abbes8
2010-02-27, 17:44
الأستاذ الدكتور عمار بوضياف---------------------
إنّ أبرز مظهر تتميّز به الصفقات العمومية عن غيرها من العقود وخاصة المدنية والتجارية أن الصفقة العمومية تخوّل جهة الإدارة ممارسة جملة من السلطات تتمثّل في سلطة الإشراف والرقابة وسلطة التعديل وتوقيع الجزاءات وسلطة إنهاء الصفقة. نفصل هذه السلطات فيما يلي:
المبحث الأول: سلطة الإشراف والرقابة.
يقصد بسلطة الإشراف تحقّق الإدارة من أنّ المتعاقد معها يقوم بتنفيذ التزاماته العقدية على النحو المتفق عليه. أمّا سلطة الرقابة فتتمثّل في حق الإدارة في التدخل لتنفيذ العقد وتوجيه الأعمال واختيار طريقة التنفيذ في حدود الشروط وضمن الكيفيات المتفق عليها في العقد.
وتجد هذه السلطة أساسها في فكرة المرفق العام، لا النصوص التعاقدية. فهي ثابتة للإدارة حتى ولو لم ينص عليها العقد. وهنا يبرز الفرق الواضح بين العقد الإداري والعقد المدني، إذ أنّ هذا الأخير لا يخوّل سلطة للمتعاقد إلا إذا تمّ النّص عليها في العقد أو قرّرها القانون، بينما العقد الإداري يخوّل للإدارة سلطة الإشراف والتوجيه وإن لم ينص في العقد على ذلك وهذا بهدف ضمان تلبية الحاجات العامة وحسن أداء الخدمة العامة وضمان حسن سير المرافق العامة.
وتعتبر سلطة الإشراف والرقابة من النظام العام لا يمكن الاتفاق على مخالفتها لأنّها قررت للمصلحة العامة. كما لا يمكن لجهة الإدارة التنازل عنها. فهي ليست بالامتياز الممنوح للإدارة في حد ذاتها بوصفها سلطة عامة، بل قررت سلطة الإشراف والرقابة لحماية المال العام وضمان حسن سير المرافق العامة. وغالبا ما تشترط الإدارة ضمن بنود صفقاتها أو في دفاتر الشروط العامة والخاصة حقّها في إصدار التعليمات.
ويتجسد ذلك أكثر في عقود الأشغال العامة بالنظر لطبيعته الخاصة وكون أنّ تنفيذه يستغرق مدة زمنية طويلة. غير أنّ سلطة الإشراف والرقابة وإن كانت ثابتة بالنسبة لجهة الإدارة ومقرّرة في سائر العقود الإدارية، إلا أنّ ممارستها تختلف من حيث المدى بين صفقة وأخرى فسلطة الإشراف والرقابة تبرز أكثر، ويتسع مجالها ومداها في عقود الأشغال وهذا بالنّظر لطابعها الخاص كونها تكلّف خزينة الدولة مبالغ ضخمة. ثمّ أنّها تحتاج إلى متابعة مستمرة ومتواصلة تفاديا لأيّ خروج عن ما تمّ التعاقد بشأنه من جانب المقاول أو مؤسسة التنفيذ.
وعلى ذلك فعقد الأشغال بطبيعته يفرض تدخل مندوب الإدارة للإشراف على التنفيذ فيكون بمثابة المدير الحقيقي للعمل والمشرف العام عليه. وينقلب المقاول إلى جهة تنفيذ التعليمات الصادرة عن مندوب الإدارة.
وبهدف إجراء التوازن بين ممارسة الإدارة لسلطتها وضمان حقوق المتعاقد معها يجوز للمقاول المعني اللجوء للقضاء الإداري بهدف إلغاء قرار يتعلّق بتعليمة تخص تنفيذ عقد أشغال، أو أن يرفع دعوى تعويض عن الأعباء المالية الناتجة عن تنفيذ هذه التعليمات. لذلك ذهبت المحكمة العليا في مصر في قرار لها صدر بتاريخ 16-02-1978 إلى القول : " وإن كانت المادتان 11-12 من عقد حفر أبار المبرم بين جهة الإدارة والمقاول تخولان الإدارة إصدار الأوامر والتعليمات، إلا أنه يشترط لذلك أن تكون هذه التعليمات لازمة لتنفيذ العمل على الوجه الصحيح، فإن تبين أن هذه التعليمات تتضمن أمورا لا تتفق مع أصول الفن كان من حق المقاول أن يعترض على هذه التعليمات وأن يبيّن أنّها تخالف أصول الفن...".
وهو ما يؤكد لنا أن سلطة الإشراف والتوجيه والرقابة ليست مطلقة لأن إطلاقها يؤدي إلى تعسف جهة الإدارة ومبالغتها في إصدار التعليمات والأوامر بما قد يضر بالمتعاقد معها خاصة من الناحية المالية.
أمّا التوريد فطبيعته تفرض أن تتخذ سلطة الإشراف مظهرا آخر أقل شدة من الأول. فالأمر يتعلق بمواد أو منقولات يلزم المتعاقد بأن يضعها تحت تصرف الإدارة.ومن حق مندوب الإدارة رفض استلام المواد أو المعدات التي لا تنطبق عليها المواصفات المتفق عليها في العقد.
وكذلك حق الامتياز يتخذ الإشراف فيه شكلا خاصا ومميزا. فالإدارة تراقب نشاط المرفق المسير بطريق الامتياز للتأكد عما إذا كان الملتزم يعمل وفقا للشروط الواردة في العقد أم أن هناك خرف من جانبه لأحد البنود العقدية فتتخذ الإجراءات القانونية.كأن يتعلق الأمر بإخلاله مثلا بالرسوم المتفق عليها وتجاوزه للحد المتفق عليه. أو يتعلق الأمر بتمييزه بين المنتفعين من خدمات المرفق وهكذا ...
المبحث الثاني: سلطة التعديل.
تعد سلطة التعديل أحد أهم مظاهر تميّز العقد الإداري عن غيره من عقود القانون الخاص. فإذا كان أطراف العقد المدني لا يتمتع أيا منهم بسلطة انفرادية تجاه الآخر يمكنه من تعديل أحكام العقد بإرادة واحدة وإلزام الطرف الآخر بهذا التعديل. فإنّ العقد الإداري وخلاف القواعد المعمول بها في مجال القانون الخاص يمكن جهة الإدارة تعديله بإرادتها المنفردة.
ويكاد فقه القانون والقضاء المقارن يجمع على أن كل العقود الإدارية قابلة للتعديل من جانب الإدارة لوحدها. وتأصيل ذلك يعود لحسن سير المرافق العامة. فتستطيع الإدارة إذا اقتضت المصلحة العامة وحسن سير المرفق العام أن تعدل في مقدار التزامات المتعاقد معها بالزيادة أو النقصان. وهذا الحق ثابت للإدارة ولو لم يتم النّص عليه في العقد.بل هو ثابت للإدارة وإن لم ينص عليه القانون صراحة. ذلك أنّ عقود القانون الخاص إذا كانت تقوم على فكرة المساواة بين طرفي العقد دون تمييز أو مفاضلة لطرف على طرف. فإنّ العقد الإداري وخلاف ذلك يقوم على فكرة تفضيل مصلحة على مصلحة .
ولما كانت الإدارة تمثّل جهة الطرف الّذي يسعى إلى تحقيق مصلحة عامة وجب أن تتمتع بامتياز تجاه المتعاقد معها تمثل في أحقيتها في تعديل العقد بإرادتها المفردة دون أن يكون للمتعاقد معها حق الاحتجاج أو الاعتراض طالما كان التعديل ضمن الإطار العام للصفقة واستوجبته المصلحة العامة وحسن سير المرفق العام .
وسلطة الإدارة في التعديل ليست مطلقة بل تمارس ضمن إطار محدد وضوابط دقيقة تتمثل فيما يلي:
1- أن لا يتعدى التعديل موضوع العقد:
لا شك أن الإدارة وهي تمارس سلطتها في التعديل تباشرها على نحو يراعي موضوع العقد الأصلي وان لا يتجاوزه. فلا يجوز لجهة الإدارة أن تتخذ من سلطة التعديل ذريعة أو مطية لتغيير موضوع العقد وإرهاق الطرف المتعاقد معها.
وعليه لا تستطيع الإدارة أن تعدل أحكام العقد على نحو يغير موضوعه. وإلا كنا أمام عقد جديد. ذلك أنّ المتعاقد مع الإدارة عندما قبل التعاقد معها، وألتزم بتنفيذ مضمون العقد في أجال محدّدة، فإنّه راعي في ذلك قدراته المالية والفنية. فإن أقبلت الإدارة على التغيير الموضوعي أو الهيكلي للعقد، فإنّ ذلك قد لا يناسب المتعاقد معها. ومن هنا وجب أن يكون التعديل من حيث المدى والأثر نسبيا بحيث لا يؤثر على العقد الأصلي.
2- أن يكون للتعديل أسباب موضوعية:
لا شك أنّ الإدارة وهي تباشر سلطتها في تعديل العقود الإدارية لا تتحرك من فراغ بل هناك عوامل تدفعها لتعديل هذا العقد أو ذاك. بهدف ضمان حسن سير المرافق العامة وتلبية الخدمة العامة للجمهور في أحسن وجه.
إنّ الإدارة العامة تتعاقد في ظل ظروف معيّنة قد تتغير في مرحلة ما بعد توقيع العقد خاصة في العقود الإدارية التي تأخذ زمنا طويلا في تنفيذها كعقد الأشغال أو عقد التوريد. فإن تغيرت الظروف وجب الاعتراف للإدارة بحق تعديل العقد بما يتماشى والظروف الجديدة، وبما يراعي موضوع العقد الأصلي، ويلبي حاجات المنتفعين من خدمات المرفق العام.
3- أن يصدر قرار التعديل في حدود القواعد العامة للمشروعية:
إنّ الإدارة حين تقبل على تعديل صفقة ما، فإنّ وسيلتها في ذلك هي القرار الإداري. فتصدر السلطة المختصة قرارا إداريا بموجبه تعلن عن نيتها في تعديل صفقة عمومية. ووجب حينئذ أن تتوافر في هذا القرار سائر أركان القرار الإداري ليكون مشروعا. وهنا أيضا نسجل نقطة التقاء واقتران وتلازم أخرى بين نظرية القرار الإداري ونظرية الصفقات العمومية.
إنّ أعمال الإدارة وإن صنّفها الفقه إلى نوعين انفرادية من جهة، وتعاقدية من جهة ثانية، إلا أن العلاقة بينهما قائمة. إذ قد تصدر الإدارة قرارا إداريا له علاقة بصفقة عمومية. كالقرار المتعلق بأعمال جديدة واردة في صفقة عمومية فتصدر الإدارة قرارها ثم تبادر إلى الإعلان عن التعديل.
وكما مّر بنا بالنسبة لسلطة الإشراف أن الإدارة تصدر قرارات بموجبها تعلن عن تعليمات موجهة للمقاول تتعلق بتنفيذ موضوع صفقة عمومية. ومن المفيد الإشارة أنّ فقه القانون الإداري لم يسلم كله بسلطة التعديل. فهناك من الفقهاء من أنكرها على الإدارة. وهناك من قيدها وحصرها في نوع معين من العقود كعقد الأشغال العامة وعقد الامتياز. وتبرير ذلك أنّ عقد الامتياز مثلا يتضمن شروطا لائحية تسوغ للإدارة حق التدخل لتعديل بنود العقد.وكذلك الحال في عقد الأشغال . أمّا في غير العقدين المذكورين لا يجوز مباشرة حق التعديل، إلا إذا تمّ الاتفاق عليها في العقد.
والحقيقة أن مثل هذا الرأي من شأنه أن يجرّد الإدارة من أحد أهم مميزات ومظاهر العقد الإداري فطالما تميز العقد الإداري بموضوعه وبعلاقته بالمرفق العام وبخدمة الجمهور وبالمصلحة العامة. وجب أن يتميز بالمقابل بالسلطات الممنوحة للإدارة وعلى رأسها سلطة التعديل. وإلا فإن العقد الإداري سيقترب من العقد المدني وتختفي مظاهره المميزة وتذوب نتيجة لذلك امتيازات السلطة العامة في مجال التعاقد وهو من شأنه أن يؤدي إلى اختفاء الأحكام المميزة للعقد الإداري.
وإذا كانت بعض الدراسات قد أشارت إلى أن مجلس الدولة الفرنسي طبق لأول مرة سلطة التعديل بتاريخ 21-02-1910 بمناسبة فصله في قضية ترام مرسيليا..فإنّ هناك دراسات أخرى أكدت أنّ مجلس الدولة الفرنسي طبق سلطة التعديل لأول مرة بتاريخ 10 جانفي 1902 في قضية (غازدوفيل)
ورجوعا للمرسوم الرئاســـي 02-250 وتحديدا للمواد 89 إلى 93 نجدها وردت تحت عنوان الملحق (L’avenant) فأجازت المادة 89 للإدارة المتعاقد إبرام ملاحق وفسرت المادة 90 المقصود بالملحق بأنه" وثيقة تعاقدية تابعة للصفقة ويبرم في جميع الحالات إذا كان هدفه زيادة الخدمات أو تقليلها و/أو تعديل بند أو عدة بنود تعاقدية في الصفقة الأصلية".
ومن النص أعلاه نستنتج أن سلطة التعديل تجد أساسها القانوني في التشريع الجزائري في المادة 90 من المرسوم الرئاسي والّتي أجازت للإدارة وفي جميع الصفقات العمومية أن تعدل بندا أو بنود إن بالزيادة أو النقصان.غير أن هذا التعديل مشروطا بما يلي:
إنّ أبرز مظهر تتميّز به الصفقات العمومية عن غيرها من العقود وخاصة المدنية والتجارية أن الصفقة العمومية تخوّل جهة الإدارة ممارسة جملة من السلطات تتمثّل في سلطة الإشراف والرقابة وسلطة التعديل وتوقيع الجزاءات وسلطة إنهاء الصفقة. نفصل هذه السلطات فيما يلي:
المبحث الأول: سلطة الإشراف والرقابة.
يقصد بسلطة الإشراف تحقّق الإدارة من أنّ المتعاقد معها يقوم بتنفيذ التزاماته العقدية على النحو المتفق عليه. أمّا سلطة الرقابة فتتمثّل في حق الإدارة في التدخل لتنفيذ العقد وتوجيه الأعمال واختيار طريقة التنفيذ في حدود الشروط وضمن الكيفيات المتفق عليها في العقد.
وتجد هذه السلطة أساسها في فكرة المرفق العام، لا النصوص التعاقدية. فهي ثابتة للإدارة حتى ولو لم ينص عليها العقد. وهنا يبرز الفرق الواضح بين العقد الإداري والعقد المدني، إذ أنّ هذا الأخير لا يخوّل سلطة للمتعاقد إلا إذا تمّ النّص عليها في العقد أو قرّرها القانون، بينما العقد الإداري يخوّل للإدارة سلطة الإشراف والتوجيه وإن لم ينص في العقد على ذلك وهذا بهدف ضمان تلبية الحاجات العامة وحسن أداء الخدمة العامة وضمان حسن سير المرافق العامة.
وتعتبر سلطة الإشراف والرقابة من النظام العام لا يمكن الاتفاق على مخالفتها لأنّها قررت للمصلحة العامة. كما لا يمكن لجهة الإدارة التنازل عنها. فهي ليست بالامتياز الممنوح للإدارة في حد ذاتها بوصفها سلطة عامة، بل قررت سلطة الإشراف والرقابة لحماية المال العام وضمان حسن سير المرافق العامة. وغالبا ما تشترط الإدارة ضمن بنود صفقاتها أو في دفاتر الشروط العامة والخاصة حقّها في إصدار التعليمات.
ويتجسد ذلك أكثر في عقود الأشغال العامة بالنظر لطبيعته الخاصة وكون أنّ تنفيذه يستغرق مدة زمنية طويلة. غير أنّ سلطة الإشراف والرقابة وإن كانت ثابتة بالنسبة لجهة الإدارة ومقرّرة في سائر العقود الإدارية، إلا أنّ ممارستها تختلف من حيث المدى بين صفقة وأخرى فسلطة الإشراف والرقابة تبرز أكثر، ويتسع مجالها ومداها في عقود الأشغال وهذا بالنّظر لطابعها الخاص كونها تكلّف خزينة الدولة مبالغ ضخمة. ثمّ أنّها تحتاج إلى متابعة مستمرة ومتواصلة تفاديا لأيّ خروج عن ما تمّ التعاقد بشأنه من جانب المقاول أو مؤسسة التنفيذ.
وعلى ذلك فعقد الأشغال بطبيعته يفرض تدخل مندوب الإدارة للإشراف على التنفيذ فيكون بمثابة المدير الحقيقي للعمل والمشرف العام عليه. وينقلب المقاول إلى جهة تنفيذ التعليمات الصادرة عن مندوب الإدارة.
وبهدف إجراء التوازن بين ممارسة الإدارة لسلطتها وضمان حقوق المتعاقد معها يجوز للمقاول المعني اللجوء للقضاء الإداري بهدف إلغاء قرار يتعلّق بتعليمة تخص تنفيذ عقد أشغال، أو أن يرفع دعوى تعويض عن الأعباء المالية الناتجة عن تنفيذ هذه التعليمات. لذلك ذهبت المحكمة العليا في مصر في قرار لها صدر بتاريخ 16-02-1978 إلى القول : " وإن كانت المادتان 11-12 من عقد حفر أبار المبرم بين جهة الإدارة والمقاول تخولان الإدارة إصدار الأوامر والتعليمات، إلا أنه يشترط لذلك أن تكون هذه التعليمات لازمة لتنفيذ العمل على الوجه الصحيح، فإن تبين أن هذه التعليمات تتضمن أمورا لا تتفق مع أصول الفن كان من حق المقاول أن يعترض على هذه التعليمات وأن يبيّن أنّها تخالف أصول الفن...".
وهو ما يؤكد لنا أن سلطة الإشراف والتوجيه والرقابة ليست مطلقة لأن إطلاقها يؤدي إلى تعسف جهة الإدارة ومبالغتها في إصدار التعليمات والأوامر بما قد يضر بالمتعاقد معها خاصة من الناحية المالية.
أمّا التوريد فطبيعته تفرض أن تتخذ سلطة الإشراف مظهرا آخر أقل شدة من الأول. فالأمر يتعلق بمواد أو منقولات يلزم المتعاقد بأن يضعها تحت تصرف الإدارة.ومن حق مندوب الإدارة رفض استلام المواد أو المعدات التي لا تنطبق عليها المواصفات المتفق عليها في العقد.
وكذلك حق الامتياز يتخذ الإشراف فيه شكلا خاصا ومميزا. فالإدارة تراقب نشاط المرفق المسير بطريق الامتياز للتأكد عما إذا كان الملتزم يعمل وفقا للشروط الواردة في العقد أم أن هناك خرف من جانبه لأحد البنود العقدية فتتخذ الإجراءات القانونية.كأن يتعلق الأمر بإخلاله مثلا بالرسوم المتفق عليها وتجاوزه للحد المتفق عليه. أو يتعلق الأمر بتمييزه بين المنتفعين من خدمات المرفق وهكذا ...
المبحث الثاني: سلطة التعديل.
تعد سلطة التعديل أحد أهم مظاهر تميّز العقد الإداري عن غيره من عقود القانون الخاص. فإذا كان أطراف العقد المدني لا يتمتع أيا منهم بسلطة انفرادية تجاه الآخر يمكنه من تعديل أحكام العقد بإرادة واحدة وإلزام الطرف الآخر بهذا التعديل. فإنّ العقد الإداري وخلاف القواعد المعمول بها في مجال القانون الخاص يمكن جهة الإدارة تعديله بإرادتها المنفردة.
ويكاد فقه القانون والقضاء المقارن يجمع على أن كل العقود الإدارية قابلة للتعديل من جانب الإدارة لوحدها. وتأصيل ذلك يعود لحسن سير المرافق العامة. فتستطيع الإدارة إذا اقتضت المصلحة العامة وحسن سير المرفق العام أن تعدل في مقدار التزامات المتعاقد معها بالزيادة أو النقصان. وهذا الحق ثابت للإدارة ولو لم يتم النّص عليه في العقد.بل هو ثابت للإدارة وإن لم ينص عليه القانون صراحة. ذلك أنّ عقود القانون الخاص إذا كانت تقوم على فكرة المساواة بين طرفي العقد دون تمييز أو مفاضلة لطرف على طرف. فإنّ العقد الإداري وخلاف ذلك يقوم على فكرة تفضيل مصلحة على مصلحة .
ولما كانت الإدارة تمثّل جهة الطرف الّذي يسعى إلى تحقيق مصلحة عامة وجب أن تتمتع بامتياز تجاه المتعاقد معها تمثل في أحقيتها في تعديل العقد بإرادتها المفردة دون أن يكون للمتعاقد معها حق الاحتجاج أو الاعتراض طالما كان التعديل ضمن الإطار العام للصفقة واستوجبته المصلحة العامة وحسن سير المرفق العام .
وسلطة الإدارة في التعديل ليست مطلقة بل تمارس ضمن إطار محدد وضوابط دقيقة تتمثل فيما يلي:
1- أن لا يتعدى التعديل موضوع العقد:
لا شك أن الإدارة وهي تمارس سلطتها في التعديل تباشرها على نحو يراعي موضوع العقد الأصلي وان لا يتجاوزه. فلا يجوز لجهة الإدارة أن تتخذ من سلطة التعديل ذريعة أو مطية لتغيير موضوع العقد وإرهاق الطرف المتعاقد معها.
وعليه لا تستطيع الإدارة أن تعدل أحكام العقد على نحو يغير موضوعه. وإلا كنا أمام عقد جديد. ذلك أنّ المتعاقد مع الإدارة عندما قبل التعاقد معها، وألتزم بتنفيذ مضمون العقد في أجال محدّدة، فإنّه راعي في ذلك قدراته المالية والفنية. فإن أقبلت الإدارة على التغيير الموضوعي أو الهيكلي للعقد، فإنّ ذلك قد لا يناسب المتعاقد معها. ومن هنا وجب أن يكون التعديل من حيث المدى والأثر نسبيا بحيث لا يؤثر على العقد الأصلي.
2- أن يكون للتعديل أسباب موضوعية:
لا شك أنّ الإدارة وهي تباشر سلطتها في تعديل العقود الإدارية لا تتحرك من فراغ بل هناك عوامل تدفعها لتعديل هذا العقد أو ذاك. بهدف ضمان حسن سير المرافق العامة وتلبية الخدمة العامة للجمهور في أحسن وجه.
إنّ الإدارة العامة تتعاقد في ظل ظروف معيّنة قد تتغير في مرحلة ما بعد توقيع العقد خاصة في العقود الإدارية التي تأخذ زمنا طويلا في تنفيذها كعقد الأشغال أو عقد التوريد. فإن تغيرت الظروف وجب الاعتراف للإدارة بحق تعديل العقد بما يتماشى والظروف الجديدة، وبما يراعي موضوع العقد الأصلي، ويلبي حاجات المنتفعين من خدمات المرفق العام.
3- أن يصدر قرار التعديل في حدود القواعد العامة للمشروعية:
إنّ الإدارة حين تقبل على تعديل صفقة ما، فإنّ وسيلتها في ذلك هي القرار الإداري. فتصدر السلطة المختصة قرارا إداريا بموجبه تعلن عن نيتها في تعديل صفقة عمومية. ووجب حينئذ أن تتوافر في هذا القرار سائر أركان القرار الإداري ليكون مشروعا. وهنا أيضا نسجل نقطة التقاء واقتران وتلازم أخرى بين نظرية القرار الإداري ونظرية الصفقات العمومية.
إنّ أعمال الإدارة وإن صنّفها الفقه إلى نوعين انفرادية من جهة، وتعاقدية من جهة ثانية، إلا أن العلاقة بينهما قائمة. إذ قد تصدر الإدارة قرارا إداريا له علاقة بصفقة عمومية. كالقرار المتعلق بأعمال جديدة واردة في صفقة عمومية فتصدر الإدارة قرارها ثم تبادر إلى الإعلان عن التعديل.
وكما مّر بنا بالنسبة لسلطة الإشراف أن الإدارة تصدر قرارات بموجبها تعلن عن تعليمات موجهة للمقاول تتعلق بتنفيذ موضوع صفقة عمومية. ومن المفيد الإشارة أنّ فقه القانون الإداري لم يسلم كله بسلطة التعديل. فهناك من الفقهاء من أنكرها على الإدارة. وهناك من قيدها وحصرها في نوع معين من العقود كعقد الأشغال العامة وعقد الامتياز. وتبرير ذلك أنّ عقد الامتياز مثلا يتضمن شروطا لائحية تسوغ للإدارة حق التدخل لتعديل بنود العقد.وكذلك الحال في عقد الأشغال . أمّا في غير العقدين المذكورين لا يجوز مباشرة حق التعديل، إلا إذا تمّ الاتفاق عليها في العقد.
والحقيقة أن مثل هذا الرأي من شأنه أن يجرّد الإدارة من أحد أهم مميزات ومظاهر العقد الإداري فطالما تميز العقد الإداري بموضوعه وبعلاقته بالمرفق العام وبخدمة الجمهور وبالمصلحة العامة. وجب أن يتميز بالمقابل بالسلطات الممنوحة للإدارة وعلى رأسها سلطة التعديل. وإلا فإن العقد الإداري سيقترب من العقد المدني وتختفي مظاهره المميزة وتذوب نتيجة لذلك امتيازات السلطة العامة في مجال التعاقد وهو من شأنه أن يؤدي إلى اختفاء الأحكام المميزة للعقد الإداري.
وإذا كانت بعض الدراسات قد أشارت إلى أن مجلس الدولة الفرنسي طبق لأول مرة سلطة التعديل بتاريخ 21-02-1910 بمناسبة فصله في قضية ترام مرسيليا..فإنّ هناك دراسات أخرى أكدت أنّ مجلس الدولة الفرنسي طبق سلطة التعديل لأول مرة بتاريخ 10 جانفي 1902 في قضية (غازدوفيل)
ورجوعا للمرسوم الرئاســـي 02-250 وتحديدا للمواد 89 إلى 93 نجدها وردت تحت عنوان الملحق (L’avenant) فأجازت المادة 89 للإدارة المتعاقد إبرام ملاحق وفسرت المادة 90 المقصود بالملحق بأنه" وثيقة تعاقدية تابعة للصفقة ويبرم في جميع الحالات إذا كان هدفه زيادة الخدمات أو تقليلها و/أو تعديل بند أو عدة بنود تعاقدية في الصفقة الأصلية".
ومن النص أعلاه نستنتج أن سلطة التعديل تجد أساسها القانوني في التشريع الجزائري في المادة 90 من المرسوم الرئاسي والّتي أجازت للإدارة وفي جميع الصفقات العمومية أن تعدل بندا أو بنود إن بالزيادة أو النقصان.غير أن هذا التعديل مشروطا بما يلي: