المعزلدين الله
2010-03-20, 02:08
خطر الفلسطينيين المزعوم وقدرتهم الخارقة على غزو مصر
محمد عبد الحكم دياب
3/20/2010
http://www.alquds.co.uk/today/19qpt79.jpg
ميزان المنطق يبدو وقد اختل في مصر، ويعود ذلك إلى تواطؤ أهل الحكم ومن يدورون في فلكهم، وصدق من قال: الناس على دين ملوكهم.
وزاد من استفحال الوضع أن الإقرار بذلك الميزان المختل وتزكيته صار مصدرا للثراء، واعتمد على العنف المفرط أسلوبا وطريقا متعارفا عليه في تصفية الحسابات بين النخبة المعنية ذاتها، وهو سر توحشها على نفسها واستئسادها على الآخرين، وصار كثير من قليلي الحيلة نجوما في المجتمع، وفي جو صنعه ذلك المنطق المختل اكتشفنا أشياء لم تكن بنفس القدر في السابق. منها تحميل الضحية مسؤولية ما يقع عليها من غبن وجرم وعدوان. على سبيل المثال فإن مسؤولية ما جرى ويجري لغزة يتم تحميله بالكامل للفلسطينيين، وكأنهم معزولون في كوكب آخر بعيد في مجرة أخرى. ونجد من يكتب ويقول: كان الأحرى بحركة حماس، بعد أن رحل المحتل عن غزة ان تهدأ وتتولى تجميع طاقات الشعب للحظة المناسبة لتحرير باقي فلسطين. ويصل إلى نتيجة مفادها أن حماس تريد تحرير فلسطين بجر مصر لمعارك مع الدولة الصهيونية واعادة احتلال سيناء وفرض سيناريو صهيوني على المنطقة، وتوطين الفلسطينيين في سيناء، ولم يفت صاحب هذا القول أن يؤكد على أن مصائب العرب من حكامهم ومن يحومون في فلكهم لمصالحهم. ويقر بأن موازين القوى لصالح الصهاينة، واي حرب ستدمر الاخضر واليابس في مصر. وكيف لمن يعترف بخلل موازين القوى لصالح الدولة الصهيونية ألا يدعو للبحث في الأسباب واقتراح العلاج، لكنه بدلا من ذلك ينتقي الفلسطينيين من بين كل العرب ويحملهم كل الأوزار التي اقترفوها والتي اقترفها غيرهم.
وهذا له علاقة بالتوريث، لأن السائرين في اتجاهه لا يرون مخرجا له ولا حلا لمأزقهم غير الصهينة. يتعامون عن رؤية ما يجري على حقيقته، ليس فقط على نطاق غزة، إنما في موقفهم من المسجد الأقصى، ويتابعونه وهو يسقط حجرا حجرا، ويقضم قطعة قطعة، وهو ما يحكم نظرتهم كذلك إلى الأرض المحتلة، وموافقتهم الضمنية على ما يحدث من تغييرات نتجت عن انتشار المستوطنات فوقها كالفطر، وهم لا يستهدفون حماس ولا غزة. المستهدف هو القضية الفلسطينية، بما يلزم من تحريض ضد أهلها، واقتلاع ما تبقى منهم على أرضها التاريخية، والحيلولة بينهم وبين التحرير والعودة، لكي يصل المشروع الصهيوني إلى منتهاه. ويأتي هذا مصحوبا بأكبر عملية لتزييف الوعي، وإلغاء الذاكرة الوطنية، والتركيز على ما يسمى التغييرات الإيجابية في عصر مبارك. ومنها وجود أكثر من عشرين حزبا، غير قادرة على الاتفاق أو التوافق على مرشح من بينها ينافس مبارك الأب أو مبارك الابن، وكانت تلك الأحزاب بولادتها المتعسرة تترنح ما بين الموت والحياة. وجاءت يقظتها المؤقتة بفعل صدمة ظهور خيار ثالث يساعد مصر على الخروج من النفق الخانق الذي حشرت فيه، والتحرر من ثنائية الاختيار بين فزاعة الإخوان المسلمين وشيطان التوريث، والضغط لقبول شيطان معروف أفضل من التسليم لشيطان غير معروف!.
وكان نهوض أحزاب المعارضة في إفاقتها الأخيرة، وإن كان في جانب منه يعود إلى ظهور البرادعي مرشحا محتملا للرئاسة فهو على الجانب الآخر بمثابة تبرئة لعائلة مبارك وأجهزة الحكم والأمن من دمها المراق، فهم من فرقوا دمها بين القبائل السياسية والبوليسية!. فقانون الطوارئ أجهز عليها وأفرغها من محتواها. ونجد من يدعي بفضل حسني مبارك في جعل الانتخابات الرئاسية بالانتخاب وليس بالاستفتاء. وأبسط مراقب يعرف أن ما قام به لا يمت للانتخابات أو حتى التزوير بصلة.. نوع من الترتيبات الغبية لنقل الحكم من الأب إلى الابن. فالانتخابات حاليا تتم بمنع الناخبين المؤيدين للمرشحين غير المرغوب فيهم من الوصول إلى لجان الاقتراع، وتنتفي بذلك الحاجة للتزوير المباشر. وترتب على ذلك أن أوكلت مهمة الإدلاء للأصوات الغائبة والمحجوبة لرجال الأمن والشرطة، في ظروف غابت فيها الرقابة القضائية المباشرة على صناديق الانتخاب. وهذا إبداع يسجل لحسني مبارك. والأغرب هو النظرة لاستمرار حسني مبارك وبقائه في الحكم لثلاثة عقود متواصلة، وأن ذلك جعل منه خبيرا في شؤون الشرق الأوسط. وينتهي ذلك المنطق المعكوس إلى ما يثير الضحك، الأقرب إلى البكاء، والادعاء بالهزل في موقع الجد. والقول بأنه ما زال داعما للقضية الفلسطينية، التي يمثلها أبو مازن. وبذلك تم سحب الاعتراف من حماس ومن نتائج الانتخابات في غزة، وقصر الاعتراف على سلطة الضفة الغربية، وسقطت غزة من الحساب، وأنزل بها العقاب تنفيذا لإملاءات الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، عقاب لشعب لم ينتخب من هم على غير هواه، فلم يختر المتواطئين على تصفيته وإبادته، في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من العالم. وتلك الخبرة الطويلة المزعومة هي التي أعادت الحديث عن الخطر الفلسطيني مجددا. وكأن الغزاويين يطوقون مصر من كل جانب، وينفذون حكما بالإعدام في حقها.. بالحصار والتجويع والأسوار والأبراج الفولاذية. وكأن المصريين لم يكونوا على علم بولادة قوة عظمى فجأة على حدودهم، وهم في غفلة من أمرهم. وغزة مثلها مثل أي قوة عظمى! لا بد أن تكون مدججة بالسلاح والعتاد حتى الأسنان، ولأنها كذلك فهي تتحين الفرصة لغزو مصر وإقامة دولة فلسطينية على جزء منها.
تناقض مكشوف ومفضوح، في أصله وفصله. فليست هناك دولة فلسطينية قائمة، ومع ذلك نجد من يقر بتهديدها المزعوم لدولته. ومشروع الدولة الفلسطينية المقترح في سيناء والنقب هو في الأساس مشروع صهيوني غربي، وليس فلسطينيا أو عربيا. وهناك تأكيد بأن الإدارة الأمريكية تقره، والاتحاد الأوروبي يشجع عليه، وحسني مبارك ومعه أغلب الحكام العرب لا يرفضون لأولئك 'السادة' طلبا. يقرون معهم في الغرف المغلقة ما لا يفصحون عنه في الهواء الطلق. وحديث الخطر الفلسطيني متداول بكثرة هذه الأيام بين أوساط النخبة الحاكمة بمكوناتها. الانعزالية الكارهة لبلدها وشعبها وتتولى تمزيق الوطن وتحويله إلى كانتونات، ترى في المشروع الصهيوني سندا وعونا. بعضها جاهل أقرب إلى البلاهة، التي لا ترى أبعد من أرنبة أنفها. وبعض الآخر والأخير تلبسه التفريط من إخمص قدمه إلى شعر رأسه. ومن المساخر أن يتجسد الخطر في فلسطيني أعزل. أقصى ما يملك حجر. عاد إلى حمله دفاعا عن المسجد الأقصى، والكل من حوله يتفرج أو يغط في سبات عميق. وعميت الأبصار الكليلة عن رؤية الدولة الصهيونية وهي تتمدد، وتتحول بفعل التفريط والضعف العربي وقوة الدعم والإسناد الغربيين، إلى قوة إقليمية عظمى، بما تملك من ترسانة نووية تكفي لإفناء جميع العرب عدة مرات، وامتدت يدها الطويلة إلى تونس والسودان، مرورا بمصر ولبنان حتى العراق. ولا يستطيع أصحاب ذلك القول إنكار أن المفاعل النووي العراقي ضرب 1981 بغارة صهيونية في اليوم التالي للقاء بيغن والسادات. هذه الحقائق الفاجعة لا يشار إليها من جانب كتاب ثالوث الانعزالية والبلاهة والتفريط المناصر لكل من يبالغ في خطر غزة.. تلك القوة العظمى الجديدة المتربصة بمصر.
وقد وجد حسني مبارك وهو يلبي التزامات الاتفاق الصهيوني الأمريكي، وبناء الحاجز الفولاذي في عمق الأرض الفاصلة بين رفح الفلسطينية ورفح المصرية، وجد من يؤيده فأقام الأبراج الفولاذية العالية لرصد كل تحرك داخل غزة، صغيرا كان أو كبيرا، وكتب إلينا من يقول مستنكرا هل تريدون تدخلا مباشرا من امريكا والدولة الصهيونية في شؤوننا؟ هل تريدونهم غدا فى مصر بطائراتهم وصواريخهم؟ والقائل يبدو أنه ما زال يفترض أن مصر مستقلة. تدار من وراء ظهر أمريكا والدولة الصهيونية، وأعتقد أنه يعلم بالوجود العسكري الأمريكي في سيناء، وبالمناورات المشتركة. وعليه أن يتقصى بشأن إدارة الاقتصاد المصري، ولدى وزير المالية يوسف بطرس غالي كل التفاصيل، وتمت مكافأته على استجابته لأمركة الشأن المالي المصري وإعادة هيكلة وزارته لتتمكن من التواؤم مع مقتضيات العلاقة بالخزانة الأمريكية، ومع شروط ووصفات المصرف الدولي للإنشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي!. ويطلب القائل من كتاب 'القدس العربي' التعقل والتفكير. وحمدا لله أن المقصودين من الكتاب لم تصبهم لعنة التعقل المؤمرك بعد، ولا يمارسون رذيلة الحكمة المصهينة، والخائفون من أمريكا وتدخلها هم محرضوها على التدخل ومشاركوها في حروب خاضوها بالوكالة عنها ضد المقاومة، وأخرى بالأصالة عن نفسها ضد أفغانستان والعراق.
وفي تعاملهم مع غزة يساوون بين معبر رفح والمعابر الواقعة تحت الاحتلال، ويكررون القول: ألا يوجد غير معبر رفح لنقل المساعدات لغزة؟ ام أن هناك معابر اخرى؟
والقول يبدو مغرضا لأنه تجاهل أن معبر رفح خاضع للسيادة المصرية، كما تقول البيانات والتصريحات الرسمية، ومن المفترض فيه أنه لا يخضع لقيود الاحتلال المفروضة على المعابر الأخرى، ولا يبقى غيره شريانا وحيدا للمحاصرين والمجوعين والطلاب والمرضى، ويمكن القول بأن الإنسان حين يتجرد من إنسانيته، ويفتقد الحس ومشاعر الرحمة تجاه الأخ والشقيق، وحتى الغريب لن تثنيه طبيعته عن اقتراف ما هو مشين ومخجل دون تأنيب من ضمير ولا مراعاة لقيمة أو مبدأ، وزاد من اتهام كتاب 'القدس العربي'، بأنهم يريدون توطين الفلسطينيين فى سيناء، او على الاقل دخول حماس سيناء ولو مؤقتا. وبذلك يتاح المجال الجوي المصري لاسرائيل ( بحجة) وجود منظمة ارهابية في سيناء تهدد امننا! وعليهم (يقصد الكتاب) أن يتقوا الله 'وسيبونا في حالنا الله يخلّيكم'!!
هذا في الوقت الذي يعيش فيه هذا المنطق لحظاته الأخيرة. وانهياره مرهون بميل ميزان القوى لصالح الناس المبعدين والقوى المهمشة، والمتمسكين بخيار المقاومة، والعاملين على استعادة الوطن العربي ليكون، كما كان، عمقا استراتيجيا لأصحابه وأبنائه، وفي المقدمة منهم أهل فلسطين عامة، وأهل غزة المحاصرون خاصة. ميزان القوى بدأ في الميل باتجاه معاكس لاتجاه أصحاب وأنصار المنطق المختل والمعتل.
' كاتب من مصر يقيم في لندن
محمد عبد الحكم دياب
3/20/2010
http://www.alquds.co.uk/today/19qpt79.jpg
ميزان المنطق يبدو وقد اختل في مصر، ويعود ذلك إلى تواطؤ أهل الحكم ومن يدورون في فلكهم، وصدق من قال: الناس على دين ملوكهم.
وزاد من استفحال الوضع أن الإقرار بذلك الميزان المختل وتزكيته صار مصدرا للثراء، واعتمد على العنف المفرط أسلوبا وطريقا متعارفا عليه في تصفية الحسابات بين النخبة المعنية ذاتها، وهو سر توحشها على نفسها واستئسادها على الآخرين، وصار كثير من قليلي الحيلة نجوما في المجتمع، وفي جو صنعه ذلك المنطق المختل اكتشفنا أشياء لم تكن بنفس القدر في السابق. منها تحميل الضحية مسؤولية ما يقع عليها من غبن وجرم وعدوان. على سبيل المثال فإن مسؤولية ما جرى ويجري لغزة يتم تحميله بالكامل للفلسطينيين، وكأنهم معزولون في كوكب آخر بعيد في مجرة أخرى. ونجد من يكتب ويقول: كان الأحرى بحركة حماس، بعد أن رحل المحتل عن غزة ان تهدأ وتتولى تجميع طاقات الشعب للحظة المناسبة لتحرير باقي فلسطين. ويصل إلى نتيجة مفادها أن حماس تريد تحرير فلسطين بجر مصر لمعارك مع الدولة الصهيونية واعادة احتلال سيناء وفرض سيناريو صهيوني على المنطقة، وتوطين الفلسطينيين في سيناء، ولم يفت صاحب هذا القول أن يؤكد على أن مصائب العرب من حكامهم ومن يحومون في فلكهم لمصالحهم. ويقر بأن موازين القوى لصالح الصهاينة، واي حرب ستدمر الاخضر واليابس في مصر. وكيف لمن يعترف بخلل موازين القوى لصالح الدولة الصهيونية ألا يدعو للبحث في الأسباب واقتراح العلاج، لكنه بدلا من ذلك ينتقي الفلسطينيين من بين كل العرب ويحملهم كل الأوزار التي اقترفوها والتي اقترفها غيرهم.
وهذا له علاقة بالتوريث، لأن السائرين في اتجاهه لا يرون مخرجا له ولا حلا لمأزقهم غير الصهينة. يتعامون عن رؤية ما يجري على حقيقته، ليس فقط على نطاق غزة، إنما في موقفهم من المسجد الأقصى، ويتابعونه وهو يسقط حجرا حجرا، ويقضم قطعة قطعة، وهو ما يحكم نظرتهم كذلك إلى الأرض المحتلة، وموافقتهم الضمنية على ما يحدث من تغييرات نتجت عن انتشار المستوطنات فوقها كالفطر، وهم لا يستهدفون حماس ولا غزة. المستهدف هو القضية الفلسطينية، بما يلزم من تحريض ضد أهلها، واقتلاع ما تبقى منهم على أرضها التاريخية، والحيلولة بينهم وبين التحرير والعودة، لكي يصل المشروع الصهيوني إلى منتهاه. ويأتي هذا مصحوبا بأكبر عملية لتزييف الوعي، وإلغاء الذاكرة الوطنية، والتركيز على ما يسمى التغييرات الإيجابية في عصر مبارك. ومنها وجود أكثر من عشرين حزبا، غير قادرة على الاتفاق أو التوافق على مرشح من بينها ينافس مبارك الأب أو مبارك الابن، وكانت تلك الأحزاب بولادتها المتعسرة تترنح ما بين الموت والحياة. وجاءت يقظتها المؤقتة بفعل صدمة ظهور خيار ثالث يساعد مصر على الخروج من النفق الخانق الذي حشرت فيه، والتحرر من ثنائية الاختيار بين فزاعة الإخوان المسلمين وشيطان التوريث، والضغط لقبول شيطان معروف أفضل من التسليم لشيطان غير معروف!.
وكان نهوض أحزاب المعارضة في إفاقتها الأخيرة، وإن كان في جانب منه يعود إلى ظهور البرادعي مرشحا محتملا للرئاسة فهو على الجانب الآخر بمثابة تبرئة لعائلة مبارك وأجهزة الحكم والأمن من دمها المراق، فهم من فرقوا دمها بين القبائل السياسية والبوليسية!. فقانون الطوارئ أجهز عليها وأفرغها من محتواها. ونجد من يدعي بفضل حسني مبارك في جعل الانتخابات الرئاسية بالانتخاب وليس بالاستفتاء. وأبسط مراقب يعرف أن ما قام به لا يمت للانتخابات أو حتى التزوير بصلة.. نوع من الترتيبات الغبية لنقل الحكم من الأب إلى الابن. فالانتخابات حاليا تتم بمنع الناخبين المؤيدين للمرشحين غير المرغوب فيهم من الوصول إلى لجان الاقتراع، وتنتفي بذلك الحاجة للتزوير المباشر. وترتب على ذلك أن أوكلت مهمة الإدلاء للأصوات الغائبة والمحجوبة لرجال الأمن والشرطة، في ظروف غابت فيها الرقابة القضائية المباشرة على صناديق الانتخاب. وهذا إبداع يسجل لحسني مبارك. والأغرب هو النظرة لاستمرار حسني مبارك وبقائه في الحكم لثلاثة عقود متواصلة، وأن ذلك جعل منه خبيرا في شؤون الشرق الأوسط. وينتهي ذلك المنطق المعكوس إلى ما يثير الضحك، الأقرب إلى البكاء، والادعاء بالهزل في موقع الجد. والقول بأنه ما زال داعما للقضية الفلسطينية، التي يمثلها أبو مازن. وبذلك تم سحب الاعتراف من حماس ومن نتائج الانتخابات في غزة، وقصر الاعتراف على سلطة الضفة الغربية، وسقطت غزة من الحساب، وأنزل بها العقاب تنفيذا لإملاءات الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، عقاب لشعب لم ينتخب من هم على غير هواه، فلم يختر المتواطئين على تصفيته وإبادته، في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من العالم. وتلك الخبرة الطويلة المزعومة هي التي أعادت الحديث عن الخطر الفلسطيني مجددا. وكأن الغزاويين يطوقون مصر من كل جانب، وينفذون حكما بالإعدام في حقها.. بالحصار والتجويع والأسوار والأبراج الفولاذية. وكأن المصريين لم يكونوا على علم بولادة قوة عظمى فجأة على حدودهم، وهم في غفلة من أمرهم. وغزة مثلها مثل أي قوة عظمى! لا بد أن تكون مدججة بالسلاح والعتاد حتى الأسنان، ولأنها كذلك فهي تتحين الفرصة لغزو مصر وإقامة دولة فلسطينية على جزء منها.
تناقض مكشوف ومفضوح، في أصله وفصله. فليست هناك دولة فلسطينية قائمة، ومع ذلك نجد من يقر بتهديدها المزعوم لدولته. ومشروع الدولة الفلسطينية المقترح في سيناء والنقب هو في الأساس مشروع صهيوني غربي، وليس فلسطينيا أو عربيا. وهناك تأكيد بأن الإدارة الأمريكية تقره، والاتحاد الأوروبي يشجع عليه، وحسني مبارك ومعه أغلب الحكام العرب لا يرفضون لأولئك 'السادة' طلبا. يقرون معهم في الغرف المغلقة ما لا يفصحون عنه في الهواء الطلق. وحديث الخطر الفلسطيني متداول بكثرة هذه الأيام بين أوساط النخبة الحاكمة بمكوناتها. الانعزالية الكارهة لبلدها وشعبها وتتولى تمزيق الوطن وتحويله إلى كانتونات، ترى في المشروع الصهيوني سندا وعونا. بعضها جاهل أقرب إلى البلاهة، التي لا ترى أبعد من أرنبة أنفها. وبعض الآخر والأخير تلبسه التفريط من إخمص قدمه إلى شعر رأسه. ومن المساخر أن يتجسد الخطر في فلسطيني أعزل. أقصى ما يملك حجر. عاد إلى حمله دفاعا عن المسجد الأقصى، والكل من حوله يتفرج أو يغط في سبات عميق. وعميت الأبصار الكليلة عن رؤية الدولة الصهيونية وهي تتمدد، وتتحول بفعل التفريط والضعف العربي وقوة الدعم والإسناد الغربيين، إلى قوة إقليمية عظمى، بما تملك من ترسانة نووية تكفي لإفناء جميع العرب عدة مرات، وامتدت يدها الطويلة إلى تونس والسودان، مرورا بمصر ولبنان حتى العراق. ولا يستطيع أصحاب ذلك القول إنكار أن المفاعل النووي العراقي ضرب 1981 بغارة صهيونية في اليوم التالي للقاء بيغن والسادات. هذه الحقائق الفاجعة لا يشار إليها من جانب كتاب ثالوث الانعزالية والبلاهة والتفريط المناصر لكل من يبالغ في خطر غزة.. تلك القوة العظمى الجديدة المتربصة بمصر.
وقد وجد حسني مبارك وهو يلبي التزامات الاتفاق الصهيوني الأمريكي، وبناء الحاجز الفولاذي في عمق الأرض الفاصلة بين رفح الفلسطينية ورفح المصرية، وجد من يؤيده فأقام الأبراج الفولاذية العالية لرصد كل تحرك داخل غزة، صغيرا كان أو كبيرا، وكتب إلينا من يقول مستنكرا هل تريدون تدخلا مباشرا من امريكا والدولة الصهيونية في شؤوننا؟ هل تريدونهم غدا فى مصر بطائراتهم وصواريخهم؟ والقائل يبدو أنه ما زال يفترض أن مصر مستقلة. تدار من وراء ظهر أمريكا والدولة الصهيونية، وأعتقد أنه يعلم بالوجود العسكري الأمريكي في سيناء، وبالمناورات المشتركة. وعليه أن يتقصى بشأن إدارة الاقتصاد المصري، ولدى وزير المالية يوسف بطرس غالي كل التفاصيل، وتمت مكافأته على استجابته لأمركة الشأن المالي المصري وإعادة هيكلة وزارته لتتمكن من التواؤم مع مقتضيات العلاقة بالخزانة الأمريكية، ومع شروط ووصفات المصرف الدولي للإنشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي!. ويطلب القائل من كتاب 'القدس العربي' التعقل والتفكير. وحمدا لله أن المقصودين من الكتاب لم تصبهم لعنة التعقل المؤمرك بعد، ولا يمارسون رذيلة الحكمة المصهينة، والخائفون من أمريكا وتدخلها هم محرضوها على التدخل ومشاركوها في حروب خاضوها بالوكالة عنها ضد المقاومة، وأخرى بالأصالة عن نفسها ضد أفغانستان والعراق.
وفي تعاملهم مع غزة يساوون بين معبر رفح والمعابر الواقعة تحت الاحتلال، ويكررون القول: ألا يوجد غير معبر رفح لنقل المساعدات لغزة؟ ام أن هناك معابر اخرى؟
والقول يبدو مغرضا لأنه تجاهل أن معبر رفح خاضع للسيادة المصرية، كما تقول البيانات والتصريحات الرسمية، ومن المفترض فيه أنه لا يخضع لقيود الاحتلال المفروضة على المعابر الأخرى، ولا يبقى غيره شريانا وحيدا للمحاصرين والمجوعين والطلاب والمرضى، ويمكن القول بأن الإنسان حين يتجرد من إنسانيته، ويفتقد الحس ومشاعر الرحمة تجاه الأخ والشقيق، وحتى الغريب لن تثنيه طبيعته عن اقتراف ما هو مشين ومخجل دون تأنيب من ضمير ولا مراعاة لقيمة أو مبدأ، وزاد من اتهام كتاب 'القدس العربي'، بأنهم يريدون توطين الفلسطينيين فى سيناء، او على الاقل دخول حماس سيناء ولو مؤقتا. وبذلك يتاح المجال الجوي المصري لاسرائيل ( بحجة) وجود منظمة ارهابية في سيناء تهدد امننا! وعليهم (يقصد الكتاب) أن يتقوا الله 'وسيبونا في حالنا الله يخلّيكم'!!
هذا في الوقت الذي يعيش فيه هذا المنطق لحظاته الأخيرة. وانهياره مرهون بميل ميزان القوى لصالح الناس المبعدين والقوى المهمشة، والمتمسكين بخيار المقاومة، والعاملين على استعادة الوطن العربي ليكون، كما كان، عمقا استراتيجيا لأصحابه وأبنائه، وفي المقدمة منهم أهل فلسطين عامة، وأهل غزة المحاصرون خاصة. ميزان القوى بدأ في الميل باتجاه معاكس لاتجاه أصحاب وأنصار المنطق المختل والمعتل.
' كاتب من مصر يقيم في لندن