المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقامات النموشي ** المقامة الوهرانية **


علي النموشي
2010-03-17, 21:45
المقــامــة الـوهــرانيــة


حدثنا عباس النموشي قال : هاتفني إبن عمومتي حمّوده ، و اقترح علي زيارة أخاه بأرض مصمودة ، و بالتحديد في ولاية وهران ، أحسن مدن السواحل و الشطآن فوافقت دون ما تردد . و كان أخوه هذا عسكريا في الهندسة المدنية ، قد تم نقله للمدينة المذكورة ، أيام المحنة المشهورة ، فجمعنا حالنا و زدنا أغراضنا و مالنا و العديد من الحلويات التقليدية و الخبيزات المحلية ، و انطلقنا بإتجاه ولاية خنشلة قصد الركوب من هناك في الحافلة ، فقد كان يربطها خط مباشر ، تفاديا للأهوال والمخاطر ، فقصدنا وجهتنا منتصف النهار ، و سلكنا الطريق السيار ، بإتجاه ولاية باتنة ، ونزلنا للعشاء بولاية المسيلة ذات الرياح الساكنة ، و كنت أتلهف للمغامرة و استكشاف الولايات المجاورة ، فمررنا بجنوب ولاية المدية التاريخية ، ثم ولاية تيهرت الرستمية ، و جنّبنا المولى حاجزا لمجموعة إرهابية ، بفضل حنكة السائق و معرفته المهنية ، و منها إلى ولاية غليزان ذات الخير الوافر ، ثم عطفنا بولاية معسكر مهد الأمير عبد القادر ، البطل المجاهد الثائر ، مؤسس دولة الجزائر ، و منها دخلنا تخوم وهران ، و كان الصبح قد لاح وبان ، فوقفت أستطلع الطريق الموالي و ما إن جلست حتى تمزق سروالي ، و نزلنا بالمحطة صباحا ، نطلب كفوف الراحة و ذهبنا باحثين عن خياط ، ليرقع لي الحزام الرباط ، فوجدناه شابا طيب القلب ساعدنا حتى في طريق الثكنة و الحدب ، و ما إن وصلنا حتى سألنا ، و قدمنا بطاقتيْ الهوية ، و زدنا التحية ، ولم نجد غايتنا ، فقد كان في مهمة قبلنا ، إلا أنه قدم وجه مألوف ، ذاك الشاب فتحي أسمر البشرة و الكفوف ، فقد كان رفيق المدرسة أيام الصبى ، و عرفني من هويتي ، فرحب بنا و أدخلنا إلى غرفته ، و ارتحنا من وعثاء السفر بمعيته ، و أخذنا إلى المطعم و أكرمنا أيما إكرام ، حتى جاء ابن الأعمام فحجز لنا في فنادق المدينة ، و مكثنا قرابة خمسة عشر يوما هنيئة مكينة . و زرنا متاحفها الغيداء ، و حدائقها الغنّاء ، و شواطئها الفيحاء ، و أسواقها الخيلاء و متاجرها الفخمة الحسناء ، وفي أحد الليالي شعرت بالجوع فلم أبالي ، لكنني شكوت لصاحبي حالي ، فاقترح عليّ الخروج في الحين لجلب بعض الخبز و الجبن فخرجت غير مبالي باللصوص ، لأن ألم الخوص ، أشد من أي شيء بالخصوص فتوغلت في الأزقة بحثا عن دكان بمشقة ، و لما وجدت ما أبغي ، رجعت أدراجي فاعترض سبيلي لصان شرّيران ، و كانا يريدان أن يسلباني ، وبخفتي المعهودة هربت بطريقى غير مقصودة ، وركنت جنبي إلى الحائط ، حتى يأمن ظهري من السقائط ، ثم أخرجت خنجري المريع ، و أمسكت أحدهما فسقط كالصريع ، و بقي الآخر يحاول ضربي ، لولا تدخل أحد باعة التبغ و أنقذني ، فدخلت للنزل مسرعا و لربي حامدا شاكرا ، و في أحد المرات لما كنا بشاطئ العيون ذي المسرات توغلت في أحد الشواطئ الصخرية ، حتى وجدت منحرِفا مع مومس خمرية ، فبقيا يرمقانني بنظرة مخيفة ، فغيرت الوجهة من غير خيفة ، لكن وما إن خطوت خطوات قليلة حتى أحسست بالخنجر في عنقي غيلة ، و أمرني بالذهاب معه ، فمشيت بجنبه ، ولما اختفينا عن الأنظار ، سلب مني ألف دينار ، و تركني لحال سبيلي فهرولت مسرعا إلى صحبي ، و كانـوا ثمانية رجـال ، و كلهـم عساكـر ذوي أنصـال فأخبرتهم بالقصة و المكان و الوجهة ، ثم جرينا على جناح السرعة ، قاصدين المكان المذكور فباغتناهم دون حركة أو مرور ، فأشبعناه ضربا ، و المومس أسرعت هربا ثم استرجعت مالي بلا كرب ، كما سلبته سبعة آلاف دينار عنده في الجيب ، و كاد أحد الرفاق أن يغرقه في اليم ، لولا تدخلي أنا خوفا من إراقة الدم ، ثم قيدناه و إلى عمود حديدي ربطناه ، و رجعنا أدراجنا ، و حملنا متاعنا ، و توجهنا من ساعتنا إلى محطتنا ، ومكثت أنا و رفيقي بعدها ثلاثة أيام ، و رجعنا إلى الديار في ثوب اللئام تاركين المجموعة في خير و سلام .





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حمّوده : إسم علم تأويلا لإسم محمد .
مصمودة : قبيلة من قبائل البربر .
وهران : ولاية ساحلية بالغرب الجزائري .
خنشلة : ولاية بالشرق الجزائري .
باتنة : ولاية بالشرق الجزائري و هي عاصمة الشاوية .
المسيلة : ولاية بالوسط بالغربي الجزائري و هي عاصمة الحضنة .
تيهرت : أو تيارت و هي ولاية بالغرب الجزائري كانت عاصمة للرستميين .
غليزان : ولاية بالغرب الجزائري .
معسكر : ولاية بالغرب الجزائري كانت عاصمة لدولة الأمير عبد القادر الجزائري .
وعثاء : تعب السفر .
الغيداء : الحسنة الجمال .
الغناء : الساحرة بروعتها .
الخيلاء : المدهشة .
الخوص : الأمعاء .
خمرية : سمراء .
أنصال : كناية عن السلاح .
اليم : البحر .