تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المجتمع المدني في عهد الحبيب عليه الصلاة والسلام


عزالدين
2007-12-13, 14:32
كرم النبي – صلى الله عليه وسلم - وحلمه وعفوه وشجاعته



1. كرمه -صلى الله عليه وسلم-:

إن كرمه - صلى الله عليه وسلم- كان مضرب الأمثال، وقد كان - صلى الله عليه وسلم- لا يرد سائلاً وهو واجد ما يعطيه، فقد سأله رجل حلةً كان يلبسها، فدخل بيته فخلعها ثم خرج بها في يده وأعطاه إياها.

وفي صحيح البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال: ما سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- شيئاً على الإسلام إلا أعطاه، سأله رجل فأعطاه غنماً بين جبلين فأتى الرجل قومه، فقال لهم: (يا قوم أسلموا فإن محمداً يُعطي عطاء من لا يخشى الفاقة ) مسلم كتاب الفضائل باب ما سئل رسول الله شيئا قط فقال لا وكثرة عطائه (4/1806) رقم (2312)1، وكان الرجل ليجيء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ما يريد إلا الدنيا فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه وأعز من الدنيا وما فيها، أخرج البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، وقد سئل عن جود الرسول وكرمه، فقال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان حين يلقاه جبريل بالوحي فيدارسه القرآن، فرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة)‏. البخاري - الفتح- كتاب المناقب, باب صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- (6/653) رقم (3554)، بمعنى أن إعطائه دائماً لا ينقطع بيسر وسهولة، وها هي ذي أمثلة لجوده وكرمه - صلى الله عليه وسلم-.

- وحملت إليه تسعون ألف درهم فوضعت على حصير، ثم قام إليها يقسمها فما رد سائلاً حتى فرغ منها.

- أعطى العباس - رضي الله عنه- من الذهب ما لم يطق حمله.

(هذا الحبيب يا محب (525- 526).



2. حلمه - صلى الله عليه وسلم -:

الحلم: هو ضبط النفس حتى لا يظهر منها ما يكره قولاً كان أو فعلاً عند الغضب، وما يثيره هيجانه من قول سيء أو فعل غير محمود. هذا الحلم كان فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم- مضرب المثل، والأحداث التي وقعت له - صلى الله عليه وسلم- شاهدة على ذلك.

- في غزوة أحد شُجت وجنتاه, وكُسرت رباعيته, ودخلت حلقات من المغفر في وجهه - صلى الله عليه وسلم- فقال: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) البخاري، الفتح كتاب الأنبياء, باب حديث الغار (6/593) رقم (3477) والجامع الصحيح (3477)، وهذا منتهى الحلم والصفح والصبر منه - صلى الله عليه وسلم-.

- والرسول-صلى الله عليه وسلم-يقسم الغنائم فقال له: ذو الخويصرة اعدل يا محمد فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله!! فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم-: (ويلك فمن يعدل إن لم أعدل) صحيح مسلم, كتاب الزكاة, باب ذكر الخوارج وصفاتهم (2/755) رقم (1064)، وحلم عليه ولم ينتقم منه.

- عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أدركه أعرابي فأخذ بردائه فجبذه جبذة شديدة حتى نظر إلى صفحة عنق رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقد أثرت فيه حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فضحك وأمر له بعطاء. البخاري الفتح، كتاب الأدب, باب التبسم والضحك (10/519) رقم (6088), ومسلم, كتاب الزكاة, باب إعطاء من سأل بفحش وغلظه (2/730-731) رقم (1057).

- وعن أبي هريرة أن أعرابياً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- يستعينه في شيء فأعطاه ثم قال: (أحسنت إليك؟) قال الأعرابي: لا، ولا أجملت، قال: فغضب المسلمون وقاموا إليه فأشار إليهم أن كفوا، قال عكرمة: قال أبو هريرة: ثم قام النبي - صلى الله عليه وسلم- فدخل منزله ثم أرسل إلى الأعرابي فدعاه إلى البيت فقال: (إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك، فقلت ما قلت)، فزاده رسول الله - صلى الله عليه وسلم- شيئاً، ثم قال: (أحسنت إليك)، قال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك، وقلت ما قلت، وفي أنفس أصحابي شيء من ذلك، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك)، قال: نعم. قال أبو هريرة: فلما كان الغد أو العشي جاء فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (إن صاحبكم هذا كان جاء فسألنا فأعطيناه، وقال ما قال: وأنا دعوناه إلى البيت فأعطيناه فزعم أنه قد رضي أكذلك؟) قال الأعرابي: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً. قال أبو هريرة: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (ألا إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة، فشردت عليه، فاتبعها الناس، فلم يزيدوها إلا نفوراً، فناداهم صاحب الناقة: خلوا بيني وبين ناقتي فأنا أرفق بها وأعلم، فتوجه لها صاحب الناقة بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض فردها هوناً هوناً حتى جاءت واستناخت، وشد عليها رحلها، واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال، فقتلتموه دخل النار) رواه البزار في مسنده وقال: لا نعلمه يروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلا من هذ الوجه. كشف الأستار (3/159-160).

- وجاءه زيد بن سعنة أحد أحبار اليهود بالمدينة، جاء يتقاضاه ديناً له على النبي - صلى الله عليه وسلم- فجذب ثوبه عن منكبه وأخذ بمجامع ثيابه وقال مغلظاً القول: (إنكم يا بني عبد المطلب مُطلٌ) فانتهره عمر وشدد له في القول، والنبي - صلى الله عليه وسلم- يبتسم، وقال - صلى الله عليه وسلم-: (أنا وهو كنا إلى غير هذا أحوج منك يا عمر، تأمرني بحسن القضاء وتأمره بحسن التقاضي)، ثم قال: (لقد بقي من أجله ثلاث)، وأمر عمر أن يقضيه ماله، ويزيده عشرين صاعاً لما روّعه، فكان هذا سبب إسلامه فأسلم، وكان قبل ذلك يقول: ما بقي من علامات النبوة إلا عرفته في محمد - صلى الله عليه وسلم- إلا اثنتين لم أخبرهما، يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شد الجهل إلا حلماً، فاختبره بهذه الحادثة فوجده كما وصف. رواه أبو نعيم في دلائل النبوة (1/108-112), والحاكم في المستدرك وصححه وأقره الذهبي (3/604-605), والهيثمي في مجمع الزوائد (8/239-240).

هذا شيء يسير من حلمه - صلى الله عليه وسلم-.



3. عفوه - صلى الله عليه وسلم-:

العفو: هو ترك المؤاخذة عند القدرة على الأخذ من المسيء المبطل، وهو من خلال الكمال، وصفات الجمال الخلقي.

قالت عائشة-رضي الله عنها-: ما خُيِّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لنفسه إلا أن تُنتهك حرمة الله تعالى فينتقم لله بها. البخاري - الفتح- كتاب المناقب باب صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- (6/654) رقم (3560).

عن جابر بن عبد الله قال: قاتل رسول الله محارب بن خصفة، قال: فرأوا من المسلمين غرّه فجاء رجل حتى قام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالسيف فقال: من يمنعك مني، قال: (الله)، فسقط السيف من يده فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- السيف فقال: (من يمنعك مني؟) قال: (كن خير آخذ قدر)، قال: (أتشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله)، قال: (لا، غير أني لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك). فخلى سبيله.

فجاء أصحابه فقال: (جئتكم من عند خير الناس). (المسند (3/365)، والبخاري بنحوه كتاب المغازي, باب غزوة ذات الرقاع (7/491) رقم (4136), ومسلم بنحوه, كتاب صلاة المسافرين وقصرها – باب صلاة الخوف (1/576) رقم (843).

وعن أسامة بن زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ركب على حمار، فقال: (أي سعد ألم تسمع ما قال أبو الحباب) يريد عبد الله بن أبيّ قال: كذا وكذا، فقال سعد بن عبادة: اعف عنه واصفح، فعفا عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. (البخاري، الفتح, كتاب تفسير القرآن, باب قوله تعالى: { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىً كثيراً}، (8/78) رقم (4566), ومسلم بنحوه, كتاب الجهاد والسير, باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم- وصبره على أذى المنافقين (3/1422-1423) رقم (1798).

- لما دخل المسجد الحرام صبيحة الفتح ووجد رجالات قريش جالسين مطأطئين الرؤوس ينتظرون حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فيهم، فقال: (يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟) قالوا: أخ كريم، وابن أخٍ كريم!، قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء!) قال الألباني: لم أقف له على إسناد ثابت وهو عند ابن هشام معضل (انظر كتابه "دفاع عن الحديث النبوي" ص: 32) فعفا عنهم بعدما ارتكبوا من الجرائم ضده وضد أصحابه ما لا يُقادر قدره ولا يحصى عده، ومع هذا فقد عفا عنهم، ولم يعنف، ولم يضرب، ولم يقتل، فصلى الله عليه وسلم.

- وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه-: أن يهودية أتت النبي - صلى الله عليه وسلم- بشاة مسمومة ليأكل منها فجيء بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فسألها عن ذلك، فقالت: (أردت قتلك)، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (ما كان الله ليسلطك على ذلك)، أو قال: (على كل مسلم)، قالوا: أفلا نقتلها؟ قال: لا. صحيح مسلم, كتاب السلام، باب السم (4/1721) رقم (2190)، البخاري- الفتح, كتاب الهبة وفضلها, باب قبول الهدية من المشركين (5/272) رقم (2617).



4. شجاعته - صلى الله عليه وسلم -:

إن الشجاعة خلق فاضل، ووصف كريم، وخلة شريفة، لا سيما إذا كانت في العقل كما هي في القلوب، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- أشجع الناس على الإطلاق، فمن الأدلة على شجاعته ما يلي:

- شهادة الشجعان الأبطال له بذلك، فقد قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه-، وكان من أبطال الرجال وشجعانهم، قال: "كنا إذا حمي البأس واحمرت الحدق نتقي برسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه". رواه أحمد في مسنده (1/156)، والبغوي (13/257).

وعن البراء قال: "كنا والله إذا احمر البأس نتقي به – يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن الشجاع منا الذي يحاذى به". مسلم كتاب الجهاد والسير , باب غزوة حنين (3/1401).

- وعن أنس بن مالك قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من أجمل الناس وأجود الناس وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة مرة فركب فرساً لأبي طلحة عرياناً, ثم رجع وهو يقول: (لن تراعوا لن تراعوا) ثم قال: (إنا وجدناه بحراً) البخاري- الفتح، كتاب الأدب, باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل(10/470)، ومسلم كتاب الفضائل, باب في شجاعة النبي- عليه السلام- وتقدمه في الحرب (4/1802-1803) رقم (2307).

- مواقفه البطولية الخارقة للعادة في المعارك، ومنها ما كان في حنين حيث انهزم أصحابه وفر رجاله لصعوبة مواجهة العدو من جراء الكمائن التي نصبها وأوقعهم فيها وهم لا يدرون، فبقى وحده - صلى الله عليه وسلم- في الميدان يجول ويصول وهو على بغلته يقول:

أنا النبي لا كذب ****** أنا ابن عبد المطلب


عن البراء: قال لما غشيه المشركون نزل فجعل يقول: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب)، فما رُؤي في الناس يومئذ أحد كان أشد من النبي - صلى الله عليه وسلم-. البخاري-الفتح، كتاب الجهاد والسير, باب من قال خذها وأنا ابن فلان (6/190) رقم (3042), ومسلم كتاب الجهاد والسير, باب في غزوة حنين (3/1401).
وما زال في المعركة وهو يقول: (إلي عباد الله!!) حتى فاء أصحابه إليه وعاودوا الكرة على العدو فهزموه في الساعة.

كانت تلك الشواهد على شجاعته -صلى ا لله عليه وسلم- وما هي إلا غيض من فيض، ومواقفه - صلى الله عليه وسلم- كلها تدل على ما كان عليه من الشجاعة, ولقد قال أنس بن مالك: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس". (البخاري كتاب الأدب, باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل (10/470)، ومسلم كتاب الفضائل, باب في شجاعته - صلى الله عليه وسلم- وتقدمه للحرب (4/1802) رقم (2307)).

يتبـــــــــــــــــع.........

عزالدين
2007-12-13, 15:02
قدوم وفد مُزينة على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-


قال ابنُ سعد في طبقاتِهِ: كان أول مَن وَفَدَ على رَسُولِ اللهِ-صلى الله عليه سلم-من مضر أربعمائة من مُزينة، وذلك في رجب سنة خمس، فجعل لهم رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- الهجرةَ في دارِهم وقال: أنتم مُهاجرون حيثُ كنتم، فارجعُوا إلى أموالِكم، فرجعُوا إلى بلادِهم.

وقال: كان فيهم نَفَرٌ من مُزينة منهم خُزَعي بن عبد نُهم, فبايعه على قومِهِ مُزَينة، وقدم معه عشرةٌ منهم, فيهم: بلال بن الحارث، والنُّعمان بن مُقرِّن، وأبو أسماء، أسامة، وعبيد الله بن بردة، وعبد الله بن دُرَّة، وبشر بن المحتفر(1).

وفي مسند أحمد، عن النُّعمان بن مُقرن قال: قدمنا على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- أربعمائة رجل من مُزَينة, فلمَّا أردنا أنْ ننصرفَ, قال: (يا عمرُ, زَوِّدِ القومَ), فقال عمرُ: "ما عندي إلا شيءٌ من تمرٍ, ما أظنُّهُ يقع من القومِ موقعاً", فقالَ له الرَّسُولُ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (انطلقْ فزوِّدهم), فانطلق بهم عُمَرُ, فأدخلهم منزلَهُ, ثم أصعدهم إلى علية, فلما دخلنا إذا فيها من التمر مثل الجمل الأورق, فأخذ القومُ منه حاجتَهُم, قال النعمان: وكنتُ في آخرِ مَنْ خَرَجَ, فالتفت فإذا فيها من التمرِ مثلُ الذي كان(2).



قدوم وفدِ دوسٍ على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قال ابنُ إسحاقَ: كانَ الطُّفَيل بن عمرو الدَّوسيُّ يُحدِّثُ أنَّهُ قدم مكةَ, ورَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بها فمشى إليه رجالٌ من قريش, وكان الطُّفَيل رجلاً شريفاً شاعراً لبيباً, قالُوا له: "إنك قدمتَ بلادنا, وإنَّ هذا الرجلَ -وهو الذي بين أظهرِنا- فَرَّقَ جماعتَنا, وشتتَ أمرَنا, وإنما قولُهُ كالسِّحرِ يُفرِّقُ بين المرءِ وابنِهِ, وبين المرءِ وأخيه, وبين المرءِ وزوجِهِ, وإنما نخشى عليكَ وعلى قومِك ما قد حَلَّ علينا فلا تكلمه, ولا تسمع منه", قال: فوالله ما زالُوا بي حَتَّى أجمعتُ أنْ لا أسمعَ منه شيئاً, ولا أُكلمه حَتَّى حشوتُ في أذني حين غدوتُ إلى المسجدِ كُرُسفاً(3) فَرَقاً من أنْ يبلغني شيءٌ مِن قولِهِ.

قال: فغدوتُ إلى المسجدِ فإذا رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- قائمٌ يُصلِّي عند الكعبةِ, فقمتُ قريباً منه, فأبى اللهُ إلا أنْ يُسمعني بعضَ قولِهِ, فسمعتُ كَلَاماً حَسَناً, فقلتُ في نفسي: واثكل أُمِّياه, واللهِ إني لرجلٌ لَبيبٌ شاعِرٌ, ما يخفى عليَّ الحسنُ من القبيحِ, فما يمنعني أنْ أسمعَ من هذا الرَّجلِ ما يقولُ؟ فإنْ كانَ ما يقولُ حَسَناً قبلتُ, وإنْ كان قبيحاً تركتُ.

قال: فمكثتُ حَتَّى انصرفَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-إلى بيتِهِ, فتبعتُهُ حَتَّى إذا دَخَلَ بيتَهُ دخلتُ عليه, فقلتُ: يا محمدُ, إنَّ قومَكَ قد قالُوا لي: كذا وكذا فَوالله ما برحوا يُخوفوني أمرك حَتَّى سددت أذني بِكُرْسُفٍ لئلا أسمع قولَك, ثم أبى اللهُ إلا أنْ يُسمعنيه, فسمعتُ قولاً حَسَناً, فاعرضْ عليَّ أمرَك, فعرض عليَّ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-الإسلامَ, وتلا عليَّ القرآنَ, فلا والله ما سمعتُ قولاً قطُّ أحسنَ منه, ولا أمراً أعدلَ منه, فأسلمتُ وشهدتُ شهادةَ الحقِّ, وقلتُ: يا نبيَّ اللهِ, إني امرؤٌ مُطاعٌ في قومي, وإني راجعٌ إليهم فداعيهم إلى الإسلامِ, فادعُ الله لي أن يجعلَ لي آيةً تكون عوناً لي عليهم فيما أدعوهم إليه, فقالَ: (اللهم اجعل له آيةً) قال: فخرجتُ إلى قومي حَتَّى إذا كنتُ بثنية تُطلعني على الحاضرِ, وقع نورٌ بين عيني مثل المصباح, قلت: "اللهم في غيرِ وجهي إني أخشى أنْ يظنُّوا أنها مُثلةٌ وقعتْ في وجهي لِفراقي دينهم, قال: فتحوَّلَ فوقع في رأسِ سوطي كالقنديل المعلَّق, وأنا أنهبطُ إليهم من الثَّنِيَّة حَتَّى جئتُهم, وأصبحتُ فيهم, فلمَّا نزلتُ أتاني أبي, وكان شيخاً كبيراً, فقلتُ: إليكَ عنِّي يا أبتِ, فلستَ منِّي ولستُ منك, قال: لم يا بُني؟ قلتُ: قد أسلمتُ وتابعتُ دينَ محمدٍ. قال: يا بُني فديني دينُك. قال: فقلتُ: اذهبْ فاغتسلْ, وطَهِّرْ ثيابَكَ, ثم تعالَ حَتَّى أُعلِّمُك ما علمتُ.

قال: فذهب فاغتسل وطهر ثيابه, ثم جاء فعرضتُ عليه الإسلامَ فأسلم, ثم أتتني صاحبتي فقلتُ لها: إليك عني فلستُ منك ولست منِّي. قالت: لمَ بأبي أنتَ وأمي؟ قلت: فَرَّقَ الإسلامُ بيني وبينك؛ أسلمتُ وتابعتُ دينَ محمَّدٍ. قالتْ: فديني دينُك. قال: قلتُ: فاذهبي فاغتسلي ففعلتْ, ثم جاءتْ فعرضتُ عليها الإسلامَ فأسلمتْ, ثم دعوتُ دَوساً إلى الإسلامِ فأبطئوا عليَّ(4), فجئتُ رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, فقلتُ: يا رَسُول اللهِ, إنه قد غلبني على دَوْسٍ الزِّنا, فادعُ الله عليهم, فقال: (اللهمَّ اهدِِ دَوْساً(5)), ثم قال: (ارجعْ إلى قومِك فادعهم إلى اللهِ, وارفُق بهم), فرجعتُ إليهم, فلم أزلْ بأرضِ دوسٍ أدعوهم إلى اللهِ, ثم قدمتُ على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, ورَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بخيبرَ, فنزلتُ المدينةَ بسبعين أو ثمانين بيتاً من دَوْسٍ, ثم لحقنا برَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بخيبرَ فأسهم لنا مع المسلمين.

قال ابن إسحاق: فلما قُبِضَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وارتدتِ العربُ, خرج الطُّفَيل مع المسلمين حَتَّى فرغوا من طُليحة, ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة, ومعه ابنه عمرو بن الطُّفَيل, فقال لأصحابِهِ: إني قد رأيتُ رُؤيا فاعبرُوها لي: رأيتُ أنَّ رأسي قد حُلِقَ, وأنه قد خرجَ من فمي طائرٌ, وأنَّ امرأةً لقيتني فأدخلتني في فرجِها, ورأيتُ أنَّ ابني يطلبني طلباً حثيثاً, ثم رأيتُهُ حُبِسَ عنِّي. قالوا: خيراً رأيتَ.

قال: أما والله, إني قد أوَّلتُها. قالوا: وما أولتها؟ قال: أَمَّا حلقُ رأسي فوضعُهُ, وأما الطائرُ الذي خرج من فمي فروحي, وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرض تحفر, فأغيب فيها, وأما طلب ابني إياي وحبسه عني, فإني أراه سيجهد؛ لأن يصيبه من الشهادة ما أصابني, فقتل الطُّفَيل شهيداً باليمامة, وجُرح ابنُهُ عمرو جُرْحاً شديداً, ثم قُتِلَ عام اليرموك شهيداً في زمنِ عمرَ-رَضيَ اللهُ عَنْهُ- (6).



الفوائد والفقه والأحكام من هذه القصة :

1- فيها: أنَّ عادة المسلمين كانت غسل الإسلام قبل دخولهم فيه, وقد صَحَّ أمرُ النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-به. وأصحُّ الأقوالِ وجوبُهُ على مَن أجنبَ في حالِ كفرِهِ ومَن لم يُجنبْ.

2- وفيها: أنه لا ينبغي للعاقلِ أنْ يُقلِّدَ النَّاسَ في المدحِ والذَّمِّ, ولاسيما تقليد مَن يمدح بهوى, ويذم بهوى, فكم حالَ هذا التَّقليدُ بين القلوبِ وبين الهُدى, ولم ينجُ منه إلا مَنْ سبقتْ له مِنَ اللهِ الحُسنى.

3- ومنها: أنَّ المدد إذا لحق بالجيش قبل انقضاء الحرب, أُسهم لهم.

4- ومنها: وقوع كرامات الأولياء, وأنها إنما تكون لحاجةٍ في الدين أو لمنفعةٍ للإسلام والمسلمين, فهذه هي الأحوالُ الرَّحمانيةُ سببها متابعةُ الرَّسُولِ, ونتيجتُها إظهارُ الحقِّ وكسرُ الباطلِ, والأحوالُ الشَّيطانيةُ ضدها سبباً ونتيجة.

5- ومنها: التأني والصبر في الدعوة إلى الله, وأن لا يعجل بالعقوبة والدعاء على العُصاة, وأمَّا تعبيره حلق رأسه بوضعِهِ فهذا؛ لأنَّ حلق الرأس وضع شعره على الأرض, وهو لا يدل بمجرده على وضع رأسه فإنه دال على خلاص من هم, أو مرض, أو شدة لمن يليق به ذلك, وعلى فقر, ونكد, وزوال رياسة, وجاه لمن لا يليق به ذلك, ولكن في منام الطُّفَيل قرائن اقتضت أنه وضع رأسه؛ منها أنه كان في الجهاد, ومقاتلة العدو ذي الشوكة والبأس.

6- ومنها : أنه دخل في بطن المرأة التي رآها وهي الأرض التي هي بمنزلة أمه, ورأى أنه قد دخل في الموضع الذي خرج منه, وهذا هو إعادته إلى الأرض, كما قال-تعالى-: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}(55) سورة طـه. فأوَّلَ المرأةَ بالأرضِ؛ إذ كلاهما محلُّ الوطءِ, وأوَّلَ دخولَهُ في فرجِها بعودِهِ إليها كما خُلِق منها, وأوَّلَ الطَّائرَ الذي خرج مِن فيه بروحِهِ؛ فإنها كالطائر المحبوس في البدن, فإذا خرجت منه كانتْ كالطائر الذي فارق حبسَهُ فذهب حيث شاء, ولهذا أخبر النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (أنَّ نَسْمَةَ المُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلَقُ في شَجَرِ الجَنَّة(7)), وهذا هو الطائر الذي رُئي داخلاً في قبرِ ابنِ عَبَّاسٍ, لمَّا دُفن وسُمِعَ قارئ يقرأ: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً}27-28) سورة الفجر. وعلى حسب بياض هذا الطَّائر وسواده وحسنه وقبحه تكون الروح, ولهذا كانت أرواحُ آل فرعون في صورةِ طيورٍ سُودٍ تردُ النارَ بُكرةً وعشيةً(8), {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (46) سورة غافر، وأوَّلَ طلبَ ابنِهِ له باجتهاده في أنْ يلحقَ به في الشَّهادةِ, وحبسه عنه هو مدة حياتِهِ بين وقعة اليمامة واليرموك. والله أعلم.

يتبــــــــــــــع.......

عزالدين
2007-12-13, 15:19
قدوم وفد كندة على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قال ابن إسحاق: وقدم الأشعث بن قيس على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-في ثمانين أو ستين راكباً من كِنْدة, فدخلوا عليه -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ مسجدَه قد رجَّلوا(1) جُمَمَهم(2) وتكحّلوا، وتسلحّوا, ولبسوا جِبَاب الحِبَراتِ مكففة(3) بالحرير, فلما دخلوا قال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-"(أو لم تسلموا؟) قالوا: بلى, قال: (فما بال هذا الحرير في أعناقكم؟) فشَقَّوه ونزعوه وألقوه.

ثم قال الأشعث بن قيس: يا رَسُولَ اللهِ! نحن بنو آكل المُرار, وأنت ابن آكل المُرار: قال فتبسّم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ثم قال: (ناسبوا بهذا النّسب ربيعة بن الحارث, والعباسَ بن عبد المطلب(4)).

وكان العَبَّاسُ وربيعةُ رجُلينِ تاجرينِ, وكانا إذا سارا في أرضِ العَرَبِ, فسُئِلا مَنْ أنتُما ؟ قالا: نحن بنو آكل المُرار يتعزّزان بذلك في العرب, ويدفعون به عن أنفسِهم؛ لأنَّ بني آكل المُرار من كندة كانوا ملوكاً. قال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-(نحن بنو النضْر بن كِنانة, لا نقفوا أُمَّنا(5) ولا ننتفي من أبينا)(6).

وفي " المسند " من حديث حماد بن سلمة عن عقيل بن طلحة عن مسلم بن هيضم عن الأشعث بن قيس قال: قدمنا على رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -وفد كندة- ولا يرون إلا أني أفضلهم- قلت: يا رَسُول اللهِ ألستم منا؟ قال: (لا نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا(7)) وكان الأشعث يقول: لا أُوتى برجلٍ نفى رجلاً من قريش من النضر بن كنانة إلا جلدتُه الحد(8).



الفوائد والعبر والفقه من هذه القصة:

1- في هذا مِن الفقه أنَّ مَن كانَ مِنْ ولدِ النَّضرِ بن كِنانة, فهو من قُريشٍ.

2- جواز إتلاف المال المحرم استعماله كثياب الحرير على الرجال وأن ذلك ليس بإضاعة.

3- المرار هو شجر من شجر البوادي, وآكل المرار هو الحارث بن عمرو بن حجر بن عمرو بن معاوية بن كندة, وللنبي-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-جدة من كندة مذكورة وهي أم كلاب بن مرة وإياها أراد الأشعث.

4- أن من انتسب إلى غير أبيه فقد انتفى من أبيه، وقفى أمه أي رماها بالفجور.

5- وفيها: أنَّ كِنْدة ليسوا من ولد النضر بن كنانة.

6- وفيه أنَّ مَن أخرجَ رجلاً عن نسبه المعروف جُلِدَ حَدَّ القذفِ(9).



وفد الأشعريين وأهل اليمن

ثبتَ في الصَّحيحِ من حديثِ أبي مُوسى الأشعريِّ, أنه عندما بلغهم مخرجُ النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وهم باليمن, خرجُوا مُهاجرين إليه, ومعهم أخوانِ له، هو أصغرُهم، أحدهما أبو بُردة والآخر أبو رهم، وهم في بضعةٍ أو في ثلاثةٍ وخمسين أو اثنين وخمسين رَجُلاً من قومه، فركبوا سفينةً، فألقتهم إلى النَّجاشيِّ بالحبشة، ووافقوا جعفرَ بن أبي طالب وأصحابَهُ عنده، فطلب منهم جعفر أنْ يُقيموا معهم؛ لأنَّ رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بعثهم إلى هاهنا, وأمرهم بالإقامةِ، فأقامُوا معه، حَتَّى قدمُوا جميعاً، فوافقوا النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-حينَ افتتح خيبرَ، فأسهمَ لهم(10).

في المسندِ عن يزيد بن هارون, عن حميد, عن أنسٍ, أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, قال: (يقدمُ قومٌ هم أَرَقُّ منكم قُلُوباً), فقدم الأشعريون, فجعلُوا يرتجزون:



(مُحَمَّداً وحِزْبَهْ(11 ******* غداً نَلْقَى الأَحِبَّة


وفي "صحيحِ مسلمٍ" عن أبي هُرَيْرَةَ, قال: سمعتُ رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يقولُ: (جاءَ أهلُ اليمنِ, هم أَرَقُّ أَفْئِدَةً وأَضْعَفُ قُلُوباً, والإيمَانُ يَمانٍ, والحِكْمَةُ يَمَانِيةٌ, والسَّكِينةُ في أَهْلِ الغَنَمِ, والفَخْرُ والخُيَلَاءُ في الفَدَّادِينَ مِنْ أَهْلِ الوَبَر قِبَلَ مَطْلعِ الشَّمْسِ(12)).

وفي مسند أحمد عن محمد بن جُبير عن أبيه, قال: كُنَّا معَ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- في سفرٍ, فقالَ: (أَتَاكُم أهلُ اليَمَنِ كَأَنَّهُم السَّحَابُ, هُمْ خِيَارُ مَنْ في الأَرضْ), فقالَ رجلٌ من الأنصارِ: إلا نحن يا رَسُولَ اللهِ, فسكتَ, ثم قال: إلا نحن يا رَسُول اللهِ, فسكت, ثم قال: (إلاَّ أَنْتُم) كَلِمَةً ضَعِيفَةً(13).

وفي "صحيح البخاريِّ" : أنَّ نَفَراً مِنْ بني تميمٍ, جاؤوا إلى رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فقال: (أَبْشِرُوا يا بني تَمِيم), فقالوا: بَشَّرْتَنَا فأعطنا, فتغيَّرَ وجهُ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, وجاء نَفَرٌ من أهلِ اليمنِ, فقال: (اقْبَلُوا البُشْرى إذْ لَمْ يَقْبَلهَا بَنُو تَمِيم(14)), قالوا: قد قَبِلْنَا, ثم قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ, جئنا لنتفقه في الدِّينِ, ونسألك عن أول هذا الأمرِ, فقالَ: (كَانَ اللهُ, ولَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْره, وكَانَ عَرْشُهُ على المَاءِ, وكَتَبَ في الذِّكْرِ كُلَّ شَيء).

قال ابنُ سعدٍ: قدم الأشعريون على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، وهم خمسون رجلاً، فيهم أبو مُوسى الأشعريُّ، وإخوةٌ له, ومعهم رجلان من عكٍّ، وقدمُوا في سفنٍ في البحر وخرجُوا بجدَّة، فلمَّا دنَوا من المدينةِ جعلُوا يقولُون:



مُحَمَّداً وحِزْبَهْ ******* غداً نَلْقَى الأَحِبَّة

ثم قدمُوا فوجدُوا رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-في سفرِهِ بخيبرَ، ثم لقُوا رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فبايعُوا وأسلمُوا، فقالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (الأشعريون في النّاسِ كَصُرَّةٍ فيها مِسْكٌ(15))(16).



وفد الأزد على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قال ابنُ إسحاق : قدم على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-صُرَدُ بن عبدِ الله الأزديُّ, فأسلمَ, وحسُنَ إسلامُهُ في وَفْدٍ من الأزدِ, فأمَّرهُ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-على مَنْ أسلمَ من قومِهِ, وأمره أنْ يجاهدَ بمن أسلم مَن كان يليه من أهلَ الشِّرك من قِبَل اليمنِ.

اليمن, وقد ضَوَتْ(17) إليهم خثعم, فدخلوها معهم حين سمعُوا بمسيرِ المسلمين إليهم, فحاصروهم فيها قريباً من شهرٍ, وامتنعُوا فيها منه, فرجعَ عنهم قافِلاً, حَتَّى إذا كان في جبلٍ لهم يُقال له (شَكْر), ظنَّ أهلُ جُرَش أنه إنَّما ولى عنهم منهزماً, فخرجُوا في طلبِهِ, حَتَّى إذا أدركوه عطفَ عليهم, فقاتلهم فقتلهم قَتْلاً شديداً.

وقد كانَ أهلُ جُرَش بعثُوا إلى رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-رجلين منهم يرتادان وينظران, فبينا هما عندَ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-عشيَّةً بعد صلاة العصر, إذ قال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(بأي بلاد الله (شَكْر) ((كَشْر), وكذلك تُسمِّيه أهلُ جرش, فقالَ:(إنه ليسَ بكَشْر ولكنه شَكْر), قالا: فما شأنُهُ يا رَسُولَ اللهِ؟ قال: (إنّ بُدْنَ الله لَتُنْحَر عنده الآن),قال: فجلس الرجلان إلى أبي بكر, أو إلى عثمان, فقال لهما: ويحكما, إنَّ رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- لينعى لكما قومَكما؛ فقُوما إليه فاسألاه أنْ يدعوَ الله أنْ يرفعَ عن قومِكما, فقاما إليه فسألاه ذلكَ, فقال: ((اللهم ارفعْ عنهم)), فخرجا من عندِ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-راجعين إلى قومِهما, فوجدا قومَهما أُصيبوا في اليوم الذي قال فيه رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- ما قال, وفي السَّاعةِ التي ذَكَرَ فيها ما ذَكَرَ, فخرج وفدُ جُرَش حَتَّى قدمُوا على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, فأسلمُوا, وحَمَى لهم حِمَى حولَ قريتِهم(18).



قدوم وفد بني الحارث بن كعب على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قال ابنُ إسحاق: ثم بعثَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-خالدَ بنَ الوليدِ في شهرِ ربيع الآخر, أو جُمادى الأولى سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران, وأمره أنْ يدعوهم إلى الإسلامِ قبلَ أنْ يُقاتلهم ثلاثاً, فإنِ استجابُوا فاقبلْ منهم, وإنْ لم يفعلُوا فقاتلْهم, فخرج خالدٌ حَتَّى قدمَ عليهم, فبعث الرُّكبان يضربون في كلِّ وجهٍ, ويدعون إلى الإسلامِ, ويقولُون:" أيها النَّاسُ أسلِموا لتَسْلَمُوا", فأسلم النَّاسُ, ودخلوا فيما دُعوا إليه, فأقام فيهم خالدٌ يُعلِّمهم الإسلامَ, وكتب إلى رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بذلكَ, فكتبَ له رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-أن يقْبِل ويُقْبِل معه وفدُهم, فأقبل وأقبل معه وفدُ بني الحارث بن كعب, فيهم قيس بن الحُصَيْن ذي الغُصَّة(19) ويزيد بن المُحَجَّل, وعبد الله بن قُراد الزِّياديّ, وشداد بن عبد الله القناني, وعمرو بن عبد الله الضِّبابيّ.

فلما قدمُِوا على رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فرآهم, قال: (من هؤلاء القوم, الذين كأنهم رجال الهند). قيل: يا رَسُولَ اللهِ، هؤلاء رجالُ بني الحارث بن كعب؛ فلمَّا وقفُوا على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-سلَّمُوا عليه، وقالوا: نشهدُ أنَّك رَسُولُ اللهِ، وأنه لا إله إلا إلاّ الله، قالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(وأنا أشهدُ أن لا إله إلاّ الله, وأنِّي رَسُولُ اللهِ)، ثم قال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (أنتم الذينَ إذا زُجِروا استقدموا)، فسكتوا، فلم يُراجعْهُ منهم أحدٌ، ثم أعادها الثانية، فلم يُراجعْهُ منهم أحدٌ، ثم أعادها الثالثةَ، فلم يُراجعْهُ منهم أحدٌ، ثم أعادها الرَّابعةَ، فقال يزيد بن عبد المَدَان: نعم يا رَسُولَ اللهِ، نحن الذين إذا زُجِروا استقدموا، قالها أربع مِرار؛ فقال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (لو أنّ خالداً لم يكتب إليّ أنَّكم أسلمتُم ولم تقاتلوا، لألقيتُ رؤوسكم تحت أقدامكم)؛ فقال يزيد بن عبد المَدَان: أما والله ما حمدناك ولا حمدنا خالداً، قال: (فمن حمدتم)؟ قالوا: الله –عز وجل-الذي هدانا بكَ يا رَسُولَ اللهِ؛ قال: (صدقتُم). ثم قال لهم رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-(بم كنتم تغلبون مَن قاتلكم في الجاهلية)؟ قالوا: لم نكنْ نغلبُ أحداً. قال: (بلى), قالوا: كنا نجتمع ولا نتفرَّقُ, ولا نبدأ أحداً بظلم, قال: (صدقتم). وأمَّر عليهم قَيسَ بن الحصين فرجعُوا إلى قومِهم في بقية من شوَّال, أو في صدر ذي القعدة, فلم يمكثوا إلا أربعة أشهر, حَتَّى تُوفِّي رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-(20).

{قدومُ وفدِ همدانَ على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-}

همدان على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, منهم مالك بن النَمَط, ومالك بن أيفع; وأبو ثور، وهو ذو المعشار، وضِمام بن مالك السَّلماني، وعُميرة بن مالك الخارقيّ, فلقوا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- مَرْجِعَهُ من تَبوك, وعليهم مقطَّعات الحِبَرَات(21) والعمائم العدنية, برحال الميْس(22) على الرَّواحل المهرية(23) والأرحبية(24) ومالك بن النمط، ورجل آخر يرتجزان بالقوم، يقولُ أحدُهما:



همدان خير سوقه وأقْيـــَال ****** ليس لها في العالمين أمثال25

محلّها الهضْب ومنها الأبطـال ******* لـها إطـابات بها وآكـال26


ويقول الآخر:


ْإليك جاوزْن سواد الرّيف ******* في هَبَوات الصَّيف والخريف(27)

مخطّمات بحبالِ اللّيف


فقام مالك بن نمط بين يديه، فقال: يارَسُول اللهِ، نصية(28)من همدان، من كلِّ حاضرٍ وبادٍ، أتوْك على قُلُص نَواجٍ(29)، متَّصلة بحبائل الإسلام، لا تأخذهم في اللهِ لومةُ لائمٍ، من مِخْلاف خارف ويام وشاكر أهل السود والقود، أجابوا دعوة الرَّسُولِ، وفارقوا الإلهات الأنصاب، وعهدهم لا يُنقض ما أقامت لعلع، وما جرى اليعفور بصَلَع.

فكتبَ لهم رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-كتاباً أقطعهم فيه ما سألُوه, وأمَّر عليهم مالكَ بن النَمَطِ, واستعملَهُ على مَنْ أسلمَ من قومِهِ. فقال في ذلك مالك بن نَمَط:

ذكرت رَسُولَ اللهِ في فحمةِ الدُّجَى ***** * ونحـنُ بأعلى رَحْـرَحَـانَ وصَلـْدَدِِِ

وهُـنَّ بنا خُـوصٌ طـلائحُ تَغتـلي ******* برُكبـانـها فــي لاحـبٍٍ متـمــدّدِ

على كلّ فَتْلاء الذِّراعيــن جَسْــرَةٍ ****** تمـرُّ بنـا مرَّ الهِجَــفِّ الخَـفَيـْدَدِ
حلـفتُ بـربِّ الراقصات إلى مِنـى ******* صـوادرَ بالرُّكْبان من هضَـب قَـرْدَدِِ
بـأن رَسُـولَ اللهِ فينـا مُصَــدَّقٌ ******* رسولٌ أتى مِن عندِ ذي العرشِ مُهتدي

فما حملتْ من ناقــةٍ فـوقَ رَحْلـها ****** أشـدَّ على أعـدائِـهِ مـن محمّــَدِ

وأعطى إذا ما طالِبُ العُرْفِ جـاءَه ****** وأمضَى بحـدِّ المَشْرفـيِّ المهنّـَدِ(30)


يتبـــــــــــع...........

عزالدين
2007-12-13, 15:23
قدوم وفد خولان على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-


قدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-في شهر شعبان سنة عشر وفدُ خولان, وهم عشرة, فقالوا: يا رَسُول اللهِ! نحن على من وراءنا من قومنا, ونحن مؤمنون بالله-عز وجل- ومصدِّقون برسوله, وقد ضربنا إليك آباطَ الإبل, وركبنا حُزُونَ الأرض وسهولها, والمنة لله ولرسوله علينا, وقدمنا زائرين لك, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (أما ما ذكرتم من مسيركم إلي فإن لكم بكل خطوة خطاها بعير أحدكم حسنة, وأما قولكم زائرين لك فإنه من زارني بالمدينة كان في جواري يوم القيامة), قالوا : يا رَسُول اللهِ! هذا السفر الذي لا تَوَى عَلَيْهِ, ثم قال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (ما فعل عم أنسٍ(1)). وهو صنم خولان الذي كانوا يعبدونه-قالوا: أبْشِرْ, بدّلنا الله به ما جئت به, وقد بقيت منا بقايا-مِن شيخ كبير وعجوز كبيرة-متمسِّكون به, ولو قدمنا عليه, لهدمناه إن شاء الله, فقد كنا منه في غرور وفتنة.

فقال لهم رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (وما أعظم ما رأيتم من فتنته ؟) قالوا: لقد رأيتنا أَسْنَتْنَا حَتَّى أكلنا الرِّمة فجمعنا ما قَدَرْنا عليه, وابتعنا به مائة ثور ونحرناها" لعم أنس" قرباناً في غداةٍ واحدةٍ, وتركناها تَردُها السباع, ونحن أحوَجُ إليها من السباع, فجاءنا الغيثُ مِن ساعتنا, ولقد رأينا العُشْبَ يُواري الرجالَ ويقول قائلنا: أنعم علينا " عم أنس " وذكروا لرَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ما كانوا يقسمون لصنمهم هذا من أنعامهم وحروثهم, وأنهم كانوا يجعلون من ذلك جزءاً له وجزءاً لله بزعمهم, قالوا: كنا نزرع الزرع فنجعل له وسطه فنسميه له ونسمي زرعا آخر حجرة لله, فإذا مالت الريح فالذي سمينا لله جعلناه لعم أنس, وإذا مالت الريح فالذي جعلناه لعم أنس لم نجعله لله, فذكر لهم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-أن الله أنزل علي في ذلك: {وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} (136) سورة الأنعام . قالوا: وكنا نتحاكم إليه فيتكلم, فقال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(تلك الشياطين تكلمكم), وسألوه عن فرائضِ الدِّينِ, فأخبرهم وأمرهم بالوفاء بالعهد, وأداء الأمانة, وحسن الجوار لمن جاوروا, وأن لا يظلموا أحداً. قال: (فإن الظلم ظلمات يوم القيامة(2)), ثم ودعوه بعد أيام وأجازهم, فرجعوا إلى قومهم فلم يحلوا عقدة حَتَّى هدموا " عم أنس".(3)



قدوم وفد محارب على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- عام حجة الوداع وفدُ بني مُحارب, وهم كانوا أغلظَ العرب, وأفظَّهم على رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- في تلك المواسم أيام عرضه نفسه على القبائل, يدعوهم إلى الله, فجاء رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- منهم عشرةٌ نائبين عمن وراءهم من قومهم, فأسلموا وكان بلال يأتيهم بغداءٍ وعشاءٍ إلى أن جلسوا مع رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- يوماً من الظهر إلى العصر, فعرف رجلاً منهم فأمدَّه النظرَ, فلما رآه المحاربي يُديم النظرَ إليه, قال: كأنك يا رَسُول اللهِ تَوَهَّمُني؟ قال: (لقد رأيتك), قال المحاربي: أي والله لقد رأيتني وكلمتني, وكلمتك بأقبح الكلام, ورددتك بأقبح الرد بعكاظ, وأنت تطوف على الناس, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (نعم), ثم قال المحاربي: يا رَسُول اللهِ ما كان في أصحابي أشدُّ عليك يومئذٍ ولا أبعد عن الإسلام مني, فأحمد الله الذي أبقاني حَتَّى صدَّقتُ بك, ولقد مات أولئك النفر الذين كانوا معي على دينهم, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (إن هذه القلوب بيد الله عز وجل), فقال المحاربي: يا رَسُول اللهِ استغفر لي من مراجعتي إياك, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (إن الإسلام يجب ما كان قبله من الكفر), ثم انصرفوا إلى أهليهم.(4)



قدوم وفد صُدَاء في سنة ثمان على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قَدِم على رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وفد صُدَاء في سنة ثمان، وذلك أنه لما انصرف من الجِعِرَّانة بعثَ بعوثاً وهيأ بعثاً استعمل عليه قيس بن سعد بن عبادة, وعقدَ له لواء أبيضَ ودفع إليه رايةً سوداء, وعسكر بناحية قناة في أربعمائة من المسلمين, وأمرَه أن يطأ ناحية من اليمن كان فيها صُدَاء, فقدم على رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- رجلٌ منهم وعلم بالجيش, فأتى رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فقال يا رَسُول اللهِ: جئتك وافداً على من ورائي فاردد الجيش, وأنا لك بقومي فرد رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- قيس بن سعد من صَدْرِ قَنَاة, وخرج الصُّدائي إلى قومه, فقدِم على رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- خمسة عشر رجلاً منهم, فقال سعد بن عبادة: يا رَسُول اللهِ! دعهم ينزِلوا عليَّ فنزلُوا عليه, فحيَّاهم وأكرمهم, وكساهم, ثم راح بهم إلى رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فبايعوه على الإسلام فقالوا: نحن لك على من ورَاءَنا من قومنا, فرجعوا إلى قومهم ففشا فيهم الإسلام, فوافى رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- منهم مائةُ رجل في حجة الوداع, ذكر هذا الواقدي عن بعض بني المُصْطَلِق, وذكر من حديث زياد بن الحارث الصدائي أنه الذي قدم على رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فقال له اردد الجيش, وأنا لك بقومي فردهم, قال: وقدم وفد قومي عليه, فقال لي: (يا أخا صُدَاء إنك لمطاع في قومك؟), قال قلت: بل يا رَسُول اللهِ مِن الله -عز وجل- ومِن رسوله, وكان زيادٌ هذا مع رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- في بعض أسفاره, قال: فاعتَشى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- أي سار ليلاً, واعتشينا معه, وكنت رجلاً قوياً, قال: فجعل أصحابه يتفرقون عنه, ولزمت غرزه, فلما كان في السحر قال: (أذن يا أخا صُدَاء) فأذَّنْت على راحلتي, ثم سرنا حَتَّى ذهبنا, فنزل لحاجته, ثم رجع, فقال: (يا أخا صُدَاء هل معك ماء؟) قلت: معي شيء في إداوتي, فقال: (هاته), فجئت به فقال: (صب) فصببت ما في الإداوة في القعب, فجعل أصحابه يتلاحقون, ثم وضع كفه على الإناء فرأيت بين كل أصبعين من أصابعه عيناً تفور, ثم قال: (يا أخا صُدَاء لولا أني أستحي من ربِّي-عز وجل-لسقينا واستقينا), ثم توضأ وقال: (أذن في أصحابي, من كانت له حاجة بالوضوء فَلْيَرِدْ), قال: فوردُوا من آخرهم, ثم جاء بلال يُقيم, فقال: (إنَّ أخَا صُدَاءٍ أَذَّنَ, وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ(5)) فأقمتُ, ثم تقدَّم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فصلى بنا, وكنت سألته قبل أن يؤمِّرَني على قومي, ويكتب لي بذلك كتاباً ففعل, فلما فرغ من صلاته قام رجل يتشكى من عامله, فقال يا رَسُول اللهِ! إنه أَخذنا بذُحُولٍ كانت بيننا وبينه في الجاهلية, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-لا خيرَ في الإمارة لرَجُلٍ مسلم, ثم قام آخر, فقال: يا رَسُول اللهِ! أعطني من الصدقة, فقال رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (إنَّ الله لم يَكِلْ قِسْمَتَهَا إلى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ, ولا نَبِي مُرْسَل حَتَّى جَزَّأَهَا ثَمَانِيَة أَجْزَاءٍ, فإنْ كُنْتَ جُزْءاً منها أَعْطَيْتُكَ, وإنْ كُنْتَ غَنِيَّاً عنها, فإنَّما هِي صُداعٌ في الرَّأْسِ, ودَاءٌ في البَطْن)، فقلت في نفسي: هاتان خصلتان حين سألت الإمارة, وأنا رجل مسلم, وسألته من الصدقة وأنا غني عنها, فقلت: يا رَسُول اللهِ! هذان كتاباك فاقبلهما, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- (ولم ؟) فقلت: إني سمعتك تقول: لا خير في الإمارة لرجل مسلم, وأنا مسلم, وسمعتك تقول: من سأل من الصدقة وهو غني عنها فإنما هي صداع في الرأس وداء في البطن وأنا غني, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (أَمَا إنَّ الَّذِي قلتُ كَمَا قُلتُ) فقبلهما رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, ثم قال لي: (دُلَّني على رجُلٍ مِنْ قَوْمِكَ أَسْتَعْمِلُه), فدللتُه على رجل منهم فاستعملَه, قلت: يا رَسُول اللهِ! إن لنا بئراً إذا كان الشتاءُ كفانا ماؤها, وإذا كان الصيفُ, قَلَّ علينا, فتفرقنا على المياه, والإسلام اليوم فينا قليل, ونحن نخاف فادع الله-عز وجل-لنا في بئرناً فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- :(ناوِلني سَبْعَ حَصَيَاتٍ) فناولتُه فَعَرَكَهُنَّ بيده ثم دفعهن إليَّ وقال: (إذا انتهيتَ إليها, فألقِ فيها حصاةً حصاةً وسمِّ الله) قال: ففعلت, فما أدركنا لهَا قعراً حَتَّى الساعة(6).



الفوائد والحكم من هذه القصة:

1- استحباب عقد الألوية والرايات للجيش, واستحباب كون اللواء أبيض وجواز كون الراية سوداء من غير كراهة.

2- قبول خبر الواحد فإن النَّبيّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- رد الجيش من أجل خبر الصدائي وحده.

3- جواز سير الليل كله في السفر إلى الأذان فإن قوله: " اعتشى" أي سار عشية ولا يقال لما بعد نصف الليل.

4- جواز الأذان على الراحلة.

5- طلب الإمام الماء من أحد رعيته للوضوء وليس ذلك من السؤال.

6- أنه لا يتيمم حَتَّى يطلب الماء فيعوزه.

7- فوران الماء من بين أصابعه-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-لا من خلال اللحم والدم.

8- جواز شكاية العمال الظلمة ورفعهم إلى الإمام والقدح فيهم بظلمهم, وأن ترك الولاية خير للمسلم من الدخول فيها, وأن الرجل إذا ذكر أنه من أهل الصدقة أعطي منها بقوله ما لم يظهر منه خلافه.

9- أن الشخص الواحد يجوز أن يكون وحده صنفاً من الأصناف لقوله: إن الله جزأها ثمانية أجزاء فإن كنت جزءاً منها أعطيتك.

10- جواز إقالة الإمام لولاية من ولاه إذا سأله ذلك.

11- استشارة الإمام لذي الرأي من أصحابه فيمن يوليه(7).


يتبـــــــــــــع..........

عزالدين
2007-12-13, 15:33
قدوم وفد بني تميم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ونزول الحُجُرات

عن عبد الله بن يزيد, عن سعيد بن عمرو قالا: بعث رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بشر بن سفيان, ويقال النحام العدوي, على صدقات بني كعب من خُزَاعة, فجاء وقد حلّ بنواحيهم بنو عمرو بن جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم, فجمعت خُزَاعة مواشيها للصدقة فاستنكر ذلك بنو تميم, وأبوا وابتدروا القِسيَّ وشهروا السيوف, فقدم المصدّق على النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فأخبره, فقال: (مَنْ لهؤلاءِ القومِ؟) فانتدب لهم عيينة بن بدر الفزاري, فبعثه النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-في خمسين فارساً من العرب ليس فيهم مهاجريٌّ ولا أنصاريّ, فأغار عليهم فأخذ أحد عشر رجلاً وإحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيِّاً فجلبهم إلى المدينة, فقدم فيهم عدة من رؤساء بني تميم, عطارد بن حاجب, والزبرقان بن بدر, وقيس بن عاصم, وقيس بن الحارث, ونعيم بن سعد, والأقرع بن حابس, ورياح بن الحارث, وعمرو بن الأهتم.

ويقال: كانوا تسعين أو ثمانين رجلاً, فدخلوا المسجد وقد أذَّن بلال بالظهر والناس ينتظرون خروج رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فعجّلوا واستبطؤوه فنادوه: يا محمدُ, اخرج إلينا, فخرج رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وأقام بلال فصلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-الظهر, ثم أتوه فقال الأقرع: يا محمد ائذن لي فوالله إن جهدي لزين, وإنَّ ذمّي لشين, فقال له رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (كَذَبْتَ ذَلِكَ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالى), ثمّ خرج رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فجلس, وخطب خطيبهم وهو عطارد بن حاجب, فقال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- لثابت بن قيس بن شماس: (أجِبْهُ), فأجابه, ثمّ قالوا: يا محمد ائذن لشاعرنا, فأذن له فقام الزِّبرقان بن بدر فأنشد, فقال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- لحسان بن ثابت: (أجِبْهُ) فأجابه بمثل شعره, فقالوا: والله لخَطيبه أبلغ من خطيبنا, ولشاعره أشعر من شاعرنا, ولهم أحلم منّا, ونزل فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} (4) سورة الحجرات. وقال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-في قيس بن عاصم: (هذا سيّدُ أهل الوَبَرِ ) وردَّ عليهم رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-الأسرى والسبيَ, وأمر لهم بالجوائز كما كان يُجيز الوفد.

عن ربيعة بن عثمان عن شيخ أخبره: أن امرأة من بني النجار قالت: أنا انظر إلى الوفد يومئذٍ يأخذون جوائزهم عند بلال اثنتي عشرة أوقية ونشّاً, قالت: وقد رأيت غلاماً أعطاه يومئذٍ وهو أصغرهم خمس أواق, يعني عمرو بن الأهتم.

عن محمد بن جناح أخو بني كعب بن عمرو بن تميم قال: وفد سفيان بن العذيل بن الحارث بن مَصاد بن مازن بن ذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم على النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فأسلم, فقال له ابنه قيس: يا أبت دعني آتي النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-معك, قال: سنعود.

وعن عاصم الأحول, قال: قال غنيم بن قيس بن سفيان: أشرف علينا راكب فنعى لنا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ورحمته وبركاته, فنهضنا من الأحوية فقلنا: بأبينا وأمّنا رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-! وقلت:

ألا ليَ الويل على محمّدِ ******* قد كنت في حياته بمَقْعَدِ

وفي أمانٍ من عدوٍّ معتدي


قال: ومات قيس بن سفيان بن العذيل زمن أبي بكر الصدّيق مع العلاء بن الحضرمي بالبحرين فقال الشاعر:



فإن يكُ قيسٌ قد مضى لسبيله ******* فقد طاف قيسٌ بالرّسول وسلّما1


قدوم وفد بني عامر على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدِم على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفد بني عامر، فيهم عامر بن الطُّفَيل، وأربد بن قيس بن حزء بن خالد بن جعفر، وجبار بن سلمى بن مالك بن جعفر، وكان هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وشياطينهم(2).

وعن ابن إسحاق قال: قدم عدو الله عامر بن الطُّفَيل على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وهو يريد الغدر به, فقال له قومه: يا عامر, إن الناس قد أسلموا فأسلم، فقال: والله لقد كنت آليتُ أن لا أنتهي حَتَّى تتبع العرب عَقِبي, وأنا أتبع عَقِبَ هذا الفتى من قريش, ثم قال لأَرْبَد: إذا قدمنا على الرجل فإني شاغل عنك وجهه, فإذا فعلت ذلك فَاَعْلُهُ بالسيف(3).

فلما قدموا على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-قال عامر: يا محمد خَالّنِي(4). قال: (لا والله حَتَّى تؤمن بالله وحده). قال: يا محمدُ, خَالنِي، وجعل يكلّمه وينتظر من أربد ما كان أمره به، فجعل أربد لا يُحِير شيئاً؛ قال: فلما رأى عامر ما يصنع أربد، قال: يا محمدُ, خالّني قال: (لا حَتَّى تؤمن بالله وحده لا شريك له)، فلما أبى عليه رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-قال له: أما والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً. فلما ولّى قال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (اللّهمّ اكفني عامر بن الطُّفَيل(5)) فلمَّا خرجُوا من عندِ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-قال عامر لأربد: ويحك يا أربد أين ما كنت أمرتك به؟ والله ما كان على وجه الأرض رجل هو أخوف عندي على نفسي منك, وأيْمُ الله لا أخافك بعد اليوم أبداً. قال: لا أبا لك؛ لا تعجل علي فو الله ما هممت بالذي أمرتني به من أمره إلاّ دخلتَ بيني وبين الرجل، حَتَّى ما أرى غيرك، أفأضربكَ بالسيف؟.

ثم خرجوا راجعينَ إلى بلادهم, حَتَّى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله على عامر بن الطُّفَيل الطاعون في عُنُقه, فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول, فجعل يقول: يا بني عامر، أغُدّة كغُدّة البَكْر(6) في بيت امرأةٍ من بني سلول(7)؟!.

قال ابن هشام: ويقال أغُدّة كغُدّة الإبل، وموتاً في بيت سَلُوليّة.(8)

قال ابن إسحاق: ثم خرج أصحابه حين رأوه حَتَّى قدموا أرض بني عامر، أتاهم قومهم فقالوا: ما وراءك يا أربد؟ قال: لا شيء والله، لقد دعانا إلى عبادة شيء لودِدْت أنه عندي الآن، فأرميه بنبلي هذه حَتَّى أقتله, فخرج بعد مقالته بيوم أو بيومين معه جمل له يتبعه, فأرسل اللهُ–تعالى-عليه وعلى جَمَلِهِ صاعقة, فأحرقتهما. وكان أربد بن قيس أخا لَبيد بن ربيعة لأمّه فبكى ورثاه.

حيث قال في مطلعها:



ما إن تُعدِّي المَنُـونُ من أحــد ******* لا والـدٍ مُشْفـِقِ ولا ولـدِ

أخشى على أرْبَدَ الحُتوفَ ولا ******* أرهـبُ نَوْءَ السِّماك والأسد


وقال في آخرها:


كلّ بنـي حُـرَّةٍ مصيرُهُــمُ ******* قـُلُّ وإن أكثـَرَتْ من العددِ

إن يُغْبَطُوا يُهْبَطُوا وإن أُمِروا ****** يـوماً فهـم للهلاك والنَّفَذ(9)


هذه القصيدة وغيرها من القصائد التي أوردها ابن إسحاق فمن أحب المزيد فليراجع سيرة ابن هشام -المجلد الرابع, صفحة212 -215.

وفي "صحيح البخاري" أن عامر بن الطُّفَيل أتى النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, فقال: أخيرك بين ثلاث خصال: يكون لك أهل السهل, ولي أهل المدر, أو أكون خليفتك من بعدك, أو أغزوك بغطفان بألف أشقر وألف شقراء, فطُعنَ في بيت امرأة, فقال: أغُدّة كغُدّة البكر في بيت امرأة من بني فلان, أئتوني بفرسي فركب فمات على ظهر فرسه(10).



قدوم وفد عبد القيس على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

في " الصحيحين " من حديث ابن عباسربيعة, فقال: (مرحباً بالوفد غير خزايا ولا ندامى(11)). فقالوا: يا رَسُولَ اللهِ! إنّا حيٌّ من ربيعةَ، وإنا نَأْتِيكَ من شقةٍ بعيدة، وإنه يحول بيننا وبينك هذا الحيُّ من كفار مضر, وإنا لا نصل إليك إلا في شهر حرام(12), فمرنا بأمر فَصْل ندعو إليه من وراءنا، وندخل به الجنة. فقال: (آمركم بأربع, وأنهاكم عن أربع: آمركم بالإيمان بالله وحده, أتدرون ما الإيمان بالله؟: شهادة أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رَسُول اللهِ, وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وصوم رمضان, وأن تعطوا الخُمس من المغنم. وأنهاكم عن أربع عن الدُّبّاء, والحَنْتَم, والنقير, والمُزَفَّت, فاحفظوهن وادعوا إليهن من وراءكم((13)) زاد مسلم:

قالوا: يا رَسُولَ اللهِ, ما علمك بالنقير؟ قال: (بلى جذع تنقرونه, ثم تلقون فيه من التمر, ثم تصبون عليه الماء حَتَّى يغلي, فإذا سكن شربتموه, فعسى أحدكم أن يضرب ابن عمه بالسيف) وفي القوم رجل به ضربة كذلك. قال: وكنت أخبؤها حياء من رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-قالوا: ففيم نشرب يا رَسُولَ اللهِ؟ قال: (اشربوا في أسقية الأدم التي يلاث على أفواهها). قالوا: يا رَسُولَ اللهِ, إن أرضنا كثيرة الجرذان لا تبقى فيها أسقية الأدم. قال: (وإن أكلها الجرذان) مرتين أو ثلاثا, ثم قال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- لأشج عبد القيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناةة)(14).

قال ابن إسحاق : قدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- الجارود بن بشر بن المعلى-وكان نصرانيا- فجاء رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- في وفد عبد القيس فقال: يا رَسُول اللهِ إني على دين وإني تارك ديني لدينك فتضمن لي بما فيه؟ قال: (نعم أنا ضامن لذلك إن الذي أدعوك إليه خير من الذي كنت عليه) فأسلم وأسلم أصحابه, ثم قال: يا رَسُول اللهِ احملنا. فقال: (والله ما عندي ما أحملكم عليه). فقال: يا رَسُولَ اللهِ, إنَّ بيننا وبين بلادنا ضَوَالٍّ من ضَوَالّ الناس, أَفَنَتَبَلّغ عليها إلى بلادنا؟ قال: (لا, تلك حرق النار).

قال ابن هشام: فخرج من عنده الجارود راجعاً إلى قومه، وكان حَسَن الإسلام، صلْباً على دينه، حَتَّى هلك وقد أدرك الردّة، فلما رجع من قومه من كان أسلم منهم إلى دينهم الأول مع الغَرور بن المنذر بن النعمان بن المنذر، قام الجارود فتكلَّم، فتشهَّد شهادةَ الحقِّ، ودعا إلى الإسلامِ, فَقَالَ: أيها الناس، إنِّي أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأكفِّر من لم يشهد.

قال ابنُ هشام: ويُروى: أكفي من لم يشهد(15).



الفوائد والفقه من هذه القصة:

1- ففي هذه القصة أنَّ الإيمان بالله هو مجموعُ هذه الخِصالِ من القولِ والعملِ,كما كان على ذلك أصحابُ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-والتابعون وتابعوهم كلهم, ذكره الشَّافعيُّ في "المبسوط", وعلى ذلك ما يُقارب مائةَ دليلٍ من الكتابِ والسُّنَّةِ.

2- وفيها: أنه لم يعد الحج في هذه الخصال, وكان قدومهم في سنة تسع, وهذا أحد ما يحتج به على أن الحج لم يكن فرض بعد, وأنه إنما فرض في العاشرة, ولو كان فرض لعده من الإيمان, كما عد الصوم, والصلاة, والزكاة.

3- وفيها: وجوب أداء الخمس من الغنيمة وأنه من الإيمان.

4- وفيها: النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية, وهل تحريمه باق أو منسوخ ؟ على قولين وهما روايتان عن أحمد. والأكثرون على نسخه بحديث بريدة الذي رواه مسلم, وقال فيه: (وكنت نهيتكم عن الأوعية فانتبذوا فيما بدا لكم ولا تشربوا مسكرا(16)).

ومن قال بإحكام أحاديث النهي وأنها غير منسوخة, قال: هي أحاديث تكاد تبلغ التواتر في تعددها وكثرة طرقها, وحديث الإباحة فرد فلا يبلغ مقاومتها, وسر المسألة أن النهي عن الأوعية المذكورة من باب سد الذرائع إذ الشراب يسرع إليه الإسكار فيها .

5- وفيها: مدح صفتي الحلم والأناة, وأن الله يحبهما وضدهما الطيش والعجلة, وهما خُلُقان مذمومان مفسدان للأخلاق والأعمال.

6- وفيه دليل على أن الله يحب من عبده ما جبله عليه من خصال الخير كالذكاء والشجاعة والحلم.

7- وفيه دليل على أن الخلق قد يحصل بالتخلق والتكلف لقوله في هذا الحديث خلقين تخلقت بهما أو جبلني الله عليهما؟ فقال: (بل جبلت عليهما).

8- وفيه دليل على أنه –سبحانه- خالق أفعال العباد وأخلاقهم, كما هو خالق ذواتهم وصفاتهم, فالعبد كله مخلوق ذاته, وصفاته, وأفعاله, ومن أخرج أفعاله عن خلق الله فقد جعل فيه خالقاً مع الله, ولهذا شبه السلف القدرية النفاة بالمجوس, وقالوا: "هم مجوس هذه الأمة" صح ذلك عن ابن عباس.

9- وفيه إثبات الجبل لا الجبر لله -تعالى-وأنه يجبل عبده على ما يريد كما جبل الأشج على الحلم والأناة, وهما فعلان ناشئان عن خلقين في النفس, فهو سبحانه الذي جبل العبد على أخلاقه وأفعاله, ولهذا قال الأوزاعي وغيره من أئمة السلف: "نقول إن الله جبل العباد على أعمالهم ولا نقول جبرهم عليها".

وهذا من كمال علم الأئمة ودقيق نظرهم, فإن الجبر أن يحمل العبد على خلاف مراده, كجبر البكر الصغيرة على النكاح, وجبر الحاكم من عليه الحق على أدائه, والله –سبحانه- أقدر من أن يجبر عبده بهذا المعنى, ولكنه يجبله على أن يفعل ما يشاء الرب بإرادة عبده واختياره ومشيئته فهذا لون والجبر لون.

10- وفيها: أن الرجل لا يجوز له أن ينتفع بالضالة التي لا يجوز التقاطها كالإبل, فإن النَّبيّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-لم يجوز للجارود ركوب الإبل الضالة, وقال ضالة المسلم حرق النار, وذلك؛ لأنه إنما أمر بتركها وأن لا يلتقطها حفظاً على ربها حَتَّى يجدها إذا طلبها, فلو جوز له ركوبها والانتفاع بها لأفضى إلى أن لا يقدر عليها ربها, وأيضاً تطمع فيها النفوس وتتملكها فمنع الشارع من ذلك(17).


يتبــــــــــع.........

عزالدين
2007-12-13, 15:45
قدوم وفد بني عبد بن عدي على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفد بني عبد بن عدي, وفيهم الحارث بن أُهبان, وعويمر بن الأخرم, وحبيب, وربيعة ابنا مُلّة ومعهم رهط من قومهم, فقالوا: يا محمّد نحن أهل الحرم وساكنه وأعزّ من به, ونحن لا نريد قتالك, ولو قاتلت غير قريش قاتلنا معك, ولكنا لا نقاتل قريشاً, وإنا لنحبّك ومن أنت منه, فإن أصبت منّا أحداً خطأً فعليك ديته, وإن أصبنا أحداً من أصحابك فعلينا ديته, فقال: نعم فأسلموا(1).


قدوم وفد أشجع على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدمت أشجع على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-عام الخندق, وهم مائة رأسهم مسعود بن رخيلة, فنزلوا شعب سلع, فخرج إليهم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وأمر لهم بأحمال التمر, فقالوا: يا محمّد لا نعلم أحداً من قومنا أقرب داراً منك منّا, ولا أقلّ عدداً, وقد ضقنا بحربك وبحرب قومك فجئنا نُوادعك, فوادعهم, ويقال بل قدمت أشجع بعدما فرغ رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-من بني قريظة, وهم سبعمائة, فوادعهم ثمّ أسلموا بعد ذلك(2).


قدوم وفد باهلة على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-مُطَرّف بن الكاهن الباهلي بعد الفتح وافداً لقومه فأسلم وأخذ لقومه أماناً, وكتب له رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-كتاباً فيه فرائض الصدقات, ثمّ قدم نهشل بن مالك الوائلي من باهلة على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وافدا لقومه فأسلم, وكتب له رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ولمن أسلم من قومه كتاباً فيه شرائع الإسلام, وكتبه عثمان بن عفّان-رَضيَ اللهُ عَنْهُ-(3).


قدوم وفد سليم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

ذكر ابن سعد أنه قدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-رجل من بني سُليم يقال له قيس بن نُسَيْبَةَ, فسمع كلامه وسأله عن أشياء فأجابه ووعى ذلك كلّه, ودعاه رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-إلى الإسلام فأسلم, ورجع إلى قومه بني سُلَيم فقال: قد سمعت ترجمة الروم, وهيمنة فارس, وأشعار العرب, وكهانة الكاهن, وكلام مَقاول حمير, فما يشبه كلامُ محمد شيئاً من كلامهم, فأطيعوني وخذوا بنصيبكم منه, فلما كان عام الفتح خرجت بنو سليم إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فلقوه بقُديد وهم تسعمائة, ويقال كانوا ألفاً, فيهم العبّاس بن مرداس وأنس بن عياض بن رِعل وراشد بن عبد ربّه, فأسلموا وقالوا: اجعلنا في مقدمتك, واجعل لواءنا أحمر, وشعارنا مقدم, ففعل ذلك بهم فشهدوا معه الفتح, والطائف, وحُنيناً, وأعطى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-راشد بن عبد ربّه رهاطاً, وفيها عين يقال لها عين الرسول, وكان راشد يسدن صنماً لبني سليم, فرأى يوماً ثعلبين يبولان عليه فقال:


أربٌّ يبول الثعلبان برأسه! ****** لقد ذلَّ من بالتْ عليه الثَّعالبُ


ثمّ شدّ عليه فكسره, ثم أتى النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فقال له: (ما اسْمُكَ؟) قال: غاوي بن عبد العُزَّى, قال: (أنت راشدُ بن عَبْدِ رَبّهِ), فأسلم وحسن إسلامه وشهد الفتح مع النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (خيرُ قُرىً عَرَبيّةٍ خَيْبَرُ, وَخَيْرُ بَني سُلَيْمٍ راشدٌ) وعقد له على قومه.

وقال ابن سعد: وفد رجلُ منّا يقال له: قدر بن عمار على النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بالمدينة فأسلم وعاهده على أن يأتيه بألف من قومه على الخيل,

وأنشد يقول:



شددتُ يمينـي إذ أتَيـتُ محمّـداً ***** بخيـرِ يدٍ شُـدّتْ بحُجـزَةِ مئـِزَرِ

وذاك امرؤ قاسمتـه نصـف ديِنه ***** وأعطيته ألـف امرئ غيـرَ أعسـرِ


ثمّ أتى إلى قومه فأخبرهم الخبر فخرج معه تسعمائة وخلّف في الحي مائة, فأقبل بهم يريد النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فنزل به الموت, فأوصى إلى ثلاثة رهط من قومه إلى العبّاس بن مرداس وأمّره على ثلاثمائة, وإلى الأخنس ابن يزيد وأمّره على ثلاثمائة, وقال: ائتوا هذا الرجل حَتَّى تقضوا العهد الذي في عنقي, ثمّ مات, فمضوا حَتَّى قدموا على النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فقال: "أين الرجل الحسن الوجه, الطويل اللسان, الصادق الإيمان", قالوا: يا رَسُول اللهِ! دعاه الله فأجابه, وأخبروه خبره, فقال: "أين تكملة الألف الذين عاهدني عليهم", قالوا: قد خلف مائة بالحي مخافة حرب كان بيننا وبين بني كنانة, قال: "ابعثوا إليها فإنه لا يأتيكم في عامكم هذا شيء تكرهونه", فبعثوا إليها وهي مائة عليها المنقع بن مالك بن أمية بن عبد العزى بن عَمَل بن كعب بن الحارث بن بُهثة بن سُليم, فلما سمعوا وئيد الخيل قالوا: يا رَسُول اللهِ أُتينا, قال: "لا بل لكم لا عليكم, هذه سليم بن منصور قد جاءت", فشهدوا مع النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-الفتح, وحُنيناً, وللمنقّع يقول العبّاس بن مِرْداس القائد:


القائدُ المائة التي وفّى بها ****** تِسْعَ المئين فتمّ ألفٌ أقْرَعُ 4


قدوم وفد هلال بن عامر على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-نفر من بني هلال, فيهم عبد عوف بن أصرم بن عمرو بن شعيبة بن الهُزَم من رُؤيْبَة فسأله عن اسمه فأخبره فقال: أنت عبد الله, وأسلم, فقال: رجل من ولده:



جدّي الذي اختارت هوازنُ كلّها ****** إلى النَّبيِّ عبَدُ عَوْف وافدا


ومنهم قبيصة بن المخارق قال: يا رَسُول اللهِ إني حملت عن قومي حَماَلة فأعنّي فيها, قال: هي لك في الصدقات إذا جاءت.

وعن هشام بن محمد عن جعفر بن كلاب الجعفري, عن أشياخ لبني عامر قالوا: وفد زياد بن عبد الله بن مالك بن بُجير بن الهُزَم بن رُؤيْبَة بن عبد الله بن هلال بن عامر على النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فلما دخل المدينة توجه ميمونة بنت الحارث زوج النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وكانت خالة زياد أمّه غُرّة بنت الحارث, وهو يومئذٍ شاب, فدخل النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وهو عندها فلما أتى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-غضب فرجع, فقالت: يا رَسُول اللهِ! هذا ابن أختي فدخل إليها, ثم خرج حَتَّى أتى المسجد, ومعه زياد فصلىّ الظهر, ثم أدنى زياداً فدعا له ووضع يده على رأسه, ثمّ حدّرها على طرف أنفه, فكانت بنو هلال تقول: ما زلنا نتعرف البركة في وجه زياد, وقال الشاعر لعلي بن زياد:


يا بن الذي مسح النَّبيّ برأسـه ***** ودعـا له بالخيـر ثم المسجـد

أعْني زياداً لا أريـد سِـواءَه ***** مـن غائـرٍ أو مُتْهِمِ أو مُنـْجِدِ

ما زال ذاك النور في عرنينه ***** حَتَّى تبـوّأ بيتـه في المُلْحَـدِ5



قدوم وفد بكر بن وائل على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم وفد بكر بن وائل على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فقال له رجلُ منهم: هل تعرف قُسَّ بن ساعدة؟ فقال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: ليس هو منكم هذا رجلٌ من إيَاد تَحَنَّفَ في الجاهلية فوافى عُكاظَ والنّاسُ مُجْتَمعِونَ فَيُكَلّمُهُمْ بكلامِهِ الذي حُفِظَ عَنْهُ. وكان في الوفد بشير بن الخصاصيّة, وعبد الله بن مَرْثَدَ, وحسان بن حَوْط, وقال رجل من ولد حسان:


أنا بن حسان بن حَوْطٍ وأبي ***** رسول بَكرٍ كلّها إلى النَّبيِّ


قالوا: وقدم معهم عبد الله بن أسود بن شهاب بن عوف بن عمرو بن الحارث بن سدوس على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وكان ينزل اليمامة, فباع ما كان له من مال باليمامة وهاجر, وقدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بجراب من تمر فدعا له رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بالبركة(6).


قدوم وفد تغلب على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفد بني تغلب ستة عشر رجلاً مسلمين ونصارى عليهم صلب الذهب, فنزلوا دار رملة بنت الحارث, فصالح رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-النصارى على أن يقرّهم على دينهم على أن لا يصبغوا أولادهم في النصرانيّة, وأجاز المسلمين منهم بجوائزهم(7).



قدوم وفد جُعفي على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي, عن أبيه, وعن أبي بكر بن قيس الجُعفي قالا: كانت جُعفيّ يحرّمون القلب في الجاهلية فوفد إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-رجلان منهم قيس بن سلمة بن شراحيل من بَني مَرّان بن جُعْفيّ, وسلمة بن يزيد بن مشجَعة بن المجمّع, وهما أخوان لأمّ, وأمهما مُليكة بنت الحُلو بن مالك من بني حريم بن جُعفيّ, فأسلما, فقال: لهما رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:( بَلَغَني أنّكُمْ لا تَأكُلُونَ القَلْبَ؟) قالا: نعم, قال: (فإنّهُ لا يَكْمُلُ إسْلامُكُمُ إلاّ بأكْلِهِ), ودعا لهما بقلب, فشوي, ثم ناوله سلمة بن يزيد, فلما أخذه أُرعدت يده, فقال له رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:كله, فأكله

وقال:


على أني اكَلتُ القلبَ كَرْهاً ****** وتُرْعَدُ حينَ مَسّتْهُ بَناني


قال: وكتب رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-لقيس بن سلمة كتاباً نسخته: "كتابٌ من محمد رَسُول اللهِ لقيس بن سلمة بن شَرَاحِيلَ أنّي اسْتَعْمَلْتُكَ علىَّ مُرّان ومَوَاليِهَا, وَحَرِيم ومَوَاليِهَا, والكُلابِ ومَوَاليها, من أقام الصلاة, وآتى الزكاة, وصدق ماله, وصَفّاهُ".

قال: الكُلاب أوْد, وزُبيد وجزء بن سعد العشيرة, وزيد الله بن سعد, وعائذ الله بن سعد, وبنو صلاءة من بني الحارث بن كعب, قال: ثمّ قالا: يا رَسُول اللهِ إنّ أمّنَا مُلَيكة بنت الحلو كانت تفُكّ العاني, وتطعم البائس, وترحم المسكين, وإنها ماتت وقد وأدت بُنيّة لها صغيرةً فما حالها؟ قال: الوائِدَةُ وَالمَوْؤودَةُ في النّارِ, فقاما مغضبَين, فقال: "إليّ فارْجِعَا!" فقال: "وأمي مع أمّكُما", فأبيا ومضيا وهما يقولان: والله إن رجلاً أطعمنا القلب, وزعم أن أمّنَا في النار, لأهل أن لا يُتّبَع! وذهبا, فلما كانا ببعض الطريق لقيا رجلاً من أصحاب رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- معه إبل من إبل الصدقة فأوثقاه وطردا الإبل, فبلغ ذلك النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فلعنهما فيمن كان يلعن في قوله: (لعن الله رِعْلاً, وذَكْوَانَ, وعُصَيّةَ, ولِحْيَانَ, (8)).

وعن هشام بن محمد قال: حدثني الوليد بن عبد الله الجعفي, عن أبيه عن أشياخهم, قالوا: وفد أبو سَبرة وهو يزيد بن مالك بن عبد الله بن الذؤيب بن سلمة بن عمرو بن ذُهل بن مُرّان بن جُعفيّ على النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ومعه ابناه سبرة وعزيز, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-لعزيز: (ما اسمك؟) قال: عزيز. قال: "لا عزيز إلا الله, أنت عبد الرَّحمن", فأسلموا وقال له أبو سبرة: يا رَسُول اللهِ! إن بظهر كفّي سلعة قد منعتني من خطام راحلتي, فدعا له رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بقدح فجعل يضرب به على السلعة ويمسحها, فذهبت فدعا له رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ولابنيه, وقال له: يا رَسُول اللهِ! أقطعني وادي قومي باليمن، وكان يقال له حُردان, ففعل, وعبد الرَّحمن هو أبو خيثمة بن عبد الرَّحمن(9).

يتبـــــــــع.........

عزالدين
2007-12-13, 15:54
قدوم وفد بني حنيفة على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قال ابن إسحاق: قَدِم على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفد بني حنيفة فيهم مسيلمة بن حبيب الحنفي الكذّاب.

قال: ابن هشام: مُسيلمة بن ثُمامة، ويُكَنَّى أبا ثُمامة.

قال ابن إسحاق: وكان منزلهم في دار امرأة من الأنصار من بني النجار, فأتوا بمسيلمة إلى رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يستر بالثياب, ورَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-جالس مع أصحابه في يده عَسيب من سَعَف النّخْل, في رأسه خُوصات؛ فلما انتهى إلى رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وهم يسترونه بالثياب, كلّمه وسأله, فقال له رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: -" لو سألتني هذا العَسِيب الذي في يدي ما أعطيتُكَ(1).

قال ابن إسحاق: فقال لي شيخ من أهل اليمامة من بني حنيفة أنَّ حديثه كان على غير هذا, زعم أنَّ وفد بني حنيفة أتوا رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وخلّفوا مُسَيلمة في رِحالهم, فلما أسلموا ذكروا له مكانه, فقالوا: يا رَسُول اللهِ إنّا قد خلّفنا صاحباً لنا في رِحالنا وركابنا يحفظها لنا, قال: فأمر له رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بما أمر به للقوم, وقال: (أما إنه ليس بشرِّكم مكاناً أي لحِفْظه ضَيْعة أصحابه(2)), وذلك الذي يريد رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-.

ثم انصرفوا عن رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: وجاءوه بما أعطاه, فلما انتهوا إلى اليمامة ارتدّ عدوّ الله وتنّبأ وتكذّب لهم، وقال: إنّي أُشْرِكت في الأمر معه. وقال لوفده الذين كانوا معه: ألم يقل لكم حين ذكرتموني له: أما إنّه ليس بشرّكم مكاناً, وما ذاك إلاّ لمِا كان يعلم أنّي قد أشركت في الأمر معه, ثم جعل يسجع الأساجيع، ويقول لهم فيما يقول مضاهاة(3) للقرآن: "لقد أنعم الله على الحُبْلَى, أخرج منها نَسْمة تسعى, من بين صِفاق(4) وحَشَى وأحل لهم الخمر والزّنا, ووضع عنهم الصلاة, وهو مع ذلك يشهد لرَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-أنه نبيّ, فأصفقت(5) معه بنو حنيفة على ذلك فالله أعلم أي ذلك كان(6).


الفوائد والعبر والأحكام والفقه من هذه القصة:

1- فيها: جواز مكاتبة الإمام لأهل الردة إذا كان لهم شوكة ويكتب لهم ولإخوانهم من الكفار سلام على من اتبع الهدى.

2- ومنها: أن الرسول لا يقتل ولو كان مرتداً هذه السنة.

3- ومنها: أن للإمام أن يأتي بنفسه إلى من قدم يريد لقاءه من الكفار.

4- ومنها: أن الإمام ينبغي له أن يستعين برجل من أهل العلم يجيب عنه أهل الاعتراض والعناد.

5- ومنها: توكيل العالم لبعض أصحابه أن يتكلم عنه ويجيب عنه. تأويل رؤيا للنبي- -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بأن الصديق يحبط أمر مسيلمة.

6- ومنها: إن هذا الحديث من أكبر فضائل الصديق, فإن النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- نفخ السوارين بروحه فطارا, وكان الصديق هو ذلك الروح الذي نفخ مسيلمة وأطاره(7).


قدوم وفد طيئ على النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قال ابن سعد: قدم وفد طيّء على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-خمسة عشر رجلاً، رأسهم وسيّدهم زيد الخير، وهو زيد الخيل بن مهلهل من بني نبهان، وفيهم وَزَر بن جابر بن سدوس بن أصمع النبهاني، وقَبيصة بن الأسود ابن عامر من جَرْم طيّء، ومالك بن عبد الله بن خيبَري من بَني معن، وقُعين بن خُليف بن جديلة، ورجل من بَني بَوْلان، فدخلوا المدينة ورَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-في المسجد فعقدوا رواحلهم بفناء المسجد، ثمّ دخلوا فدنوا من رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فعرض عليهم الإسلام فأسلموا، وجازهم بخمس أواق فضة كل رجل منهم، وأعطى زيد الخيل اثنتّي عشرة أوقية ونَشّاً، وقال رَسُول اللهِ -صلى الله عليه سلم-: (ما ذُكرَ لي رَجُلٌ من العرب إلاّ رأيتُهُ دون ما ذّكر لي إلاّ ما كان من زيْدٍ فإنه لم يبلغ كلّ ما فيه(8)!) وسماه رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- زيد الخير، وقطع له فَيْد وأرضين، فكتب له بذلك كتاباً(9).

فخرج من عند رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-راجعاً إلى قومه: فقال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(إن يَنْج زيد من حُمَّى المدينة(10)) فإنه قال: قد سمّاها رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-غير الحُمَّى، وغير أم مَلْدَم فلم يُثبِتْه- فلما انتهى من بلد نجد إلى ماء من مياهه، يقال له فَرْدَة، أصابته الحُمَّى بها فمات، ولما أحسَّ زيد بالموت قال:



أََمُرْتَحِل قومي المَشارقَ غُـدْوةً ***** وأُتـركُ في بيتٍ بفَرْدة مُنْجِدِ
ألا رُبَّ يومٍ لو مرِضْتُ لَعَادني ***** عوائدُ من لم يُبْرَ منهنّ يَجْهَدِ

فلما مات عمدت امرأته إلى ما كان معه من كتبه، التي قطع له رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فحرَّقتها بالنار(11).

وكان رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، قد بعث عليّ بن أبي طالب-رَضيَ اللهُ عَنْهُ-إلى الفُلس، "صنم طيّء", يهدمه ويشن الغارات، فخرج في مائتي فرس فأغار على حاضر آل حاتم، فأصابوا ابنة حاتم فقدم بها على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-في سبايا من طيّء، وفي حديث هشام بن محمد أن الذي أغار عليهم وسبى ابنة حاتم من خيل النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-خالد بن الوليد.

ثمّ رجع الحديث إلى الأوّل(12)، قال: وهرب عديّ بن حاتم من خيل النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- حَتَّى لحق بالشأم، وكان على النصرانيّة، وكان يسير في قومه بالمرباع(13)، وجُعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد، وكانت امرأة جميلة جَزْلةً، فمرَّ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فقامت إليه، فقالت: هلك الوالد وغاب الوافد فامنُن عليّ مَنّ الله عليك! قال: (مَنْ وَافِدُكِ)؟ قالت: عديّ بن حاتم، فقال: (الفارّ من الله ومن رسوله(14))! وقدم وفد من قُضاعة من الشأم، قالت: فكساني النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وأعطاني نفقة وحملني، وخرجتُ معهم حَتَّى قدمت الشام على عديّ فجعلتُ أقول له: القاطع الظالم، احتملتَ بأهلك وولدك وتركتَ بقية والدك، فأقامت عنده أيّاماً وقالت له: أرى أن تلحق برَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فخرج عديّ حَتَّى قدم على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فسلم عليه وهو في المسجد، فقال: (مَنِ الرّجُلُ؟) قال: عديّ ابن حاتم، فانطلق به إلى بيته وألقى له وسادة محشوّة بليف، وقال: (اجْلِسْ عليها)، فجلس رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-على الأرض، وعرض عليه الإسلام فأسلم عديّ، واستعمله رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-على صدقات قومه(15).


يتبــــــع........

عزالدين
2007-12-13, 16:12
قدوم وفد الرهاويين حي من مذحج على رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-


أخرج ابن سعد بسنده عن زيد بن طلحة التيمي, قال: قدم خمسة عشر رجلاً من الرهاويين, وهم حيّ من مذحج, على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-سنة عشر, فنزلوا دار رملة بنت الحارث, فأتاهم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فتحدث عندهم طويلاً, وأهدوا لرَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-هدايا, منها فرس يقال له المرواح, وأمر به فشُوّر بين يديه فأعجبه, فأسلموا وتعلّموا القرآن والفرائض, وأجازهم كما يجيز الوفدَ أرفعهم اثنتي عشرة أوقية,ونشّاً, وأخفضهم خمس أواق, ثم رجعوا إلى بلادهم, ثم قدم منهم نفر فحجّوا مع رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-من المدينة, وأقاموا حَتَّى توفي رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فأوصى لهم بحاد مائة وسق. بخيبر في الكتيبة جارية عليهم, وكتب لهم كتاباً, فباعوا ذلك في زمان معاوية.

قال ابن سعد: أخبرنا هشام بن قال: حدثني عمرو بن هزان بن سعيد الرهاوي عن أبيه, قال: وفد منّا رجل يقال: له عمرو بن سبيع إلى النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فأسلم, فعقد له رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-لواء فقاتل بذلك اللواء يوم صفين مع معاوية, وقال في إتيانه النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:



إليك رَسُول اللهِ أعملتُ نَصّــها ***** تجوبُ الفيـافي سَمْلقاً بَعـد سَمْلَق

على ذات ألواح أكلفها السّــرى ***** تَخُــبّ برحلـي مـرّة ثم تُعْنـِق

فما لكِ عندي راحةٌ أو تَلجلـجي ***** بباب النَّبيّ الهاشمــيّ المـوفـّق
عَتَـقـْتِ إذاً من رحلـة ثمّ رحلة ****** وقَطْــع دَياميـم وهـمّ مـُؤرّق

قال هشام: التلجلج أن تبرك فلاتنهض.

وقال الشاعر:



فمَنْ مبلغُ الحَسْناءِ أنّ حَليلَها ***** مَصاد بن مذعور تلجلج غادرِا؟(1)


قدوم وفد بجيلة على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

روى ابنُ سعد في طبقاتِهِ عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه, قال: قدم جريرُ بن عبد الله البجليُّ سنة عشر المدينةَ, ومعه من قومِهِ مائةٌ وخمسون رَجُلاً,فقال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:( يطلع عليكم مِنْ هذا الفَجِّ من خَيْرِ ذي يَمَنٍ, على وجهه مسحةُ ملكٍ(2)) فطلع جريرٌ على راحلته, ومعه قومُهُ, فأسلموا وبايعوا, قال جريرٌ: فبسط رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فبايعني, وقال: على أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رَسُولُ اللهِ, وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة, وتصوم رمضان, وتنصح المسلمَ, وتُطيع الوالي, وإنْ كان عبداً حبشياً), فقال: نعم, فبايعه. وقدم قيس بن عزرة الأحمسي في مائتين وخمسين رجلاً من أحمس, فقال لهم رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(مَنْ أنتُم؟), فقالوا: نحن أحمس الله, وكان يُقال لهم ذاك في الجاهلية, فقالَ لهم رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(وأنتم اليوم لله), وقال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-لبلالٍ:(أعط ركبَ بَجيلَةَ, وابدأ بالأحمسيين), ففعل, وكان نزولُ جرير بن عبد الله على فروة بن عمرو البياضي, وكان رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يُسائله عمَّا وراءه, فقال: يا رَسُولَ اللهِ! قد أظهر اللهُ الإسلامَ, وأظهر الأذانَ في مساجدِهم وساحاتِهم, وهدمتِ القبائلُ أصنامَها التي كانت تعبد, قال: فما فعل ذُو الخَلَصَةِ؟ قال: هو على حالِهِ قد بقي, والله مُريحٌ منه إن شاء الله, فبعثه رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- إلى هدمِ ذي الخلصة, وعقد له لواءً, فقال: إني لا أثبتُ على الخيلِ, فمسح رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بصدرِهِ, وقال: (اللهم اجعلْهُ هادياً مهدياً(3)), فخرج في قومِهِ, وهم زُهاء مائتين, فما أطال الغيبةَ حَتَّى رجع, فقال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:هَدَمْتَهُ؟ قال: نعم, والذي بعثك بالحقِّ, وأخذتُ ما عليه, وأحرقتُهُ بالنار, فتركتُهُ كما يسوء مَنْ يَهْوى هواه, وما صدَّنا عنه أحدٌ, قال: فبرَّك رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يومئذٍ على خيلِ أحمس ورجالِها(4).


قدم وفد حضرموت على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم وفدُ حضرموت مع وفدِ كِندة, على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وهم بنو وليعة ملوك حضرموت: حَمْدة, ومِخْوس, ومِشْرَح وأبضعة فأسلمُوا, وقال مخوس: يا رَسُولَ اللهِ, ادعُ الله أن يُذهب عنِّي هذه الرُّتّة من لساني, فدعا له وأطعمَهُ طُعمةً من صدقة حضرموت, وقدم وائل بن حجر الحضرمي وافداً على النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,وقال: جئتُ راغباً في الإسلامِ والهجرةِ, فدعا له ومسح رأسَهُ, ونُودي ليجتمع الناسُ :"الصلاة جامعة", سُروراً بقدوم وائل بن حجر وأمَرَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-معاويةَ بن أبي سفيان أنْ ينزله, فمشى معه ووائل راكب, فقال له معاويةُ: ألقِ إليَّ نعلك, قال: لا, إني لم أكن لألبسها, وقد لبستَها, قال: فأردفني, قال: لستَ من أردافِ الملوكِ, قال: إنَّ الرَّمضاءَ قد أحرقتْ قدمي, قال امشِ في ظلِّ ناقتي, كفاك به شرفاً. ولمَّا أراد الشُّخوصَ إلى بلادِهِ كتبَ له رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:"هذا كتابٌ من محمدٍ النَّبيِّ لوائل بن حُجْرٍ قَيْلَ حَضْرَمَوْتَ: إنَّكَ أسلمتَ وجعلتُ لك ما في يديك من الأرَضينَ والحُصُونِ, وأن يُؤخَذَ منك من كُلِّ عشرةٍ واحدٌ, ينظُرُ في ذلك ذُو عَدْلٍ, وجعلتُ لك أنْ لا تُظْلَمَ فيها ما قامَ الدِّينُ, والنَّبيُّ والمؤمِنُونَ عَلَيه أنصارٌ(5).



قدوم وفد أزد عمان على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قال ابن سعد: ثم رجع الحديث إلى حديث علي بن محمد قالوا: أسلم أهل عُمَان, فبعث إليهم رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-العلاءَ بن الحضرمي ليُعلمهم شرائعَ الإسلامِ ويصدق أموالهم, فخرج وفدُهم إلى رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فيهم أسد بن يبرح الطاحي, فلقوا رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فسألوه أن يبعثَ معهم رجلاً يُقيم أمرَهم, فقال مَخْرَبة العبدي-واسمه مُدْرِك بن خُوط-: ابعثني إليهم ؛فإنَّ لهم عليَّ مِنَّةٌ, أسروني يومَ جنوب فمنُّوا عليَّ. فوجهه معهم إلى عُمَان, وقدم بعدهم سلمةُ بن عياذ الأزدي في ناسٍ من قومِهِ, فسأل رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-عمَّا يعبدُ وما يدعو إليه, فأخبره رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فقال: ادعُ الله أنْ يجمعَ كلمتَنا وأُلفتنا, فدعا لهم, وأسلم سلمةُ ومَن معه(6).


قدوم وفد غافق على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم وفد جُليحة بن شجّار بن صُحار الغافقي على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-في رجالٍ من قومِهِ, فقالوا: يا رَسُولَ اللهِ! نحن الكواهلُ من قومِنا, وقد أسلمنا, وصدقاتنا محبوسةٌ بأفنيتنا,فقال: (لَكُمْ ما لِلْمُسْلِمينَ, وعليكم ما عليهم), فقال عوز بن سرير الغافقي: آمنَّا باللهِ واتبعنا الرَّسُولَ(7).



قدوم وفد بارق على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم وفدُ بارقٍ على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,فدعاهم إلى الإسلامِ فأسلمُوا وبايعُوا, وكتبَ لهم رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:" هذا كتابٌ من محمدٍ رَسُولِ اللهِ لِبَارِقٍ, لا تُجَزُّ ثِمَارُهُمْ ,ولا تُرْعى بلادُهُمْ في مربعٍ ولا مِصْيَفَ إلاّ بمسْألةٍ من بارق, ومَنْ مَرَّ بهم من المسلمين في عَرْكٍ أو جَدْبٍ, فَلَهُ ضِيَافَةُ ثَلاثَة أيام, وإذا أيْنَعَتْ ثِمَارُهُم فلابنِ السبيل اللّقَاطُ يُوسِعُ بَطْنَهُ من غيرِ أن يِقْتَثِمَ". شهد أبو عُبيدة بن الجراح, وحُذيفة بن اليمان, وكتب أُبي بن كعب.(8)


قدوم وفد ثُمالة والحُدَّان على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم عبد الله بن عَلَس الثُّمالي ومُسْلِيَةُ بنُ هِزَّانَ الحُدّانّي على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-في رهطٍ من قومِهما بعد فتح مكَّة فأسلمُوا وبايعُوا رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- على قومِهم,وكتبَ لهم رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-كتاباً بما فرض عليهم من الصَّدقةِ في أموالِهم, كتبه ثابت بن قيس بن شماس, وشهد فيه سعد بن عُبادة ومحمد بن مَسلمة(9).


قدومُ وفدِ أسلم على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم عميرة بن أفْصى في عصابةٍ10 من أسلم, فقالوا: قد آمنا بالله ورسوله, واتبعنا منهاجك, فاجعل لنا عندك منزلة تعرف العرب فضيلتها, فإنا إخوة الأنصار, ولك علينا الوفاء والنصر في الشدة والرخاء, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(أسْلَمُ سالَمَهَا اللهُ, وغِفَار غَفَر اللهُ لها(11)), وكتب رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-لأسلم ومن أسلم من قبائل العرب ممن يسكن السيف والسهل كتاباً فيه ذكر الصدقة, والفرائض في المواشي, وكتب الصحيفة ثابت بن قيس بن شماس, وشهد أبو عبيدة بن الجراح وعمر بن الخطاب(12).


قدوم وفد جُذام على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم رفاعة بن زيد بن عمير بن معبد الجُذاميُّ, ثم أحد بني الضُّبيب على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-في الهدنة قبل خيبر, وأهدى له عبداً, وأسلم, فكتب له رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-كتاباً: (هذا كتابٌ من محمدٍ رَسُولِ اللهِ لرِفَاعَةَ بن زيدٍ إلى قومِهِ, ومَن دخل معهم يدعُوهم إلى اللهِ, فمن أقبلَ ففي حزبِ اللهِ, ومَن أبى فله أمَانُ شَهْرَيْنِ). فأجابه قومُهُ وأسلمُوا.

روى ابنُ سعدٍ عن عبد الله بن يزيد بن روح بن زِنْباع, عن ابن قيس بن ناتل الجذامي,قال: كان رجلٌ من جُذام, ثم أحد بني نُفاثة يُقال له فروة بن عمرو بن النافرة, بعثَ إلى رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بإسلامِهِ, وأهدى له بغلةً بيضاء, وكان فروةُ عامِلاً للروم على ما يليهم من العربِ, وكان منزله مُعان وما حولها من أرضِ الشَّام, فلمّا بلغَ الرُّومَ إسلامُهُ, طلبُوه حَتَّى أخذُوه فحبسُوه عندهم, ثم أخرجُوه ليضربُوا عنقَهُ, فقال:


أبْلغْ سَراةَ المؤمنينَ بأنّني **** سِلْمٌ لربي أعظمي ومقامي

فضربوا عنقَهُ وصلبُوه13


قدوم وفد مهرة على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم وفد مَهرة عليهم مهري بن الأبيض, فعرض عليهم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-الإسلام فأسلموا, ووصلهم, وكتب لهم: "هذا كتاب من محمد رَسُول اللهِ, لِمَهْرِيّ بن الأبْيَضِ على من آمن به من مهرة, ألا يُؤكَلُوا, ولا يُعْرَكُوا, وعليهم إقامة شرائع الإسلام, فمن بدل فقد حارب, ومن آمن به فله ذمة الله وذمة رسوله, اللّقطَةُ مُؤداةٌ, والسّارِحَةُ مُنَدّاةٌ, والتَّفَثُ السّيّئَةُ والرَفَثُ الفُسوقُ".

وكتب محمد بن مسلمة الأنصاري, قال: يعني بقوله لا يُؤكَلون أي لا يغار عليهم.

وعن معمر بن عمران المهري, عن أبيه قالوا: وفد إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- رجل من مهرة يقال له: زهير بن قِرضِم بن العُجيل بن قُباث بن قَمومَي بن نقلان العبدي بن الآمري بن مهري بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة من الشّحْر, فكان رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يدنيه ويكرمه لبعد مسافته, فلما أراد الأنصراف ثبّته وحمله وكتب له كتاباً, فكتابه عندهم إلى اليوم.(14)


قدوم وفد حِمْير على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

أخرج ابنُ سعد في طبقاته عن عمر بن محمد بن صهبان, عن زامل بن عمرو, عن شهاب بن عبد الله الخولاني, عن رجل من حِمْيرٍ أدرك رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ووفدَ عليه قال: قدم على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-مالكُ بن مُرارة الرّهاويُّ رسولُ ملوكِ حِمْيرٍ بكتابِهم وإسلامِهم,وذلك في شهرِ رمضان سنة تسع, فأمرَ بِلالاً أنْ يُنزلَهُ ويُكرمَهُ ويُضيَّفَهُ, وكتب رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-إلى الحارثِ بن عبد كلال, وإلى نُعيم بن عبد كلال, وإلى النُّعمان قيل ذي رُعَيْن ومعافر وهَمْدان:"أمّا بعدُ ذلكم, فإنِّي أحمدُ اللهَ الذي لا إله إلا هُوَ, أمَّا بعدُ فإنَّه قد وَقَع بنا رسُولُكم, مَقْفَلَنَا من أرضِ الرُّومِ, فَبَلَّغ ما أرْسَلْتُمْ وخَبَّرَ عمَّا قِبَلَكَم, وأنْبَأنَا بإسْلامِكُمْ وَقَتْلكُمُ المُشرِكينَ؛ فإنَّ الله-تبارك وتعالى-قد هداكم بهُدَاه إنْ أصْلَحْتُم وأطَعْتُمُ الله ورسولَهُ, وأقمتم الصَّلاةَ, وآتيتُم الزَّكاةَ, وأعطيتُم من المغنم خُمْسَ اللهِ, وخُمْسَ نبَيِّهِ وصَفيِّهِ ومَا كُتِبَ على المُؤمِنينَ مِنَ الصَّدَقَةِ"(15).


قدوم وفد جيشان على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

روى ابنُ سعد في طبقاته عن عمرو بن شُعيب,قال: قدم أبو وهب الجيشاني على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-في نَفَرٍ من قومِهِ, فسألُوه عن أشربةٍ تكونُ باليمن, قال: فسمُّوا له البتِع من العسل, والمِزْر من الشَّعير,فقال رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (هل تسكرون منها؟ قالوا: إنْ أكثرنا سَكِرْنا, قال: فحَرَامٌ قَليِلُ ما أسْكَرَ كَثيِرُهُ,) وسألُوه عن الرجلِ يتخذُ الشَّرابَ فيسقيه عُمَّالَهُ, فقال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(كُلّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ(16))(17).


قدوم وفد السِّباع على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

أخرج ابن سعد في طبقاته عن شعيب بن عُبادة, عن المُطَّلب بن عبد الله, بن حَنْطَب, قال: بينما رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-جالسٌ بالمدينةِ في أصحابِهِ أقبل ذئبٌ فوقف بين يَدَيْ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فعوى بين يديه,فقال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (هذا وافدُ السِّباعِ إليكم, فإنْ أحببتُم أن تفرضُوا له شيئاً لا يعدُوه إلى غيرِهِ, وإنْ أحببتُم تركتمُوه وتحرزتُم منه, فما أخذ فهو رزقُهُ), فقالوا: يا رَسُولَ اللهِ! ما تطيبُ أنفسُنا له بشيءٍ, فأومأ إليه النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بأصابعِهِ, أي خالسْهُم, فولَّى وله عَسَلان.(18)


يتبــــــــع...........

عزالدين
2007-12-13, 16:29
النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وبِنَاءُ المَسَاجِدِ


تعريف المسجد في اللغة :

كلمة مَسْجِد على وزن مَفْعِل بكسر العين ، اسم لمكان السجود ، وبالفتح هو موضع السجود من بدن الإنسان.

وقيل : المسجد اسم جامع حيث سجد عليه وفيه. والمسجد من الأرض موضع السجود نفسه.



في الاصـطـلاح :

يقول الزركشي : "لما كان السجود أشرف أفعال الصلاة لقرب العبد من ربه، فقد اشتق اسم المكان منه فقيل: مسجد ولم يقل مَرْكِع، كما خصص المسجد بالمكان المهيأ لأداء الصلوات الخمس والكسوف والخسوف ونحوها حتى يخرج المصلَّى المجتمع فيه للأعياد ونحوها فلا يعطى حكمه وكذلك الربط والمدارس لأنها هُيئت لغير ذلك.



نشأة المسجد:

إن أول مسجد وضع على الأرض المسجد الحرام، قال تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين } آل عمران: 96

وعن أبي ذر - رضي الله عنه قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أول مسجد وضع على الأرض، فقال: (المسجد الحرام)، قلت: ثم أي؟ قال: (المسجد الأقصى)، قلت: وكم بينهما؟ قال: (أربعون عاما، ثم الأرض لك مسجد، فحيثما أدركتك الصلاة فصلِّ). البخاري-كتاب أحاديث الأنبياء-باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا ) 6/447 .



أقسام المساجد :

تنقسم المساجد قسمين: المساجد العادية التي تقام فيها الفروض الخمسة، والمساجد الجامعة ( الجوامع ) وهما بمعنى واحد ويقصد بها بيوت الله التي تقام فيه الصلوات في اليوم خمس مرات. ولكن شاع تقسيمهما كما يلي :



القسم الأول:

المساجد العادية، وهي التي تقام فيها الفروض الخمسة ولكن لا تقام فيها صلاة الجمعة.



القسم الثاني:

المساجد الجامعة، وهي التي تقام فيها صلاة الجمعة وهناك مصليات الأعياد والاستسقاء.



مكانة المسجد :

وردت نصوص كثيرة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية تبين مكانة المساجد. فقد كان أول عمل قام به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد هجرته إلى المدينة هو تأسيس مسجده -صلى الله عليه وسلم-.ففي القرآن الكريم قال تعالى:{يا بَني آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُم عِندَ كُلِ مسجِدٍ وَكُلُوا وَاشرَبُوا ولا تُسرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفِينَ} الأعراف 31.

وقال تعالى: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين}، (البقرة: 191).

وقد مدح الله عز وجل الذاكرين الله فيها ووعدهم بحسن جزائه ، كما امتدح الذين يحرصون على عمرانها سواء عن طريق بنائها أو تنظيفها، أو صيانتها، أو التردد عليها لعبادة الله فيها، قال تعالى: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} التوبة 18}.

كما توعد الله تعالى الذين يسعون في خراب المساجد ويمنعون ذكر الله فيها بالخزي والهوان في الدنيا وأشد ألوان العذاب في الآخرة، قال تعالى: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم }البقرة: 114.

وفي الأحاديث النبوية، وردت الأحاديث النبوية الكثيرة التي تبين مكانة المسجد ونذكر منها: - قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها) صحيح مسلم. كتاب الصلاة – باب فضل المساجد –.

وقوله-صلى الله عليه وسلم-(إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان) رواه الدارمي والحديث ضعيف انظر تمام المنة للألباني برقم 241.



رسالة المسجد :

لقد كان المسجد وسيظل دائما هو القاعدة الأساسية التي تنبعث منها الدعوة الإسلامية. ورسالة المسجد هي في حقيقة الأمر رسالة الإسلام، رسالة التوحيد والهداية والاعتصام بحبل الله، فهو مكان إعلان العبودية الخالصة لله عز وجل وهو مكان أداء الصلاة التي هي عماد الدين، فإحياء تلك الرسالة هو إحياء لرسالة الإسلام.

ومن أبرز أهداف المسجد صنع المسلم المتكامل البناء في خُلُقِهِ وسلوكه وعمله وعبادته وعلاقته بربه وبنفسه وغيره. فالمسجد هو المحط الأول لكل نهضة وإصلاح في إطار الأمة الإسلامية. والنظرة الواعية إلى مراحل الدعوة الإسلامية تاريخيا تبين أهمية دور المسجد ورسالته العظيمة في بناء الأمة الإسلامية، فقد ارتبط تاريخ الأمة الإسلامية بالمسجد ارتباطا وثيقا، وذلك لأن الإسلام لم يقصر رسالته على أداء الصلوات الخمس فقط، بل تعداه إلى جعله مركز علم وتهذيب ومجلس صلح وقضاء ومحل تشاور المسلمين وملتقى تعاون وتكافل.



الأثر التربوي والدعوى للمسجد :

قام المسجد بالتربية الإسلامية والدعوة في عهود الإسلام الأولى خير قيام فقد كان منبر الرسول- صلى الله عليه وسلم -منارة الدعوة إلى الله-سبحانه وتعالى- وشملت أحاديثه وخطبه الدعوة إلى الالتزام بتعاليم الإسلام وكان يستقبل فيه الوفود من غير المسلمين فيرون بأنفسهم ما عليه المسلمون وهذا من أبلغ وسائل الدعوة "دعوة العمل والتطبيق". فمنذ نشأة المسجد الأولى كانت تعقد فيه حلقات الدروس لشرح أصول الدين وفقهه كما كان أيضا مركز اتصال بين أفراد المسلمين. فالمسجد له دور مهم في توجيه المسلمين إلى الأعمال النافعة لهم، وتبصرتهم بطرق الكسب الحلال، وبأن الإسلام يبغض الفقر والاحتياج فيحث الناس على العمل والإنتاج.



الأثر التعليمي للمسجد :

مما جاء الشارع الحكيم به الحث على التعليم في المسجد ، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ) صحيح مسلم-كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار-باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر .

فيجب إحياء رسالة المسجد التعليمية لما يكتنفه من جو العبادة حيث يشعر المعلم والمتعلم أنهم في بيت من بيوت الله فيكونون أقرب إلى الإخلاص والتجرد ولا يقصدون إلا وجه الله . كما أنه جامعة كبرى لإمداد المجتمع الإسلامي بالعاملين في كل مجالات الحياة، فهو يقوم بالتربية الروحية للطالب ويهيئه للمستقبل الإيماني له لذا ينبغي أن يقام المسجد حسب المواصفات الحديثة وتقام حوله الكليات والمعاهد وملحقاتها من معامل وخلافه ليكون ارتباط الطالب بالمسجد وكلياته في آن واحد.



الأثر الاجتماعي للمسجد :

وأهمية المسجد لا تقتصر على كونه مكانا لأداء الصلوات فحسب، بل هو أهم مكان للمجتمع الإسلامي فهو يؤدي دوراً اجتماعياً بارزاً لمساعدة المجتمع في النهوض بأعبائه الاجتماعية. ففي العهد النبوي كان المسجد مأوى مَنْ لا مأوى له من المسلمين، وكان الملجأ الذي يستريح فيه من أراد الاستراحة النفسية والاجتماعية. ففي حديث علي – رضي الله عنه - لما غاضب أهله حيث لجأ إلى المسجد فنام فيه حتى سقط رداؤه عن شقه وأصابه التراب فجاء إليه النبي - صلى الله عليه وسلم- وقال له : ( قم أبا تراب ) مسلم-كتاب فضائل الصحابة-باب فضل علي بن أبي طالب (4/1875) برقم 2409.



فضل بناء المساجد وعمارتها :

فضل الله - سبحانه وتعالى - بعض الرسل على بعض ، وفضل بعض الأيام على بعض، وفضل بعض الأماكن على بعض . ومن تلك الأماكن التي فضلها الله -عز وجل- على غيرها المساجد. وقد وردت كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تبين فضل بناء المساجد وتحث على عمارتها ومنها مايلي :.



في القرآن الكريم :

قوله تعلى : { إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله ، فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين}التوبة : 18 .

وقوله تعالى : { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} الجن 18. فأضافها تعالى إلى نفسه لشرفها وفضلها.



في السنة النبوية :

عن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – قال : سمعت النبي-صلى الله علي وسلم-يقول: (من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله – تعالى - بنى الله له مثله في الجنة ) البخاري، الفتح-كتاب الصلاة-باب من بنى مسجدا (1/648) برقم 450.

وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقول : (من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله –تعالى-بنى الله له بيتا في الجنة ) رواه بن ماجة –كتاب المساجد-باب من بنى مسجدا (4/1206) برقم 569.

وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة) رواه بن ماجة –كتاب المساجد-باب من بنى مسجدا (4/1209) برقم 569.

وعمارة المساجد تكون إما حسية أو معنوية. فعمارتها الحسية تكون بالبناء والترميم والصيانة وتوفير ما تحتاج إليه من خدمات. والعمارة المعنوية تكون بالصلاة وحلقات تحفيظ القرآن الكريم والمحاضرات والندوات والذكر والدعاء.

قال تعالى : { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيد هم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب}النور: 36 – 38.


يتبـــــع.........

عزالدين
2007-12-13, 16:30
فضل السعي إلى المساجد :

ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي-صلى الله عليه وسلم –قال: )من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلا من الجنة كلما غدا أو راح). البخاري،الفتح-كتاب الأذان-باب فضل من غدا إلى المسجد (2/173) برقم 662.

وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن بين أصابعه فإنه في صلاة ) رواه الترمذي وابن ماجة انظر صحيح الترمذي للألباني برقم 316 وابن ماجة برقم 967.

وروي عن مسلم في صحيحه ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال ، قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم : (من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة). صحيح مسلم كتاب الصلاة – باب المشي إلى الصلاة تمحى بها الخطايا وترفع به الدرجات).

وعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنه-قال: "كانت ديارنا نائية من المسجد فأردنا أن نبيع بيوتنا ونقرب من السجد فنهانا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فقال: (إن لكم بكل خطوة درجة) صحيح مسلم-كتاب المساجد ومواضع الصلاة-باب فضل كثرة الخطا إلى المساجد (1/461) برقم 664.



بعض المساجد التي بنيت في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – :

مسجد قباء:

يعتبر أول مسجد في الإسلام ، أمر ببنائه وشارك فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ، ويقع في قلب ضاحية قباء على مسافة قريبة من المدينة المنورة، وأكبر توسعة وعمارة لمسجد قباء تمت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود- حفظه الله- حيث اشتملت على أعمال عمرانية عظيمة.



مسجد القبلتين:

يقع على ربوة من ربوات الحرة الغربية تسمى حرة الوبرة على حافة وادي العقيق الصغير في داخل المدينة المنورة حاليا، وبُني في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وله أهمية خاصة في التاريخ الإسلامي، ففيه نزل الوحي على رسول الله- صلى الله عليه وسلم – بالتحول إلى الكعبة، بعد أن كانت القبلة هي بيت المقدس وكان ذلك يوم 15 شعبان من العام الثاني للهجرة. وعرف بهذا الاسم؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – صلى فيه شطر صلاته مستقبلا المسجد الأقصى ، والشطر الآخر مستقبلا المسجد الحرام.



مسجد الإجابة :

أنشئ في عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في منازل بني معاوية، وقد اشتهر بهذا الاسم؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل ذات يوم من العالية حتى إذا مر بالمسجد دخل فركع ركعتين، وصلى معه من كان في المسجد حاضرا، ودعا ربه طويلا، ثم انصرف إليهم فقال: (لقد سألت ربي ثلاثا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، فقد سألته ألا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها ، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها ) رواه مسلم. كتاب الفتن – باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض – (4/2215) برقم 2889 ويقع في حي الإجابة.



مسجد الجمعة بالمدينة المنورة :

يقع في حي قباء ، ويبعد عن مسجد قباء أكثر من (500) متر بقليل. وقد فرضت صلاة الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة المكرمة ولم يستطع أداءها هناك لعدم الأمن، وبعد مهاجرته- صلى الله عليه وسلم - أديت صلاة الجمعة أول مرة في مسجد قباء، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ترك قباء قبل وقت صلاة الجمعة، فأدركه الوقت في منازل بني سالم بن عوف فصلى الجمعة في منازلهم لأول مرة، فسمي المسجد بها، وسمي فترة من الزمن باسم عاتكه، وقد عاد إليه اسمه الأول (مسجد الجمعة)، وما زال معروفا به حتى الآن. ثم وسع في عهد عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- وجدد فيما بعـد، وتمت توسعته الحالية على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله -.



فضائل المبادرة بالحضور إلى المساجد وفوائدها :

1_ الاتصاف بصفة من يظلهم الله في ظله:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال : (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فذكر منهم .. رجل قلبه معلق بالمساجد) صحيح مسلم كتاب الزكاة – باب إخفاء الصدقة – (2/715) برقم 1031.

2_ لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه:

عن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة) صحيح مسلم-كتاب المساجد ومواضع الصلاة-باب فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة (1/460) برقم 649.

وقال -صلى الله عليه وسلم- :(ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا: بلى يا رسول الله قال : إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط ) رواه مسلم انظر صحيح الترمذي الألباني برقم 46 صـ 17.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال :(ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله تعالى إليه كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم) رواه ابن ماجه والحاكم وهو صحيح انظر صحيح ابن ماجة للألباني برقم 652.

3_ صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له :

قال تعالى :{ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا } :43 الأحزاب
فالصلاة من الله تعالى ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى والصلاة من الملائكة الدعاء والاستغفار قائلين اللهم اغفر له اللهم ارحمه.

4_ المشي إلى المسجد بسكينة:

إن من فوائد التبكير مشي المصلي إلى الصلاة بسكينة ووقار لسعة الوقت وليس كمن يأتي بعد الإقامة.

5_ دخول المسجد داعيا :

ولا يتحقق الدعاء المأثور إلا بالحضور المبكر للصلاة .

6_ تحصيل الصف الأول:

في الصف الأول فضل عظيم دلت عليه الأحاديث الصحيحة فهو على مثل صف الملائكة والله – تعالى - وملائكة يصلون على الصفوف الأولى وصلى النبي- صلى الله عليه وسلم- على الصف الأول والثاني ولا يحصل ذلك إلا بالتبكير .

7_ تحصيل ميمنة الصف :

قال -صلى الله عليه وسلم- : ( إن الله وملائكته يصلون على ميامين الصفوف ) رواه أبو داود وابن ماجة وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجة للألباني برقم 209 .

إن تحصيل ميمنة الصف من الإمام لا يكون إلا لمن حظر مبكرا فإذا أردت ذلك فعليك بالتبكير.

8_ الدعاء بين الأذان والإقامة :

قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: ( لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة) وعند ابن خزيمه : (الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد فادعوا) رواه أبو داود والترمذي وابن خزيمه . انظر صحيح أبي داود برقم 489 الألباني.
فعلى المسلم المبادرة بالحضور إلى المسجد ويدعو بين الأذن والإقامة لعل الله يستجيب له .

9_ الصلاة قبل الإقامة :

عن عبدالله بن مغفل- رضي الله عنه- قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة ثم قال الثالثة : لمن شاء) البخاري، الفتح-كتاب الأذان-باب بين كل أذانين صلاة (2/92)
والصلاة قبل الإقامة حمى للفريضة وذريعة للمداومة عليها فمن أدى النوافل استمر على الفرائض ومن قصر في النوافل فهو عرضة لأن يقصر في الواجب .

10_ إجابة الإقامة :

عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن) البخاري-كتاب الأذان-باب ما يقول إذا سمع المنادي (2/108) برقم 611.
عن معاذ بن أنس الجهني قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – : (إذا سمعتم المنادى يثوب بالصلاة فقولوا مثل ما يقول) رواه احمد أنظر السلسلة الصحيحة للألباني 3 برقم 1328.
التثويب : الدعاء إلى الصلاة ويشمل الأذان والإقامة .

11_ إدراك تكبيرة الإحرام :

عن انس بن مالك - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (من صلى أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان : براءة من النار وبراءة من النفاق) رواه احمد انظر السلسلة الصحيحة للألباني 6 برقم 1328.

12_ التأمين مع الأمام :

عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (إذا قال الإمام : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فقولوا آمين فان من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) البخاري، الفتح-كتاب الأذان –باب جهر المأموم بالتأمين (2/311) برقم 782. وعن عائشة- رضي الله عنها- عن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال : (ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين) رواه ابن ماجة انظر صحيح ابن ماجة برقم 697 الألباني.

13. الصلاة بخشوع :

تعد المبادرة بالحضور للمسجد والانقطاع عن مشاغل الدنيا ومتاعبها في تلك اللحظات من أسباب الخشوع في الصلاة وإقبال المصلي على ربه فإن المصلي كلما طال لبثه في المسجد واشتغل بالصلاة والقراءة والذكر والدعاء قبل إقامة الفريضة حضر قلبه وسكنت جواره ووجد نشاطا وراحة وروحا فهو يقول : أصلى فاستريح كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم- : ( قم يابلال فأرحنا بالصلاة) رواه أبو داود انظر صحيح أبي داود برقم 4172 الألباني .

يعتبر المسجد قطب رحى الحارات والأحياء السكنية، وقلوب الناس المؤمنين تهفوا إليه في اليوم مرات عديدة . والمسجد في الإسلام له مكانته وأهميته في واقع الأمة ، وقد كان هو المأوى الذي يأوي إليه كثير من التائهين عن الله تعالى.. لقد برز دور المسجد واضحاً جلياً في الأزمنة القريبة من النبوة في عدة نواحي :

1. الناحية التعبدية:

بما فيها من خضوع وخشوع لله، وتذكير بالله كل يوم على الأقل خمس مرات، مما يدل على ارتباط المسلم الدائم بهذا المحل الطاهر.



2. الناحية الأخوية:

فالأخوة الإيمانية من أعظم علامات الإيمان، وهي الركيزة الثانية التي أسس عليها الرسول مجتمعه؛ حيث بدأ ببناء المسجد، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، وتبرز هذه الناحية من خلال الالتقاء الدائم بالأصحاب، والأحباب، والجيران، وحل المشاكل المشتركة والخاصة، في جو مملوء بالأخوة والتعاون.



3 الناحية الإعدادية:

بما فيها الإعداد الإيماني والعلمي، وذلك بالدروس العلمية، والكلمات الوعظية و التناصح المستمر . وكذا الإعداد المادي ،حيث كان المسلمون يعدون للقتال ومواجهة الأعداء انطلاقاً من المسجد. يقول الشيخ / يوسف القرضاوي :

لا يصنع الأبطال إلا ****** في مساجدنــا الفسـاح

في روضة القرآن ****** في ظل الأحاديث الصحاح

إن أعداد أهل القيادة والريادة والسيادة والقتال في معارك الإسلام كان أساسه المسجد ، وكان المسلمون يجتمعون فيه إذا حزبهم أمر، فهو المأوى وقت الأزمات؛ ليخرج أولئك برأي سديد تجاه ما حزبهم من أمر شديد.

ولقد ورد أن الحبشة كانوا يترامون بالنبل في مسجد رسول الله، والرسول -صلى الله عليه وسلم- ينظر ولا ينكر ، وما ذاك إلا ليتعلم أولئك أساليب القتال ؛ لدحر الأعداء.



3. الناحية الاجتماعية:

لا يكفي المسجد أن يكون موضعاً للعبادة والصلاة، أو التسبيح والاستغفار، إن المسجد -كما تقدم- هو مأوى الناس حيث يجد فيه الفقراء والمحتاجون بلغتهم من المساعدة والعون المادي والمعنوي . وإنه لا بد من أن يكون المسجد الصلة الوثيقة بين أغنياء الأحياء والقرى والأرياف وبين فقرائهم؛ لأن كثيراً من الأغنياء لا يعرفون الفقراء، فلهذا كان المسجد هو حلقة الوصل بين هؤلاء وأولئك، وأقصد بكون المسجد هو حلقة الوصل: أن يكون القائمون عليه من أهل الاحتساب والتفاعل في تلك الحلقة، وإلا لتعطل دور المسجد وأصبح خاملاً، بدل أن يكون مسجداً فاعلاً. وتحقيقاً وتطبيقاً لما سبق من أهمية المسجد ودوره الكبير، فإنه لا يمكن أن يقوم كل ذلك الجهد والنشاط إلا بوجود جماعة تنظم سيره، وتنفذ ما تخطط تنفيذاً يومياً مستمراً، وهذا الأمر يرجع إلى مجموعتين: الأولى: جماعة المسجد بمعنى أن يكون لهم دور كبير في إحياء رسالة المسجد، وهؤلاء هم: الإمام و الخطيب ومدير نشاط المسجد والقيم الذي يهتم بالأذان والنظافة والعلاقة المختلفة. والثانية: أهل الحي؛ لأنه لو ظل النشاط كله تتحمله جماعة المسجد لظللنا ندور في حلقة مفرغة، وذلك أنه لو لم يكن هناك تنسيق مستمر بين جماعة المسجد وأهل الحي؛ لما أعطى المسجد ثماره المرجوة.. نعم ستكون هناك ثمار تنفذها جماعة المسجد لوحدها لكن ليست كما لو تم التنسيق والارتباط المباشر مع أهل الحي.. والمقصود هنا أن يكون لأهل الحي أو القرية دور فاعل في المسجد في مختلف المجالات، وقد يتحقق كثير من ذلك عبر التنسيق العشوائي غير المنظم، وذلك بدعوة أهل الحي لدعم نشاط معين، فيقوم أولئك بالتفاعل في الدعم لاستمرار نشاط معين، وهكذا.. لكن قد يستمر ذلك التفاعل، وقد ينقطع أو يضعف؛ نتيجة للعشوائية في التفاعل والبذل.. وكان من المقترح لأهل المساجد أن يكون لهم مع أهل الحي مجلس مشترك تناقش فيه قضايا عدة لإنجاح رسالة المسجد واستمراريتها.

والله أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله .

راجع المزيد في هذه المصادر: إصلاح المساجد من البدع والعوائد، لمحمد جمال القاسمي، وكتاب إعلام الساجد بأحكام المساجد، للزركشي، وكتاب تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد للألباني، وكتاب تحفة الراكع والساجد في أحكام المساجد، لتقي الدين أبي بكر الجراعي الحنبلي، وكتاب، من أجل مسجد فاعل لعبدالرحمن اللعبون، وكتاب المسجد في الإسلام أحكامه وآدابه وبدعه، لخير الدين وانلي، وكتاب المسجد ونشاطه الاجتماعي لعبد الله بن قاسم الوشلي.....

يتبـــــــــــــع...........

عزالدين
2007-12-13, 16:34
قدوم وفد نجران عليه-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-


قال ابنُ إسحاقَ: وَفَدَ على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفدُ نَصَارى نجران بالمدينة, فحدَّثني محمد بن جعفر بن الزبير, قال: "لمَّا قدم وفدُ نجرانَ على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-دخلُوا عليه مسجدَهُ بعد صلاةِ العصرِ, فحانتْ صلاتُهم فقامُوا يُصلُّون في مسجدِهِ, فأراد النَّاسُ منعهم, فقالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:"(دعُوهم), فاستقبلُوا المشرقَ فصلُّوا صلاتَهم.(1)

ثبت في الصحيح عن حُذيفة قال: جاء العاقبُ والسيدُ صاحبا نجران إلى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يريدان أنْ يُلاعناه، فقال أحدُهما لصاحبِهِ: لا تفعلْ، فوالله لئن كان نبياً فلاعناه؛ لا نفلحُ نحن ولا عقبنا من بعدنا، فقالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعثْ معنا رجلاً أميناً، ولا تبعث معنا إلا رجلاًَ أمينا، فقال: (لأبعثن معكم رجلاً أمينا حقَّ أمين)، فاستشرف لها أصحابُ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-،فقال: (قُمْ يا أبا عبيدة بن الجراح، فلما قام, قال رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: هذا أمينُ هذه الأُمَّةِ)(2).

روى البيهقيُّ بسنده عن يونس-وكان نصرانياً فأسلم-أنَّ رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- كَتَبَ إلى أهلِ نجران قبل أنْ يُنزلَ عليه: {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ} (1) سورة النمل(3): "باسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب, من محمدٍ النَّبيِّ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-إلى أسقف نجران، وأهل نجران: إنْ أسلمتُم فإني أحمدُ إليكم الله إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، أما بعد: فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد, وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد, فإن أبيتم فالجزية, فإن أبيتم فقد آذنتكم بحربٍ, والسلام".

فلما أتى الأسقفَ الكتابُ فقرأه فَظِعَ به وذُعِرَ به ذُعْراً شديداً, فبعث إلى رجلٍ من أهلِ نجران يُقال له شُرحبيل بن وَدَاعة وكان مِن همدان, ولم يكن أحدٌ يُدعى إذا نزل معضلة قبله, لا الأيهم ولا السيد, ولا العاقب, فدفع الأسقف كتابَ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- إليه فقرأه, فقال الأسقفُ: يا أبا مريم, ما رأيك؟ فقال شرحبيل: قد علمتَ ما وعد اللهُ إبراهيمَ في ذريةِ إسماعيلَ من النُّبوة, فما يؤمن أن يكون هذا هو ذلك الرجل, ليس لي في النبوة رأيٌ, لو كان أمرٌ من أمْرِ الدُّنيا أشرتُ عليك فيه، وجهدتُ لك، فقال له الأسقفُ: تَنحَّ, فاجلسْ, فتنحى شرحبيلُ فجلس ناحية.

فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له: عبد الله بن شرحبيل, وهو من ذي أصبح من حمير, فأقرأه الكتاب، وسأله عن الرأي فيه، فقال له مثل قول شرحبيل.

فقال له الأسقف: تنح فاجلس, فتنحى فجلس ناحية.

فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له: جبار بن فيض من بني الحارث بن كعب فأقرأه الكتاب, وسأله عن الرأي فيه, فقال له مثل قول شرحبيل, وعبد الله فأمره الأسقف فتنحى .

فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جميعاً أمر الأسقف بالناقوس فضرب به, ورفعت المسوح في الصوامع, وكذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا بالنهار, وإذا كان فزعهم بالليل ضرب الناقوس ورفعت النيران في الصوامع فاجتمع-حين ضرب بالناقوس ورفعت المسوح-أهل الوادي أعلاه وأسفله, وطول الوادي مسيرة يوم للراكب السريع, وفيه ثلاث وسبعون قرية, وعشرون ومائة ألف مقاتل, فقرأ عليهم كتاب رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وسألهم عن الرأي فيه, فاجتمع رأي أهل الوادي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمداني, وعبد الله بن شرحبيل, وجبار بن فيض الحارثي, فيأتوهم بخبرِ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, فانطلق الوفد حَتَّى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السفر عنهم ولبسوا حللاً لهم يجرونها من الحبرة وخواتيم الذهب, ثم انطلقوا حَتَّى أتوا رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فسلموا عليه فلم يرد عليهم السلام, وتصدوا لكلامه نهاراً طويلاً, فلم يكلمهم وعليهم تلك الحلل والخواتيم والذهب, فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان, وعبد الرَّحمن بن عوف, وكانا معرفة لهم, كانا يخرجان العير في الجاهلية إلى نجران فيشترى لهما من بزها, وثمرها, وذرتها, فوجدوهما في ناس من الأنصار والمهاجرين في مجلس, فقالوا: يا عثمان ويا عبد الرَّحمن إن نبيكم كتب إلينا بكتاب فأقبلنا مجيبين له فأتيناه فسلمنا عليه فلم يرد علينا سلامنا, وتصدينا لكلامه نهاراً طويلاً فأعيانا أن يكلمنا, فما الرأي منكما أنعود؟ فقالا لعلي بن أبي طالب وهو في القوم: ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟ فقال علي لعثمان وعبد الرَّحمن -رَضيَ اللهُ عَنْهُم-: أرى أنْ يضعوا حُللَهم هذه, وخواتيمهم, ويلبسوا ثياب سفرهم, ثم يأتوا إليه ففعل الوفد ذلك, فوضعوا حللهم وخواتيمهم, ثم عادوا إلى رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فسلموا عليه فردَّ سلامَهم، ثم قال: (والذي بعثني بالحقِّ لقد أتوني المرة الأولى, وإنَّ إبليسَ لمعهم), ثم سألهم وسألوه, فلم تزلْ به وبهم المسألة, حَتَّى قالُوا له: ما تقول في عيسى-عَلَيهِ السَّلامُ-؟ فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى, فيسرنا إنْ كنتَ نبياً أن نعلم ما تقول فيه؟ فقال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: ما عندي فيه شيء يومي هذا, فأقيموا حَتَّى أخبركم بما يُقال لي في عيسى-عَلَيهِ السَّلامُ-,فأصبح الغد, وقد أنزل الله-عز وجل-: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} (59-61) سورة آل عمران. فأبوا أن يقروا بذلك, فلمَّا أصبحَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- الغد بعدما أخبرهم الخبر, أقبل مشتملاً على الحسن والحسين -رَضيَ اللهُ عَنْهُما- في خميلٍ له, وفاطمة -رَضيَ اللهُ عَنْهُا- تمشي عند ظهرِهِ للمُباهلة, وله يومئذٍ عدة نسوة, فقال شرحبيل لصاحبيه: يا عبد الله بن شرحبيل, ويا جبار بن فيض: قد علمتما أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلا عن رأيي, وإني والله أرى أمراً مقبلاً, وأرى والله إن كان هذا الرجل ملكاً مبعوثاً فكنا أول العرب طعن في عينه ورد عليه أمره لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور قومه حَتَّى يصيبونا بجائحة, وإنا أدنى العرب منهم جواراً, وإن كان هذا الرجل نبياً مرسلاً فلاعناه فلا يبقى على وجه الأرض منا شعرة ولا ظفر إلا هلك, فقال له صاحباه: فما الرأي؟ فقد وضعتك الأمور على ذراع, فهات رأيك؟ فقال: رأيي أن أحكمه فإني أرى رجلاً لا يحكم شططاً أبداً . فقالا له: أنت وذاك.

فلقي شرحبيلُ رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فقال: إني قد رأيت خيراً من ملاعنتك, فقال: (وما هو ؟), قال شرحبيل: حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فمهما حكمت فينا فهو جائز.

فقال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: لعل وراءك أحداً يُثرِّبُ عليك, فقال له شرحبيل: سل صاحبي, فسألهما فقالا: ما يرد الوادي ولا يصدر إلا عن رأي شرحبيل. فقال رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (كافرٌ) أو قال: (جاحِدٌ موفَّقٌ).

فرجع رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- ولم يلاعنْهم, حَتَّى إذا كان من الغد أتوه, فكتب لهم في الكتابِ: "بسم الله الرحمن الرحيم, هذا ما كتب محمدٌ النَّبيُّ رَسُولُ اللهِ لنجران إذ كان عليهم حكمه في كل ثمرةٍ وكل صفراء, وبيضاء, وسوداء, ورقيق, فأفضل عليهم وترك ذلك كله على ألفي حلة في كل رجب ألف حلة, وفي كل صفر ألف حلة, وكل حُلةٍ أوقية ما زادت على الخراج أو نقصت على الأواقي فبحساب, وما قضوا من دروع أو خيل أو ركاب أو عرض أخذ منهم بحساب, وعلى نجران مثواة رسلي ومتعتهم بها عشرين فدونه, ولا يحبس رسول فوق شهر, وعليهم عارية ثلاثين درعاً, وثلاثين فرساً, وثلاثين بعيراً إذا كان كيد ومعرّة, وما هلك مما أعاروا رسولي من دروعٍ أو خيلٍ أو ركابٍ فهو ضمان على رسولي حَتَّى يؤديه إليهم ولنجران, وحاشيتها جِوَارُ الله وذمة محمد النَّبيّ على أنفسهم وملتهم وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبعيهم, وأنْ لا يُغيِّروا مما كانوا عليه, ولا يغَّير حق من حقوقهم ولا ملتهم, ولا يَغَّيروا أسقُفٌ عن أسقفيته ولا راهب من رهبانيته, ولا واقهاً عن وقيهاه(4) وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير, وليس عليهم دنيَّة ولا دم جاهلية, ولا يُحْشُرُوْنَ, ولا يُعْشرون, ولا يَطأُ أرضهم جيش, ومَنْ سَأَلَ منهم حَقَّاً فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين, ومن أكل رباً من ذي قبل فذمتي منه بريئة, ولا يؤخذ رجل منهم بظلم آخر, وعلى ما في هذه الصحيفة جوار الله وذمةُ محمد النَّبيّ رَسُول اللهِ حَتَّى يأتي الله بأمره, ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلمٍ(5)".

شهد أبو سفيان بن حرب, وغيلان بن عمرو, ومالك بن عوف, والأقرع بن حابس الحنظليُّ, والمغيرة بن شعبة, وكتب حَتَّى إذا قبضوا كتابَهُمْ انصرفوا إلى نجران فتلقاهم الأسقُفُ ووجوه نجران على مسيرة ليلة, ومع الأسقف أخ له من أمه وهو ابن عمه من النسب, يقال: له بشر بن معاوية وكنيته أبو علقمة فدفع الوفدُ كتابَ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-إلى الأسقُفِ, فبينا هو يقرؤه وأبو علقمة معه وهما يسيران إذ كبت ببشر ناقته فتعس بشر غير أنه لا يكني عن رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, فقال له الأسقف: عند ذلك قد تعست والله نبياً مرسلاً فقال: بشر لا جرم والله لا أحلُّ عنها عقداً حَتَّى آتيه, فضرب وجه ناقته نحو المدينة, وثنى الأسقف ناقته عليه فقال له: افهم عني إنما قلت هذا لتبلغ عني العرب مخافة أن يقولوا: إنا أخذنا حقَّهُ أو رضينا نصرته، أو بخعنا لهذا الرجل بما لم تبخع به العرب, ونحن أعزُّهُم وأجمعُهم داراً, فقال له بِشرٌ: لا والله لا أقبل ما خَرَجَ من رأسِك أبداً, فضرب بشرٌ ناقتَهُ وهو مولٍ ظهره للأسقفِ, وهو يقول:



إليك تَعْدُوُ قَلِقاً وَضِيَنُها(6) ***** مُعْترِضاً في بطنِها جَنْينُهَا


مُخالِفاً دينَ النَّصارى دينُهَا


حَتَّى أتى النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فأسلم, ولم يزلْ مع النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-حَتَّى استُشهد أبو علقمة بعد ذلك.

ودخل الوفدُ نجران فأتى الرَّاهب ليث بن أبي شمرٍ الزَّبيْديَّ وهو في رأس صومعةٍ له, فقال له: إن نبيَّاً قد بُعِثَ بتهامة, وإنه كتب إلى الأسقفِ فأجمع أهل الوادي أنْ يسيروا إليه شرحبيل بن وداعة, وعبد الله بن شرحبيل, وجبار بن فيض فيأتونهم بخبره, فساروا حَتَّى أتوه فدعاهم إلى المباهلة فكرهوا ملاعنتَهُ, وحكَّمه شرحبيلُ فَحَكَمَ عليهم حُكْماً, وكَتَبَ لهم كتاباً, ثم أقبل الوفدُ بالكتابِ حَتَّى دفعُوه إلى الأسقفِ, فبينا الأسقفُ يقرؤه وبشرٌ معه حَتَّى كبت ببشر ناقته فتعسَّهُ, فشهد الأسقفُ أنه نبيٌّ مرسلٌ, فانصرف أبو علقمة نحوه يريدُ الإسلامَ, فقال الرَّاهبُ: "أنزلوني وإلا رميتُ بنفسي من هذه الصَّومعةِ", فأنزلوه, فانطلق الرَّاهبُ بهديةٍ إلى رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, منها هذا البُرْدُ الذي يلبسه الخلفاءُ, والقَعْبُ والعصا, وأقام الراهبُ بعد ذلكَ يسمعُ كيف ينزلُ الوحيُ والسُّننُ والفرائضُ والحدودُ, وأبى اللهُ للراهبِ الإسلامَ فلم يُسلمْ, واستأذنَ رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-في الرَّجعةِ إلى قومِهِ, فأذن له، وقال-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (لك حاجتك يا راهبُ إذ أبيتَ الإسلامِ)، فقال له الراهب: إنَّ لي حاجةً ومعَاداً إن شاء الله, فقال له رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (إن حاجتك واجبةٌ يا راهبُ، فاطلبها إذا كان أحبَّ إليك)، فرجع إلى قومِهِ فلم يَعُد حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-.

وإنَّ الأسقُفُ أبا الحارث أتى رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ومعه السيد, والعاقب, ووجوه قومه, وأقامُوا عنده يستمعون ما ينزل اللهُ عليه, فكتب للأسقف هذا الكتابَ وللأساقفةِ بنجرانَ بعده: "بسم الله الرحمن الرحيم, من محمدٍٍ النَّبيِّ إلى الأسقفِ أبي الحارث وأساقفة نجران, وكهنتهم, ورهبانهم, وأهل بِيعِهم, ورقيقِهم, وملتهم وسوقتِهم, وعلى كل ما تحت أيديهم من قليلٍ وكثيرٍ جوار الله ورسوله لا يُغير أسقف من أسقفته, ولا راهب من رهبانيته, ولا كاهن من كهانته, ولا يغير حقٌّ من حقوقِهم, ولا سلطانهم, ولا مما كانوا عليه. على ذلك جوارُ اللهِ ورسولِهِ أبداً ما نَصَحُوا وأصلحُوا عليهم غير مثقلين بظالم ولا ظالمين". وكتب المغيرة بن شعبة.

فلمَّا قَبَضَ الأسقفُ الكتابَ, استأذن في الانصرافِ إلى قومِهِ ومن معه, فأذن لهم فانصرفوا(7).

عن ابن إسحاق, قال: وبعث رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-عليَّ بن أبي طالب إلى أهلِ نجرانَ ليجمعَ صدقاتهم ويقدم عليه بجزيتهم(8).



الفوائدُ والحِكَمُ والفِقْه مِنْ هذه القِصَّةِ :

1- جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلمين.

2- تمكين أهل الكتاب من صلاتهم بحضرة المسلمين, وفي مساجدهم أيضاً إذا كان ذلك عارضاً, ولا يمكنون من اعتياد ذلك.

3- إن إقرار الكاهن الكتابي لرَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بأنه نبيٌّ لا يُدخله في الإسلامِ ما لم يلتزمْ طاعتَهُ ومُتابعتَهُ, فإذا تمسَّكَ بدينِهِ بعدَ هذا الإقرارِ لا يكونُ ردةً منه.

4- جواز مجادلة أهل الكتاب ومناظرتهم, بل استحباب ذلك, بل وجوبه إذا ظهرت مصلحته من إسلام من يُرجى إسلامُهُ منهم, وإقامة الحجة عليهم.

5- أن من عظَّم مخلوقاً فوق منزلته التي يستحقها بحيث أخرجه عن منزلة العبودية المحضة, فقد أشرك بالله وعبد مع الله غيره, وذلك مخالفٌ لجميع دعوة الرسل.قال ابن القيم في"زاد المعاد" 3ص642:"... وأما قوله إنه-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-كتب إلى نجران باسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب فلا أظن ذلك محفوظاً وقد كتب إلى هرقل : "بسم الله الرحمن الرحيم وهذه كانت سنته في كتبه إلى الملوك كما سيأتي إن شاء الله –تعالى- وقد وقع في هذه الرواية هذا وقال ذلك قبل أن ينزل عليه {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ} (1) سورة النمل. وذلك غلط على غلط فإن هذه السورة مكية باتفاق وكتابه إلى نجران بعد مرجعه من تبوك.

6- جواز إهانة رسل الكفار وترك كلامهم, إذا ظهر منهم التعاظم والتكبر, فإن رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- لم يكلم الرسلَ, ولم يردَّ السَّلامَ عليهم حَتَّى لبسوا ثيابَ سفرِهم وألقوا حُللَهم وحُلاهم.

7- أن السنَّة في مجادلة أهل الباطل إذا قامت عليهم حجة الله, ولم يرجعوا بل أصروا على العناد أن يدعوهم إلى المباهلة, وقد أمر الله -سبحانه- بذلك رسولَه,ُ ولم يقل إن ذلك ليس لأمتك من بعدك, ودعا إليه ابنُ عمِّه عبدُ الله بن عباس لمن أنكر عليه بعضَ مسائلِ الفروعِ, ولم ينكر عليه الصحابةُ. ودعا إليه الأوزاعيُّ سفيانَ الثوريَّ في مسألةِ رفعِ اليدين ولم يُنكَرْ عليه ذلك, وهذا من تمام الحجَّةِ .

8- أنه يجوز معاوضتهم على ما صالحوا عليه من المال بغيره من أموالهم بحسابه.

9- اشتراط الإمام على الكفار أن يؤووا رسلَهُ ويُكرموهم ويُضيِّفُوهم أياماً معدودةً .

10- جواز اشتراطه عليهم عارية ما يحتاج المسلمون إليه من سلاح أو متاع أو حيوان, وأن تلك العارية مضمونةٌ, لكن هل هي مضمونة بالشرط أو بالشرع ؟ وهذا محتمل.

11- أن الإمام لا يقر أهلَ الكتاب على المعاملات الربوية؛ لأنها حرامٌ في دينهم, وهذا كما لا يقرُّهم على السُّكْرِ, ولا على اللِّواط والزِّنى, بل يحدهم على ذلك .

12- أنه لا يجوز أن يُؤخذَ رجلٌ من الكفارِ بظلمِ آخر, كما لا يجوزُ ذلك في حقِّ المسلمين, وكلاهما ظلم.

13- بعث الإمام الرجل إلى أهل الهدنة في مصلحة الإسلام, وأنه ينبغي أن يكون أميناً وهو الذي لا غَرَضَ له ولا هَوَى, وإنما مرادُه مجرد مرضاةِ اللهِ ورسولِهِ لا يشوبُها بغيرِها, فهذا هو الأمينُ حق الأمينِ, كحالِ أبي عُبيدةَ بن الجَرَّاح(9).


يتبــــــــــع.........

عزالدين
2007-12-13, 16:42
قدوم وفد مراد على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم فروة بن مُسيك المُراديّ وافداً على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-مفارقاً لملوك كنِدة ومتابعاً للنبي-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فنزل على سعد بن عبادة, وكان يتعلم القرآن, وفرائض الإسلام وشرائعه, وأجازه رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-باثنتي عشرة أوقية, وحمله على بعير نجيب, وأعطاه حُلّة من نسج عُمان, واستعمله على مُراد, وزُبيد, ومَذحج, وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقات, وكتب له كتاباً فيه فرائض الصدقة, ولم يزل علىالصدقة حَتَّى توفي رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-(1).


قدوم وفد زُبيد على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم عمر بن معد يكرب الزبيدي في عشرة نفر من زُبيد المدينة, فقال من سيد أهل هذه البحرة من بني عمرو بن عامر؟ فقيل له سعد بن عبادة, فأقبل يقود راحلته حَتَّى أناخ ببابه, فخرج إليه سعد فرحب به, وأمر برحله فحط, وأكرمه وحباه, ثم راح به إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فأسلم هو ومن معه, وأقام أياماً, ثم أجازه رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بجائزة وانصرف إلى بلاده, وأقام مع قومه على الإسلام, فلما توفي رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ارتد, ثم رجع إلى الإسلام, وأبلى يوم القادسيّة وغيرها(2).


قدوم وفد الصَّدِف على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم وفد الصَّدِف على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وهم بضعة عشر رجلاً على قلائص لهم في أزر وأردية, فصادفوا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فيما بين بيته وبين المنبر, فجلسوا ولم يسلموا, فقال: (مسلمون أنتم؟) قالوا: نعم, قال:(فهلا سلمتم), فقاموا قياماً, فقالوا: السلام عليك أيها الله, قال: (وعليكم السلام اجلسوا), فجلسوا وسألوا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- عن أوقات الصلاة فأخبرهم بها(3).


قدوم وفد خُشين على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم أبو ثعلبة الخشني على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وهو يتجهز إلى خيبر فأسلم, وخرج معه فشهد خيبر, ثم قدم بعد ذلك سبعة نفر من خُشين فنزلوا على أبي ثعلبة, فأسلموا وبايعوا, ورجعوا إلى قومهم(4).


قدم وفد جهينة على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

لما قدم النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-المدينة, وفد إليه عبد العزى بن بدر بن زيد بن معاوية الجهني من بني الرّبَعَة بن رَشْدان بن قيْس بن جُهينة, ومعه أخوه لأمه أبو رَوْعة, وهو ابن عم له, فقال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-لعبد العزى: أنت عبد الله, ولأبي رَوْعَة: أنت رُعْتَ العَدُوّ إنْ شاء الله, وقال: من أنتم؟ قالوا: بنو غيّان, قال: أنتم بنو رشدان, وكان اسم واديهم غوىً, فسمَّاه رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-رُشْداً, وقال لجبَلَيْ جُهينة الأشعر والأجرد: هُما من جِبِال الجَنّة لا تَطَؤهُما فِتْنَة, ٌوأعطى اللواء يوم الفتح عبد الله بن بدر, وخط لهم مسجدهم, وهو أول مسجد خُطّ بالمدينة.

وذكر ابن سعد بسنده عن رجل من جهينة من بني دهمان, عن أبيه- وقد صحب النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-قال: قال عمرو بن مرة الجهني: كان لنا صنم, وكنّا نعظّمه, وكنت سادنه, فلما سمعت بالنَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-كسرته وخرجت حَتَّى أقدم المدينة على النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فأسلمت وشهدت شهادة الحق, وآمنت بما جاء به من حلال وحرام, فذلك حين أقول:



شـهـدتُ بـأنّ اللهَ حـقّ وإنّنــي **** لآلهة الأحجـارِ أوّلُ تــاركِ

وشَمّرْتُ عن ساقي الإزَارَ مهـاجراً **** إليك أجوبُ الوَعْثَ بعد الدكادكِ
لأصحب خير الناس نفساً ووالــداً **** رسولَ مليك الناس فوق الحبائك

قال: ثم بعثه رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام فأجابوه إلا رجلاً واحداً رد عليه قوله, فدعا عليه عمرو بن مرة فسقط فوه فما كان يقدر على الكلام, وعمي واحتاج(5).


قدوم وفد كلب على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

ذكر ابن سعد بسند عن ربيعة بن إبراهيم الدمشقي, قال: وفد حارثة بن قطن بن زائر بن حصن بن كعب بن عُليم الكلبي وحَمَل بن سعدانة بن حارثة بن مغفل ابن كعب بن عليم إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فأسلما, فعقد لحمل بن سعدانة لواء, فشهد بذلك اللواء صفين مع معاوية, وكتب لحارثة بن قطن كتاباً فيه, هذا: "كتاب من محمد رَسُول اللهِ, لأهل دُومَةِ الجَنْدَلِ, وما يليها من طَوَائِف كلب مع حارثة بن قَطَنٍ, لنا الضّاحِيَةُ من البَعْلِ, ولكم الضّامِنَةُ من النّخْلِ, على الجارِيَة العُشْرُ وعلى الغائرَةِ نصف العُشْرِ, لا تُجْمَعُ سارِحَتُكمْ ولا تُعْدَلُ فَارِدَتُكُمْ, تُقيمونَ الصلاةَ لوقتها, وتُؤتُونَ الزكاة بحقها, لا يُحْظَرُ عليكُمُ النّباتُ ولا يُؤخَذُ مِنْكُم عُشْرُ البَتاتِ, لَكُمْ بِذَلِكَ العَهدُ والميِثَاقُ ولنا عليكم النصْحُ والوفاءُ وذمّةُ الله ورَسُولِهِ, شَهِدَ اللهُ ومَنْ حَضَر من المُسْلِميِنَ"(6).


قدوم وفد جرم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

ذكر ابن سعد بسنده عن سعد بن مُرّة الجرمي عن أبيه قال: وفد على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-رجلان منّا يقال لأحدهما: الأصقع بن شريح بن صريم بن عمرو بن رياح بن عوف بن عَميرة بن الهُون بن أعجب بن قُدامة بن جَرْم بن ريان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة, والآخر هَوْذَة بن عمرو بن زيد بن عمرو بن رياح فأسلما, وكتب لهما رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-كتاباً قال: فأنشدني بعض الجرميين شعراً, قاله عامر بن عصمة بن شريح يعني الأصقع:



وكـان أبـو شُرَيحِ الخير عَمّي **** فتــــى الفتيان حمّالَ الغرامه

عميد الحيّ من جَـرْم إذا مــا **** ذوو الآكــال سامـونا ظُـلامه
وسابـق قومـه لمّـا دعاهُـم *** * إلـى الإسلام أحمد مـن تهامه
فلبّـاه وكـان لـه ظهيــراً **** فرفــّله علـى حيّــيْ قدامـه

وذكر ابن سعد بسنده أيضاً عن عمرو بن سلمة بن قيس الجرمي, أن أباه ونفراً من قومه وفدوا إلى النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-حين أسلم الناس وتعلموا القرآن وقضوا حوائجهم, فقالوا له: من يصلي بنا أو لنا؟ فقال: (لِيُصَلّ بِكُمْ أكثَرُكُمْ جمعاً أو أخذاً للقرآن), قال: فجاؤوا إلى قومهم فسألوا فيهم فلم يجدوا فيهم أحداً أكثر أخذاً أو جمع من القرآن أكثر مما جمعت أو أخذت, قال: وأنا يومئذٍ غلام عليَّ شملة فقدموني, فصليت بهم فما شهدت مجمعاً من جرم إلا وأنا إمامهم إلى يومي هذا, قال يزيد: قال مسعر: وكان يصلي على جنائزهم ويؤمهم في مسجدهم حَتَّى مضى لسبيله, قال: أخبرنا عارف بن الفضل, أخبرنا حماد بن زيد, عن أيوب قال: حدثني عمرو بن سلمة أبو زيد الجرمي, قال: كنا بحضرة ماء ممر الناس عليه, وكنا نسألهم ما هذا الأمر, فيقولون: رجل زعم أنه نبي وأن الله أرسله, وأن الله أوحى إليه كذا وكذا, فجعلت لا أسمع شيئاً من ذلك إلا حفظته كأنما يغرى في صدري بغراء حَتَّى جمعت فيه قرآناً كثيراً, قال: وكانت العرب تلوم بإسلامها الفتح, يقولون: أنظروا فإن ظهر عليهم فهو صادق وهو نبي, فلما جاءتنا وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم, فانطلق أبي بإسلام حوائنا ذلك, وأقام مع رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ما شاء الله أن يقيم, قال: ثم أقبل, فلما دنا منّا تلقيناه, فلما رأيناه قال: جئتكم والله من ثم رَسُول اللهِ حقاً, ثم قال: إنه يأمركم بكذا وكذا, وينهاكم عن كذا وكذا, وأن تصلوا صلاة كذا في حين كذا, وصلاة كذا في حين كذا, وإذا حضرت الصلاة فليؤذّنْ أحدكم, وليؤمّكم أكثركم قرآنا, قال فنظر أهل حوائنا فما وجدوا أحداً أكثر قرآناً مني للذي كنتُ أحفظه من الرّكبان, قال: فقدموني بين أيديهم, فكنت أصلي بهم وأنا بن ست سنين, قال: وكان علي بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني, فقالت امرأة من الحي ألا تغطون عنّا است قارئكم؟ قال: فكسوني قميصاً من معقّد البحرين, قال: فما فرحت بشيء أشد من فرحي بذلك القميص, قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس, أخبرنا أبو شهاب عن خالد الحذاء, عن أبي قلابة, عن عمرو بن سلمة الجرمي, قال: كنت أتلقى الركبان فيقرئوني الآية, فكنت أؤمّ على عهد رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-قال أخبرنا هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي, أخبرنا شعبة عن أيوب, قال: سمعت عمرو بن سلمة قال: ذهب أبي بإسلام قومه إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فكان فيما قال لهم: يؤمكم أكثركم قرآناً, قال: فكنت أصغرهم, فكنت أؤمهم, فقالت امرأة: غطّوا عنّا است قارئكم, فقطعوا لي قميصاً فما فرحت بشيء ما فرحت بذلك القميص. قال أخبرنا يزيد بن هارون عن عاصم عن عمرو بن سلمة, قال: لما رجع قومي من ثم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-قالوا: إنه قال ليؤمكم أكثركم قراءة للقرآن, قال: فدعوني فعلموني الركوع والسجود, قال: فكنت أصلي بهم وعلي بردة مفتوقة, فكانوا يقولون لأبي ألا تغطّي عنّا است ابنك(7)؟.


قدوم وفد سعد العشيرة على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

روى ابن سعد, عن عبد الرَّحمن بن أبي سبرة الجعفي, قال: لما سمعوا بخروج النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وثب ذباب, رجل من بني أنس الله ابن سعد العشيرة, إلى صنم كان لسعد العشيرة, يقال له فَرّاض فحطّمه, ثم وفد إلى النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فأسلم وقال:



تَبِعْتُ رَسُـول اللهِ إذ جاء بالهدى ***** وخَلّـفْتُ فَـرّاضـاً بدارِ هوانِ

شــدَدْتُ عليـه شــدّة فتـركتـُه ****** كـأن لم يكن والدهـر ذو حـدثـان

فلمّــا رأيـتُ اللهَ أظهــرَ دينــه ***** أجبـتُ رَسُـول اللهِ حيـنَ دعـانـي
فأصبَحتُ للإسلام ما عشتُ ناصـراً ***** وألقيتُ فيـها كلــكلي وجـرانـي

فَمَنْ مُبْلـغٌ سعــدَ العشيــرَةِ أنّني **** شَرَيتُ الذي يبقى بآخَــرَ فـانِ؟(8)


قدوم وفد الداريين على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

أخرج ابن سعد عن عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي, عن أبيه قالا: قدم وفد الداريين على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-منصرفَه من تبوك, وهم عشرة نفر, فيهم تميم ونُعيم ابنا أوس بن خارجة بن يخلو بن جذيمة بن درّاع بن عديّ بن الدار بن هانئ بن حبيب بن نُمارة بن لخم, ويزيد بن قيس بن خارجة, والفاكه بن النعمان بن جبلة بن صَفّارة, قال الواقديّ: صفّارة, وقال هشام: صفّار بن ربيعة بن درّاع بن عدي بن الدار, وجبلة بن مالك بن صفّارة, وأبو هند والطيّب ابنا ذرّ, وهو عبد الله بن رزين بن عِمّيت بن ربيعة بن درّاع وهانئ بن حبيب, وعزيز, ومرة ابنا مالك بن سواد ابن جذيمة, فأسلموا, وسمّى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-الطيّبَ عبد الله وسمّى عزيزاً عبد الرَّحمن, وأهدى هانئ بن حبيب لرَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-راوية خمر وأفراساً وقباء مخوَّصاً بالذهب, فقبل الأفراس والقباء وأعطاه العبّاس بن عبد المطّلب, فقال: ما أصنع به؟ قال: انْتزِعَ الذّهَبَ فَتُحَليّهِ نِسَاءَكَ أوْ تَسْتَنْفِقُهُ, ثمّ تبيعُ الدّيباجَ فتأخُذُ ثَمَنَهُ, فباعه العباس من رجل من يهود بثمانية آلاف درهم, وقال: تميم لنا جيرة من الروم لهم قريتان يقال: لإحداهما حِبْرَى, والأخرى بيت عينون, فإن فتح الله عليك الشام فهبهما لي, قال: فهما لك, فلما قام أبو بكر أعطاه ذلك, وكتب له كتاباً, وأقام وفد الداريين حَتَّى توفي رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وأوصى لهم بحاد مائة وسق(9).


يتبـــــــــــع...........

عزالدين
2007-12-13, 17:08
قدوم وفد غَسَّان على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-


وقدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفدُ غَسَّان في شهر رمضان سنة عشر, وهم ثلاثةُ نفر, فأسلموا, وقالوا: لا ندري أيتبعنا قومنا أم لا؟ وهم يحبون بقاء ملكهم, وقرب قيصر, فأجازهم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بجوائزَ, وانصرفوا راجعين, فقدموا على قومهم, فلم يَستجيبوا لهم, وكتموا إسلامَهم حَتَّى مات منهم رجلان على الإسلام, وأدرك الثالث منهم عمرَ بن الخطاب-رَضيَ اللهُ عَنْهُ-عام اليرموك, فلقي أبا عبيدة فأخبره بإسلامه فكان يكرمُه(1).


قدوم وفد سَلامَان على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم عل رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفد سَلامَان, سبعة نفر, فيهم حبيب بن عمرو فأسلموا. قال حبيب: فقلت: أي رَسُول اللهِ! ما أفضل الأعمالِ؟ قال: (الصَّلاةُ في وقْتِهَا), ثم ذكر حديثاً طويلاً, وصلُّوا معه يومئذٍ الظهر والعصر, قال: فكانت صلاةُ العصر أخفَّ من القيام في الظهر, ثم شَكَوْا إليه جَدْبَ بلادهم, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بيده: (اللَّهُم اسْقِهِمُ الغَيْثَ في دَارِهم), فقلتُ: يا رَسُول اللهِ! ارفع يديك فإنّه أكثرُ وأطيبُ, فتبسم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ورفع يديه حَتَّى رأيت بياض إبطيه, ثم قام وقُمنا عنه, فأقمنا ثلاثاً وضيافته تجري علينا, ثم ودعناه وأمر لنا بجوائز فأعطينا خمسَ أواقٍ لكل رجل منا, واعتذر إلينا بلال, وقال: ليس عندنا اليوم مال, فقلنا: ما أكثرَ هذا وأطيَبه, ثم رحلنا إلى بلادنا, فوجدناها قد مُطِرَت في اليومِ الَّذي دعا فيه رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-في تلك الساعة.

قال الواقدي: وكان مقدمُهم في شوال سنة عشر(2)


قدوم وفد بني عَبْس على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم على رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وفدُ بني عبس, فقالوا: يا رَسُول اللهِ! قدمَ علينا قراؤنا, فأخبرُونا أنه لا إسلام لمن لا هجرةَ له, ولنا أموال ومواش, وهي معايُشنا, فإن كان لا إسلامَ لمن لا هجرةَ له, فلا خيرَ في أموالنا, بعناها وهاجرنا من آخرنا. فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(اتقوا الله حيث كنتم, فلن يَلِتَكُم الله من أعمالِكُم شيئاً). وسألهم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-عن خالد بن سِنان: هل له عقب؟ فأخبروه أنه لا عقبَ له, كانت له ابنة فانقرضتْ, وأنشأ رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يحدث أصحابه عن خالد بن سنان فقال:(نبَّي ضيَّعه قومُ(3))(4).


قدوم وفد غامد على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قال الواقدي: وقَدِمَ على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفدُ غامد سنة عشر, وهم عشرة, فنزلوا ببقيع الغَرْقَدِ وهو يومئذٍ أثْل وطرفاء, ثم انطلقُوا إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وخلَّفوا عند رحلهم أحدثَهم سِنّاً, فنام عنه, وأتى سارِقٌ فسرق عيبةً لأحدهم فيها أثوابٌ له, وانتهى القومُ إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فسلَّموا عليه, وأقرُّوا له بالإسلام, وكتب لهم كتاباً فيه شرائعُ من شرائع الإسلام, وقال لهم:(من خَلَّفْتُم في رِحَالِكم ؟), فقالوا: أحدثَنا يا رَسُول اللهِ, قال: (فإنَّه قَدْ نَامَ عَنْ مَتَاعِكُم حَتَّى أتى آتٍ فأَخَذَ عَيْبَةَ أحَدِكُم) فقال أحد القوم: يا رَسُول اللهِ! ما لأحدُ من القوم عيبةٌ غيري, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(فقد أُخِذَتْ ورُدَّتْ إلى مَوْضِعِها), فخرج القوم سراعاً حَتَّى أتوا رحلهم, فوجدوا صاحِبَهم, فسألوه عما أخبرَهُم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-قال: فزعْتُ مِن نومي, ففقدتُ العَيبة, فقمتُ في طلبها, فإذا رجل قد كان قاعداً, فلما رآني, فثار يعدو مني, فانتهيتُ إلى حيث انتهى, فإذا أثر حفر, وإذا هو قد غيب العيبة, فاستخرجتها, فقالوا: نشهد أنه رَسُول اللهِ, فإنه قد أخبرنا بأخذها, وأنها قد رُدَّت, فرجعوا إلى النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فأخبروه, وجاء الغلامُ الذي خلَّفوه فأسلم, وأمر النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-أبيَّ بنَ كعب, فعلمهم قرآناً, وأجازهم كما كان يجيز الوفود وانصرفوا(5) .

قدوم وفد الأزد على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

ذكر أبو نعيم في كتاب "معرفة الصحابة ", والحافظ أبو مُوسى المديني, من حديث أحمد بن أبي الحواري, قال: سمعت أبا سليمان الداراني, قال: حدثني علقمة بن يزيد بن سويد الأزدي قال: حدثني أبي عن جدي سويد بن الحارث, قال: وفدت سابعَ سبعةٍ مِن قومي على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, فلما دخلنا عليه, وكلمناه, أعجبَه ما رأى مِن سمتنا وزِيِّنا, فقال: (ما أَنْتُم ؟) قلنا: مؤمنون, فتبسم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وقال: (إنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقةً, فمَا حَقِيقةُ قَوْلِكُم وإيمَانِكم ؟) قلنا: خمسَ عشرة خصلة, خمسٌ منها أمرتنا بها رُسُلُك أن نُؤمِنَ بها, وخمسٌ أمرتنا أن نعمل بها, وخمسٌ تخلقنا بها في الجاهلية, فنحن عليها الآن, إلا أن تكره منها شيئاً, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (ومَا الخَمْسُ الَّتي أمَرتكُم بها رسلي أن تؤمنوا بها)؟ قلنا: أمرتنا أن نُؤمِنَ بالله, وملائكته, وكتبه, ورسله, والبعث بعد الموت. قال: (وما الخمس التي أمرتكم أن تعملوا بها؟) قلنا: أمرتنا أن نقول لا إله إلا الله, ونقيم الصلاة, ونؤتي الزكاة, ونصوم رمضان, ونحج البيت الحرام من استطاع إليه سبيلا, فقال: (ومَا الخَمْسُ الَّتي تَخَلَّقْتُم بها في الجَاهِليَّة؟) قالوا: الشكرُ عند الرخاءِ, والصبرُ عند البلاء, والرضى بمُرَّ القضاء, والصدق في مواطن اللقاء, وترك الشماتة بالأعداء. فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (حُكَمَاءُ عُلَمَاء كَادُوا مِنْ فِقْهِهِمْ أنْ يَكُونُوا أَنْبيَاء),ثم قال: (وأَنَا أَزِيدُكُم خَمْساً فَتَتِمُّ لَكُم عِشْرُونَ خَصْلَةً إنْ كُنْتُم كما تَقُولُون, فَلا تَجْمَعُوا ما لَا تأْكُلُونَ, ولا تَبْنُوا ما لا تَسْكُنون, ولا تُنافِسُوا في شيءٍ أنتم عَنْه غَداً تَزُولُون, واتَّقُوا الله الذي إليه تُرجعُونَ, وعليه تعرضون, وارْغَبُوا فِيما عَلَيْهِ تَقْدمُونَ, وفيه تَخْلُدون(6)), فانصرف القوم مِن عند رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وحفظوا وصيته, وعملوا بها(7).


قدوم وفد بني المنتفق على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

وفد على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-لقيط بن عامر المنتفق أبو رزين العقيلى، روى عبد الله بن الأمام أحمد بسنده عن عاصم بن لقيط أن لقيطاً خرج وافداً إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ومعه صاحب له يقال له نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق.

قال لقيط: فخرجت أنا وصاحبي حَتَّى قدمنا على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فوافيناه حين انصرف من صلاة الغداة, فقامَ في الناس خطيباً فقال: (أيها الناس ألا إني قد خَبَأَتُ لكُم صوتي مُنذُ أرْبَعةً أيَّام, ألا لِتسْمَعوا اليومَ, ألَا فَهَلْ من امْرئٍ بَعَثهُ قَومْهُ؟) فقالوا له: اعلم لنا ما يقول رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(ألا ثم رجل لعله يلهيه حديث نفسه, أو حديث صاحبه, أو يلهيه ضال, ألا إني مَسْؤُلٌ هل بَلَّغْتُ ألا اسمعوا تعيشوا ألا اجلسُوا), فجلس الناس, وقمت أنا وصاحبي حَتَّى إذا فرغ لنا فؤاده ونظره, قلت: يا رَسُول اللهِ ما عندك من علم الغيب؟ فضحك لعمر الله. علم أني أبتغي السقطة, فقال: (ضنَّ رَبُّكَ بِمَفَاتِيح خَمْسٍ مِنَ الغَيْبِ لا يَعْلَمُها إلَّا الله) وأشار بيده, فقلت: ما هن يا رَسُول اللهِ ؟ قال: (عِلْمُ المَنِيَّة, قَدْ عَلِمَ متىَ مَنيَّةُ أحَدِكُم ولا تَعْلَمُونَه, وعِلْمُ المَنِيِّ حِينَ يكُونُ في الرَّحِم قد عَلِمَهُ ومَا تَعْلَمُونَهُ, وعِلْمُ ما في غَدٍ قد عَلِمَ ما أَنْتَ طَاعِمٌ ولا تَعْلَمُه, وعِلْمُ يَوْمِ الغَيْثِ يُشرف عَليْكُم أَزِلين مُشْفِقين فَيَظَلُّ يَضْحَكُ قد عَلِمَ أنَّ غَوْثَكُم إلى قَرِيبٍ) قال لقيط: فقلت لن نَعْدَمَ مِن ربٍّ يَضْحَكُ خيراً يا رَسُول اللهِ.

قال: (وعِلْمُ يَوْمَ السَّاعَةِ), قلنا: يا رَسُول اللهِ! علمنا مما تُعلِّم الناسَ وتعلم, فإنا مِن قبيل لا يُصدِّقون تصديقنا أحداً من مِذحج التي تربو علينا, وخثعم التي تُوالينا وعشيرتنا التي نحن منها قال: (تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُم, ثمَّ يُتَوفَّى نَبِيُّكُم, ثم تَلْبَثُونَ ما لَبثْتُمْ, ثُمَّ تُبعثُ الصَّائِحةُ فَلَعَمْرُ إلهِك ما تَدَعُ عَلى ظَهْرِها شَيْئاً إلا مَاتَ, والملائِكةُ الذين مع ربِّك, فأصبح ربك-عز وجل-يطوف في الأرض, وخَلَتْ عليه البلاد, فأرسل ربُّكَ السَّماءَ تهضب من عند العرش, فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مَصْرَع قتيلٍ, ولا مَدفن مَيِّتٍ إلا شَقَّت القبر عنه حَتَّى تخلفه من عند رأسه فيستوي جالساً, فيقول ربك: مَهْيَم لما كان فيه يقول: يا ربِّ أَمْسِ اليوم, لعهده بالحياة, يحسبه حديثاً بأهله), فقلت يا رَسُول اللهِ, فكيف يجمعنا بعد ما تمزقنا الرياح, والبلى والسباع؟ قال: (أَنْبئُك بمثل ذلك في آلاء الله: الأرض أشرفت عليها وهي في مَدَرة باليةِ) فقلت: لا تحيا أبداً. ثم أرْسَل الله عليها السماء, فلم تَلْبث عليك إلا أياماً حَتَّى أشرفت عليها وهي شربة واحدة, ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض فتخرجون من الأصْواءِ ومن مصارعِكُم فتنظرون إليه وينظر إليكم).

قال قلت: يا رَسُول اللهِ! كيف ونحن ملء الأرض وهو شخص واحد ينظر إلينا وننظر إليه؟ قال: (أَنْبئُك بمثل هذا في آلاء الله: الشَّمسُ والقمرُ آيةٌ منه صَغيرَةٌ ترونهما ويَرَيَانِكُمْ سَاعةً واحدةً ولا تُضارُّون في رُؤْيَتهما, ولعمر إلهكَ لهوَ أقدر على أن يراكم وترونه من أن تروا نورهما ويَرَيانكم لا تضارون في رؤيتهما), قلتُ: يا رَسُول اللهِ! فما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه ؟ قال: (تُعرَضون عليه باديةً له صَفَحاتُكم لا يخْفى عليه منكم خَافيةٌ, فيأْخُذُ ربك-عز وجل- بيده غرفةً من ماء, فيَنْضحُ بها قبلَكُم, فَلَعمْرُ إلهكَ ما يُخْطئ وَجْه أَحَد منكم منها قطرة, فأما المسلم فتدع وجهه مثل الرَّيْطَةِ البيضاء, وأما الكافر فَتَنْضَحُه, أو قال فتخطَمُه بمثل الحُمَم الأسْود ألا ثم يَنْصرفُ نبيُّكم ويفترق على أثره الصالحون, فيسلكون جسراً من النار يطأُ أحدُكُم الجمرة يقول: حِسَّ, يقول ربُّك-عز وجل-أو أنه؛ ألا فَتَطلعون على حَوضْ نَبِّيكُم على أَظْمَأِ-والله-نَاهِلَة عليها قَطُّ رَأَيتُها, فَلَعَمْرُ إلهك ما يَبْسُط أحد منكم يده إلا وقع عليها قدح يطهره من الطوف, والبول, والأذى, وتخنس الشمس والقمر فلا ترون منهما واحدا). قال قلت: يا رَسُول اللهِ فبم نبصر؟ قال: (بمثل بصرك ساعتك هذه, وذلك قبل طلوع الشمس في يوم أشرقت الأرض وواجهت به الجبال), قال قلت: يا رَسُول اللهِ! فبمَ نُجزَى من سيئاتنا وحسناتنا؟ قال-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (الحسنةُ بعشر أَمْثَالِها, والسَّيِّئةُ بِمِثْلِها إلَّا أَنْ يَعْفُو), قال قلت: يا رَسُول اللهِ! ما الجنةُ وما النارُ؟ قال: (لعَمرُ إلهكَ إنَّ النار لها سبعة أبوابٍ, ما منها بَابَانِ إلَّا يَسيرُ الرَّاكب بينهما سبعين عاماً, وإن الجنة لها ثمانيةُ أبوابٍ ما منها بَابَان إلَّا يَسيرُ الرَّاكب بينهما سبعين عاماً).

قلت: يا رَسُول اللهِ! فعلام نطلع من الجنة؟ قال: (على أنهار من عسل مصفَّى, وأنهار من خمرٍ ما بِها صداعٌ ولا ندامةٌ, وأنهارٍ من لبنٍ ما يَتَغيّرُ طعمهُ, وماءٍ غَيرِ آسِنِ, وفاكهةٍ, ولعمر إلهك ما تَعْلَمُونَ وخيرٌ مِن مِثِلهِ مَعَهُ وأزواجٌ مطهرةٌ). قلت: يا رَسُول اللهِ! أولنا فيها أزواج أو منهن مصلحات؟ قال:( المصلحات للصالحين).

وفي لفظ: (الصالحات للصالحين تلذُّونهنَّ ويَلَذُّونكُم مثل لذَّاتكم في الدُّنيا غَير أن لا تَوَالُد) قال لقيط: فقلت: يا رَسُول اللهِ! أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه؟ فلم يُجبه النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-قال: قلت: يا رَسُول اللهِ علام أبايعُك؟ فبسط النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- يده, وقال: (عَلى إقام الصَّلاةِ, وإيتاءِ الزكاة, وزِيالِ المُشرك, وأن لا تشرك بالله إلهاً غيره) قال: قلت: يا رَسُول اللهِ! وإن لنا ما بين المشرق والمغرب, فقبض رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يده وظن أني مشترط ما لا يُعطينيه, قال: قلت: (نحلُّ منها حيث شئنا, ولا يجني امرؤٌ إلا على نفسه, فبسط يده).

وقال: (لك ذلك تحلُّ حَيْثُ شِئْتَ, ولا يجني عليك إلا نفسُك), قال: فانصرفنا عنه, ثم قال: (ها إنَّ ذَيْن, ها إنَّ ذَيْن-ٍمرتين-لعمرُ إلهك من أتقى الناسِ في الأُولى والآخِرَة), فقال له كعب بن الخدرية-أحد بني بكر بن كلاب-: من هم يا رَسُول اللهِ ؟ قال : (بنو المنتفق بنو المنتفق بنو المنتفق أهل ذلك منهم), قال: فانصرفنا وأقبلت عليه, فقلت: يا رَسُول اللهِ! هل لأحد ممن مضى من خيرٍ في جاهليتهم؟ فقال: (رجلٌ مِن عُرْضِ قريش: والله! إنَّ أباك المنتفِق لفي النار), قال فكأنه وقع حرٌ بينَ جِلد وجهي ولحمه مما قال لأبي على رؤوس الناس, فهممتُ أن أقول: وأبوك يا رَسُول اللهِ؟ ثم إذا الأخرى أجمل, فقلتُ: يا رَسُول اللهِ! وأهلك ؟ قال: (وأهلي لعمر الله حَيْثُ ما أتَيْتَ على قَبْرِ عامِريِّ أو قُرَشي من مشرك قُلْ: أرسلني إليك مُحمَّدٌ, فأبَشِّرُكَ بما يَسُوؤكَ, تُجَرُّ على وجْهِكَ وبَطْنِكَ في النَّارِ).

قال: قلت: يا رَسُول اللهِ! وما فعل بهم ذلك وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه, وكانوا يحسبون أنهم مصلحون؟ قال-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (ذلِك بأنَّ اللهَ بَعَثَ في آخِرِ كُلَّ سبَعِ أُمَمٍ نَبِيّاً, فمن عصى نبيَّهُ كانَ من الضَّالَّينَ, ومن أطاع نبيَّهُ كان من المُهْتَدِين)(8).

وقال ابن القيم في نهاية سرد هذا الحديث ما نصه: "هذا حديث كبير جليل, تنادي جلالتُه وفخامتُه وعظمته على أنه قد خرج من مِشكاة النُّبوة, لا يُعرف إلا من حديث عبد الرَّحمن بن المغيرة بن عبد الرَّحمن المدني, رواه عنه إبراهيم بن حمزة الزبيري, وهما من كبار علماء المدينة, ثقتان محتج بهما في الصحيح, احتج بهما إمامُ أهل الحديث محمد بن إسماعيل البخاري, ورواه أئمةُ أهل السنة في كتبهم, وتلقَّوْه بالقبول, وقابلوه بالتسليم والانقياد, ولم يطعن أحد منهم فيه ولا في أحدٌ من رواته".

ملاحظة: ذكر الإمام ابن القيم الجوزية رواة لهذا الحديث للمزيد يرجى مراجعة زاد المعاد المجلد الثالث، صفحة 677-688.

وقال ابن منده روى هذا الحديث محمد بن إسحاق الصنعاني, وعبد الله بن أحمد بن حنبل وغيرهما وقد رواه بالعراق بمجمع العلماء وأهل الدين جماعة من الأئمة, منهم أبو زرعة الرازي, وأبو حاتم, وأبو عبد الله محمد بن إسماعيل ولم ينكره أحد, ولم يتكلم في إسناده بل رووه على سبيل القبول والتسليم, ولا ينكر هذا الحديث إلا جاحد أو جاهل أو مخالف للكتاب والسنة هذا كلام أبي عبد الله بن منده(9).


يتبــــــــع.........

عزالدين
2007-12-13, 17:15
قدوم وفد ثقيف على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-


قدم علي النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفدُ ثقيفٍ. قال مُوسى بن عقبة: وأقام أبو بكر للناس حَجَّهم, وقدم عروة بن مسعود الثقفيُّ على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, فاستأذنَ رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ليرجعَ إلى قومِهِ.

قدم وفدُهم وفيهم كِنانة بن عبد ياليل, وهو رأسُهم يومئذٍ, وفيهم عثمان بن أبي العاص وهو أصغر الوفد, فقال المغيرة بن شعبة: يا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-أنزل قومي علي فأكرمهم فإني حديث الجرح فيهم, فقال رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (لا أَمْنَعُكَ أنْ تُكرِمَ قَوْمَكَ, ولكِنْ أَنْزِلْهُمْ حَيْثُ يَسْمَعُونَ القُرْآن) وكان من جُرْحِ المغيرةِ في قومِهِ أنَّهُ كان أجيراً لثقيف, وأنهم أقبلُوا من مُضَر حَتَّى إذا كانوا ببعضِ الطَّريقِ عدا عليهم-وهم نيامٌ- فقتلهم, ثم أقبل بأموالِهم حَتَّى أتى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(أمَّا الإسْلاَمُ فَنَقْبَلُ, وأمَّا المَالُ فَلا, فإنَّا لا نَغْدِرُ) وأبى أنْ يُخمِّسَ ما معه, وأنزل رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وفدَ ثقيف في المسجدِ, وبنى لهم خِياماً لكي يسمعُوا القُرآنَ, ويَرَوا النَّاسَ إذا صَلُّوا, وكانَ رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-إذا خَطَبَ لا يذكرُ نفسَهُ, فلمَّا سمعَهُ وفدُ ثقيف قالُوا: يأمرنا أنْ نشهدَ أنه رَسُول اللهِ, ولا يشهد به في خطبتِهِ! فلمَّا بلغَهُ قولُهم, قال: (فإني أول مَن شهد أني رَسُول اللهِ).

وكانوا يغدُون إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-كلَّ يومٍ, ويُخلِّفُون عثمانَ بنَ أبي العاص على رحالِهم؛ لأنه أصغرُهم, فكان عثمانُ كلما رجع الوفدُ إليه, وقالوا بالهاجرة, عمد إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فسألَهُ عن الدِّينِ, واستقرأه القُرآنَ, فاختلفَ إليه عثمان مراراً حَتَّى فقه في الدِّينِ وعلم, وكان إذا وجدَ رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-نائماً, عمد إلى أبي بكر, وكان يكتمُ ذلك من أصحابِهِ, فأعجب ذلك رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وأحبه, فمكث الوفدُ يختلفون إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وهو يدعُوهم إلى الإسلامِ, فأسلمُوا, فقال كنانةُ بن عبد ياليل:"هل أنتَ مُقاضينا حَتَّى نرجعَ إلى قومِنا؟ قال: (نعم, إنْ أنتم أقررتُم بالإسلام أُقاضيكم, وإلا فلا قضيةَ, ولا صُلْحَ بيني وبينكم).

قال: أفرأيتَ الزِّنَى, فإنَّا قومٌ نغتربُ ولابُدَّ لنا منه؟, قال: (هُوَ عَلَيْكُم حَرَامٌ فإنَّ الله-عز وجل- يقول: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً}(32) سورة الإسراء. قالوا: أفرأيتَ الرِّبا, فإنه أموالُنا كلها؟, قال: (لَكُمْ رُؤوسُ أَمْوَالِكُم إن الله–تعالى-يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (278) سورة البقرة. قالوا: أفرأيتَ الخمرَ, فإنه عصيرُ أرضِنا لابُدَّ لنا منها ؟, قالَ: (إنَّ الله قَدْ حَرَّمَهَا, وقرأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (90) سورة المائدة. فارتفع القومُ, فخلا بعضُهم ببعضٍ, فقالُوا: ويحكم إنا نخاف إنْ خالفناهُ يوماً كيوم مكة, انطلقوا نكاتبه على ما سألناه, فأتوا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فقالوا: نعم لك ما سألت. أرأيت الربة, ماذا نصنع فيها؟ قال: (اهدِمُوها).

قالوا: هيهات, لو تعلم الربة أنك تريد هدمها لقتلت أهلها, فقال عمر بن الخطاب: ويحكَ يا ابن عبد ياليل, ما أجهلك إنما الربة حَجَرٌ. فقالوا: إنا لم نأتكَ يا ابن الخطاب, وقالوا لرَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: تولَّ أنتَ هدمها, فأما نحن فإنا لا نهدمها أبداً!.

قال: (فسَأَبْعَثُ إلَيْكُم مَنْ يَكْفِيكُم هَدْمَها) فكاتبوه, فقال كنانة بن عبد ياليل: ائذن لنا قبل رسولك, ثم ابعث في آثارِنا فإنا أعلمُ بقومنا, فأذن لهم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وأكرمَهم, وحبَاهُم, وقالُوا: يا رَسُول اللهِ, أمِّر علينا رجلاً يؤمنا مِن قومِنا, فأمَّر عليهم عُثمانَ بن أبي العاص, لِمَا رأى من حرصِهِ على الإسلام, وكان قد تعلَّم سُوراً من القرآن قبل أن يخرجَ. فقال كنانة بن عبد ياليل: أنا أعلمُ النَّاسِ بثقيف, فاكتموهم القضية, وخَوِّفُوهم بالحربِ والقتالِ, وأخبروهم أنَّ محمداً سألنا أموراً أبيناها عليه, سألنا أنْ نهدمَ اللات والعزى, وأنْ نُحرِّمَ الخمرَ, والزِّنى, وأنْ نُبطلَ أموالَنا في الرِّبا.

فخرجت ثقيف حين دنا منهم الوفد يتلقونهم, فلمَّا رأوهم قد ساروا العَنَقَ, وقطروا الإبل وتغشوا ثيابهم كهيئةِ القوم, قد حزنُوا وكربوا ولم يرجعوا بخيرٍ, فقال بعضُهم لبعضٍ: ما جاء وفدُكم بخيرٍ ولا رجعوا به, وترجَّلَ الوفدُ وقصدوا اللاتَ, ونزلوا عندها- واللات وثن كان بين ظهراني الطائف يُستر ويُهدى له الهدي كما يُهدى لبيتِ اللهِ الحرامِ-, فقال ناسٌ من ثقيف حين نزل الوفد إليها: إنهم لا عهدَ لهم برؤيتِها, ثم رجع كلُّ رجلٍ منهم إلى أهلِهِ, وجاء كلاً منهم خاصتُهُ من ثقيف, فسألُوهم ماذا جئتم به؟ وماذا رجعتم به؟ قالوا: أتينا رجلاً فظاً غليظاً يأخذ من أمره ما يشاء, قد ظهر بالسيف وداخ له العرب ودان له الناس, فعرض علينا أموراً شداداً: هدم اللات والعزى, وترك الأموال في الربا إلا رءوس أموالكم, وحرم الخمر, والزنى, فقالت ثقيف: والله لا نقبل هذا أبداً.

فقال الوفد: أصلحوا السلاح, وتهيئوا للقتال, وتعبئوا له ورموا حصنكم. فمكثت ثقيف بذلك يومين أو ثلاثة يريدون القتال, ثم ألقى الله-عز وجل-في قلوبهم الرعب, وقالوا: والله ما لنا به طاقة وقد داخ له العرب كلها, فارجعوا إليه فأعطوه ما سأل وصالحوه عليه.

فلما رأى الوفد أنهم قد رغبوا واختاروا الأمان على الخوف والحرب قال الوفد: فإنا قد قاضيناه وأعطيناه ما أحببنا وشرطنا ما أردنا, ووجدناه أتقى الناس, وأوفاهم وأرحمهم وأصدقهم, وقد بورك لنا ولكم في مسيرنا إليه, وفيما قاضيناه عليه فاقبلوا عافية الله. فقالت ثقيف: فلم كتمتمونا هذا الحديث, وغممتمونا أشد الغم؟ قالوا: أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان, فأسلموا مكانهم ومكثوا أياما, ثم قدم عليهم رسل رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-قد أمر عليهم خالد بن الوليد, وفيهم المغيرة بن شعبة, فلما قدموا عمدوا إلى اللات ليهدموها, واستكفت ثقيف كلها الرجال والنساء والصبيان حَتَّى خرج العواتق من الحجال لا ترى عامة ثقيف أنها مهدومة يظنون أنها ممتنعة! فقام المغيرة بن شعبة فأخذ الكرزين وقال لأصحابه, والله لأضحكنكم من ثقيف فضرب بالكرزين, ثم سقط يركض فارتج أهل الطائف بضجة واحدة وقالوا: أبعد الله المغيرة قتلته الربة وفرحوا حين رأوه ساقطاً وقالوا: من شاء منكم فليقرب وليجتهد على هدمها فوالله لا تستطاع, فوثب المغيرة بن شعبة فقال: قبحكم الله يا معشر ثقيف إنما هي لكاع حجارة ومدر, فاقبلوا عافية الله واعبدوه, ثم ضرب الباب فكسره, ثم علا سورها, وعلا الرجال معه, فما زالوا يهدمونها حجراً حجراً حَتَّى سووها بالأرض, وجعل صاحب المفتاح يقول ليغضبن الأساس فليخسفن بهم, فلما سمع ذلك المغيرة قال لخالد دعني أحفر أساسها, فحفره حَتَّى أخرجوا ترابها, وانتزعوا حليها ولباسها, فبهتت ثقيف فقالت عجوز منهم: أسلمها الرِّضاع وتركوا المصاع.

وأقبل الوفد حَتَّى دخلوا على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بحليها وكسوتها, فقسمه رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-من يومه, وحمد الله على نصرة نبيه وإعزاز دينه.

وزعم ابن إسحاق أن النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-قدم من تبوك في رمضان, وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف.

وفي" سنن أبي داود " عن جابر قال: اشترطت ثقيف على النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- ألاَّ صَدَقَة عليها, ولا جِهَادَ, فقال النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بعد ذلك: (سَيَتَصَدَّقون ويُجَاهِدُونَ إذَا أَسْلَمُوا(1)).

وفي-سنن أبي داود الطيالسيِّ-عن عثمان بن أبي العاص أن النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كانت طاغيتهم.

وفي "المغازي" لمعتمر بن سليمان قال: سمعت عبد الله بن عبد الرَّحمن الطائفي يحدث عن عثمان بن عبد الله عن عمه عمرو بن أوس عن عثمان بن أبي العاص قال: استعملني رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وأنا أصغر الستة الذين وفدوا عليه من ثقيف, وذلك أني كنت قرأت سورة البقرة فقلت: يا رَسُول اللهِ إن القرآن يتفلت مني فوضع يده على صدري وقال: (يا شَيْطَانٌ اخْرُجْ مِنْ صَدْرِ عُثْمان(2)) فما نسيت شيئاً بعده أريد حفظه.

وفي"صحيح مسلم" عن عثمان بن أبي العاص قلت: يا رَسُول اللهِ إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي, قال: (ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقالُ لَهُ خِنْزِبَ فإذا أَحْسَستْه فَتَعوَذَّ باللهِ مِنْهُ, واتْفِلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلَاثاً(3)) ففعلت فأذهبه الله عني.


الفوائد والعبر من هذه القصة:

1- في قصة هذا الوفد من الفقه أن الرجل من أهل الحرب إذا غدر بقومه وأخذ أموالهم, ثم قدم مسلماً لم يتعرض له الإمام, ولا لما أخذه من المال, ولا يضمن ما أتلفه قبل مجيئه من نفس, ولا مال, كما لم يتعرض النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-لما أخذه المغيرة من أموال الثقفيين, ولا ضمن ما أتلفه عليهم, وقال: (أما الإسلام فأقبلُ, وأما المال, فلست منه في شيء(4)).

2- ومنها: جواز إنزال المشرك في المسجد, ولاسيما إذا كان يرجو إسلامه وتمكينه من سماع القرآن, ومشاهدة أهل الإسلام وعبادتهم.

3- ومنها: حسن سياسة الوفد وتلطفهم حَتَّى تمكنوا من إبلاغ ثقيف ما قدموا به فتصوروا لهم بصورة المنكر لما يكرهونه، الموافق لهم فيما يهوونه، حَتَّى ركنوا إليهم واطمأنوا, فلما علموا أنه ليس لهم بد من الدخول في دعوة الإسلام أذعنوا، فأعلمهم الوفد أنهم بذلك قد جاءوهم, ولو فاجئوهم به من أول وهلة لما أقروا به ولا أذعنوا, وهذا من حُسن الدعوة وتمام التبليغ, ولا يتأتى مع أَلِبَّاءِ الناس وعقلائهم.

4- ومنها: أن المستحق لإمرة القوم وإمامتهم أفضلهم وأعلمهم بكتاب الله وأفقههم في دينه.

5- ومنها: هدم مواضع الشرك التي تتخذ بيوتاً للطواغيت وهدمها أحب إلى الله ورسوله, وأنفع للإسلام والمسلمين من هدم الحانات والمواخير, وهذا حال المشاهد المبنية على القبور التي تعبد من دون الله, ويشرك بأربابها مع الله, لا يحل إبقاؤها في الإسلام, ويجب هدمها, ولا يصح وقفها ولا الوقف عليها, وللإمام أن يقطعها وأوقافها لجند الإسلام, ويستعين بها على مصالح المسلمين, وكذلك ما فيها من الآلات والمتاع والنذور التي تساق إليها, يضاهى بها الهدايا التي تساق إلى البيت الحرام. للإمام أخذها كلها وصرفها في مصالح المسلمين, كما أخذ النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-أموال بيوت هذه الطواغيت وصرفها في مصالح الإسلام, وكان يفعل عندها ما يفعل عند هذه المشاهد, سواء من النذور لها, والتبرك بها, والتمسح بها, وتقبيلها واستلامها هذا كان شرك القوم بها, ولم يكونوا يعتقدون أنها خلقت السماوات والأرض بل كان شركهم بها كشرك أهل الشرك من أرباب المشاهد بعينه.

6- ومنها: استحباب اتخاذ المساجد مكان بيوت الطواغيت, فيعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً في الأمكنة التي كان يشرك به فيها, وهكذا الواجب في مثل هذه المشاهد أن تهدم وتجعل مساجد إن احتاج إليها المسلمون, و إلا أقطعها الإمام هي وأوقافها للمقاتلة وغيرهما.

7- ومنها: أن العبد إذا تعوذ بالله من الشيطان الرجيم, وتفل عن يساره لم يضره ذلك ولا يقطع صلاته, بل هذا من تمامها وكمالها والله أعلم.


يتبــــــع.......

عزالدين
2007-12-13, 17:21
قدوم وفد بني فزارة على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

ذكر ابن سعد عن أبي وَجْزَة السعدي قال: لما رجع رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-من تبوك, وكانت سنة تسع، قدم عليه وفد بني فزارة بضعة عشر رجلاً, فيهم خارجة بن حصن, والحر بن قيس ابن حصن, وهو أصغرهم, على ركاب عجاف، فجاؤوا مُقرّين بالإسلام، وسألهم رَسُول اللهِ–صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، عن بلادهم، فقال أحدهم: "يا رَسُول اللهِ أسْنَتَتْ بلادُنا، وهلكت مواشينا، وأجدب جنابُنا، وغرث عيالنا فادع الله لنا، فصعد رَسُول اللهِ- -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ--المنبر ودعا فقال: (اللهم اسق بلادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت. اللهم اسقنا غيثاً مُغيثاً مَرِيَّاً مَريعاً طَبَقاً واسعاً عاجلا ً غير آجل، نافعاً غير ضار. اللهم اسقنا سُقيا رحمة ولا سُقيا عذاب, ولا هدم، ولا غرق، ولا محق. اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء(1))، قال: فمطرت فما رأوا السماء سَبْتاً، فصعد رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- المنبر فدعا فقال: (اللهم حوالينا ولا علينا, على الآكام, والظِراب, وبطون الأودية, ومنابت الشجر(2))، فانجابت السماء عن المدينة انجياب الثوب(3). وقال أبو الربيع بن سالم في كتابه المسمى بـ" الاكتفاء في مغازي رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ومغازي الثلاثة الخلفاء" ولما رجع رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-من تبوك قدم عليه وفد بني فَزَارة بضعةَ عشر رجلاً، فيهم خارجةُ بن حصن، والحُرُّ بن قيس بن حِصن ابن أخي عُيينة بن حصن، وهو أصغرهم، فنزلوا في دار رملة بنت الحارث, وجاؤوا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- مقرين بالإسلام, وهم مُسنتون(4) على ركاب عجاف, فسألهم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-عن بلادهم فقال: أحدهم يا رَسُول اللهِ أَسْنَتَتْ بلادُنا, وهلكت مواشينا, وأجدب جَنَابُنَا, وغَرِثَ(5) عيالُنَا فادعُ لنا ربَّك يُغيثنا, واشفعْ لنا إلى ربك, وليشفع لنا ربك إليك, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (سبحان الله ويلك هذا! أنا أشفعُ إلى ربي-عز وجل-فمن ذا الذي يشفعُ ربُّنا إليه؟ لا إله إلا هو العظيم, وسع كرسيه السماوات والأرض, فهي تّئِطُ(6) من عظمته وجلاله, كما يَئط الرَّحل الجديد). وقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (إن الله-عز وجل-ليضحكُ من شَفَقِكم وأَزْلِكُم(7) وقُربِ غياثِكُم). فقال الأعرابي: يا رَسُول اللهِ ويضحك ربنا -عز وجل-؟ قال: (نعم). فقال الأعرابي: لن يَعْدِمَكَ من ربِّ يضحكُ خيرٌ. فضحكَ النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-من قوله, وصعد المنبر فتكلم بكلمات, وكان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا رفعُ الاستسقاء فرفع يديه حَتَّى رؤي بياض إبطيه, وكان مما حُفظ من دعائه: (اللهم اسق بلادك, وبهائمك, وانشر رحمتك, وأحي بلدك الميت. اللهم اسقنا غيثاً مُغِيثاً مَرِيئاً مَرِيعاً طبقاً واسعاً, عاجلاً غير آجل, نافعاً غير ضار, اللهم سُقيا رحمة لا سقيا عذاب, ولا هدم, ولا غَرَق, ولا محق. اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء)(8).


قدوم وفد بني أسد على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم عليه-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفد بني أسد, عشرة رهط, فيهم وابصة بن معبد, وطُليحة بن خُويلد, ورَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-جالس في المسجد مع أصحابه, فسلَّموا وتكلَّموا، فقال متكلمهم: يا رَسُول اللهِ إنا شهدنا أنَّ اللهَ وحدَه لا شريك له وأنَّكَ عبدُه ورسولُه, وجئناك يا رَسُول اللهِ ولم تبعثْ إلينا بعثاً(9), ونحن لمن وراءنا. قال محمد بن كعب القرظي: فأنزل الله على رسوله -عليه الصلاة والسلام-: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (17) سورة الحجرات. وكان مما سألوا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-عنه يومئذٍ العِيافةُ(10) والكِهانة وضربُ الحصى, فنهاهم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-عن ذلك كله فقالوا: يا رَسُول اللهِ إن هذه أمور كنا نفعلُها في الجاهلية. أرأيتَ خصلةً بقيتْ؟ قال: (وما هي؟) قالوا : الخط(11). قال: (عُلِّمَهُ نبيُّ من الأنبياء فَمنْ صادفَ(12)مثلَ علمِه عَلِمَ).(13)


قدوم وفد بهراء على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

ذكر الواقدي عن كريمة بنت المقداد, قالت: سمعت أمي ضُبَاعة بنت الزبير بن عبد المطلب, تقول: قدم وفد بهراء من اليمن على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وهم ثلاثة عشر رجلاً, فأقبلوا يقودون رواحلَهم حَتَّى انتهوا إلى باب المقداد, ونحن في منازلنا ببني جَديلة, فخرج إليهم المقداد فرَّحبَ بهم فأنزلَهم, وجاءهم بجفنة من حَيْسٍ(14) كنَّا قد هيَّأناها قبلَ أن يَحِلُّوا؛ لنجلسَ عليها. فحملَها أبو مَعبد المقداد-وكان كريماً-على الطعام, فأكلوا منها, حَتَّى نهلوا, وُردَّتْ إلينا القصعةُ وفيها أُكَلٌ, فجمعنا تلك الأُكلَ في قصعة صغيرة, ثم بعثنا بها إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-مع سِدْرةَ مولاتي, فوجَدَتْه في بيت أم سلمة, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (ضُباعة أرسلتْ بهذا؟) قالت سدرة: نعم يا رَسُول اللهِ! قال: (ضعي) ثم قال: (ما فعل ضيف أبي معبد؟) قلت: عندنا, قالت: فأصاب منها رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-أكلاً هو ومن معه في البيت, حَتَّى نَهِلوا(15) وأكلتْ معهم سِدْرَةُ, ثم قال: (اذهبي بما بقي إلى ضيفِكم) قالت سدرة: فرجعت بما بقي في القصعة إلى مولاتي. قالت: فأكل منها الضيف ما أقاموا, نُردِّدُهَا عليهم وما تغيضُ(16), حَتَّى جعل الضيفُ يقولون: يا أبا مَعبد! إنك لتُنْهِلنا من أحبِّ الطعام إلينا, وما كُنَّا نقدر على مثل هذا إلا في الحِيْن, وقد ذُكر لنا أن بلادكم قليلةُ الطعام إنما هو العُلَقُ(17) أو نحوُه, ونحن عندك في الشِّبع. فأخبرهم أبو معبد بخبر رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-أنه أكل منها أُكَلاً وردَّهَا, فهذه بركة أصابع رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فجعلَ القومُ يقولون: نشهد أنه رَسُول اللهِ, وازدادوا يقيناً, وذلك الذي أرادَ رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فتعلَّموا الفرائضَ وأقاموا أياماً, ثم جاؤوا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يودَّعُونه وأمَر لهم بجوائزهم, وانصرفوا إلى أهليهم(18)


قدوم وفد عُذْرة على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفد عذرة في صفر سنة تسع, اثنا عشر رجلاً, فيهم جمرة بن النعمان, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(من القوم ؟) فقال مُتكلِّمُهم: مَنْ لا تُنكر, نحن بنو عذرة, إخوة قصي لأمه, نحن الذين عضدوا قصياً, وأزاحوا من بطن مكة خزاعةَ وبني بكر, ولنا قراباتٌ وأرحامٌ. قال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (مرحباً بكم وأهلاً ما أعرفني بكم), فأسلموا, وبشرهم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بفتح الشام وهربِ هرقل إلى ممتنع من بلاده, ونهاهم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-عن سؤال الكاهنة, وعن الذبائح التي كانوا يذبحونها, وأخبَرهم أن ليس عليهم إلا الأُضحية, فأقاموا أياماً بدار رملة, ثم انصرفوا وقد أُجيزوا(19) .


قدوم وفد بَلِيّ(20) على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفد بَلِيّ في ربيع الأول من سنة تسع, فأنزلهم رُويفع بن ثابت البلوي عنده, وقَدِمَ بهم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وقال: هؤلاء قومي, فقال له رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (مرحباً بِكَ وبِقَوْمِكَ), فأسلموا, وقال لهم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (الحمدُ لله الذي هَداكمْ للإسْلاَم فكُلُّ من مات على غَيْرِ الإسْلامِ, فَهُوَ في النَّارِ), فقال له أبو الضبيب-شيخ الوفد-: يا رَسُول اللهِ إن لي رغبة في الضيافة فهل لي في ذلك أجر؟ قال: (نعم وكل معروف صَنَعْتَه إلى غَنِي أو فَقِير فَهُوَ صَدَقَة) قال: يا رَسُول اللهِ ما وقت الضِيافة؟ قال: (ثَلاَثَة أيامٍ فما كان بعد ذلك فهو صدقةٌ, ولا يحل للضَّيْفِ أن يُقِيم عِنْدَكَ فَيُحْرِجَك), قال: يا رَسُول اللهِ أرأيت الضالة من الغنم أجدها في الفلاة من الأرض؟ قال: (هي لك أو لأخيك أو للذئب) قال فالبعير ؟ قال: (ما لك وله دعه حَتَّى يجده صاحبه), قال رويفع: ثم قاموا فرجعوا إلى منزلي فإذا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يأتي منزلي يحمل تمراً فقال: (استعن بهذا التمر), وكانوا يأكلون منه ومن غيره, فأقاموا ثلاثاً, ثم ودعوا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وأجازهم ورجعوا إلى بلادهم(21).


قدوم وفد ذي مرة على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفد ذي مرة ثلاثة عشر رجلاً, رأسُهم الحارث بن عوف. فقالوا: يا رَسُول اللهِ إنا قومُك وعشيرتُك, نحن قوم من بني لؤيّ بن غالب, فتبسم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وقال للحارث: (أين تركت أهلك؟) قال بسَلاَح(22) وما والاها. قال: (وكيف البلاد ؟) قال: والله إنا لمُسنتون, ما في المال(23) مُخٌّ, فادع الله لنا. فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(اللهم اسقهم الغيث) فأقاموا أياماً, ثم أرادوا الانصراف إلى بلادهم, فجاؤوا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-مُودِّعينَ له, فأمر بلالاً أن يجيزَهم فأجازَهم بعشرِ أواقٍ فضَّة, وفضَّل الحارثَ بن عوف أعطاه اثنتي عشرة أوقية, ورجعوا إلى بلادهم, فوجدوا البلادَ مطيرةً فسألوا: متى مطرتم ؟ فإذا هو ذلك اليوم الذي دعا رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فيه وأخصبتْ بعد ذلك بلادهم(24).


يتبـــــــــع...........

عزالدين
2007-12-13, 17:26
قدوم وفد بني سعد بن بكر على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن الوليد بن نويفع, عن كريب مولى ابن عباس, عن ابن عباس, قال: بعثت بنو سعد بن بكر ضِمَام بن ثعلبة وافداً إلى رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فقدم عليه, فأناخ بعيرَهُ على بابِ المسجدِ فعقلَهُ, ثم دخل على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وهو في المسجد جالسٌ في أصحابِهِ, فقال" أيكم ابنُ عبد المطلب؟ فقال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (أنا ابنُ عبد المطلب), فقال: محمد؟ فقال: (نعم), فقال: يا ابن عبد المطلب إني سائلك ومُغْلِظٌ عليك في المسألةِ, فلا تجدنَّ في نفسِك, فقال: (لا أجدُ في نفسي, فَسَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ), فقال: أنشدك الله إلهك, وإله أهلك, وإله من كان قبلك, وإله من هو كائِنٌ بعدك, آلله بعثك إلينا رسولاً؟ قال: (اللهم نعم), قال: فأنشدك الله إلهك, وإله من كان قبلك, وإله من هو كائن بعدك, آلله أمرك أن نعبده لا نشرك به شيئاً, وأن نخلعَ هذه الأندادَ التي كان آباؤنا يعبدون؟ فقال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (اللهم نعم), ثم جعل يذكرُ فرائضَ الإسلام فريضةً فريضةً: الصلاة, والزكاة, والصيام, والحج, وفرائض الإسلام كُلَّها, ينشده عند كُلِّ فريضةٍ كما نشدَه في التي قبلها حَتَّى إذا فرغَ, قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, وسأؤدي هذه الفرائض, وأجتنب ما نهيتني عنه, لا أزيدُ ولا أنقُصُ, ثم انصرف راجعاً إلى بعيرِهِ, فقال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- حين ولَّى: ((إنْ يَصْدُقْ ذُو العَقِيصَتَيْنِ يَدْخُلِ الجَنَّةَ(1))), وكان ضِمام رجلاً جلداً أشعرَ ذا غديرتين, ثم أتى بعيره, فأطلق عِقالَهُ, ثم خرجَ حَتَّى قَدِمَ على قومِهِ, فاجتمعُوا عليه, وكان أوَّلَ ما تكلَّم به أنْ قالَ: بئستِِ اللاتُ والعُزَّى, فقالوا: مَهْ يا ضِمام, اتَّقِ البرصَ, والجنونَ والجُذامَ. قال: ويلكم, إنهما ما يضرانِ ولا ينفعانِ, إنَّ الله قد بعث رسولاً, وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتُم فيه, وإني أشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ, وإني قد جئتُكم من عندِهِ بما أمركم به, ونهاكم عنه فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في حاضرتِهِ رجلٌ ولا امرأةٌ إلا مُسلماً.

قال ابن إسحاق: فما سمعنا بوافدِ قومٍ أفضل مِن ضِمام بن ثعلبة(2).

والقصة في " الصحيحين " من حديث أنس بنحو هذه(3).


قدوم طارق بن عبد الله وقومه على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

ذكر البيهقي أنَّ رجلاً يُقال: له طارق بن عبد الله, قال: إني لقائم بسوق المجاز إذ أقبل رجلٌ عليه جُبَّةٌ له, وهو يقول: "يا أيها النَّاسُ! قولُوا لا إله إلا الله تُفلحوا", ورجلٌ يتبعُهُ يرميه بالحجارةِ, يقولُ: يا أيُّها النَّاسُ! إنه كذَّابٌ لا تُصدِّقُوه, فقلتُ من هذا؟ فقالوا: هذا غلامٌ من بني هاشم الذي يزعم أنه رَسُولُ اللهِ, قال: قلتُ: مَن هذا الذي يفعل به هذا؟ قال: هذا عمُّهُ عبد العزى, قال: فلمَّا أسلم النَّاسُ وهاجروا خرجنا من الرَّبَذةِ نريد المدينة نَمْتَارُ من تَمْرِهَا, فلما دنونا من حيطانِها ونخلِها, قلنا: لو نزلنا فلبسنا ثياباً غيرَ هذه, إذا رجلٌ في طِمْرين(4) له, فسلَّمَ, وقالَ:(مِن أين أقبل القومُ؟) قلنا: مِنَ الرَّبَذَةِ. قال: (وأين تريدون؟), قلنا: نريد هذه المدينةَ, قال: (ما حاجتكم فيها؟) قلنا: نمتارُ من تمرِها, قال(5): ومعَنا ظعينةٌ(6) لنا, ومعنا جمل أحمر مخطوم, فقال: (أتبيعون جملَكم هذا ؟) قالوا: نعم بكذا وكذا صاعاً من تمرٍ, قال: فما استوضعنا مما قلنا شيئاً, فأخذ بخطام الجمل فانطلق, فلمَّا توارى عنا بحيطان المدينة ونخلِها, قلنا: ما صنعنا والله ما بعنا جملنا ممن نعرف, ولا أخذنا له ثمناً, قال تقول المرأة التي معنا: والله لقد رأيتُ رجلاً كأن وجهه شقة القمر ليلة البدر, أنا ضامنةٌ لثمنِ جملِكم.(7) وفي روايةِ ابنِ إسحاقَ, قالتِ الظَّعينةُ: فلا تَلاوموا, فلقد رأيتُ وجه رجلٍ لا يغدرُ بكم, ما رأيت شيئاً أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهِهِ, فبينما هم كذلك إذ أقبل رجلٌ, فقال: أنا رسولُ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-إليكم, هذا تمرُكم, فكُلوا, واشبعُوا, واكتالُوا, واستوفُوا فأكلنا حَتَّى شبعنا, واكتلنا واستوفينا, ثم دخلنا المدينةَ, فدخلنا المسجدَ, فإذا هو قائمٌ على المنبر يخطبُ الناسَ, فأدركنا من خطبتِهِ, وهو يقولُ: (تصدَّقوا فإنَّ الصدَقَةَ خَيْرٌ لكم, اليَدُ العُلْيا خيرٌ من اليد السُّفلى, أُمَّكَ وأَبَاك وأُخْتَكَ وأخَاكَ وأدْنَاكَ أدْنَاك(8)) إذ أقبل رجلٌ من بني يربوع, أو قال من الأنصار, فقال: يا رَسُولَ اللهِ! لنا في هؤلاء دماء في الجاهلية, فقال: (إنَّ أُمَّاً لا تَجْني عَلَى وَلَدٍ(9)) ثلاثَ مَرَّاتٍ(10).


في قدوم وفد تُجيب(11) على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم على رَسُول اللهِ–صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفد تُجِيب، وهم من السَّكُون، ثلاثة عشر رجلاً, قد ساقوا معهم صدقاتِ أموالهم التي فرض الله عليهم, فَسُرَّ رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بهم وأكرم منزلهم, وقالوا: يا رَسُول اللهِ سقنا إليك حق الله في أموالنا, فقال رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(رُدُّوها فاقسموها على فقرائكم) قالوا: يا رَسُول اللهِ ما قدمنا عليك إلا بما فَضَل عن فقرائنا. فقال أبو بكر: يا رَسُول اللهِ ما وفدٌ من العرب بمثل ما وفد به هذا الحي من تُجيب. فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (إن الهدى بيد الله -عز وجل-, فمن أراد به خيراً شرح صدره للإيمان)، وسألوا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- أشياء فكتب لهم بها, وجعلوا يسألونه عن القرآن والسنن, فازداد رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فيهم رغبة, وأمرَ بلالاً أن يُحسن ضيافتَهم فأقاموا أياماً, ولم يُطيلوا اللَّبْثَ, فقيل لهم: ما يُعِجلُكم ؟ فقالوا: نرجع إلى من وراءنا فنخبرهم برؤيتنا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وكلامِنَا إياه وما ردَّ علينا. ثم جاؤوا إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يُودِّعونه, فأرسل إليهم بلالاً, فأجازهم بأرفع ما كانَ يُجيز به الوفود. قال: (هل بقي منكم أحدٌ ؟) قالوا: نعم. غلام خلَّفناه على رِحالنا هو أحدُثنا سِنَّاً قال: (فأرسلوه إلينا), فلما رجعوا إلى رحالهم قالوا للغلام: انطلق إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فاقض حاجتك منه, فإنا قد قضينا حوائجنا منه وودَّعْنَاه فأقبلَ الغلامُ حَتَّى أتى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فقال: يا رَسُول اللهِ إني امرؤ من بني أَبْذَى -قال الواقدي: هو أبذى بن عدي، وأم عدي تُجيب بنت ثَوْبان بن سُليم بن مَذْحِج، وإليها يُنسبون- يقول الغلام: من الرهط الذين أتوك آنفاً فقضيتَ حوائجهم, فاقضِ حاجتي يا رَسُول اللهِ. قال: (وما حاجتك؟), قال: إن حاجتي ليست كحاجة أصحابي, وإن كانوا قدموا راغبين في الإسلام, وساقوا ما ساقوا من صدقاتهم, وإني والله ما أعملني(12) من بلادي إلا أن تسأل الله -عز وجل- أن يغفر لي, ويرحمني, وأن يجعل غناي في قلبي, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وأقبل إلى الغلام: (اللهم اغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه), ثم أمر له بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه, فانطلقوا راجعين إلى أهليهم, ثم وافوا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-في الموسم بمنى سنة عشر فقالوا: نحن بنو أبذى, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (ما فعل الغلام الذي أتاني معكم؟) قالوا: يا رَسُول اللهِ ما رأينا مثله قط, ولا حُدثنا بأقنعَ منه بما رزقه الله, لو أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر ولا التفت إليها. فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (الحمد لله إني لأرجو أن يموت جميعاً)(13) فقال رجل منهم أو ليس يموت الرجل جميعاً يا رَسُول اللهِ ؟ فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (تَشَعَّبُّ أهواؤه وهمومُه في أودية الدنيا, فلعلَّ أجلَه أن يُدركَه في بعض تلك الأودية, فلا يبالي الله -عز وجل- في أيها هلك). قالوا: فعاش ذلك الغلام فينا على أفضل حال وأزهدِه في الدنيا وأقنعِه بما رُزق, فلما توفي رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- ورجعَ من رجعَ من أهل اليمن عن الإسلام, قام في قومه فذكرهم الله والإسلام, فلم يرجع منهم أحد, وجعل أبو بكر الصديق يذكره ويسأل عنه حَتَّى بلغه حاله وما قام به فكتب إلى زياد بن لبيد يوصيه به خيراً(14).

قدوم وفد بني سعد هذيم من قضاعة على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -بنو سعد هذيم، من قضاعة في سنة تسع.

ذكره الواقدي عن ابن النعمان عن أبيه من بني سعد هذيم, قال: قدمت على رَسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وافداً في نفر من قومي, وقد أوطأ رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- البلاد غلبةً وأذَاخَ(15) العربَ, والنَّاسُ صنفان, إما داخل في الإسلام راغب فيه, وإما خائف من السيف, فنزلنا ناحية من المدينة, ثم خرجنا نؤمُّ المسجدَ, حَتَّى انتهينا إلى بابه, فنجدُ رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- يُصلَّي على جنازة في المسجد, فقمنا خلفَه ناحيةً, ولم ندخل مع النَّاس في صلاتهم, حَتَّى نلقى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- ونبايعه, ثم انصرف رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فنظرَ إلينا, فدعا بنا فقال: (من أنتم ؟) فقلنا: من بني سعدِ هُذيم, فقال: (أمسلمون أنتم؟), قلنا: نعم. قال: (فهلا صَلَّيتم على أخيكم؟) قلنا: يا رَسُول اللهِ ظننا أن ذلك لا يجوز لنا حَتَّى نبايعك, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (أينما أسلمتم فأنتم مسلمون), قالوا: فأسلمنا وبايعنا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-على الإسلام, ثم انصرفنا إلى رِحالنا, قد خلَّفنا عليها أصغرَنا, فبعثَ رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-في طلبنا, فأُتي بنا إليه, فتقدَّمَ صاحبُنا إليه فبايَعه على الإسلام. فقلنا: يا رَسُول اللهِ إنه أصغرُنا وإنه خادُمنا. فقال: (أصغر القوم خادمهم, بارك الله عليه) قال: فكان والله خيرَنا وأقرأنا للقرآن, لدعاء رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-له, ثم أمَّرهَ رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-علينا, فكان يَؤمُّنَا, ولما أردنا الانصراف أمرَ بلالاً فأجازَنا بأواقٍ من فضة, لكلَّ رجل منا, فرجعنا إلى قومنا, فرزقهم الله الإسلام(16).


يتبـــــع........

عزالدين
2007-12-13, 17:34
قدوم وفد النخع على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفْدُ النَّخْعِ, وهُمْ آخِرُ الوفود قدوماً عليه في نصف المحرم سنة إحدى عشرةَ في مِائتي رجل, فنزلُوا دارَ الأضيافِ, ثم جاؤوا رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-مقرِّينَ بالإسلام, وقد كانُوا بايعوا معاذ بن جبل, فقال رجل منهم يقال له: زرارة بن عمرو: يا رَسُول اللهِ! إني رأيت في سفري هذا عجَباً, قال: (وما رأيت؟) قال: رأيتُ أتاناً تركتُها في الحيِّ كأنها ولدت جدياً أسفَع(1) أحوَى, فقال له رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (هل تركت أمَةً لَكَ مُصِرَّةً عَلى حَمْلِ؟) قال نعم: قال: (فإنها قد ولدت غلاماً وهو ابنك), قال: يا رَسُول اللهِ! فما باله أسفع أحوى؟ فقال: (ادن مني) فدنا منه, فقال: (هل بك من برص تكتمه ؟) قال والذي بعثك بالحق ما علم به أحد ولا اطلع عليه غيرك, قال: (فهو ذلك) قال: يا رَسُول اللهِ! ورأيت النعمان بن المنذر عليه قُرطان مُدَملجَانِ ومسكتان, قال: (ذلك مَلِكُ العَرَبَ رجع إلى أحسن زِيَّهِ وبَهْجَتِهِ) قال: يا رَسُول اللهِ! ورأيت عجوزاً شمطاء قد خرجت من الأرض . قال: (تلك بَقيَّةُ الدُّنيا) قال: ورأيتُ ناراً خرجت من الأرض, فحالَتْ بيني وبين ابنِ لي يُقال له: عمرو وهي تقولُ: لَظَى لَظَى, بصير, وأعمى, أطعموني آكلُكم أهلَكم ومالَكم. قال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(تلك فتنة تكون في آخر الزَّمان). قال: يا رَسُول اللهِ! وما الفتنة؟ قال: (يقتل النَّاس إمامهم ويَشْتَجِرُونَ اشتِجَارَ أطبَاقِ الرَّأْس).

وخالف رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بين أصابعه-يحسب المسيءُ فيها أنه محسن- (ويكون دم المؤمن عند المؤمن فيها أحلى من شرب الماء, إن مات ابنُكَ أدركت الفِتْنة, وإن مِتَّ أنت أَدْركَها ابْنُك) فقال: يا رَسُول اللهِ! ادع الله أن لا أدركها, فقال له رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(اللهم لا يدركها) فمات وبقي ابنه, وكان ممن خلعَ عثمان(2).

{قدوم وفد ثعلبة على رَسُول اللهِ–صلى الله عليه و سلم-}

عن رجل من بني ثعلبة عن أبيه قال: لمّا قدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-من الجِعِرّانَة سنة ثمان قدمنا عليه أربعة نفر وقلنا: نحن رسل من خلفنا من قومنا, ونحن وهم مقِرّون بالإسلام, فأمر لنا بضيافة وأقمنا أياماً ثمّ جئناه لنودعه, فقال لبلال: أجِزْهُمْ كما تُجيِزُ الوََفْدَ, فجاء بنقر من فضّة وأعطى كلّ رجلٍ منا خمس أواقٍ, قال ليس عندنا دراهم, فانصرفنا إلى بلادنا(3).


قدوم و فد كلاب على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم وفد بني كلاب في سنة تسع على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وهم ثلاثة عشر رجلاً, فيهم لبيد بن ربيعة, وجبّار بن سَلْمَى فأنزلهم دار رَمْلة بنت الحارث, وكان بين جبار وكعب بن مالك خُلَة فبلغ كعباً قدومهم فرحبّ بهم وأهدى لجبار وأكرمه, وخرجوا مع كعب فدخلوا على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فسلّموا عليه بسلام الإسلام, وقالوا: إن الضحّاك بن سفيان سار فينا بكتاب الله وبسنتك التي أمرته, وإنّه دعانا إلى الله فاستجبنا لله ولرسوله, وإنّه أخذ الصدقة من أغنيائنا فردّها على فقرائنا(4).


قدوم وفد رؤاس بن كلاب على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

عن وكيع الرؤاسي عن أبيه عن أبي نفيع طارق بن علقمة الرؤاسي, قال: قدم رجل منّا يقال له عمرو بن مالك بن قيس بن بُجيد بن رؤاس بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة على النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فأسلم ثمّ أتى قومه فدعاهم إلى الإسلام, فقالوا: حَتَّى نُصيبَ من بني عُقَيل بن كعب مثل ما أصابوا منّا, فخرجوا يريدونهم, وخرج معهم عمرو بن مالك فأصابوا فيهم, ثم خرجوا يسوقون النعمَ, فأدركهم فارس من بني عقيل يقال له ربيعة بن المنتفق بن عامر بن عقيل وهو يقول:

أقسمْتُ لا أطعُنُ إلا فارساً ***** إذا الكماةُ لبِسوا القَوانِسَا

قال أبو نفيع فقلت: نجوتم يا معشر الرّجالة سائر اليوم, فأدرك العقيلي رجلاً من بني عُبيد بن رُؤاس، يقال له: المُحْرِسُ بن عبد الله بن عمرو بن عُبيد بن رُؤاس, فطعنه في عضده فاختلها, فاعتنق المُحرسُ فرسه وقال: يا آل رؤاس! فقال ربيعة: رؤاس خيل أو أناس؟ فعطف على ربيعة عمرو بن مالك فطعنه فقتله, قال: ثم خرجنا نسوق النعمَ, وأقبل بنو عقيل في طلبنا حَتَّى انتهينا إلى تُرَبَةَ, فقطع ما بيننا وبينهم وادي تربة, فجعلت بنو عقيل ينظرون إلينا ولا يصلون إلى شيء, فمضينا, قال عمرو بن مالك: فأسقط في يديّ وقلتُ قتلتُ رجلاً وقد أسلمتُ وبايعتُ النَّبيّ-صلىالله عليه وسلم-فشددت يدي في غُلّ إلى عنقي ثمّ خرجت أريد النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وقد بلغه ذلك فقال: لئن أتاني لأضربن ما فوق الغُلّ مِنْ يَدِهِ, قال: فأطلقت يدي ثمّ أتيته فسلمت عليه فأعرض عني, فأتيته عن يمينه فأعرض عني, فأتيته عن يساره فأعرض عني, فأتيته من قبل وجهه, فقلت: يا رَسُول اللهِ إن الرّب ليُترضى فيرضى فارضَ عني, رضي الله عنك, قال: قَدْ رَضِيتُ عَنْكَ(5).


قدوم وفد عقيل بن كعب على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

عن هشام بن محمد بن السائب, عن رجل من بني عقيل, عن أشياخ قومه, قالوا: وفد منّا من بني عقيل على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ربيع بن معاوية بن خفاجة بن عمرو بن عقيل, ومطرف بن عبد الله بن الأعلم بن عمرو بن ربيعة بن عقيل, وأنس بن قيس بن المنتفق ابن عامر بن عقيل, فبايعوا وأسلموا وبايعوه على مَن وراءهم من قومهم, فأعطاهم النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-العقيق عقيق بني عقيل, وهي أرض فيها عيونٍ ونخل, وكتب لهم بذلك كتاباً في أديم أحمر: "بسم الله الرحمن الرحيم, هذا ما أعطى محمدٌ رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ربيعاً ومُطرّفاً وأَنساً أعطاهم العقيق ما أقاموا الصلاة, وآتوا الزكاة, وسمعوا وأطاعوا, ولم يعطهم حقاً لمسلم", فكان الكتاب في يد مطرّف, قال: ووفد عليه أيضاً لقيط بن عامر بن المنتفق بن عامر بن عقيل, وهو أبو رزين, فأعطاه ماءً يقال له: النّظيم وبايعه على قومه, قال: وقدم عليه أبو حرب بن خويلد بن عامر بن عقيل, فقرأ عليه رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-القرآن وعرض عليه الإسلام, فقال: أما وايم الله لقد لقيتَ الله أو لقيت من لقيه, وإنّك لتقول قولاَ لانحسن مثله, ولكني سوف أضرب بقداحي هذه على ما تدعوني إليه, وعلى ديني الذي أنا عليه, وضرب بالقداح فخرج عليه سهم الكفر ثمّ أعاده فخرج عليه ثلاث مرات, فقال لرَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-أبى هذا إلاّ ما ترى, ثم رجع إلى أخيه عقال بن خويلد فقال له: قل خيَسُك! هل لك في محمد بن عبد الله يدعو إلى دين الإسلام ويقرأ القرآن, وقد أعطاني العقيق إن أنا أسلمتُ؟ فقال له عقال: أنا والله أُخطّك أكثر مما يخُطّك محمد! ثم ركب فرسه وجرّ رمحه على أسفل العقيق فأخذ أسفله وما فيه من عين, ثم إن عقالاً قدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فعرض عليه الإسلام, وجعل يقول له: أتشهد أنّ محمداً رَسُول اللهِ؟ فيقول: أشهد أن هبيرة بن النُّفاضة نعم الفارس يوم قَرْنَيْ لَبان, ثمّ قال: أتَشْهَدُ أنّ محمداً رَسُول اللهِ؟ قال: أشهد أن الصريح تحت الرغوة, ثم قال له الثالثة: أتشهد؟ قال: فشهد وأسلم, قال وابن النفاضة هبيرة بن معاوية بن عبادة بن عقيل, ومعاوية هو فارس الهَرّار, والهَرّار اسم فرسه, ولَبان هو موضع خيسك خيرك. قالوا: وقدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-الحصين بن المعلّى بن ربيعة بن عقيل وذو الجوشن الضبابي فأسلما(6).


قدوم وفد جعدة على رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

عن هشام بن محمد عن رجل من بني عقيل قال: وفد إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-الرقّاد بن عمرو بن ربيعة بن جعدة بن كعب, وأعطاه رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بالفَلْج ضيعة وكتب له كتاباً وهو عندهم(7).


قدوم وفد قشير بن كعب على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

ذكر ابن سعد في الطبقات الكبرى عن هشام بن محمد, عن رجل من بني عقيل, عن علي بن محمد القرشي, قالا: وفد على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-نفر من قشير, فيهم ثور بن عروة بن عبد الله بن سلمة بن قشير, فأسلم فأقطعه رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-قطيعة وكتب له بها كتاباً, ومنهم حيدة بن معاوية بن قشير, وذلك قبل حجة الوداع وبعد حُنَين, ومنهم قُرّة بن هبيرة بن سلمة الخير بن قشير فأسلم, فأعطاه رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وكساه بُرداً وأمره أن يتصدّق على قومه, أي يلي الصدقة, فقال قرة حين رجع:


حبــاها رَسُـول اللهِ إذ نزلـتْ بـه ***** وأمكنها من نائل غيـر مُنفَـد
فأضحت بروض الخضر وهي حثيثة ***** وقد أنجحت حاجاتها من محمدِ
عليها فتىً لا يـُردِفُ الـذمَّ رحلـَه ***** تَرُوكٌ لأمر العاجز المتردّدِ(8)


قدوم وفد بني البكاء على رَسُول اللهِ-صلى الله عليه و سلم-

ذكر ابن سعد في كتاب الطبقات أنه قدم وفد من بني البكاء على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-سنة تسع ثلاثة نفر: معاوية بن ثور بن عبادة بن البكاء, وهو يومئذٍ ابن مائة سنة, ومعه ابن له يقال له بشر, والفُجَيع بن عبد الله بن جندح بن البكّاء, ومعهم عبد عمرو البكائي, فأمر لهم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بمنزل وضيافة, وأجازهم ورجعوا إلى قومهم, وقال معاوية للنبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-إني أتبرك بمسّك, وقد كبرت وابني هذا برّ بي فامسح وجهه, فمسح رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وجه بشر بن معاوية وأعطاه أعنزاً عفراً وبرّك عليهن, قال الجعد: فالسنة ربّما أصابت بني البكاء ولا تصيبهم, وقال محمد بن بشر بن معاوية بن ثور بن عبادة ابن البكاء:


وأبي الذي مسح الرسولُ برأسـه ***** ودعـا لـه بالخيـر والبـركاتِ
أعطـاه أحمـدُ إذ أتاه أعنـــزا ***** وقد أنجحت حاجاتها من محمـدِ
بوركــن من مَنْحٍ وبـورك مانحا ***** وعليــه مني ما حييتُ صلاتي


وعن هشام بن محمد بن السائب الكلبي قال: كتب رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-للفُجَيع كتاباً: "مِنْ مُحَمّدٍ النَّبيّ لِلْفُجَيعِ ومَنْ تَبِعَهُ وَأسلم, وَأقام الصّلاةَ, وآتى الزكاةَ, وأعطى الله ورسوله, وأعطى مِن المَغانِمِ خُمْسَ اللهِ, ونَصَرَ النَّبيّ وَأصْحَابَهُ, وأشْهَدَ عَلى إسْلامِهِ, وفارق المشركين, فإنه آمِنٌ بأمَانِ اللهِ وأمَانِ محمدٍ. قال: هشام وسمى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-عبد عمرو الأصمّ عبد الرَّحمن, وكتب له بمائة الذي أسلم عليه ذي القَصّة, وكان عبد الرَّحمن من أصحاب الظّلّة, يعني الصّفّة صفة المسجد(9).


قدوم وفد كنانة على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

ذكر ابن سعد في الطبقات: أنه قدم وفد واثلة بن الأسقع الليثي على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فقدم المدينة ورَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يتجهز إلى تبوك, فصلى معه الصبح, فقال له: (ما أنت؟ وما جاء بك؟ وما حاجتك؟) فأخبره عن نسبه, وقال: أتيتك لأومن بالله ورسوله, قال: فبايع على ما أحببت وكرهت, فبايعه ورجع إلى أهله فأخبرهم, فقال له أبوه والله لا أكلمك كلمة أبداً, وسمعت أخته كلامه فأسلمت وجهزته, فخرج راجعاً إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فوجده قد صار إلى تبوك, فقال من يحملني عقبه وله سهمي؟ فحمله كعب بن عجرة حَتَّى لحق برَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وشهد معه تبوك, وبعثه رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-مع خالد بن الوليد إلى أكيدر, فغنم فجاء بسهمه إلى كعب بن عجرة, فأبَى أن يقبله وسوّغه إيّاه وقال: إنما حملتك لله(10).

يتبــــــــع..........

عزالدين
2007-12-13, 17:40
عــام الوفـــود


إنَّ العكوفَ على دراسةِ الوفودِ التي وفدتْ على النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يُمكن أنْ يُثريَ فقه التعاملِ مع البشرِ بأنماطِهم المختلفةِ, وأحوالِهم المتعددةِ, ومَشَارِبهم المتباينةِ, وفي دراسةِ ذلكَ بيانٌ لعظمةِ ورَوعةِ تعامل النَّبيِّ الكريمِ مع النَّاسِ, وكيف استوعبهم النَّبيُّ مع هذا الاختلافِ الكبيرِ في طبائعِهم ومشاربِهم, وفيه دروسٌ للقادةِ في كيفيةِ التعاملِ مع النَّاسِ مع اختلافِ أخلاقِهم وطبائعِهم, وفيه دروسٌ لعلماءِ التربيةِ في كيفيةِ تربيةِ النَّاسِ كبيرِهم وصغيرِهم, وإلزامِهم الخيرَ والصَّلاحَ, وفيه دروسٌ لعلماءِ النَّفسِ في كيفيةِ التعاملِ مع النَّفسِ البشريةِ مع بُعْدِ غورِها وتعددِ روافدِها, وفيها أكبرُ زادٍ للمعلِّمين والمدرِّسين في سياستِهم مع طلابِهم, وهذا مما يدلكَ على أنَّ السِّيرةَ النَّبويةَ نِعمةٌ من أعظمِ النِّعمِ-بعد الإيمان-؛ لأنَّ فيها من الدُّروسِ والعِبَرِ ما لو عَكَفَ على دراستِهِ المسلمون, واستوعبُوه لعادُوا إلى نهضتِهم وقيادتِهم للأُمَّةِ؛ ولذلكَ فإنَّ دعوةَ الإحياءِ القائمة الآنَ لابُدَّ أنْ تشتملَ على إحياءِ دراسةِ السِّيرة النَّبويةِ, والسَّعي للعملِ بها, وجعلها حية بين الناس؛ فإنها مَصْدرٌ ثَرٌّ للنُّهوضِ ومعرفةِ الطَّريقِ الصَّحيحِ, ومن أجلِ ذلكَ ذكرنا هذه الوفود؛ حَتَّى نُلفتَ الأنظارَ إلى هذِهِ الثَّروةِ الهائلةِ في التعاملِ مع النَّاسِ من قبله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم-؛ فيكون ذلك زاداً عَظِيماً لجميعِ المسلمينَ على اختلافِ طبقاتِهم ومشاربِهم, واللهُ المُوفِّقُ والهادي إلى أقومِ سبيلٍ.

لمَّا فتحَ رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-مكَّةَ،وفَرَغَ من"تبوك", وأسلمتْ ثقيف وبايعت، وضرب رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-أمدَ أربعةِ أشهرٍ لقبائلِ العَرَبِ المشركين؛ لكي يُقرروا مصيرَهم بأنفسِهم قبلَ أنْ تتخذَ الدَّولةُ الإسلاميةُ منهم مَوْقِفاً مُعيَّناً، ضربتْ إليه وفودُ العربِ آباطَ الإبلِ مِنْ كلِّ وجهٍ, مُعلنةً إيمانَها وولاءَها لهذا الدِّينِ الحنيفِ.

إنَّ قصصَ الوفود وأخبارها وكيفية تعامل رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-معها من الأهميةِ بمكانٍ. لقد تركتْ لنا تلك الأخبارُ والقصصُ منهجاً نبويَّا كريماً في تعاملِهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-مع الوفودِ يمكننا الاستفادة من هديه-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-في تعامله مع النفسية البشرية, وتربيته, ودقته, وتنظيمه, ففيها ثروة هائلة من الفقه الذي يدخل في دوائر التعليم والتربية والتثقيف, وبعد النظر, وجمع القلوب على الغاية, وربط أفراد بأعيانهم بالمركز بحيث تبقى في كلِّ الظروفِ والأحوالِ مرتكزاتٌ قويةٌ إلى الإسلام إلى غير ذلك من مظاهر العظمة للعاملين في كل الحقول نفسيَّاً واجتماعياَّ واقتصادياً وإداريًّا وسياسيًّا وعسكريًّا تعطي لك عامل في جانب من هذه الجوانب دروساً تكفيه وتغنيه, هذا وقد تميز العام التاسع بتوافد العرب إلى المدينة، وقد استعدت الدول الإسلامية لاستقبالهم وتهيئة المناخ التربوي لهم، وقد تمثل هذا الاستقبال, بتهيئة مكان إقامة لهم, وكانت هناك دار للضيافة، ينزل فيها الوافدون، وهناك مسجد رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-الذي كان ساحة للاستقبال، ثم كان هناك تطوع أو تكليف رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-لأحد الصحابة باستضافة بعض القادمين، واهتم-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بتلك الوفود وحرص على تعليمها وتربيتها، وقد كانت تلك الوفود حريصة على فهم الإسلام وتعلم شرائعه وأحكامه، وآدابه، ونظمه في الحياة، وتطبيق ما علموه تطبيقاً عمليّاً، جعلهم نماذج حياة لفضائله، وقد كان لكثير منهم سؤالات عن أشياء كانت شائعة بينهم ابتغاء معرفة حلالها وحرامها، وكان النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- حريصاً أشد الحرص على تفقيههم في الدين، وبيان ما سألوه عنه، وكان-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يدني منهم من يعلم منه زيادة حرص على القرآن العظيم وحفظ آياته تفقهاً فيه ويقول لأصحابه: فقِّهوا إخوانكم، وكان-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يسأل عمن يعرف من شرفائهم, فإذا رغبوا في الرحيل إلى بلادهم أوصاهم بلزوم الحق، وحثَّهم على الاعتصام بالصبر، ثم يجزيهم بالجوائز الحسان، ويسوِّي بينهم فإذا رجعوا إلى أقوامهم رجعوا هُداة دعاة، مشرقة قلوبهم بنور الإيمان، يعلمونهم مما علِّموا، ويحدثونهم بما سمعوا، ويذكرون لهم مكارم النَّبيِّ وبره وبشره, واستنارة وجهه سروراً بمقدمهم عليه، ويذكرون لهم ما شاهدوه من حال أصحابه في تآخيهم وتحاببهم, ومواساة بعضهم بعضاً ليثيروا في أنفسهم الشوق إلى لقاء رَسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، ولقاء أصحابه، ويحببوا إليهم التأسي بهم في سلوكهم ومكارم أخلاقهم، واختارت بعض الوفود البقاء على نصرانيتها كوفود نصارى نجران ووافقت على دفع الجزية، ونحاول في هذا المبحث أن نذكر بعض الوفود ونذكر الفقه والفوائد الدروس والعبر إن وجد، فإلى الوفود(1).


سنة بداية الوفود:

اختلفَ العلماءُ في تاريخ مَقدمِ الوفودِ على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفي عددِها, حيث أشارتِ المصادرُ الحديثيةُ والتاريخيةُ إلى قدومِ بعضِ الوفودِ إلى المدينة في تاريخ مبكِّرٍ عن السنة التاسعة، ولعلَّ ذلك مما أدَّى إلى الاختلافِ في تحديدِ عددِ الوفودِ بين ما يزيد عن ستين وفداً عند البعض، وليرتفع فيبلغ أكثر من مائة وفد عند آخرين، ولعل البعض قد اقتصر على ذكر المشهور منهم(2).

وقد استقصى ابنُ سعد-رحمه الله- في جمع المعلومات عن الوفود، وقدم ترجمات وافية عن رجال الوفود، ومن كانت له صحبة منهم، وما ورد عن طريقهم من آثار، ولا تخلو أسانيد ابن سعد أحياناً من المطاعن، كما أن فيها أسانيد للثقاة أيضاً(3)، ولا شك في أن الأخبار التي أوردها المؤرخون ليست ثابتة بالنقل الصحيح المعتمد وفق أساليب المحدثين، رغم أن عدداً كبيراً من المرويات عن تلك الوفود ثابتة وصحيحة(4)، فقد أورد البخاري معلومات عن وفد قبيلة تميم وقدومه إلى النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ووفود أخرى مثل: عبد القيس وبني حنيفة، ووفد نجران، ووفد الأشعريين وأهل اليمن، ووفد دوس(5)، وتعززت أخبار هذه الوفود بمعلومات إضافية وردت في مصادر تاريخية إلى جانب ما ورد عنها في كتب السِّيرة والمغازي, وقد أورد مسلمٌ أخباراً عن أغلب الوفود المذكورة آنِفاً,كما أوردت بقية الكتب الستة معلومات أوسع شملت عدداً كبيراً من الوفود(6).

وقال ابن إسحاق: قدمت وفودُ العربِ على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، في سنة تسع للهجرة وكانتْ تُسمَّى بذلك، ففيها قدم وفد بني تميم، وفيها قدم وفد بني عامر، فيهم عامر بن الطُّفَيل، وأرْبَدُ بن قيس بن جَزء بن خالد بن جعفر، وجَبَّار بن سلمى بن مالك بن جعفر، قاله ابن إسحاق(7).

قال ابن إسحاق: لما افتتح رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- مكة, وفرغ من تبوك, وأسلمت ثقيف وبايعت, ضربت إليه وفود العرب من كلِّ وجه, فدخلوا في دين الله أفواجا يضربون إليه من كل وجه(8).

قال ابن هشام: حدّثني أبو عُبيدة: أنّ ذلك في سنة تسع، وأنها كانت تُسمّى سنة الوفود(9).

قال ابن إسحاق: وإنّما كانت العرب تَربّص بالإسلام أمر هذا الحيّ من قريش وأمر رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، وذلك أن قريشاً كانوا إمام الناس وهاديهم، وأهل البيت الحرام، وصريح ولد إسماعيل بن إبراهيم-عليهما السلام-، وقادة العرب لا ينكرون ذلك، وكانت قريش هي التي نصبت لحرب رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وخلافه، فلما افتُتحت مكة، ودانت له قريش، ودخلها الإسلام, وعرفت العرب أنه لا طاقة لهم بحرب رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- ولا عداوته، فدخلوا في دين الله، كما قال –عز وجل- لنبيِّه-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} سورة النصر:(1-3). أي فاحمد الله على ما أظهر من دِينكَ، واستغفره إنه كان تَوَّاباً(10).