فوزي يوسف
2010-01-01, 15:35
الكلمة الطيبة
مما يتميز به المسلم عن غيره من الناس إتقان الكلمة الطيبة استجابة لقوله تعالى : { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } (83) سورة البقرة ، بل الأمر أبعد من ذلك فنحن مطالبون بانتقاء الأحسن في كلماتنا وأحاديثنا {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (53) سورة الإسراء والكلمة الطيبة لدى المسلم هي ثمرة إيمانه، فالقرآن والسنة هما المنبع الصافي الذي يستمد منه المسلم المعاني الكريمة والكلمات الجميلة.
وقد ثبت في الحديث أن أفضل كلمة قالها الناس قول ( لا إله إلا الله ) وهي أصل شجرة الكلمة الطيبة : {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (24)(25) سورة إبراهيم والكلام الطيب وحده هو الذي يصعد إلى السماء ويسمو بصاحبه عاليا في درجات الدنيا والآخرة { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } (10) سورة فاطر ،
وقد أخبرنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الكلمة الطيبة وقاية من النار وسبيل إلى الجنة فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة)
إن الكلمة الطيبة سهلة وجيزة في لفظها لكنها عظيمة في معانيها وآثارها ، فقد تعجز عن تقديم المعونات المادية و المالية للناس لكن من السهل جدا أن تقدم لهم كلمة طيبة .من شأنها أن تستميل القلوب وتحقق الود وتزيل الأحقاد والضغائن بين الناس ، ومن شأنها أيضا أن تدخل السرور إلى القلوب فتواسي المحزونين وتمسح على صدور المكروبين وترد الإبتسامة إلى الوجوه العابسة، فهي هداية الله تعالى لعباه {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ } (24) سورة الحـج ، وقد اكتشف العلماء أن الكلمة الطيبة تؤثر على دماغ الإنسان وتحدث نفس الأثر الذي تحدثه المكافآت المالية وربما ذكرنا هذا بقول الله سبحانه وتعالى {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} (263) سورة البقرة .
إن من ينظر في أحوال الناس اليوم يجد شحا خطيرا في استعمال الكلمات الطيبة والعبارات العذبة رغم أن لغتنا العربية تفيض بالكلمات الجميلة والألفاظ الراقية التي تطرب لها الآذان وتسعد بها القلوب وتراثنا الفكري والأدبي ثري بأطايب الكلام .
لقد أثر فقر أساليبنا في الكلام إلى الألفاظ الجميلة السامية في أحاسيسنا ومشاعرنا وعلاقاتنا فانعكس الجفاف في الكلام إلى جفاف في المشاعر والطباع والعلاقات فانتشر بيننا الكره والقسوة وسوء الظن بالآخرين.
إننا مدعوون اليوم إلى تجاوز هذا الوضع الغريب على أمتنا وحضارتنا بالعودة إلى أصولنا وطباعنا السمحة ، فننتقي الكلمات الجميلة العذبة وننثرها على جميع معاملاتنا وفي جميع أوقاتنا ، كأن نخاطب الناس بأحب الأسماء إليهم ، ونسابقهم في السلام عليهم عند لقائهم ، ونشكرهم على خدماتهم وحسن صنائعهم ، والإعتذار إليهم عند إلحاق أي ضرر أو ارتكاب أي خطأ في حقهم ، وأيضا الترحيب بهم و التعجيل بتهنئتهم في أفراحهم ومواساتهم في أحزانهم ، والثناء عليهم وعلى سلوكاتهم وأذواقهم في طعامهم ولباسهم وغيرها من الأمور ... فلكل موقف أو موضع العديد من الكلمات الطيبة الجميلة التي يطرب لها الناس أيما طرب ، فلا يزال صداها يمتع نفوسهم ويشرح صدورهم فلا يفارق آذانهم حينما يختلون بأنفسهم في بيوتهم ، بل قد يهلك أصحاب الكلمات الرفيعة البديعة وتبقى الكلمات محفورة في القلوب تشيد بأعذب الذكريات وأعطرها.
ومن طيب الكلام أن نراعي أحوال الناس وظروفهم فنجعل لكل موقف أو حالة كلمات طيبة تليق بتلك الحالة أو ذلك الوضع ، فما يحمد في مجالس الفرح والسرور يذم في مجالس الحزن أو المآتم ، وقد وجدنا من الناس من ينكت ويضحك الناس في مجالس الأحزان ومنهم من يحدث الناس عن الأكفان والموتى والقبور في مجالس الأفراح والسرور !
وللحديث مع المريض أسلوبه وضوابطه، فمن آداب الإسلام أن يقول له ( طهورا إن شاء الله ) وأن يصبره ويطمئنه على صحته وأن حالته قابلة للشفاء إن شاء الله تعالى ، ومن غير اللائق أن تروعه أو تفزعه ، وقد وجدنا بعض الناس من دخل على المريض وحدثه عن خطورة مرضه وأن فلانا قد مات به ومنهم من ذهب في تلقينه الشهادة رغم أن حالته لا تظهر انه في سكرات الموت فقتله بكلماته ولم تقتله علته !
لنرتقي بأنفسنا فنبدع ونتفنن في توزيع كلماتنا الطيبة على جميع الناس بجميع فئاتهم وانتماءاتهم ومستوياتهم ، فلا نخص بها أحبابنا وأصحابنا أو ذوي الجاه والشرف منا ، قال تعالى {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } (83) سورة البقرة ، فأمر بحسن الكلام مع الناس جميعا حتى ولو خالفونا في الدين ، قال عز وجل {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } (46) سورة العنكبوت
وثقافة الكلمة الطيبة إنما هي طبع يعتاده الإنسان منذ صغره فينمو معه عند كبره ويصعب على من لم ينشأ عليه تحقيقه ولذلك فمن الضروري جدا تعويد أبنائنا على استحضار الكلمات الطيبة في كل معاملاتهم ومواقفهم فيكونوا كالشجر يرميه الناس بالحجر فيرميهم بالثمر ، وصدق الإمام الشافعي إذ قال : ومن فاته التعليم وقت شبابه فكبر عليه أربعا لوفاته
ومن المؤسف جدا أننا نلقن أبناءنا منذ صغرهم ألفاظا خبيثة خشنة وناذرا ما نعلمهم الكلمات الحسنة ، من ذلك أن ترسل الأم بكيس القمامة مع ابنها وتقول له اذهب بهذا الكيس إلى (الزبال ) فيذهب الولد ببساطته وبراءته وينادي يا عمي الزبال خذ هذا الكيس، فيؤذيه بهذا النداء وكان الأولى بهذه الأم أن تقول لولدها اذهب بهذا الكيس وسلمه للكناس أو المنظف !
وكما يطلب منا ألا نتفوه إلا بالكلمات الطيبة فمن الضروري أيضا ألا نستحضر في أذهاننا إلا الكلمات الجميلة التي سمعناها من غيرنا لتسلم صدورنا تجاههم واستحضارا للمعاني الطيبة التي تورث في نفوسنا الراحة والطمأنينة .
بقلم فوزي يوسف
مما يتميز به المسلم عن غيره من الناس إتقان الكلمة الطيبة استجابة لقوله تعالى : { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } (83) سورة البقرة ، بل الأمر أبعد من ذلك فنحن مطالبون بانتقاء الأحسن في كلماتنا وأحاديثنا {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (53) سورة الإسراء والكلمة الطيبة لدى المسلم هي ثمرة إيمانه، فالقرآن والسنة هما المنبع الصافي الذي يستمد منه المسلم المعاني الكريمة والكلمات الجميلة.
وقد ثبت في الحديث أن أفضل كلمة قالها الناس قول ( لا إله إلا الله ) وهي أصل شجرة الكلمة الطيبة : {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (24)(25) سورة إبراهيم والكلام الطيب وحده هو الذي يصعد إلى السماء ويسمو بصاحبه عاليا في درجات الدنيا والآخرة { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } (10) سورة فاطر ،
وقد أخبرنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الكلمة الطيبة وقاية من النار وسبيل إلى الجنة فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة)
إن الكلمة الطيبة سهلة وجيزة في لفظها لكنها عظيمة في معانيها وآثارها ، فقد تعجز عن تقديم المعونات المادية و المالية للناس لكن من السهل جدا أن تقدم لهم كلمة طيبة .من شأنها أن تستميل القلوب وتحقق الود وتزيل الأحقاد والضغائن بين الناس ، ومن شأنها أيضا أن تدخل السرور إلى القلوب فتواسي المحزونين وتمسح على صدور المكروبين وترد الإبتسامة إلى الوجوه العابسة، فهي هداية الله تعالى لعباه {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ } (24) سورة الحـج ، وقد اكتشف العلماء أن الكلمة الطيبة تؤثر على دماغ الإنسان وتحدث نفس الأثر الذي تحدثه المكافآت المالية وربما ذكرنا هذا بقول الله سبحانه وتعالى {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} (263) سورة البقرة .
إن من ينظر في أحوال الناس اليوم يجد شحا خطيرا في استعمال الكلمات الطيبة والعبارات العذبة رغم أن لغتنا العربية تفيض بالكلمات الجميلة والألفاظ الراقية التي تطرب لها الآذان وتسعد بها القلوب وتراثنا الفكري والأدبي ثري بأطايب الكلام .
لقد أثر فقر أساليبنا في الكلام إلى الألفاظ الجميلة السامية في أحاسيسنا ومشاعرنا وعلاقاتنا فانعكس الجفاف في الكلام إلى جفاف في المشاعر والطباع والعلاقات فانتشر بيننا الكره والقسوة وسوء الظن بالآخرين.
إننا مدعوون اليوم إلى تجاوز هذا الوضع الغريب على أمتنا وحضارتنا بالعودة إلى أصولنا وطباعنا السمحة ، فننتقي الكلمات الجميلة العذبة وننثرها على جميع معاملاتنا وفي جميع أوقاتنا ، كأن نخاطب الناس بأحب الأسماء إليهم ، ونسابقهم في السلام عليهم عند لقائهم ، ونشكرهم على خدماتهم وحسن صنائعهم ، والإعتذار إليهم عند إلحاق أي ضرر أو ارتكاب أي خطأ في حقهم ، وأيضا الترحيب بهم و التعجيل بتهنئتهم في أفراحهم ومواساتهم في أحزانهم ، والثناء عليهم وعلى سلوكاتهم وأذواقهم في طعامهم ولباسهم وغيرها من الأمور ... فلكل موقف أو موضع العديد من الكلمات الطيبة الجميلة التي يطرب لها الناس أيما طرب ، فلا يزال صداها يمتع نفوسهم ويشرح صدورهم فلا يفارق آذانهم حينما يختلون بأنفسهم في بيوتهم ، بل قد يهلك أصحاب الكلمات الرفيعة البديعة وتبقى الكلمات محفورة في القلوب تشيد بأعذب الذكريات وأعطرها.
ومن طيب الكلام أن نراعي أحوال الناس وظروفهم فنجعل لكل موقف أو حالة كلمات طيبة تليق بتلك الحالة أو ذلك الوضع ، فما يحمد في مجالس الفرح والسرور يذم في مجالس الحزن أو المآتم ، وقد وجدنا من الناس من ينكت ويضحك الناس في مجالس الأحزان ومنهم من يحدث الناس عن الأكفان والموتى والقبور في مجالس الأفراح والسرور !
وللحديث مع المريض أسلوبه وضوابطه، فمن آداب الإسلام أن يقول له ( طهورا إن شاء الله ) وأن يصبره ويطمئنه على صحته وأن حالته قابلة للشفاء إن شاء الله تعالى ، ومن غير اللائق أن تروعه أو تفزعه ، وقد وجدنا بعض الناس من دخل على المريض وحدثه عن خطورة مرضه وأن فلانا قد مات به ومنهم من ذهب في تلقينه الشهادة رغم أن حالته لا تظهر انه في سكرات الموت فقتله بكلماته ولم تقتله علته !
لنرتقي بأنفسنا فنبدع ونتفنن في توزيع كلماتنا الطيبة على جميع الناس بجميع فئاتهم وانتماءاتهم ومستوياتهم ، فلا نخص بها أحبابنا وأصحابنا أو ذوي الجاه والشرف منا ، قال تعالى {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } (83) سورة البقرة ، فأمر بحسن الكلام مع الناس جميعا حتى ولو خالفونا في الدين ، قال عز وجل {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } (46) سورة العنكبوت
وثقافة الكلمة الطيبة إنما هي طبع يعتاده الإنسان منذ صغره فينمو معه عند كبره ويصعب على من لم ينشأ عليه تحقيقه ولذلك فمن الضروري جدا تعويد أبنائنا على استحضار الكلمات الطيبة في كل معاملاتهم ومواقفهم فيكونوا كالشجر يرميه الناس بالحجر فيرميهم بالثمر ، وصدق الإمام الشافعي إذ قال : ومن فاته التعليم وقت شبابه فكبر عليه أربعا لوفاته
ومن المؤسف جدا أننا نلقن أبناءنا منذ صغرهم ألفاظا خبيثة خشنة وناذرا ما نعلمهم الكلمات الحسنة ، من ذلك أن ترسل الأم بكيس القمامة مع ابنها وتقول له اذهب بهذا الكيس إلى (الزبال ) فيذهب الولد ببساطته وبراءته وينادي يا عمي الزبال خذ هذا الكيس، فيؤذيه بهذا النداء وكان الأولى بهذه الأم أن تقول لولدها اذهب بهذا الكيس وسلمه للكناس أو المنظف !
وكما يطلب منا ألا نتفوه إلا بالكلمات الطيبة فمن الضروري أيضا ألا نستحضر في أذهاننا إلا الكلمات الجميلة التي سمعناها من غيرنا لتسلم صدورنا تجاههم واستحضارا للمعاني الطيبة التي تورث في نفوسنا الراحة والطمأنينة .
بقلم فوزي يوسف