المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عاجل أرجوكم ساعدوني


الهامل الهامل
2010-03-05, 17:36
أرجوكم أريد هذه المقالات في أقرب وقت :
العدالة
الداكرة والخيال
العولمة
الاحساس والادراك
القيم الاخلاقية
الانظمة السياسية
الانظمة الاقتصادية

ايمان الله
2010-03-05, 19:04
هل الإحساس الخالص وجود؟
-هل يمكن الفصل بين الإحساس والإدراك؟
-هل الإدراك إدراك لنظام الأشياء أم ارتباط بالتجربة الحسية ؟


مقدمة: يعيش الإنسان في بيئة مادية واجتماعية تحيط بها آثارها من كل جانب وفي كل الحالات هو مطالب بالتكيف معها ومن الناحية العلمية والفلسفية تتألف الذات الإنسانية من بعدين أساسيين, أحدهما يتعلق بالجانب الاجتماعي والآخر ذاتي يتعلق بطبيعة ونوعية الاستجابة, هذه الأخيرة منها ما هو إحساس ومنها ما هو تأويل وإدراك, فإذا علمنا أن الإنسان يعيش في بيئة حسية وأن الأشياء تظهر منظمة في الواقع فالمشكلة المطروحة:
-هل الإدراك إدراك لنظام الأشياء أم ارتباط بالتجربة النفسية ؟

التحليل
الرأي الأول(الأطروحة): انطلق أنصار هذه الأطروحة من فكرة عامة أن الإدراك يرتبط بسلامة الأعضاء لأنه من طبيعة حسية ومعنى ذلك أنه إذا لم يوجد عضو لما وجد أصلا إدراك, ويتحدثون عن العوامل الموضوعية المتمثلة في الشيء المدرك {إن الإنسان لا يدرك بعض الأصوات إذا زادت عن حدّها أو ضعفت}, تعود هذه النظرية إلى "أرسطو" الذي قال {من فقد حاسة فقد معرفة} ومن حججهم الحجة التمثيلية إن التمثال بمقدار زيادة الحواس تزداد معارفه مثله مثل الإنسان, حتى قيل في الفلسفة الإنجليزية{العقل صفحة بيضاء والتجربة تخطّ عليها ما تشاء}وشعارهم {لا يوجد شيء في الأذهان ما لم يكن موجودا في الأعيان}, غير أن هذه النظرية لم تتضح معالمها إلا على يد "ريبو"الذي لاحظ أن النشاط العضلي يصحب دائما بإدراك, وان الإنسان يتعلم خصائص المكان(الطول, العرض, العمق) من التجربة الحسية, قال في كتابه [السيكولوجيا الألمانية]{إن حالة الشعور التي ترافق بعض أنواع الحركات العضلية هي الأصل في إدراكنا للطول والعمق والعرض} والحقيقة أن هذه النظرية هاجمت التيار العقلي بل وأثبتت عجزه كما أكدت على دور وأهمية التجربة الحسية, قال "مولينو" {إذا علَّمنا الأكمة قليلا من الهندسة حتى صار يفرق بين الكرة والمكعب ثم عالجناه فسقي ثم وضعنا أمامه كرة ومكعب فهل يستطيع قبل التجربة الحسية أن يدررك كلا منهما على حدى وأن يفصله على الآخر}, ويرى "سبنسر" أن البصر هو أهم حاسة في إدراك موقع الأشياء وإذا افترضنا وجود سلسلة من الحروف (أ, ب,ج, د) فإن انتقال البصر من (أ)إلى(ب) ثم(ج ود) بسرعة بعد إحساس بالجملة كاملة لأن الأثر لا يزول إلا بعد مرور 1\5 من الثانية, وأكد على نفس الفكرة "باركلي" الذي تحدث عن الإحساس اللمسي البصري.

نقد: ما يعاب على هذه النظرية هو المبالغة في التأكيد على دور الحواس وإهمال العقل ثم أن الحيوان يمتلك الحواس ومع ذلك لا يدرك.

الرأي الثاني(نقيض الأطروحة):أسس أنصار هذه الأطروحة موقفهم من مشكلة الإدراك بقولهم أن نظام الأشياء هو العامل الأساسي, أي كلما كانت الأشياء منظمة يسهل إدراكها, ولهذا حاربت هذه النظرية الاعتماد على فكرة الجزء (التجزئة) ودافعت عن فكرة الكل, وتعود هذه النظرية إلى "وايتمر"و"كوفكا"و"كوهلر" هؤلاء العلماء اعتمدوا على طريقة مخبرية من خلال إجراء التجارب, وكانت أكثر تجاربهم أهمية تلك التي قام بها "وايتمر" حول الرؤية الحركية وكل ذلك تم في جامعة فرانكفورت عام 1942, هذه النظرية جاءت ضد العضوية التي اعتمدت على منهجية التحليل والتفكيك فكانت تقسم الموضوع إلى إحساساته البسيطة, ومثال ذلك الغضب أو الفرح فيدرسون وضعية العينين والشفتين والجبين, ثم بعد ذلك يؤلفون هذه الإحساسات البسيطة ويقدمون تفسيرا لتلك الظاهرة بينما "الجشتالت" يرون أن الغضب لا يوجد في العينين أو الشفتين بل في الوجه ككل والفكرة التي نأخذها عن الإنسان أفضل وأوضح عندما نركز في كامل الوجه بدلا لتركيز على الأشياء مفككة, وهكذا رفض "الجشتالت" التمييز بيم الإحساس والإدراك وعندهم لا وجود لإحساس خالص كما دافعوا عن العوامل الموضوعية المتمثلة في الشيء المدرك ولم يهتموا بالعوامل الذاتية, ووقفت هذه النظرية التجريبية أننا {نرى القلم في الماء منكسرا رغم أنه في الحقيقة ليس كذلك} وحصروا مراحل الإدراك في ثلاثة مراحل [إدراك جمالي] يتم دفعة واحدة ثم [الإدراك التحليلي] الذي يعقبه [الإدراك التركيبي التفصيلي], وقالوا أن هناك خصائص ومميزات أطلقوا عليها اسم عوامل الإدراك وذكروا منها (عامل التشابه) أي {كلما تماثلت وتشابهت سهل إدراكها} و(عامل الصورة أو الخلفية) وكذلك عامل التقارب وملخص الأطروحة أن الصورة أو الشكل الذي تظهر به الأشياء هو العامل الأساسي في إدراكنا.

نقد: إن التركيز على الصورة والشكل هو اهتمام بالعوامل الموضوعية وإهمال للعوامل الذاتية ثم أننا نجد نفس الأشياء ولكن الأشخاص يختلفون في حقيقة إدراكنا.

التركيب: إن الموقف التجريبي لا يحل مشكلة الإدراك لأن التركيز على الحواس هو تركيز على جزء من الشخصية, والحديث عن الصورة أو الشكل كما فعل "الجشتالت" هو إهمال لدور العقل وهذا ما أكدت عليه النظرية الظواهرية التي وقفت موقفا وسطا جمعت فيه بين الحواس والعقل والشعور أي ربط الإدراك بكامل الشخصية, قال "ميرلوبنتي" {العالم ليس هو ما أفكر فيه وإنما الذي أحياه}, والحقيقة أن الإدراك ليس و مجرد فهم المعنى جافة وآلية بل هو الوصول إلى عمق المعنى, ولا يكون ذلك إلا بالشعور, ومثال ذبك عند الظواهرية أن الفرق بين العجلة الخشبية الفارغة والعجلة التي تحمل ثقلا هو فرق في الشعور أي أننا نختلف في إدراكنا للشيء الواحد اختلاف الشعور والشخصية ككل.

الخاتمة: ومن كل ما سبق نستنتج: الإدراك لا يرتبط بالعوامل الذاتية المتمثلة في الحواس ولا العوامل الموضوعية المتمثلة الصورة أو الشكل بل يرتبط بالشخصية ككل.(الحواس والعقل والشعور)


أتمنى أن تستفيد من هذه المقالة
وأعدك ان وجدت الباقين
سأوفيك بهم


:mh31::mh31::mh31::mh31::mh31::mh31::mh31:

VIVI
2010-03-05, 19:45
عن قريب سوف اوافيك بمقالات في المحتو اكبر و تكون للحفظ مباشرة

خائنة
2010-03-07, 19:18
السؤال المشكل :إذا افترضنا الأطروحة القائلة (أن العقل هو المصدر الأساسي للقيم الأخلاقية ) أطروحة فاسدة وتقرر لديك الدفاع عنها وتبنيها فما عساك أن تفعل ؟
إعادة صياغة السؤال بطريقة النظام القديم":اثبت الأطروحة التالية (العقل هو المعيار الأساسي للقيم الأخلاقية )
طرح المشكلة
إن مشكلة أساس القيمة الخلقية هي من أقدم المشكلات الفلسفية واعقدها التي اختلف حولها الفلاسفة والمفكرين منذ فجر التاريخ وتناولوها وفقا لأرائهم واتجاهاتهم الفكرية فإذا افترضنا أن الأطروحة القائلة( إن العقل هو المعيار الأساسي للقيمة الخلقية )فكيف يمكننا إثبات صحة هذا النسق؟
عرض الأطروحة
يعتقد أنصار الاتجاه العقلي وفي مقدمتهم الألماني كانط أن العقل هو الأساس والمصدر لكل قيمة خلقية. لأنه الوسيلة التي يميز بها الإنسان بين الخير والشر. وهو الذي يشرع ويضع مختلف القوانين والقواعد الأخلاقية التي تتصف بالكلية والشمولية أي تتجاوز الزمان والمكان . ويرى كانط ان الافعال الحسنة هي أفعال حسنة في ذاتها والأفعال السيئة هي أفعال سيئة في ذاتها وقد اعتبر كانط الارادة الخيرة (النية الطيبة)الدعامة الأساسية للفعل الأخلاقي والشرط الذي ينبغي توفره في الإرادة هو الواجب ولهذا تسمى الأخلاق الكانطية –أخلاق الواجب
وفي هذا يقول (إن الفعل الذي يتسم بالخيرية الخلقية فعل نقي خالص فكأنما هو قد هبط من السماء ذاتها) وما نستنتجه أن الواجب عند كانط أمر مطلق ,وان العقل العملي هو مصدر لكل قيمة أخلاقية وليست هناك أي سلطة خارجية تفرض نفسها على الإنسان
تدعيم الأطروحة بحجج شخصية
-الأحكام العقلية توافق الأحكام الشرعية ,الدين جاء مخبرا عما في العقل(رأي المعتزلة) أولوية العقل على الشرع كما ان الكثير من الآيات القرآنية يأمر الله سبحانه وتعالى فيها الإنسان باستعمال العقل (فاعتبروا ياأولي الأبصار) سورة الحشر(الآية 2)(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وانتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) البقرة( الاية44)( ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون)
- التأمل والتدبر والتفكر في الكون يكون عن طريق العقل
-جميع الناس يملكون بالفطرة المبادئ العقلية – الاحكام العقلية احكام عالمية يقول ديكارت (العقل هو اعدل قسمة بين الناس .)وهذا بالإضافة إلى أن المجنون لا يستطيع التميز بين أفعال الخير والشر وهذا لافتقاده العقل ., والله سبحانه وتعالى رفع القلم عن الصبي والنائم والمجنون لأنهم لا يملكون العقل
الرد على خصوم الأطروحة:
عرض منطقهم أساس القيم الأخلاقية هي المنفعة
مسلماتهم:
إن أفعال الإنسان لا تكون خيرا إلا إذا حققت له منافع .وان أدت إلى ضرر او عطلت نفعا كانت شرا .وبهذا تكون القيمة الخلقية للأفعال الإنسانية متوقفة على نتائجها وأثارها الايجابية .ويعتقد (ارسيتبوس )إن اللذة صوت الطبيعة اذ تفرض نفسها على كل الأفراد .وما عليهم إلا أن يخضعوا لها دون حياء أو خوف من أوضاع المجتمع وقيوده لان اللذة القصوى هي الغاية الوحيدة للحياة بل هي مقياس كل عمل أخلاقي .إنها الخير الأعظم ومقياس كل القيم .ويقول (ابيقور)-إن الناس ينشدون في حياتهم اللذة بدافع فطري -. ولهذا اعتبر اللذة هي الخير الأسمى الألم هو الشر الأقصى .أما جرمي بنتام فقد نظر للأخلاق نظرة تجريبية ويرى أن الإنسان بطبعه يميل إلى اللذة ويتجنب الالم ويبحث عن المنفعة ويتحاشى المضرة وهذا يعني حسبه أن الأفعال التي تتولد عنها اللذة أو المنفعة تعتبر أفعالا خيرة .أما الأفعال التي يتولد عنها الألم أو المضرة فهي أفعال شريرة .وهو نفس الطرح تقريبا الذي ذهب إليه مواطنه
(جون ستيوارت ميل )إلا انه اختلف معه في مسألة تقديم المنفعة الخاصة عن العامة .إذ أن الخير عنده يتمثل في ضمان اكبر سعادة للجماعة عوض الفرد.
نقد الخصوم
لا يمكننا إقامة الأخلاق على أساس المنفعة . لان منافع ومصالح الناس مختلفة ومتضاربة.وما يحقق منفعة لي قد يكون مضرة لغيري ولهذا يقال (مصائب قوم عند قوم فوائد)فالحروب ينتج عنها الكثير من الأضرار والخسائر لدى البعض ولكن لدى البعض الأخر -تجار الأسلحة- هي فرصة للربح لا تعوض ،كما ان ربط القيم الأخلاقية باللذة والألم يحط من قيمة الإنسان .وينزله لمرتبة الحيوان.
الخاتمة: إن العقل هو المصدر والمعيار الأساسي لكل القيم الأخلاقية وهذا لأنه هو ما يتميز به الإنسان عن غيره .ولان أحكامه تتصف دوما بالثبات والوضوح والكلية والشمول ،ومنه فان الأطروحة القائلة( إن العقل هو المقياس الأساسي للأخلاق)أطروحة صحيحة في سياقها ولا يمكننا اتهامها بالفساد



المقدمة:
يعتبر علم الأخلاق ركناً أساسياً من أركان مباحث الفلسفة منذ نشأة الفكر الفلسفي، وقد خصص لها مكانة مميزة وهامة في جميع المذاهب الفلسفية على اعتبار إن الفلسفة تبحث في القيم الثلاثة الأساسية:" الحق.. الخير.. الجمال.
وقد تنوعت الأنظمة الأخلاقية منذ العهد اليوناني القديم إلى العصر الراهن ، ويرجع تأسيسها في الغرب إلى عهد الثروة الصناعية والنهضة الثقافية التي حلت فيها التجربة مكان البرهان في الاستدلال على العلوم الطبيعية ، وال الأمر إلى ظهور فكرة تفكيك الدين عن السلطة ، وبالتالي تفكيك الأخلاق عن الدين .
وتمثل الأخلاق (morals ) حجر أساس بناء المجتمع الأصيل المتكامل ، فهي تشكل الدعامة المتينة لحفظ أبنيته الداخلية وكياناته المتعددة ، إذ ترتفع بها النفوس إلى مراتب الكمال ، ويستطيع الأفراد من خلالها إعطاء المفهوم الحقيقي للإنسانية ، وأنها جانب مهم من جوانب شخصية الإنسان لأنها تؤدي وظيفة كبيرة في تحديد سلوك الفرد وأسلوب تفاعله الاجتماعي وعلاقته بالآخرين وعلاقته بالآخرين ، فهي مصلحة اجتماعية تظهر من خلال تفاعل الأفراد فيما بينهم ؛ أو هدفها الأساسي هو تعضيد العلاقات الاجتماعية والمساهمة في تحسين التكيف للفرد مع نفسه ومع الآخرين ، كما أنها تسهم في السيطرة على نوازع الإنسان وتعديلها وتجعل المجتمع متوازناً وثابتاً فبدونها لا يمكن لأي مجتمع إن ينهض أو يزدهر وان يأخذ بأسباب الحضارة الحديثة وسبل تطورها وقطع أشواطا بعيدة فيها ، والدارس لتاريخ الأمم والشعوب يدرك إن سبب سقوط بعضها سببه تنكرها للأخلاق وللممارسات الفاضلة المنبثقة من الدين ؛ وربطها بالعقل، إذ يقول دور كهايم :" إن الرباط الوثيق الذي كان يربط قديما الأخلاق بالدين اخذ بمضي الزمان شيئا فشيئا ، وإذا كنا الآن نطالب بفعل مجال الدين عن مجال الخلاق فإننا لا نفعل سوى إن نسير مجرى التاريخ ، وليس الانقلاب الذي يحدث الآن إلا نتيجة لتطورات بدأت منذ زمن بعيد .... يجب إن نستعيض عن مصدر الوحي القديم الذي لم يعد يبعث في القلوب إلا صدى ضعيفا خافتا بمصدر أخر ، إلا وهو تربية الأخلاقية خاضعة لنظام العقل " ( دور كهايم 1996) .
مشكلة البحث:
إن تناول موضوع الأخلاق تقييما وتطويريا لا يكون إلا من الزاوية التربوية والنفسية (1976,Rich ) ، والربط بين التطور النفسي والتطور الأخلاقي (1977,Hurtand Sprinthall )، والشجاعة الخلقية والحكم الأخلاقي (1986,Gibbs and others )، أو قياس القدرة على المحاكمة الأخلاقية (1975,Burnham ). و بالتحديد فقد انحصرت مشكلة هذا البحث في الإجابة عن التساؤلين التاليين:
- ما أوجه الاتفاق و الاختلاف بين الفلاسفة المسلمين والفلاسفة اليونانيين حول الأخلاق؟
- ما الانعكاسات التربوية للأخلاق عند الفلاسفة المسلمين والفلاسفة اليونانيين؟
هدف البحث:
هدف هذا البحث إلى ما يلي:
- الوقوف على مدلول الأخلاق عند الفلاسفة المسلمين و الفلاسفة اليونان.
- تحديد أوجه الاتفاق و الاختلاف بين الفلاسفة المسلمين و الفلاسفة اليونان حول الأخلاق.
- معرفة الانعكاسات التربوية للأخلاق.
أهمية البحث:
تنبع أهمية هذا البحث من أهمية الموضوع الذي يتناوله و هو الأخلاق، كونها تمثل المعايير التي تشكل السلوك الأفضل للفرد والجماعة في مجتمع وزمن معينين، و على أساسها-الأخلاق- يمكن التميز بين سلوكين من حيث الحسن والقبح.
إضافة إلى أهمية الأخلاق في حياة المجتمعات والأفراد ودورها في تقرير قواعد السلوك لتحديد إطار حركة المجتمع والأفراد ضمنه بسبب ما توجده من مفردات تنظم السلوكيات وتجعلها متسقة مع الحقوق والواجبات وترجمتها لتصبح من ضوابط الفكر الإنساني، لذا يعد البحث فيها أمر ضروري بقصد تأكيدها أو تطويرها أو تعديل منحرفها، ومعرفة التشابه والاختلاف بين المنطلقات النظرية والعملية لعدد من فلاسفة المسلمين، ولعدد من فلاسفة الغرب وهل هناك نقاط تشابه واختلاف بين الفلاسفة المسلمين والفلاسفة الغربيين في موضوع الأخلاق وأثرها في التربية لا سيما أن المجال واسع لحصول التأثير والتأثر لتداخل الثقافات المختلفة لارتباطها والتربية بجانبيها النظرية والعملي.
منهج البحث: تم استخدام المنهج الوصفي التحليلي لغايات الدراسة، حيث يعتمد هذا المنهج على وصف الظواهر ذات العلاقة بالدراسة، ومن ثم إجراء المقارنات للخروج بالنتائج المناسبة.
حدود البحث:
اقتصر هذا البحث على الحدود الآتية:
- اختيار كل من الغزالي وابن سينا أنموذجين الفلسفة الإسلامية.
- أفلاطون وأرسطو أنموذجين لفلسفة الغرب.
مفهوم الأخلاق :
تنوعت الأنظمة الأخلاقية منذ العهد اليوناني القديم الى العصر الراهن ، ويرجع تأسيسها في الغرب الى عهد الثروة الصناعية والنهضة الثقافية التي حلت فيها التجربة مكان البرهان في الاستدلال على العلوم الطبيعية ، وال الأمر الى ظهور فكرة تفكيك الدين عن السلطة ، وبالتالي تفكيك الأخلاق عن الدين .
تمثل الأخلاق (morals ) حجر أساس بناء المجتمع الأصيل المتكامل ، فهي تشكل الدعامة المتينة لحفظ أبنيته الداخلية وكياناته المتعددة ، إذ ترتفع بها النفوس الى مراتب الكمال ، ويستطيع الأفراد من خلالها إعطاء المفهوم الحقيقي للإنسانية ، وأنها جانب مهم من جوانب شخصية الإنسان لأنها تؤدي وظيفة كبيرة في تحديد سلوك الفرد وأسلوب تفاعله الاجتماعي وعلاقته بالآخرين وعلاقته بالآخرين ، فهي مصلحة اجتماعية تظهر من خلال تفاعل الأفراد فيما بينهم ؛ أو هدفها الأساسي هو تعضيد العلاقات الاجتماعية والمساهمة في تحسين التكيف للفرد مع نفسه ومع الآخرين ، كما أنها تسهم في السيطرة على نوازع الإنسان وتعديلها وتجعل المجتمع متوازناً وثابتاً فبدونها لا يمكن لأي مجتمع إن ينهض أو يزدهر وان يأخذ بأسباب الحضارة الحديثة وسبل تطورها وقطع أشواطا بعيدة فيها ، والدارس لتاريخ الأمم والشعوب يدرك إن سبب سقوط بعضها سببه تنكرها للأخلاق وللممارسات الفاضلة المنبثقة من الدين ؛ وربطها بالعقل .
إذ يقول دور كهايم :" إن الرباط الوثيق الذي كان يربط قديما الأخلاق بالدين اخذ بمضي الزمان شيئا فشيئا ، وإذا كنا الآن نطالب بفعل مجال الدين عن مجال الخلاق فإننا لا نفعل سوى إن نسير مجرى التاريخ ، وليس الانقلاب الذي يحدث الآن إلا نتيجة لتطورات بدأت منذ زمن بعيد .... يجب إن نستعيض عن مصدر الوحي القديم الذي لم يعد يبعث في القلوب إلا صدى ضعيفا خافتا بمصدر أخر ، إلا وهو تربية الأخلاقية خاضعة لنظام العقل " ( دور كهايم ،1996) .
إن تناول موضوع الأخلاق تقييما وتطويريا لا يكون إلا من الزاوية التربوية والنفسية (1976,Rich ) ، والربط بين التطور النفسي والتطور الأخلاقي (1977,Hurtand Sprinthall )، والشجاعة الخلقية والحكم الأخلاقي (1986,Gibbs and others )، أو قياس القدرة على المحاكمة الأخلاقية (1975,Burnham )
يمكن تعريف الأخلاق بتعريفات عدة تعتمد بموجبها على طبيعة الموقف النظري لصاحب التعريف غير أنها في جماتها تتفق على اعتبار الأخلاق مجموعة القوانين والقواعد التي دونت "Internalized " من قبل الفرد والتي تحدد أفعالة الاجتماعية ، وتعتبر هذه القوانين مدونة من قبل الفرد إن أطاعها وامتثل لها لأسباب ودوافع داخلية ؛ لا لأسباب أو دوافع خارجية كالعقاب والتهديد ، ومهما كان تقدير الفرد لهذه القوانين والقواعد فإنها تتطلب منه إن يحجم عن أفعال يرغب القيام بها تخالف هذه القوانين وتلك القواعد بدوافع داخلية قوامها النفس الزكية الرافضة للانحراف المخالفة من جهة ، ومن جهة ثانية فان قوة القانون أو القاعدة تتطلب من الفرد اتخاذ موقف يتسق مع دقة المبدأ العام ويختلف مع رغبة الناس المنحرفة ومن جهة ثانية يتطلب من الفرد إن يتخذ قرارا بشان مواقف معينة ربما لا تتسق مع الرغبة الآنية والذاتية لتصبح الأخلاق أكثر من مجرد امتثال أو طاعة للعرف العام للجماعة التي ينتمي إليها الفرد ( توق ، 1984)
إن الأخلاق بوصفها أحد مكونات الشخصية الإنسانية إنما تتكون من مجموعة مقومات بعد الدين من أهم العوامل فيها، ثم القيم العليا أو التقاليد والعادات وغيرها، وقد ركزت كل الديانات السماوية على الأخلاق بل أنها كانت بواقعها رسالات أخلاقية في إصلاح النفوس والضمائر بما تحتويه من تعاليم تؤكد بها على السلوك السوي وتدفع نحو ممارسة فضلاً عن إسهامها في الفهم الدقيق لمعنى الحياة وعرضها بشكل يجعلها أكثر فاعلية واستحقاقاً.
ويقدم التاريخ الحضاري للأمة العربية والإسلامية إذ أرض مهبط الأديان السلوكية شواهد كثيرة على التربية الخلقية التي قد احتلت مكانة مرموقة عبر تاريخها، وكانت هدفاً رئيساً من أهداف التربية الإسلامية التي استمدت فلسفتها ومنهجها الكريم بوصفه المصدر الأول للتربية الإسلامية أو على سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم التي تجسدت فيها المبادئ السامية والأخلاق هي أحد ركنين أساسيين في الحفاظ على ديمومة الحضارة العربية الإسلامية إذ أن سياج الحضارة في العروبة والإسلام هما الدين والأخلاق فمبادئ الأخلاق تدخل في كل نظم الحياة وفي مختلف أوجه نشاطه سواء في السلوك الشخصي أو في السلوك الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي ومن المجال إقامة نظام صالح أو مجتمع فاضل من دون أخلاق وقيم شريطة تمثل الحارس الأمين الذي يكفل دوام الحضارة ويمنع انحرافها وتعثرها (خان، 1980).
إن الله سبحانه وتعالى حين يمتدح الرسول صلى الله عله وسلم بقوله تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم) (القلم:4) قال ابن عباس على دين عظيم (الطبري، 1405هـ) إ،ما يؤكد الحق تعالى في هذه الآية أثر الأخلاق على التربية الإسلامية التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتها في كل مجال من مجالات الحياة وهو المثل الأعلى في مكارم الأخلاق ولا أدل على ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم "أدبني رباً تأديباً حسناً" (القرطبي 1372هـ) وقوله صلى الله عليه وسلم في وصف بعض من واجباته :"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" (البيهقي، 1994).
لقد أتفق معظم فلاسفة العرب والمسلمين على أن الغرض الأول للتربية والتعليم يتمثل بتهذيب أخلاق الأفراد ودعت أغلب الشرائع والتعاليم القديمة إلى الأخلاق مؤكدة على حقوق الإنسان وواجباته وسعت إلى دعمها وتثبيتها وإن اختلفت في مدى احتوائها لكافة الحقوق وفي مدى قدرتها على إلزام الناس واجباتهم كما هو الحال في شريعة حمورابي والشريعة الرومانية.
أما في العصر الحديث فإن التركيز قائم على الأخلاق وعلى أهميتها في صياغة شخصية افرد وبناء المجتمع الإسلامي السليم الذي يؤكده الكثير من المبادئ الإنسانية المنتشرة في بقاع الأرض.
إن الحكم بسوية السلوك وعدمه بين في ضوء ما يؤمن به المجتمع من قيم ومعتقدات بشكل يمكن القول معه أن الأخلاق التي تعكسها هذه القيم والمعتقدات هي أساس كل سلوك سليم وقويم والتي تشكل من تفاعل كل المؤسسات المعينة بالتنشئة الاجتماعية مزودة الفرد بإطار من الخبرة اليومية في كل مجالات الحياة وجوانبها المترامية.
ولإدراك مفهوم الأخلاق يورد الباحث بعض التعريفات لعلماء قدماء ومحدثين عرفها القدماء: مملكة تصدر بها الأفعال عن النفس من غير تقدم ورؤية وفكر وتكثف (صليبا، 1971).
ويشير جاليوس: بأنها خال للنفس تدعو الإنسان إلى أن يفعل بأفعال النفس بلا رؤية واختيار (أبن ابي الربيع، 1900) ويوضح تيمبر (Temper) :بأنها حالة للنفس راسخة، تصدر عنها الأفعال من غير حاجة إلى فكر ورؤية (عبود، 1900).
ويرى الفارابي: أن الخلق تصدر عنه الأفعال الصحيحة والحسنة وبه تكون عوارض النفس الإنسانية جميلة أو قبيحة (الدليمي، 1985).
وبين المغربي، أن الأخلاق هي أعمال تصدر عن الإنسان وترتكز على نية أو أرادة وليست صفات ليتصف بها الإنسان (المغربي، 1344هـ).
ويذكر بيصار أن الأخلاق عبر العصور سميت بعلم العادات ودراسة الواجب والواجبات وكأن الفضيلة الخلقية واجب على هيئة عادة، فعرف علم الأخلاق بأن العلم بالفضائل وكيفية اقتنائها ليتحلى بها الإنسان، والعلم بالرذائل وكيفية توقيها ليتخلى عنها، والإلمام بقواعد السلوك الإنساني، والإلمام بالقياس الذي تقاس به أعمال الإنسان الإرادية، فيحكم عليها بأنها خير أو شر مع تحديد الجزاء لكل منهما (بيضار، 1970).
وبعد استعراض التعريفات السابقة لمفهوم الأخلاق يأخذ الباحث التعريف الإجرائي الذي نصه: "مجموعة من القيم والقواعد والمعايير التي تشكل السلوك الأفضل للفرد والجماعة في مجتمع وزمن معينين، تمكنهما من التميز بين سلوكين من حيث الحسن والقبح داعية إلى التزام خبره ونبذ شره ضمن أطر جزائية ثابتة من ثواب أو عادات أو عقاب حددها الله تعالى".
الأخلاق في فلسفة الغرب( أفلاطون وأرسطو أنموذجاً)
تم تناول الأخلاق عند الغرب من خلال نموذجين لفلاسفة كبار كان لهم الأثر البالغ في طريقة النظر إليها فضلاً في تأثيرها بالفرد من ناحية والمجتمع من ناحية أخرى.
الأخلاق عند أفلاطون(
(http://www.ulum.nl/d150.html#_ftn1#_ftn1)) .
عنى أفلاطون بالأخلاق أشد العناية، والبحث فيها ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسة يتجه الأول إلى البحث في الخير الأسمى، ويستحه الثاني إلى البحث في تحقيق الخير الأسمى في جزئياته وذلك عن طريق الفضائل وهو ما يتحقق لدى الأفراد، والثالث البحث في الأخلاق التي تحقق الخير في الدولة وبمعنى أدق البحث في السياسة ، والخير عند أفلاطون وسيلة الإنسان وغايته في تحقيق السعادة من كل عمل أخلاقي ، وهو يوحد بين السعادة والدافع الأخلاقي إذ جعلهما شيئاً واحداً (بدوي، 1984) ، غير إن التفرقة بينهما هي من نتاج العصر الحديث التي ابتدأت منذ زمن كانط[†] (http://www.ulum.nl/d150.html#_ftn2#_ftn2) (Immanuel Kant) الذي جعل السعادة منفصلة تماما عن الدوافع الأخلاقية من رغبات وشهوات ، إذ يرى إن الدافع الأخلاقي مرتبط بالواجب وهو لا صلة له بالسعادة فقد يتأتى عن تحقيق الواجب سعادة ؛ وقد ينتج عن تحقيقه شقاء ؛ والنتيجة الأخلاقية في كلتا الحالتين واحدة عند كانط (Immanuel Kant) لان الأخلاق هي تحقيق الواجب وليس تحقيق السعادة (الطويل ، 1979).
ولكن أفلاطون الذي سبقه بزمن طويل يؤكد ارتباط الخير المتمثل بالعدل في السعادة المتمثلة بتحقيق اللذة ، وجوهر الخير الأقصى مرتبط بالوجود الحقيقي وهو وجود الصور وتبعاً لفكرة الخير الأقصى إذ يقدم أفلاطون صورتين متعارضتين للخير تحاول إحداهما أن تسود الأخرى وأن كانت الغلبة للأولى منهما، ومؤداها أن الوجود الحقيقي لا يكون لغير المثل، أما المحسوسات فمجرد أشباح للمثل صبغت على نمطها وهي مفارقة للمادة وعلى الإنسان أن يتشبه بها بما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فيتحرر من علائق رسمه وقيوده فإن كان الوجود الحقيقي هو وجود الصورة لكن ما يتصل بهذا الوجود هو الحقيقة فهو الخير وكل ما يتعارض مع هذا الوجود هو الشر (الطويل، 1979).
ينظر أفلاطون إلى الطبيعة الإنسانية نظرة ثنائية من نفس وحسد، وأن منزلة الحسد من النفس بمنزلة المادة، ومنزلة النفس منها بمنزلة الصورة، وأن المادة هي من أجل الصورة والصورة من أجل الأفعال أو الانفعالات الصادرة عنها (ابن رشد، 1998)، ويرى أن النفس جاءت من عالم المثل ودخلت بالجسد لتقضي حكماً بالسجن فيه وتعود مرة أخرى إلى عالم المثل (Armstrong, 1965)، فالنفس تنسب إلى عالم المثل، والجسد إلى عالم الحس، ويعد النفس من عالم المثل فهي إلهية وأزلية أبدية سابقة في وجودها على الجسد، وهي باقية بعد الموت (ابن العبري، 1980)، ولكنها تحاول الفرار من عالم الحس إلى عالم المثل كونها حلت بالجسد كارهة إلا أن طول ملازمتها له دفعها لتألفه وترضى بشواته لتنسى حقائق الغيب وكمالها العلوي (المسير، 1988)، والنفس ليست نتيجة لحياة الجسد، بل هي التي تهبه الحياة (أفلاطون، 1961) وهذا جعل أفلاطون الخير مستقرة النفس، وجعل الشر مستقرة الجسم وكلما كان الإنسان ابتعاداً عن الجسم حقق لنفسه قدراً أكبر من الخير وتحقيقاً لهذا المفهوم الأخلاقي يدعو أفلاطون الإنسان الى إن يتشبه قدر الإمكان بالإلهة أو بالصورة أو المثل لكي يكون حراً ، ولان النفس سجينة في الجسم ولا بد لها إن تتحرر منه يقدم أفلاطون انوذجه الأمثل للإنسان في اسمي صور الأخلاق المتشبه بقدر الإمكان بالإلهة المتمثلة بصورة الفيلسوف .
يعد الفيلسوف عند أفلاطون الحكيم الذي أحرز كل الفضائل ويمارس الموت بالحياة بإماتته للشهوات واخذ النفس بالمجاهدة والرياضة والزهد في ملذات الحياة وإماتة كل العلائق المتصلة بالوجود الحسي من اجل خلوص النفس الى حياة الصورة أو المثل وهذا هو المقوم الوحيد للخير الأقصى (الطويل ، 1979).
لم يتنكر أفلاطون للذات إذ وقف طويلا في بحثه لها إذ أقضى التأمل فيها الى ربطها بالنوع الأخير من الخير واشترط فيها تجردها من الألم ووجوب ارتباطها بالوجود اللامحدود ؛ وهي عندما تكون كذلك لا تعد شراً ، وإزاء هذا الموقف فان أفلاطون حينما يقدم صورتين متباينتين للخير : فانه في الأولى يدعو الى العزوف عن الحياة والتوجه الى الموت ، ويدعو في الثانية الأخذ بشيء من الحياة، فإنه يعتقد أن الجمع بين الصورتين في تناسق وانسجام يؤدي إلى الخير على الرغم من أنه يمثل في كثير من الأحيان إلى الصورة الأولى على حساب الصورة الثانية (بدوي، 1984).
أما الفضائل عند أفلاطون فقد ناقض فيها رأي أساتذة سقراط في قول أن الفضيلة علم متجاوزاً الماهيات المتحققة في المحسوسات إلى ما سماه بالمثل؛ فالعلم ينتقل من عقل عن طريق الحجة والبراهين ويستحق نقل الأحاسيس الأخلاقية من فرد الى أخر لان الفرد قد يعرف الشر ويأتيه ويعرف الخير ولا يفعله(الطويل ،1979) ،( كرم ، 1980 لذا لو كانت الفضال تنتقل بالتعليم كما تنتقل العلوم لاتسعت مساحة الفضيلة لتضم نسبة كبيرة من المتعلمين.
أضاف أفلاطون شرطاً أخر ليكون العلم ذا فاعلية في تحقيق الفضيلة عند الأفراد وهي قوة الإيمان والاقتناع (ابن رشد ، 1998) ؛ إذ تصبح المعرفة قوة ملهمة ويصبح العلم على هذا النحو وسيلة لنجاح التربية الخلقية وبث الفضيلة في النفوس .
ومما سبق ذكره يبدو الاتفاق بين أفلاطون وأستاذه على مبدأ اثر التربية والتعليم والتهذيب في صنع الفضائل وتنميتها ولكن أفلاطون يربطها بالنفس التي يريدها إن تتسامى في أفعالها وتقترب من الإلهة لترتبط بالصورة المطلقة.
ميز أفلاطون بين نوعين من الفضيلة ، فضيلة فطرية وفضيلة مكتسبة والأولى لا تحتاج تعلم وتعليم أما الثانية فهي تكسب صاحبها فضلا وتقديرا وهي التي تعتمد في معرفة الخير ونيته وتتحقق هذه الفضيلة عن طريق الانسجام والتناسق بين قوى النفس الثلاثة القوة الشهوية والقوة الغضبية والقوة العاقلة وكذلك الفضائل تنقسم بنفس التقسيم لان معنى الفضيلة تحقيق الطبيعة وتعيين الحدود لكل فضيلة من فضائل النفس مرتبة بحسب ما وضعت له (عبد النور ، 1975)، (الالوسي ، 1990) ؛ وتبعا لهذا فالفضيلة الأولى تقابل القوة الشهوية ولان مهمتها خدمة القوة العاقلة إذ تضبط نفسها وتخضع لما تقول القوة العاقلة وفضيلتها العفة وضبط النفس أما القوة الثانية ومهمتها تلبية الأوامر التي تصدر عن القوة العليا وفضيلتها الشجاعة أو القوة العليا ومهمتها التمييز بين الخير وأنواعه وهي مسؤولة عن تحقيق الخير الأسمى وفضيلتها الحكمة ، ولكن هذه القوة لا بد إن تجمعها وحدة تعلو عليها مهمتها الموازنة بين الفضائل والانسجام بينها تسمى العدالة وهي إعطاء كل شيء حقه فهي ليست فضيلة خاصة ولكن هي حالة الصلاح والبر الحاصلة من اجتماع الحكمة والشجاعة والعفة (العراقي ، 1984).
ويستنتج من فضيلة العدالة في الفكر الفلسفي الأفلاطوني بأنها حالة النفس التي توفرت فيها المعرفة الفلسفية التي جعلتها تعيش في حالة من التكامل المتمثل بانتظام عمل قوى التنفس الثلاثة وانسجام بعضها مع بعض ؛ إذ خضعت الى الأولى التي هي احكم واكم منها وفق نظام دقيق يمكن الفرد من توحيد الكثرة التي ترافق أفعال النفس فحققت بذلك فضيلة العدالة (مطر ، 1986) ؛ فهي مفتاح السعادة الإنسانية والقانون والنظام للنفس البشرية التي من خلالها ترتبط بها النفس مع السماء الإلهية حينما تحترم هذه النفس هذا النظام وتسعى الى تحقيق العدالة فيه (جورجياس،1970).
ترد الأخلاق الى النفس بشرط إن تتسامى في أفعالها لتقترب من الإلهة ، فالخير مستقره النفس والشر مستقره الجسم وربط بين السعادة والباعث عليها (الدوافع الأخلاقية ) ، وربط الأخلاق بالوجود الحقيقي (وجود الصور ) ، ويبدو الخلق الحسن بإماتة الشهوات واخذ النفس بالمجاهدة والزهد في ملذات الحياة ، والخير هو اللذة الخالية من الألم ، والأخلاق تتجسد في شخص أحرز كل الفضائل ومارس الموت بالحياة وهو الفيلسوف ، الفضيلة المكتسبة تنتج عن التناسق بين قوى النفس الثلاثة الشهوية الغضبية والعاقلة ، وفضيلة العدالة مهمتها الموازنة بين الفضائل ، وميز بين نوعين من الفضيلة فطرية موروثة وفضيلة مكتسبة .
الأخلاق عند أرسطو ([‡] (http://www.ulum.nl/d150.html#_ftn3#_ftn3))
نشرت دروس أرسطو الأخلاقية في كتابين : احدهما الأخلاق الاوديمية (Ethics Eudemian ) وهو شرح لتلميذه اوديموس ، والكتاب الاخر الأخلاق النيقوماخية (Nichomachean Ethics) الذي ينسب الى ابنة نيقوماخوس إذ ترجح حوله الآراء في انه يعبر عن أراء أرسطو الأخلاقية الذي يظهر إن مسيرة أرسطو الأخلاقية كانت في نفس اتجاه كل من سقراط وأفلاطون محاربا اللذة الغاية القصوى للأفعال الإنسانية معتنقا بدلا منها السعادة (الطويل ، 1979).
ويعد أرسطو من أوضح الممثلين للأخلاق اليونانية فهي تجمع بين فعل الخير والنجاح وتحصيل السعادة التي تعنى من حيث الغاية بسعادة الإنسان وهي اللذة الناشئة عن تحصيل كمال الفعل المقوم لطبيعته، فحين يعبر أرسطو باللذة عن السعادة فهو يشير الى الفضيلة التي يعني بها إن يحقق الإنسان الكمال الممكن لشخصيته (بدوي ، 1984).
إن أرسطو لم يفعل مثلما فعل أستاذه حين رتب الفضائل تصاعديا ولم يميز بينها إلا تمييزاً عاما يستند الى طبيعة الفعل الذي يقوم به الإنسان ؛ فإما إن يكون ذلك الفعل معقولاً يصدر عن دوافع عقلية وفضائله نظرية عقلية ؛ وإما إن يكون الفعل لا معقولاً وهو يصدر عن الشهوات التي لا تخضع في اندفاعها وتحقيقها للفعل ، ومن فضائل النوع الأول الحكمة والفطنة وما يتصل بها من الفضائل النظرية وهي المتعلقة بالتأمل والفكر ، أما النوع الثاني فمن فضائله العفة والعدالة ويلاحظ فيها الانتقال في الواقع من أحوال متعارضة ينتج عنها حالة متوسطة تمثل الفضيلة عند أرسطو وهي نوع من الوسط بين طرفين أحداهما إفراط والأخرى تفريط فالكرم وسط بين لفراط التبذير وتفريط التقدير ، والشجاعة وسط بين الجبن والتهور (بدوي ،1984).
وهذه الفضيلة ملك اختيار الوسط بين الإفراط والتفريط – كلاهما رذيلة وهذا ما يسمى بالوسط الذهبي (Golden means) أو بنظرية الأوساط –فالوسط ليس متوسطا حسابيا بل هو الوسط المناسب للإنسان وليس هناك من قواعد بسيطة لتقرير ما هو مناسب والمعول عليه بما يسميه أرسطو ( بالحصانة) أي الحكمة العملية التي تمكن الإنسان من إن يهتدي الى الوسط العدل وهذه وصف لا يخلو من النسبية ، فبمقار ما يكون الفعل اقرب نحو الوسط منه الى احد الطرفين يكون فاضلاً وبعكسه يكون رذيلاً ( بيصار ،1973).
ولكن يعد الوسط في الواقع اعتياديا يتغير بتغير الأفراد والظروف التي تكتنفهم ، والعقل وحده يعين هذا الوسط مع مراعاة ظروفه، فما يعد كرما عند فقير يعد بخلاً عند ثري ، وهناك من الأفعال والانفعالات ما ليس له وسط كالسرقة والقتل والحسد مما يعد رذيلة بالرغم من أي اعتبار (الطويل ، 1979).
اعتنى أرسطو في كتابه الأخلاق بتحليلاته للمعاني الأخلاقية والنفسية ، وقد ركز على جملة امور أخلاقية على النحو الآتي :
1. الحياة الجيدة (الخيرة) : تكمن الجودة في قدرة الإنسان على تأدية وظائفه على نحو أفضل مما يؤديه غيره ، فوظائف الإنسان هي الوظائف التي تكسبه صفة الخير إذا أداها على نحو فعال ، من خلال أنشطة تتضمن التفكير والقدرة على الحكم بفكره وبمبادئه على رغباته وسلوكه.
2. الفضائل الأخلاقية : مهارات تكتسب بالمران ، إذ يصبح الرجل كريما إذا تدرب أو اعتاد على إتيان الأفعال التي يؤديها الكريم عن رغبة منه ، فضلاً على انه لن يصبح كريما إلا حين يكتسب الاستعداد الشخصي الراسخ لتأدية هذه الأفعال دون حافز من خارج نفسه .
3. الفضيلة العقلية : تمكن الإنسان من الحصول على الإجابات الصحيحة عن مشكلات السلوك العملية وهي تتضمن المهارة في التروي مع التركيز على توفير الفضيلة الخلقية ؛ لان توفر الغايات السليمة أمر يتعلق بها ، وان الخير الخلقي والحكمة العملية لا ينفصلان فكلاهما بحكم تعريفه يتضمن الاخر .
4. الفضيلة العقلية ( الحكمة النظرية ) : تتضمن معرفة حدسية البدايات لا تقبل البرهان ( مدركات عقلية وحقائق) ومعرفة برهانيه ، وما يترتب على هذه الفضيلة اسمي الموضوعات لأنها الفضيلة التي تمثل الجانب الإلهي في نفس الإنسان " لأنه ليس هناك من فاعلية يمكن إن تنسب الى الله سوى التفكير الخالص "( كامل ، 1963).
الأخلاق هي تجمع الفعل الخير والنجاح وتحصيل السعادة ، وفضائل الفعل المعقول يصدر عن دوافع عقلية مرتبطة بالتأمل والفكر أما فضائل الفعل اللامعقول يصدر عن الشهوات التي لا تخضع للعقل ، والسعادة معياراً تحقيق الكمال الممكن عند الإنسان ، والفضائل الأخلاقية مهارات تكتسب بالمرات والتدريب ، والخير الخلقي والحكمة العملية لا ينفصلان فكلاهما يتضمن الأخر ، والفضيلة نوع من الوسط بين طرفين أحداهما إفراط والأخر تفريطا، ويعول على الحكمة العملية التي تهدي الى الوسط.
الأخلاق في الفلسفة الإسلامية( الغزالي و ابن سينا أنموذجاً)
الأخلاق عند الغزالي[§] (http://www.ulum.nl/d150.html#_ftn4#_ftn4):
ترتبط الأخلاق عند الغزالي بالدين ارتباطا قوياً ومتيناً، فالدين عنده أساس الأخلاق وهي غايته وهدفه، وبما أن أخلاق الإنسان تترجم بسلوكه وأفعاله المختلفة والتي تصدر بفعل من بواعث ومواقع نفسية داخلية كاملة في باطن النفس الإنسانية، ومن خلال تحليله لهذه النفس بهدف الكشف عن دوافع الخير وبواعث الشر فيها؛ وجد الغزالي أن الدين هو الوسيلة الفضلى في تعديل هذه البواعث والدوافع وتنميتها بشكل تتسق مع فروض العبادات والشعائر الدينية، لذا فهو في ضوء دراسته للقروض واستعراضه للعبادات والشعائر الدينية ركز على مدلولاتها النفسية الباطنية أكثر من مظاهرها الخارجية، فالدين في رأيه رياضة نفسية تستهدف ترويض النفس بمدى تعلقها بالبدن.
والغزالي عندما يتكلم عن أنواع العبادات والقروض فإنه يخص بذلك أسرارها، وغرضه المعاني والدلالات النفسية الباطنية لهذه الفروض والعبادات.
يستند الغزالي في تحليله للنفس الإنسانية وتصنيفها إلى قوى وأجزاء لها علاقة بأخلاق النفس وسلوكها إذ يرى أن أمهات الفضائل أربع: "الحكمة فضيلة القوة العقلية، والشجاعة فضيلة القوة العصبية، والعفة فضيلة القوة الشهوانية، والعدالة عبارة عن وقوع هذه القوى على الترتيب الواجب فيها فتتم جميع الأمر، لذلك قبل بالعدالة قامت السماوات والأرض" (الغزالي، 1964) – إلى علمه بالأسس النفسية ومعرفة أن هذا التقسيم هو القاعدة الأخلاقية ولعلمه أن كل جزء من هذه الأجزاء قابلة للتهذيب والتربية أيضاً، فالنفس العاقلة هي القوة التي ينفرد بها الإنسان عن المخلوقات الأخرى ربها اختل مكانته الإنسانية، وهي قوة النظر والتفكير والتعقل المستعدة للتربية والتهذيب حتى تصير موضعاً للمعقولات ربها يفرق الإنسان بين الحق والباطل في الاعتقادات، وبين الصدق والكذب في المقال، وبين الجميل والقبيح في الأفعال.
والنفس الغضبية المرتبطة بالنجدة والحمية هي الأخرى يمكن تهذيبها وترتبيتها كون الشجاعة مظهر هذه القوة، وحتى تنال فضيلتها لا بد من جعلها خاضعة للقوة العقلية للاهتداء بحكمتها وإرشادها، والقوة الشهوية هي القوة الثالثة التي ترتبط ارتباطا قوياً بالأخلاق إذ تمثل أساساً للعديد من مظاهرها الحسنة منها أو السيئة بسبب تعدد شهواتها لتعدد حاجاتها كالحاجة إلى الجنس لإدامة النوع الإنساني، والحاجة إلى الطعام والشراب لإدامة النشاط والحيوية لذا استوجب أمر تربيتها وتهذيبها والسيطرة عليها وتوجهها وإخضاعها للقوة العقلية لتأكد فضيلتها، والغزالي هذا التحليل يؤكد وجود الغرائز إذ يحدد لكل غريزة وظيفتها التي وجدت من أجلها بل يدعو إلى إشباعها وعدم التنكر لها مع الأخذ بنظر الاعتبار ضرورة السيطرة عليها والتحكم بها بالتربية والتهذيب (الجبوري، 1993) إذ يرى أن تغير الحق بتباين نوعه أمر ممكن بوسائل متعددة كالوصايا والوعظ والترغيب والترهيب والتهذيب، وبتربية قوى النفس الثلاثة لتقضي كل منها إلى فضيلتها الخاصة وهو بهذا يعول كثيراً على دور التربية في اكتساب الفضيلة والعمل الخلقي، فالأخلاق عنده تطبع واكتساب (مبارك، 1924)؛غير أنه في موقف آخر يتباين رأيه في مسألة وراثة الأخلاق واكتسابها) فمرة يرى أنها مكتسبة ومصدرها التربية إذ نتلمس ذلك في قوله :" إن قلب الطفل جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة" (الغزالي، 1900) الذي يؤكد فيه أن الفطرة الإنسانية كاملة لكل شيء وليس لها قبل التربية أي لون من القيم فالخير والشر يكتسبها بالتربية، بل وليس للإنسان ميل فطري للخير أو الشر، وأن السعادة والشفاء مرجعها إلى الآباء والمعلمين، ولكن الغزالي في موقف آخر يصرح عكس هذا فيقرر وراثة الأخلاق، فهو يشترط في المرآة المرضع أن تكون امرأة صالحة متدينة تأكل حلالاً، وهو بهذا الرأي لا يعد الرضاعة نوعاً من التدريب إن كانت تسبق الإدراك والتمييز، ثم يعزز رأيه هذا بقوله :" أن الطفل يميل إلى الحياة، ولا بد من توظيف هذه الغريزة، وهذا يبدو أن للغزالي رأيين متباينين في الأخلاق واكتسابها، فهو حين يقرر أن قلب الطفل جوهرة نفسيه ساذجة خالية من كل نقش فيحكم أن الأخلاق لا تورث، وحين يدعو إلى أن تكون مرضعة الطفل متدينة صالحة ليؤكد بذلك دور الوراثة (مبارك، 1924).
اتخذ الغزالي الأخلاق في النفس معياراً يصف فيها سائر الأشياء، ويعتمد عليها في تقرير الأعمال التي تشكل بعض مظاهر الأخلاق من خلال جمل النفس على الأفعال التي يقتضيها الخلق المطلوب واعتيادها فمن أراد أن يحصل لنفسه خلق الجود فما عليه إلا أن يتكلف الجود وبذل المال حتى يصير ذلك طبعاً له، ومن أساليب كسب الخلق كما يراها الغزالي تلك العلاقة القوية بين القلب والجوارح إذ يصفها بقوله "كل صفة تظهر في القلب يفيض أثرها على الجوارح حتى لا تتحرك إلا على وقتها لا محالة" (مبارك، 1924).
يؤكد الغزالي دور القلب وأثره في قوى النفس إذ يضعها في أربعة مراحل وهي: الخاطر ويسميه ميل الطبع ويترك عنه هيجان الرغبة وحركة الشهرة التي في الطبع وهي المرحلة الثانية التي يسميها حديث النفس، والمرحلة الثالثة هي حكم القلب وفيه أمر الفعل والالتزام، فإن الطبع إن أرتد، وهو ما سماه بالاعتقاد، والمرحلة الرابعة وتدخل في التصميم والعزم وحرم النية فيه ويسميه (أنهم بالفعل والليل والقصد والنية) فالغزالي إذن يحدد أربعة أحوال للقلب قبل المباشرة بالجارحة الخاطر ، ثم الميل ، ثم الاعتقاد ، ثم الهم ، ولكن يبقى التساؤل قائما حول الدرجة التي يحاسب فيها الإنسان تبعاً لخلجات النفس وخطرات القلب وما يدور بالسرائر ، وعند الغزالي إن الإنسان لا يؤاخذ في المراحل الأولى والثانية والثالثة لأنها تدخل في الاختيار بينما يؤاخذ في المرحلة الرابعة وهي الهم بالفعل لتوفر النية والعزم (العراقي ، 1984).
والخلق عند الغزالي "هيئة راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة الى فكر وروية ، فإذا كانت الصادرة عنها الأفعال قبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خلقا سيئاً " (الغزالي –19) ، واعتمد أبو حامد الغزالي القرآن معياراً ليحتكم إليه الفرد في رسم صفات الخلق الحسن وصفات الخلق السيئ إذ فرق الخالق جلّ وعلا في كتابه العزيز بين صفات المؤمنين وصفات المنافقين ، وهي في جماتها ثمة حسن الخلق وسوئه التي وضحها الغزالي بإيراده جملة من الآيات القرآنية بقوله " فمن أشكل عليه حالة فلينظر نفسه على هذه الآيات فوجود جميع هذه الصفات علامة حسن الخلق ، وفقد جميعها علامة سوء الخلق ، ووجود بعضها دون بعض يدل على البعض دون البعض ، فليشغل بتحصيل ما فقده وحفظ ما وجده"(مبارك،1924).
لم يحاول الغزالي بحث الفضائل بشكلها المطلق ولا عني بها من حيث هي مبادئ وإنما مال الى معالجتها بصفتها التطبيقية من جهة ارتباطها بالتعليم الديني على الرغم من اهتمامه بنظرية الأوساط لدى أرسطو ، فالفضيلة عنده ممارسة تؤدي الى تزكية النفس باعتياد الأفعال الصادرة من النفوس الزكية العاقلة حتى إذا صار ذلك مألوفاً بالتكرار وبزمن متقارب تشكلت منها ملكة راسخة في النفس (العراقي ، 1984) . فهي اعتدال ووسط بين طرفين مرذلين لتصريحه بذلك قائلاً :/ والمحمود هو الوسط وهو الفضيلة والطرفان رذيلتان مذمومتان (الغزالي ، 1353هـ).
إن غاية الأخلاق عند الغزالي هي السعادة الأخروية ليصل في الآخرة الى السعادة المنشودة متنعماً بالنظر الى الله تعالى (الغزالي ،د.ن) ليتقرب منه الله تعالى فالسعادة الحقيقية هي الأخروية ، وهذا دليل بأنه لا يضع الأخلاق في غاية نفعية ولا اجتماعية فعنده مثلاً الذي يسعف مريضاً أو يغيث ملهوفاً أو يأسر جريحاً لا يهمه شفاء المريض ولا إغاثة الملهوف ولا إبراء الجريح ما دامت نيته خلصت في عمله ووثق بجزاء الآخرة (مبارك،1924) ، فالسعادة الحقيقية لا تكمن في الملذات المحسوسة وإنما في وصول المرء الى كماله الخاص به وهي إدراك الأمور على ما هي عليه واضحة جلية في معرفة الحقائق الإلهية وهو نوع من السعادة تندر في الحياة الدنيا ويتم في الحياة الآخرة لمن اعد لها نفسه (التكريتي ،1999)، وبذلك يتضح إن العمل جميعه يتجه الى العبادة المجردة وفي جملته تأثير المذهب الصوفي في الغزالي والذي يتضح من قوله: "إن لذائد الجنة ليست مادية ولكنها تسبيح وتقديس وتهليل" (مبارك ، 1924).
وبالتالي فان معيار الخلق الحسن هو الصفات التي خص بها الله سبحانه وتعالى المؤمنين ، ومعيار الخلق السيئ هو صفات المنافقين كما وردت في القران الكريم ، وان غاية الأخلاق هي السعادة الأخروية والقوة الإنسانية المسؤولة عن الأخلاق تتمثل بالقوة الشهوية التي تمثل الأساس للكثير من المظاهر الأخلاقية بنوعيها الحسن والسيئ ، وللقلب أربعة أحوال هي حديث النفس ثم الميل فالاعتقاد ثم الهم وفيه يؤاخذ الإنسان في الحساب لتوفر النية والعزم بالفعل ، واقر بوجود الغرائز ووظيفة كل غريزة والتربية والتهذيب وسيلة التحكم بها، وتباين موقف الغزالي من وراثة الأخلاق واكتسابها ولكنه يميل إلى الاكتساب لا إلى الوراثة.
الأخلاق عند أبن سينا([**] (http://www.ulum.nl/d150.html#_ftn5#_ftn5)):
يرد أبن سينا الأخلاق إلى العقل لأن النفس من وجهة نظره أمارة بالسوء وكثيرة المعايب في طبعها وأصل خلقها لذا فإن من ينبغي إصلاح فاسد عليه أن يلم بجميع فساد ذلك الفاسد إلماماً مترامي الأطراف حتى لا بهمل شيئاً منه أما من قصد إصلاح نسه لا بد أن يقف على جميع مساوئها ويعرفها معرفة دقيقة قبل أن يباشر الإصلاح، ووسيلة الفرد ومعياره في معرفة نواقصه هي فحص أخلاق الناس بشيمهم ومثالهم لأنهم متشابهون في الصفات (ابن سينا، 1906).
يرى أن سينا أن من عوامل تحرير الخلق الحس وإدامته لدى الأفراد الإكثار من إذابته وصهره، أما ترك الرذائل وإدامتها فبواسطة عقاب النفس بالملامة والذم، وهو يؤكد أيضاً دور الدوافع الفطرية للفرد واستعداده في لزوم الأفعال الجميلة أو الأفعال القبيحة هو أن الذي يشكل الأخلاق بنوعيها الحس أو القبيحة هو البيئة وهي متغيرة من حال إلى حال، وابن سينا في هذا الموضع يؤكد دور التربية والتعليم والخبرات التي تواجه الفرد فتقرر ما يتعوده من أفعال تكون أخلاقه خيراً كانت أم شراً (شيخ الأرض، 1992).
والخير عنده أوسع مجالاً وأكثر دائرة فهو يؤمن أن الخبر يفيض على العالم من المبدع الأول إذ يغمر به كل الموجودات، ولكنه لا ينكر وجود الشر وهو عارض عن الوجود إلى جانب الخير الذي هو القاعدة وهو الأساس لأنه من طبيعة الوجود (أمين، 1985).
ولا يكون في أصل مفهومه لذة جسمية وإنما هو اتجاه دائم إلى الله تعالى والشوق إليه والتفكير فيه ووسيلته في ذلك العقل إذ يميز بين الخير والشر ويتجنب الرذية ويعمل الفضيلة التي هي وسط بين رذيلتين هما الإفراط والتفريط ففضية العفة وسط بين الشره وجمود الشهوة والشجاعة وسط بين الجبن والتهور (ابن سينا، 1357هـ).
ومثله مثل شأن الفلاسفة الذين سبقوه أو عاصره فقد قدر ابن سينا الوسط في الأفعال حسب المكان والزمان وبحسب المقدار والغاية من الفعل ، وباعتباره طبيبا وضح تحقيق الوسط بمثال من تخصصه المهني فالطبيب متى صادف بدناً يميل الى الحرارة أزال عنه ذلك بالبرودة وان كان العكس أزاله بضده فيقيس على هذا المثال أفعال النفس البشرية فإذا مالت الى جهة النقصان وجب إعادتها الى جهة الزيادة وبفعل التكرار حتى تبلغ الوسط أو تقاربه، وغايته في ذلك إن تحصل للفرد ملكة يجد فيها كمال النفس والتحرر من القيود (ناصر ، 1977) عن طريق التأمل والبحث والدراسة وحب الحكمة التي تؤدي الى الحضرة الإلهية ولم يفعل في الوقت نفسه نشاط الفرد في حصول اللذات الجسمية وهما هدف الإنسان في هذه الدنيا ولكنه يحث على اللذة العقلية لأنها اشرف وابقي من اللذة الجسمية، أما السعادة عنده فلا تعني ما يحقق للإنسان في دنياه من رغبة وطموح بل هي قيد بالعارفين الذين تترهوا عن شواغل البدن واتجهوا إلى الكمال الأعلى عالم النور والسعادة، ووسيلة ذلك الزهد بمتاع الدنيا وطيباتها والتوجه إلى تأدية العبادات وانصرافهم إلى الرغبة في إعتلاق العروة الوثقى (التكريتي، 1999) لتحقق خير النفوس ولتنال من السعادة ما لا تنال النفوس المتعلقة بالشهوات الحسية.
إن ما يلاحظ في طريقة ابن سينا وتصوفه يتشابهان وطريقة الغزالي في بلوغ السعادة فغايتها واحدة ووسيلتهما واحدة فكلاهما عنده أن السعادة طريقها النظر العقلي محتلة الدرجة الأولى في بلوغ الحضرة الإلهية، أما الأعمال البدنية فتأتي بالدرجة الثانية.
مرد الأخلاق إلى العقل لأن النفس أمارة بالسوء والسعادة تتحقق في الدنيا والآخرة لأصحاب الكمال الذين وصلوا درجة الفضيلة وأقر بوجود الاستعداد للخلق الحسن السيئ وأن الأخلاق مكتسبة ومتغيرة من حال إلى حال ويعول على التكرار في إدامة الخلق الحسن بواسطة الأخذ بمبدأ الثواب ويعول على التكرار في إدامة الخلق الحسن بواسطة الأخذ بمبدأ الثواب والفضيلة وسط بين رذيلتين هما الإفراط والتفريط، ودارج الأخلاق ضمن العلم العملي موضعها مع تدبير المنزل وعلم السياسة وعلم التسريح.
وتأسيساً على ما سبق تسعى فلسفة ابن سينا إلى تزويد لفرد بخبرة تربوية في معرفة نفسه ومعرفة منافسها ومثالها وأن هذه الخبرة تأتي عن طريق الصديق الخبير ذو العقل الراجح فهو يكون كالمرآة العاكسة لصورته الحقيقية صورة المناقب وصورة المثالب، إنه يطالب الفرد في ضوء هذه الخبرة أن يفحص أخلاق الناس ومن ثم يسعى إلى تنمية المناقب الحسنة ويقوم في الوقت نفسه بقمع المثالب وقهر الخلق اللئيم وتعطيل العادات السيئة.
وفي ضوء العرض السابق للأخلاق عند بعض من فلاسفة الإسلام يتلمس الباحث ورغم أن أكثرهم قد أطلع على الفكر الفلسفي اليوناني وتأثر في جوانب معينة في موضوع الأخلاق إلا أنه في الإطار العام لا يخرج عن كونها عماد مع مبادئ الإسلام في الأخلاق والتي كانت عماد الكثيرين ممن كتب فيها أن الله سبحانه وتعالى قد جعل صلاح الدنيا يعتمد أموراً من عدل وصدق وأمانة وجعل فسادها بأضدادها فأمر بما يتوقف عليه صلاح الدنيا وانتظام شؤونها وفي عما يسبب فسادها
نتائج الدراسة:
فيما يلي عرضاً لنتائج البحث وفقا لأسئلته، وذلك على النحو الآتي:
- النتائج المتعلقة بالتساؤل الأول:
كشفت النتائج المتعلقة بهذا التساؤل أن هناك بعض أوجه الاتفاق و الاختلاف بين الفلاسفة في الأخلاق إسلاميا ووضعياً ، و الجدول التالي يوضح إبراز جوانب الاتفاق والاختلاف عند كل من أفلاطون وأرسطو كأنموذجين للفلسفة الأخلاقية الوضعية وعند كل من الغزالي وابن سينا كأنموذجين للفلسفة الأخلاقية الإسلامية ،.
جدول المقارنة رقم (1)
أوجه الاتفاق بين الفلاسفة الوضعيين و الإسلاميين حول الأخلاق
معيار المقارنة
أفلاطون
أرسطو
الغزالي
ابن سينا
العقل هو المسئول عن الأخلاق
P
P
P
P
غاية الأخلاق تحقيق سعادة الفرد
P
P
P
P
الأخلاق مكتسبة
P
P
P
P
وسيطة الفضيلة بين مرذلين
P
P
P
P
تتحصل الفضيلة بالاعتياد
P
P
P
P
الأخلاق ممارسة لا نظرية
P
P
x
P
الأخلاق للناس كافة
x
x
P
P


جدول المقارنة رقم (2)
أوجه الاختلاف بين الفلاسفة الوضعيين و الإسلاميين حول الأخلاق
معيار المقارنة
أفلاطون
أرسطو
الغزالي
ابن سينا
معيار الخلق
-النفس بشرط إن التسامي في الأفعال لتقترب من الإلهة
-ربط الأخلاق بالوجود الحقيقي ( وجود الصور)
-فضائل الفعل المعقول أو اللامعقول
-الفضيلة نوع من الوسط بين طرفين أحداهما إفراط والأخر تفريطا
-الصفات الحسنة التي خص بها الله سبحانه وتعالى المؤمنين
- والسيئة هي صفات المنافقين كما وردت في القران الكريم
-الكمال وصولاً للفضيلة
-الفضيلة وسط بين رذيلتين هما الإفراط والتفريط
غاية الأخلاق
-الربط بين السعادة والباعث عليها (الدوافع الأخلاقية )
-اللذة الخالية من الألم
-النجاح وتحصيل السعادة
-تحقيق الكمال الممكن عند الإنسان
السعادة الأخروية
السعادة تتحقق في الدنيا والآخرة
القوة الإنسانية المسؤولة عن الأخلاق
فالخير مستقره النفس والشر مستقره الجسم
الدوافع عقلية مرتبطة بالتأمل والفكر أما الشهوات لا تخضع للعقل
القوة الشهوية التي تمثل الأساس للكثير من المظاهر الأخلاقية بنوعيها الحسن والسيئ
العقل لان النفس إمارة بالسوء
الوراثة والبيئة
ميز بين نوعين من الفضيلة فطرية موروثة وفضيلة مكتسبة
يعول على الحكمة العملية المكتسبة التي تهدي الى الوسط
تباين الموقف من وراثة الأخلاق واكتسابها ولكنه يميل الى الاكتساب
-اقر بوجود الاستعداد للخلق الحسن السيئ
-مكتسبة ومتغيرة من حال الى حال
تربية الفضيلة
يبدو الخلق الحسن بإماتة الشهوات واخذ النفس بالمجاهدة والزهد في ملذات الحياة
-الفضائل الأخلاقية مهارات تكتسب بالمران والتدريب
-الفضيلة نوع من الوسط بين طرفين أحداهما إفراط والأخر تفريطاً
التربية والتهذيب وسيلة التحكم بالغريزة
-يعول على التكرار في إدامة الخلق الحسن بواسطة الأخذ بمبدأ الثواب
-يؤكد مبدأ العقاب في إماتة الرذائل وإضعافها

ومن خلال ملاحظ الجداول آنفة الذكر و التي تقارن بين بعض مظاهر الأخلاق عدد من الفلاسفة الغرب خصوصاً أفلاطون وأرسطو وعند عدد من الفلاسفة المسلمين خصوصاً الغزالي وابن سينا ، يبدو إن هناك تشابه كبير في المنطلقات الفكرية الأخلاقية وتطبيقاتها العملية وما مرد ذلك إلا لكون الفلاسفة المسلمين يستمدون فلسفتهم من الإسلام ومن منابعه الرئيسية القران الكريم والحديث النبوي الشريف ، إذ احتفى الإسلام بالجانب الأخلاقي في الإنسان وفي المجتمع ويبدو هذا جلياً في القران الكريم الذي بلغت فيه الآيات المتصلة بالأخلاق نسبة عالية ، سواء في جانبها النظري أو جانبها العملي رابطا فيه القول بالعمل والنظرية بالتطبيق (النقيب ، 1987)،والى هذا أشار الله تعالى بقوله : " يا أيها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون ,كبر مقتاً عند الله إن تقولوا ما لا تفعلون"(الصف : 2-3) ، والمسلم مطالب بان يكمل نفسه أخلاقيا حتى يصبح من الفائزين برضوان الله لقوله تعالى " والعصر , إن الإنسان لفي خسر , إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"( العصر : 1-3) أما الفيلسوفان الغربيان المشمولان في البحث فأنهما مثاليان يؤمنان بوجود عقل الهي يوجه الكون الى غاية مرسومة تحقق الخير والكمال ، ومن خلال المقارنة السابقة فقد تم التوصل الى الأتي :
· اتفق الفلاسفة المسلمون والفلاسفة الغربيون بأن العقل هو المسؤول عن الأخلاق ، فيه يدرك الإنسان السعادة ، وبه يميز بين الخير والشر وتعمل الفضيلة وتمهل الرذيلة .
· جميعهم قد أكد إن الغاية من الأخلاق هي السعادة الأخروية والتي تحصل لأولئك الذين تترهوا عن ملذات البدن واتجهوا الى الكمال الاعلى وهدفهم التوصل والتقرب الى الله سبحانه وتعالى والى نوره الحق .
· جميع الفلاسفة اتفقوا على إن الأخلاق مكتسبة تتشكل في ضوء العوامل الخارجية التي تفعل فعلها في رسم النمط الخلقي حسنة أو سيئة ، ويستثنى الغزالي الذي تباين موقفه من اكتساب الأخلاق أو وراثتها مع ميله الى اكتسابها .
· جميع الفلاسفة يتفقون على إن الفضيلة هي وسط اعتدال بين طرفين مرذلين.
· أكد جميع الفلاسفة على دور التدريب والممارسة والتعويد في تشكيل الفضائل فطريقها اعتياد الأفعال الصادرة عن النفوس الزكية الكاملة حتى تصير معتادة عليها بتكرارها على أزمنة لتحصل لها هيئة للنفس راسخة.
· اتفق كل من الغزالي وابن سينا وأرسطو على الجوانب التطبيقية في الأخلاق والتي تخص الحياة العملية للأفراد والجماعات أما أفلاطون فقد اهتم بالجوانب النظرية والفلسفية والتأملية الصرفة.
· تميزت الأخلاق عند كل من الغزالي وابن سينا بارتباطها الكبير بالدين الإسلامي المعتمدة على القران الكريم والسنة النبوية ومنهجها الإرشادي والموجه الى عموم الناس صغيرهم وكبيرهم ، عالمهم وجاهلهم ، أما الأخلاق عند أفلاطون وأرسطو فهي الاستقراطية سياسية خاصة بالصفوة أو النخبة المختارة وهم الفلاسفة ؛ فهي ارستقراطية اجتماعية فضلاً عن كونها فكرية ، وعند أرسطو أخلاق الطبقة البرجوازية المترفة والمتنعمة التي تدخل بالمجد والسلطان.
- النتائج المتعلقة بالتساؤل الثاني:
تبين من خلال البحث أن الغزالي لم يكن المفكر الوحيد الذي يجمع بين التربية الأخلاقية والتربية العملية بل هذا هو هدف التربية والمربين قديما وحديثا فالعلم الذي لا يؤدي الى الفضيلة لا يصح إن يكون علما ولا يقتصر هدف التربية على حشو أذهان الطلبة والتلاميذ بالمعلومات وإنما للتربية هدف معرفي وأخلاقي يتعلق بتربية وتهذيب المتعلمين .
لقد أدرك الغزالي بان العملية التربوية هي نتاج لتعاون ثلاثة إطراف المعلم والمتعلم ومادة الدرس ، فشخصية المعلم لها تأثير في نفوس المتعلمين فهي الجانب الفعال في العملية التربوية ، والمعلم من خلالها قدوة للمتعلمين في القول والعمل وعلى مستوى الجانبين العلمي والأخلاقي وان شرفه متأت من شرف مهنته التي هي اشرف الصناعات ( الجبوري ، 1989).
وواجبات المعلم التي ينبغي إن يؤديها كما رسمها الغزالي هي :
1. الشفقة على المتعلمين وإنزالهم منزلة بينة وبذلك جعل الغزالي للمعلم حقا عليه أعظم من حق الوالدين تجاه الأبناء .
2. حث الغزالي المعلم على تقدير العلوم الأخرى في نفس المتعلم فيتجنب تقليل شانها والحط من قدرها فهي عادة سيئة ينبغي للمعلم تجاوزها.
3. إن لا يدع المعلم شيئا من نصح المتعلم وان يردعه عن الأخلاق الدنيئة وينبهه الى إن غاية العلوم هي سعادة الآخرة وليس سعادة الدنيا .
4. على المعلم إن يكون عاملاً بعمله فلا يكذب قوله فعله أو يناقض بين العمل والعلم فكل من تناول شيئا ونهى عن ممارسته كان نهيه سبا لسخرية الناس منه ( ناصر ، 1977).
أما بشان المتعلم وواجباته ينطلق الغزالي من منهجه الديني الذي يطغى على جوانب شخصيته فعنده إن التعلم فريضة على كل مسلم وهو إلزامي وجوبي لا يجوز التخلف عنه ويؤكد فضيلة التعليم مدعما لها بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة ، وقد وضع الغزالي للمتعلم قواعد سلوكية ينبغي إن يسير عليها وينضبط بها إثناء تحصيله للعلم والمعرفة في علاقته مع أساتذته ومعلميه منها :
1- إن يقدم طهارة النفس على سيء الأخلاق فالعلم عبادة القلب وصلاة السر .
2- إن لا يتكبر على المعلم ولا يتآمر عليه بل إن يلتزم أوامره ويذعن لنصيحته .
3- إن لا يدع فناً من فنون العلم وأنواعه إلا ويطلع عليه .
4- إن لا يخوض في أي علم من العلوم دفعة واحدة بل يراعي التدرج ويبدأ بالأهم ويأخذ من كل شيء أحسنه ويوجه كل اهتمامه وعنايته الى استعمال العلم الاشرف وهو علم الآخرة بقسيمة العملي والكشفي .
5- إن تكون غاية المتعلم من العلم تحليل باطنه وتحميله بالفضيلة طالباً التقرب من الله سبحانه وتعالى ( ناصر ، 1977).
وللغزالي رأي في صفات المادة العلمية والعلم النافع ، وهو عنده أساس كل بناء صحيح وسليم ، فهو أساس الدين وأساس الإنسانية وأساس التربية عموما , وبما إن التربية قصديه هادفة فالتعليم الوسيلة العملية الفعالة لتحقيق هذا الهدف ، والعلوم عند الغزالي ليست بدرجة واحدة متساوية بل متفاوتة في المراتب بسبب قربها أو بعدها عن الهدف التربوي العام فمنها المذموم بسبب نتائجه السلبية وعواقبه الذي يقع ضرره على العباد .
لقدم قدم الغزالي نظرية تعليمية شاملة لكل جوانب العملية التربوية التعليمية وعلى امتداد مراحل التعليم ومناهجه وطرقه وأساليبه المختلفة لمرحلة الطفولة والمراهقة ، إذ أكد على التربية الجسمية والنفسية معاً لإدراكه بأثرهما في تكوين شخصية الطفل وتحديد ميوله واتجاهاته في المستقبل ، وفي مرحلة الطفولة المتقدمة يقتصر التعليم فيها على تعليم القرآن والأحاديث والحكايات المروية عن الأخيار الإبرار حتى يغرس في نفسه حب الصالحين وتعويده على أداء الواجبات والفروض الدينية كالطهارة والصلاة والصوم ، أما مرحلة التعليم العلي فهي من نصيب الخاصة من المثقفين المتمرسين على فنون الجدل والمناظرة وأساليب البرهان والعارفين بقوانين المنطق والاستدلال العقلي وموازين العقل والعلم والمعرفة البرانية وقوانينها وهي من اختصاص مجموعة امتلكت قدرات تعليمية خاصة ألزمها الغزالي ضرورة تعلم وتعليم هذه العلوم العقلية خدمة للدين ودفاعا عنه (الجبوري،1993).
أما ابن سينا فانه ربط بين التربية الخلقية والحالة المزاجية فدعي الى تأمين بيئة مناسبة للتعلم يشعر خلالها الطفل بالأمان والاطمئنان وتجنيبه فرص الخيرات المؤملة التي تساعده على التكيف والنمو النفسي والبدني فينشأ حسن الإنسانية تبعاً لحسن مزاجه ، فالأخلاق الحسنة تابعة لصفاء المزاج أما الأخلاق الرديئة تابعة لسوء المزاج .
بينما منهجه للطفولة فقد أعطى ابن سينا دورا كبيرا للعب في الطفولة المبكرة وهو تأكيد للتربية البدنية وأثرها في بناء شخصية الطفل ، أما المرحلة العمرية التي توازي المرحلة الابتدائية في يومنا الحالي قد حث ابن سينا المعلم مراعاة الدافعية للمتعلم فلا يحمل الطفل على ملازمة الكتاب بشكل متصل وإنما لا بد من فرصة تمنح له بهدف تجديد النشاط والحيوية ( الخوري ، 1971) ، واشترط بمعلم الصبي إن يرتبط بصبيه على درجة كبيرة من الإنسانية الحسنة والعادات الجميلة لتتوفر فرص كثيرة في مجال تربية الأخلاق والمنافسة المشروعة بدافع التفوق في كل تهذيب لأخلاقه وتحريك لهمة التعلم عنده ، أما برنامجه التعليمي فيتدرج من حفظ القران الى تعليم أصول اللغة ثم الشروع بدراسة الرسائل والخطب والحساب والعناية بالخط (الخوري ، 1971).
ولا يختلف أفلاطون عن ابن سينا أو الغزالي في دور التربية في اكتساب الأخلاق ، وبما إن الفلسفة لا تنفصل عن الأخلاق عنده ، ولان التربية ذات صفة أخلاقية هي والفلسفة وجهان لشيء واحد في مجال فلسفة التربية ، فقد وجد أفلاطون في التربية مجالا للتعبير عن أرائه الفلسفية موجداً نظاماً يستند الى الفلسفة والتربية تضمنته الفلسفة بكل مجالاتها المعرفية والميتافيزيقية والجمالية ، ويتمثل هذا النظام في المجال التعليمي بنمط تصاعدي جزء فيه التربية الى ثلاث طبقات هي :
1. الطبقة الأولى وتمتد من سن السادسة الى العاشرة وموادها الرياضة ومبادئ الحساب الأول .
2. الطبقة الثانية من سن العاشرة الى سن العشرين ، ومتخرجوها يتخصصون –قضاة ومحامين –وموادها الأدب والموسيقى والرياضيات والتمارين ذات الطابع العسكري.
3. الطبقة الثالثة من سن العشرين الى سن الخامسة والثلاثين ، وطلبتها هم الذين اظهروا نباهةً وتفوقا ، وموادها العلوم العالية كالرياضيات وعلم الفلك وعلم الموسيقى المجرد ، ويتدرج طلبتها الى الفلسفة التي ترتفع بهم الى الحقيقة الخالصة ( الخوري، 1971)، وحين قسم أفلاطون النفس الإنسانية الى ثلاثة أجزاء والمجتمع الى ثلاثة طبقات تناظر أقسام النفس إنما استهدفت وضع التربية بنوعها المناسب والملائم لهذه الطبقات الثلاث ، إذ إن التربية لا تستطيع إن تغير طبيعة الإنسان وإنما تكشفها لتتمكن من إرشادها وتوجيهها ( الجبوري ، 1989).
يرى أفلاطون في المجال التطبيقي إن يتجنب المعلم فرض العلوم قصراً على التلميذ بل يتلمس التوجيه والمناقشة والأسئلة اساليباً في التدريس (الخوري،1971)، ويلاحظ إن أفلاطون قد سن مبادئ تربوية تلتزمها التربية الحديثة ، إذ أدرك اثر الدافعية في تحصيل العلوم وهي تشير الى حالة داخلية تدفع التلميذ الى الانتباه للموقف التعليمي والإقبال عليه بنشاط موجه ومستمر حتى يتحقق التعليم بدلاً من إن يعتمد أسلوبا يتجاهل به ميول التلاميذ ورغباتهم واتجاهاتهم نحو ذلك التعلم أو تلك المعرفة .
والطريقة التدريسية الناجحة التي يراها أفلاطون هي طريقة تعتمد الحوار والنقاش ومن ميزاتها إشراك المتعلم في عرض وتحليل المعرفة وتجنب الصيغ التعليمية التي تضع التلميذ في موقف سلبي يتحدد دوره في إطار تلقي المعلومات والخبرات التعليمية .
أما أرسطو فيرى إن غاية التربية تكمن في تنشئة الأفراد على حب الجماعة ، وان التربية هي مهمة الدولة تشرف عليها وترعاها (أمين ،1985)، ومن اهتماماته بالتربية تأكيده على إن السعادة الحقيقية هي الغاية من كل أعمال الإنسان ويكون تحصيلها بالعقل والتأمل لان العقل أساس الموازنة والاعتدال بين الرغبة والهوى ، فبالعقل يتمكن الإنسان من حفظ توازنه ونفسه من الوقوع في الإفراط والتفريط .
والتربية عند أرسطو مثلما هي عند أفلاطون تربية الصفوة والنخبة إذ خصص لهم علوما خاصة في مجال التربية البدنية والفنية والفكرية أما العمال والعبيد فلا يحتاجون الى تعليم نظري وإنما يكتفون بالتعليم العملي الخاص بالحرف كالزراعة والصناعة والتجارة والتي لا تحتاج إلا الى تعليم بسيط عن طريق المشاركة والمخالفة في العمل خارج المدرسة ، ولا تحتاج الى دروس نظرية داخل الأكاديمية أو المعاهد العالية .


نتائج البحث:
في ضوء النتائج وتفسيرها فان الباحث يوصي بما يلي :
- العناية بموضوع الأخلاق كأحد أسس بناء المناهج التربوية ، وضرورة الحرص على تضمينها في مختلف المناهج التربوية خصوصا في مرحلة رياض الأطفال في مناهج خاصة مستغلاً ميله الفطري للخير ونبذه للشر ، واستعداده الفطري والانفعالي لممارسة الأخلاق وتمثلها .....
- تفعيل التربية اللامقصودة في التربية الأسرية ، وفي المؤسسات التربوية المعنية برعاية الأطفال ، لتحقيق الفضائل الخلقية اعتقادا وتطبيقاً من قبل الجميع دولة وإفرادا ، وإعلاما وتثقيفياً .
- عدم تناول موضوع الأخلاق بعيداً عن أصوله برد كل خلق ممارس الى القران الكريم والى السنة النبوية الشريفة لا سيما في إجراء الأبحاث العلمية
- إجراء دراسة تبين اثر درجة الوعي بالأصول الخلقية على مستويات الاعتقاد الخلقي دراسة مقارنة بين مجتمع مسلم وأخر غربي