علي النموشي
2010-02-11, 20:17
المقــامــة المـاراطونيــة
حدثنا عباس النموشي قال : جاءتني بعض الأخبار ، من صديقي رابح الخضـّار ،عن سباق نصف ماراطوني ، يقام كل سنة و هو وطني ، و هذه السنة تمت برمجته في ولايتنا ، فاقترح عليّ المشاركة ، بحكم أنني من ممارسي رياضة العدو و المبارزة ، فوافقت من دون أي تردد ، و عزمت على الفوز المؤكد ، و النصر المؤيد ، فاتجهت للرابطة الرياضة ، و سجلت نفسي في القائمة الاسمية ، و دفعت بطاقتي و مبلغا ماليا فتمت برمجتي على الفور ، و أعطوني شارة بالصور ، فتدربت لهذا أياما و أياما لأني تريضت قبلها أعواما ، و لما حل يوم السباق ذهبت بمعية بعض الرفاق ، و قد تجمعنا في مبيت الشباب ، و غيّرنا هناك الثياب ، فوجدنا جمعا كبيرا من كل الفئات الكثيرة ، شمِل شبانا و فتياتا و فتيانا ، و حتى شيوخا و ولدانا ، قدموا من كل الولايات ، آملين في الفوز و المسرات ، و كانت المسافة فراسخ معدودات ، ذات مسالك معروفات ، و انطلاقا من مدينة الحمامات . فتم تقسيمنا حسب أعمارنا ، و أخذونا بالحافلات بغية انطلاقنا ، فتجمعنا على الطريق ، ولكل منا صاحب و رفيق ، و كنت قد رسمت خطة للوصول ، إلى خط النهاية و القبول ، بأن أنتهج الجري البطيء في البداية ، و الإسراع عند الاقتراب من النهاية ، لكن و مع صافرة الانطلاق ذهلت من سرعة الرفاق ، فقد كانوا كالعاديات و الأحصنة الجامحات ، لا ترى وراءهم إلا العجاج ، فصرت بينهم مثل صوص الدجاج ، أو كقصة الأرنب و السلحفاة المحكية في الروايات ، إلا أنني واصلت الجري ، و كلي عزم و تحدي ، و في منتصف الطريق ، صارت حالتي كالغريق ، فقد تجاوزني الكثير منهم ، و لم أستطع اللحاق بهم و الذي حز في نفسي ، و زاد من غيضي ، فتاة نحيلة تجاوزتني ، تشبه اليعسوب في الوجه و في العرقوب ، فحاولت اللحاق بها ، لكني عبثا حاولت إدراكها و اشتد بي الظمأ ، فكدت ألتهم الكلأ ، إلا أن الإسعاف أدركني بقارورة ماء ، أراحتني من طول العناء ، و قد كانت وراءنا حافلة صغيرة ، تنقذ كل عاجز عن بلوغ المسافة المريرة و كنت ألتفت إليها أحيانا ، طمعا في ركوبها لرؤيتي العذاب ألوانا ، إلا أنني زدت من عزيمتي ، خوفا من فضيحتي ، فكيف بي أنا العداء الكبير ، أهرب من أول نفير ، ثم واصلت الجري و المسير . لكن التعب نال مني ، وصرت أرمي رجلي بلا وعي منّي و كدت أسقط على الطريق الجانبي ، و كان الجمهور على حافتي الطريق ، يحيّ كل فريق ، فناولني أحدهم برتقالة ، أنستني التعب و زادتني بسالة ، كذا مع تشجيعهم لي ، و الوقوف معي فصرت أجري و أجري بعد أن ابتعد الرفاق عني ، لكنني صمدت و للمسافة أكملت ، و قد رتبت مع الأواخر ، و لم يبقى لي أي مناصر ، و توقفت أمام خط النهاية ، أتجرع الهزيمة و الندامة ، و توجهت مباشرة إلى غرفة تبديل الملابس خائبا أجر أذيال التقاعس ، و قد صدمت من قوة هذا التنافس ، الذي يشبه تحدي العث للخنافس ، و اتجهت للبيت مسرعا ، بعد أن تشنجت عضلات فخذي بسرعة ، و لم أعد أقوى على الحراك ، لولا نجدة والدتي لي بالدلك ، فقد دلكتني بزيت الزيتون و الماء الحار السخون ، و لبثت أسبوعا كاملا و لبيتي ملازما ، أتجرع الألم و العلل كأن بي داء الشلل ، حتى زرت طبيب المفاصل و العضلات ، فأعطاني دواءا ضد التشنجات ، و إبرا تقيني المهلكات ، وصرت عند الخروج من المنزل ، أتوكأ على عصا في مهل ، و بقيت أعاني الأيام و الليالي ، والكل بي غير مبالي ، إلا من شامت و من ضاحك على حالي ، و أنا كلّي حسرة على هذه العسرة ، التي أخذت مني التسعة و العشرة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ماراطوني : نسبة إلى الماراطون و هو من السباقات طويلة المسافة .
شارة : بطاقة صغيرة تحوي معلومات مع صورة تعلق على الصدر .
الحمامات : بلدية من بلديات ولاية تبسة .
العاديات : الخيل السريعة .
الجامحات : الأحصنة القوية العنيفة .
العجاج : الغبار الذي يظهر خلف الخيل عندي الجري .
صوص : فرخ الدجاج الصغير .
اليعسوب : حشرة معروفة .
الكلأ : العشب .
التشنجات : داء يصيب العضلات .
حدثنا عباس النموشي قال : جاءتني بعض الأخبار ، من صديقي رابح الخضـّار ،عن سباق نصف ماراطوني ، يقام كل سنة و هو وطني ، و هذه السنة تمت برمجته في ولايتنا ، فاقترح عليّ المشاركة ، بحكم أنني من ممارسي رياضة العدو و المبارزة ، فوافقت من دون أي تردد ، و عزمت على الفوز المؤكد ، و النصر المؤيد ، فاتجهت للرابطة الرياضة ، و سجلت نفسي في القائمة الاسمية ، و دفعت بطاقتي و مبلغا ماليا فتمت برمجتي على الفور ، و أعطوني شارة بالصور ، فتدربت لهذا أياما و أياما لأني تريضت قبلها أعواما ، و لما حل يوم السباق ذهبت بمعية بعض الرفاق ، و قد تجمعنا في مبيت الشباب ، و غيّرنا هناك الثياب ، فوجدنا جمعا كبيرا من كل الفئات الكثيرة ، شمِل شبانا و فتياتا و فتيانا ، و حتى شيوخا و ولدانا ، قدموا من كل الولايات ، آملين في الفوز و المسرات ، و كانت المسافة فراسخ معدودات ، ذات مسالك معروفات ، و انطلاقا من مدينة الحمامات . فتم تقسيمنا حسب أعمارنا ، و أخذونا بالحافلات بغية انطلاقنا ، فتجمعنا على الطريق ، ولكل منا صاحب و رفيق ، و كنت قد رسمت خطة للوصول ، إلى خط النهاية و القبول ، بأن أنتهج الجري البطيء في البداية ، و الإسراع عند الاقتراب من النهاية ، لكن و مع صافرة الانطلاق ذهلت من سرعة الرفاق ، فقد كانوا كالعاديات و الأحصنة الجامحات ، لا ترى وراءهم إلا العجاج ، فصرت بينهم مثل صوص الدجاج ، أو كقصة الأرنب و السلحفاة المحكية في الروايات ، إلا أنني واصلت الجري ، و كلي عزم و تحدي ، و في منتصف الطريق ، صارت حالتي كالغريق ، فقد تجاوزني الكثير منهم ، و لم أستطع اللحاق بهم و الذي حز في نفسي ، و زاد من غيضي ، فتاة نحيلة تجاوزتني ، تشبه اليعسوب في الوجه و في العرقوب ، فحاولت اللحاق بها ، لكني عبثا حاولت إدراكها و اشتد بي الظمأ ، فكدت ألتهم الكلأ ، إلا أن الإسعاف أدركني بقارورة ماء ، أراحتني من طول العناء ، و قد كانت وراءنا حافلة صغيرة ، تنقذ كل عاجز عن بلوغ المسافة المريرة و كنت ألتفت إليها أحيانا ، طمعا في ركوبها لرؤيتي العذاب ألوانا ، إلا أنني زدت من عزيمتي ، خوفا من فضيحتي ، فكيف بي أنا العداء الكبير ، أهرب من أول نفير ، ثم واصلت الجري و المسير . لكن التعب نال مني ، وصرت أرمي رجلي بلا وعي منّي و كدت أسقط على الطريق الجانبي ، و كان الجمهور على حافتي الطريق ، يحيّ كل فريق ، فناولني أحدهم برتقالة ، أنستني التعب و زادتني بسالة ، كذا مع تشجيعهم لي ، و الوقوف معي فصرت أجري و أجري بعد أن ابتعد الرفاق عني ، لكنني صمدت و للمسافة أكملت ، و قد رتبت مع الأواخر ، و لم يبقى لي أي مناصر ، و توقفت أمام خط النهاية ، أتجرع الهزيمة و الندامة ، و توجهت مباشرة إلى غرفة تبديل الملابس خائبا أجر أذيال التقاعس ، و قد صدمت من قوة هذا التنافس ، الذي يشبه تحدي العث للخنافس ، و اتجهت للبيت مسرعا ، بعد أن تشنجت عضلات فخذي بسرعة ، و لم أعد أقوى على الحراك ، لولا نجدة والدتي لي بالدلك ، فقد دلكتني بزيت الزيتون و الماء الحار السخون ، و لبثت أسبوعا كاملا و لبيتي ملازما ، أتجرع الألم و العلل كأن بي داء الشلل ، حتى زرت طبيب المفاصل و العضلات ، فأعطاني دواءا ضد التشنجات ، و إبرا تقيني المهلكات ، وصرت عند الخروج من المنزل ، أتوكأ على عصا في مهل ، و بقيت أعاني الأيام و الليالي ، والكل بي غير مبالي ، إلا من شامت و من ضاحك على حالي ، و أنا كلّي حسرة على هذه العسرة ، التي أخذت مني التسعة و العشرة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ماراطوني : نسبة إلى الماراطون و هو من السباقات طويلة المسافة .
شارة : بطاقة صغيرة تحوي معلومات مع صورة تعلق على الصدر .
الحمامات : بلدية من بلديات ولاية تبسة .
العاديات : الخيل السريعة .
الجامحات : الأحصنة القوية العنيفة .
العجاج : الغبار الذي يظهر خلف الخيل عندي الجري .
صوص : فرخ الدجاج الصغير .
اليعسوب : حشرة معروفة .
الكلأ : العشب .
التشنجات : داء يصيب العضلات .