تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ترانيم في حضرة الصفاء


البشير سعيد
2025-04-24, 17:56
ترانيم في حضرة الصفاء

ما بين سكينةٍ تسكن الحرف، ودفءٍ يتسرّب من القلب،
جاء هذا البوح، لا يطلب تصفيقًا،
ولا يترقب إعجابًا…
بل يمشي الهوينى، كأنه يدندن في صمت:
"ها أنا… كما أنا."


---

الحمد لله الذي رزقني قلبًا واسعًا
يتسع لكل الأحبة وما ينغلق
فادخل بفرسك إلى أرضه
وأرخِ لها اللجام ولا تخشَ
فأرضه منبسطة، لا حواجز فيها
ولا حفر
في امتدادها عجب ما بعده عجب
يضيق البحر في رقعتها
ولو زدته مددا
ما يعصف جوُّه وما ترعد سماؤه
هدوءٌ وسكينةٌ في ضواحيه وأوسطه

يضوع المسك في أنحائه
ويتنزل كالديمة في هدأة الفجر والسكن
فلا الزيف يغلفه
ولا الحقد يسكنه
النور منه منبعث
تغذيه براءةُ طفلٍ لم يكبر
بشاشته، هشاشةُ حسه
ورهافة شعوره
تغذيني… تسقيني… تلهمني

كيف أُغمض العين عمّا يسوءها؟
وكيف أُغلق الأذان عن نشازٍ يؤذيها؟
برقةٍ ولينٍ غير مفتعل
واللجوء للرب عند العجز
أو حين الخير منهمر
بالحمد… بالشكر… أرتله في حضرته
فمن غيره يُعطيني أو يمنعني؟
فالحمد له وحده، دومًا ممتدّ في أزل
عن قلبٍ رزقنيه، بالحب يتفجر
عيونًا… روافدها تجري… تسري…
في الجنح والحشى كتيار
يقويها، ينقيها، ويرويها
بمشاعر تُرهفها، وتلينها، وتحييها

سوف أرتلها
وأنتشي برحيقها
فما زال المدّ والجزر لم يتفقا

فأحولها لألحان
لنشيدٍ أدندنه
وأترنم بأنغامه

وأوزع طَلّه على نواديها
فتزهر أشجارها
ويترقرق واديها
فتأنسها الطير وتسبّح في نواحيها
برفقٍ… يحافظ على أغانيها
يُلهمها… يُلهبها شوقًا
فيذرف الدمعُ يناجيها
بتسابيح من أعماق الهدوء… يُهاديها
بالصمت الذي يفت الصخر… يُواتيها
ويرسل حروفه نورًا… يُواريها

ويشهد بأنه خيطُ الروح بالحياة يربطه
ويوثقه بإحكام… مع الصفاء يُنادمه
على بساط الصمت… البوح يتفجر من خلاله
فما يُعكر جوه
فالأرواح تتوق تلاقيه
وتسكن فيه
وفيه تُرتل أغانيه
ترانيمَ حالمٍ بالعشق
فهو داؤه… وهو الذي يداويه

بأطياف نورانيةٍ تداعب مآقيه
وتكتحل عيونه بنورها… فتصفى
وتتكشف لها جنانُ الحنين تؤنسها
فلها أنوار… أطيافها ألوانٌ زاهية
ترسم على صفحات خيالاتها
مروجًا مزهرة، فراشاتها أجنحتها أضواء براقة
تحوم في نواديها
تلهمها مشاعرَ فياضة… تُطربها
ولها سواقٍ جارية… رقرقتها نشيدٌ
يعالج الصخب من حواليها

والروح كمان، والإحساس يعزفه
تجاويد راهبٍ في صومعته
يشقّ صمت الفجر بترانيمه
فيستحيل الضجيجُ سكنةً
للحُب… تُناجيه

وما من الأوصاب ترهقه وتؤذيه
يمحوها مع الأحزان بمسحةٍ من نوره
وببلسمه يُشافيها

ويتعانق الصمت بالحرف… في أبهى حلته
ويرخي سدوله على الأحشاء… يُدفئها
ويحميها

وحين تضطرب
يرسلها بلطف… ويجذبها برفق
فتهدأ في سكنتها
وتغوص في سكرتها
تحلم بالغد
والأمل صار طفلًا برفقتها… تُناغيه
فتبتسم، وتنبعث ضحكته
تُدغدغ الآذان بسحرها
ففيه تنغمس
وفي لُكْنَتِه تستحم بطهارته
و تتوارى في الأعماق بذرتها
تنمو بالحب و الود ساقيها
فتزدهر لا رياح تلوي عنقها
و لا الأوهام ترديها
باسقة في شموخ و ثبات
على اراضيها

فهذا أنا، وهذا قلبي،
حبّه في الصفاء وُلد،
وفيه يحيا ويبقى
حتى يوارى الثرى.

* مفتاح * * البليدة *
في 23 / 04 / 2025
قطواش البشير