تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قصيدة شعرية : إشفاق والد ؟ ؟


ايمن جابر أحمد
2010-03-09, 21:38
هي قصيدة رائعة للشاعر أبي إسحاق إبراهيم بن مسعود الإلبيري الأندلسي

تفـت فـؤادك الأيــام فـتـا --- وتنحت جسمك الساعات نحتـا
وتدعوك المنون دعـاء صـدق --- ألا يا صاح أنـت أريـد أنتـا
أراك تحب عرسـا ذات خـدر --- أبـتَّ طلاقهـا الأكيـاس بتـا
تنام الدهر ويحك فـي غطيـط --- بهـا حتـى إذا مـت انتبهتـا
فكم ذا أنـت مخـدوع وحتـى --- متى لا ترعوي عنهـا وحتـى
أبا بكـر دعوتـك لـو أجبتـا --- إلى ما فيه حظـك لـو عقلتـا
إلـى علـم تكـون بـه إمامـا --- مطاعـاً إن نهيـت وإن أمرتـا
ويجلو ما بعينك مـن غشاهـا --- ويهديـك الطـرق إذا ضللـتـا
وتحمل منه فـي ناديـك تاجـا --- ويكسـوك الجمـال إذا عريتـا
ينالـك نفعـه مـا دمـت حيـا ---- ويبقـى ذكـره لـك إن ذهبتـا
هو العضب المهند ليـس ينبـو --- تصيب به مقاتـل مـن أردتـا
وكنـز لا تخـاف عليـه لصـا --- خفيف الحمل يوجد حيث كنتـا
يزيـد بكثـرة الإنفـاق مـنـه --- وينقـص إن بـه كفـا شددتـا
فلو قد ذقت من حلـواه طعمـا --- لآثـرت التعـلـم واجتهـدتـا
ولم يشغلك عنه هـوى مطـاعٌ --- ولا دنيـا بزخرفـهـا فُتنـتـا
ولا ألهاك عنـه أنيـق روضٍ ---- ولا دنيـا بزينتـهـا كلفـتـا
فقوت الـروح أرواح المعانـي --- وليس بأن طعمـت ولا شربتـا
فواظبـه وخـذ بالجـد فـيـه --- فـإن أعطـاكـه الله انتفعـتـا
وإن أعطيت فيـه طويـل بـاعٍ --- وقال الناس إنـك قـد علمتـا
فـلا تأمـن سـؤال الله عنـه ---- بتوبيخ : علمـتَ فمـا عملتـا
فرأس العلـم تقـوى الله حقـا --- وليس بأن يقـال لقـد رأستـا
وأفضل ثوبـك الإحسـان لكـن --- نرى ثوب الإساءة قـد لبستـا
إذا ما لم يفـدك العلـم خيـرا --- فخير منه أن لـو قـد جهلتـا
وإن ألقاك فهمـك فـي مهـاوٍ --- فليتـك ثـم ليتـك مـا فهمتـا
ستجني من ثمار العجـز جهـلا --- وتصغر في العيـون إذا كبرتـا
وتُفقد إن جهلـت وأنـت بـاق --- وتوجد إن علمت ولـو فُقدتـا
وتذكر قولتي لـك بعـد حيـن --- إذا حقـا بهـا يومـا عملـتـا
وإن أهملتهـا ونبـذت نصحـا --- وملت إلى حطـام قـد جمعتـا
فسوف تعض من نـدم عليهـا --- وما تغنـي الندامـة إن ندمتـا
إذا أبصرت صحبك في سمـاء --- قد ارتفعوا عليك وقـد سفلتـا
فراجعها ودع عنـك الهوينـى --- فما بالبطء تـدرك مـا طلبتـا
ولا تختَل بمالـك والـهُ عنـه ---- فليـس المـال إلا مـا علمتـا
وليس لجاهل في النـاس مغـن --- ولو مُلـك العـراق لـه تأتـا
سينطق عنك علمك فـي مـلاءٍ --- ويكتب عنـك يومـا إن كتمتـا
ومـا يغنيـك تشييـد المبانـي --- إذا بالجهل نفسـك قـد هدمتـا
جعلت المال فوق العلـم جهـلا --- لعمرك في القضية مـا عدلتـا
وبينهما بنـص الوحـي بـون --- ستعلـمـه إذا طــه قـرأتـا
لئن رفـع الغنـي لـواء مـال --- لأنت لواء علمـك قـد رفعتـا
لئن جلس الغني على الحشايـا --- لأنت على الكواكب قـد جلستـا
وإن ركـب الجيـاد مسومـات --- لأنت مناهـج التقـوى ركبتـا
ومهما افتض أبكـار الغوانـي --- فكم بكر من الحِكـم افتضضتـا
وليس يضـرك الإقتـار شيئـا --- إذا ما أنت ربـك قـد عرفتـا
فماذا عنـده لـك مـن جميـل --- إذا بفنـاء طاعـتـه أنخـتـا
فقابل بالقبـول لنصـح قول ---ـ يفإن أعرضت عنه فقد خسرتـا
وإن راعيتـه قــولا وفـعـلا --- وتاجـرت الإلـه بـه ربحتـا
فليسـت هـذه الدنيـا بشـيءٍ ---- تسـوؤك حقبـة وتسـر وقتـا
وغايتهـا إذا فـكـرت فيـهـا --- كفيئـك أو كحلمـك إذ حلُمتـا
سجنتَ بها وأنـت لهـا محـب --- فكيف تحب مـا فيـه سجنتـا
وتطعمك الطعام وعـن قريـب --- ستطعم منك مـا فيهـا طعمتـا
وتعرى إن لبسـت بهـا ثيابـا --- وتكسـى إن ملابسهـا خلعتـا
وتشهد كـل يـوم دفـن خـل --- كأنـك لا تـراد لمـا شهـدتـا
ولـم تخلـق لتعمرهـا ولكـن --- لتعبرهـا فجـد لمـا خلقـتـا
وإن هدمت فزدها أنـت هدمـا --- وحصن أمر دينك ما استطعتـا
ولا تحزن على ما فـات منهـا --- إذا ما أنت فـي أخـراك فزتـا
فليس بنافـع مـا نلـت منهـا --- من الفاني إذا الباقـي حرمتـا
ولا تضحك مع السفهـاء يومـا --- فإنك سوف تبكـي إن ضحكتـا
ومن لك بالسرور وأنت رهـن --- وما تـدري أتُفـدى أم غللتـا
وسل من ربك التوفيـق فيهـا --- وأخلص في السؤال إذا سألتـا
وناد إذا سجـدت لـه اعترافـا --- بما نادا ذو النـون ابـن متـى
ولازم بابـه قـرعـا عـسـاه --- سيفتح بابـه لـك إن قرعتـا
وأكثر ذكره فـي الأرض دأبـا --- لتُذكر فـي السمـاء إذا ذكرتـا
ولا تقل الصبـا فيـه امتهـال --- ونكر كـم صغيـر قـد دفنتـا
وقل يا ناصحي بل أنـت أولـى --- بنصحك لو لفعلـك قـد نظرتـا
تقطعني علـى التفريـط لومـا --- وبالتفريط دهـرك قـد قطعتـا
وفي صغري تخوفنـي المنايـا --- وما تدري بحالك حيـث شختـا
وكنت مع الصبا أهـدى سبيـلا --- فما لك بعد شيبـك قـد نكثتـا
وها أنا لم أخض بحر الخطايـا --- كما قد خضتـه حتـى غرقتـا
ولـم أشـرب حُميـا أم دفـرٍ --- وأنت شربتهـا حتـى سكرتـا
ولم أنشـأ بعصـر فيـه نفـع --- وأنت نشأت فيه ومـا انتفعتـا
ولـم أحلـل بـواد فيـه ظلـم --- وأنـت حللـت فيـه وانتهكتـا
لقـد صاحبـتَ أعلامـا كبـارا --- ولم أرك اقتديت بمـن صحبتـا
ونـاداك الكتـاب فلـم تجبـه --- ونبهك المشيـب فمـا انتبهتـا
ويقبح بالفتـى فعـل التصابـي --- وأقبح منـه شيـخ قـد تفتـا
ونفسـك ذم لا تذمـم سواهـا --- لعيب فهي أجـدر مـن ذممتـا
وأنـت أحـق بالتفنيـد مــن --- ولو كنت اللبيـب لمـا نطقتـا
ولو بكت الدمـا عينـاك خوفـا --- لذنبك لم أقـل لـك قـد أمنتـا
ومن لك بالأمـان وأنـت عبـد --- أُمرت فما ائتمـرت ولا أطعتـا
ثقلت من الذنوب ولست تخشى --- لجهلـك أن تخـف إذا وزنتـا
وتشفق للمصر على المعاصـي --- وترحمه ونفسـك مـا رحمتـا
رجعت القهقرى وخبطت عشوى --- لعمرك لو وصلت لمـا رجعتـا
ولو وافيـت ربـك دون ذنـب --- ونوقشـت الحسـاب إذاً هلكتـا
ولم يظلمك فـي عمـل ولكـن --- عسير أن تقـوم بمـا حملتـا
ولو قد جئت يوم الحشر فـردا --- وأبصرت المنـازل فيـه شتـى
لأعظمـت الندامـة فيـه لهفـا --- على ما في حيتك قـد أضعتـا
تفـر مـن الهجيـر وتتقـيـه --- فهلا مـن جهنـم قـد فررتـا
ولست تطيـق أهونهـا عذابـا --- ولو كنـت الحديـد بـه لذبتـا
ولا تنكـر فـإن الأمـر جــدو --- ليس كما حسبـت ولا ظننتـا
أبا بكـر كشفـت أقـل عيبـي --- وأكثـره ومعظـمـه ستـرتـا
فقل ما شئت في من المخـازي --- وضاعفهـا فإنـك قـد صدقتـا
ومهما عبتنـي فلفـرط علمـي --- بباطنـه كأنـك قـد مدحـتـا
فلا ترض المعايب فهـو عـار --- عظيم يـورث المحبـوب مقتـا
وتهوي بالوجيـه مـن الثريـا --- ويبدلـه مكـان الفـوق تحتـا
كما الطاعـات تبلـك الـدراري --- وتجعلـك القريـب وإن بعدتـا
وتنشر عنك في الدنيـا جميـلا --- وتلقى البر فيهـا حيـث شئتـا
وتمشي فـي مناكبهـا عزيـزا ---- وتجني الحمد فيما قـد غرستـا
وأنـت ان لـم تُعـرف بعيـبٍ --- ولا دنست ثوبـك مـذ نشأتـا
ولا سابقـت فـي ميـدان زورٍ --- ولا أوضعـتَ فيـه ولا خببتـا
فإن لم تنأ عنـه نشبـت فيـه --- ومن لك بالخـلاص إذا نشبتـا
تدنس ما تطهـر منـك حتـى --- كأنك قبـل ذلـك مـا طهرتـا
وصرت أسير ذنبك فـي وثـاق --- وكيف لك الفكاك وقـد أُسرتـا
فخف أبناء جنسك واخش منهم --- كما تخشى الضراغم والسبنتـا
وخالطهـم وزايلهـم حِــذارا --- وكـن كالسامـري إذا لُمستـا
وإن جهلوا عليك فقـل سـلام ---- لعلك سـوف تسلـم إن فعلتـا
ومن لك بالسلامة فـي زمـان ---- تنـال العصـم إلا إن عصمتـا
ولا تلبـث بحـي فيـه ضيـمٌ --- يميـت القلـب إلا إن كُبلـتـا
وغـرب فالتغـرب فيـه خيـر --- وشرق إن بريقك قـد شرقتـا
فليس الزهد في الدنيـا خمـولا ---- لأنت بهـا الأميـر إذا زهدتـا
ولو فوق الأميـر تكـون فيهـا --- سمـوا وارتفاعـا كنـت أنتـا
فإن فارقتهـا وخرجـت منهـا --- إلى دار السـلام فقـد سلمتـا
وإن أكرمتهـا ونظـرت فيهـا --- لإكـرام فنفسـك قـد أهنـتـا
جمعتُ لك النصائـح فامتثلهـا --- حياتك فهي أفضل مـا امتثلتـا
وطولـتُ العتـاب وزدت فيـه --- لأنك فـي البطالـة قـد أطلتـا
ولا يغررك تقصيري وسهـوي --- وخذ بوصيتي لـك إن رشدتـا
وقـد أردفتهـا تسعـا حسانـا --- وكانـت قبـل ذا مائـة وستـا
وصلى على تمام الرسل ربـي --- وعترته الكريمـة مـا ذكرتـا