صالح القسنطيني
2010-02-22, 18:16
السلام عليكم و رحمـــــــــة الله و بركاته
لا يفهم أني عدت، و إنما هو فراغ وُلّد بين فترتين، فرأيت أنه من الأحسن لي أن أنشر جزءا مما كتبت، و معذرة إلى كل من كان أكرم منّا فوجه أو نصح، فأني سأقف على كل رد، و لكن لن أرد له، و العذر عند كرام الناس مقبول.
قد نعـــوها إليّ بعد أن قبروها، فحرموني من تشييع جنازتها، و دعوني للبكاء و الدعاء لها، فنذرت حقبا متوالية لندبها، و عكفت على قبرها لنياحتها، قد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت فلحّدوها في قلبي، و كفنوها في ثيابي و تركوني عاريا، و حنّطوها من عصارة عيني باكيا، لتبقى ذكراها تؤزّ النفس أزّا، قد جُمع العصبة فبقروا صدري ليودعوه وصيتها، و شقوا أملي ليغرسوا فيه تركتها، فليس لها وارث غيري، هي قد ماتت و تركتني لأتفسّخ في العراء، و تسبح روحي في بحر ذكراها، فتلطمها أمواج الحزن و تعصف بها رياح الفراق العاتية.
لن أراها بعد اليوم فما أعظم المصاب، و لن أسمع كلامها فمن بعدها يزف إلىّ الخطاب، قد رحلت إلى عالم لو لحقتها إليه بإرادتي كنت كافرا، و نفسي تدعوني للحاق بها فما بقي لي بعدها ذكرا، رحلت من غير رجعة و تركتني معذبا حائرا، فمن بعدها يتعاهد الجنّة التي غرستها في صدري، و يتفقد الثمار التي أزهرت يانعة لشمس وجهها، و أينعت زكيّة لنسيم روحها.
قد عاد المشيعون لعزائي، و تقدم من بينهم الحب فعانقني، و شد الصدق على عضدي، و حملني الوفاء فأقعدني، و لم يستطع الحنين قربي لعظم المصاب في نفسه، قد بكى جميعهم لبكائي، و قد علت أصواتنا، و إنّ لصدورنا لأزيزا كأزيز المرجل للأجيج نار الفراق. ثم و نحن على ما نحن عليه من تلك الحالة، تقدم إلينا شيخ بخطى متثاقلة إنه الصبر فقد عرفه الجميع، فقصدني من بين جميع الباكين، و وضع يده على رأسي و مسح عليه كما يمسح على اليتيم، و قال: ((أي بنى اصبر فما رد الجزع ميتا، و إنّا لله و إنا إليه راجعون، أعظم الله أجركم و أحسن عزائكم و غفر لميتكم)). و كأني أول مرة أسمع بهذه الكلمات، فتسابقت لها من عيني العبرات، و انقطعت الآهات، و لكن لن يأخذ حي منزلتها حتى ألحق بها إلى دار الأموات.
.../...
قطعة من موضوع
الهيثـــــــــــ أبو ـــــــــــــــم
لا يفهم أني عدت، و إنما هو فراغ وُلّد بين فترتين، فرأيت أنه من الأحسن لي أن أنشر جزءا مما كتبت، و معذرة إلى كل من كان أكرم منّا فوجه أو نصح، فأني سأقف على كل رد، و لكن لن أرد له، و العذر عند كرام الناس مقبول.
قد نعـــوها إليّ بعد أن قبروها، فحرموني من تشييع جنازتها، و دعوني للبكاء و الدعاء لها، فنذرت حقبا متوالية لندبها، و عكفت على قبرها لنياحتها، قد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت فلحّدوها في قلبي، و كفنوها في ثيابي و تركوني عاريا، و حنّطوها من عصارة عيني باكيا، لتبقى ذكراها تؤزّ النفس أزّا، قد جُمع العصبة فبقروا صدري ليودعوه وصيتها، و شقوا أملي ليغرسوا فيه تركتها، فليس لها وارث غيري، هي قد ماتت و تركتني لأتفسّخ في العراء، و تسبح روحي في بحر ذكراها، فتلطمها أمواج الحزن و تعصف بها رياح الفراق العاتية.
لن أراها بعد اليوم فما أعظم المصاب، و لن أسمع كلامها فمن بعدها يزف إلىّ الخطاب، قد رحلت إلى عالم لو لحقتها إليه بإرادتي كنت كافرا، و نفسي تدعوني للحاق بها فما بقي لي بعدها ذكرا، رحلت من غير رجعة و تركتني معذبا حائرا، فمن بعدها يتعاهد الجنّة التي غرستها في صدري، و يتفقد الثمار التي أزهرت يانعة لشمس وجهها، و أينعت زكيّة لنسيم روحها.
قد عاد المشيعون لعزائي، و تقدم من بينهم الحب فعانقني، و شد الصدق على عضدي، و حملني الوفاء فأقعدني، و لم يستطع الحنين قربي لعظم المصاب في نفسه، قد بكى جميعهم لبكائي، و قد علت أصواتنا، و إنّ لصدورنا لأزيزا كأزيز المرجل للأجيج نار الفراق. ثم و نحن على ما نحن عليه من تلك الحالة، تقدم إلينا شيخ بخطى متثاقلة إنه الصبر فقد عرفه الجميع، فقصدني من بين جميع الباكين، و وضع يده على رأسي و مسح عليه كما يمسح على اليتيم، و قال: ((أي بنى اصبر فما رد الجزع ميتا، و إنّا لله و إنا إليه راجعون، أعظم الله أجركم و أحسن عزائكم و غفر لميتكم)). و كأني أول مرة أسمع بهذه الكلمات، فتسابقت لها من عيني العبرات، و انقطعت الآهات، و لكن لن يأخذ حي منزلتها حتى ألحق بها إلى دار الأموات.
.../...
قطعة من موضوع
الهيثـــــــــــ أبو ـــــــــــــــم