سابقين في تلك الجماعات بينت أن نسبة 77% من هؤلاء وصفوا تجربتهم في هذه الجماعات بأنها «ضارة جدا أو ضارة» كما أن نسبة 72% ذكرت أن ضغوط الجماعة التي كانوا ينتمون إليها جعلت «من الصعب جدا أو من الصعب» عليهم تركها والاهم من ذلك أن نسبة 88% ذكرت إن الجماعات التي كانوا ينتمون إليها تستخدم أساليب في «تجنيدهم» لا تكشف عن الأغراض الحقيقية لهذه الجماعات كما أدلى كثير منهم على أن زعماء تلك الجماعات «يعتقدون أنهم وحدهم يمتلكون الحقيقة» كما أنهم «لا يتمتعون بأي درجة من القدرة على التسامح إزاء الأفكار المغايرة والديانات والجماعات الأخرى» وأنهم «يرون العالم بلونين اثنين الأبيض والأسود» أو «بمنظورين اثنين: منظورهم هو منظور الملائكة ومنظور الآخرين هو منظور الشيطان» واللافت والمدهش أن ذلك التوصيف ينطبق أو تتشارك فيه كافة الأصوليات والجماعات المتطرفة، من كافة الأديان والعقائد بما في ذلك الإسلام . من ناحية أخرى أفاد استطلاع أخر لمؤسسة «جالوب «أجرته في عام 1990 عن موضوع الدين والتطرف في ضوء مأساة الانتحار الجماعي لأتباع جيم جونز أكد 93% من الشبان الأمريكيين أنهم لا يتصورون أبدا أن ينخرطوا في جماعة من هذا النوع، بينما نسبة 5% فقط تقول أن ثمة احتمالاً لان ينظموا إلى واحدة منها، وهذا يعني أن خطورة تأثير هذه الجماعات لا يكمن في المقام الأول من قدرتها على الانتشار الجماهيري، ولكن بحكم امتلاكها لعناصر التنظيم والتمويل والتأثير الدعائي والإعلامي، كما تعزو بعض الدراسات الأمريكية أسباب انتشار هذه الظاهرة في العقود الثلاثة الأخيرة إلى الفراغ والإحباط وغياب اليقين والهدف، إلى جانب المصاعب الاقتصادية لدى غالبية الشباب الأمريكي، خصوصا بعد انحسار حركة الشباب الأمريكي المناهض للحرب (فيتنام) والسلطة التي سادت في الستينات والتي كانت تندرج تحت ما كان يعرف باليسار الجديد وهو ما سهل لهذه الجماعات أن تدخل على الخط وان تسد الفراغ الحاصل.
علق قسيس متحمس ومؤمن على جدار كنيسته إعلانا ضخما كتب عليه «يسوع هو الحل» وهو ما يذكرنا بشعار مماثل ومعروف لدينا، حين صحا القس اكتشف ان فريقا من الصبية المتهكمين كتبوا تحت الإعلان: - ولكن ما هو السؤال؟
وفقا لنتائج الاستطلاع التي أجرتها مؤسسة «جالوب» الشهيرة خلصت إلى أن الشعب الأمريكي (عكس ما هو شائع) عموما شعب متدين ويقدس القيم الدينية، وأوردوا أن هذه الروح المحافظة التي سادت أمريكا منذ بداية السبعينيات تكمن وراء انتخاب رؤساء (محافظين أو متدينين) أمريكا الأربعة الأخيرين (مع استثناء بيل كلينتون) وهم جيمي كارتر (1976- 1980) ورونالد ريغان (1980-1988) وجورج بوش الأب (1988- 1992) وأخيرا الرئيس الحالي جورج بوش الابن (2000---)كما أن أول زعيم اسود رشح نفسه في انتخابات الرئاسة هو رجل الدين القس جيسي جاكسون . المفارقة هنا أن ذلك يحدث في بلد ينص دستوره على فصل الدين عن الدولة، وفي مجتمع تسوده قيم التقدم والحداثة والحرية والديمقراطية وحتى الإباحية بمقاييس متعددة، لذا ليس صدفة أن تحمل عملة هذا البلد عبارة دينية . والسؤال هو: إذا كان المجتمع الأمريكي متدينا لماذا هذا التفريخ المستمر للجماعات المتطرفة دينيا، وهل الدين يقود بالضرورة إلى التشدد ثم التطرف، أم أن التطرف هو النقيض للطابع الديني، وبالتالي فان التشدد في الدين ونزعة التطرف هما وجهان لعملة واحدة؟
حين وقع انفجار المبنى الفيدرالي في أوكلاهوما سيتي (1995) والذي أدى إلى مقتل وجرح المئات من الأمريكيين، أثار ردود فعل سريعة وتلقائية لدى المسئولين وأجهزة الإعلام والرأي العام الأمريكي الذي حمل مباشرة العرب والمسلمين مسؤولية ما جرى، إلى أن تكشفت الجهة المسئولة الضالعة في تلك العملية الإرهابية، وتبين بان المتهم الرئيس هو رجل ابيض ومسيحي «تيمبو ما كفي» جديد، وقد نفذ فيه حكم الإعدام لاحقا، وأفادت التحقيقات انه ينتمي إلى إحدى المليشيات شبه إذا كان المجتمع الأمريكي متديناً لماذا هذا
التفريخ المستمر للجماعات المتطرفة دينياً العسكرية «ميليشيا ميتشجن» وهو ما مثل صدمة للأمريكيين، وجعلهم ينتبهون إلى حقيقة أن التطرف والإرهاب مستوطن لديهم، وبالتالي فهو ظاهرة عامة لا تتعلق بدين أو عرق أو ثقافة بعينها، وان ما حصل ليس حادثاً عرضياً أو الاستثناء في الحياة الأمريكية. الواقع الأمريكي يشير إلى انفلات الأمن وتصاعد العنف (الفردي والجماعي) والذي يتمثل في تزايد معدلات الجريمة وإطلاق النار على تجمعات المدنيين من الموظفين والعمال، وطلاب وطالبات المدارس الابتدائية والثانوية والجامعات، غير أن الأخطر هو نشوء وتزايد حضور وتأثير المليشيات العسكرية وشبه العسكرية والمنظمات المتشددة والمنغلقة والغرائبية الذي أصبح ظاهرة عامة وملحوظة في الحياة الأمريكية، ولم يكن انفجار أوكلاهوما سوى رأس جبل الجليد. وفي هذا الإطار نذكر حادثة «واكو – تكساس» المأساوية الشهيرة (1992) حينما مات حرقا زعيم جماعة «الداودين» ديفد كوريش ومعه نحو ثمانين من أتباعه من بينهم نساء وأطفال بعد حصار قوات الأمن الأمريكي لهم زهاء خمسين يوما، وقبلها بسنين عدة كانت مأساة جونز تاون (جويانا) في عام 1978 حيث استطاع زعيم جماعة أخرى اسمه جيم جونز من إقناع أكثر من 900من اتباعه بالانتحار الجماعي بمادة «السيانيد» وهم مجموعة أمريكية وقعت تحت سيطرته وهاجرت معه إلى جويانا (امريكا الجنوبية) حيث شيدوا وسط الغابات «معبد الشعب». المعلومات المتوفرة عن الجماعات الدينية المتطرفة في داخل الولايات المتحدة متباينة حيث تقدر أعدادها بين ألفين وخمسة آلاف جماعة ،ويتراوح العدد الإجمالي لأعضائها بين عشرة وعشرين مليون شخص، وتقدير متوسط عدد الأعضاء في كل منها يتراوح بين العشرات والآلاف . وقد أصبحت هذه الظاهرة محل اهتمام المؤسسات الدينية الرسمية (التقليدية) المعروفة وكذلك أجهزة الأمن والإعلام والكونغرس ومراكز الأبحاث والدراسات، لمعرفة جذورها وأسبابها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية والنفسية وسبل التصدي ووضع الحلول لها . وكانت «مؤسسة العائلة الأمريكية» قد أجرت استطلاعا للرأي بين أعضاء سابقين في تلك الجماعات بينت أن نسبة 77% من هؤلاء وصفوا تجربتهم في هذه الجماعات بأنها «ضارة جدا أو ضارة» كما أن نسبة 72% ذكرت أن ضغوط الجماعة التي كانوا ينتمون إليها جعلت «من الصعب جدا أو من الصعب» عليهم تركها والاهم من ذلك أن نسبة 88% ذكرت إن الجماعات التي كانوا ينتمون إليها تستخدم أساليب في «تجنيدهم» لا تكشف عن الأغراض الحقيقية لهذه الجماعات كما أدلى كثير منهم على أن زعماء تلك الجماعات «يعتقدون أنهم وحدهم يمتلكون الحقيقة» كما أنهم «لا يتمتعون بأي درجة من القدرة على التسامح إزاء الأفكار المغايرة والديانات والجماعات الأخرى» وأنهم «يرون العالم بلونين اثنين الأبيض والأسود» أو «بمنظورين اثنين: منظورهم هو منظور الملائكة ومنظور الآخرين هو منظور الشيطان» واللافت والمدهش أن ذلك التوصيف ينطبق أو تتشارك فيه كافة الأصوليات والجماعات المتطرفة، من كافة الأديان والعقائد بما في ذلك الإسلام . من ناحية أخرى أفاد استطلاع أخر لمؤسسة «جالوب «أجرته في عام 1990 عن موضوع الدين والتطرف في ضوء مأساة الانتحار الجماعي لأتباع جيم جونز أكد 93% من الشبان الأمريكيين أنهم لا يتصورون أبدا أن ينخرطوا في جماعة من هذا النوع، بينما نسبة 5% فقط تقول أن ثمة احتمالاً لان ينظموا إلى واحدة منها، وهذا يعني أن خطورة تأثير هذه الجماعات لا يكمن في المقام الأول من قدرتها على الانتشار الجماهيري، ولكن بحكم امتلاكها لعناصر التنظيم والتمويل والتأثير الدعائي والإعلامي، كما تعزو بعض الدراسات الأمريكية أسباب انتشار هذه الظاهرة في العقود الثلاثة الأخيرة إلى الفراغ والإحباط وغياب اليقين والهدف، إلى جانب المصاعب الاقتصادية لدى غالبية الشباب الأمريكي، خصوصا بعد انحسار حركة الشباب الأمريكي المناهض للحرب (فيتنام) والسلطة التي سادت في الستينات والتي كانت تندرج تحت ما كان يعرف باليسار الجديد وهو ما سهل لهذه الجماعات أن تدخل على الخط وان تسد الفراغ الحاصل.