علي النموشي
2010-03-02, 22:03
المقـــامــة العــاتــريــة
حدثنا عباس النموشي قال : لما اجتزت مرحلة التعليم المتوسط المديدة ، ُوجّهت إلى ثانوية بئر العاتر الجديدة ، و كانت شاقة و بعيدة ، فسجلت فيها ، و عرفت طريقها و اكتريت لهذا مع بعض من رفاقي ، مستودعا للمكوث و التلاقي ، و كان يجاورنا مسجدا عتيقا ، قيّمه شيخا نحيلا رقيقا ، من قبيلة أولاد عبيد الشريف ، الرجل الصالح العفيف ، فكان لنا بمثابة الأب ، و الأخ و الصاحب ، يطعمنا من قوت عياله و يحرسنا كأننا أولاده ، و في إحدى المرات ، واجهتني عديد المشقات ، فقد دخلت مطعما بغية تناول العشاء ، فترصدتني مجموعة من الغوغاء ، و ما إن خرجت حتى أحاطوا بي ، و أرادوا ضربي ، إلا أنني حملت حجرا كبيرا ، و رميت به أحدهم فأرديته كسيرا ، إلا أن أبناء الخير تدخلوا و فضوا شجارنا و ذهبوا و في أحد الأيام جاءنا صاحب المستودع بالآكام ، و طلب منا سداد الأجرة بالتمام ، فأجبته : يا أخا العرب ، إننا لم نسكن مقرك إلا لنصف شهر ، و أنت تطالبنا بالأجر ، فرد علي بأسلوب إستفزني ، و قمت بسبّه لكنه لم يمهلني ، و نطحني برأسية أسقطتني ، ثم قمت جاريا مخرجا قضيبا حديديا ، و هويت به على رأسه فسقط أرضا مغشيا عليه و جاء أبناء عمومته ، و حاصرونا و صاروا بالحجارة يقذفوننا ، لولا تدخل ذلك الشيخ الفاضل ، لكان أمرنا فاصل ، لكن رفقتي تطيروا من أمري ، فطردوني و تركوني أمضي حالي سبيلي ، فاهتديت إلى فكرة لم ترق لي بادئ الأمر ، لكن لا مخرج منها و لا مفر ، فذهبت إلى دار أحد أبناء عمومتي ، و حكيت له قصتي فرحب بي و أجلسني في بيته ، رغم قلة يده ، و فقر حاله ، و كثرة عياله . ثم أن زوجته كرهتني ، و أصبحت تكيد لي ، و ترمقني بنظرات حاقدة ، و تكيل لي السباب بنبرة حادة ، و صارت تؤلب عليّ أطفالها ، حتى نغّصوا عليّ البقاء في دارها كما أوغرت عليّ صدر زوجها ، فصارت أدواتي تسرق ، و مئزري يمزق ، و لا أجد العشاء إلا نادرا ، فاتصلت بأخي الأكبر ، الذي طمأنني بأمر جعلني أصبر . و في يوم جمعة مشؤوم ، دخل زوجها المهموم ، فصارت تصرخ لوحدها ، كأن الجن مسها و ألصقت بي تهمة أنا بريء منها ، وقالت له : هذا جزاء من تأويه في بيتك لقد ضبطته مع إبنتك ، و لك الخياران إما هو أو أنا في منزلك ، وفي لمح البصر هوى عليّ بصفعة كوقع الحجر ، و طردني ظلما ، و رمت لي محفظتي و متاعي بلا ندم ثم اسودت الدنيا في وجهي ، و لم أعرف وجهتي .
غير أنني تذكرت بلا ريب ، ذلك الشيخ الطيب ، واتجهت إليه في يومي ، فوجدته و حكيت له قصتي ، ثم رحب بي و رتّب مكانا في الميضأة لي ، و كان يأتيني بعشائي كل ليلة ، من غير طمع أو حيلة فكنت أدرس بالنهار ، و أقضي وقتي في المسجد مع المصلين الأبرار ، حتى أتاني أخي بالخبر اليقين ، و قد وجد لي مكانا مع الدارسين في ثانوية الحمامات ، أين تسكن أختي الوسطى بالذات ، فطلبت النقلة ، واتجهت إلى مقصدي على جناح السرعة ، و قد أخبرت أخي بقصة الشيخ الكريم ، فكافأه على صنيعه الحميم ، و صرت لما أتوجه للديار ، أمرّ عليه مرور الزوار ، حتى تبدل عليّ الحال ، و صرت في خير الأحوال ، بأن أنعم الله عليّ ، لحسن خلقي و طبعي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بئر العاتر : دائرة من الدوائر الجنوبية ولاية تبسة .
الغوغاء : الحثالة من الناس .
حدثنا عباس النموشي قال : لما اجتزت مرحلة التعليم المتوسط المديدة ، ُوجّهت إلى ثانوية بئر العاتر الجديدة ، و كانت شاقة و بعيدة ، فسجلت فيها ، و عرفت طريقها و اكتريت لهذا مع بعض من رفاقي ، مستودعا للمكوث و التلاقي ، و كان يجاورنا مسجدا عتيقا ، قيّمه شيخا نحيلا رقيقا ، من قبيلة أولاد عبيد الشريف ، الرجل الصالح العفيف ، فكان لنا بمثابة الأب ، و الأخ و الصاحب ، يطعمنا من قوت عياله و يحرسنا كأننا أولاده ، و في إحدى المرات ، واجهتني عديد المشقات ، فقد دخلت مطعما بغية تناول العشاء ، فترصدتني مجموعة من الغوغاء ، و ما إن خرجت حتى أحاطوا بي ، و أرادوا ضربي ، إلا أنني حملت حجرا كبيرا ، و رميت به أحدهم فأرديته كسيرا ، إلا أن أبناء الخير تدخلوا و فضوا شجارنا و ذهبوا و في أحد الأيام جاءنا صاحب المستودع بالآكام ، و طلب منا سداد الأجرة بالتمام ، فأجبته : يا أخا العرب ، إننا لم نسكن مقرك إلا لنصف شهر ، و أنت تطالبنا بالأجر ، فرد علي بأسلوب إستفزني ، و قمت بسبّه لكنه لم يمهلني ، و نطحني برأسية أسقطتني ، ثم قمت جاريا مخرجا قضيبا حديديا ، و هويت به على رأسه فسقط أرضا مغشيا عليه و جاء أبناء عمومته ، و حاصرونا و صاروا بالحجارة يقذفوننا ، لولا تدخل ذلك الشيخ الفاضل ، لكان أمرنا فاصل ، لكن رفقتي تطيروا من أمري ، فطردوني و تركوني أمضي حالي سبيلي ، فاهتديت إلى فكرة لم ترق لي بادئ الأمر ، لكن لا مخرج منها و لا مفر ، فذهبت إلى دار أحد أبناء عمومتي ، و حكيت له قصتي فرحب بي و أجلسني في بيته ، رغم قلة يده ، و فقر حاله ، و كثرة عياله . ثم أن زوجته كرهتني ، و أصبحت تكيد لي ، و ترمقني بنظرات حاقدة ، و تكيل لي السباب بنبرة حادة ، و صارت تؤلب عليّ أطفالها ، حتى نغّصوا عليّ البقاء في دارها كما أوغرت عليّ صدر زوجها ، فصارت أدواتي تسرق ، و مئزري يمزق ، و لا أجد العشاء إلا نادرا ، فاتصلت بأخي الأكبر ، الذي طمأنني بأمر جعلني أصبر . و في يوم جمعة مشؤوم ، دخل زوجها المهموم ، فصارت تصرخ لوحدها ، كأن الجن مسها و ألصقت بي تهمة أنا بريء منها ، وقالت له : هذا جزاء من تأويه في بيتك لقد ضبطته مع إبنتك ، و لك الخياران إما هو أو أنا في منزلك ، وفي لمح البصر هوى عليّ بصفعة كوقع الحجر ، و طردني ظلما ، و رمت لي محفظتي و متاعي بلا ندم ثم اسودت الدنيا في وجهي ، و لم أعرف وجهتي .
غير أنني تذكرت بلا ريب ، ذلك الشيخ الطيب ، واتجهت إليه في يومي ، فوجدته و حكيت له قصتي ، ثم رحب بي و رتّب مكانا في الميضأة لي ، و كان يأتيني بعشائي كل ليلة ، من غير طمع أو حيلة فكنت أدرس بالنهار ، و أقضي وقتي في المسجد مع المصلين الأبرار ، حتى أتاني أخي بالخبر اليقين ، و قد وجد لي مكانا مع الدارسين في ثانوية الحمامات ، أين تسكن أختي الوسطى بالذات ، فطلبت النقلة ، واتجهت إلى مقصدي على جناح السرعة ، و قد أخبرت أخي بقصة الشيخ الكريم ، فكافأه على صنيعه الحميم ، و صرت لما أتوجه للديار ، أمرّ عليه مرور الزوار ، حتى تبدل عليّ الحال ، و صرت في خير الأحوال ، بأن أنعم الله عليّ ، لحسن خلقي و طبعي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بئر العاتر : دائرة من الدوائر الجنوبية ولاية تبسة .
الغوغاء : الحثالة من الناس .