abou chihab
2007-12-03, 21:25
حقوق الإنسان في عصر العولمة
رؤية عربية
برلين - 24 مارس 2000
كلمة أ. محمد فائق
أمين عام المنظمة العربية لحقوق الإنسان
مقدّمة :
تتشابك العلاقة بين حقوق الإنسان والعولمة بشكل كبير، حيث تؤثر العولمة بتجلّياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تأثيراً عميقاً على حقوق الإنسان في كل هذه المجالات.
كما أنّ العولمة في إطارها النظري الذي يدعو إلى تزايد التبادل وتحقيق الاعتماد المتبادل على مستوى الكوكب، وإدارة المصالح المشتركة للبشرية ولصالح البشرية، تبدو وكأنّها أصبحت ضرورة لا غني عنها للتعامل مع كثير من قضايا حقوق الإنسان، بعد أن اتسعت هذه الحقوق وتشابكت على مستوى الكوكب. فقد أصبحت حقوق الإنسان جزءاً من القانون الدولى. ولم تعد الانتهاكات الجسيمة التي تحدث لحقوق الإنسان في أي مكان من العالم، من الشئون الداخلية للدولة بل إصبحت تدخل في اهتمام المجتمع الدولي ككل، وتتطلب تدخله، وإن كانت معايير هذا التدخل ما زالت تثير الكثير من الجدل.
وقد اتسعت دائرة حقوق الإنسان لتشمل قضايا لا يمكن معالجتها في نطاق إقليمي محدود، وإنما يكون ذلك على مستوى الكوكب، مثل الحق في السلام الذي أصبح يحتاج إلى ترتيبات أوسع نطاقاً من الدول المتنازعة.
كذلك الحق في التنمية الذي تجلت فيه مسئولية الدول القادرة حيال الدول التي تنعدم فيها إمكانات التنمية لنقص الموارد. وكذلك هناك الحق في بيئة نظيفة، فما يحدث من حرائق في غابات الأمازون يؤثر على العالم أجمع.
ومع التطور المذهل في العلم واختصار عوامل المسافة والزمن وتملك الإنسان لمقدرات مجاله الحيوي، قد بلغنا درجة لا يمكن معها التهرب من ضرورة إدارة كل من الفضاء البحار والتجارة وأنشطة الإنتاج والاستهلاك لصالح الإنسان وبمفاهيم تُعَلّي من قيمة الإنسان، قبل أن ندمر أنفسنا وندمر الكوكب الذي يجمعنا بعد أن انطلقت طاقات المعرفة والعلم والتكنولوجيا، وظهرت الحاجة الملحة لترشيد المعرفة والعلم والتكنولوجيا لتكون في خدمة الإنسانية كلها وفي خدمة كل الأجيال، حتى لا تنتصر التكنولوجيا على حساب هزيمة الإنسان والإنسانية نفسها، أو لحساب جيل على حساب الأجيال الأخرى.
ومن أجل ذلك كله تبدو الحاجة إلى النظرة الكوكبية حتى ونحن نتصرف محلياً، وإن كان البعض يعكس هذه المعادلة بأن يكون التفكير محلياً والتصرف كوكبياً، المهم في كلا الحالتين أن يكون البعد الكوكبي ماثل دائماً أمامنا فقد تشابكت المصالح إلى حد بعيد.
ولكن هذا الإطار النظري للعولمة شئ والعولمة التي ظهرت وعرِفناها حتى الآن على أرض الواقع شئ آخر. فقد هيمنت الأسواق على عملية العولمة مما أدى إلى أن تحتكر شعوب وأقطار بعينها فوائد العولمة ونتائجها الإيجابية وتترك سلبياتها لشعوب وأقطار أخرى حُرِمت من هذه الفوائد.
واقع العولمة
فالعولمة كما رصدناها في العقدين الأخيرين، هي اتجاه متعاظم نحو تخطي الحدود، أي التعامل دون اعتداد يُذكر بالحدود السياسية أو الانتماء إلى وطن محدد أو دولة معينة، ودون حاجة لإجراءات حكومية. ويظهر ذلك بشكل واضح في الشركات متعددة الجنسيات، وفي انتقال رأس المال الذي يظهر بوضوح في استخدام بطاقات الائتمان.
وللعولمة شقين أولهما : شق واقعي أو مادي جاء نتيجة التطور العلمي والتكنولوجي الهائل وما ترتب عليه من ثورة في وسائل الاتصال والإعلام وانتشار المحطات الفضائية التي تبث برامجها لكل أنحاء الكوكب ولكل البشر على هذا الكوكب دون أن تحدها حدود. وأيضاً في ثورة المعلومات الهائلة التي تجسدها شبكة الإنترنت.
وهذا الجانب من العولمة ليس مطروحاً للقبول أو الرفض فهو واقع أصبح أحد ظواهر العصر الذي نعيشه، وليس أمامنا إلا أن نقبل به ولكن علينا أن نعرف كيف نتعامل معه لنكون أكثر تأثيراً في عالمنا.
أما الشق الثاني للعولمة : فهو شق قيمي، جاء نتيجة الطابع التوسعي التنافسي لنمط الإنتاج الرأسمالي الذي فرض اقتصاد السوق على العالم، وعزّزه باتفاقية التجارة العالمية (الجات). وهذا الجانب هو الذي يثير كثيراً من المخاوف والشكوك. خاصة وأن جولة أورجواي جاءت ضربة قاضية للدول النامية حيث فرضت الدول الصناعية الكبرى شروطها المجحفة فحررت التجارة وانتقال رؤوس الأموال، ولكنها فرضت حماية مبالغ فيها للملكية الفكرية بما يجعل نقل التكنولوجيا والمعرفة امر باهظ التكلفة بالنسبة للدول النامية.
وهذا الجانب القيمي من العولمة هو الذي يجعل من العولمة مسألة خلافية وسنحاول فيما يلي أن نوضح أثر العولمة في مجالات حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والثقافية.
العولمة والحقوق السياسية والمدنية
مما لا شك فيه أن الحقوق السياسية والمدنية تدعّمت كثيراً في عصر العولمة بعد أن أصبحت حقوق الإنسان هي بحق لغة العصر وذلك لعدّة أسباب :
أولها : التطور المذهل في تكنولوجيا الاتصال وثورة المعلومات سواء في انتقال الخبر بما في ذلك أخبار الانتهاكات وكذلك الوصول إلى المواطن العادي عبر الفاكس والإنترنت علاوة على وسائل الإعلام المختلفة التي جعلت جميع الناس في كوكبنا يعيشون في رؤية ومسمع من بعضهم البعض. وبالتالي لم يعد من الممكن إخفاء الانتهاكات التي تحدث لحقوق الإنسان، وهذا يعتبر تطوراً هاماً. كما أنه أصبح من المستحيل إقامة الأسوار الحديدية مرة أخرى حول أي مجتمع من المجتمعات بفضل هذه الثورة في الاتصال وفي المعلومات.
ثانياً: لقد أمكن لمنظمات حقوق الإنسان في العالم بما فيها منظمات العالم الثالث من عمل " مجموعة شبكات لحقوق الإنسان متعددة الجنسية" تضم معظم جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان في الكوكب مدعومة من الحكومات الغربية ومؤسسات التمويل الغربي وأصبح من السهل التحرك دولياً في مواجهة الانتهاكات المحلية كما أصبح من الممكن أن تجعل صوتاً عالمياً لمن يُحرم من صوته وتُجَيَّشُ منظمات حقوق الإنسان في العالم كله ضد هذه الانتهاكات ومساندة نشطاء حقوق الإنسان. وتعتبر هذه الشبكات نواة حقيقية لقيام مجتمع مدني على مستوى الكوكب، ولقد لعبت الإنترنت وأدوات الاتصال الحديثة بما فيها الفاكس والتلفون المحمول والميديا العالمية الدور الرئيسي في إقامة هذه الشبكات.
إلا أن هناك ثمة إشكالية تولدت عن رفض بعض الحكومات العربية لمنظمات حقوق الإنسان أو ملاحقتها باستمرار، الأمر الذي دفع الكثير من هذه المنظمات إلى أن تستمدحمايتها وتمويلها وأولوياتها من الخارج، حتى أصبحت تبدو وكأنها امتداد لمنظمات في الخارج وفقدت التفاعل الحقيقي مع المؤسسات الوطنية والشعبية وكذلك مع الحكومات العربية. ورغم النجاح الذي تحققه هذه المنظمات نتيجة الضغط من الخارج واستجابة كثير من حكومات العالم الثالث إلى هذه الضغوط الخارجية إلا أن ذلك لا يُحْدِثُ التراكم المطلوب داخلياً ليجعل التقدم في مجال الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان سياسة ثابتة غير قابلة للارتداد.
ثالثاً : لا شك أن ثورة التجارة العالمية ضاعفت من نقاط الاتصال بين المجتمعات المنفتحة والمجتمعات المنغلقة، ولا شك أن مثل هذا الاحتكاك والتعامل مع مؤسسات التمويل الدولية والبنوك يدفع إلى التقدم في مجال الوعي بالحريات الأساسية والديمقراطية، وخاصة أن معظم الدول والمؤسسات العالمية الغربية المهتمة بعمليات التحول إلى اقتصاد السوق مثل الولايات المتحدة وصناديق التنمية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالإضافة إل مجموعة الدول الأوروبية، تربط بين المساعدات التي تقدمها للدول النامية وبين سجل حقوق الإنسان والتحولات الديمقراطية في هذه الدول. وبطبيعة الحال فإن ازدهار الديمقراطية يؤثر إيجابياً على حقوق الإنسان.
التناقض بين قيم العولمة المعلنة والممارسة الفعلية
ولكن هناك مشكلة حقيقية تواجه هذا التيار الجامح نحو تعزيز الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان الذي اتت به رياح العولمة العاتية، وهو أنّ النظام الدولي القائم حالياً ليس نظاماً ديمقراطياً حيث توجد فيه دولة عظمى واحدة هي الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تفرض قوانينها ونمط استهلاكها وثقافتها على العالم أجمع فظهرت المعايير المزدوجة والانتقائية في مواجهة قضايا حقوق الإنسان أو المشاكل الإنسانية. ويظهر ذلك جلياً في فرض الحصار على شعب العراق واستمرار هذه السياسة رغم ما تشكله من انتهاك جسيم لحق الشعب العراقي في الحياة والذي وصل إلى ما يمكن اعتباره إبادة الجنس. وقد إدّى هذا الحصار إلى زيادة القمع والقهر الذي يعاني منه الشعب العراقي بل إن هذا الحصار أوجد المبرر لاستمرار هذه السياسة القمعية. لقد أساءت الولايات المتحدة الأمريكية استخدام حق التدخل لأسباب إنسانية وتعسّفت في مسلكها كدولة عظمى وخرجت على قواعد القانون والمواثيق الدولية. وفي نفس الوقت تستخدم الولايات المتحدة حق الفيتو في مجلس الامن 150 مرة حتى الآن لحماية إسرائيل من أي قرار يدينها أو يوقع عليها عقوبة نتيجة أعمالها الوحشية ومذابحها ضد الشعب الفلسطيني العربي من دير ياسين إلى مذبحة قانا مروراً بتهجير شعب فلسطين إلى الشتات وحرق قُراه واستمرار احتلال الأراضي العربية، وإطلاق التهديدات التي تفضح سياستها العنصرية مثل التهديد بقتل الأطفال وحرق التراب اللبناني.
ظهرت نفس مشكلة الانتقائية والمعايير المزدوجة في كل من الصومال وبورندي والشيشان وأماكن أخرى كثيرة من العالم.
رؤية عربية
برلين - 24 مارس 2000
كلمة أ. محمد فائق
أمين عام المنظمة العربية لحقوق الإنسان
مقدّمة :
تتشابك العلاقة بين حقوق الإنسان والعولمة بشكل كبير، حيث تؤثر العولمة بتجلّياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تأثيراً عميقاً على حقوق الإنسان في كل هذه المجالات.
كما أنّ العولمة في إطارها النظري الذي يدعو إلى تزايد التبادل وتحقيق الاعتماد المتبادل على مستوى الكوكب، وإدارة المصالح المشتركة للبشرية ولصالح البشرية، تبدو وكأنّها أصبحت ضرورة لا غني عنها للتعامل مع كثير من قضايا حقوق الإنسان، بعد أن اتسعت هذه الحقوق وتشابكت على مستوى الكوكب. فقد أصبحت حقوق الإنسان جزءاً من القانون الدولى. ولم تعد الانتهاكات الجسيمة التي تحدث لحقوق الإنسان في أي مكان من العالم، من الشئون الداخلية للدولة بل إصبحت تدخل في اهتمام المجتمع الدولي ككل، وتتطلب تدخله، وإن كانت معايير هذا التدخل ما زالت تثير الكثير من الجدل.
وقد اتسعت دائرة حقوق الإنسان لتشمل قضايا لا يمكن معالجتها في نطاق إقليمي محدود، وإنما يكون ذلك على مستوى الكوكب، مثل الحق في السلام الذي أصبح يحتاج إلى ترتيبات أوسع نطاقاً من الدول المتنازعة.
كذلك الحق في التنمية الذي تجلت فيه مسئولية الدول القادرة حيال الدول التي تنعدم فيها إمكانات التنمية لنقص الموارد. وكذلك هناك الحق في بيئة نظيفة، فما يحدث من حرائق في غابات الأمازون يؤثر على العالم أجمع.
ومع التطور المذهل في العلم واختصار عوامل المسافة والزمن وتملك الإنسان لمقدرات مجاله الحيوي، قد بلغنا درجة لا يمكن معها التهرب من ضرورة إدارة كل من الفضاء البحار والتجارة وأنشطة الإنتاج والاستهلاك لصالح الإنسان وبمفاهيم تُعَلّي من قيمة الإنسان، قبل أن ندمر أنفسنا وندمر الكوكب الذي يجمعنا بعد أن انطلقت طاقات المعرفة والعلم والتكنولوجيا، وظهرت الحاجة الملحة لترشيد المعرفة والعلم والتكنولوجيا لتكون في خدمة الإنسانية كلها وفي خدمة كل الأجيال، حتى لا تنتصر التكنولوجيا على حساب هزيمة الإنسان والإنسانية نفسها، أو لحساب جيل على حساب الأجيال الأخرى.
ومن أجل ذلك كله تبدو الحاجة إلى النظرة الكوكبية حتى ونحن نتصرف محلياً، وإن كان البعض يعكس هذه المعادلة بأن يكون التفكير محلياً والتصرف كوكبياً، المهم في كلا الحالتين أن يكون البعد الكوكبي ماثل دائماً أمامنا فقد تشابكت المصالح إلى حد بعيد.
ولكن هذا الإطار النظري للعولمة شئ والعولمة التي ظهرت وعرِفناها حتى الآن على أرض الواقع شئ آخر. فقد هيمنت الأسواق على عملية العولمة مما أدى إلى أن تحتكر شعوب وأقطار بعينها فوائد العولمة ونتائجها الإيجابية وتترك سلبياتها لشعوب وأقطار أخرى حُرِمت من هذه الفوائد.
واقع العولمة
فالعولمة كما رصدناها في العقدين الأخيرين، هي اتجاه متعاظم نحو تخطي الحدود، أي التعامل دون اعتداد يُذكر بالحدود السياسية أو الانتماء إلى وطن محدد أو دولة معينة، ودون حاجة لإجراءات حكومية. ويظهر ذلك بشكل واضح في الشركات متعددة الجنسيات، وفي انتقال رأس المال الذي يظهر بوضوح في استخدام بطاقات الائتمان.
وللعولمة شقين أولهما : شق واقعي أو مادي جاء نتيجة التطور العلمي والتكنولوجي الهائل وما ترتب عليه من ثورة في وسائل الاتصال والإعلام وانتشار المحطات الفضائية التي تبث برامجها لكل أنحاء الكوكب ولكل البشر على هذا الكوكب دون أن تحدها حدود. وأيضاً في ثورة المعلومات الهائلة التي تجسدها شبكة الإنترنت.
وهذا الجانب من العولمة ليس مطروحاً للقبول أو الرفض فهو واقع أصبح أحد ظواهر العصر الذي نعيشه، وليس أمامنا إلا أن نقبل به ولكن علينا أن نعرف كيف نتعامل معه لنكون أكثر تأثيراً في عالمنا.
أما الشق الثاني للعولمة : فهو شق قيمي، جاء نتيجة الطابع التوسعي التنافسي لنمط الإنتاج الرأسمالي الذي فرض اقتصاد السوق على العالم، وعزّزه باتفاقية التجارة العالمية (الجات). وهذا الجانب هو الذي يثير كثيراً من المخاوف والشكوك. خاصة وأن جولة أورجواي جاءت ضربة قاضية للدول النامية حيث فرضت الدول الصناعية الكبرى شروطها المجحفة فحررت التجارة وانتقال رؤوس الأموال، ولكنها فرضت حماية مبالغ فيها للملكية الفكرية بما يجعل نقل التكنولوجيا والمعرفة امر باهظ التكلفة بالنسبة للدول النامية.
وهذا الجانب القيمي من العولمة هو الذي يجعل من العولمة مسألة خلافية وسنحاول فيما يلي أن نوضح أثر العولمة في مجالات حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والثقافية.
العولمة والحقوق السياسية والمدنية
مما لا شك فيه أن الحقوق السياسية والمدنية تدعّمت كثيراً في عصر العولمة بعد أن أصبحت حقوق الإنسان هي بحق لغة العصر وذلك لعدّة أسباب :
أولها : التطور المذهل في تكنولوجيا الاتصال وثورة المعلومات سواء في انتقال الخبر بما في ذلك أخبار الانتهاكات وكذلك الوصول إلى المواطن العادي عبر الفاكس والإنترنت علاوة على وسائل الإعلام المختلفة التي جعلت جميع الناس في كوكبنا يعيشون في رؤية ومسمع من بعضهم البعض. وبالتالي لم يعد من الممكن إخفاء الانتهاكات التي تحدث لحقوق الإنسان، وهذا يعتبر تطوراً هاماً. كما أنه أصبح من المستحيل إقامة الأسوار الحديدية مرة أخرى حول أي مجتمع من المجتمعات بفضل هذه الثورة في الاتصال وفي المعلومات.
ثانياً: لقد أمكن لمنظمات حقوق الإنسان في العالم بما فيها منظمات العالم الثالث من عمل " مجموعة شبكات لحقوق الإنسان متعددة الجنسية" تضم معظم جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان في الكوكب مدعومة من الحكومات الغربية ومؤسسات التمويل الغربي وأصبح من السهل التحرك دولياً في مواجهة الانتهاكات المحلية كما أصبح من الممكن أن تجعل صوتاً عالمياً لمن يُحرم من صوته وتُجَيَّشُ منظمات حقوق الإنسان في العالم كله ضد هذه الانتهاكات ومساندة نشطاء حقوق الإنسان. وتعتبر هذه الشبكات نواة حقيقية لقيام مجتمع مدني على مستوى الكوكب، ولقد لعبت الإنترنت وأدوات الاتصال الحديثة بما فيها الفاكس والتلفون المحمول والميديا العالمية الدور الرئيسي في إقامة هذه الشبكات.
إلا أن هناك ثمة إشكالية تولدت عن رفض بعض الحكومات العربية لمنظمات حقوق الإنسان أو ملاحقتها باستمرار، الأمر الذي دفع الكثير من هذه المنظمات إلى أن تستمدحمايتها وتمويلها وأولوياتها من الخارج، حتى أصبحت تبدو وكأنها امتداد لمنظمات في الخارج وفقدت التفاعل الحقيقي مع المؤسسات الوطنية والشعبية وكذلك مع الحكومات العربية. ورغم النجاح الذي تحققه هذه المنظمات نتيجة الضغط من الخارج واستجابة كثير من حكومات العالم الثالث إلى هذه الضغوط الخارجية إلا أن ذلك لا يُحْدِثُ التراكم المطلوب داخلياً ليجعل التقدم في مجال الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان سياسة ثابتة غير قابلة للارتداد.
ثالثاً : لا شك أن ثورة التجارة العالمية ضاعفت من نقاط الاتصال بين المجتمعات المنفتحة والمجتمعات المنغلقة، ولا شك أن مثل هذا الاحتكاك والتعامل مع مؤسسات التمويل الدولية والبنوك يدفع إلى التقدم في مجال الوعي بالحريات الأساسية والديمقراطية، وخاصة أن معظم الدول والمؤسسات العالمية الغربية المهتمة بعمليات التحول إلى اقتصاد السوق مثل الولايات المتحدة وصناديق التنمية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالإضافة إل مجموعة الدول الأوروبية، تربط بين المساعدات التي تقدمها للدول النامية وبين سجل حقوق الإنسان والتحولات الديمقراطية في هذه الدول. وبطبيعة الحال فإن ازدهار الديمقراطية يؤثر إيجابياً على حقوق الإنسان.
التناقض بين قيم العولمة المعلنة والممارسة الفعلية
ولكن هناك مشكلة حقيقية تواجه هذا التيار الجامح نحو تعزيز الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان الذي اتت به رياح العولمة العاتية، وهو أنّ النظام الدولي القائم حالياً ليس نظاماً ديمقراطياً حيث توجد فيه دولة عظمى واحدة هي الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تفرض قوانينها ونمط استهلاكها وثقافتها على العالم أجمع فظهرت المعايير المزدوجة والانتقائية في مواجهة قضايا حقوق الإنسان أو المشاكل الإنسانية. ويظهر ذلك جلياً في فرض الحصار على شعب العراق واستمرار هذه السياسة رغم ما تشكله من انتهاك جسيم لحق الشعب العراقي في الحياة والذي وصل إلى ما يمكن اعتباره إبادة الجنس. وقد إدّى هذا الحصار إلى زيادة القمع والقهر الذي يعاني منه الشعب العراقي بل إن هذا الحصار أوجد المبرر لاستمرار هذه السياسة القمعية. لقد أساءت الولايات المتحدة الأمريكية استخدام حق التدخل لأسباب إنسانية وتعسّفت في مسلكها كدولة عظمى وخرجت على قواعد القانون والمواثيق الدولية. وفي نفس الوقت تستخدم الولايات المتحدة حق الفيتو في مجلس الامن 150 مرة حتى الآن لحماية إسرائيل من أي قرار يدينها أو يوقع عليها عقوبة نتيجة أعمالها الوحشية ومذابحها ضد الشعب الفلسطيني العربي من دير ياسين إلى مذبحة قانا مروراً بتهجير شعب فلسطين إلى الشتات وحرق قُراه واستمرار احتلال الأراضي العربية، وإطلاق التهديدات التي تفضح سياستها العنصرية مثل التهديد بقتل الأطفال وحرق التراب اللبناني.
ظهرت نفس مشكلة الانتقائية والمعايير المزدوجة في كل من الصومال وبورندي والشيشان وأماكن أخرى كثيرة من العالم.