تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : التوسل المشروع والتوسل الممنوع


فتحي الجزائري
2007-11-22, 14:43
نبذة عن التوسل المشروع والتوسل الممنوع

في مسألة التوسل
على عمومها فأقول :
ليعلم أن التوسل هو : التوسط في الدعاء .
وعليه فأركانه ثلاثة : متوسل وَ متوسل به وَ متوسل إليه .
فإن نقص منها ركن فلا يعد من التوسل ولا من معناه .
والمتوسل إليه : في كل حال هو الله تعالى فمن عِندهِ تقضى الحاجات ، وتلبى الرغبات .
والمتوسِل : هو الداعي .

ويبقى المتوسل به : هو وسيلة الدعاء ، وهو على قسمين :
( 1 ) مشروع .
( 2 ) غير مشروع .

( 1 ) التوسل المشروع
أما المتوسل به المشروع فصوره عدة ومنها :
التوسل إلى الله تعالى بأسماء وصفاته ، كقول : يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث .
فالمتوسِل : هو الداعي
والوسيلة [ المتوسل به ] : هي تعظيم الله باسم الحي و القيوم ، وبصفة الحياة والقيومية .
والمتوسل إليه : هو الله تعالى فهو المغيث وحده سبحانه دون ما سواه .
ومن صور التوسل : التوسل بالإيمان بالله ، والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى : ( ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ) .
ومن صور التوسل : التوسل بالأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة ، كما في فصة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم وخالصها .
ومن صور التوسل : التوسل بدعاء الصالحين الأحياء ، كما ثبت من أكثر من وجه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في الاستستقاء : اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنا نتوسل إليك بعمّ نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم أمر العباس بأن يقوم ويدعو الله تعالى .
وفي ذلك أنه توسل إلى الله تعالى بدعاء العباس رضي الله عنه ، ولا يجوز أن يطلب ذلك من الميت ، ولو جاز لما كان يليق بعمر بن الخطاب وفقهه ومحبته للنبي ::ص أن يقدم دعاء العباس على دعاء النبي ::ص .
وكذلك توسل معاوية بن أبي سفيان بدعاء الأسود بن يزيد الجرشي ، وغير ذلك .
فهذه كلها صور التوسل المشروع .

( 2 ) التوسل الممنوع - غير المشروع -
أما التوسل الممنوع ، وغير المشروع ، فهو التوسل : بجاه أو بحق أو بذات الأنبياء والصالحين .
كقول القائل : اللهم إني أسألك بجاه النبي ::ص ، أو بحق النبي ::ص ، أو بالنبي ::ص .
وتنبه إلى أن المقام لا يزال في ( دعاء الله تعالى بوسيلة ) وهنا جعل الداعي الوسيلة : حق أو جاه أو ذات النبي ::ص .
وهذا النوع من التوسل اختلف أهل العلم من بعد القرون المفضلة في جوازه ، والصواب أنه : بدعة لا تجوز ، لأن هذا لم يرد به حديث صحيح عن النبي ::ص ، ولم يفعله الصحابة رضي الله عنهم ، ولم يرد ذلك إلا في أحاديث لا تنتهض للحجة ، وقول من لا يكون قوله حجة !! ، بل نص أبو حنيفة النعمان - و عليه اتفاق أصحابه - على المنع من : سؤال الله بشيٍ من خلقه ، قال القدوري : ( المسألة بخلقه لا تجوز لأنه لا حق للخلق على الخالق ، فلا تجوز وفاقاً ) .
وعليه فالتوسل بحق المخلوق وجاهه وذاته : بدعة منكرة .
ولم يقل أحد من أهل السنة بأنه شرك أكبر ، هذا إذا كانت الباء : للسببية .
أما إن كانت الباء للقسم ، فإن هذا من الشرك من وجه آخر : وهو الحلف بغير الله تعالى ، نص على ذلك غير واحد من العلماء ومنهم شارح الطحاوية ابن أبي العز الحنفي .
والحلف بغير الله تعالى من الشرك بلا خلاف ، فقد سماه النبي ::ص شركاً ، ولا يجوز لأحدٍ من العالمين أن يخرجه من مسمى الشرك .
ولكن هل هو من الشرك المخرج من الملة أم لا ؟ ، البحث والتفصيل فيه مشهور ، والصواب أنه من الشرك الأصغر ما لم تظهر قرينة تنقله للشرك الأكبر كاعتقاد استحقاقيته لذلك ، أو أن فيه من صفات الربوبية شيء ونحو ذلك .

تنـبـيـه هــامإذا عُلم معنى التوسل ، فإن كفار قريش خلطوا بين هذا المعنى ، وبين دعاء آلهتهم من دون الله تعالى ، وسموا دعاءهم غير الله تعالى : وسيلة ، وقربة ، وشفيع - أي وسيط و وسيلة !! - ، قال تعالى : ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (يونس:18) ، وقال تعالى ( أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) (الزمر:3)
فكذبهم الله تعالى في الآيتين حيث قال : ( أتنبئون الله بما لا يعلم ) ؟ ، وقال : ( إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ) ، وذلك أن ظاهر ألفاظهم هو قصدهم والرغبة إليهم .
ومما يتحقق أن مشركي العصور المتأخرة من عباد القبور والأضرحة والأولياء وقعوا فيما وقع فيه أسلافهم من المشركين ! ، وسموا دعاء غير الله تعالى توسلاً ، فالمستغيث قائلاً : يا بدوي ، المدد يا ست زينب ، الغوث يا جيلاني !!!! ، كل هذا من دعاء غير الله تعالى ، ودعوى أنهم شفعاء و وسطاء و وسائل !! : كل هذا حمق وكذب وكفر .
وذلك لأن دعاء غير الله تعالى ، لا ورود فيه لذكر الله تعالى ، وعلبه فينقص منتهى التوسل ، ويهمل أهم أركانه !! .
فمن دعاء غير الله تعالى : مشتغيث به لا متوسلاً به ، و إلا فأين المتوسل إليه في دعائه ؟!.
وذلك لأن :
الاستغاثة لها ركنان : المشتغيث وَ المشتغاث به ، ولا ركن ثالث لها .
وأما التوسل فأركانه ثلاثة كما تقدم : متوسل و متوسل به و متوسل إليه .
هذا من وجه ، و والوجه الآخر : أن قول الرجل : يا فلان أغثني ، أو يا رسول الله نفّس كربتي : في فهم كل عربي وعاقل يسمى استغاثة ولا يسمى توسلاً ، فقط طلب منه الغوث ، وطلب منه تنفيس الكربة .
ولا يقال بأن مراده : يا فلان ادع الله أن يغيثني !!!! ، أو يا رسول الله ادع الله أن ينفس كربتي .
لأن هذا لم يرد في كلامه ، وفي حقيقة الحال هو يريد ذلك ممن دعاه ، ولو أراده من الله لطلبه من الله مباشرة ، ولهذا لما زعم المشركون أنهم ما دعوهم من دون الله ، وإنما ( اتخذوهم وسطاء ) و ( وشفعاء ) و ( وسائل ) ، كذبهم الله تعالى وكفرهم كما تقدم ذكره .
فهذا النوع ( من التوسل !! المزعوم ) بمعناه الخاطئ : هو الشرك الأكبر بالله تعالى ، وهو توسل المشركين إلى آلهتهم على حد زعمهم وكذبهم وافترائهم ، وبهذا يتم الكلام عن التوسل باختصار .

صاحب المقال: بدر بن علي بن طامي العتيبي
المصدر : صيد الفوائد ....www.saaid.net......

فقير
2007-11-22, 18:25
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أخي BFDZ


سؤال هل الأعمال الصالحة أفضل، أم النبي صلى الله عليه وسلم ؟

مما جاء من كتاب " مناسك الحج " ص 89- 90 تأليف الشيخ عبد الله سراج الدين المحدث بالأسانيد المتصلة تلميذ الشيخ العلامة محمد نجيب سراج الدين رحمهم الله : " ... وكما جاز التوسل والاستغاثة به صلى الله عليه وسلم في عالم الدنيا كذلك يجوز التوسل والاستغاثة به بعد وفاته، وانتقاله الى عالم البرزخية الكاملة، التي هي أقوى من الحياة الدنيوية .

قال تعالى :" ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ."
وقال تعالى :" ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات، بل أحياء ولكن لا تشعرون ." صدق الله العظيم .

فنهى سبحانه أن يقال عن الشهداء أموات، بل نهى عن حسبان ذلك - أي- : بل يجب الاعتقاد بأنهم أحياء عند ربهم، ولكن لا يشعر بهم من خلفهم،
لأنهم في عالم غيبي آخر، فاذا كان هذا مقام الشهداء، فكيف بمقام الأنبياء، وما بالك بمقام النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، فلا شك أنه حي بالحياة الكاملة العالية في الرفيق الأعلى .

وأما قوله تعالى :" انك ميت وانهم ميتون " .
فالمراد به الموت الذي هو مفارقة الروح للبدن، لا الموت الذي لا حياة معه .

وروى أبو يعلى والبيهقي، عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون . "

وفي صحيح الامام مسلم، عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أتيت ليلة أسري بي على موسى قائما يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر ."

اللهم أنصر أهل الحق، واجمع شمل الأمة، اللهم اجعلنا من المتبعين لآثار سبيل الصالحين، بمنك وكرمك انك جواد كريم .

almorchid1
2007-11-22, 18:38
السلام عليكم أخ فقير يا طالب التوسل قد بلغ السيل الزبى وبما أنك لاتريد أن تفرض علينا رأيك ولا تريد أن نفرض عليك رأينا فلا تعد إلى هذا الموضوع جزاك الله خيرا فأنت مقتنع بما تقول ونحن مقتنعون بما نقول فرجاءا وأرجوا من المشرف على المنتدى أن يحذف هذه المواضيع وإذا أسررت على هذا الموضوع فأرجوا أن يأخد مشرف المنتدى محمد أبو عثمان القرار الحاسم في حقك لأنك شخص متعصب وسمحلي على كل كلمة قد جرحتك بها وإن كانت كلماتي مخالفة لقوانين المنتدى فأرجوا حذفي منه هذا وجزى الله كل الإخوة على مشاركاتهم ومواضيعهم النيرة وهدى الله من تعصب والمسلمين أجمعين

فقير
2007-11-22, 19:19
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .

السلام عليكم أخي المرشد لست متعصبا ولست ممن يريد فرض رأيه ، وانما كنا تكلمنا في هذا الموضوع سابقا وأقفله الأخ المشرف أبا عثمان وقد أصاب في ذلك.

ووجدت بعد ذلك موضوعا مماثلا لو لم أجد الكاتب يقصدني لما تدخلت .

والآن تدخلت مستعينا بالله ، معتمدا بأقوال علماء وكتبهم مطبوعة، ولست ممن يريد الهرج والمرج، وانما أريد أن يعلم الاخوة المتتبعون بأن هناك من العلماء من ينفي التوسل، وأن هناك من يجيزه ، ليس الا . فهل هذا فرض رأي ؟
تحياتي والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

almorchid1
2007-11-22, 19:34
السلام عليكم يا أخي كان من المفترد عليك ومن البداية أن تضع عنوان التوسل بين الإجازة وعدمها وتضع أقوال العلماء المجيزين والعلماء الغير مجيزين وأنت هنا تريد فرض أو إثبات أن التوسل جائز وأنت مقتنع بجوازه وتريدنا لأن نقتنع كدلك وهذا فرض رأي

فتحي الجزائري
2007-11-22, 20:57
السلام عليكم ...
كل الإخوة مشكورين بارك الله فيهم ...وكل واحد يدافع على إعتقاده ...وهذا من حقه ...لكن ...يجب على كل من إدعى ان يأتي بالدليل....... دليل صريح وواضح كوضوح ديننا..وعقيدتنا السمحاء..
والله سبحانه يقول وهو العليم الخبير : {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً } [المائدة:3]، قال ابن عباس-رضي الله عنه وعن أبيه -: "أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان ، فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً ، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبداً ، وقد رضيه فلا يسخطه أبداً"أ.هـ،والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : (تركتم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ) وقال ذلكم الصحابي الجليل : "توفي رسول الله وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً " بل علمهم كل شيء صلى الله عليه وسلم .

أما فيما يخص السؤال : لا ينبغي ان تسأل وتقول هل النبي أحسن أم الأعمال الصالحة فهذا غير لائق أبدا ولا توجد وجه للمقارنة واللبيب من الإشارة يفهم ....
فالأعمال الصالحة ورد بأنه يجوز التوسل بها وذلك لوجود النص ...أما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت فيه نص صحيح أو صريح ...فأصل العبادة التوقيف....أي لانتقرب إلى الله بشئ إلا إذا كان هناك دليل ....
وقال العثيمين رحمه الله ( ومن التوسل الذي ليس بصحيح : أن يتوسل الإنسان بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم– وذلك أن جاه الرسول- صلىالله عليه وسلم – ليس مفيداً بالنسبة إلى الداعي؛ لأنه لا يفيد إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أما بالنسبة للداعي فليس بمفيد حتى يتوسل إلى الله به؛ وقد تقدم أن التوسل اتخاذ الوسيلة الصالحة التي تثمر . فما فائدتك أنت من كون الرسول - صلى الله عليه وسلم- له جاه عند الله ؟! وإذا أردت تتوسل إلى الله على وجه صحيح فقل: اللهم بإيماني بك وبرسولك،أو بمحبتي لرسولك، وما أشبه ذلك؛ فإن هذا الوسيلة الصحيحة النافعة . )
..........................وبالله التوفيق

فتحي الجزائري
2007-11-22, 21:10
حديث استسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما:

هناك من يحتج على جواز التوسل بجاه الأشخاص وحرمتهم وحقهم بحديث انس : (أن عمر بن الخطاب رضي الله عن كان إذا قَحَطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. قال: فيسقون).
فيفهمون من هذا الحديث أن توسل عمر رضي الله عن إنما كان بجاه العباس رضي الله عن، ومكانته عند الله سبحانه، وأن توسله كان مجرد ذكر منه للعباس في دعائه، وطلب منه لله أن يسقيهم من أجله، وقد أقره الصحابة على ذلك، فأفاد بزعمهم ما يدعون.
وأما سبب عدول عمر رضي الله عن عن التوسل بالرسول صلى الله عليه و سلم - بزعمهم – وتوسله بدلاً منه بالعباس رضي الله عنه، فإنما كان لبيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل ليس غير.



وفهمهم هذا خاطىء، وتفسيرهم هذا مردود من وجوه كثيرة اهمها:


1 – إن القواعد المهمة في الشريعة الإسلامية أن النصوص الشرعية يفسر بعضها بعضاً، ولا يفهم شيء منها في موضوع ما بمعزل عن بقية النصوص الواردة فيه. وبناء على ذلك فحديث توسل عمر السابق إنما يفهم على ضوء ما ثبت من الروايات والأحاديث الواردة في التوسل بعد جمعها وتحقيقها، ونحن والمخالفون متفقون على أن في كلام عمر: (كنا نتوسل إليك بنبينا.. وإنا نتوسل إليك بعم نبينا) شيئاً محذوفاً، لا بد له من تقدير، وهذا التقدير إما أن يكون: (كنا نتوسل بــ (جاه) نبينا، وإنا نتوسل إليك بــ (جاه) عم نبينا) على رأيهم هم، أو يكون: (كنا نتوسل إليك بــ (دعاء) نبينا، وإنا نتوسل إليك بــ (دعاء) عم نبينا) على رأينا نحن.

ولا بد من الأخذ بواحد من هذين التقديرين ليفهم الكلام بوضوح وجلاء.

ولنعرف أي التقديرين صواب لا بد من اللجوء إلى السنة، لتبين لنا طريقة توسل الصحابة الكرام بالنبي صلى الله عليه و سلم.

ترى هل كانوا إذا أجدبوا وقحَطوا قبع كل منهم في دراه، أو مكان آخر، أو اجتمعوا دون أن يكون معهم رسول الله صلى الله عليه و سلم، ثم دعوا ربهم قائلين: (اللهم بنبيك محمد، وحرمته عندك، ومكانته لديك اسقنا الغيث). مثلاً أم كانوا يأتون النبي صلى الله عليه و سلم ذاته فعلاً، ويطلبون منه أن يدعو الله تعالى لهم، فيحقق صلى الله عليه و سلم طلْبتهم، ويدعو ربه سبحانه، ويتضرع إليه حتى يسقوا؟


أما الأمر الأول فلا وجود له إطلاقاً في السنة النبوية الشريفة، وفي عمل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ولا يستطيع أحد من الخلفيين أو الطُّرُقيين أن يأتي بدليل يثبت أن طريقة توسلهم كانت بأن يذكروا في أدعيتهم اسم النبي صلى الله عليه و سلم، ويطلبوا من الله بحقه وقدره عنده ما يريدون. بل الذي نجده بكثرة، وتطفح به كتب السنة هو الأمر الثاني، إذ تبين أن طريقة توسل الأصحاب الكرام بالنبي صلى الله عليه و سلم إنما كانت إذا رغبوا في قضاء حاجة، أو كشف نازلة أن يذهبوا إليه صلى الله عليه و سلم، ويطلبوا منه مباشرة أن يدعو لهم ربه، أي أنهم كانوا يتوسلون إلى الله تعالى بدعاء الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم ليس غير.

ويرشد إلى ذلك قوله تبارك وتعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً ﴾ ]النساء:64[.


2 – وهذا الذي بيناه من معنى الوسيلة هو المعهود في حياة الناس واستعمالهم، فإنه إذا كانت لإنسان حاجة ما عند مدير أو رئيس , موظف مثلاً، فإنه يبحث عمن يعرفه ثم يذهب إليه ويكلمه، ويعرض له حاجته فيفعل، وينقل هذا الوسيط رغبته إلى الشخص المسؤول، فيقضيها له غالباً. فهذا هو التوسل المعروف عند العرب منذ القديم، وما يزال، فإذا قال أحدهم: إني توسلت إلى فلان، فإنما يعني أنه ذهب إلى الثاني وكلمه في حاجته، ليحدث بها الأول، ويطلب منه قضاءها، ولا يفهم أحد من ذلك أنه ذهب إلى الأول وقال له: بحق فلان (الوسيط) عندك، ومنزلته لديك اقض لي حاجتي.


وهكذا فالتوسل إلى الله عز وجل بالرجل الصالح ليس معناه التوسل بذاته وبجاهه وبحقه، بل هو التوسل بدعائه وتضرعه واستغاثته به سبحانه وتعالى، وهذا هو بالتالي معنى قول عمر رضي الله عن: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا) أي: كنا إذ قل المطر مثلاً نذهب إلى النبي صلى الله عليه و سلم، ونطلب منه ان يدعو لنا الله جل شأنه.


3 – ويؤكد هذا ويوضحه تمام قول عمر رضي الله عنه: (وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)، أي إننا بعد وفاة نبينا جئنا بالعباس عم النبي صلى الله عليه و سلم، وطلبنا منه أن يدعو لنا ربنا سبحانه ليغيثنا.


تُرى لماذا عدل عمر رضي الله عنه عن التوسل بالنبي صلى الله عليه و سلم إلى التوسل بالعباس رضي الله عنه، مع العلم ان العباس مهما كان شأنه ومقامه فإنه لا يذكر أمام شأن النبي صلى الله عليه و سلم ومقامه؟

أما الجواب فهو: لأن التوسل بالنبي صلى الله عليه و سلم غير ممكن بعد وفاته، فأنى لهم أن يذهبوا إليه صلى الله عليه و سلم ويشرحوا له حالهم، ويطلبوا منه أن يدعو لهم، ويؤمنوا على دعائه، وهو قد انتقل إلى الرفيق الأعلى، وأضحى في حال يختلف عن حال الدنيا وظروفها مما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فأنى لهم أن يحظوا بدعائه صلى الله عليه و سلم وشفاعته فيهم، وبينهم وبينه كما قال الله عز شأنه: وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ  ]المؤمنون:100[.


ولذلك لجأ عمر رضي الله عنه، وهو العربي الأصيل الذي صحب النبي صلى الله عليه و سلم ولازمه في أكثر أحواله، وعرفه حق المعرفة، وفهم دينه حق الفهم، ووافقه القرآن في مواضع عدة، لجأ إلى توسل ممكن فاختار العباس رضي الله عنه، لقرابته من النبي صلى الله عليه و سلم من ناحية، ولصلاحه ودينه وتقواه من ناحية آخرى، وطلب منه أن يدعو لهم بالغيث والسقيا. وما كان لعمر ولا لغير عمر أن يدع التوسل بالنبي صلى الله عليه و سلم، ويلجأ إلى التوسل بالعباس أو غيره لو كان التوسل بالنبي صلى الله عليه و سلم ممكناً، وما كان من المعقول ان يقر الصحابة رضوان الله عليهم عمر على ذلك أبداً، لأن الانصراف عن التوسل بالنبي صلى الله عليه و سلم إلى التوسل بغيره ما هو إلا كالانصراف عن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم في الصلاة إلى الاقتداء بغيره، سواء بسواء، ذلك أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كانوا يعرفون قدر نبيهم صلى الله عليه و سلم ومكانته وفضله معرفة لا يدانيهم فيها أحد.
فتعلم من هذا أن الإنسان بفطرته يستنجد بالقوة العظمى، والوسيلة الكبرى حين الشدائد والفواقر، وقد يلجأ إلى الوسائل الصغرى حين الأمن واليسر، وقد يخطر في باله حينذاك أن يبين ذلك الحكم الفقهي الذي افترضوه، وهو جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل. وأمر آخر نقوله جواباً على شبهة أولئك، وهو: هب أن عمر رضي الله عن خطر في باله أن يبين ذلك الحكم الفقهي المزعوم، ترى فهل خطر ذلك في بال معاوية والضحاك بن قيس حين توسلا بالتابعي الجليل: يزيد بن الأسود الجُرَشي أيضاً؟ لا شك أن هذا ضرب من التمحل والتكلف لا يحسدون عليه.



4 – إننا نلاحظ في حديث استسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما أمراً جديراً بالانتباه، وهو قوله: (إن عمر بن الخطاب كان إذا قَحطوا، استسقى بالعباس بن عبدالمطلب)، ففي هذا إشارة إلى تكرار استسقاء عمر بدعاء العباس رضي الله عنهما، ففيه حجة بالغة على الذين يتأولون فعل عمر ذلك أنه إنما ترك التوسل به صلى الله عليه و سلم إلى التوسل بعمه رضي الله عن، لبيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل، فإننا نقول: لو كان الأمر كذلك لفعل عمر ذلك مرة واحدة، ولما استمر عليه كلما استسقى، وهذا بيّن لا يخفى إن شاء الله تعالى على أهل العلم والانصاف.


5 – لقد فسرت بعض روايات الحديث الصحيحة كلام عمر المذكور وقصده، إذ نقلت دعاء العباس  استجابة لطلب عمر ، فمن ذلك ما نقله الحافظ العسقلاني رحمه الله في "الفتح" (3/150) حيث قال: (قد بين الزبير بن بكار في "الأنساب" صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة، والوقت الذي وقع فيه ذلك، فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال: (اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجّه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث)، قال: فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس).
وفي هذا الحديث:


أولاً: التوسل بدعاء العباس رضي الله عنه لا بذاته كما بينه الزبير بن بكار وغيره، وفي هذا رد واضح على الذين يزعمون أن توسل عمر كان بذات العباس لا بدعائه، إذ لو كان الأمر كذلك لما كان ثمة حاجة ليقوم العباس، فيدعو بعد عمر دعاءً جديداً.


ثانياً: أن عمر صرح بأنهم كانوا يتوسلون بنبينا صلى الله عليه و سلم في حياته، وأنه في هذه الحادثة توسل بعمه العباس، ومما لا شك فيه أن التوسليْن من نوع واحد: توسلهم بالرسول صلى الله عليه و سلم وتوسلهم بالعباس، وإذ تبين للقارىء – مما يأتي – أن توسلهم به صلى الله عليه و سلم إنما كان توسلاً بدعائه صلى الله عليه و سلم فتكون النتيجة أن توسلهم بالعباس إنما هو توسل بدعائه أيضاً، بضرورة أن التوسليْن من نوع واحد.


أما أن توسلهم به صلى الله عليه و سلم إنما كان توسلاً بدعائه، فالدليل على ذلك صريح رواية الإسماعيلي في مستخرجه على الصحيح لهذا الحديث بلفظ: (كانوا إذ قحطوا على عهد النبي صلى الله عليه و سلم استسقوا به، فيستسقي لهم، فيسقون، فلما كان في إمارة عمر...) فذكر الحديث، نقلته من "الفتح" (2/399)، فقوله: (فيستسقي لهم) صريح في أنه صبى الله عليه و سلم كان يطلب لهم السقيا من الله تعالى، ففي "النهاية" لابن الأثير (2/381): (الاستسقاء، استفعال من طلب السقيا أي إنزال الغيث على البلاد والعباد، يقال: سقى الله عباده الغيث وأسقاهم، والاسم السقيا بالضم، واستقيت فلاناً إذا طلبت منه أن يسقيك).


إذا تبين هذا، فقوله في هذه الرواية (استسقوا به) أي بدعائه، وكذلك قوله في الرواية الأولى: (كنا نتوسل إليك بنبينا)، أي بدعائه، لا يمكن أن يفهم من مجموع رواية الحديث إلا هذا. ويؤيده:


ثالثاً: لو كان توسل عمر إنما هو بذات العباس أو جاهه عند الله تعالى، لما ترك التوسل به صلى الله عليه و سلم بهذا المعنى، لأن هذا ممكن لو كان مشروعاً، فعدول عمر عن هذه إلى التوسل بدعاء العباس رضي الله عنه أكبر دليل على أن عمر والصحابة الذين كانوا معه كانوا لا يرون التوسل بذاته صلى الله عليه و سلم، وعلى هذا جرى عمل السلف من بعدهم، كما رأيت في توسل معاوية بن أبي سفيان والضحاك بن قيس بيزيد بن الأسود الجرشي، وفيهما بيان دعائه بصراحة وجلاء.


فهل يجوز أن يجمع هؤلاء كلهم على ترك التوسل بذات م صلى الله عليه و سلم لو كان جائزاً، سيّما والمخالفون يزعمون أنه أفضل من التوسل بدعاء العباس وغيره؟! اللهم إن ذلك غير جائز ولا معقول، بل إن هذا الإجماع منهم من أكبر الأدلة على أن التوسل المذكور غير مشروع عندهم، فإنهم أسمى من أن يستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير !

وفقنا الله و اياكم للحق و الصواب

و صلى الله على نبينا محمد

فقير
2007-11-22, 22:58
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أخي BFDZ

نشكركم على تفضلتم به من اجابة بارك الله فيكم
وكما قلتم كل واحد يدافع على اعتقاده وهذا من حقه . والله تعالى يهدي الجميع لما فيه الخير ان شاء الله تعالى.
واختلاف العلماء رحمة، نجل كل العلماء ونحترمهم .

" صدقتم أخي لا بد من ذكر الدليل نشكركم على ذكر هذه النقطة المهمة " .

من كتاب : مناسك الحج ص 74 و 57 : للشيخ عبد الله سراج الدين رحمه الله :

روى البخاري في كتاب الدعوات : أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أدع الله تعالى أن يعافيني من العمى، فقال صلى الله عليه وسلم : " ان شئت دعوت وان شئت صبرت فهو خير لك ." قال : فأدعه .
فأمره أن يتوضأ ويحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء : " اللهم اني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، يا محمد اني أتوجه بك الى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم شفعه في ." ففعل الرجل: فقام وأبصر . وفي رواية : كأن لم يكن به ضر .

قال الترمذي حديث حسن صحيح ورواه النسائي في اليوم والليلة وأخرجه ابن ماجة في دلائل النبوة ورواه البيهقي في كتاب الدعوات باسناد حسن .والله ولي التوفيق .
والله من وراء القصد ورضاءه هو المطلوب وبه التوفيق والحمد لله رب العالمين .

almorchid1
2007-11-22, 23:03
نبذة مختصرة عن سيرة الشيخ الألباني -رحمه الله-


العلامة الشيخ

العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني أحد أبرز العلماء المسلمين في العصر الحديث، ويعتبر الشيخ الألباني من علماء الحديث البارزين المتفردين في علم الجرح والتعديل، والشيخ الألباني حجة في مصطلح الحديث وقال عنه العلماء المحدثون إنه أعاد عصر ابن حجر العسقلاني والحافظ بن كثير وغيرهم من علماء الجرح والتعديل.

مولده ونشأته

* ولد الشيخ محمد ناصر الدين بن الحاج نوح الألباني عام 1333 ه الموافق 1914 م في مدينة أشقودرة عاصمة دولة ألبانيا - حينئذ - عن أسرة فقيرة متدينة يغلب عليها الطابع العلمي، فكان والده مرجعاً للناس يعلمهم و يرشدهم.

* هاجر صاحب الترجمة بصحبة والده إلى دمشق الشام للإقامة الدائمة فيها بعد أن انحرف أحمد زاغو (ملك ألبانيا) ببلاده نحو الحضارة الغربية العلمانية.

* أتم العلامة الألباني دراسته الإبتدائية في مدرسة الإسعاف الخيري في دمشق بتفوق.

* نظراً لرأي والده الخاص في المدارس النظامية من الناحية الدينية، فقد قرر عدم إكمال الدراسة النظامية ووضع له منهجاً علمياً مركزاً قام من خلاله بتعليمه القرآن الكريم، و التجويد، و النحو و الصرف، و فقه المذهب الحنفي، و قد ختم الألباني على يد والده حفظ القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم، كما درس على الشيخ سعيد البرهاني مراقي الفلاح في الفقه الحنفي و بعض كتب اللغة و البلاغة، هذا في الوقت الذي حرص فيه على حضور دروس و ندوات العلامه بهجة البيطار.

* أخذ عن أبيه مهنة إصلاح الساعات فأجادها حتى صار من أصحاب الشهره فيها، و أخذ يتكسب رزقه منها، وقد وفرت له هذه المهنه وقتاً جيداً للمطالعة و الدراسة، و هيأت له هجرته للشام معرفة باللغة العربية و الاطلاع على العلوم الشرعية من مصادرها الأصلية.

تعلمه الحديث

توجهه إلى علم الحديث و اهتمامه به :

على الرغم من توجيه والد الألباني المنهجي له بتقليد المذهب الحنفي و تحذيره الشديد من الاشتغال بعلم الحديث، فقد أخذ الألباني بالتوجه نحو علم الحديث و علومه، فتعلم الحديث في نحو العشرين من عمره متأثراً بأبحاث مجلة المنار التي كان يصدرها الشيخ محمد رشيد رضا (رحمه الله) و كان أول عمل حديثي قام به هو نسخ كتاب "المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار" للحافظ العراقي (رحمه الله) مع التعليق عليه.

كان ذلك العمل فاتحة خير كبير على الشيخ الألباني حيث أصبح الاهتمام بالحديث و علومه شغله الشاغل، فأصبح معروفاً بذلك في الأوساط العلمية بدمشق، حتى إن إدارة المكتبة الظاهرية بدمشق خصصت غرفة خاصة له ليقوم فيها بأبحاثه العلمية المفيدة، بالإضافة إلى منحه نسخة من مفتاح المكتبة حيث يدخلها وقت ما شاء، أما عن التأليف و التصنيف، فقد ابتدأهما في العقد الثاني من عمره، و كان أول مؤلفاته الفقهية المبنية على معرفة الدليل و الفقه المقارن كتاب "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد" و هو مطبوع مراراً، و من أوائل تخاريجه الحديثية المنهجية أيضاً كتاب "الروض النضير في ترتيب و تخريج معجم الطبراني الصغير" و لا يزال مخطوطاً.

كان لإشتغال الشيخ الألباني بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أثره البالغ في التوجه السلفي للشيخ، و قد زاد تشبثه و ثباته على هذا المنهج مطالعته لكتب شيخ الإسلام ابن تيميه و تلميذه ابن القيم و غيرهما من أعلام المدرسة السلفية.

حمل الشيخ الألباني راية الدعوة إلى التوحيد و السنة في سوريا حيث زار الكثير من مشايخ دمشق و جرت بينه و بينهم مناقشات حول مسائل التوحيد و الإتباع و التعصب المذهبي و البدع، فلقي الشيخ لذلك المعارضة الشديدة من كثير من متعصبي المذاهب و مشايخ الصوفية و الخرافيين و المبتدعة، فكانوا يثيرون عليه العامة و الغوغاء و يشيعون عنه بأنه "وهابي ضال" و يحذرون الناس منه، هذا في الوقت الذي وافقه على دعوته أفاضل العلماء المعروفين بالعلم و الدين في دمشق، و الذين حضوه على الاستمرار قدماً في دعوته و منهم، العلامة بهجت البيطار، الشيخ عبد الفتاح الإمام رئيس جمعية الشبان المسلمين في سوريا، الشيخ توفيق البزرة، و غيرهم من أهل الفضل و الصلاح (رحمهم الله).

نشاط الشيخ الألباني الدعوي

نشط الشيخ في دعوته من خلال:

أ) دروسه العلمية التي كان يعقدها مرتين كل أسبوع حيث يحضرها طلبة العلم و بعض أساتذة الجامعات و من الكتب التي كان يدرسها في حلقات علمية:

- فتح المجيد لعبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب.

- الروضة الندية شرح الدرر البهية للشوكاني شرح صديق حسن خان.

- أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف.

- الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير شرح احمد شاكر.

- منهاج الإسلام في الحكم لمحمد أسد.

- فقه السنه لسيد سابق.

ب) رحلاته الشهريه المنتظمة التي بدأت بأسبوع واحد من كل شهر ثم زادت مدتها حيث كان يقوم فيها بزيارة المحافظات السورية المختلفه، بالإضافة إلى بعض المناطق في المملكة الأردنية قبل استقراره فيها مؤخراً، هذا الأمر دفع بعض المناوئين لدعوة الألباني إلى الوشاية به عند الحاكم مما أدى إلى سجنه.

صبره على الأذى ... و هجرته

في أوائل 1960م كان الشيخ يقع تحت مرصد الحكومة السوريه، مع العلم أنه كان بعيداً عن السياسة، و قد سبب ذلك نوعاً من الإعاقة له. فقد تعرض للإعتقال مرتين، الأولى كانت قبل 67 حيث اعتقل لمدة شهر في قلعة دمشق وهي نفس القلعة التي اعتقل فيها شيخ الاسلام (ابن تيمية)، وعندما قامت حرب 67 رأت الحكومة أن تفرج عن جميع المعتقلين السياسيين.

لكن بعدما اشتدت الحرب عاد الشيخ إلى المعتقل مرة ثانية، و لكن هذه المرة ليس في سجن القلعة، بل في سجن الحسكة شمال شرق دمشق، و قد قضى فيه الشيخ ثمانية أشهر، و خلال هذه الفترة حقق مختصر صحيح مسلم للحافظ المنذري و اجتمع مع شخصيات كبيرة في المعتقل.

أعماله وانجازاته

لقد كان للشيخ جهود علمية و خدمات عديدة منها:

1) كان شيخنا -رحمه الله- يحضر ندوات العلامة الشيخ محمد بهجت البيطار -رحمه الله- مع بعض أساتذة المجمع العلمي بدمشق، منهم عز الدين التنوحي - رحمه الله- إذ كانوا يقرؤن "الحماسة" لأبي تمام.

2) اختارته كلية الشريعة في جامعة دمشق ليقوم بتخريج أحاديث البيوع الخاصة بموسوعة الفقه الإسلامي، التي عزمت الجامعة على إصدارها عام 1955 م.

3) اختير عضواً في لجنة الحديث، التي شكلت في عهد الوحدة بين مصر و سوريا، للإشراف على نشر كتب السنة و تحقيقها.

4) طلبت إليه الجامعة السلفية في بنارس "الهند" أن يتولى مشيخة الحديث، فاعتذر عن ذلك لصعوبة اصطحاب الأهل و الأولاد بسبب الحرب بين الهند و باكستان آنذاك.

5) طلب إليه معالي وزير المعارف في المملكة العربية السعودية الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ عام 1388 ه ، أن يتولى الإشراف على قسم الدراسات الإسلامية العليا في جامعة مكة، وقد حالت الظروف دون تحقيق ذلك.

6) اختير عضواً للمجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من عام 1395 ه إلى 1398 ه.

7) لبى دعوة من اتحاد الطلبة المسلمين في أسبانيا، و ألقى محاضرة مهمة طبعت فيما بعد بعنوان "الحديث حجة بنفسه في العقائد و الأحكام" .

8) زار قطر و ألقى فيها محاضرة بعنوان "منزلة السنة في الإسلام".

9) انتدب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رئيس إدارة البحوث العلمية و الإفتاء للدعوة في مصر و المغرب و بريطانيا للدعوة إلى التوحيد و الاعتصام بالكتاب و السنة و المنهج الإسلامي الحق.

10) دعي إلى عدة مؤتمرات، حضر بعضها و اعتذر عن كثير بسبب أنشغالاته العلمية الكثيرة.

11) زار الكويت و الإمارات و ألقى فيهما محاضرات عديدة، وزار أيضا عدداً من دول أوروبا، و التقى فيها بالجاليات الإسلامية و الطلبة المسلمين، و ألقى دروساً علمية مفيدة.

12) للشيخ مؤلفات عظيمة و تحقيقات قيمة، ربت على المئة، و ترجم كثير منها إلى لغات مختلفة، و طبع أكثرها طبعات متعددة و من أبرزها، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، وسلسلة الأحاديث الصحيحة و شيء من فقهها و فوائدها، سلسلة الأحاديث الضعيفة و الموضوعة و أثرها السيئ في الأمة، وصفة صلاة النبي من التكبير إلى التسليم كأنك تراها.

13) و لقد كانت قررت لجنة الإختيار لجائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية من منح الجائزة عام 1419ه / 1999م ، و موضوعها "الجهود العلمية التي عنيت بالحديث النبوي تحقيقاً و تخريجاً و دراسة" لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني السوري الجنسية، تقديراً لجهوده القيمة في خدمة الحديث النبوي تخريجاً و تحقيقاً ودراسة و ذلك في كتبه التي تربو على المئة.

ثناء العلماء عليه

قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:

(ما رأيت تحت أديم السماء عالما بالحديث في العصر الحديث مثل العلامة محمد ناصر الدين الألباني)

وسئل سماحته عن حديث رسول الله - صلى الله عليه و سلم-: "ان الله يبعث لهذه الأمه على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" فسئل من مجدد هذا القرن، فقال -رحمه الله-: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني هو مجدد هذا العصر في ظني والله أعلم.

وقال الفقيه العلامة الإمام محمد صالح العثيمين:

فالذي عرفته عن الشيخ من خلال اجتماعي به وهو قليل، أنه حريص جداً على العمل بالسنة، و محاربة البدعة، سواء كان في العقيدة أم في العمل، أما من خلال قراءتي لمؤلفاته فقد عرفت عنه ذلك، و أنه ذو علم جم في الحديث، رواية و دراية، و أن الله تعالى قد نفع فيما كتبه كثيراً من الناس، من حيث العلم و من حيث المنهاج و الاتجاه إلى علم الحديث، و هذه ثمرة كبيرة للمسلمين و لله الحمد، أما من حيث التحقيقات العلمية الحديثية فناهيك به.

العلامة المفسر محمد الأمين الشنقيطي

قول الشيخ عبد العزيز الهده : "ان العلامه الشنقيطي يجل الشيخ الألباني إجلالاً غريباً، حتى إذا رآه ماراً وهو في درسه في الحرم المدني يقطع درسه قائماً ومسلماً عليه إجلالاً له".

وقال الشيخ مقبل الوادعي:

والذي أعتقده وأدين الله به أن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله من المجددين الذين يصدق عليهم قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) [إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها]

آخر وصية للعلامة المحدث

أوصي زوجتي و أولادي و أصدقائي وكل محب لي إذا بلغه وفاتي أن يدعو لي بالمغفرة و الرحمة -أولاً- وألا يبكون علي نياحة أو بصوت مرتفع.

وثانياً: أن يعجلوا بدفني، و لا يخبروا من أقاربي و إخواني إلا بقدر ما يحصل بهم واجب تجهيزي، وأن يتولى غسلي (عزت خضر أبو عبد الله) جاري و صديقي المخلص، ومن يختاره -هو- لإعانته على ذلك.

وثالثاً: أختار الدفن في أقرب مكان، لكي لا يضطر من يحمل جنازتي إلى وضعها في السيارة، و بالتالي يركب المشيعون سياراتهم، وأن يكون القبر في مقبره قديمة يغلب على الظن أنها سوف لا تنبش...

و على من كان في البلد الذي أموت فيه ألا يخبروا من كان خارجها من أولادي - فضلاً عن غيرهم- إلا بعد تشييعي، حتى لا تتغلب العواطف، و تعمل عملها، فيكون ذلك سبباً لتأخير جنازتي.

سائلاً المولى أن ألقاه و قد غفر لي ذنوبي ما قدمت و ما أخرت..

وأوصي بمكتبتي -كلها- سواء ما كان منها مطبوعاً، أو تصويراً، أو مخطوطاً -بخطي أو بخط غيري- لمكتبة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، لأن لي فيها ذكريات حسنة في الدعوة للكتاب و السنة، و على منهج السلف الصالح -يوم كنت مدرساً فيها-.

راجياً من الله تعالى أن ينفع بها روادها، كما نفع بصاحبها -يومئذ- طلابها، وأن ينفعني بهم و بإخلاصهم و دعواتهم.

(رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي و على والدي و أن أعمل صالحاً ترضاه و أصلح لي في ذريتي إني تبت إليك و إني من المسلمين).

27 جمادى الأول 1410 هـ

وفاته

توفي العلامة الألباني قبيل يوم السبت في الثاني و العشرين من جمادى الآخرة 1420ه، الموافق الثاني من أكتوبر 1999م، و دفن بعد صلاة العشاء.

و قد عجل بدفن الشيخ لأمرين أثنين:

الأول: تنفيذ وصيته كما أمر.

الثاني: الأيام التي مر بها موت الشيخ رحمه الله و التي تلت هذه الأيام كانت شديدة الحرارة، فخشي أنه لو تأخر بدفنه أن يقع بعض الأضرار أو المفاسد على الناس الذين يأتون لتشييع جنازته رحمه الله فلذلك أوثر أن يكون دفنه سريعاً.

بالرغم من عدم إعلام أحد عن وفاة الشيخ إلا المقربين منهم حتى يعينوا على تجهيزه ودفنه، بالإضافه إلى قصر الفترة ما بين وفاة الشيخ ودفنه، إلا أن الآف المصلين قد حضروا صلاة جنازته حيث تداعى الناس بأن يعلم كل منهم أخاه.

فتحي الجزائري
2007-11-22, 23:22
السلام عليكم ورحمة الله ...

مشكور أخي على هذا الأسلوب الراقي في الحوار.....ونسال الله التوفيق لنا ولكم ولجميع المسلمين..آمين ...اما بعد :

نحن نتفق على ان العلماء أفهم وأعلم منا بالدين ...إذا اتركك مع كلام للشيخ العثيمين فأرجوا أن تتمعن فيه وبالله التوفيق...

سئل فضيلة الشيخ : عن هذا الحديث : أن أعمى أتى إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ادع الله أن يكشف عن بصري قال: "أو أدعك" ، قال: يا رسول الله إنه قد شق عليّ ذهاب بصري، فقال : فانطلق فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد ، صلى الله عليه وسلم ، نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي" ما صحة هذا وما معناه؟
فأجاب قائلاً : هذا الحديث اختلف أهل العلم في صحته فمنهم من قال : إنه ضعيف ، ومنهم من قال: إنه حسن ، ولكن له وجهة ليست كما يتبادر من اللفظ، فإن هذا الحديث معناه أن النبي – صلى الله عليه وسلم - أمر هذا الرجل الأعمى أن يتوضأ، ويصلي ركعتين ليكون صادقاً في طلب شفاعة النبي – صلى الله عليه وسلم – له ، وليكون وضوؤه، وصلاته عنواناً على رغبته في التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم– والتوجه به إلى الله –سبحانه وتعالى– ؛ فإذا صدقت النية، وصحت، وقويت العزيمة فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – يشفع له إلى الله – عز وجل – ؛ وذلك بأن يدعو النبي – صلى الله عليه وسلم – له. فإن الدعاء نوع من الشفاعة كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : "ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه" . فيكون معنى هذا الحديث أن هذا الأعمى يطلب من النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يدعو الله له؛ لأن هذا الدعاء نوع شفاعة. أما الآن وبعد موت النبي – صلى الله عليه وسلم – فإن مثل هذه الحال لا يمكن أن تكون لتعذر دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – لأحد بعد الموت، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : "إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له" والدعاء بلا شك من الأعمال التي تنقطع بالموت؛ بل الدعاء عبادة كما قال الله – تعالى- : ]وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين[ ولهذا لم يلجأ الصحابة – رضي الله عنهم – عند الشدائد وعند الحاجة إلى سؤال النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يدعو الله لهم ؛ بل قال عمرابن الخطاب – رضي الله عنه- حين قحط المطر: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون" وطلب من العباس – رضي الله عنه – أن يدعو الله – عز وجل – بالسقيا فدعا فسقوا . وهذا يدل على أنه لا يمكن أن يطلب من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعد موته أن يدعو لأحد؛ لأن ذلك متعذر لانقطاع عمله بموته صلوات الله وسلامه عليه ؛ وإذا كان لا يمكن لأحد أن يطلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو له بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم- فإنه لا يمكن – ومن باب أولى - أن يدعو أحد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، نفسه بشيء من حاجاته أو مصالحه؛ فإن هذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله؛ والذي حرم الله على من اتصف به الجنة: قال الله – تعالى-:]ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين[ . وقال – تعالى-]: فلا تدع مع الله إلهاً آخر فتكون من المعذبين [ ؛ وقال الله – عز وجل -: ]ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون[ ؛ وقال – تعالى: ]إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار[ . فالمهم أن من دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته أو غيره من الأموات لدفع ضرر أو جلب منفعة فهو مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة، وعليه أن يتوب إلى الله – سبحانه وتعالى –، وأن يوجه الدعاء إلى العلي الكبير الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ؛ وإني لأعجب من قوم يذهبون إلى قبر فلان وفلان يدعونه أن يفرج عنهم الكربات ويجلب لهم الخيرات وهم يعلمون أن هذا الرجل كان في حال حياته لا يملك ذلك فكيف بعد موته بعد أن كان جثة - وربما يكون رميماً قد أكلته الأرض - فيذهبون يدعونه، ويتركون دعاء الله – عز وجل – الذي هو كاشف الضر، وجالب النفع، والخير ، مع أن الله – تعالى – أمرهم بذلك وحثهم عليه فقال : ]وقال ربكم ادعوني أستجب لكم[ . وقال –الله تعالى-: ] وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان[ . وقال – تعالى – منكراً على من دعا غيره : ]أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله[.أسأل الله – تعالى– أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم.