المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المدارس اللسانية


benaissa oumama
2010-01-29, 18:09
طلب بحث حول : مقارنة بين المدرسة التوزيعية و المدرسة التوليدية
و أجر الجميع على الله
من كتم علما ألجمه الله بلجام من نار في معنى الحديث

meriem saghira
2010-02-05, 16:58
كلما يمكنني افادتك هو النظرية التوليدية

صاحبها وكيف اسسها واهم ما تطرق اليه في نظريته

حياة تشومسكي ومؤلفاته
أ‌-حياة تشومسكي العلمية:

ولد أفرام نعوم تشومسكى فى السابع من ديسمبر عام 1928 م فى مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية لوالد كان يدعى ويليام تشومسكى «1897 - 1976م»، هذا الأخير الذى كان قد هاجر من روسيا عام 1913م بغية التهرب من تجنيده فى صفوف الجيش القيصرى، ليصبح فيما بعد العالم البارز فى مجال اللغويات، تلقى تشومسكى تعليمه فى إحدى مدارس ديوايت التى كانت تشتهر بتقدمها فى أساليب التعليم، كان تشومسكى لا يزال صبيا غضا فى فترة الكساد الاقتصادى الكبير الذى اجتاح الولايات المتحدة الأمريكية بين عامى «1929 - 1939م»، حيث تأثر عظيم التأثير بما شاهدة من عمليات القمع التى مارستها السلطات الحكومية لإفساد الإضرابات التى قام بها العمال، فضلا عن الامتهان واليأس والقنوط الذى كان العمال يتجرعونه وطالما أفضى بهم إلى التهور.
تتلمذ تشومسكى فى جامعة بنسلفانيا على يد زيليج س هاريس أستاذ اللغويات، والذى كان من شأن آرائه التحررية التى كانت تصطبغ بصبغة شبه فوضوية أن تركت آثارها الواضحة على انتماءات تشومسكى السياسية، حيث نبتت أعمال تشومسكى الأولى فى حديقة هاريس.
تزوج من اللغوية كارول سكاتز عام 1949م، وكتب رسالة تخرجه التى كانت تحمل عنوان «دراسة التركيب الصوتى للوحدات الصرفية فى اللغة العبرية الحديثة» والتى كانت بمثابة محاولة أولى لبناء قواعد النحو التوليدى، وحصل على درجة دكتوراه الفلسفة فى اللغويات عام 1955م ، وتم تعيينه أستاذا جامعيا بقسم اللغويات واللغات الحديثة الذى أصبح اسمه الآن قسم اللغويات والفلسفة، بمعهد ماستشوس للتكنولوجيا عام 1961م فى عام 1965م نظم لجنة من المواطنيين الأمريكيين العاديين وأعلنوا رفضهم دفع الضرائب احتجاجا على الحرب فى فيتنام. ثم نشر أول كتاب سياسى له يحمل عنوان «القوة الأمريكية والمانداريون الجدد» طبقت شهرة تشومسكى الآفاق كناقد راسخ العزم للظلم الاجتماعى فى كافة مظاهره وأشكاله، ولكى نوجز القول فإن فلسفته الاجتماعية تسلط الضوء على الآتى :
1 - الكيفية التى تفرضها مؤسسات القوى تحكمها وسيطرتها على جماهير العامة
2 - الكيفية التى باع بها المثقفون ضمائرهم وخانوا مجتمعاتهم المحلية وآثروا أن يكونوا أذنابا تخدم سلطة الدولة.
وقد أحاطت الانتقادات الحادة التى وجهها تشومسكى ضد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية على وجه الخصوص اللثام عن :-
1 - العنف الضارب أطنابة فى كافة أنحاء العالم نتيجة لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية الموصومة بالإمبريالية.
2 - مفهوم الذات الملفق والمختلق الذى روجت له الولايات المتحدة الأمريكية وأشاعته فى كل مكان وعلى كل لسان، باعتبارها دولة حسنة النية و «خيرة بالأساس».
3 - تزييف الواقع والتلاعب بمجرياته نتيجة لذلك المفهوم المعيب الذى تدعى الولايات المتحدة الأمريكية بموجبه الصلاح لنفسها، وبأنها دائما أقوم أخلاقا من أية دولة أخرى

ب- أهم مؤلفاتـــــه:
جسّد تشومسكي أفكاره وأبحاثه اللغوية في مقالات وكتب نشرها في أزمنة متقاربة ولقد أثرت وأفادت اللسانيين في مجالات عدة، نذكر منها:
·البنى التركيبية أو التراكيب النحوية 1957.
·البنية المنطقية للنظرية اللسانية1975 la structure logique de la théorie linguistique.
·ملامح النظرية التركيبية 1965 l'aspect de la structure
syntaxique

·اللساتيات الديكارتية 1966 La linguistique Cartésienne
·الأنماط الصوتية في اللغة الانجليزية les types phonologiques de la langue Anglaise 1968
·اللغة والفكر la langue et la pensée 1968
·مسائل المعرفة والحرية1971 problème de la connaissance et de la liberté
·دراسات الدلالة في القواعد 1972 Etude sémantique de la grammaire générative
· المعرفة اللغوية:طبيعتها، أصولها واستخدامها la connaissance linguistique: les origines,et les fonctions.

المراحل التي مرت بها نظرية النحو التوليدي التحويلي:

لقد احدث تشومسكي ثورة عالمية في اللسانيات المعاصرة بحديثه عن " النظرية اللسانية التي يجب ان تحلل مقدرة المتكلم على ان ينتج الجمل التي لم يسمعها من قبل وعلى ان يتفهمها. وذلك انطلاقا من قواعد ضمنية تمكنه من توليد الجمل وتحويلها توليدا وتحويلا لا متناهيين .
- وقد مرت هذه اللسانيات الجديدة ( التوليدية التحويلية) ( Génératives et Transformationnelles)بعدة مراحل يمكن تلخيصها فيما يلي :
أ-مرحلة المباني التركيبية سنة 1957
ب-مرحلة وجوه النظرية النحوية سنة 1965
ج-مرحلة الاعمال التي أنجزها باحثون ذهنيون امثال كاتز Katz و فودور Fodor، والتي تندرج ضمن " علم الدلالة التوليدي" وإذا كان سوسور الأب الروحي للبنيوية، فإن تشومسكي يعد الأب الروحي للتوليدية.
د – مرحلة الاعمال والنماذج الحالية لتشومسكي والتي تميزت بمراجعة هذه الذات العارفة واعادة النظر في نماذجه الاولى ؛ وقد لمينا شخصيا نزوعه الى التصالح مع البنيوية والاتجاهات التكوينية والتجريبية من خلال المناقشات التي جمعت لسانيين ذوي شهرة عالمية ، وعلى راسهم جان بياجيه .كما ان امكانية الحديث عن الاثر المنهجي لغاليلي على نظرية تشومسكي امكانية واردة .

الفصل الثاني:

المبحث الأول:مفهوم اللغة عند التوليديين :

ترى المدرسة التوليدية ان اللغة هي مجموعة من الجمل . وهذه الجمل تصنف الى. فئة الجمل المنفية وفئة الجمل المبنية للمجهول وفئة الجمل المثبتة. ويرتبط بعض هذه الجمل بالبعض الآخر. يقول تشومسكي .
<< من الآن فصاعدا نعتبر ان اللغة كناية عن مجموعة ( متناهية وغير متناهية) من الجمل، كل جملة منها طولها محدود ومكونة من مجموعة متناهية من العناصر >> . فاللغة في رأيه " ظاهرة بالغة التعقيد، ودراستها تقتضي بناء نظرية بامكانها أن تفسر القضايا اللغوية. ان نقطة الاختلاف بين تشومسكي وسوسور هي ان الأول يحلل اللغة انطلاقا من مسلمة انها وسيلة للتواصل او التعبير بينما يحللها ويفسرها الثاني انطلاقا من مسلمة أنها مجموعة جمل كل جملة منها تحتوي على شكل صوتي وعلى تفسير دلالي ذاتي محايث لها. فالأول يتحدث عن اللغة باعتبارها شكلا قبل كل شيء بينما يعطي الثاني الأسبقية للجوهر والبنية العميقة دون ان يهمل البنية السطحية ، أي المعنى الظاهر للغة.فالمهم في اللغة حسب المنهج العقلي ليس هو جانبها المادي البنيوي ولكنه قدرتها على التوليد والانتاج الجملي. فقد تأثر التوليديون كثيرا بديكارت وغيره من العقلانيين وتبنوا مقولات الابداع اللغوي والسلوك الداخلي وما يعتمل من قدرة وطاقات داخل الدماغ او العقل البشري29. لقد الف تشومسكي كتاب : اللسانيات الديكارتية عام 1966 ، و فيه تاثر كثيرا بديكارت وفون همبولت Von Homboldt اللذين يظهر مفهوم الكفاية عندهما بوضوح .
ان اللغة عملية توليدية فعالة في الذهن البشري قادرة على الخلق والابداع من خلال قانون نحوي عام يشمل كافة اللغات البشرية.هذه العملية اللغوية تتكون من 3 عناصر بنيوية هي :
أ) العنصر النحوي : ودوره مزدوج : تنظيمي حيث ينتج معان نحوية منظمة ؛وتوليدي لانه يولد عددا من الجمل النحوية.
مثال : << يشرح الاستاذ الدرس، اليوم، بطريقة جيدة .>>
التنظيم : حيث لا نقول ك<< شرح الدرس اليوم الأستاذ بطريقة جيدة >>
التوليد :<< اليوم، يشرح الاستاذ الدرس بطريقة جيدة >> << يشرح الاستاذ اليوم الدرس بطريقة جيدة >> << الدرس يشرح من قبل الاستاذ بطريقة جيدة >> << ان شرح الاستاذ للدرس شرح جيد اليوم.>>
<< الدرس شرحه الاستاذ >>
ب)العنصر التحويلي : أي قدرتنا على تحويل الجملة الواحدة الى جملة شرطية او تعجبية او استفهامية او منطقية. مثلا : << شرح الاستاذ الدرس>> . << هل شرح الاستاذ الدرس ؟>> << اذا شرح الاستاذ الدرس فان التلاميذ يفهمون>> ...ونجد عند تشومسكي ما يسميه بالارتباط البنياني الذي يرتبط به اجراء التحويل مثلا : أ) << قرأ الرجل الكتاب>> نحولها الى ب) << الكتاب قرأه الرجل >>.فالجملة الثانية حولت من الجملة الاولى بواسطة اجراء تحويل نقل الركن الاسمي الى موقع الابتداء .وهذا التحويل يتناول الركن الاسمي الذي يقع على يسار الفعل فينقله الى موضع الابتداء تاركا ضميرا عائدا اليه في الموضع الذي كان يشغله الركن الاسمي .
ج) العنصر التركيبي : وظيفته هي انتاج جمل سليمة سواء أكانت منطوقة أم مكتوبة.
ويقدم مازن الوعر مثالا لصياغة رياضية وعملية توليدية للجملة التالية.
يمكن ان يكون الكتاب قد كتب من قبل تشومسكي


خطوات المنهج التوليدي:
تنطلق اللسانيات التوليدية من مسلمة وهي ان تفسير الظاهرة اللغوية تفسيرا لسانيا يقتضي الانطلاق من نظرية مبنية بطريقة علمية ثم الانتقال الى الواقع الذي نقوم بشرحه وتفسيره وفق مبادئ هذه النظرية، خلافا للمنهج البنيوي المادي السلوكي الذي ينطلق من الواقع نحو النظرية كما أسلفنا . فلكي يحلل الباحث اللساني الظاهرة اللغوية فإنه ملزم – كما يرى تشومسكي – بالاقتراب من المتكلم واستكناه قدرته الكلامية التي تشتغل داخل الذهن البشري.


* وضع فرضية لغوية :
انطلاقا من البحث العلمي في مجال اللسانيات ، وانطلاقا من نظرية علمية واضحة المعالم والمحددات والعناصر حيث يقوم الباحث بوضع فرضية البحث والتحليل .
* تمحيص الفرضية :
في خطوة ثانية يقوم الباحث بتطبيق الفرضية اللغوية على بعض المواد اللغوية. لأنه ينطلق دائما من العام الى الخاص ومن الكل إلى الجزء خلافا لمن يعتمد المنهج الاستقرائي.
*إعادة صياغة الفرضية اللغوية :
عندما تدعو الحاجة إلى إعادة النظر في الفرضيات من اجل جعلها اكثر مطابقة وملاءمة للأهداف المتوخاة.
* تثبيت الفرضية اللغوية :
عندما نتأكد من ملاءمة الفرضية للمواد اللغوية نطرحها للتخصيص ونسحبها على جميع الحالات والظواهر اللغوية .

وفي هذا الإطار فإن تشومسكي يطرح النحو الكلي (grammaire universelle) ويرى ان الرتبة فاعل – فعل – ( مفعول) التي نجدها في اللغة الانجليزية صالحة للتطبيق على جميع لغات العالم الطبيعية.وينطلق في كلامه هذا من فرضية اننا ننحدر من نوع واحد،وبالتالي يوجد بيننا جميعا اتحاد وليس تغيرات.وهذا ما يشبه الحالة البدائية السابقة عن التجربة. ونفس الاتجاه والمنهج يطبقه الفاسي الفهري على اللغة العربية اذ يقول بأنها تملك رتبتين هما : أ ) فعل-فاعل-(مفعول) مثال:<< يشرح الاستاذ الدرس >>؛ ب) << الاستاذ يشرح الدرس>> او << الدرس شرحه الاستاذ>> او << الاستاذ طلبت منه شرح الدرس>> او<< المجتهد نوه به الاستاذ>> . وهناك من يرى ان اللغة العربية لا تملك الا رتبة واحدة هي : فعل – فاعل – ( مفعول) انها رتبة اصلية سائدة تحكم كل عربية تليدة .و في حالة رتبة ثانية مثل : فاعل – فعل – ( مفعول) ،او مفعول – فعل – ضمير عائد على المفعول – فاعل : الدرس شرحه الاستاذ فان هذا الفاعل " لا يتقدم ولا يصعد من داخل المركب الفعلي الى مكان متقدم على الفعل في مخصص التطابق "، واذا وجدنا اسما متقدما في الجملة الثانية : الدرس يشرحه الاستاذ ؛ كما نجد في القرآن الكريم رهبانية ابتدعوها – في حالة رتبة ثانية - ، يحتل الاسم المتقدم في المركب الفعلي موقع الموضع) ( Tوليس موقع الفاعل، مثله في ذلك مثل الاسم المتقدم . وهذا ما قال به الفاسي الفهري (1981 و 1985). ايضا نجد نفس الاختلاف بين مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة من حيث اعتبار الاسم المتقدم مبتدءا او فاعل . ولكن اذا كانت الجملة خالية من مفعول به وتقدم المركب الاسمي ،فان المتقدم يعد فاعلا لا موضعا في راي الفاسي 1993 ،وراي مدرسة الكوفة الذين يجيزون تقديم الفاعل خلافا لمدرسة البصرة .




قائمة المراجع:
1- د . نعمان بوقرة،المدارس اللسانية المعاصرة، مكتبة الآداب، القاهرة ،2003. الصفحة 129 وما يليها.
2- فخري، ماجد، ارسطو، المعلم الأول، ص 145-155 ، الأهلية للنشر والتوزيع ، بيروت ، 1977 ، عدد الصفحات 182.
3- العربي اسليماني، مناهج البحث في الجغرافيا ، مقاربة ابستمولوجية ، مركز تكوين المفتشين ، الرباط ، 1997.
4- الانترنيت ، محرك البحث google)).



المصدر : الأستاذ فتحي خشايمية - بتصرف-

benaissa oumama
2010-02-06, 09:08
شكرا لك و الله يحفظك يا meriem saghira:dj_17:

barrca1980
2012-02-08, 15:21
بحث حول المدرسة التوزيعية لهاريسبحث حول المدرسة التوزيعية لهاريس


تمهيد:
“يطلق هذا الاسم على اتجاه لساني ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية في حوالي سنة 1930، وهو مرتبط بتفكير سوسير . وأوجه التماثل بين التوزيعية والاتجاهات الأوربية المعاصرة تسمح بوسمها على أنها جميعا من البدائل للبنيوية”[1].
التوزيعية هي النظرية التي تقابل عند كثير من الدارسين “البنيوية الأمريكية”، التي يعتبر سابير من أوائل روادها، وقد نشر كتابه عن (اللغة) عام 1921 بقدر عظيم من الحكمة والتوازن عندما يتحدث عن البنية اللغوية ، فيتفادى التبسيطات الشديدة، والنزعة العلمية السهلة التي سادت فيما بعد، ويصر في مقدمة كتابه على تأكيد (الطابع اللاشعوري والطبيعة اللامعقولة للبنية اللغوية)، مركزا على الجانب الإنساني للغة باعتبارها نظاما من الرموز، فوظيفة اللغة عنده ليست غريزية، ولكنها ثقافية مكتسبة، وبعد أن يدرس المشاكل الصوتية يتناول قضية الشكل اللغوي والبنية القاعدية، فيؤكد أن الحقيقة اللغوية الجوهرية تتمثل في التصنيف، والنمذجة الشكلية للتصورات فاللغة كبنية هي الجانب الداخلي، وأما الشكل فينبغي دراسته من وجهة نظر الوظيفة المنوطة به، ولا بد فيما يتصل بهذا الشكل من التمييز بين الصيغ التي تستخدمها لغة ما في عملياتها النحوية، وبين توزيع التصورات بالنسبة للتعبيرات المختلفة في نماذج “صوتية شكلية”[2].
وبالعنوان نفسه نشر بلومفيلد كتابه عن (اللغة) عام 1933، وعرض فيه للجانب الآخر من النظرية البنيوية المتماسكة، ويعتبر كل من (سابير) و(بلومفيلد) زعيمي المدرسة الأمريكية، وإن كان الثاني أكثر تأثيرا من صديقه، وأفضل تمثيلا لها، إذ تربى على يديه أجيال من الباحثين، حتى عد كتابه أهم دراسة منهجية للغة في القرن العشرين، ومازالت مبادئه هي السائدة بين جمهور الباحثين[3]. وتتحدد البنيوية الأمريكية في الحقيقة بعاملين: بهدفها العملي، وهو ضرورة دراسة لغات الهنود الحمر، وثقافاتهم التي لم تبحث وتدون آنذاك، وبالبديهيات العلمية للسلوكية[4]، وسنوضح أثر هذه الأخيرة على التوزيعية، فيما هو آت.
2- صاحب النظرية التوزيعية[5]:
هاريس (زيلغ سابيتي هاريس /Zelling Sabbetai Harris 1909)
ولد (هاريس) سنة 1909م في روسيا، ثم قدم في الخامسة من عمره إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التحق بجامعة (بنسلفانيا)، أين حصل على الدرجة الجامعية الأولى عام (1930)، وبعد سنتين من ذلك حصل على درجة الماجستير في الأدب، من الجامعة ذاتها (1932م)، وعام (1934) تحصل على درجة الدكتوراه بالأطروحة التي تقدم بها عن قواعد اللغة الفينيقية. ثم عين للتدريس في الجامعة ذاتها، إلى أن انتقل إلى جامعة (فيلادلفيا )، ثم عاد بعد ذلك إلى (بنسلفانيا) واشتغل بالتدريس هناك. أين التقى تلميذه تشومسكي.
أشهر مؤلفات هاريس في علم اللغة ذلك الذي يعد المؤلف الرئيس في علم اللغة التوزيعي، والذي شرح فيه آراءه حول هذا المنهج، وهو كتاب موسوم بـ (مناهج في اللسانيات البنوية)، وبه ظهر هاريس صاحب مدرسة جديدة، إذ خرج على أفكار(بلومفيلد) الذي كان مثله الأعلى في المنهج الوصفي.
سنة 1952 نشر هاريس مقاله (transformar grammar) الذي تحدث فيه عن استعمال الرموز لتحليل الجملة، كما تحدث عن الجملة التوليدية، وعن القواعد والقوانين اللازمة لتوليدها، ولعل هذا المقال هو البذرة الأولى التي انطلقت منها أعمال اللغوي تشومسكي في نظريته التوليدية التحويلية، حيث إنه طور آراءه اعتمادا على آراء أستاذه (في النحو التوليدي)، فطغت آراء التلميذ ونسبت النظرية التوليدية التحويلية لتشومسكي في النهاية، ولم يكن هاريس لينشر هذا المقال – كما يعتقد بعض الدارسين- لولا إحساسه أن منهجه الجديد (التوزيعي) الذي أخذ يدعو له لا يصلح لحل كثير من قضايا اللغة لكنه لم يصرح بذلك، بل حاول تعديل فكرته من خلال طرح فكرته الجديدة التي تأثر بها تشومسكي.
يرى هاريس أن المعنى ليس عنصرا رئيسا في تقسيم الجمل، وتوزيع مفرداتها، متأثرا في ذلك بآراء بلومفيلد الذي يرى أن المعنى هدف بعيد المنال، وعلى الباحث –حتى لا يدخل في متاهات تبعده عن لب الدراسة- أن ينصرف عنه إلى ما هو أهم، وعلى الرغم من هذا التوجه إلاَّ انه وجد نفسه عند التطبيق يتحدث عن العلاقة الوثيقة بين المعنى الماثل في ذهن المتكلم ، والمورفيمات المستعملة والتركيب الجملي الذي تنتظم فيه هذه المورفيمات انتظاما توزيعيا.
3- المقدمات النظرية للتوزيعية:
ليس من العسير أبَّدا أن نكتشف أن مقدمات العمل النظرية للتوزيعية قائمة بشكل أساسي على مبادئ سوسير، فهي تشبه إلى حد كبير ما صاغه هذا العلامة من مقدمات.
- موضوع الدرس هو اللغة مقابلة بالحديث، وغالبا ما يطلق على اللغة لفظ القانون؛ أي أنها النظام الذي يحكم عملية الاستعمال الفردي (الكلام)، وهي تسمية لها صدى عملي ملموس، وقد كان سوسير قبل أصحاب المنهج التوزيعي قد أكد على أن موضوع اللسانيات (الدرس اللساني) بمختلف مناهجه هو اللغة.
- الآنية: يتسم هذا الدرس بالآنية، لأنهم بإزاء لغات منعدمة الكتابة، و ماضيها مجهول[6]، فالتوزيعيون انطلقوا في بداية الأمر من دراسة لغات الهنود الحمر، وثقافتهم التي لم تبحث أو تدون آنذاك[7] – كما سلفت الإشارة - وليست الآنية إلا المنهج الوصفي الذي اشتهر به دي سوسير، حيث إنه نادى إلى دراسة اللغة دراسة آنية لأنها كفيلة بإعطاء نتائج مضمونة، وعندما يفرغ الباحث منها له أن ينتقل إلى الدراسة التاريخية التي تتم وفق امتداد زمني طويل، قد يحول بين الدارس وبين تحقيق مراميه بشكل أفضل.
- ” تتألف اللغة من وحدات متفاصلة تفرزها عملية التقطيع ، ويقدم سوسير في هذا المجال رؤية شاملة حول العلامة اللسانية ، وطبيعتها وعلة وجودها، ولكن لا وجه للمقارنة مع ما للتوزيعيين، فلا محل عندهم للبحث النظري، وإنما لمعالجة شديدة الضبط للقضايا التي يوفرها الوصف (ولا يذكرها سوسير) ؛أي كيف نبرز الكلم المميز (المورفيمات)، وهي تقابل عندهم العلامات، و ما هي المقاييس عند ظهور بعض الشك… إلخ” ،ويمكن أن نلاحظ اطراد المقابلة بين الدال والمدلول، واعتبار المورفيم كوحدة دنيا تفيد دلالة يفردها التحليل، لكن جميع ما يتعلق بالمعنى في شتى أشكاله يحذو فيه حذوا ثابتا، وترجع المناقشات حول المورفيمات عادة إلى قضايا تخص الشكل، فالمعنى في حد ذاته لا يدرك موضعه، ولا نحصل إلا على معاينة أوجه التماثل، و أوجه التباين الدلالية.
ارتكز التوزيعيون بشكل واضح على مبادئ دي سوسير، وإن بدا لنا بعض الاختلاف بينهم وبينه، فليس إلا صبغة خاصة أرادها التوزيعيون، لأنفسهم ليتميزوا عن باقي المدارس اللسانية الأخرى.
- تؤلف كل لغة نظاما مخصوصا، وهو ما يقابل الاعتباطية عند سوسير، فموضع الكلمة في البنية محدد بعلاقاتها مع الكلمات الأخرى، ومن هذه العلاقات تنشأ قيمة كل كلمة[8].
-إن العناصر تتحدد بعلاقاتها داخل النظام، أي بعلاقاتها مع غيرها من العناصر اللغوية في التركيب الواحد، وهو ما يسميه سوسير بالعلاقات الركنية أو السياقية التي تجمع بين كلمات جملة واحدة، حيث تستدعي كل منها الأخرى، لتشكل سياق لغويا ذا دلالة، ولعلنا هنا واقفون على أهم مبادئ النظرية التوزيعية، حيث إنها ترى أن عملية التوزيع السليم الذي تأخذ فيه الكلمة قيمتها وبالتالي علاقات منطقية ولغوية مع بعضها البعض هي التي تصل بنا في النهاية إلى المعنى السليم، ومن هنا جاء اسم النظرية التوزيعية[9]، ولتوضيح ذلك نضرب المثال الآتي.
تتوزع الجمل في العربية وفق أحد النظامين (في الغالب الأعم)[10]:
الجمل الاسمية: التي يتصدرها اسم (مسند إليه + مسند)
الجمل الفعلية: التي يتصدرها فعل (مسند + مسند إليه)
وقد يخالف مستعمل اللغة أحد التركيبين إلى تركيب جديد بالزيادة أو الحذف أو التقديم أو التأخير… دون أن يخالف نظام اللغة، فيوزع مفرداته توزيعا سليما، وفق قانون لغوي يخضع له للتعبير عن تجربة معينة، أو فكرة ما، لكننا قد نكون بإزاء متكلم جاهل بقواعد اللغة، فيوزع ما في ذهنه من مفردات توزيعا مختلا، به يختل المعنى، كأن يقول: نضع الصحن في الطعام، وهو يريد: نضع الطعام في الصحن، فيربط بين الوحدة اللغوية التي تريد فعلا وبين التي تأتي رابطا (حرف الجر)، عوض أن يربط هذه الأخيرة بكلمة (الصحن) ليدل على المكان (الموضع) الذي يوضع فيه الطعام .
4- أثر علم النفس السلوكي على التوزيعيه:
ألف بلومفيلد سنة 1914 كتابا يحمل عنوان (اللغة) ويبدو واضحا أنه في كتابه هذا متشبع بمبادئ السلوكية[11]، و هذا ما جعله يعلن صراحة عن التزامه بهذا المذهب بعده إطارا نموذجيا لوصف اللغة، فقد ذهب إلى أن اللسانيات شعبة من شعب علم السلوكي، متأثرا في ذلك بـ (واطسون/Watson) مؤسس المذهب السلوكي في علم النفس، ولعل هذه القضية من أهم النقاط التي تقوم عليها نظرية بلومفيلد السلوكية، حيث اعتبر اللغة نتاجا آليا واستجابة كلامية لحافز سلوكي ظاهر، وعلى هذا الأساس حاول تفسير الحدث الكلامي من منظور سلوكي بحت.
أطلق بلومفيلد على المنهج الذي اتبعه في دراسة اللغة اسم المنهج المادي أو الآلي، وهو منهج يفسر السلوك البشري في حدود المثير والاستجابة على غرار ما تقوم به العلوم الفيزيائية والكمياوية في اعتمادها في تفسير الظواهر على تتابعات العلة والأثر[12]، وقد استعان في شرح منهجه هذا بقصته المشهورة عن (جاك) و(جيل).
افترض بلومفيد أن جاك وجيل كانا يتنزهان في الحديقة بين صفوف الأشجار، شعرت(جيل) بالجوع، وتولدت لديها رغبة في الأكل، رأت تفاحة على الشجرة، فأصدرت أصواتا عبرت من خلالها عن هذا الجوع، فقفز (جاك) على إثر هذه الأصوات، ليتسلق الشجرة، ويقطف التفاحة، ليقدمها إلى(جيل) التي اشتكت من الجوع أو عبرت عنه، و بعد ذلك يضع التفاحة في يدها، وتأكلها هانئة البال. إن في هذه القصة مجموعة من الجوانب التي تثير اهتمام الدارسين، إذ يهتم الباحث اللغوي هنا بالحدث الكلامي، والتصرف السلوكي الذي ترتب عليه، لأن اللغة في نظره سلسلة من الاستجابات الكلامية لحوافز ليست ميدان الباحث اللغوي، فهو لا يهتم بالعمليات النفسية (الحافز الداخلي) السابقة على عملية الكلام، وإصدار الإشارات الصوتية، بل بدراسة التصرف الكلامي، فيصف ما فيه من فونيمات ومورفيمات توزع في إطار جملي[13].
و قد قام بلومفيد بتحليل هذه القصة كمايلي:
1-أحداث عملية سابقة الحدث الكلامي.
2-الحدث الكلامي.
3-أحداث عملية تابعة للحدث الكلامي.
والشكل الآتي يوضح هذا التحليل:
>R ……………>s……………r >…………S
- الخط المتقطع يمثل الحدث الكلامي الذي يملأ الفراغ بين جسمي المتكلم والسامع
- المثير S: يعادل الأحداث العملية السابقة للحدث الكلامي (إحساس جيل بالجوع، ثم رؤيتها التفاحة).
- الاستجابة R: تعادل الأحداث العملية التابعة للحدث الكلامي (قفز جاك لتسلق الشجرة، وقطف التفاحة لتقديمها إلى جيل).
- الحرفr: يدل على الاستجابة البديلة ( إصدار جيل أصواتا دالة على الجوع، بدل قطفها التفاحة)
- الحرفs: يدل على المثير البديل (أصوات جيل التي تجعل جاك يتصرف كما لو أنه هو الجائع)[14].
إن أثر السلوكية على الدراسات اللغوية واضح جدا، حيث إن اللغة ترتبط ارتباط وثيقا بسلوك الإنسان وبنفسيته، فتراه يستعملها حسب هذه الحالة ،والمواقف التي يخضع لها، أما أثرها على المنهج التوزيعي فيتجلى في رأي سابير الذي يرى أن الفونيم مميزا يعتمد على الافتراضات السيكولوجية[15]. ثم إن التوزيع مبدأ تخضع له الجمل كما تخضع له الأصوات، وهو مرتبط أيضا بالحالات النفسية للأشخاص المتكلمين، فيتأثر بها وبسلوكياتهم، وهو ما جعل مستعمل اللغة يقدم ويؤخر، ويحذف ويزيد… فليست اللغة إلا ظاهرة سلوكية من الظواهر القابلة للملاحظة والمقياس[16].
5- خصائص توزيعية للمورفيمات بالنظر إلى المفردات[17]:
أ- النويات: مورفيمات مكافئة للمفردات.
النواة هي الأصل في جميع الكلمات (المفردات)، وهي الجذر اللغوي الذي يتجرد من كل الزوائد، ولا يمكننا حذف أحد أصواته مهما كان الأمر؛ لأن ذلك يؤدي إلى بتر هذا الجذر، وجعله ناقصا دون فائدة، مثل: قلم، دحرج، كتب، سار، نما، سعى، أبى …
ب- اللواصق: مورفيمات غير مكافئة للمفردات
فليست أصلا في النواة (الكلمة الجذر)، بل تتم زيادتها من أجل زيادة في المعنى لم تكن قبل هذه اللواصق، و لواصق العربية مجموعة في قولنا سألتمونيها أو أهوى تلمسان، وهي أنواع:
-السوابق: لواصق واقعة في المفردات قبل النويات.
يسبق هذا النوع من اللواصق النواةَ (كلمة الجذر)، ويوصل بها و كأنه جزء منها، لأداء وظائف نحوية ودلالية مختلفة، ومثال ذلك زيادة الياء في أول الفعل (دحرج) ليصير (يدحرج) فهذا الزائد في العربية إنما يأتي للدلالة على زمن المضارع، إذا تنتقل صيغة (فعلل) الدالة على الماضي العائدة على ضمير الغائب (هو) إلى المضارع بفضل هذا اللاصق (السابقة).
-الحشو: لواصق واقعة في المفردات بين النويات.
يتوسط هذا النوع من اللواصق الكلمة النواة(المفردة)، فتتغير صيغتها الصرفية، ليتغير معناها، فالفعل (خزن)كلمة نواة، خلت من أي زيادة، ودلت على عملية الخزن، لكنها تدل على مكان الخزن وواسطته عند إضافة لواصق تتعدد مواضعها، فتتعدد بذلك المفردات المولدة، مثل:
خزَّان خ+ز+(ز)+(ا)+ن
خزانة خ+ ز+(ا) +ن+(ة)
مخزَّن (م)+خ+ز+(ز)+ن
خزينة خ+ز+(ي)+ن+(ن)
- اللواحق: لواصق واقعة في المفردات بعد النويات
وهي المورفيمات التي تتلو المفردة، للدلالة على معاني جديدة، كالجمع والتثنية أو التأنيث، أو النسبة… مثل:
جزائر + ضمير المتكلم للجماعة جزائرنا (نسبة إلى جماعة المتكلمين)
جزائر +ياء النسبة جزائري (جزائريان وجزائريون جزائرية)
6- بنية النظام:
يمكن وصف نظام ما من خلال عرض بنيته؛ لأنها توضح عناصره (أو أقسام عناصره) وعلاقات تنظيمها، وردودها بعضها مع البعض الآخر، إذ تنتظم العناصر اللغوية –عادة- في النص وفق ترتيب أفقي يبين العلاقات النحوية، ويوضحها بوصفها أهم علاقة جملية (لغوية).
أمَََّا العلاقات الثانية والتي تكتسي جانبا وقدرا كبيرا من الأهمية أيضا فهي العلاقات الجدولية أو الصرفية (العلاقات الاستبدالية)، وهي التي تمكننا من استبدال العناصر اللغوية في السياقات ذاتها، لأسباب دلالية مختلفة، إذ يبحث المتكلم عن العناصر التي يمكن أن يجعلها بدلا عن عناصر أخرى، وليس هذا الاستبدال إلا إمكانية اختيارية تتعلق بالنظام، ويمكننا استنادا إلى التركيب الذي سبق أن نضع أو نستحضر جملة من العناصر اللغوية التي نستطيع استبدالها بما هو موجود[18].
إنَّ مستعمل اللغة يعود دائما في تركيب جمله إلى هذه العلاقات، ويراعيها، ولو بغير إرادته لأن مخالفتها تؤدي إلى خلل في التوزيع، وذلك بسبب القاعدة اللغوية.
يتوسل التحليل التوزيعي للجملة إحدى الطرق الثلاث:
بالأقواس
((يا) (فرنسا)) ((قد) (مضى)) ((وقت) (العتاب))
بالمشجرَّّ
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
مركب اسمي مركب فعلي
أداة نداء منادى مركب فعلي مركب اسمي (إضافي)
أداة توكيد فاعل مضاف م إ
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
بالجدول (علبة هوكيت) يا فرنسا قد مضى وقت الـ عتاب
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
يــا فرنسا قد مضى وقت العتاب
7- خلاصة:
يستند المنهج التوزيعي على اختلاف مدارسه إلى اعتبار اللغة مجموعة من الوحدات التمييزية التي تظهرها عملية التقطيع أو التقسيم، و يعتمد هذا المنهج طريقة شكلية في الوصول إلى المكونات المباشرة (المركبات الأساسية ) والنهائية (الوحدات الصرفية أو المورفيمات). و الغاية من التحليل التوزيعي هي إظهار البناء المتدرج للعبارة[19]
.هي إظهار البناء المتدرج للعبارة


تمهيد:
“يطلق هذا الاسم على اتجاه لساني ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية في حوالي سنة 1930، وهو مرتبط بتفكير سوسير . وأوجه التماثل بين التوزيعية والاتجاهات الأوربية المعاصرة تسمح بوسمها على أنها جميعا من البدائل للبنيوية”[1].
التوزيعية هي النظرية التي تقابل عند كثير من الدارسين “البنيوية الأمريكية”، التي يعتبر سابير من أوائل روادها، وقد نشر كتابه عن (اللغة) عام 1921 بقدر عظيم من الحكمة والتوازن عندما يتحدث عن البنية اللغوية ، فيتفادى التبسيطات الشديدة، والنزعة العلمية السهلة التي سادت فيما بعد، ويصر في مقدمة كتابه على تأكيد (الطابع اللاشعوري والطبيعة اللامعقولة للبنية اللغوية)، مركزا على الجانب الإنساني للغة باعتبارها نظاما من الرموز، فوظيفة اللغة عنده ليست غريزية، ولكنها ثقافية مكتسبة، وبعد أن يدرس المشاكل الصوتية يتناول قضية الشكل اللغوي والبنية القاعدية، فيؤكد أن الحقيقة اللغوية الجوهرية تتمثل في التصنيف، والنمذجة الشكلية للتصورات فاللغة كبنية هي الجانب الداخلي، وأما الشكل فينبغي دراسته من وجهة نظر الوظيفة المنوطة به، ولا بد فيما يتصل بهذا الشكل من التمييز بين الصيغ التي تستخدمها لغة ما في عملياتها النحوية، وبين توزيع التصورات بالنسبة للتعبيرات المختلفة في نماذج “صوتية شكلية”[2].
وبالعنوان نفسه نشر بلومفيلد كتابه عن (اللغة) عام 1933، وعرض فيه للجانب الآخر من النظرية البنيوية المتماسكة، ويعتبر كل من (سابير) و(بلومفيلد) زعيمي المدرسة الأمريكية، وإن كان الثاني أكثر تأثيرا من صديقه، وأفضل تمثيلا لها، إذ تربى على يديه أجيال من الباحثين، حتى عد كتابه أهم دراسة منهجية للغة في القرن العشرين، ومازالت مبادئه هي السائدة بين جمهور الباحثين[3]. وتتحدد البنيوية الأمريكية في الحقيقة بعاملين: بهدفها العملي، وهو ضرورة دراسة لغات الهنود الحمر، وثقافاتهم التي لم تبحث وتدون آنذاك، وبالبديهيات العلمية للسلوكية[4]، وسنوضح أثر هذه الأخيرة على التوزيعية، فيما هو آت.
2- صاحب النظرية التوزيعية[5]:
هاريس (زيلغ سابيتي هاريس /Zelling Sabbetai Harris 1909)
ولد (هاريس) سنة 1909م في روسيا، ثم قدم في الخامسة من عمره إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التحق بجامعة (بنسلفانيا)، أين حصل على الدرجة الجامعية الأولى عام (1930)، وبعد سنتين من ذلك حصل على درجة الماجستير في الأدب، من الجامعة ذاتها (1932م)، وعام (1934) تحصل على درجة الدكتوراه بالأطروحة التي تقدم بها عن قواعد اللغة الفينيقية. ثم عين للتدريس في الجامعة ذاتها، إلى أن انتقل إلى جامعة (فيلادلفيا )، ثم عاد بعد ذلك إلى (بنسلفانيا) واشتغل بالتدريس هناك. أين التقى تلميذه تشومسكي.
أشهر مؤلفات هاريس في علم اللغة ذلك الذي يعد المؤلف الرئيس في علم اللغة التوزيعي، والذي شرح فيه آراءه حول هذا المنهج، وهو كتاب موسوم بـ (مناهج في اللسانيات البنوية)، وبه ظهر هاريس صاحب مدرسة جديدة، إذ خرج على أفكار(بلومفيلد) الذي كان مثله الأعلى في المنهج الوصفي.
سنة 1952 نشر هاريس مقاله (transformar grammar) الذي تحدث فيه عن استعمال الرموز لتحليل الجملة، كما تحدث عن الجملة التوليدية، وعن القواعد والقوانين اللازمة لتوليدها، ولعل هذا المقال هو البذرة الأولى التي انطلقت منها أعمال اللغوي تشومسكي في نظريته التوليدية التحويلية، حيث إنه طور آراءه اعتمادا على آراء أستاذه (في النحو التوليدي)، فطغت آراء التلميذ ونسبت النظرية التوليدية التحويلية لتشومسكي في النهاية، ولم يكن هاريس لينشر هذا المقال – كما يعتقد بعض الدارسين- لولا إحساسه أن منهجه الجديد (التوزيعي) الذي أخذ يدعو له لا يصلح لحل كثير من قضايا اللغة لكنه لم يصرح بذلك، بل حاول تعديل فكرته من خلال طرح فكرته الجديدة التي تأثر بها تشومسكي.
يرى هاريس أن المعنى ليس عنصرا رئيسا في تقسيم الجمل، وتوزيع مفرداتها، متأثرا في ذلك بآراء بلومفيلد الذي يرى أن المعنى هدف بعيد المنال، وعلى الباحث –حتى لا يدخل في متاهات تبعده عن لب الدراسة- أن ينصرف عنه إلى ما هو أهم، وعلى الرغم من هذا التوجه إلاَّ انه وجد نفسه عند التطبيق يتحدث عن العلاقة الوثيقة بين المعنى الماثل في ذهن المتكلم ، والمورفيمات المستعملة والتركيب الجملي الذي تنتظم فيه هذه المورفيمات انتظاما توزيعيا.
3- المقدمات النظرية للتوزيعية:
ليس من العسير أبَّدا أن نكتشف أن مقدمات العمل النظرية للتوزيعية قائمة بشكل أساسي على مبادئ سوسير، فهي تشبه إلى حد كبير ما صاغه هذا العلامة من مقدمات.
- موضوع الدرس هو اللغة مقابلة بالحديث، وغالبا ما يطلق على اللغة لفظ القانون؛ أي أنها النظام الذي يحكم عملية الاستعمال الفردي (الكلام)، وهي تسمية لها صدى عملي ملموس، وقد كان سوسير قبل أصحاب المنهج التوزيعي قد أكد على أن موضوع اللسانيات (الدرس اللساني) بمختلف مناهجه هو اللغة.
- الآنية: يتسم هذا الدرس بالآنية، لأنهم بإزاء لغات منعدمة الكتابة، و ماضيها مجهول[6]، فالتوزيعيون انطلقوا في بداية الأمر من دراسة لغات الهنود الحمر، وثقافتهم التي لم تبحث أو تدون آنذاك[7] – كما سلفت الإشارة - وليست الآنية إلا المنهج الوصفي الذي اشتهر به دي سوسير، حيث إنه نادى إلى دراسة اللغة دراسة آنية لأنها كفيلة بإعطاء نتائج مضمونة، وعندما يفرغ الباحث منها له أن ينتقل إلى الدراسة التاريخية التي تتم وفق امتداد زمني طويل، قد يحول بين الدارس وبين تحقيق مراميه بشكل أفضل.
- ” تتألف اللغة من وحدات متفاصلة تفرزها عملية التقطيع ، ويقدم سوسير في هذا المجال رؤية شاملة حول العلامة اللسانية ، وطبيعتها وعلة وجودها، ولكن لا وجه للمقارنة مع ما للتوزيعيين، فلا محل عندهم للبحث النظري، وإنما لمعالجة شديدة الضبط للقضايا التي يوفرها الوصف (ولا يذكرها سوسير) ؛أي كيف نبرز الكلم المميز (المورفيمات)، وهي تقابل عندهم العلامات، و ما هي المقاييس عند ظهور بعض الشك… إلخ” ،ويمكن أن نلاحظ اطراد المقابلة بين الدال والمدلول، واعتبار المورفيم كوحدة دنيا تفيد دلالة يفردها التحليل، لكن جميع ما يتعلق بالمعنى في شتى أشكاله يحذو فيه حذوا ثابتا، وترجع المناقشات حول المورفيمات عادة إلى قضايا تخص الشكل، فالمعنى في حد ذاته لا يدرك موضعه، ولا نحصل إلا على معاينة أوجه التماثل، و أوجه التباين الدلالية.
ارتكز التوزيعيون بشكل واضح على مبادئ دي سوسير، وإن بدا لنا بعض الاختلاف بينهم وبينه، فليس إلا صبغة خاصة أرادها التوزيعيون، لأنفسهم ليتميزوا عن باقي المدارس اللسانية الأخرى.
- تؤلف كل لغة نظاما مخصوصا، وهو ما يقابل الاعتباطية عند سوسير، فموضع الكلمة في البنية محدد بعلاقاتها مع الكلمات الأخرى، ومن هذه العلاقات تنشأ قيمة كل كلمة[8].
-إن العناصر تتحدد بعلاقاتها داخل النظام، أي بعلاقاتها مع غيرها من العناصر اللغوية في التركيب الواحد، وهو ما يسميه سوسير بالعلاقات الركنية أو السياقية التي تجمع بين كلمات جملة واحدة، حيث تستدعي كل منها الأخرى، لتشكل سياق لغويا ذا دلالة، ولعلنا هنا واقفون على أهم مبادئ النظرية التوزيعية، حيث إنها ترى أن عملية التوزيع السليم الذي تأخذ فيه الكلمة قيمتها وبالتالي علاقات منطقية ولغوية مع بعضها البعض هي التي تصل بنا في النهاية إلى المعنى السليم، ومن هنا جاء اسم النظرية التوزيعية[9]، ولتوضيح ذلك نضرب المثال الآتي.
تتوزع الجمل في العربية وفق أحد النظامين (في الغالب الأعم)[10]:
الجمل الاسمية: التي يتصدرها اسم (مسند إليه + مسند)
الجمل الفعلية: التي يتصدرها فعل (مسند + مسند إليه)
وقد يخالف مستعمل اللغة أحد التركيبين إلى تركيب جديد بالزيادة أو الحذف أو التقديم أو التأخير… دون أن يخالف نظام اللغة، فيوزع مفرداته توزيعا سليما، وفق قانون لغوي يخضع له للتعبير عن تجربة معينة، أو فكرة ما، لكننا قد نكون بإزاء متكلم جاهل بقواعد اللغة، فيوزع ما في ذهنه من مفردات توزيعا مختلا، به يختل المعنى، كأن يقول: نضع الصحن في الطعام، وهو يريد: نضع الطعام في الصحن، فيربط بين الوحدة اللغوية التي تريد فعلا وبين التي تأتي رابطا (حرف الجر)، عوض أن يربط هذه الأخيرة بكلمة (الصحن) ليدل على المكان (الموضع) الذي يوضع فيه الطعام .
4- أثر علم النفس السلوكي على التوزيعيه:
ألف بلومفيلد سنة 1914 كتابا يحمل عنوان (اللغة) ويبدو واضحا أنه في كتابه هذا متشبع بمبادئ السلوكية[11]، و هذا ما جعله يعلن صراحة عن التزامه بهذا المذهب بعده إطارا نموذجيا لوصف اللغة، فقد ذهب إلى أن اللسانيات شعبة من شعب علم السلوكي، متأثرا في ذلك بـ (واطسون/Watson) مؤسس المذهب السلوكي في علم النفس، ولعل هذه القضية من أهم النقاط التي تقوم عليها نظرية بلومفيلد السلوكية، حيث اعتبر اللغة نتاجا آليا واستجابة كلامية لحافز سلوكي ظاهر، وعلى هذا الأساس حاول تفسير الحدث الكلامي من منظور سلوكي بحت.
أطلق بلومفيلد على المنهج الذي اتبعه في دراسة اللغة اسم المنهج المادي أو الآلي، وهو منهج يفسر السلوك البشري في حدود المثير والاستجابة على غرار ما تقوم به العلوم الفيزيائية والكمياوية في اعتمادها في تفسير الظواهر على تتابعات العلة والأثر[12]، وقد استعان في شرح منهجه هذا بقصته المشهورة عن (جاك) و(جيل).
افترض بلومفيد أن جاك وجيل كانا يتنزهان في الحديقة بين صفوف الأشجار، شعرت(جيل) بالجوع، وتولدت لديها رغبة في الأكل، رأت تفاحة على الشجرة، فأصدرت أصواتا عبرت من خلالها عن هذا الجوع، فقفز (جاك) على إثر هذه الأصوات، ليتسلق الشجرة، ويقطف التفاحة، ليقدمها إلى(جيل) التي اشتكت من الجوع أو عبرت عنه، و بعد ذلك يضع التفاحة في يدها، وتأكلها هانئة البال. إن في هذه القصة مجموعة من الجوانب التي تثير اهتمام الدارسين، إذ يهتم الباحث اللغوي هنا بالحدث الكلامي، والتصرف السلوكي الذي ترتب عليه، لأن اللغة في نظره سلسلة من الاستجابات الكلامية لحوافز ليست ميدان الباحث اللغوي، فهو لا يهتم بالعمليات النفسية (الحافز الداخلي) السابقة على عملية الكلام، وإصدار الإشارات الصوتية، بل بدراسة التصرف الكلامي، فيصف ما فيه من فونيمات ومورفيمات توزع في إطار جملي[13].
و قد قام بلومفيد بتحليل هذه القصة كمايلي:
1-أحداث عملية سابقة الحدث الكلامي.
2-الحدث الكلامي.
3-أحداث عملية تابعة للحدث الكلامي.
والشكل الآتي يوضح هذا التحليل:
>R ……………>s……………r >…………S
- الخط المتقطع يمثل الحدث الكلامي الذي يملأ الفراغ بين جسمي المتكلم والسامع
- المثير S: يعادل الأحداث العملية السابقة للحدث الكلامي (إحساس جيل بالجوع، ثم رؤيتها التفاحة).
- الاستجابة R: تعادل الأحداث العملية التابعة للحدث الكلامي (قفز جاك لتسلق الشجرة، وقطف التفاحة لتقديمها إلى جيل).
- الحرفr: يدل على الاستجابة البديلة ( إصدار جيل أصواتا دالة على الجوع، بدل قطفها التفاحة)
- الحرفs: يدل على المثير البديل (أصوات جيل التي تجعل جاك يتصرف كما لو أنه هو الجائع)[14].
إن أثر السلوكية على الدراسات اللغوية واضح جدا، حيث إن اللغة ترتبط ارتباط وثيقا بسلوك الإنسان وبنفسيته، فتراه يستعملها حسب هذه الحالة ،والمواقف التي يخضع لها، أما أثرها على المنهج التوزيعي فيتجلى في رأي سابير الذي يرى أن الفونيم مميزا يعتمد على الافتراضات السيكولوجية[15]. ثم إن التوزيع مبدأ تخضع له الجمل كما تخضع له الأصوات، وهو مرتبط أيضا بالحالات النفسية للأشخاص المتكلمين، فيتأثر بها وبسلوكياتهم، وهو ما جعل مستعمل اللغة يقدم ويؤخر، ويحذف ويزيد… فليست اللغة إلا ظاهرة سلوكية من الظواهر القابلة للملاحظة والمقياس[16].
5- خصائص توزيعية للمورفيمات بالنظر إلى المفردات[17]:
أ- النويات: مورفيمات مكافئة للمفردات.
النواة هي الأصل في جميع الكلمات (المفردات)، وهي الجذر اللغوي الذي يتجرد من كل الزوائد، ولا يمكننا حذف أحد أصواته مهما كان الأمر؛ لأن ذلك يؤدي إلى بتر هذا الجذر، وجعله ناقصا دون فائدة، مثل: قلم، دحرج، كتب، سار، نما، سعى، أبى …
ب- اللواصق: مورفيمات غير مكافئة للمفردات
فليست أصلا في النواة (الكلمة الجذر)، بل تتم زيادتها من أجل زيادة في المعنى لم تكن قبل هذه اللواصق، و لواصق العربية مجموعة في قولنا سألتمونيها أو أهوى تلمسان، وهي أنواع:
-السوابق: لواصق واقعة في المفردات قبل النويات.
يسبق هذا النوع من اللواصق النواةَ (كلمة الجذر)، ويوصل بها و كأنه جزء منها، لأداء وظائف نحوية ودلالية مختلفة، ومثال ذلك زيادة الياء في أول الفعل (دحرج) ليصير (يدحرج) فهذا الزائد في العربية إنما يأتي للدلالة على زمن المضارع، إذا تنتقل صيغة (فعلل) الدالة على الماضي العائدة على ضمير الغائب (هو) إلى المضارع بفضل هذا اللاصق (السابقة).
-الحشو: لواصق واقعة في المفردات بين النويات.
يتوسط هذا النوع من اللواصق الكلمة النواة(المفردة)، فتتغير صيغتها الصرفية، ليتغير معناها، فالفعل (خزن)كلمة نواة، خلت من أي زيادة، ودلت على عملية الخزن، لكنها تدل على مكان الخزن وواسطته عند إضافة لواصق تتعدد مواضعها، فتتعدد بذلك المفردات المولدة، مثل:
خزَّان خ+ز+(ز)+(ا)+ن
خزانة خ+ ز+(ا) +ن+(ة)
مخزَّن (م)+خ+ز+(ز)+ن
خزينة خ+ز+(ي)+ن+(ن)
- اللواحق: لواصق واقعة في المفردات بعد النويات
وهي المورفيمات التي تتلو المفردة، للدلالة على معاني جديدة، كالجمع والتثنية أو التأنيث، أو النسبة… مثل:
جزائر + ضمير المتكلم للجماعة جزائرنا (نسبة إلى جماعة المتكلمين)
جزائر +ياء النسبة جزائري (جزائريان وجزائريون جزائرية)
6- بنية النظام:
يمكن وصف نظام ما من خلال عرض بنيته؛ لأنها توضح عناصره (أو أقسام عناصره) وعلاقات تنظيمها، وردودها بعضها مع البعض الآخر، إذ تنتظم العناصر اللغوية –عادة- في النص وفق ترتيب أفقي يبين العلاقات النحوية، ويوضحها بوصفها أهم علاقة جملية (لغوية).
أمَََّا العلاقات الثانية والتي تكتسي جانبا وقدرا كبيرا من الأهمية أيضا فهي العلاقات الجدولية أو الصرفية (العلاقات الاستبدالية)، وهي التي تمكننا من استبدال العناصر اللغوية في السياقات ذاتها، لأسباب دلالية مختلفة، إذ يبحث المتكلم عن العناصر التي يمكن أن يجعلها بدلا عن عناصر أخرى، وليس هذا الاستبدال إلا إمكانية اختيارية تتعلق بالنظام، ويمكننا استنادا إلى التركيب الذي سبق أن نضع أو نستحضر جملة من العناصر اللغوية التي نستطيع استبدالها بما هو موجود[18].
إنَّ مستعمل اللغة يعود دائما في تركيب جمله إلى هذه العلاقات، ويراعيها، ولو بغير إرادته لأن مخالفتها تؤدي إلى خلل في التوزيع، وذلك بسبب القاعدة اللغوية.
يتوسل التحليل التوزيعي للجملة إحدى الطرق الثلاث:
بالأقواس
((يا) (فرنسا)) ((قد) (مضى)) ((وقت) (العتاب))
بالمشجرَّّ
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
مركب اسمي مركب فعلي
أداة نداء منادى مركب فعلي مركب اسمي (إضافي)
أداة توكيد فاعل مضاف م إ
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
بالجدول (علبة هوكيت) يا فرنسا قد مضى وقت الـ عتاب
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
يــا فرنسا قد مضى وقت العتاب
7- خلاصة:
يستند المنهج التوزيعي على اختلاف مدارسه إلى اعتبار اللغة مجموعة من الوحدات التمييزية التي تظهرها عملية التقطيع أو التقسيم، و يعتمد هذا المنهج طريقة شكلية في الوصول إلى المكونات المباشرة (المركبات الأساسية ) والنهائية (الوحدات الصرفية أو المورفيمات). و الغاية من التحليل التوزيعي هي إظهار البناء المتدرج للعبارة[19]
.هي إظهار البناء المتدرج للعبارة

barrca1980
2012-02-08, 15:27
بحث حول المدرسة التوزيعية لهاريسبحث حول المدرسة التوزيعية لهاريس


تمهيد:
“يطلق هذا الاسم على اتجاه لساني ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية في حوالي سنة 1930، وهو مرتبط بتفكير سوسير . وأوجه التماثل بين التوزيعية والاتجاهات الأوربية المعاصرة تسمح بوسمها على أنها جميعا من البدائل للبنيوية”[1].
التوزيعية هي النظرية التي تقابل عند كثير من الدارسين “البنيوية الأمريكية”، التي يعتبر سابير من أوائل روادها، وقد نشر كتابه عن (اللغة) عام 1921 بقدر عظيم من الحكمة والتوازن عندما يتحدث عن البنية اللغوية ، فيتفادى التبسيطات الشديدة، والنزعة العلمية السهلة التي سادت فيما بعد، ويصر في مقدمة كتابه على تأكيد (الطابع اللاشعوري والطبيعة اللامعقولة للبنية اللغوية)، مركزا على الجانب الإنساني للغة باعتبارها نظاما من الرموز، فوظيفة اللغة عنده ليست غريزية، ولكنها ثقافية مكتسبة، وبعد أن يدرس المشاكل الصوتية يتناول قضية الشكل اللغوي والبنية القاعدية، فيؤكد أن الحقيقة اللغوية الجوهرية تتمثل في التصنيف، والنمذجة الشكلية للتصورات فاللغة كبنية هي الجانب الداخلي، وأما الشكل فينبغي دراسته من وجهة نظر الوظيفة المنوطة به، ولا بد فيما يتصل بهذا الشكل من التمييز بين الصيغ التي تستخدمها لغة ما في عملياتها النحوية، وبين توزيع التصورات بالنسبة للتعبيرات المختلفة في نماذج “صوتية شكلية”[2].
وبالعنوان نفسه نشر بلومفيلد كتابه عن (اللغة) عام 1933، وعرض فيه للجانب الآخر من النظرية البنيوية المتماسكة، ويعتبر كل من (سابير) و(بلومفيلد) زعيمي المدرسة الأمريكية، وإن كان الثاني أكثر تأثيرا من صديقه، وأفضل تمثيلا لها، إذ تربى على يديه أجيال من الباحثين، حتى عد كتابه أهم دراسة منهجية للغة في القرن العشرين، ومازالت مبادئه هي السائدة بين جمهور الباحثين[3]. وتتحدد البنيوية الأمريكية في الحقيقة بعاملين: بهدفها العملي، وهو ضرورة دراسة لغات الهنود الحمر، وثقافاتهم التي لم تبحث وتدون آنذاك، وبالبديهيات العلمية للسلوكية[4]، وسنوضح أثر هذه الأخيرة على التوزيعية، فيما هو آت.
2- صاحب النظرية التوزيعية[5]:
هاريس (زيلغ سابيتي هاريس /Zelling Sabbetai Harris 1909)
ولد (هاريس) سنة 1909م في روسيا، ثم قدم في الخامسة من عمره إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التحق بجامعة (بنسلفانيا)، أين حصل على الدرجة الجامعية الأولى عام (1930)، وبعد سنتين من ذلك حصل على درجة الماجستير في الأدب، من الجامعة ذاتها (1932م)، وعام (1934) تحصل على درجة الدكتوراه بالأطروحة التي تقدم بها عن قواعد اللغة الفينيقية. ثم عين للتدريس في الجامعة ذاتها، إلى أن انتقل إلى جامعة (فيلادلفيا )، ثم عاد بعد ذلك إلى (بنسلفانيا) واشتغل بالتدريس هناك. أين التقى تلميذه تشومسكي.
أشهر مؤلفات هاريس في علم اللغة ذلك الذي يعد المؤلف الرئيس في علم اللغة التوزيعي، والذي شرح فيه آراءه حول هذا المنهج، وهو كتاب موسوم بـ (مناهج في اللسانيات البنوية)، وبه ظهر هاريس صاحب مدرسة جديدة، إذ خرج على أفكار(بلومفيلد) الذي كان مثله الأعلى في المنهج الوصفي.
سنة 1952 نشر هاريس مقاله (transformar grammar) الذي تحدث فيه عن استعمال الرموز لتحليل الجملة، كما تحدث عن الجملة التوليدية، وعن القواعد والقوانين اللازمة لتوليدها، ولعل هذا المقال هو البذرة الأولى التي انطلقت منها أعمال اللغوي تشومسكي في نظريته التوليدية التحويلية، حيث إنه طور آراءه اعتمادا على آراء أستاذه (في النحو التوليدي)، فطغت آراء التلميذ ونسبت النظرية التوليدية التحويلية لتشومسكي في النهاية، ولم يكن هاريس لينشر هذا المقال – كما يعتقد بعض الدارسين- لولا إحساسه أن منهجه الجديد (التوزيعي) الذي أخذ يدعو له لا يصلح لحل كثير من قضايا اللغة لكنه لم يصرح بذلك، بل حاول تعديل فكرته من خلال طرح فكرته الجديدة التي تأثر بها تشومسكي.
يرى هاريس أن المعنى ليس عنصرا رئيسا في تقسيم الجمل، وتوزيع مفرداتها، متأثرا في ذلك بآراء بلومفيلد الذي يرى أن المعنى هدف بعيد المنال، وعلى الباحث –حتى لا يدخل في متاهات تبعده عن لب الدراسة- أن ينصرف عنه إلى ما هو أهم، وعلى الرغم من هذا التوجه إلاَّ انه وجد نفسه عند التطبيق يتحدث عن العلاقة الوثيقة بين المعنى الماثل في ذهن المتكلم ، والمورفيمات المستعملة والتركيب الجملي الذي تنتظم فيه هذه المورفيمات انتظاما توزيعيا.
3- المقدمات النظرية للتوزيعية:
ليس من العسير أبَّدا أن نكتشف أن مقدمات العمل النظرية للتوزيعية قائمة بشكل أساسي على مبادئ سوسير، فهي تشبه إلى حد كبير ما صاغه هذا العلامة من مقدمات.
- موضوع الدرس هو اللغة مقابلة بالحديث، وغالبا ما يطلق على اللغة لفظ القانون؛ أي أنها النظام الذي يحكم عملية الاستعمال الفردي (الكلام)، وهي تسمية لها صدى عملي ملموس، وقد كان سوسير قبل أصحاب المنهج التوزيعي قد أكد على أن موضوع اللسانيات (الدرس اللساني) بمختلف مناهجه هو اللغة.
- الآنية: يتسم هذا الدرس بالآنية، لأنهم بإزاء لغات منعدمة الكتابة، و ماضيها مجهول[6]، فالتوزيعيون انطلقوا في بداية الأمر من دراسة لغات الهنود الحمر، وثقافتهم التي لم تبحث أو تدون آنذاك[7] – كما سلفت الإشارة - وليست الآنية إلا المنهج الوصفي الذي اشتهر به دي سوسير، حيث إنه نادى إلى دراسة اللغة دراسة آنية لأنها كفيلة بإعطاء نتائج مضمونة، وعندما يفرغ الباحث منها له أن ينتقل إلى الدراسة التاريخية التي تتم وفق امتداد زمني طويل، قد يحول بين الدارس وبين تحقيق مراميه بشكل أفضل.
- ” تتألف اللغة من وحدات متفاصلة تفرزها عملية التقطيع ، ويقدم سوسير في هذا المجال رؤية شاملة حول العلامة اللسانية ، وطبيعتها وعلة وجودها، ولكن لا وجه للمقارنة مع ما للتوزيعيين، فلا محل عندهم للبحث النظري، وإنما لمعالجة شديدة الضبط للقضايا التي يوفرها الوصف (ولا يذكرها سوسير) ؛أي كيف نبرز الكلم المميز (المورفيمات)، وهي تقابل عندهم العلامات، و ما هي المقاييس عند ظهور بعض الشك… إلخ” ،ويمكن أن نلاحظ اطراد المقابلة بين الدال والمدلول، واعتبار المورفيم كوحدة دنيا تفيد دلالة يفردها التحليل، لكن جميع ما يتعلق بالمعنى في شتى أشكاله يحذو فيه حذوا ثابتا، وترجع المناقشات حول المورفيمات عادة إلى قضايا تخص الشكل، فالمعنى في حد ذاته لا يدرك موضعه، ولا نحصل إلا على معاينة أوجه التماثل، و أوجه التباين الدلالية.
ارتكز التوزيعيون بشكل واضح على مبادئ دي سوسير، وإن بدا لنا بعض الاختلاف بينهم وبينه، فليس إلا صبغة خاصة أرادها التوزيعيون، لأنفسهم ليتميزوا عن باقي المدارس اللسانية الأخرى.
- تؤلف كل لغة نظاما مخصوصا، وهو ما يقابل الاعتباطية عند سوسير، فموضع الكلمة في البنية محدد بعلاقاتها مع الكلمات الأخرى، ومن هذه العلاقات تنشأ قيمة كل كلمة[8].
-إن العناصر تتحدد بعلاقاتها داخل النظام، أي بعلاقاتها مع غيرها من العناصر اللغوية في التركيب الواحد، وهو ما يسميه سوسير بالعلاقات الركنية أو السياقية التي تجمع بين كلمات جملة واحدة، حيث تستدعي كل منها الأخرى، لتشكل سياق لغويا ذا دلالة، ولعلنا هنا واقفون على أهم مبادئ النظرية التوزيعية، حيث إنها ترى أن عملية التوزيع السليم الذي تأخذ فيه الكلمة قيمتها وبالتالي علاقات منطقية ولغوية مع بعضها البعض هي التي تصل بنا في النهاية إلى المعنى السليم، ومن هنا جاء اسم النظرية التوزيعية[9]، ولتوضيح ذلك نضرب المثال الآتي.
تتوزع الجمل في العربية وفق أحد النظامين (في الغالب الأعم)[10]:
الجمل الاسمية: التي يتصدرها اسم (مسند إليه + مسند)
الجمل الفعلية: التي يتصدرها فعل (مسند + مسند إليه)
وقد يخالف مستعمل اللغة أحد التركيبين إلى تركيب جديد بالزيادة أو الحذف أو التقديم أو التأخير… دون أن يخالف نظام اللغة، فيوزع مفرداته توزيعا سليما، وفق قانون لغوي يخضع له للتعبير عن تجربة معينة، أو فكرة ما، لكننا قد نكون بإزاء متكلم جاهل بقواعد اللغة، فيوزع ما في ذهنه من مفردات توزيعا مختلا، به يختل المعنى، كأن يقول: نضع الصحن في الطعام، وهو يريد: نضع الطعام في الصحن، فيربط بين الوحدة اللغوية التي تريد فعلا وبين التي تأتي رابطا (حرف الجر)، عوض أن يربط هذه الأخيرة بكلمة (الصحن) ليدل على المكان (الموضع) الذي يوضع فيه الطعام .
4- أثر علم النفس السلوكي على التوزيعيه:
ألف بلومفيلد سنة 1914 كتابا يحمل عنوان (اللغة) ويبدو واضحا أنه في كتابه هذا متشبع بمبادئ السلوكية[11]، و هذا ما جعله يعلن صراحة عن التزامه بهذا المذهب بعده إطارا نموذجيا لوصف اللغة، فقد ذهب إلى أن اللسانيات شعبة من شعب علم السلوكي، متأثرا في ذلك بـ (واطسون/Watson) مؤسس المذهب السلوكي في علم النفس، ولعل هذه القضية من أهم النقاط التي تقوم عليها نظرية بلومفيلد السلوكية، حيث اعتبر اللغة نتاجا آليا واستجابة كلامية لحافز سلوكي ظاهر، وعلى هذا الأساس حاول تفسير الحدث الكلامي من منظور سلوكي بحت.
أطلق بلومفيلد على المنهج الذي اتبعه في دراسة اللغة اسم المنهج المادي أو الآلي، وهو منهج يفسر السلوك البشري في حدود المثير والاستجابة على غرار ما تقوم به العلوم الفيزيائية والكمياوية في اعتمادها في تفسير الظواهر على تتابعات العلة والأثر[12]، وقد استعان في شرح منهجه هذا بقصته المشهورة عن (جاك) و(جيل).
افترض بلومفيد أن جاك وجيل كانا يتنزهان في الحديقة بين صفوف الأشجار، شعرت(جيل) بالجوع، وتولدت لديها رغبة في الأكل، رأت تفاحة على الشجرة، فأصدرت أصواتا عبرت من خلالها عن هذا الجوع، فقفز (جاك) على إثر هذه الأصوات، ليتسلق الشجرة، ويقطف التفاحة، ليقدمها إلى(جيل) التي اشتكت من الجوع أو عبرت عنه، و بعد ذلك يضع التفاحة في يدها، وتأكلها هانئة البال. إن في هذه القصة مجموعة من الجوانب التي تثير اهتمام الدارسين، إذ يهتم الباحث اللغوي هنا بالحدث الكلامي، والتصرف السلوكي الذي ترتب عليه، لأن اللغة في نظره سلسلة من الاستجابات الكلامية لحوافز ليست ميدان الباحث اللغوي، فهو لا يهتم بالعمليات النفسية (الحافز الداخلي) السابقة على عملية الكلام، وإصدار الإشارات الصوتية، بل بدراسة التصرف الكلامي، فيصف ما فيه من فونيمات ومورفيمات توزع في إطار جملي[13].
و قد قام بلومفيد بتحليل هذه القصة كمايلي:
1-أحداث عملية سابقة الحدث الكلامي.
2-الحدث الكلامي.
3-أحداث عملية تابعة للحدث الكلامي.
والشكل الآتي يوضح هذا التحليل:
>R ……………>s……………r >…………S
- الخط المتقطع يمثل الحدث الكلامي الذي يملأ الفراغ بين جسمي المتكلم والسامع
- المثير S: يعادل الأحداث العملية السابقة للحدث الكلامي (إحساس جيل بالجوع، ثم رؤيتها التفاحة).
- الاستجابة R: تعادل الأحداث العملية التابعة للحدث الكلامي (قفز جاك لتسلق الشجرة، وقطف التفاحة لتقديمها إلى جيل).
- الحرفr: يدل على الاستجابة البديلة ( إصدار جيل أصواتا دالة على الجوع، بدل قطفها التفاحة)
- الحرفs: يدل على المثير البديل (أصوات جيل التي تجعل جاك يتصرف كما لو أنه هو الجائع)[14].
إن أثر السلوكية على الدراسات اللغوية واضح جدا، حيث إن اللغة ترتبط ارتباط وثيقا بسلوك الإنسان وبنفسيته، فتراه يستعملها حسب هذه الحالة ،والمواقف التي يخضع لها، أما أثرها على المنهج التوزيعي فيتجلى في رأي سابير الذي يرى أن الفونيم مميزا يعتمد على الافتراضات السيكولوجية[15]. ثم إن التوزيع مبدأ تخضع له الجمل كما تخضع له الأصوات، وهو مرتبط أيضا بالحالات النفسية للأشخاص المتكلمين، فيتأثر بها وبسلوكياتهم، وهو ما جعل مستعمل اللغة يقدم ويؤخر، ويحذف ويزيد… فليست اللغة إلا ظاهرة سلوكية من الظواهر القابلة للملاحظة والمقياس[16].
5- خصائص توزيعية للمورفيمات بالنظر إلى المفردات[17]:
أ- النويات: مورفيمات مكافئة للمفردات.
النواة هي الأصل في جميع الكلمات (المفردات)، وهي الجذر اللغوي الذي يتجرد من كل الزوائد، ولا يمكننا حذف أحد أصواته مهما كان الأمر؛ لأن ذلك يؤدي إلى بتر هذا الجذر، وجعله ناقصا دون فائدة، مثل: قلم، دحرج، كتب، سار، نما، سعى، أبى …
ب- اللواصق: مورفيمات غير مكافئة للمفردات
فليست أصلا في النواة (الكلمة الجذر)، بل تتم زيادتها من أجل زيادة في المعنى لم تكن قبل هذه اللواصق، و لواصق العربية مجموعة في قولنا سألتمونيها أو أهوى تلمسان، وهي أنواع:
-السوابق: لواصق واقعة في المفردات قبل النويات.
يسبق هذا النوع من اللواصق النواةَ (كلمة الجذر)، ويوصل بها و كأنه جزء منها، لأداء وظائف نحوية ودلالية مختلفة، ومثال ذلك زيادة الياء في أول الفعل (دحرج) ليصير (يدحرج) فهذا الزائد في العربية إنما يأتي للدلالة على زمن المضارع، إذا تنتقل صيغة (فعلل) الدالة على الماضي العائدة على ضمير الغائب (هو) إلى المضارع بفضل هذا اللاصق (السابقة).
-الحشو: لواصق واقعة في المفردات بين النويات.
يتوسط هذا النوع من اللواصق الكلمة النواة(المفردة)، فتتغير صيغتها الصرفية، ليتغير معناها، فالفعل (خزن)كلمة نواة، خلت من أي زيادة، ودلت على عملية الخزن، لكنها تدل على مكان الخزن وواسطته عند إضافة لواصق تتعدد مواضعها، فتتعدد بذلك المفردات المولدة، مثل:
خزَّان خ+ز+(ز)+(ا)+ن
خزانة خ+ ز+(ا) +ن+(ة)
مخزَّن (م)+خ+ز+(ز)+ن
خزينة خ+ز+(ي)+ن+(ن)
- اللواحق: لواصق واقعة في المفردات بعد النويات
وهي المورفيمات التي تتلو المفردة، للدلالة على معاني جديدة، كالجمع والتثنية أو التأنيث، أو النسبة… مثل:
جزائر + ضمير المتكلم للجماعة جزائرنا (نسبة إلى جماعة المتكلمين)
جزائر +ياء النسبة جزائري (جزائريان وجزائريون جزائرية)
6- بنية النظام:
يمكن وصف نظام ما من خلال عرض بنيته؛ لأنها توضح عناصره (أو أقسام عناصره) وعلاقات تنظيمها، وردودها بعضها مع البعض الآخر، إذ تنتظم العناصر اللغوية –عادة- في النص وفق ترتيب أفقي يبين العلاقات النحوية، ويوضحها بوصفها أهم علاقة جملية (لغوية).
أمَََّا العلاقات الثانية والتي تكتسي جانبا وقدرا كبيرا من الأهمية أيضا فهي العلاقات الجدولية أو الصرفية (العلاقات الاستبدالية)، وهي التي تمكننا من استبدال العناصر اللغوية في السياقات ذاتها، لأسباب دلالية مختلفة، إذ يبحث المتكلم عن العناصر التي يمكن أن يجعلها بدلا عن عناصر أخرى، وليس هذا الاستبدال إلا إمكانية اختيارية تتعلق بالنظام، ويمكننا استنادا إلى التركيب الذي سبق أن نضع أو نستحضر جملة من العناصر اللغوية التي نستطيع استبدالها بما هو موجود[18].
إنَّ مستعمل اللغة يعود دائما في تركيب جمله إلى هذه العلاقات، ويراعيها، ولو بغير إرادته لأن مخالفتها تؤدي إلى خلل في التوزيع، وذلك بسبب القاعدة اللغوية.
يتوسل التحليل التوزيعي للجملة إحدى الطرق الثلاث:
بالأقواس
((يا) (فرنسا)) ((قد) (مضى)) ((وقت) (العتاب))
بالمشجرَّّ
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
مركب اسمي مركب فعلي
أداة نداء منادى مركب فعلي مركب اسمي (إضافي)
أداة توكيد فاعل مضاف م إ
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
بالجدول (علبة هوكيت) يا فرنسا قد مضى وقت الـ عتاب
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
يــا فرنسا قد مضى وقت العتاب
7- خلاصة:
يستند المنهج التوزيعي على اختلاف مدارسه إلى اعتبار اللغة مجموعة من الوحدات التمييزية التي تظهرها عملية التقطيع أو التقسيم، و يعتمد هذا المنهج طريقة شكلية في الوصول إلى المكونات المباشرة (المركبات الأساسية ) والنهائية (الوحدات الصرفية أو المورفيمات). و الغاية من التحليل التوزيعي هي إظهار البناء المتدرج للعبارة[19]
.هي إظهار البناء المتدرج للعبارة


تمهيد:
“يطلق هذا الاسم على اتجاه لساني ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية في حوالي سنة 1930، وهو مرتبط بتفكير سوسير . وأوجه التماثل بين التوزيعية والاتجاهات الأوربية المعاصرة تسمح بوسمها على أنها جميعا من البدائل للبنيوية”[1].
التوزيعية هي النظرية التي تقابل عند كثير من الدارسين “البنيوية الأمريكية”، التي يعتبر سابير من أوائل روادها، وقد نشر كتابه عن (اللغة) عام 1921 بقدر عظيم من الحكمة والتوازن عندما يتحدث عن البنية اللغوية ، فيتفادى التبسيطات الشديدة، والنزعة العلمية السهلة التي سادت فيما بعد، ويصر في مقدمة كتابه على تأكيد (الطابع اللاشعوري والطبيعة اللامعقولة للبنية اللغوية)، مركزا على الجانب الإنساني للغة باعتبارها نظاما من الرموز، فوظيفة اللغة عنده ليست غريزية، ولكنها ثقافية مكتسبة، وبعد أن يدرس المشاكل الصوتية يتناول قضية الشكل اللغوي والبنية القاعدية، فيؤكد أن الحقيقة اللغوية الجوهرية تتمثل في التصنيف، والنمذجة الشكلية للتصورات فاللغة كبنية هي الجانب الداخلي، وأما الشكل فينبغي دراسته من وجهة نظر الوظيفة المنوطة به، ولا بد فيما يتصل بهذا الشكل من التمييز بين الصيغ التي تستخدمها لغة ما في عملياتها النحوية، وبين توزيع التصورات بالنسبة للتعبيرات المختلفة في نماذج “صوتية شكلية”[2].
وبالعنوان نفسه نشر بلومفيلد كتابه عن (اللغة) عام 1933، وعرض فيه للجانب الآخر من النظرية البنيوية المتماسكة، ويعتبر كل من (سابير) و(بلومفيلد) زعيمي المدرسة الأمريكية، وإن كان الثاني أكثر تأثيرا من صديقه، وأفضل تمثيلا لها، إذ تربى على يديه أجيال من الباحثين، حتى عد كتابه أهم دراسة منهجية للغة في القرن العشرين، ومازالت مبادئه هي السائدة بين جمهور الباحثين[3]. وتتحدد البنيوية الأمريكية في الحقيقة بعاملين: بهدفها العملي، وهو ضرورة دراسة لغات الهنود الحمر، وثقافاتهم التي لم تبحث وتدون آنذاك، وبالبديهيات العلمية للسلوكية[4]، وسنوضح أثر هذه الأخيرة على التوزيعية، فيما هو آت.
2- صاحب النظرية التوزيعية[5]:
هاريس (زيلغ سابيتي هاريس /Zelling Sabbetai Harris 1909)
ولد (هاريس) سنة 1909م في روسيا، ثم قدم في الخامسة من عمره إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التحق بجامعة (بنسلفانيا)، أين حصل على الدرجة الجامعية الأولى عام (1930)، وبعد سنتين من ذلك حصل على درجة الماجستير في الأدب، من الجامعة ذاتها (1932م)، وعام (1934) تحصل على درجة الدكتوراه بالأطروحة التي تقدم بها عن قواعد اللغة الفينيقية. ثم عين للتدريس في الجامعة ذاتها، إلى أن انتقل إلى جامعة (فيلادلفيا )، ثم عاد بعد ذلك إلى (بنسلفانيا) واشتغل بالتدريس هناك. أين التقى تلميذه تشومسكي.
أشهر مؤلفات هاريس في علم اللغة ذلك الذي يعد المؤلف الرئيس في علم اللغة التوزيعي، والذي شرح فيه آراءه حول هذا المنهج، وهو كتاب موسوم بـ (مناهج في اللسانيات البنوية)، وبه ظهر هاريس صاحب مدرسة جديدة، إذ خرج على أفكار(بلومفيلد) الذي كان مثله الأعلى في المنهج الوصفي.
سنة 1952 نشر هاريس مقاله (transformar grammar) الذي تحدث فيه عن استعمال الرموز لتحليل الجملة، كما تحدث عن الجملة التوليدية، وعن القواعد والقوانين اللازمة لتوليدها، ولعل هذا المقال هو البذرة الأولى التي انطلقت منها أعمال اللغوي تشومسكي في نظريته التوليدية التحويلية، حيث إنه طور آراءه اعتمادا على آراء أستاذه (في النحو التوليدي)، فطغت آراء التلميذ ونسبت النظرية التوليدية التحويلية لتشومسكي في النهاية، ولم يكن هاريس لينشر هذا المقال – كما يعتقد بعض الدارسين- لولا إحساسه أن منهجه الجديد (التوزيعي) الذي أخذ يدعو له لا يصلح لحل كثير من قضايا اللغة لكنه لم يصرح بذلك، بل حاول تعديل فكرته من خلال طرح فكرته الجديدة التي تأثر بها تشومسكي.
يرى هاريس أن المعنى ليس عنصرا رئيسا في تقسيم الجمل، وتوزيع مفرداتها، متأثرا في ذلك بآراء بلومفيلد الذي يرى أن المعنى هدف بعيد المنال، وعلى الباحث –حتى لا يدخل في متاهات تبعده عن لب الدراسة- أن ينصرف عنه إلى ما هو أهم، وعلى الرغم من هذا التوجه إلاَّ انه وجد نفسه عند التطبيق يتحدث عن العلاقة الوثيقة بين المعنى الماثل في ذهن المتكلم ، والمورفيمات المستعملة والتركيب الجملي الذي تنتظم فيه هذه المورفيمات انتظاما توزيعيا.
3- المقدمات النظرية للتوزيعية:
ليس من العسير أبَّدا أن نكتشف أن مقدمات العمل النظرية للتوزيعية قائمة بشكل أساسي على مبادئ سوسير، فهي تشبه إلى حد كبير ما صاغه هذا العلامة من مقدمات.
- موضوع الدرس هو اللغة مقابلة بالحديث، وغالبا ما يطلق على اللغة لفظ القانون؛ أي أنها النظام الذي يحكم عملية الاستعمال الفردي (الكلام)، وهي تسمية لها صدى عملي ملموس، وقد كان سوسير قبل أصحاب المنهج التوزيعي قد أكد على أن موضوع اللسانيات (الدرس اللساني) بمختلف مناهجه هو اللغة.
- الآنية: يتسم هذا الدرس بالآنية، لأنهم بإزاء لغات منعدمة الكتابة، و ماضيها مجهول[6]، فالتوزيعيون انطلقوا في بداية الأمر من دراسة لغات الهنود الحمر، وثقافتهم التي لم تبحث أو تدون آنذاك[7] – كما سلفت الإشارة - وليست الآنية إلا المنهج الوصفي الذي اشتهر به دي سوسير، حيث إنه نادى إلى دراسة اللغة دراسة آنية لأنها كفيلة بإعطاء نتائج مضمونة، وعندما يفرغ الباحث منها له أن ينتقل إلى الدراسة التاريخية التي تتم وفق امتداد زمني طويل، قد يحول بين الدارس وبين تحقيق مراميه بشكل أفضل.
- ” تتألف اللغة من وحدات متفاصلة تفرزها عملية التقطيع ، ويقدم سوسير في هذا المجال رؤية شاملة حول العلامة اللسانية ، وطبيعتها وعلة وجودها، ولكن لا وجه للمقارنة مع ما للتوزيعيين، فلا محل عندهم للبحث النظري، وإنما لمعالجة شديدة الضبط للقضايا التي يوفرها الوصف (ولا يذكرها سوسير) ؛أي كيف نبرز الكلم المميز (المورفيمات)، وهي تقابل عندهم العلامات، و ما هي المقاييس عند ظهور بعض الشك… إلخ” ،ويمكن أن نلاحظ اطراد المقابلة بين الدال والمدلول، واعتبار المورفيم كوحدة دنيا تفيد دلالة يفردها التحليل، لكن جميع ما يتعلق بالمعنى في شتى أشكاله يحذو فيه حذوا ثابتا، وترجع المناقشات حول المورفيمات عادة إلى قضايا تخص الشكل، فالمعنى في حد ذاته لا يدرك موضعه، ولا نحصل إلا على معاينة أوجه التماثل، و أوجه التباين الدلالية.
ارتكز التوزيعيون بشكل واضح على مبادئ دي سوسير، وإن بدا لنا بعض الاختلاف بينهم وبينه، فليس إلا صبغة خاصة أرادها التوزيعيون، لأنفسهم ليتميزوا عن باقي المدارس اللسانية الأخرى.
- تؤلف كل لغة نظاما مخصوصا، وهو ما يقابل الاعتباطية عند سوسير، فموضع الكلمة في البنية محدد بعلاقاتها مع الكلمات الأخرى، ومن هذه العلاقات تنشأ قيمة كل كلمة[8].
-إن العناصر تتحدد بعلاقاتها داخل النظام، أي بعلاقاتها مع غيرها من العناصر اللغوية في التركيب الواحد، وهو ما يسميه سوسير بالعلاقات الركنية أو السياقية التي تجمع بين كلمات جملة واحدة، حيث تستدعي كل منها الأخرى، لتشكل سياق لغويا ذا دلالة، ولعلنا هنا واقفون على أهم مبادئ النظرية التوزيعية، حيث إنها ترى أن عملية التوزيع السليم الذي تأخذ فيه الكلمة قيمتها وبالتالي علاقات منطقية ولغوية مع بعضها البعض هي التي تصل بنا في النهاية إلى المعنى السليم، ومن هنا جاء اسم النظرية التوزيعية[9]، ولتوضيح ذلك نضرب المثال الآتي.
تتوزع الجمل في العربية وفق أحد النظامين (في الغالب الأعم)[10]:
الجمل الاسمية: التي يتصدرها اسم (مسند إليه + مسند)
الجمل الفعلية: التي يتصدرها فعل (مسند + مسند إليه)
وقد يخالف مستعمل اللغة أحد التركيبين إلى تركيب جديد بالزيادة أو الحذف أو التقديم أو التأخير… دون أن يخالف نظام اللغة، فيوزع مفرداته توزيعا سليما، وفق قانون لغوي يخضع له للتعبير عن تجربة معينة، أو فكرة ما، لكننا قد نكون بإزاء متكلم جاهل بقواعد اللغة، فيوزع ما في ذهنه من مفردات توزيعا مختلا، به يختل المعنى، كأن يقول: نضع الصحن في الطعام، وهو يريد: نضع الطعام في الصحن، فيربط بين الوحدة اللغوية التي تريد فعلا وبين التي تأتي رابطا (حرف الجر)، عوض أن يربط هذه الأخيرة بكلمة (الصحن) ليدل على المكان (الموضع) الذي يوضع فيه الطعام .
4- أثر علم النفس السلوكي على التوزيعيه:
ألف بلومفيلد سنة 1914 كتابا يحمل عنوان (اللغة) ويبدو واضحا أنه في كتابه هذا متشبع بمبادئ السلوكية[11]، و هذا ما جعله يعلن صراحة عن التزامه بهذا المذهب بعده إطارا نموذجيا لوصف اللغة، فقد ذهب إلى أن اللسانيات شعبة من شعب علم السلوكي، متأثرا في ذلك بـ (واطسون/Watson) مؤسس المذهب السلوكي في علم النفس، ولعل هذه القضية من أهم النقاط التي تقوم عليها نظرية بلومفيلد السلوكية، حيث اعتبر اللغة نتاجا آليا واستجابة كلامية لحافز سلوكي ظاهر، وعلى هذا الأساس حاول تفسير الحدث الكلامي من منظور سلوكي بحت.
أطلق بلومفيلد على المنهج الذي اتبعه في دراسة اللغة اسم المنهج المادي أو الآلي، وهو منهج يفسر السلوك البشري في حدود المثير والاستجابة على غرار ما تقوم به العلوم الفيزيائية والكمياوية في اعتمادها في تفسير الظواهر على تتابعات العلة والأثر[12]، وقد استعان في شرح منهجه هذا بقصته المشهورة عن (جاك) و(جيل).
افترض بلومفيد أن جاك وجيل كانا يتنزهان في الحديقة بين صفوف الأشجار، شعرت(جيل) بالجوع، وتولدت لديها رغبة في الأكل، رأت تفاحة على الشجرة، فأصدرت أصواتا عبرت من خلالها عن هذا الجوع، فقفز (جاك) على إثر هذه الأصوات، ليتسلق الشجرة، ويقطف التفاحة، ليقدمها إلى(جيل) التي اشتكت من الجوع أو عبرت عنه، و بعد ذلك يضع التفاحة في يدها، وتأكلها هانئة البال. إن في هذه القصة مجموعة من الجوانب التي تثير اهتمام الدارسين، إذ يهتم الباحث اللغوي هنا بالحدث الكلامي، والتصرف السلوكي الذي ترتب عليه، لأن اللغة في نظره سلسلة من الاستجابات الكلامية لحوافز ليست ميدان الباحث اللغوي، فهو لا يهتم بالعمليات النفسية (الحافز الداخلي) السابقة على عملية الكلام، وإصدار الإشارات الصوتية، بل بدراسة التصرف الكلامي، فيصف ما فيه من فونيمات ومورفيمات توزع في إطار جملي[13].
و قد قام بلومفيد بتحليل هذه القصة كمايلي:
1-أحداث عملية سابقة الحدث الكلامي.
2-الحدث الكلامي.
3-أحداث عملية تابعة للحدث الكلامي.
والشكل الآتي يوضح هذا التحليل:
>R ……………>s……………r >…………S
- الخط المتقطع يمثل الحدث الكلامي الذي يملأ الفراغ بين جسمي المتكلم والسامع
- المثير S: يعادل الأحداث العملية السابقة للحدث الكلامي (إحساس جيل بالجوع، ثم رؤيتها التفاحة).
- الاستجابة R: تعادل الأحداث العملية التابعة للحدث الكلامي (قفز جاك لتسلق الشجرة، وقطف التفاحة لتقديمها إلى جيل).
- الحرفr: يدل على الاستجابة البديلة ( إصدار جيل أصواتا دالة على الجوع، بدل قطفها التفاحة)
- الحرفs: يدل على المثير البديل (أصوات جيل التي تجعل جاك يتصرف كما لو أنه هو الجائع)[14].
إن أثر السلوكية على الدراسات اللغوية واضح جدا، حيث إن اللغة ترتبط ارتباط وثيقا بسلوك الإنسان وبنفسيته، فتراه يستعملها حسب هذه الحالة ،والمواقف التي يخضع لها، أما أثرها على المنهج التوزيعي فيتجلى في رأي سابير الذي يرى أن الفونيم مميزا يعتمد على الافتراضات السيكولوجية[15]. ثم إن التوزيع مبدأ تخضع له الجمل كما تخضع له الأصوات، وهو مرتبط أيضا بالحالات النفسية للأشخاص المتكلمين، فيتأثر بها وبسلوكياتهم، وهو ما جعل مستعمل اللغة يقدم ويؤخر، ويحذف ويزيد… فليست اللغة إلا ظاهرة سلوكية من الظواهر القابلة للملاحظة والمقياس[16].
5- خصائص توزيعية للمورفيمات بالنظر إلى المفردات[17]:
أ- النويات: مورفيمات مكافئة للمفردات.
النواة هي الأصل في جميع الكلمات (المفردات)، وهي الجذر اللغوي الذي يتجرد من كل الزوائد، ولا يمكننا حذف أحد أصواته مهما كان الأمر؛ لأن ذلك يؤدي إلى بتر هذا الجذر، وجعله ناقصا دون فائدة، مثل: قلم، دحرج، كتب، سار، نما، سعى، أبى …
ب- اللواصق: مورفيمات غير مكافئة للمفردات
فليست أصلا في النواة (الكلمة الجذر)، بل تتم زيادتها من أجل زيادة في المعنى لم تكن قبل هذه اللواصق، و لواصق العربية مجموعة في قولنا سألتمونيها أو أهوى تلمسان، وهي أنواع:
-السوابق: لواصق واقعة في المفردات قبل النويات.
يسبق هذا النوع من اللواصق النواةَ (كلمة الجذر)، ويوصل بها و كأنه جزء منها، لأداء وظائف نحوية ودلالية مختلفة، ومثال ذلك زيادة الياء في أول الفعل (دحرج) ليصير (يدحرج) فهذا الزائد في العربية إنما يأتي للدلالة على زمن المضارع، إذا تنتقل صيغة (فعلل) الدالة على الماضي العائدة على ضمير الغائب (هو) إلى المضارع بفضل هذا اللاصق (السابقة).
-الحشو: لواصق واقعة في المفردات بين النويات.
يتوسط هذا النوع من اللواصق الكلمة النواة(المفردة)، فتتغير صيغتها الصرفية، ليتغير معناها، فالفعل (خزن)كلمة نواة، خلت من أي زيادة، ودلت على عملية الخزن، لكنها تدل على مكان الخزن وواسطته عند إضافة لواصق تتعدد مواضعها، فتتعدد بذلك المفردات المولدة، مثل:
خزَّان خ+ز+(ز)+(ا)+ن
خزانة خ+ ز+(ا) +ن+(ة)
مخزَّن (م)+خ+ز+(ز)+ن
خزينة خ+ز+(ي)+ن+(ن)
- اللواحق: لواصق واقعة في المفردات بعد النويات
وهي المورفيمات التي تتلو المفردة، للدلالة على معاني جديدة، كالجمع والتثنية أو التأنيث، أو النسبة… مثل:
جزائر + ضمير المتكلم للجماعة جزائرنا (نسبة إلى جماعة المتكلمين)
جزائر +ياء النسبة جزائري (جزائريان وجزائريون جزائرية)
6- بنية النظام:
يمكن وصف نظام ما من خلال عرض بنيته؛ لأنها توضح عناصره (أو أقسام عناصره) وعلاقات تنظيمها، وردودها بعضها مع البعض الآخر، إذ تنتظم العناصر اللغوية –عادة- في النص وفق ترتيب أفقي يبين العلاقات النحوية، ويوضحها بوصفها أهم علاقة جملية (لغوية).
أمَََّا العلاقات الثانية والتي تكتسي جانبا وقدرا كبيرا من الأهمية أيضا فهي العلاقات الجدولية أو الصرفية (العلاقات الاستبدالية)، وهي التي تمكننا من استبدال العناصر اللغوية في السياقات ذاتها، لأسباب دلالية مختلفة، إذ يبحث المتكلم عن العناصر التي يمكن أن يجعلها بدلا عن عناصر أخرى، وليس هذا الاستبدال إلا إمكانية اختيارية تتعلق بالنظام، ويمكننا استنادا إلى التركيب الذي سبق أن نضع أو نستحضر جملة من العناصر اللغوية التي نستطيع استبدالها بما هو موجود[18].
إنَّ مستعمل اللغة يعود دائما في تركيب جمله إلى هذه العلاقات، ويراعيها، ولو بغير إرادته لأن مخالفتها تؤدي إلى خلل في التوزيع، وذلك بسبب القاعدة اللغوية.
يتوسل التحليل التوزيعي للجملة إحدى الطرق الثلاث:
بالأقواس
((يا) (فرنسا)) ((قد) (مضى)) ((وقت) (العتاب))
بالمشجرَّّ
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
مركب اسمي مركب فعلي
أداة نداء منادى مركب فعلي مركب اسمي (إضافي)
أداة توكيد فاعل مضاف م إ
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
بالجدول (علبة هوكيت) يا فرنسا قد مضى وقت الـ عتاب
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
يــا فرنسا قد مضى وقت العتاب
7- خلاصة:
يستند المنهج التوزيعي على اختلاف مدارسه إلى اعتبار اللغة مجموعة من الوحدات التمييزية التي تظهرها عملية التقطيع أو التقسيم، و يعتمد هذا المنهج طريقة شكلية في الوصول إلى المكونات المباشرة (المركبات الأساسية ) والنهائية (الوحدات الصرفية أو المورفيمات). و الغاية من التحليل التوزيعي هي إظهار البناء المتدرج للعبارة[19]
.هي إظهار البناء المتدرج للعبارة