تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مقالات فلسفية مهمة


خائنة
2010-03-07, 19:39
الوجودية:

الوجودية هي تيار فلسفي يعلي من قيمة الانسان ويؤكد على تفرده، وأنهصاحب تفكير وحرية وارادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه. و هي حركه فلسفيه تقترح بان الانسان كفرد يقوم بتكوين جوهر و معنى لحياته. ضهرت كحركه ادبيه و فلسفيه في القرن العشرين, على الرغم من وجود من كتب عنها في حقب سابقه. الوجوديه توضح ان غياب التاثير المباشر لقوه خارجيه ( الاله ) يعني بان الفرد حر بالكامل و لهذا السبب هو مسؤول عن افعاله الحره. والانسان هو من يختار و يقوم بتكوين معتقداته و المسؤوليه الفرديه خارجاً عن اي نضام مسبق. و هذه الطريقه الفرديه للتعبير عن الوجود هي الطريقه الوحيده للنهوض فوق الحاله المفتقره للمعنى المقنع ( المعاناه و الموت و فناء الفرد).
التأسيس وأبرز الشخصيات
يرى رجال الفكر الغربي أن "سورين كيركجورد" (1813 - 1855م) هو مؤسس المدرسة الوجودية. من خلال كتابه "رهبة واضطراب". أشهر زعمائها المعاصرين هم:
• جان بول سارتر الفيلسوف الفرنسي.
• القس جبرييل مارسيل وهو يعتقد أنه لا تناقض بين الوجودية والمسيحية.
• كارل جاسبرز: فيلسوف ألماني.
• بسكال بليز: مفكر فرنسي.
• بيرد يائيف، شيسوف، سولوفييف في روسيا.
الأفكار
• يؤمنون إيماناً مطلقاً بالوجود الإِنساني ويتخذونه منطلقاً لكل فكرة.
• يعتقدون بأن الإِنسان أقدم شيء في الوجود وما قبله كان عدماً وأن وجود الإِنسان سابق لماهيته.
• يعتقدون بأن الأديان والنظريات الفلسفية التي سادت خلال القرون الوسطى والحديثة لم تحل مشكلة الإِنسان.
• يقولون إنهم يعملون لإِعادة الاعتبار الكلي للإِنسان ومراعاة تفكيره الشخصي وحريته وغرائزه ومشاعره.
• يقولون بحرية الإِنسان المطلقة وأن له أن يثبت وجوده كما يشاء وبأي وجه يريد دون أن يقيده شيء.
• يقولون إن على الإِنسان أن يطرح الماضي وينكر كل القيود دينية كانت أم اجتماعية أم فلسفية أم منطقية.
• لا يؤمنون بوجود قيم ثابتة توجه سلوك الناس وتضبطه إنما كل إنسان يفعل ما يريد وليس لأحد أن يفرض قيماً أو أخلاقاً معينة على الآخرين.
أقسام الوجودية
الوجودية تنقسم إلى قسمين: (وجودية) ملحدة، و(وجودية مسيحية).
أما الوجودية الملحدة فمن أبطالها في عصرنا الحاضر: (جان بول سار تر) وقد ولد عام (1905م) ومارس التدريس في (الهافر) ثم في المعهد الفرنسي بـ (برلين)، واعتقل عام (1940) ولبث سنة كاملة في السجن، ثم تخلى عن مهنة التدريس وقد تأثر في فلسفته بمؤلفات (هوسرل)(1) و(هيجدر)… وقد كان شيوعياً في ابتداء أمره، ثم عدل عن ذلك إلى (الوجودية) التي تزعمها، وصار على طرفي نقيض مع الشيوعية، ولذا كل من الفريقين يحارب الآخر ويهاجمه أشد مهاجمة، لكنه بعد يعتقد بأن المستقبل للاشتراكية، لأن ظروفها باقية، ولسارتر مكان خاص في (باريس) يرتاده مريدوه، ولهم أشكال غريبة وهيئات خاصة من حيث الملبس وما إليه، لكن (سارتر) بمبدئه (الوجودي) عاجز عن الإدارة التي تتطلبها الظروف الراهنة، ولذا يتنبأ المراقبون السياسيون للتيارات: أن مبدأه مكتوب عليه بالفشل..ولسارتر آراء خاصة حول (الكون) و(الإنسان) و(النظام) و(الأخلاق) وما اليها، وكثيراً ما يميل إلى صب آرائه في القوالب القصصية، مما يجعل فهم آرائه أصعب، والوجودية ليست مبدءاً اخترعها هو بل كانت من ذي قبل وإنما نفخ فيها وجعل لها قوالب جديدة.
أما الوجودية المسيحية فمن أبطالها: (غابريل مارسال).
وهاتان الوجوديتان، وإن كان بينهما نقاط من التفاهم، إلا أن بينهما نقاطا أكثر من التخالف… كالاختلاف الكثير بين اتجاهات رجال كل تيار من (الملحدة) و(المسيحية) فالوجودية فرق ومذاهب، وان جمعت الكل خطوط رئيسية..
الوجود والماهية
هنا (ذهن) و(خارج).
فما يتصور في الذهن، يسمى (ذهنياً)، وما يكون في الخارج يسمى (خارجياً).
مثلاً: إذا تصورت (إنساناً ذا رأسين) أو تصورت (زيداً) أو تصورت (جبلاً من ياقوت) سمي كل ذلك (ذهنياً) لأن موطنه عالم الذهن.
أما (زيد) و (البرتقال الموجود على الشجرة) و(الجسر المعلق في بغداد) و (مرقد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في النجف الأشرف) فكل ذلك خارجي، لوجودها في العالم (خارجاً عن الذهن).
ثم .. إن هذه الأمور الخارجية، كل واحد منها له جزءان (المهية) و(الوجود).
و(المهية) هي الأمر الخاص بكل فئة من الأشياء، و(الوجود) هو الأمر العام الشامل لجميع الأشياء. مثلاً: (الإنسان) و(الفرس) و(النخل) و(الماء) و(الذهب) كلها مشتركة في أن الجميع (موجودة) ولذا يحمل الموجود عليها، فتقول: (الإنسان موجود) (الفرس موجود) وهكذا.
وذلك بخلاف (المهية) فان حقيقة الإنسان ومهيته، غير حقيقة الفرس ومهيته، وكذلك بالنسبة إلى سائر الموجودات.
وان شئت وضوح ذلك مثلت الوجود بـ (الضياء) الذي يغمر الأشياء، فكل ما في الغرفة يشع عليه ضياء المصباح، بينما لكل واحد مما في الغرفة حقيقة خاصة بها.
وإنما تسمى (المهية) بهذا الاسم اشتقاقاً من (ما هي).
ثم إن (الوجود) و(المهية) إنما يتصور فيهما الاثنينية عقلا، أما خارجاً، فلا يعقل الانفكاك بينهما إذ (الوجود) البحت بلا مهية غير معقول (في الممكنات)، كما انه لا يمكن أن يكون في الخارج (مهية) مجردة بلا وجود.
وكيف كان.. فالكلام حول الوجود والمهية طويل جداً.. وإنما ذكرنا هذا القدر لتعرف اجمال المطلب ثم تنظر إلى انه كيف يرتطم هؤلاء الفلاسفة الجدد، الذين اتسموا بسمة الفلسفة، في متاهات، ونكتفي بأمثلة قليلة.
فالوجودي الكاثوليكي، ج. مارسيل(9)، يقول:
«لقد طالما شغلتني مشكلة اسبقية الماهية بالنسبة إلى الوجود» وهو يفهم من كلمة (ماهية) «ما لا يتعدى المدرك» أي الأفكار العامة التي نستخدمها في التفكير ـ كما يفسره بول فلكييه ـ: وهو يرى أيضاً كل إنسان هو الذي سيحدد ما يكون وهو الذي يختار ماهيته الفردية «فنحن لسنا في الواقع إلا ما نصيّره».
أرأيت كيف خبط (مارسيل) الفلسفة بالأوهام، فأي ربط بين (المهية) وبين (ما لا يتعدى المدرك)، فانك لا تجد كتاباً من كتب الفلسفة الناضجة، إلا تراه يبين أن (المهية) ما لها موطن في كل من عالمي (الذهن) و(الخارج).
ثم.. ما معنى (المهية الفردية) إلا اصطلاحاً غير ناضج. فالفرد له مقومات تكوينية، كما أن له تفكيراً يمكن به من تغيير بعض أنحاء سلوكه، وكلا الأمرين لا يرتبطان بالمهية بالمعنى الفلسفي.
أما (سارتر) الوجودي الملحد، فله فلسفة نيّة مدهشة في عدم النضج، لا حول موضوع (الوجود) و (المهية) فحسب، بل حول كل مفهوم فلسفي، وأراني اضطر إلى نقل جملة من كلامه.
ففي كتاب (وجودية ووجوديين) ص52 نقلاً عن مجلة (العمل) 27 كانون الأول 1944 ما نصه:
«التعابير الفلسفية ما يدل على أن لكل شيء من الأشياء ماهية ووجوداً، فالماهية هي مجموعة ثابتة من الخصائص، والوجود هو نوع من الحضور الفعلي في العالم… يعتقد كثير من الناس أن المهية تأتي أولاً ثم يتبعها الوجود، إن أطول هذه الفكرة موجودة في التفكير الديني: بدليل أن من يريد بناء بيت يحسب أن يعرف بدقة صورة هذا البيت وهيئته وهنا تسبق الماهية، وكذلك شأن من يؤمنون بأن الله هو خالق الناس انهم يعتقدون أن خلق الله قد تمّ بعد أن استعان بفكرته عنهم، وهي ماهيتهم، أما الذين لم يحتفظوا بإيمانهم بالله فقد احتفظوا بهذه الفكرة التقليدية القديمة بان الشيء لايتحقق وجوده ما لم يكن منسجماً مع ماهيته، وقد رأى القرن الثامن عشر كله، أن هناك ماهية مشتركة عامة، لكل الرجال دعيت بالطبيعة البشرية، وخلافاً لهؤلاء جميعاً تؤكد الوجودية: أن الوجود يسبق المهية عند الإنسان فقط والإنسان وحده، يعنى هذا ببساطة كلية: أن الإنسان يكون أولا، أي يتحقق وجوده ثم يصبح بعد ذلك هذا أو ذاك».
إن هذا الكلام الفج ليتعجب منه الإنسان ايما تعجب.
فأولا.. أي ربط بين القول بأصالة المهية أو أصالة الوجود، وبين الإيمان بالله وعدم الإيمان به؟
وثانياً.. أي ربط بين المهية، وبين التصور؟
وثالثاً.. ما معنى الانسجام بين الماهية والوجود؟
ورابعاً.. ما معنى كون المهية مجموعة ثابتة من الخصائص، والوجود هو نوع من الحضور الفعلي؟
وخامساً.. لا معنى إطلاقاً لان الوجود يسبق المهية عند الإنسان فقط، دون ما سواه.
وسادساً.. من الذي كان يزعم أن خلق الله قد تم بعد أن استعان بفكرته عليهم؟
1 أن مسألة أصالة الوجود أو المهية، كما قررها الفلاسفة شيء يرتبط بالآثار ، لا بالإيمان إطلاقاً .. فالقائل بأصالة المهية يقول: بأن الآثار لها، والقائل بأصالة الوجود يقول بأن الآثار له، ويمكن أن يكون كل واحد منهما مؤمناً كما يمكن أن يكون كل واحد منهما ملحداً، أو أحدهما مؤمناً، والآخر ملحداً ـ هذا مؤمن وذلك ملحد أو بالعكس ـ .
2 والمهية لا ربط لها بالتصور، فهي بمعنى الحقيقة التي تأتي في الذهن كما تأتي في الخارج.
3 والمراد بانسجام المهية مع الوجود ـ الذي قاله الفلاسفة ـ إن من المهيات ما لا يعقل وجودها كشريك الباري وأعظمية الجزء من الكل، وما أشبه.. كما أن من المهيات ما يعقل وجودها، وهذا القسم تارة توجد ـ كالإنسان ـ وتارة لا توجد ـ كجبل فضة ـ وهذا كما تراه لا ربط له بكلام (سارتر) إطلاقاً.
4 والمهية والوجود قد عرفت تعريفهما ـ إجمالا ـ في أول هذا الفصل، ولا ربط لما ذكره (سارتر) بما تقدم.
5 ولم يدع أحد من الفلاسفة أسبقية الوجود على المهية خارجاً أو بالعكس، وإنما كلامهم في مقام التصور، كما أن العقل يتصور تقدم حركة اليد على حركة المفتاح، وإن كانا مقارنين في الوجود.
6 والله سبحانه لا يفكر إطلاقاً، فالتفكير من صفات الممكن لاالواجب ـ ولم يقل بتفكيره أحد من الفلاسفة ـ .
وجود الله تعالى
هل رأيت أثراً بدون مؤثر؟
وإذا رأيت الأثر ولم تر المؤثر، فهل يمكن أن تقتنع بأنه لا مؤثر لهذا الأثر؟
فإذا رأيت (قلماً) أو (ساعة) أو (مصباحاً) أو (صورة إنسان) ولم تر الذي صنع هذه الأشياء، ثم سألت عن الصانع لها؟ فقيل لك: انه لا صانع لها.. فهل تقبل كلام المجيب أم تضحك من كلامه؟
وإذا قال لك: انك لم تر الصانع، فيكف تؤمن بوجوده، فلعل (القلم) صنع من نفسه؟ فهل يهديك عقلك إلى القبول؟
إن هذه أمثلة على وجود الله تعالى.. فإذا كانت الصورة المنقوشة لا بد لها من صانع، فكيف يمكن أن يكون أصل الصورة ـ أي الإنسان ـ بلا صانع؟
والحاصل: إن العقل يرى ـ بالفطرة ـ ضرورة وجود صانع للكون، ومن يقول لا يهديني عقلي إلى ذلك، فهو أما غير ملتفت أو كاذب.
ثم يأتي بعد ذلك دور السؤال: إذا كان الصانع موجوداً، فلماذا لا نراه؟
والجواب: إن كثيراً من الأشياء موجودة ولا نراها، فالهواء موجودة ولا نراها، والقوة في الأسلاك الكهربائية موجودة ولانراها، والعقل في الإنسان موجود ولا نراه، والروح في الحي موجود ولا نراه، والأمواج في الفضاء موجودة ولا نراها… إلى ألف مثال ومثال…
ومن قال: بأن كل شيء موجود لا بد وأن يرى؟
ويأتي بعد هذا وذك دور سؤال ثالث، وهو: لماذا لا تكون الطبيعة هي الخالقة؟
والجواب: لا يمكن أن تكون الطبيعة خالقة، إذ الطبيعة جاهلة عاجزة، وهل يمكن أن يصنع هذه المصنوعات شيء جاهل عاجز؟ وهذا السؤال مثل أن يقال: إن هذا القصر الفخم المؤثث من صنع الطبيعة، لا من صنع مهندسين وصناع، فالجواب عن هذا الكلام هو الجواب عن قول من يزعم أن الطبيعة هي الخالقة!!
ويأتي بعد الأسئلة الثلاثة، سؤال آخر: هو انه لو كان الله هو الخالق لكل شيء، فمن هو خالق الله؟
والجواب ـ باللسان العلمي ـ أن الشيء ينقسم إلى ثلاثة أقسام: (واجب الوجود) ‍‍و (ممكن الوجود) و(ممتنع الوجود).
فالواجب وجوده ابدي دائمي، لم يكن في وقت من الأوقات معدوماً حتى يحتاج إلى الإيجاد والموجد …
والممكن الوجود، هو الذي يمكن وجوده وعدمه، وكان في القديم معدوماً ولذا يحتاج إلى الإيجاد والموجد ، كجميع ما في الكون من المخلوقات، حيث لم تكن، ثم كانت ..
والممتنع الوجود، هو الذي لا يمكن أن يوجد، مثل شريك الباري، لاستلزم ذلك المحال، وما يستلزم المحال فهو محال.
إذاً: فرق بين (الله) وبين (ما سواه) فالأول غني عن الخالق والثاني محتاج إلى الخالق.
ولنوضح ذلك بمثال بدائي ـ ولا مناقشة في الأمثال ـ حلاء كل شيء من السكر، أما حلاء السكر فمن نفسه.. نور كل شيء بالشمس، لكن نور الشمس من نفسها.. دهونة كل شيء بالدهن لكن دهونة الدهن من ذاته.. إدراك الإنسان بالعقل، لكن إدراك العقل ذاتي له.. وكذلك وجود كل شيء بالله، أما وجود الله فمن نفسه.
وهذا باللسان الفلسفي: كل ما بالغير لابد وان ينتهي إلى ما بالذات، أما ما بالذات فلا ينتهي إلى غيره، وإلا لزم (الخلف) أولاً، و(الدور أو التسلسل) ثانياً.
ثم… إن الله سبحانه ليس مركباً من (وجود) و(مهية) لأن التركيب من خواص الممكن، والله ليس بممكن ـ كما عرفت ـ بل واجب .. وانما الله سبحانه (وجود) لا تشوبه المهية إطلاقاً، إذا عرفت هذه الأسس ـ إجمالاً ـ فانظر إلى كلمات هؤلاء:
يقول (سارتر) في كتابه (الوجودية مذهب انساني):
كتب دستويفسكي، يقول: «إذا لم يكن الله موجوداً فان كل شيء يصبح مسموحاً» من هنا تنطلق الوجودية، فالإنسان متروك لا يعتني به أحد، لأنه لا يجد لا في نفسه ولا خارجها شيئاً يتمسك به ويتعلق باهدابه، إلى أن يقول: «فإذا كان الله غير موجود فإننا لا نجد أمامنا قيماً تسير تصرفاتنا وتجعلها شرعية».
ويقول سارتر في كتابه (الوجود والعدم) في صدد نفي الإله:
«هناك تناقض ضمني في الفكرة التي تقول: بوجود كائن يستمد وجوده من نفسه».
ويقول في كتابه (الغثيان):
«كل موجود يولد دون مبرر، ويعيش بسبب ضعفه وخوفه،ويموت بفعل المصادفة».
ويقول (أوغسطين) ـ وهذا ليس ملحداً وإنما نأتي بكلامه دلالة على كيفية فهمه لله تعالى ـ :
«الماهيات كلها موجودة في الذات الالهية».
إلى غيرها من الكلمات النافية لله، أو المثبتة لله على غير هدى.
ثم يأتي بعد ذلك دور من لا ينفي ومن لا يثبت بل يرى كلا الأمرين تجديفاً، يقول (كير كجارد) :
«إن كان من التجديف إنكار وجود الله فمن التجديف الأفظع أن نأتي لنثبت له وجوده».
إلى غيرها من الكلمات التي هي من هذا القبيل.
1ـ فما الدليل ـ يا سارتر ـ على عدم وجود الله؟
بل الدليل كما تقدم يثبت وجوده.. وإذا كان هذا الأمر المهم الذي يرتبط به السلوك ـ بله الآخرة ـ لا يستحق عناية الاستدلال، فما هو الذي يستحق عناية الاستدلال؟
يقول (لاوند) في كتابه (وجودية ووجوديون):
«البحث في الإله عند سارتر قصير جداً، ذلك لأن سارتر لايؤمن بوجود إله، وهو من ناحية اخرى قليل الكلام في هذا الموضوع رغم إلحاده الذي لا يحاول أن يبرره في أكثر ما يكتبه».
إن عرفان أن هناك (مبدءاً) و (معاداً) أم لا، من أهم الأمور التي تشغل بال الإنسان منذ الابتداء، وسيظل يشغل باله إلى الانتهاء.. فان الإنسان لا بد أن يكيف سلوكه تبعاً لأحد الأمرين من الايجاب والنفي، فكيف يمكن أن يستسهل في هذا الأمر المهم.
إننا نعتقد بوجود الله ونقيم عليه الأدلة، ونرى أن الذي لا يهتم إلى هذه الناحية بعيد عن نداء فطرته؟
2 ثم أي تناقض في القول بوجود الله؟ فلقد عرفت أن القول بعدم وجوده خلاف البداهة العقلية.. وقد تقدم في الأمثلة المقربة للمسألة (نور الشمس) وما أشبه، فهل (سارتر) يقول بالتناقض في كل ذلك؟
3 وهناك فرق بين (عدم المبرر) وبين (عدم معرفة المبرر) وكيف يعيش كل موجود بسبب ضعفه وخوفه؟ أليس هذا أفظع أنواع التجديف؟
ثم.. المصادفة ما معناها؟ فإن أريد عدم العلة، فمن أين ذلك؟ وان أريد أن (العلية) مطلقاً في كل شيء باطلة، فالأمر انكر، فانه لو قال سارتر بذلك لزم ان نقول له (الفكرة الوجودية ظهرت بلا علة، أي بلا فكرة) و(الذين دخلوا في هذا النظام وقبلوا بهذه الفكرة لم يكن لهم في ذلك علة من مطالعة كتب والاستماع إلى خطابات بهذا الشأن) وهكذا.. وهكذا.
وقد صدق من قال: (إن الإنسان إذا لم يلتزم بأساس صحيح، لابد وان يخبط عشواء في ألف موضوع).
4 ثم نأتي إلى كلام (أوغسطين) ونقول: ما معنى (أن المهيات كلها كانت موجودة في ذات الله) فما تقصد بالمهية؟ ثم ما تقصد بأنها كانت موجودة في ذات الله؟ وما الدليل على ذلك؟
إن (المهية) حقيقة الشيء التي بها يكون الشيء شيئاً خاصاً دون سواه، فحقيقة الإنسان التي بها يكون الإنسان إنساناً لا فرساً ولاحجراً، ولا ماءاً، ‎تسمى (مهية) وهكذا (مهية) سائر الأشياء.. وهذه المهيات قبل وجودها في الخارج (ذهنية) بحتة.. فلا معنى لوجود المهيات في ذات الله.
ثم .. انه قد ثبت في علم الفلسفة والكلام استحالة الاثنينية ـ بكل صورها ـ بالنسبة إلى الله تعالى، فأي معنى لوجود شيء فيه؟
5 أما كيف يكون كل من الاثبات والنفي تجديفاً، فذلك مما لابد أن يفسره القائل؟
ألست ترى أن ضرورة إثبات كل قائل بمبدأ، مبدأه بدليل، سواء كان مبدأ علمياً أو تجريبياً ؟ وكذلك القائل بنفي شيء، أيصح أن يقول إنسان: (المربع المستوي الأضلاع أكبر من المخمس الذي كل ضلع له يساوي ضلع المربع) ثم يقول إنسان آخر: إن الأمر بالعكس… وإذا سئل كل واحد عن الدليل احجم عن ذلك؟
فإذا كان الاثبات والنفي في هذه القضية البسيطة بحاجة إلى الدليل، فماذا ترى بالنسبة إلى قضية (المبدأ) التي يتوقف عليها سلوك الإنسان ـ بله الآخرة ـ؟
ولقد ذكرت في هذا الفصل كلام الملحد والمؤمن والمتردد، لتعرف إلى أي مستوى واطئ وصلت الفلسفة العليا عند هؤلاء، التي ينبغي أن تكون في مقدمة المهام الإنسانية.
فهم حقائق الأشياء
إذا دخلت (صيدلية) ورأيت فيها (قناني) عديدة، ثم علمت أن كل واحدة منها تنفع لمرض خاص أو عرفت حجوم القناني وألوانها، ومقادير السائلات التي فيها، وما أشبه.. فهناك يبقى سؤال آخر وهو: ما حقائق هذه السوائل..؟
ويجاب: بأن السائل في هذه القنينة مركب من كذا وكذا، والسائل في القنينة الثانية مؤلف من كذا وكذا..إلى غير ذلك.
ولكن هل ينتهي الأمر إلى هذا الحد؟
كلا!
إذ يبقى سؤال يتفطن إليه الأذكياء، وهو أن (الماء) الموجود في هذه السوائل ـ مثلاً ـ عماذا يتركب؟
وإذا أجيب عن هذا السؤال بأنه مركب من (الهيدروجين والأوكسجين) يبقى سؤال: (ما هي حقيقة الأوكسجين ـ مثلاً ـ )؟
إلى هذا الحد ينتهي العلم، أو يخطو خطوة أخرى إلى الأمام، ثم يقف، وعلامة الاستفهام بادية على شفته (؟).
إن فهم حقائق الأشياء، من أشكل الأمور، ولذا قال (السيد الشريف): «إن معرفة حقائق الأشياء مشكلة».
وقال (الفيلسوف السبزواري) في باب (الوجود):
«مفهومه من أعرف الأشياء وكنهه في غاية الخفــاء»
وهذا هو الذي سبب التجاء (أفلاطون) إلى (مُثله) حيث قال في تمثيله (بالكهف) في الكتاب السابع من الجمهورية: �
فلنتصوّر كهفاً عميقاً فيه مساجين أسرى، مقيدون منذ ولادتهم، يولون وجوههم شطر الجدار القائم، في منتهى أعماق الكهف، وعليه يلقى ضياء الشمس ظلال الأشخاص والأشياء التي تمر في الخارج قرب المدخل، وإذا كان الأسرى المساكين لا يعرفون إلا هذه الظلال على الجدران، فانهم يعتدون انها هي الحقيقة، ولا حقيقة سواها، ولو جر هؤلاء إلى خارج الكهف ليروا ضياء الشمس، أو الأشياء التي كانوا ينعمون النظر في ظلالها لغشيت أبصارهم وانبهرت فلا ترى شيئاً، وهكذا يحتاج هؤلاء إلى تدرب طويل ليستطيعوا تثبيت أنظارهم في هذه الأشياء، ورؤية الواقع كما هو، وعندئذ يعلمون أن مشاهد الكهف لم تكن غير أوهام وظلال».
ولعله إلى هذا أشير في الحديث الشريف: (من عرف نفسه فقد عرف ربه) إذا كان معناه: كما يستحيل معرفته كنه الرب يستحيل معرفته كنه النفس..
وقد ذكروا في سبب جهالة الإنسان بالحقائق، أن العلم احاطة من العالم بالمعلوم، والمتساويان لا يحيط أحدهما بالآخر، كما لايحيط احدهما بنفسه، للزوم الأوسعية والمغايرة بين المحيط والمحاط، فكيف يمكن احاطة الإنسان بحقيقة نفسه، أو حقيقة ما يساويه في المهية الامكانية؟
لكن هل عدم درك حقائق الأشياء يسبب أن يوجد في الإنسان شعوراً حاداً وضجراً وسأماً؟
كلا! بل العكس، فان محيط قدرة الإنسان ليس ضيقاً جداً من جميع الجهات، فعلى الإنسان العاقل أن يعمل فيما يقدر ولا يضجر عما لا يقدر، وفي المثل: (ايقاد شمعة تشق الظلمة خير من البكاء على فراق الشمس طول الليل).
أما الوجوديون فهم بالعكس.. فان عدم فهم الحقائق يوجد فيهم الشعور الحاد، ثم الضجر والكسل والترهل.
يقول (بول فلكييه):
«لكن الإنسان لا يفهم الكون، ولا يفهم ذاته… وبسبب عدم خضوع الواقع للمعقول يحمل الوجودي شعوراً حاداً كثيراً ما يصبح معذباً مؤلماً ــ إلى أن يقول: ــ إذا فالإنسان يتقدم في طريق الحياة وسط ليل أليل، لا نجوم فيه، وعلى طريق محفوفة بالمزالق والهاويات، وقد يقول قائل فلينتظر الصباح! فنجيب هذا مستحيل لأن الصباح لن ينبلج أبداً».
ولعل هذا هو السبب لما ظهر عند الوجوديين من الكسل والبطالة، كما يقول (رمضان لاوند) في كتابه (وجودية ووجوديون):
«فبدت لأول مرة في أزياء فريق الشبان والشابات أشكال غريبة، وبدت هذه الغرابة نفسها في السلوك والأندية التي فيها يجتمعون، والابهاء التي فيها يتواعدون، كما ظهرت عندهم ميول شديدة نحو اللامبالاة، والرغبة في اقتناص الفرص، والاستمتاع بأكبر قدر ممكن من الملذات والمسرات، يقابل هذا كله بذل الأقل الممكن من الجهد في العمل المتعب، والانتاج الايجابي، والتأنق في الملبس والمطعم والمشرب، وتصفيف الشعر والنظافة، بحيث أصبح الوجوديون في نظر المراقب اللبناني: موطناً للكسل والخمول، والوسخ والبوهيمية البلهاء، واللامبالاة بكل قيمة، وبكل عمل ايجابي ــ ثم يقول: ــ وأتاحت لي مجاورتي لأبناء الحي اللاتيني أن اتصل بالوجوديين الذين كانوا يجتمعون في أندية في مشارب شارع سان ـ جرمان ـ دي ـ بري، فكانت صورتهم هناك ـ أي في باريس ـ شبيهة بصورتهم في بعض زوايا بيروت ومشاربها.
أصالة الوجود
هناك نزاع قديم بين الفلاسفة حول (أصالة الوجود) و(أصالة المهية)، والسبب في هذا النزاع ومعناه، بصورة موجزة:
أن كل موجود له (جهة اشتراك مع الموجودات الأخر) وهي (الوجود).. و(جهة امتياز عن الآخرين) وهي (المهية)، فالانسان والفرس والماء ـ مثلا ـ كلها موجودات، بينما كل واحد منها لها خواص خاصة بها لا يتعداها إلى غيره، وحيث انه لا يمكن أن يقال بأن كلا من (الوجود) و(المهية) أصيلا، إذ يلزم منه أن يكون كل شيء شيئين، وان تكون للمهية المجردة تقرر في الخارج .. قالوا: بأصالة أحدهما، وانه إما الوجود أو المهية هو الأصل المتقرر، والآخر اعتباري لا موطن له إلا في الذهن.
فمن الذين ذهبوا إلى (أصالة الوجود) وان (المهية) حد له، لاأن له تحققاً خارجياً : (السبزواري) حيث قال في منظومته:
إن الوجود عندنا أصيل دليل من خالفنا عليــل
ومن الذين ذهبوا إلى (أصالة المهية) وان (الوجود) ليس لها تقرر في الخارج (السهروردي).
هذا موجز النزاع في هذا الموضوع، وموجز سبب النزاع.
وأنت ترى انه لا ربط لهذا النزاع بـ (الوجودية) الحاضرة إطلاقاً.. إنا سواء قلنا بأصالة الوجود أو أصالة المهية أي ربط بين كلامنا وبين أن نكون (وجودياً) أو لا نكون وجودياً؟
إن كلاً من القائل بأصالة الوجود، والقائل بأصالة المهية لا يشك في سائر القيم والأمور المرتبطة بالموجود، ولا يترتب على هذا النزاع الفلسفي الاهتمام بالموجود أو الوجود، أو عدم الاهتمام به، وإنما هذا نزاع علمي محض للتعرف على حقيقة شيء، ومعرفة الواقع، أرأيت لو تنازع اثنان في بعد (المجرة الفلانية) عنا: ألف سنة ضوئية أو خمسة آلاف سنة ضوئية ـ مثلاً ـ هل يترتب على ذلك سلوك أو قيمة أو اجتماع؟
وبهذا تعرف أن تشدد الوجودي في أصالة الوجود ليربط الأمر بـ (الفكرة الوجودية) المرتبطة بالقيمة والاجتماع وما إلى ذلك، من قبيل ربط (النزاع في بعد تلك المجرة) بالقيم والاجتماع وما اليهما.
يقول (بول فلكييه):
الوجودية كما يفهم من هذه الكلمة تتميز ـ قبل كل شيء ـ بميلها إلى التشديد على أهمية الوجود، فالوجودي لا يهتم كثيراً بالماهويات والامكانات والمفاهيم المجردة، وهو على طرفي نقيض والروح الرياضية فان اهتمامه يتجه نحو ما هو موجود، أو على الأصح نحو وجود ما هو موجود».
ثم.. انه قد تقرر في الفلسفة قسمان من العلوم: (العلم النظري) والثاني (العلم العملي)، وشأن الأول الكليات وما أشبه لأنه وضع للبقاء ولتحديد السلوك والعقيدة العامين.. كما أن شأن الثاني الأمور المرتبطة بالأعمال الفردية ـ سواء الفرد في ضمن الاجتماع أو الفرد في إطار نفسه ـ فلم تكن الفلسفة أهملت جانب الفرد، كما لم تهمل جانب الاجتماع.
فالفلسفة الوجودية التي تبرر موقفها باهمال الفلسفات القديمة جانب الفرد، إما جاهلة أو متجاهلة، يقول الاستاذ مكي في مقدمة ترجمته لكتاب (الوجودية مذهب انساني):
«فكل نظرية فلسفية كانت تعتبر الأفراد متشابهين، ولذلك كانت الدراسة الفلسفية بدل أن تنصب على الوجود الفردي تتعمد حيناً المجتمع فرداً ينصهر فيه كل فرد، وتعمد حيناً آخر إلى تجريد الفرد من كل صفاته الفردية حتى يصح أن يعتبر مطابق الصفات لأي فرد آخر فيصح عندها أن يكون مجال بحث، أما الفرد المتميز بفرديته وأخلاقه الخاصة وشخصيته الخلاقة ووجوده الذي لا يصح أن يعتبر نسخة مطابقة لأصل هذا الفرد لم يكن يجد عند جميع النظريات الفلسفية المجردة عن الحياة أي تجاوب مع الأمة وآماله وهكذا ضاع الفرد‍!
مقاييس الكون
للكون مقاييس لا يحيد عنها، كمقاييس الليل والنهار، والفصول الأربعة، والمد والجزر، واختلاف أحوال القمر، وكذلك مقاييس خلقة النبات والحيوان… إلى غيرها.
ولولا هذه المقاييس لم يهتد الإنسان إلى شيء ما إطلاقاً، فان مكتشف الكهرباء ـ مثلاً ـ وجد المقاييس التي تبين أن تشكيلات خاصة في أجهزة معينة تولد الطاقة الكهربائية، أما المقاييس فهي باقية مستمرة سواء بقي المكتشف أم مات؟ وهكذا بالنسبة إلى سائر المقاييس.
وكذلك الإنسان يولد، ويموت، ويعيش حسب مقاييس خاصة ـ علمنا بعضها، ولم نعلم البعض الآخر ـ وعلماء النفس والاجتماع والطب وما اليها، كل محاولاتهم فهم تلك المقاييس وتحقيقها.
بقي شيء، وهو أن قسماً من السلوك البشري خاضع لإرادة الإنسان ذاته، فالإنسان يتمكن أن يتعلم كما يتمكن أن يبقى جاهلاً، ويتمكن أن يزاول مهنة التجارة كما يتمكن أن يزاول مهنة المحاماة وهكذا...
أما في السلوك فكل من الصدق والأمانة وحسن المعاشرة والغيرة والإقدام وأضدادها باختياره.
وقد حددت الأديان ـ والإسلام بصورة خاصة ـ السلوك تحديداً وفق الحكمة والمصلحة، كما حددت الفلاسفة السلوك أيضاً تحديداً يتفق في بعض بنوده مع الأديان، ويختلف في بعض بنوده مع الأديان.
وكل تحديد وضع بمنتهى الدقة ـ خصوصاً في الإسلام ـ حتى أن الحيد عن ذلك التحديد يورث خبالاً وفسادا… ويكون المثل في ذلك مثل سيارة حدد سيرها المتوسط بمائة كيلو في الساعة، فالمائة والخمسون خطر، والخمسون ضياع وقت.
وأقل نظرة إلى كتب الفقه وكتب الأخلاق، كاف في إدراك هذه الحقيقة.. كما أن الالمام بشيء من أساليب الحياة، والتعمق في الأعمال والأحوال، يكفي لإدراك طرف من المصلحة في كل مقياس وضع لهذه الغاية.
أما الوجودي فانه لا يؤمن بذلك، ولذا تراه يتخبط خبط عشواء، فانه ليس من اليسير تقليب القوانين، وإنما يتلقى الذي يريد التقليب ألف صدمة وصدمة، وأخيراً تكفهر الحياة، حتى تكون كلها ليلا قاتماً.
يقول (بول فلكييه) في كتابه (هذه هي الوجودية):
«ولكي نفهم تماماً، إلى أي حد تبلغ مأساة الحياة قوة في نظر الوجودي المنسجم مع مبادئه، ليس علينا إلا أن نذكر الأخلاقية الماهوية، وسواء نظرنا إلى كبار فلاسفة اليونان، أو المفكرين المسيحيين أو ملاحدة القرن الثامن عشر، أو نسبي القرن التاسع عشر، رأيناهم جميعاً يؤمنون بوجود نموذج انساني، أو مثال ينظرون إليه انه المثل الأعلى، ويرون انه يجمل بالانسان إن لم نقل يتحتم عليه أن يطمح إلى بلوغه.
وعلى العكس نرى (الوجودي) المنسجم مع مبادئه لا يعترف بأي مقياس، على كل إنسان أن يصنع مقاييسه بنفسه وما يجب أن يكونه ليس مكتوباً في أي مكان، بل عليه أن يبتكره، ولاشك في أن بوسعه اللجوء إلى موجه ينصح له ويهديه فيتخلى عن توجيه حياته ويترك زمامها لسواه ممن يثق بهم، ولكن اختيار هذا الموجّه أو هذا القائد، يتطلب معرفة ببعض مبادئ الحياة، وهذا يصعب كثيراً في بعض الأحيان».
ثم يقول:
«وباطراح كل عالم مثالي، واعتباره تصورات خيالية مجردة، يصل الوجوديون إلى هذا التناقض المؤلم، وهو أن عليهم الاختيار دون أن يكون لديهم أي مبدأ للاختيار، أو أي مقياس يشير عليهم انهم أحسنوا صنعا باختيارهم، أو أساؤوا».
وغير خفي على الإنسان الواعي الخطر الذي يكمن في مثل هذا الفكر: (لا مقياس، فافعل ما شئت) ولذا نرى ما ينجم عن هذا الرأي سبب أكبر قدر من الأضرار على العالم.
واليك مثلا، نذكره من مجلة حضارة الإسلام، ذو الحجة 1384 ص136:
أما بالنسبة لمجال القيم والمثل والأفكار، فان الانسانية قد استقرت خلال تجاربها المتلاحقة، عبر المدى الطويل، على قيم محدودة في مجال الفرد والجماعة، وقد مهرت هذه القيم العالي من عرقها ودموعها ودمائها، لذلك فان أي تغيير تخبطي عشوائي، لمجرد التغيير سيؤدي إلى مزيد من الضلال والتيه والتمزّق والألم، ولن يتم هذا التغيير العشوائي، إلا على حساب سعادة الإنسان.
إن سببا أساسياً من أسباب الاضطراب والقلق في العصر الحديث هو التغيير المستمر للقيم، هذا التغيير السريع الذي يفوق حدّ التصور، فلو أخذنا قيمة من قيم العصر الحديث، (كالحرية) مثلاً، ورسمنا لتغيرها خطاً بيانياً خلال فترة القرن التاسع عشر والقرن العشرين (م) لوصلنا إلى خط رجراج متذبذب، أقصى درجات التذبذب، فمفهوم الحرية بعد الثورة الفرنسية،كان يعني إعطاء الإنسان بعض حرياته الشخصية، ثم تغير مفهوم الحــــرية فأصبح يعني عند الرأسمالي حرية جمع الثروات الطائلة واحتكار الأرزاق واســــتغلال البشر، ثم تغير المفهوم، فأصبح يعني عند الشيوعي إقامة دكتاتورية وحشية تنحر دماء الناس وتزهق أرواحهم، وأخيراً أصبح مفهوم الحرية يعنى عند الفاشستي، تسلط شخصي على مقدرات أمة كاملة.
إن الاختلاف في مفهوم الحرية من مجتمع إلى آخر يبلغ حد التناقض الكامل، وما هذا الاختلاف والتباين في المفهوم إلا لأن أشخاصاً ألّهوا أنفسهم، ووجهوا قطاعات بشرية كاملة، فرسموا خطوط سيرها حسب أهوائهم واجتهاداتهم القاصرة، كان في الماضي منهم ماركس واليوم… سارتر وغدا غيرهم».
ويبقى هنا سؤال يفرض نفسه، وهو انه إذا كان من الضروري اتباع المقاييس الواقعية، فماذا ـ يا ترى ـ المنهج الذي يلزم على الإنسان أن يتبعه للحصول على تلك المقاييس، بينما نرى الاختلاف الكبير في المقاييس.
والاجابة عن ذلك:
أ إما بطريقة الايمان… أن يتبع الإنسان (الفطرة الأصلية المودعة في الإنسان) مما بينها الأنبياء المرسلون (عليهم السلام) .
ب وأما بطريقة الفحص والاجتهاد، فكما قال (ديكارت) ــ كما في كتاب (المدخل إلى فلسفة ديكارت) ـــ:
«أن أرفض مطلق شيء على انه حق، ما لم يتبين بالبداهة لي انه مثل ذلك، أعنى أن أتجنب التسرع والتشبث بآراء سابقة، لا اخذ من أحكامي إلا ما يتمثله عقلي بوضوح تام، وتمييز كامل بحيث لا يعود لدي مجال للشك فيه.
من المآخذ على الوجودية
ننقل هنا بعض الفصل السادس من كتاب (رمضان لاوند) (وجودية ووجوديون) للاطلاع على بعض المآخذ التي أخذت على (سارتر) وان حاول ردها في كتاب (الوجودية مذهب انساني) لكن الحقيقة أن نقول: مطالعة كتاب سارتر تعطي اعترافه ـ ولو بعض الاعتراف بهذه المآخذ ـ والأستاذ (لاوند) وان ذكر في نفس هذا الفصل مقتطفات من ردود (سارتر) لكن المطالعة المستوعبة لكتب سارتر تعطي دليلاً على صحة جملة من الإيرادات…
كما أن كثيراً من الوجوديين في (باريس) و(بيروت) وغيرهما أعطوا أدلة حية على صدق المآخذ.
واليك ما ذكره (لاوند) في الفصل المذكور:

1 دعوة الوجودية إلى الخمول، ودفعها إلى اليأس.
2 تقوية الروح الفردية الحالمة، التي تبتعد عن المجتمع ومشاكله الراهنة.
3 استحالة تحقيق أي انتاج ذي طابع اجتماعي عام.
4 اكتفاء الوجودية بتصوير مظاهر الحياة الحقيرة:من جبن وفسق وضعف وميوعة، ونسيانها مظاهر الحياة الآملة القوية التي تؤمن بمستقبل عظيم
5 الوجودية لا تؤمن بالتعاون الاجتماعي.
6 تنكر الوجودية لفكرة الله، وتنكرها للقيم الالهية، وخلوها من مواقف جدية انسانية في الحياة.
7 الوجودية أداة للتفسخ الاجتماعي لأنها تحول دون أن يصدر أي من الناس حكماً على تصرفات الآخرين، بحيث يكون كل فرد عالماً قائماً بذاته في مجتمع يحتاج إلى التعاون، والانضواء الجماعي والمسؤولية المشتركة المتبادلة.
الجذور الفكرية والعقائدية
• إن الوجودية جاءت ردة فعل على تسلط الكنيسة وتحكمها في الإِنسان بشكل متعسف باسم الدين.
• تأثرت بالعلمانية وغيرها من الحركات التي صاحبت النهضة الأوروبية ورفضت الدين والكنيسة.
• تأثرت بسقراط الذي وضع قاعدة "اعرف نفسك بنفسك".
• تأثروا بالرواقيين الذين فرضوا سيادة النفس

العقل:
إِن العقل الإِنساني ليس شيئاً بسيطاً, وإِنّما هو مركّب, ويمكن تمييز مستويات مختلفة تبيّن تحرر الفكر من الصور الحسية تدريجياً. فهناك العقل الاستدلالي المنطقي المجاور للمخيّلة, وهناك العقل المحض الذي يستند, بوجه أساسي, إِلى الطبائع البسيطة, ويدركها بالحدس (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=10335&vid=25). وفي العقل المحض يُميّز العقل المنفعل والعقل الفعّال: إِذا كان الأول مشابهاً للمادة وقادراً على استقبال المعقولات, فإِنّ الثاني أسمى منه, إِذ هو كالضوء يحيل الألوان من القوة إِلى الفعل, كما أنّه يحقق الصّور المعقولة بالفعل, سواء أكانت مختلطة بالمادة كالصور المغلفة بالأخيلة, أم محضة كالصور التي يحتويها العقل الفعّال نفسه, وعند ذلك يكون العقل الفعّال, الذي أصبح هو ذاته المعقول, قادراً على أن يعقل ذاته.
والعقل بتعقله المعقولات يصبح عقلاً بالملَكة. وعلاقة (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=12167&vid=25) هذا الأخير بالفعل مماثلة لعلاقة (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=12167&vid=25) الملكة بالممارسة. وبفضل الملَكة يمارس العقل عملية التعقل, أي أنه يجعل من المعقول موضوع تعقل فعلي, فيتطابق العقل مع المعقول. هذا التطابق في عملية المعرفة العقلية, إِضافة إِلى تطابق الحاس والمحسوس في عملية الإِحساس, هما قضيتان أساسيتان في الفلسفة الأرسطية.
أمّا العقل الفعّال فإِنّه «اللامفارق اللامنفعل غير الممتزج, من حيث إِنّه بالجوهر (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=9920&vid=25) فعل, لأنّ الفاعل دائماً أسمى من المنفعل, والمبدأ أسمى من الهيولى, والعلم بالفعل هو وموضوعه شيء واحد». فهو, إِذن, محض, أبدي وغير منفعل, كما أنه في جوهره بالفعل, بعكس العقل المنفعل الذي لا يتحقق بالفعل إِلاّ بوساطة الصور المعقولة التي يتلقاها.
ولكن كيف يمكن للصور المعقولة أن تحقق بالفعل العقل المنفعل المعروف بمكان الأفكار؟ وههنا يتدخل العقل الفعّال الذي يستدعي إِليه الصور المختلطة بالمادة الحسية أو الخيالية ليتحققها ويحقق بها الفعل المنفعل بالفعل. وإِذا كان العقل المنفعل يختفي باختفاء الفرد, وتختفي مع اختفائه الانفعالات والذكريات المنفعلة والفاسدة, فإِن العقل الفعّال, على العكس من ذلك, يبقى, كما هو, بعد الموت. يقول أرسطو في كتاب «النفس»: «أما العقل, فإِنه ولا ريب أكثر ألوهية ولا ينفعل». هذا العقل, عندما يفارق, يصبح «هو جوهراً, وعندئذ فقط يكون خالداً وأزلياً... ومن دون العقل الفعّال لا نعقل قط».
ولكن هل للعقل الفعّال وجود (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=10934&vid=25) قبل اتحاده بالنفس؟ وهل هو من الإِنسان؟ وموجود (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=10934&vid=25) فيه؟ إِنّ ما تبقى من نصوص أرسطو, لا يسمح بالإِجابة بدقة عن هذه الأسئلة. فكل ما يمكن قوله إِنّ العقل الفعّال فريد, فعل محض, غير متحرك إِطلاقاً, عقل وعاقل ومعقول, حتى إِنه لا يعقل إِلاّ ذاته, وشبيه بالله, بل حتى إِلهي. وهذا ما دفع الاسكندر الأفروديسي إِلى تأكيد أن العقل الفعال هو نفسه الله, فأطلق عليه «الله المفكر فينا». وصفوة القول إِن العقل الفعّال يبدو جنساً من النفس (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=11849&vid=25) متميزاً منها, ويفارقها عند الموت, كما يفارق الأبدي الأشياء الفاسدة. وبهذا المعنى يقول أرسطو في كتاب «النفس»: إِن ههنا نوعاً من النفس (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=11849&vid=25) مختلفاً, وإِنها وحدها يمكن أن تفارق الجسم, كما يفترق الأزلي عن الفاسد. أما أجزاء النفس (http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=11849&vid=25) الأخرى, فيتّضح ممّا سبق أنها لا تفارق, كما يزعم بعض الفلاسفة.
هل أصل المفاهيم الرياضية تعود إلى العقل أم إلى التجربة

السؤال إذا كنت أمام موقفين يقول متعارضين يقول احدهما أن المفاهيم الرياضية في أصلها الأول صادرة عن العقل ويقول ثانيهما أنها صادرة عن التجربة مع العلم أن كليهما صحيح في سياقه ونسقه وطلب منك الفصل في الأمر لتصل إلى المصدر الحقيقي للمفاهيم الرياضية فما عساك أن تفعل؟
طرح المشكل
منذ أن كتب أفلاطون على باب أكاديميته من لم يكن رياضيا لا يطرق بابنا. والرياضيات تحتل المكانة الأولى بين مختلف العلوم وقد ظهرت الرياضيات كعلم منذ القدم لدى اليونانيين.وهي تدرس الكم بنوعيه المتصل والمنفصل وتعتمد على مجموعة من المفاهيم .وإذا كان لكل شيء أصل .ولكل علم مصدر فما أصل الرياضيات وما مصدر مفاهيمها ؟فهل ترتد كلها إلى العقل الصرف الخالص, أم إلى مدركاتنا الحسية والى ما ينطبع في أذهاننا من صور استخلصناها من العالم الخارجي ؟ وبعبارة أخرى هل الرياضيات مستخلصة في أصلها البعيد من العقل أم من التجربة؟
عرض الأطروحة الأولى
أصل المفاهيم الرياضية يعود إلى العقل
يرى العقليون أن أصل المفاهيم الرياضية يعود إلى المبادئ الفطرية التي ولد الإنسان مزودا بها وهي سابقة عن التجربة لان العقل بطبيعته ,يتوفر على مبادئ وأفكار فطرية .وكل ما يصدر عن هذا العقل من أحكام وقضايا ومفاهيم ,تعتبر كلية وضرورية ومطلقة وتتميز بالبداهة والوضوح والثبات ومن ابرز دعاة هذا الرأي نجد اليوناني أفلاطون الذي يرى أن المفاهيم الرياضية كالخط المستقيم والدائرة .واللانهائي والأكبر والأصغر ......هي مفاهيم أولية نابعة من العقل وموجودة فيه قبليا لان العقل بحسبه كان يحيا في عالم المثل وكان على علم بسائر الحقائق .ومنها المعطيات الرياضية التي هي أزلية وثابتة , لكنه لما فارق هذا العالم نسي أفكاره ,وكان عليه أن يتذكرها .وان يدركها بالذهن وحده . ويرى الفيلسوف الفرنسي ديكارت أن المعاني الرياضية من أشكال وأعداد هي أفكار فطرية أودعها الله فينا منذ البداية وما يلقيه الله فينا من أفكار لا يعتريه الخطأ ولما كان العقل هو اعدل قسمة بين الناس فإنهم يشتركون جميعا في العمليات العقلية حيث يقيمون عليه استنتاجاتهم ويرى الفيلسوف الألماني "كانط" إن الزمان والمكان مفهومان مجردان وليس مشتقين من الإحساسات أو مستمدين من التجربة ,بل هما الدعامة الأولى لكل معرفة حسية
نقد الأطروحة الأولى
لا يمكننا أن نتقبل أن جميع المفاهيم الرياضية هي مفاهيم عقلية لان الكثير من المفاهيم الرياضية لها ما يقابلها في عالم الحس.وتاريخ العلم يدل على أن الرياضيات وقبل أن تصبح علما عقليا ,قطعت مراحل كلها تجريبية .فالهندسة سبقت الحساب والجبر لأنها اقرب للتجربة
عرض الأطروحة الثانية أصل المفاهيم الرياضية هي التجربة
يرى التجريبيون من أمثال هيوم ولوك وميل أن المفاهيم والمبادئ الرياضية مثل جميع معارفنا تنشا من التجربة ولا يمكن التسليم بأفكار فطرية عقلية لان النفس البشرية تولد صفحة بيضاء .فالواقع الحسي أو التجريبي هو المصدر اليقيني للتجربة.وان كل معرفة عقلية هي صدى لادراكاتنا الحسية عن هذا الواقع .وفي هذا السياق يقولون (لا يوجد شيء في الذهن ما لم يوجد من قبل في التجربة )ويقولون ايضا (ان القضايا الرياضية التي هي من الأفكار المركبة ,ليست سوى مدركات بسيطة هي عبارة عن تعميمات مصدرها التجربة )ويقول دافيد هيوم ( كل ما اعرفه قد استمدته من التجربة) ففكرة الدائرة جاءت من رؤية الإنسان للشمس والقرص جاءت كنتيجة مشاهدة الإنسان للقمر. والاحتمالات جاءت كنتيجة لبعض الألعاب التي كان يمارسها الإنسان الأول .وقد استعان الإنسان عبر التاريخ عند العد بالحصى وبالعيدان وبأصابع اليدين والرجلين وغيرها ,والمفاهيم الرياضية بالنسبة إلى الأطفال والبدائيين .لا تفارق مجال الإدراك الحسي لديهم ,وان ما يوجد في أذهانهم وأذهان غيرهم من معان رياضية ما هي إلا مجرد نسخ جزئية للأشياء المعطاة في التجربة الموضوعية.
نقد الأطروحة الثانية
لا يمكننا أن نسلم أن المفاهيم الرياضية هي مفاهيم تجريبية فقط لأننا لا يمكننا أن ننكر الأفكار الفطرية التي يولد الإنسان مزود بها.وإذا كانت المفاهيم الرياضية أصلها حسي محض لاشترك فيها الإنسان مع الحيوان
.التركــــــــــــــــــيب
إن أصل المفاهيم الرياضية يعود إلى الترابط والتلازم الموجود بين التجربة والعقل فلا وجود لعالم مثالي للمعاني الرياضية في غياب العالم الخارجي ولا وجود للأشياء المحسوسة في غياب الوعي الإنساني .والحقيقة أن المعاني الرياضية لم تنشأ دفعة واحدة ,وان فعل التجريد أوجدته عوامل حسية وأخرى ذهنية
الخاتمة

إن تعارض القولين لا يؤدي بالضرورة إلى رفعهما لان كلا منهما صحيح في سياقه , ويبقى أصل المفاهيم الرياضية هو ذلك التداخل والتكامل الموجود بين العقل والتجربة .ولهذا يقول العالم الرياضي السويسري غونزيث (في كل بناء تجريدي ,يوجد راسب حدسي يستحيل محوه وإزالته .وليست هناك معرفة تجريبية خالصة ,ولا معرفة عقلية خالصة.بل كل ما هناك أن أحد الجانبين العقلي والتجريبي قد يطغى على الآخر ,دون أن يلغيه تماما ويقول" هيجل" "كل ما هو عقلي واقعي وكل ما هو واقعي عقلي"




*** هل التجربة شرط في كل معرفة علمية ؟؟؟

إذا كان تاريخ العلم مرتبطا بظهور المنهج التجريبي الذي مكن العلماء من التحقق من صدق فروضهم ، هل هذا يعني أن التجربة هي شرط المعرفة العلمية ؟ وفي هذه الحالة ماذا نقول عن المعرفة الرياضية التي تعتبر معرفة علمية ، ولا تقوم على التجربة ؟ والمشكل المطروح هل المعرفة العلمية بالضرورة معرفة تجريبية أم لا ؟ ** ليبدأ العالم بحثه بملاحظة ظاهرة غريبة فيتساءل عن سبب ظهورها ، عندها يحاول أن يجيب عن السؤال ، ويكون هذا الجواب مؤقتا يحتمل الصدق والكذب إلى أن ينزل به إلى المخبر ليجربه ، وتكون التجربة بذالك عملية التحقق من صحة أفكارنا أو عدم صحتهاعن طريق إعادة بناء الظاهرة من جديد في ظروف اصطناعية بواسطة الفرض فلما لاحظ * كلوديرتارد* إن بول الأرانب التي اشتراها من السوق صاف وحامض ، وهاتان الصفتان خاصتان بآكلة اللحوم في حين أن الأرانب آكلة عشب ، يجب أن يكون بولها عكرا قلويا ، افترض أن الأرانب كانت جائعة وأكلت من أحشائها الداخلية ، لكي يتأكد كلودبرنارد من فرضه هذا ، اطعم الأرانب العشب ، فكان بولها عكرا قلويا ، ثم تركها جائعة مرة أخرى وهذا هو الفرض الذي افترضه فأصبح بولها صافيا حامضا ، وهذه هي الظاهرة التي لاحظها وقد أعاد بناءها بواسطة الفرض الذي استنتجه من الظاهرة نفسها غير أن العالم لا يقوم بتجربة واحدة وإنما يكرر التجربة عدة مرات مع تغير شروطها للتحكم فيها أكثر ، كما يعمد إلى تحليل الظاهرة وعزل مختلف شروطها لتبسيطها ، فإذا كانت الظاهرة في الطبيعة قد تختلط بغيرها من الظواهر ، فان العلم في المخبر يعمل على حذف الشروط التي لا تهمه ، ليحتفظ فقط بالعناصر الأساسية للظاهرة التي يشير إليها الفرض ، والتي توجد في كل الحوادث التي لها نفس الخاصية ، مما يمكنه من استخلاص النتائج ثم تعميمها على الأجزاء وإذا توقف العالم عند مرحلة الفرض ، ولم يستطع أن يثبت صحته في الواقع ، فان عمله لا يدرج ضمن المعارف العلمية ، لأن العقل إذا كان يبني الأفكار ، فان الواقع هو الذي يحكم عليها إذا كانت صادقة أم لا ، أن صحة المعرفة العلمية متوقفة على عدم تناقض الفكر مع الواقع الأمر الذي لا يمكن التأكد منه إلا باستعمال التجربة المخبرية ، يقول كلودبرنارد$إن الملاحظة هي جواب الطبيعة الذي تجوب به دون سؤال ، لكن التجربة هي استنطاق الطبيعة $ ويرى جون ستوارتمل ان الملاحظة العلمية اذا كانت تثير فينا تساؤلات ، فان التجربة قادرة على تقديم الإجابة الحاسمة لها . ما يبدو واضحا لنا ان الانسان وكأنه جعل من بلوغ المعرفة العلمية الصحيحة هدف وجوده وغايته ، وكان عليه ان يعرف معيار هذا الصدق ، فكان جوابه أن الصدق عكس التناقض وكان قانونه أن المعرفة لا تكون علمية إذا كانت خالية من التناقض غير أن التناقض نوعان : تناقض الفكر مع الواقع ، وتناقض الفكر مع نفسه ، وإذا كانت المعرفة في العلوم الطبيعية و الأنسانية تجعل من التجربة وسيلة لتحقيق شرط عدم التناقض أحكامها مع الواقع ، بل تجعلها تتطابق معها ، مادام الحكم يعود إلى الواقع ، فأن المعرفة العقلية التي تمثلها الرياضيات والمنطق لاتستعمل التجربة للتحقق من فروضها بصفتها علما مجردا ، وإنما تستعمل البرهان العقلي الذي يجعل الفكر لا يتناقض مع المبادئ والفرضيات التي وضعها ، فأذا قلنا في الرياضيات أن مجموع زوايا المربع 360 درجة فإننا لم ننقل هذا الحكم من الواقع كما يحدث في الفيزياء ، وإنما استنتجناه إستنتاجا منطقيا من المسلمة التي تقول أن مجموع زوايا المثلث 180 درجة وإذا كان المربع ضعف المثلث ، كانت مجموع زواياه تساوى 180*2 =360درجة غير الن الرياضي في بنائه للمعرفة الرياضية وان كان يستعمل منهجا يختلف عن المنهج الذي يستعمله الفزيائي فأنه يمر بنفس الخطوات التي يمر بها العلم الطبيعي ، فهو أولا يشعر بوجود مشكلة تستوجب الحل ، لم يحددها وعندها يستخلص الفروض الممكنة التي لا يتوقف عندها وإنما يحاول التحقق منها بالبرهان العقلي ، هذه المعرفة التي الرياضي لا تقل قيمة عن المعرفة التي يبينها الفيزيائي ، إذ كلاهما قبل أن يستخلص النتائج يتحقق من صحتها ، وان كانت عملية التحقيق في العلوم التجريبية مخبرية ، وفي الرياضيات برهانية فأن غايتهما واحدة وهي الوصول بالفكر إلى حكم خال من التناقض . النتيجة : هكذا نستنتج أن التجربة شرط اساسي في المعرفة العلمية لكنها ليست الشرط الكافي ، فالمعرفة العلمية العقلية تقوم على البرهان العقلي وليس على التجربة ، لنقل في النهاية ان المعرفة نوعان معرفة علمية تجريبية ومعرفة علمية عقلية.


يوجد العديد من المذاهب في الفلسفة ومن بينها المذهب العقلي :
عبر تاريخ الأفكار حاول الفلاسفة العقلانيون أن يبنوا مذهبا عقليا وهم يفكرون بالعقلويفكرون في هذا العقل وقد عمل بعض الفلاسفة على بناء فكرهم على أساس العقل نظرا لأنالتجريبيون الذين اعتمدوا على الحواس لأنه كما قال "روني ديكارت" حواسنا كثيرا ماتخدعنا وأكبر دليل هو امتلاك الناس جميعهم للعقل ويرى العقلانيون أن العقل هو وسيلةموصلة إلى المعرفة الحقة وقد اعتمد العقلانيون على مبادئ العقل في بناء فكرهم ومنها

(مبدأ الهوية – مبدأ الثالث المرفوع – مبدأ عدم التناقض ) إضافة إلى البديهيات وهي قضاياقائمة بذاتها لا تحتاج لإثبات وجودها إلى البرهان .

وانطلق العقلانيون من معارف قبلية إذ يعتبرون أن العقل هو مصدر المعرفة وأن الحقيقةتنبع من العقل هذا ما يوضحه " روني ديكارت " الذي يرى أن العقل هو مصدر المعرفةوأن الحقيقة تنبع منه .

انطلق ديكارت وكثير من الفلاسفة العقلانيين من نقذهم للحواس أي المعرفة الحاصلة منجراء الحس أذانها كثيرا ما تخدعنا مثال على ذلك البصر مثلا : رؤيتنا للقمر على أنه دينارصغير ولكنه في الحقيقة أكبر من ذلك .

ويقول العقلانيون أنه لا يمكن للإنسان أن يغلق عينيه ويتحصل على المعرفة .

والفكر عند ديكارت هو قوام الوجود الإنساني فالكائن البشر لم يخرج عن كونه كائنا عاقلامفكرا والفكر هو كل حالة من حالات الشعور والعاطفة والإرادة فهو فعل العقل .

فأول شيء يجب على الإنسان معرفته هو أنه يمتلك ملكة التفكير والنور الطبيعي لإدراكوتحصيل المعرفة وقد أعطى ديكارت للمعرفة الشك فهو أول المراحل الموصلة إلى اليقينوشعاره ضرورة البدء بالشك في الأشياء الحسية وأمور العالم المادي والواقع أن الحواسكثيرا ما تخدعنا وأن الموجودات الحسية واقعة في الأعيان خارج الأذهان إننا حين نشك فيحقيقة الأشياء المعروضة على حواسنا فإننا نزيح كل معرفة غير قائمة على حدس منحدوس العقل على اعتبار أن الحدس هو الرؤية العقلية المباشرة التي يدرك بها الذهن بعضالحقائق لتجعل منه النفس يقينا لا يناقضه شيء أو هو نظرة من نظرات العقل تصل درجةوضوحه إلى حد يزول معه كل شك وهو عقلي لا يتعلق بالحواس ولا الخيال بل خاصيةالذهن الخالص فليس هناك تطابق بين الفكر والواقع وينبغي البحث عن اليقين الذي يكون فيهالفكر مطابقا للواقع بالضرورة وكما يقول ديكارت " أنا أفكر إذن أنا موجود " بمعنى أناموجود حين أفكر ومن حيث أني أفكر وكوني أفكر,أن لي وجودا نفسيا ووجدانا أو وعياوعليه فإن أول خطوة من خطوات معرفتنا هي اكتشاف وجود أنفسنا أو ذواتنا وأنه لا يجبالثقة في حكم حواسنا لأنها لا تخدعنا فحسب بل تعرض علينا عالما خارجيا لا يمكن أنتكون حقيقته مطابقة لمظهره وإن أقرب العوالم إلى الحقيقة هو العالم الذي تصفه لنا الفيزيقيةالرياضية لا على العالم التقريبي الذي تمدنا به إدراكاتنا الحسية وقد أصدر ديكارت كتاب

"مقال في المنهج " وضع فيه عدة قواعد :

01) البداهة : لا أتلقى شيء على انه بديهي بل يجب أن نبرهن عليه بعد الشك فيه .
02) التحليل : تفكيك الأجزاء إلى عناصر صغيرة ليسهل فهمه وإدراكه
03) التركيب : تقديم مقررات نهائية واستخلاص نتائج الانتقال من النظري إلى العملي .
04) الإحصاء : ( الاستقصاء التام ) وهو المرحلة الأخيرة في البحث وتتمثل في مراجعة خطوات البحث .

فالمعارف السابقة + الشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك = معارف يقينيــــــــــــــــــــــــــــــــــة

يلمس النسق الفكري للمذهب التجريبي في المبدأ الجوهري اﻠﺬي يحركه في المسلمات


التي يقتضيها و طريقة اختبارها و قبل الإطلال عليه يجب علينا طرح عدﺓ تساؤلات منها: _هل تستطيع التجربة أن تنشئ في العقل المعاني و التطورات ?
هل العلم في كل صورة يرتد إلى التجربة ? _
و يمكننا الإجابة عن ﻫﺬه الأسئلة من خلال اكتشافنا ﻠﻠﻣﻧﻫب التجريبي و بحتنا الدقيق فيه.

المدخل إلي اﻠﻣﺬﻫﺐ التجريبي : _1

خلال القرنين السابع عشر و الثامن عشر بدأت النزعة التجريبية في مفهومها التقليدي مع الفلاسفة امتال بيكون وجون لوك وهيوم و استمرت في مفهومها اﻠجديد في القرنين 19و20 ﻫ ونشير إلى أن مفهومها الأول كان يهتم بالنظرية المعرفة أما في مفهومنا الثاني اتسع استعمالها إلي حقول التفكير كالأدب والأخلاق فصلا عن المعرفة .
2_المسلمات:

_إن ﻠﻠﻤﺬهب التجريبي مسلمة واحدة و هي الأساسية ﻧات مظهرين و الأساسية والمأخوذ بها هي أن المصدر الجوهري الانسق لكل أنواع المعرفة هو التجربة و هده الأخيرة تتفرع إلى جزئيين الأول نقدي و يتم فيه استبعاد المذهب العقلاني من أصوله , الثاني تأسيسي يتم فيه بناء المذهب التجريبي و يبني المذهب التجريبي على ׃

العقل لا يستطيع ينشا بالفطرة المعاني و التصورات و ليست له القدرة *
علي خلع صفة الصدق علي ما يبتدعه من معرفته.

العلم في كل صورة يرتد إلي التجربة. *

3_ اختيار المسلمات׃

لقد قام أصحاب النزعة التجريبية بعد اختبارات للتجريب المسلمات الماخودة بها من ناحية مذهبهم و من النتائج المتحصل عليها ׃
إن العقل لا يستطيع أن ينبع بفطرة المعاني و التطورات و انه ليس على −◊
قدرة الخلع بصفة الصدق على ما يبتدع من معرفة و من دلائل و الحجج المقدمة لتأكيد وجهة نظرهم الحجج التالية ׃
رفض التجريبيون التسليم بالأفكار الفطرية الموروته و المبادئ العقلية •
البديهة و القواعد الخلقية الأولى التي لا تأتي اكتساب و أشاروا للحدس الذي يزعم أهله أنهم يدركون به الأولويات الرياضية والمنطقية و دلك لان المرء قبل خوضه لتجربة يكون عبارة عن صفحة بيضاء فهو لا يعرف شيء عن العالم و يبدأ تشافه عن طريق الحواس و لأننا نعرف الملموس قبل المجرد و الخاص قبل العام ولا تصل إلى المجرد إلا انطلاقا من الملموس ويقول الفيلسوف الانجليزي جون لوك « إن الأبيض ليس اسود و اللذة ليست الألم»

رفضوا أن يكون العقل قادرا على الوصول إلي أي علم يبقى تابت بطريقة •
الفطرة و ما توجد به من أولويات كلية و دلك لان الأحكام العقلية تتغيربتغيرالزمان و المكان و تختلف باختلاف ظروف الأعمال و مجالات البحت و الأحوال إن العقل لم يعد يتصور كنظام مفلوق و صارم من المبادئ المحددة قبليا , و إن لوضح وجود هده المبادئ الكلية و المعاني الفطرية أو الموروثة لتساوى العلم بها الناس في كل زمان و مكان على أن المبدأ عدم التناقض أو الهوية أو غيرهما مما يظن انه من المبادئ الفطرية لا يعرفه إلا قلة من المثقفين و يجهله الأطفال و المعتوهون و الهمج و أما المبادئ العلمية سواء كانت خلقية أو قانونية فيختلف الناس في أمرها باختلاف الزمان و المكان .
أما بالنسبة للعلم في كل صورة يرتد إلي التجربة فقال التجريبيون تعد نشأته −◊
فكرة سببية طبيعيا للإنسان ودلك بملاحظة من تغير الأشياء و يقول الفيلسوف جون لوك في هده النظرية بان ليس في العقل شيء جديد إلا وقد سبق وجوده في, الحدس أولا ودلك لان لولا وجود الحواس لما كان للأشياء الخارجية فضلا



عن وجودها في العقل و يعود استو حاء مفهوم السببية إلي التجربة فيقول دافيد
هوم الملقب بالأب الروحي للمذهب التجريبي لا شيء من الأفكار يحقق لنفسه ظهورا في العقل ما لم يكن قد سبقه و مهدت له طريق انطباعات مقابلة له و يقول أيضا العادة هي المرشد العظيم للحياة البشرية فهدا المبدأ وحده هو الذي يجعل خبرتنا ذات بقع لنا ويتيح لنا أن نتوقع في المستقبل سلسلة من الحوادث شبيهة بسلسلة الحوادث التي ظهرت فيما مضى و بغير تاتير العادة تكون على جهل تام بكل أمر من أمور الواقع .

و يميز هيوم كما دهب إليه لوك من قبله بين الأفكار البسيطة والمركبة ' المركبة هي التي ينتجها الفكر البشري بنفسه عن طريق ترابط الأفكار البسيطة أما البسيطة هي عكس من دلك, الأفكار التي يصنعها الفكر و التي لا نحسها وإنما هي تلك التي يجب بالضرورة أن يستقبلها من التجربة .
فالنتيجة المراد وضعها من طرف التجريبيين هي أن المعارف العلمية أو الأخلاقية التي يحملها الإنسان إنما هو التجربة و دلك لان نشاط العقل باتمه ينطلق من العالم الخارجي فضلا عن حياة الناس و مشاكلها فالأمر الذي آل إليه المد هب التجريبي هو أن التجربة أولا تم العقل ثانيا وهكذا تتأكد مسلمات المذهب التجريبي في القول أن العقل لا يستطيع أن يبتدع بفطر المعاني و التصورات. و ليست له القدرة على خلع صفة الصدق على ما يبتدعه من معرفة ¸ و أن العلم في كل صوره يرتد إلي التجربة.



نص السؤال :
يقول هنري بوانكاريه : « إن التجريب دون فكرة سابقة غير ممكن ... » أطروحة فاسدة وتقرر لديك الدفاع عنها فما عساك أن تفعل ؟


الإجابة النموذجية : طريقة استقصاء بالوضع

طرح المشكلة :
إن الفرضية هي تلك الفكرة المسبقة التي توحي بها الملاحظة للعالم ، فتكون بمثابة خطوة تمهيدية لوضع القانون العلمي ، أي الفكرة المؤقتة التي يسترشد بها المجرب في إقامته للتجربة . ولقد كان شائعا بين الفلاسفة والعلماء من أصحاب النزعة التجريبية أنه لم يبق للفرضية دور في البحث التجريبي إلا أنه ثمة موقف آخر يناقض ذلك متمثلا في موقف النزعة العقلية التي تؤكد على فعالية الفرضية و أنه لا يمكن الاستغناء عنها لهذا كان لزاما علينا أن نتساءل كيف يمكن الدفاع عن هذه الأطروحة؟ هل يمكن تأكيدها بأدلة قوية ؟ و بالتالي تبني موقف أنصارها ؟
محاولة حل المشكلة :
عرض منطق الأطروحة :
يذهب أنصار الاتجاه العقلي إلى أن الفرضية كفكرة تسبق التجربة أمر ضروري في البحث التجريبي ومن أهم المناصرين للفرضية كخطوة تمهيدية في المنهج التجريبي الفيلسوف الفرنسي كلود برنار ( 1813 – 1878 ) و هو يصرح بقوله عنها « ينبغي بالضرورة أن نقوم بالتجريب مع الفكرة المتكونة من قبل» ويقول في موضع أخر « الفكرة هي مبدأ كل برهنة وكل اختراع و إليها ترجع كل مبادرة » وبالتالي نجد كلود برنار يعتبر الفرض العلمي خطوة من الخطوات الهامة في المنهج التجريبي إذ يصرح « إن الحادث يوحي بالفكرة والفكرة تقود إلى التجربة وتحكمها والتجربة تحكم بدورها على الفكرة » أما المسلمة المعتمدة في هذه الأطروحة هو أن " الإنسان يميل بطبعه إلى التفسير و التساؤل كلما شاهد ظاهرة غير عادية " وهو في هذا الصدد يقدم أحسن مثال يؤكد فيه عن قيمة الفرضية و ذلك في حديثه عن العالم التجريبي " فرانسوا هوبير" ، وهو يقول أن هذا العالم العظيم على الرغم من أنه كان أعمى فإنه ترك لنا تجارب رائعة كان يتصورها ثم يطلب من خادمه أن يجربها ،، ولم تكن عند خادمه هذا أي فكرة علمية ، فكان هوبير العقل الموجه الذي يقيم التجربة لكنه كان مضطرا إلى استعارة حواس غيره وكان الخادم يمثل الحواس السلبية التي تطبع العقل لتحقيق التجربة المقامة من أجل فكرة مسبقة . و بهذا المثال نكون قد أعطينا أكبر دليل على وجوب الفرضية وهي حجة منطقية تبين لنا أنه لا يمكن أن نتصور في تفسير الظواهر عدم وجود أفكار مسبقة و التي سنتأكد على صحتها أو خطئها بعد القيام بالتجربة .
نقد خصوم الأطروحة :
هذه الأطروحة لها خصوم وهم أنصار الفلسفة التجريبية و الذين يقرون بأن الحقيقة موجودة في الطبيعة و الوصول إليها لا يأتي إلا عن طريق الحواس أي أن الذهن غير قادر على أن يقودنا إلى حقيقة علمية . والفروض جزء من التخمينات العقلية لهذا نجد هذا الاتجاه يحاربها بكل شدة ؛ حيث نجد على رأس هؤلاء الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت مل ( 1806 - 1873 ) الذي يقول فيها « إن الفرضية قفزة في المجهول وطريق نحو التخمين ، ولهذا يجب علينا أن نتجاوز هذا العائق وننتقل مباشرة من الملاحظة إلى التجربة »وقد وضع من أجل ذلك قواعد سماها بقواعد الاستقراء متمثلة في : ( قاعدة الاتفاق أو التلازم في الحضور _ قاعدة الاختلاف أو التلازم في الغياب – قاعدة البواقي – قاعدة التلازم في التغير أو التغير النسبي ) وهذه القواعد حسب " مل " تغني البحث العلمي عن الفروض العلمية . ومنه فالفرضية حسب النزعة التجريبية تبعد المسار العلمي عن منهجه الدقيق لاعتمادها على الخيال والتخمين المعرض للشك في النتائج – لأنها تشكل الخطوة الأولى لتأسيس القانون العلمي بعد أن تحقق بالتجربة – هذا الذي دفع من قبل العالم نيوتن يصرح ب : « أنا لا أصطنع الفروض » كما نجد "ما جندي" يرد على تلميذه كلود برنار : «اترك عباءتك ، و خيالك عند باب المخبر » . لكن هذا الموقف ( موقف الخصوم ) تعرض لعدة انتقادات أهمها :
- أما عن التعرض للإطار العقلي للفرض العلمي ؛ فالنزعة التجريبية قبلت المنهج الاستقرائي وقواعده لكنها تناست أن هذه المصادر هي نفسها من صنع العقل مثلها مثل الفرض أليس من التناقض أن نرفض هذا ونقبل بذاك .
- كما أننا لو استغنينا عن مشروع الافتراض للحقيقة العلمية علينا أن نتخلى أيضا عن خطوة القانون العلمي – هو مرحلة تأتي بعد التجربة للتحقق من الفرضية العلمية - المرحلة الضرورية لتحرير القواعد العلمية فكلاهما – الفرض ، القانون العلمي – مصدران عقليان ضروريان في البحث العلمي عدمهما في المنهج التجريبي بتر لكل الحقيقة العلمية .
- كما أن عقل العالم أثناء البحث ينبغي أن يكون فعالا ، وهو ما تغفله قواعد "جون ستيوارت مل "التي تهمل العقل و نشاطه في البحث رغم أنه الأداة الحقيقية لكشف العلاقات بين الظواهر عن طريق وضع الفروض ، فدور الفرض يكمن في تخيل ما لا يظهر بشكل محسوس .
- كما أننا يجب أن نرد على "جون ستيوارت مل" بقولنا أنه إذا أردنا أن ننطلق من الملاحظة إلى التجربة بالقفز وتجاهل الفرضية فنحن مضطرين لتحليل الملاحظة المجهزة تحليلا عقليا و خاصة إذا كان هذا التحليل متعلق بعالم يتصف بالروح العلمية . يستطيع بها أن يتجاوز تخميناته الخاطئة ويصل إلى تأسيس أصيل لنظريته العلمية مستعملا الفرض العلمي لا متجاوزا له .
- أما" نيوتن " ( 1642 – 1727 )لم يقم برفض كل أنواع الفرضيات بل قام برفض نوع واحد وهو المتعلق بالافتراضات ذات الطرح الميتافيزيقي ، أما الواقعية منها سواء كانت علية ، وصفية ، أو صورية فهي في رأيه ضرورية للوصول إلى الحقيقة . فهو نفسه استخدم الفرض العلمي في أبحاثة التي أوصلته إلى صياغة نظريته حول الجاذبية .
الدفاع عن الأطروحة بحجج شخصية شكلا ومضمونا :
إن هذه الانتقادات هي التي تدفعنا إلى الدفاع مرة أخرى عن الأطروحة القائلة : « إن التجريب دون فكرة سابقة غير ممكن ... » ، ولكن بحجج وأدلة جديدة تنسجم مع ما ذهب إليه كلود برنار أهمها :
- يؤكد الفيلسوف الرياضي " بوانكاريه " ( 1854 – 1912 ) وهو يعتبر خير مدافع عن دور الفرضية لأن غيابها حسبه يجعل كل تجربة عقيمة ، «ذلك لأن الملاحظة الخالصة و التجربة الساذجة لا تكفيان لبناء العلم » مما يدل على أن الفكرة التي يسترشد بها العالم في بحثه تكون من بناء العقل وليس بتأثير من الأشياء الملاحظة وهذا ما جعل بوانكاريه يقول أيضا « إن كومة الحجارة ليست بيتا فكذلك تجميع الحوادث ليس علما »
- إن الكشف العلمي يرجع إلى تأثير العقل أكثر مما يرجع إلى تأثير الأشياء يقول " ويوال " : « إن الحوادث تتقدم إلى الفكر بدون رابطة إلى أن يحي الفكر المبدع .» والفرض علمي تأويل من التأويلات العقلية .
- إن العقل لا يستقبل كل ما يقع في الطبيعة استقبالا سلبيا على نحو ما تصنع الآلة ، فهو يعمل على إنطاقها مكتشفا العلاقات الخفية ؛ بل نجد التفكير العلمي في عصرنا المعاصر لم يعد يهمه اكتشاف العلل أو الأسباب بقدر ما هو اكتشاف العلاقات الثابتة بين الظواهر ؛ والفرض العلمي تمهيد ملائم لهذه الاكتشافات ، ومنه فليس الحادث الأخرس هو الذي يهب الفرض كما تهب النار الفرض كما تهب النار ؛ لأن الفرض من قبيل الخيال ومن قبيل واقع غير الواقع المحسوس ، ألم يلاحظ أحد الفلكيين مرة ، الكوكب "نبتون" قبل " لوفيري " ؟ ولكنه ، لم يصل إلى ما وصل إليه " لوفيري " ، لأن ملاحظته العابرة لم تسبق فكرة أو فرض .
- لقد أحدثت فلسفة العلوم ( الابستملوجيا ) تحسينات على الفرض – خاصة بعد جملة الاعتراضات التي تلقاها من النزعة التجريبية - ومنها : أنها وضعت لها ثلاثة شروط ( الشرط الأول يتمثل : أن يكون الفرض منبثقا من الملاحظة ، الشرط الثاني يتمثل : ألا يناقض الفرض ظواهر مؤكدة تثبت صحتها ، أما الشرط الأخير يتمثل : أن يكون الفرض كافلا بتفسير جميع الحوادث المشاهدة ) ، كما أنه حسب "عبد الرحمان بدوي " (1917 - 2002) لا نستطيع الاعتماد على العوامل الخارجية لتنشئة الفرضية لأنها برأيه « ... مجرد فرص ومناسبات لوضع الفرض ... » بل حسبه أيضا يعتبر العوامل الخارجية مشتركة بين جميع الناس ولو كان الفرض مرهونا بها لصار جميع الناس علماء وهذا أمر لا يثبته الواقع فالتفاحة التي شاهدها نيوتن شاهدها قبله الكثير لكن لا أحد منهم توصل إلى قانون الجاذبية . ولهذا نجد عبد الرحمان بدوي يركز على العوامل الباطنية ؛ «... أي على الأفكار التي تثيرها الظواهر الخارجية في نفس المشاهد ...»
- ومع ذلك ، يبقى الفرض أكثر المساعي فتنة وفعالية ، بل المسعى الأساسي الذي يعطي المعرفة العلمية خصبها سواء كانت صحته مثبتة أو غير مثبتة ، لأن الفرض الذي لا تثبت صحته يساعد بعد فشله على توجيه الذهن وجهة أخرى وبذلك يساهم في إنشاء الفرض من جديد ؛ فالفكرة إذن منبع رائع للإبداع مولد للتفكير في مسائل جديدة لا يمكن للملاحظة الحسية أن تنتبه لها بدون الفرض العلمي .
حل المشكلة :
نستنتج في الأخير أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار دور الفرضية أو استبعاد آثارها من مجال التفكير عامة ، لأنها من جهة أمر عفوي يندفع إليه العقل الإنساني بطبيعته ، ومن جهة أخرى وهذه هي الصعوبة ، تعتبر أمرا تابعا لعبقرية العالم وشعوره الخالص وقديما تنبه العالم المسلم الحسن بن الهيثم ( 965 - 1039 ) - قبل كلود برنار _ في مطلع القرن الحادي عشر بقوله عن ضرورة الفرضية « إني لا أصل إلى الحق من آراء يكون عنصرها الأمور الحسية و صورتها الأمور العقلية » ومعنى هذا أنه لكي ينتقل من المحسوس إلى المعقول ، لابد أن ينطلق من ظواهر تقوم عليها الفروض ، ثم من هذه القوانين التي هي صورة الظواهر الحسية .وهذا ما يأخذنا في نهاية المطاف التأكيد على مشروعية الدفاع وبالتالي صحة أطروحتنا.
السؤال المشكل :إذا افترضنا الأطروحة القائلة (أن العقل هو المصدر الأساسي للقيم الأخلاقية ) أطروحة فاسدة وتقرر لديك الدفاع عنها وتبنيها فما عساك أن تفعل ؟
إعادة صياغة السؤال بطريقة النظام القديم":اثبت الأطروحة التالية (العقل هو المعيار الأساسي للقيم الأخلاقية )
طرح المشكلة
إن مشكلة أساس القيمة الخلقية هي من أقدم المشكلات الفلسفية واعقدها التي اختلف حولها الفلاسفة والمفكرين منذ فجر التاريخ وتناولوها وفقا لأرائهم واتجاهاتهم الفكرية فإذا افترضنا أن الأطروحة القائلة( إن العقل هو المعيار الأساسي للقيمة الخلقية )فكيف يمكننا إثبات صحة هذا النسق؟عرض الأطروحة
يعتقد أنصار الاتجاه العقلي وفي مقدمتهم الألماني كانط أن العقل هو الأساس والمصدر لكل قيمة خلقية. لأنه الوسيلة التي يميز بها الإنسان بين الخير والشر. وهو الذي يشرع ويضع مختلف القوانين والقواعد الأخلاقية التي تتصف بالكلية والشمولية أي تتجاوز الزمان والمكان . ويرى كانط ان الافعال الحسنة هي أفعال حسنة في ذاتها والأفعال السيئة هي أفعال سيئة في ذاتها وقد اعتبر كانط الارادة الخيرة (النية الطيبة)الدعامة الأساسية للفعل الأخلاقي والشرط الذي ينبغي توفره في الإرادة هو الواجب ولهذا تسمى الأخلاق الكانطية –أخلاق الواجبوفي هذا يقول (إن الفعل الذي يتسم بالخيرية الخلقية فعل نقي خالص فكأنما هو قد هبط من السماء ذاتها) وما نستنتجه أن الواجب عند كانط أمر مطلق ,وان العقل العملي هو مصدر لكل قيمة أخلاقية وليست هناك أي سلطة خارجية تفرض نفسها على الإنسانتدعيم الأطروحة بحجج شخصية
-الأحكام العقلية توافق الأحكام الشرعية ,الدين جاء مخبرا عما في العقل(رأي المعتزلة) أولوية العقل على الشرع كما ان الكثير من الآيات القرآنية يأمر الله سبحانه وتعالى فيها الإنسان باستعمال العقل (فاعتبروا ياأولي الأبصار) سورة الحشر(الآية 2)(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وانتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) البقرة( الاية44)( ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون)
- التأمل والتدبر والتفكر في الكون يكون عن طريق العقل
-جميع الناس يملكون بالفطرة المبادئ العقلية – الاحكام العقلية احكام عالمية يقول ديكارت (العقل هو اعدل قسمة بين الناس .)وهذا بالإضافة إلى أن المجنون لا يستطيع التميز بين أفعال الخير والشر وهذا لافتقاده العقل ., والله سبحانه وتعالى رفع القلم عن الصبي والنائم والمجنون لأنهم لا يملكون العقل
الرد على خصوم الأطروحة:
عرض منطقهم أساس القيم الأخلاقية هي المنفعةمسلماتهم:
إن أفعال الإنسان لا تكون خيرا إلا إذا حققت له منافع .وان أدت إلى ضرر او عطلت نفعا كانت شرا .وبهذا تكون القيمة الخلقية للأفعال الإنسانية متوقفة على نتائجها وأثارها الايجابية .ويعتقد (ارسيتبوس )إن اللذة صوت الطبيعة اذ تفرض نفسها على كل الأفراد .وما عليهم إلا أن يخضعوا لها دون حياء أو خوف من أوضاع المجتمع وقيوده لان اللذة القصوى هي الغاية الوحيدة للحياة بل هي مقياس كل عمل أخلاقي .إنها الخير الأعظم ومقياس كل القيم .ويقول (ابيقور)-إن الناس ينشدون في حياتهم اللذة بدافع فطري -. ولهذا اعتبر اللذة هي الخير الأسمى الألم هو الشر الأقصى .أما جرمي بنتام فقد نظر للأخلاق نظرة تجريبية ويرى أن الإنسان بطبعه يميل إلى اللذة ويتجنب الالم ويبحث عن المنفعة ويتحاشى المضرة وهذا يعني حسبه أن الأفعال التي تتولد عنها اللذة أو المنفعة تعتبر أفعالا خيرة .أما الأفعال التي يتولد عنها الألم أو المضرة فهي أفعال شريرة .وهو نفس الطرح تقريبا الذي ذهب إليه مواطنه
(جون ستيوارت ميل )إلا انه اختلف معه في مسألة تقديم المنفعة الخاصة عن العامة .إذ أن الخير عنده يتمثل في ضمان اكبر سعادة للجماعة عوض الفرد.
نقد الخصوم
لا يمكننا إقامة الأخلاق على أساس المنفعة . لان منافع ومصالح الناس مختلفة ومتضاربة.وما يحقق منفعة لي قد يكون مضرة لغيري ولهذا يقال (مصائب قوم عند قوم فوائد)فالحروب ينتج عنها الكثير من الأضرار والخسائر لدى البعض ولكن لدى البعض الأخر -تجار الأسلحة- هي فرصة للربح لا تعوض ،كما ان ربط القيم الأخلاقية باللذة والألم يحط من قيمة الإنسان .وينزله لمرتبة الحيوان.
الخاتمة: إن العقل هو المصدر والمعيار الأساسي لكل القيم الأخلاقية وهذا لأنه هو ما يتميز به الإنسان عن غيره .ولان أحكامه تتصف دوما بالثبات والوضوح والكلية والشمول ،ومنه فان الأطروحة القائلة( إن العقل هو المقياس الأساسي للأخلاق)أطروحة صحيحة في سياقها ولا يمكننا اتهامها بالفساد:19:.

bilal122
2010-03-07, 20:02
السلام عليكم ..... شكرا على الجهد المبذول بارك الله فيك

ترشه عمار
2010-03-07, 20:10
http://69.59.144.138/icon.aspx?m=blank
http://69.59.144.138/icon.aspx?m=blank


هايلة يا .....اوليس من الافضل تغيير الاسم يا.....
بوركت..اختاه على هذا المجهود




http://shup.com/Shup/244118/26.gif

سعيد1255
2010-03-08, 00:32
شكرا على هذه المواضيع وارجو تزويدنا بالكثير
جزاكــــــــــــــــــــــــــــــــــــم الله خيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــر

yazid80
2010-03-08, 08:45
شكرا على الموضوع القيمممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممم مم

madam
2010-03-09, 19:46
:19: شكرا لك

ايمان الله
2010-03-09, 20:14
شكرااا يا أختاه ...... موضوع
رائع
:19::19::19:

عبدلو
2010-03-13, 16:17
mercccccccccci bk bk

mjaz2008
2010-03-13, 21:07
ألف شكر اخي و با رك الله فيك

imad.gatel
2010-03-29, 18:35
شكرا لك أخت وفية مخلصة

احلام الحياة الليلية
2010-12-11, 22:50
:):19::mh92: مشكورين على المجهودات جزاكم الله خيرا و جعل مثواكم الجنة انشاء الله و شكرا مرة اخرى بل الف شكر لكم:19::)

نهال الجزائرية
2010-12-14, 15:41
بارك الله فيييييييييييييييييييييييييك

abdelga90
2010-12-14, 16:15
مشكوووووووووووووووور

djahida.k jiji.dz
2010-12-14, 19:09
thankkkkkkkkkkkkkkkkkkkkkkksssssssssssss