عبدالله الأحد
2025-03-19, 14:55
دليل المسلم الجديد - (27) المحرمات في القرآن الكريم والسنة النبوية
منذ 2016-04-23
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
أولا: أعمال تخرج من الإسلام
قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى: اعلم أيها المسلم أن الله *سبحانه* أوجب على جميع العباد الدخول في الإسـلام والتمسك به والحـذر مما يخالفه، وبعث نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم للدعوة إلى ذلك، وأخبر عزّ وجلّ أن من اتبعه فقد اهتدى، ومن أعرض عنه فقد ضل، وحذر في آيات كثيرات من أسباب الردة، وسائر أنواع الشرك والكفر، وذكر العلماء *رحمهم الله* تعالى في باب حكم المرتد، أن المسلم قد يرتد عن دينه بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل دمه وماله، ويكون بها خارجاً عن الإسلام، ومن أخطرها وأكثرها وقوعاً عشرة نواقض ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيره من أهل العلم *رحمهم الله تعالى جميعاً* ونذكرها لك فيما يلي على سبيل الإيجاز، لتَحْذَرَها وتُحَذِّر منها غيرك، رجاء السلامة والعافية منها، مع توضيحات قليلة نذكرها بعدها:
الأول: الشرك في عبادة الله تعالى، قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يٌشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء:116]، وقال الله تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} [المائدة:72]، ومن ذلك دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، والنذر والذبح لهم كمن يذبح للجن أو للقبر.
الثاني: من جعل بينه وبين الله تعالى وسائط يدعوهم، ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم، فقد كفر إجماعاً.
الثالث: من لم يُكَفِّر المشركين، أو شَكَّ في كفرهم، أو صحّح مذهبهم كفر.
الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر.
الخامس: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به فقد كفر، لقول الله تعالى: {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم} [محمد:9].
السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه، أو عقابه كفر، والدليل قول الله تعالى: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون. لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} [التوبة:65-66].
السابع: السحر ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قول الله تعالى: {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} [البقرة:102].
الثامن: مظاهـرة المشـركين ومعاونتهـم على المسـلمين، والدليـل قولـ الله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} [المائدة:51].
التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر ؛ لقول الله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران:85].
العاشر: الإعراض عن دين الله تعالى، لا يتعلمـه ولا يعمـل به؛ والدليل قول الله تعالى: {ومن أظلم ممن ذٌكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون} [السجدة:22].
ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطراً، وأكثر ما يكون وقوعاً. فينبغي للمسلم أن يحذرها، ويخاف منها على نفسه، نعوذ بالله تعالى من موجبات غضبه، وأليم عقابه، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
ويدخل في القسم الرابع: من اعتقد أن الأنظمة والقوانين التي يسنها الناس، أفضل من شريعة الإسلام، أو أنها مساوية لها، أو أنه يجوز التحاكم إليها، ولو اعتقد أن الحكم بالشريعة أفضل، أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين، أو أنه كان سبباً في تخلف المسلمين، أو أنه يحصر في علاقة المرء بربه دون أن يتدخل في شؤون الحياة الأخرى.
ويدخل في القسم الرابع: أيضاً من يرى أن إنفاذ حكم الله تعالى بقطع يد السارق، أو رجم الزاني المحصن لا يناسب العصر الحاضر.
ويدخل في ذلك *أيضاً: كل من اعتقد أنه يجوز الحكم بغير شريعة الله تعالى في المعاملات، أو الحدود، أو غيرهما، وإن لم يعتقد أن ذلك أفضل من حكم الشريعة، لأنه بذلك يكون قد استباح ما حرم الله تعالى إجماعاً وكل من استباح ما حرّم الله تعالى مما هو معلوم من الدين بالضرورة، كالزنى والخمر والربا، والحكم بغير شريعة الله تعالى فهو كافر بإجماع المسلمين.
ونسأل الله سبحانه أن يوفقنا جميعاً لما يرضيه، وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
ثانيا: المحرمات في القرآن الكريم والسنة النبوية
الاستهزاء بالدين وأهله
الاستهزاء – ويطلق عليه " الاستخفاف" و "السخرية" - منه ما هو كفر أكبر يُخرج من الملة، ومنه ما هو فسق، ومنه ما هو محتمل للحُكمين.
1. فما كان منه استهزاء بالله تعالى أو بالقرآن أو بالرسول صلى الله عليه وسلم: فهو كفر مخرج من الملة، وقد دلَّ على هذا قول الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65-66].
وقد أجمع على ذلك أهل العلم.
2. وما كان منه استهزاء بذات الأشخاص وأفعالهم الدنيوية المجردة: فهو فسق ، وفيه يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنّ} [الحجرات:11].
3. وأما المحتمل لكونه كفراً مخرجاً من الملة ولكونه فسقا: فهو الاستهزاء بالمسلم لتدينه وهيئته الموافقة للسنَّة، فإن كان الاستهزاء لذات الشرع الملتزم به ذلك المسلم: فيكون كفراً مخرجاً من الملة، وإن كان الاستهزاء يرجع لذات المسلم لأنه – مثلاً – ليس أهلاً لأن يُظهر أنه متدين، أو لأنه يبالغ أو يتشدد في تطبيق السنَّة بما لم تدل عليه النصوص: فيكون فسقا؛ لأنه استهزاء بالشخص وليس بالدين.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
هل من يستهزئ بالدين بأن يسخر من اللحية أو من تقصير الثياب هل يعد ذلك من الكفر؟
فأجاب:
"هذا يختلف؛ إذا كان قصده الاستهزاء بالدِّين: فهي ردة، كما قال الله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} أما إذا كان يستهزئ من الشخص نفسه بأسباب أخرى من جهة اللحية أو من جهة تقصير الثياب، ويعني بذلك أنه متزمت، وأن يستهزئ بأمور أخرى يشدد في هذا أو يتساهل في أمور أخرى يعلم أنه جاء بها الدين، وليس قصده الاستهزاء بالدين، بل يقصد استهزاءه بالشخص بتقصيره لثوبه أو لأسباب أخرى.
أما إذا كان قصده الاستهزاء بالدين والتنقص للدين: فيكون ردة، نسأل الله سبحانه العافية.
وسئل – بعدها -:
إن كان يقول: أنا أقول ذلك للناس من باب الضحك والمزاح؟
فأجاب:
هذا لا يجوز، وهذا منكر وصاحبه على خطر، وإن كان قصده الاستهزاء بالدين: يكون كفراً" انتهى.
(فتاوى الشيخ ابن باز: 28 / 365 ، 366).
القتل
قتل المسلم بغير حق أمر عظيم وجرم كبير، قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93] وروى (البخاري:6355) عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما».
وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم الأسباب التي بها يباح هذا الدم فقال: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة» رواه الإمامان (البخاري:6370 ومسلم:3175).
وعن أبي الدَّرْدَاءِ رضي الله تعالى عنه قالَ :سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ ، إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا، أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا» رواه (أبو داود:4270 والنسائي:3984)، وصححه الألباني في (صحيح أبي داود).
وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ» رواه (الترمذي:1398)، وصححه الألباني في (صحيح الترمذي).
والواجب على كل مسلم أن يسعى أن يلقى الله تعالى وليس في صحيفته سفك دم لمسلم بغير حق.
عقوق الوالدين
عقوق الوالدين من كبائر الذنوب وإن الله تعالى أمر الأبناء ببر والديهم والإحسان إليهم، ونهاهم عن عقوقهم والإساءة إليهم، وغرس فيهم من المحبة الفطرية ما يعينهم على ذلك البر والإحسان، وينفرهم من العقوق والعصيان . قال الله تعالى – في حق الوالدين المسلميْن -: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:23-24] .
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟، قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ"، وَكَانَ مُتَّكِئاً فَجَلَسَ فَقَالَ: "أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ" فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ لَا يَسْكُتُ»
رواه الإمامان (البخاري:5976، ومسلم:87).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «الْكَبَائِرُ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» رواه (البخاري:6675).
والعقوق هو ما يصدر من الابن - من غير مبرر شرعي - من تصرفات أو أقوال تؤذي والديه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "والمراد به – أي العقوق – صدور ما يتأذى به الوالد من ولده من قول أو فعل إلا في شرك أو معصية ؛ مالم يتعنت الوالد".
انتهى من (فتح الباري:10 / 406).
جاء في (الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني:2 / 290): " (ومن الفرائض) العينية على كل مكلف (بر الوالدين) أي الإحسان إليهما (ولو كانا فاسقين) بغير الشرك، بل (وإن كانا مشركين) للآيات الدالة على العموم، والحقوق لا تسقط بالفسق ولا بالمخالفة في الدين" انتهى.
أما بخصوص طاعة الوالدين الكافرين في المعروف، فقد اختلف العلماء في وجوبها، فذكر جمع من العلماء وجوب طاعتهما أيضا فيما ليس بمعصية لله سبحانه وتعالى.
اللواط
جريمة اللواط من أعظم الجرائم، وأقبح الذنوب، وأسوأ الأفعال وقد عاقب الله تعالى فاعليها بما لم يعاقب به أمة من الأمم، وهي تدل على انتكاس الفطرة، وطمْس البصيرة، وضعف العقل، وقلة الديانة، وهي علامة الخذلان، وسلم الحرمان، نسأل الله تعالى العفو والعافية.
قال الله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ. إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ. فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ. وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} [الأعراف:80-84].
وقال الله سبحانه: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ. فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ. فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ. إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ} [الحجر:72-76] إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.
وروى الترمذي (1456) وأبو داود (4462) وابن ماجه (2561) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وروى أحمد (2915) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، ثَلاثًا» وحسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
وقد أجمع الصحابة رضي الله تعالى عنهم على قتل اللوطي، لكن اختلفوا في طريقة قتله، فمنهم من ذهب إلى أن يحرق بالنار، وهذا قول علي رضي الله تعالى عنه، وبه أخذ أبو بكر رضي الله تعالى عنه، كما سيأتي. ومنهم قال: يرمى به من أعلى شاهق، ويتبع بالحجارة، وهذا قول ابن عباس رضي الله تعالى عنه.
ومنهم من قال: يرجم بالحجارة حتى يموت، وهذا مروي عن علي وابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
ثم اختلف الفقهاء بعد الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فمنهم من قال يقتل على أي حال كان، محصنا أو غير محصن.
ومنهم من قال: بل يعاقب عقوبة الزاني، فيرجم إن كان محصنا، ويجلد إن كان غير محصن.
ومنهم من قال: يعزر التعزير البليغ الذي يراه الحاكم.
وقد بسط ابن القيم رحمه الله تعالى الكلام على هذه المسألة، وذكر حجج الفقهاء وناقشها، وانتصر للقول الأول، وذلك في كتابه (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) والذي وضعه لعلاج هذه الفاحشة المنكرة. ونحن ننقل طرفا من كلامه رحمه الله تعالى: قال:
"ولما كانت مفسدة اللواط من أعظم المفاسد، كانت عقوبته في الدنيا والآخرة من أعظم العقوبات.
وقد اختلف الناس هل هو أغلظ عقوبة من الزنا، أو الزنا أغلظ عقوبة منه، أو عقوبتهما سواء؟ على ثلاثة أقوال:
فذهب أبو بكر الصديق وعلى بن أبي طالب وخالد بن الوليد وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس ومالك وإسحق بن راهويه والإمام أحمد في أصح الروايتين عنه والشافعي في أحد قوليه إلى أن عقوبته أغلظ من عقوبة الزنا، وعقوبته القتل على كل حال، محصنا كان أو غير محصن.
وذهب الشافعي في ظاهر مذهبه والإمام أحمد في الرواية الثانية عنه إلى أن عقوبته وعقوبة الزاني سواء.
وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن عقوبته دون عقوبة الزاني وهى التعزير".
إلى أن قال: "قال أصحاب القول الأول وهم جمهور الأمة وحكاه غير واحد إجماعا للصحابة رضي الله تعالى عنهم: ليس في المعاصى مفسدة أعظم من مفسدة اللواط وهى تلي مفسدة الكفر وربما كانت أعظم من مفسدة القتل كما سنبينه إن شاء الله تعالى.
قالوا: ولم يبتل الله تعالى بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحدا من العالمين، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أمة غيرهم، وجمع عليهم أنواعا من العقوبات من الإهلاك، وقلب ديارهم عليهم، والخسف بهم ورجمهم بالحجارة من السماء، وطمس أعينهم، وعذّبهم وجعل عذابهم مستمرا فنكّل بهم نكالا لم ينكّله بأمة سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عُملت عليها، وتهرب الملائكة عليهم السلام إلى أقطار السموات والأرض إذا شاهدوها خشية نزول العذاب على أهلها، فيصيبهم معهم، وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى وتكاد الجبال تزول عن أماكنها.
وقتل المفعول به خير له من وطئه، فإنه إذا وطأه الرجل قتله قتلا لا ترجي الحياة معه، بخلاف قتله فإنه مظلوم شهيد. قالوا: والدليل على هذا (يعني على أن مفسدة اللواط أشد من مفسدة القتل) أن الله سبحانه جعل حد القاتل إلى خيرة الولي إن شاء قتل وإن شاء عفى، وحتم قتل اللوطي حدا كما أجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصريحة التي لا معارض لها، بل عليها عمل أصحابه وخلفائه الراشدين رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
وقد ثبت عن خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه أنه وجد في بعض نواحي العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة، فكتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، فاستشار أبو بكر الصديق الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فكان على بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أشدهم قولا فيه، فقال: ما فعل هذا إلا أمة من الأمم واحدة وقد علمتم ما فعل الله تعالى بها. أرى أن يحرق بالنار، فكتب أبو بكر إلى خالد رضي الله تعالى عنهم فحرقه.
وقال عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: ينظر أعلى ما في القرية فيرمى اللوطي منها منكسا ثم يتبع بالحجارة.
وأخذ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هذا الحد من عقوبة الله تعالى للوطية قوم لوط عليه السلام.
وابن عباس رضي الله تعالى عنهما هو الذي روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» رواه أهل السنن وصححه ابن حبان وغيره، واحتج الإمام أحمد بهذا الحديث وإسناده على شرط البخاري.
قالوا: وثبت عنه أنه قال: (لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط) ولم يجىء عنه لعنة الزاني ثلاث مرات في حديث واحد ، وقد لعن جماعة من أهل الكبائر ، فلم يتجاوز بهم في اللعن مرة واحدة، وكرر لعن اللوطية فأكده ثلاث مرات، وأطبق أصحاب رسول الله على قتله لم يختلف منهم فيه رجلان، وإنما اختلفت أقوالهم في صفة قتله، فظن بعض الناس أن ذلك اختلاف منهم فى قتله، فحكاها مسألة نزاع بين الصحابه، وهي بينهم مسألة إجماع، لا مسألة نزاع.
قالوا : ومن تأمل قوله سبحانه : {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا} وقوله في اللواط: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} تبين له تفاوت ما بينهما، فإنه سبحانه نَكّرَ الفاحشة في الزنا، أي هو فاحشة من الفواحش، وعرّفها في اللواط وذلك يفيد أنه جامع لمعاني اسم الفاحشة، كما تقول: زيد الرجل، ونعم الرجل زيد، أي: أتأتون الخصلة التي استقر فحشها عند كل أحد، فهي لظهور فحشها وكماله غنيّة عن ذكرها، بحيث لا ينصرف الاسم إلى غيرها …" انتهى من (الجواب الكافي:ص 260- 263).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "وأما اللواط فمن العلماء من يقول: حده كحد الزنا، وقد قيل دون ذلك. والصحيح الذي اتفقت عليه الصحابة رضي الله تعالى عنهم: أن يقتل الاثنان الأعلى والأسفل. سواء كانا محصنين ، أو غير محصنين . فإن أهل السنن رووا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ، فاقتلوا الفاعل والمفعول به » وروى أبو داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (في البكر يوجد على اللواطية، قال: يرجم) ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه نحو ذلك. ولم تختلف الصحابة رضي الله تعالى عنهم في قتله، ولكن تنوعوا فيه، فروي عن الصديق رضي الله تعالى عنه أنه أمر بتحريقه، وعن غيره قتله.
وعن بعضهم: أنه يلقى عليه جدار حتى يموت تحت الهدم.
وقيل: يحبسان في أنتن موضع حتى يموتا.
وعن بعضهم: أنه يرفع على أعلى جدار في القرية، ويرمى منه، ويتبع بالحجارة، كما فعل الله تعالى بقوم لوط عليه السلام وهذه رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، والرواية الأخرى قال: يرجم، وعلى هذا أكثر السلف، قالوا: لأن الله تعالى رجم قوم لوط عليه السلام، وشرع رجم الزاني تشبيها برجم لوط، فيرجم الاثنان، سواء كانا حرين أو مملوكين، أو كان أحدهما مملوك الآخر، إذا كانا بالغين، فإن كان أحدهما غير بالغ عوقب بما دون القتل، ولا يرجم إلا البالغ" انتهى من (السياسة الشرعية: ص 138).
ثانيا:
المفعول به كالفاعل، لأنهما اشتركا في الفاحشة، فكان عقوبتهما القتل كما جاء في الحديث، لكن يستثنى من ذلك صورتان:
الأولى: من أكره على اللواط بضرب أو تهديد بالقتل ونحوه، فإنه لا حد عليه.
قال في (شرح منتهى الإرادات:3/348): "ولا حد إن أكره ملوط به على اللواط بإلجاءٍ بأن غلبه الواطئ على نفسه أو بتهديد بنحو قتل أو ضرب" انتهى بتصرف.
الثانية: إذا كان المفعول به صغيرا لم يبلغ، فإنه لا يحد، لكن يؤدب ويعزر بما يردعه عن اقتراف هذه الجريمة، كما سبق في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.
ونقل ابن قدامة رحمه الله تعالى في (المغني:9/62) أنه لا خلاف بين العلماء في أن الحد لا يُقام على المجنون ولا الصبيّ الذي لم يبلغ.
والله تعالى أعلى وأعلم.
الربا
الربا هو الزيادة في شيء مخصوص، وهو مشتق من الزيادة، ومنه قول الله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ} أي لا يزيد ولا يرتفع عند الله تعالى، وقوله {لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ} أي يكثر.
وأصله أن أهل الجاهلية كان إذا حلّ الدين على أحدهم طلبوا منه فقالوا: أعطنا المئة أو زدناها إلى مئة وخمسين. وإذا حلّت المئة وخمسين قالوا له: أعطنا المئة وخمسين أو جعلناها مئتين .. وهكذا.
وجاءت الشريعة بتحريم ربا آخر هو ربا الفضل وهو زيادة في أحد الجنسين إذا بيع أحدهما بالآخر. بحيث إذا بيع ذهب بذهب فإنه لا يجوز إلا مِثلا بمثل ويدا بيد، فاشترط فيه التقابض والتماثل فمن زاد أو استزاد فقد أربى، فإذا باع صاع بُر بصاعين ولو كان يدا بيد وقع في الربا.
الربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع القطعي، فمن استحله كان كافرا.
لأن القاعدة: أن من أنكر شيئاً أجمع العلماء عليه إجماعاً ظاهراً أنه كافر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
إن الإيمان بوجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة هو من أعظم أصول الإيمان، وقواعد الدين، والجاحد لها كافر بالاتفاق اهـ (مجموع الفتاوى:12/497).
وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
ومن اعتقد حل شيء أجمع على تحريمه وظهر حكمه بين المسلمين وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه كلحم الخنزير والزنى وأشباه ذلك مما لا خلاف فيه كَفَر اهـ (المغني:12/276).
وقال النووي رحمه الله تعالى:
فَأَمَّا الْيَوْم وَقَدْ شَاعَ دِينُ الْإِسْلَام وَاسْتَفَاضَ فِي الْمُسْلِمِينَ عِلْمُ وُجُوب الزَّكَاة حَتَّى عَرَفَهَا الْخَاصّ وَالْعَامّ، وَاشْتَرَكَ فِيهِ الْعَالِم وَالْجَاهِل، فَلَا يُعْذَر أَحَد بِتَأْوِيلِ يَتَأَوَّلهُ فِي إِنْكَارهَا. وَكَذَلِكَ الْأَمْر فِي كُلّ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِمَّا أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَيْهِ مِنْ أُمُور الدِّين إِذَا كَانَ عِلْمه مُنْتَشِرًا كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْس وَصَوْم شَهْر رَمَضَان وَالاغْتِسَال مِنْ الْجَنَابَة وَتَحْرِيم الزِّنَا وَالْخَمْر وَنِكَاح ذَوَات الْمَحَارِم وَنَحْوهَا مِنْ الْأَحْكَام إِلَّا أَنْ يَكُون رَجُلًا حَدِيث عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَلَا يَعْرِف حُدُوده فَإِنَّهُ إِذَا أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْهَا جَهْلًا بِهِ لَمْ يَكْفُر . . . فَأَمَّا مَا كَانَ الْإِجْمَاع فِيهِ مَعْلُومًا مِنْ طَرِيق عِلْم الْخَاصَّة كَتَحْرِيمِ نِكَاح الْمَرْأَة عَلَى عَمَّتهَا وَخَالَتهَا، وَأَنَّ الْقَاتِل عَمْدًا لَا يَرِث وَأَنَّ لِلْجَدَّةِ السُّدُس، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَام فَإِنَّ مَنْ أَنْكَرَهَا لا يَكْفُر، بَلْ يُعْذَر فِيهَا لِعَدَمِ اِسْتِفَاضَة عِلْمهَا فِي الْعَامَّة اهـ .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: (حكم الربا: أنه محرم بالقرآن والسنة وإجماع المسلمين. ومرتبته: أنه من كبائر الذنوب ؛ لأن الله تعالى قال : {ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} ، وقال الله تعالى: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله}؛ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه فهو من أعظم الكبائر.
وهو مجمع على تحريمه، ولهذا من أنكر تحريمه ممن عاش في بيئة مسلمة فإنه مرتد؛ لأن هذا من المحرمات الظاهرة المجمع عليها.
ولكن إذا قلنا هذا ، هل معناه أن العلماء أجمعوا على كل صورة؟ الجواب: لا، فقد وقع خلاف في بعض الصور، وهذا مثل ما قلنا في أن الزكاة واجبة بالإجماع، ومع ذلك ليس الإجماع على كل صورة، فاختلفوا في الإبل والبقر العوامل (التي تستخدم في الحرث والسقي)، واختلفوا في الحلي وما أشبه ذلك، لكن في الجملة العلماء مجمعون على أن (الربا حرام بل من كبائر الذنوب) انتهى من (الشرح الممتع على زاد المستقنع:8/387)
وعلى هذا فيقال:
من أنكر تحريم الربا فهو كافر لأن تحريمه من الأمور التي دلت النصوص عليها، وأجمع العلماء على تحريمه إجماعا ظاهراً وانتشر ذلك بين المسلمين.
لكن إذا أنكر تحريم صورة من صور الربا والتي وقع الخلاف فيها بين العلماء أو لم يكن الإجماع على تحريمها ظاهراً فهذا لا يكفر بل ينظر في حاله فقد يكون مجتهداً مأجوراً على اجتهاده، وقد يكون معذوراً، وقد يكون فاسقاً إذا كان استحلاله لها اتباعاً للهوى .
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
الزنا
دلت النصوص من الكتاب والسنة على أن الزنا من كبائر الذنوب :
قال الله تعالى : {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء:32]
وروى البخاري (5578) ومسلم (57) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» .
وقد جعل الله تعالى مجانبة هذه البلايا والخبائث شرطا في تكفير السيئات ورفع الدرجات ، قال الله تعالى : « إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً » [النساء:31].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ» رواه مسلم (233) .
ثانيا:
والزنا من أعظم الكبائر؛ فإن الله تعالى قرن ذكره بعبادة الأصنام وقتل النفس ، فقال الله تعالى: «وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ» [الفرقان:68].
ولأنه مع كونه كبيرة بالنظر إلى حق الله تعالى، فهو اعتداء على أعز وأشرف ما يملك العبد، وهو عرضه، مع ما يترتب عليه من المفاسد العظام، والشرور الجسام، والتلطخ بأوضار العار، وقد يستمر ذلك مد الزمان، فتتوارثه الأجيال وراء الأجيال – عياذا بالله تعالى - .
قال المنذري رحمه الله تعالى:
"وقد صح أن مدمن الخمر إذا مات لقي الله كعابد وثن، ولا شك أن الزنا أشد وأعظم عند الله من شرب الخمر" انتهى .
(الترغيب والترهيب:3 / 190)
وقال السفاريني رحمه الله تعالى:
" الزِّنَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ وَالْقَتْلِ " انتهى ملخصا .
(غذاء الألباب:2 / 305)
ولذلك كان حد الزنا أشد من حد شرب الخمر، وخاصة إذا كان الزاني محصنا.
أنواع الزنا
ليس الزنا هو فقط زنا الفرْج، بل هناك زنا اليد وهو اللمس المحرَّم، وزنا العين وهو النظر المحرَّم، وإن كان زنا الفرْج هو الذي يترتب عليه الحد.
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنَّى وتشتهي، والفرْج يصدق ذلك كله ويكذبه» . رواه البخاري ( 588) ومسلم ( 265).
ولا يحل للمسلم أن يستهين بمقدمات الزنا كالتقبيل والخلوة والملامسة والنظر فهي كلها محرّمات، وهي تؤدي إلى الفاحشة الكبرى وهي الزنا .
قال الله تعالى: {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً} [الإسراء:32] .
والنظرة المحرمة سهم من سهام الشيطان، تنقل صاحبها إلى موارد الهلكة، وإن لم يقصدها في البداية ولهذا قال الله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون . وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} ]النور:30-31].
فتأمل كيف ربط الله تعالى بين غض البصر وبين حفظ الفرج في الآيات، وكيف بدأ بالغض قبل حفظ الفرج لأن البصر رائد القلب .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله تعالى - :
أمر الله سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار، وحفظ الفروج، وما ذاك إلا لعظم فاحشة الزنا وما يترتب عليها من الفساد الكبير بين المسلمين، ولأن إطلاق البصر من وسائل مرض القلب ووقوع الفاحشة ، وغض البصر من أسباب السلامة من ذلك، ولهذا قال الله سبحانه: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون}، فغض البصر وحفظ الفرج أزكى للمؤمن في الدنيا والآخرة، وإطلاق البصر والفرج من أعظم أسباب العطب والعذاب في الدنيا والآخرة، نسأل الله تعالى العافية من ذلك.
وأخبر عز وجل أنه خبير بما يصنعه الناس، وأنه لا يخفى عليه خافية، وفي ذلك تحذير للمؤمن من ركوب ما حرم الله عليه، والإعراض عما شرع الله تعالى له، وتذكير له بأن الله سبحانه يراه ويعلم أفعاله الطيبة وغيرها. كما قال الله تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} [غافر:19].
انتهى من (التبرج وخطره).
فعلى المسلم أن يتقي الله تعالى ربَّه في السر والعلن، وأن يبتعد عما حرَّمه الله سبحانه عليه من الخلوة والنظر والمصافحة والتقبيل وغيرها من المحرَّمات والتي هي مقدمات لفاحشة الزنا.
ولا يغتر العاصي بأنه لن يقع في الفاحشة وأنه سيكتفي بهذه المحرمات عن الزنا، فإن الشيطان لن يتركه. وليس في هذه المعاصي كالقبلة ونحوها حد لأن الحد لا يجب إلا بالجماع (الزنى)، ولكن يعزره الحاكم ويعاقبه بما يردعه وأمثاله عن هذه المعاصي.
منذ 2016-04-23
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
أولا: أعمال تخرج من الإسلام
قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى: اعلم أيها المسلم أن الله *سبحانه* أوجب على جميع العباد الدخول في الإسـلام والتمسك به والحـذر مما يخالفه، وبعث نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم للدعوة إلى ذلك، وأخبر عزّ وجلّ أن من اتبعه فقد اهتدى، ومن أعرض عنه فقد ضل، وحذر في آيات كثيرات من أسباب الردة، وسائر أنواع الشرك والكفر، وذكر العلماء *رحمهم الله* تعالى في باب حكم المرتد، أن المسلم قد يرتد عن دينه بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل دمه وماله، ويكون بها خارجاً عن الإسلام، ومن أخطرها وأكثرها وقوعاً عشرة نواقض ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيره من أهل العلم *رحمهم الله تعالى جميعاً* ونذكرها لك فيما يلي على سبيل الإيجاز، لتَحْذَرَها وتُحَذِّر منها غيرك، رجاء السلامة والعافية منها، مع توضيحات قليلة نذكرها بعدها:
الأول: الشرك في عبادة الله تعالى، قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يٌشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء:116]، وقال الله تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} [المائدة:72]، ومن ذلك دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، والنذر والذبح لهم كمن يذبح للجن أو للقبر.
الثاني: من جعل بينه وبين الله تعالى وسائط يدعوهم، ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم، فقد كفر إجماعاً.
الثالث: من لم يُكَفِّر المشركين، أو شَكَّ في كفرهم، أو صحّح مذهبهم كفر.
الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر.
الخامس: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به فقد كفر، لقول الله تعالى: {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم} [محمد:9].
السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه، أو عقابه كفر، والدليل قول الله تعالى: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون. لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} [التوبة:65-66].
السابع: السحر ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قول الله تعالى: {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} [البقرة:102].
الثامن: مظاهـرة المشـركين ومعاونتهـم على المسـلمين، والدليـل قولـ الله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} [المائدة:51].
التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر ؛ لقول الله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران:85].
العاشر: الإعراض عن دين الله تعالى، لا يتعلمـه ولا يعمـل به؛ والدليل قول الله تعالى: {ومن أظلم ممن ذٌكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون} [السجدة:22].
ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطراً، وأكثر ما يكون وقوعاً. فينبغي للمسلم أن يحذرها، ويخاف منها على نفسه، نعوذ بالله تعالى من موجبات غضبه، وأليم عقابه، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
ويدخل في القسم الرابع: من اعتقد أن الأنظمة والقوانين التي يسنها الناس، أفضل من شريعة الإسلام، أو أنها مساوية لها، أو أنه يجوز التحاكم إليها، ولو اعتقد أن الحكم بالشريعة أفضل، أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين، أو أنه كان سبباً في تخلف المسلمين، أو أنه يحصر في علاقة المرء بربه دون أن يتدخل في شؤون الحياة الأخرى.
ويدخل في القسم الرابع: أيضاً من يرى أن إنفاذ حكم الله تعالى بقطع يد السارق، أو رجم الزاني المحصن لا يناسب العصر الحاضر.
ويدخل في ذلك *أيضاً: كل من اعتقد أنه يجوز الحكم بغير شريعة الله تعالى في المعاملات، أو الحدود، أو غيرهما، وإن لم يعتقد أن ذلك أفضل من حكم الشريعة، لأنه بذلك يكون قد استباح ما حرم الله تعالى إجماعاً وكل من استباح ما حرّم الله تعالى مما هو معلوم من الدين بالضرورة، كالزنى والخمر والربا، والحكم بغير شريعة الله تعالى فهو كافر بإجماع المسلمين.
ونسأل الله سبحانه أن يوفقنا جميعاً لما يرضيه، وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
ثانيا: المحرمات في القرآن الكريم والسنة النبوية
الاستهزاء بالدين وأهله
الاستهزاء – ويطلق عليه " الاستخفاف" و "السخرية" - منه ما هو كفر أكبر يُخرج من الملة، ومنه ما هو فسق، ومنه ما هو محتمل للحُكمين.
1. فما كان منه استهزاء بالله تعالى أو بالقرآن أو بالرسول صلى الله عليه وسلم: فهو كفر مخرج من الملة، وقد دلَّ على هذا قول الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65-66].
وقد أجمع على ذلك أهل العلم.
2. وما كان منه استهزاء بذات الأشخاص وأفعالهم الدنيوية المجردة: فهو فسق ، وفيه يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنّ} [الحجرات:11].
3. وأما المحتمل لكونه كفراً مخرجاً من الملة ولكونه فسقا: فهو الاستهزاء بالمسلم لتدينه وهيئته الموافقة للسنَّة، فإن كان الاستهزاء لذات الشرع الملتزم به ذلك المسلم: فيكون كفراً مخرجاً من الملة، وإن كان الاستهزاء يرجع لذات المسلم لأنه – مثلاً – ليس أهلاً لأن يُظهر أنه متدين، أو لأنه يبالغ أو يتشدد في تطبيق السنَّة بما لم تدل عليه النصوص: فيكون فسقا؛ لأنه استهزاء بالشخص وليس بالدين.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
هل من يستهزئ بالدين بأن يسخر من اللحية أو من تقصير الثياب هل يعد ذلك من الكفر؟
فأجاب:
"هذا يختلف؛ إذا كان قصده الاستهزاء بالدِّين: فهي ردة، كما قال الله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} أما إذا كان يستهزئ من الشخص نفسه بأسباب أخرى من جهة اللحية أو من جهة تقصير الثياب، ويعني بذلك أنه متزمت، وأن يستهزئ بأمور أخرى يشدد في هذا أو يتساهل في أمور أخرى يعلم أنه جاء بها الدين، وليس قصده الاستهزاء بالدين، بل يقصد استهزاءه بالشخص بتقصيره لثوبه أو لأسباب أخرى.
أما إذا كان قصده الاستهزاء بالدين والتنقص للدين: فيكون ردة، نسأل الله سبحانه العافية.
وسئل – بعدها -:
إن كان يقول: أنا أقول ذلك للناس من باب الضحك والمزاح؟
فأجاب:
هذا لا يجوز، وهذا منكر وصاحبه على خطر، وإن كان قصده الاستهزاء بالدين: يكون كفراً" انتهى.
(فتاوى الشيخ ابن باز: 28 / 365 ، 366).
القتل
قتل المسلم بغير حق أمر عظيم وجرم كبير، قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93] وروى (البخاري:6355) عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما».
وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم الأسباب التي بها يباح هذا الدم فقال: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة» رواه الإمامان (البخاري:6370 ومسلم:3175).
وعن أبي الدَّرْدَاءِ رضي الله تعالى عنه قالَ :سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ ، إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا، أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا» رواه (أبو داود:4270 والنسائي:3984)، وصححه الألباني في (صحيح أبي داود).
وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ» رواه (الترمذي:1398)، وصححه الألباني في (صحيح الترمذي).
والواجب على كل مسلم أن يسعى أن يلقى الله تعالى وليس في صحيفته سفك دم لمسلم بغير حق.
عقوق الوالدين
عقوق الوالدين من كبائر الذنوب وإن الله تعالى أمر الأبناء ببر والديهم والإحسان إليهم، ونهاهم عن عقوقهم والإساءة إليهم، وغرس فيهم من المحبة الفطرية ما يعينهم على ذلك البر والإحسان، وينفرهم من العقوق والعصيان . قال الله تعالى – في حق الوالدين المسلميْن -: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:23-24] .
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟، قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ"، وَكَانَ مُتَّكِئاً فَجَلَسَ فَقَالَ: "أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ" فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ لَا يَسْكُتُ»
رواه الإمامان (البخاري:5976، ومسلم:87).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «الْكَبَائِرُ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» رواه (البخاري:6675).
والعقوق هو ما يصدر من الابن - من غير مبرر شرعي - من تصرفات أو أقوال تؤذي والديه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "والمراد به – أي العقوق – صدور ما يتأذى به الوالد من ولده من قول أو فعل إلا في شرك أو معصية ؛ مالم يتعنت الوالد".
انتهى من (فتح الباري:10 / 406).
جاء في (الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني:2 / 290): " (ومن الفرائض) العينية على كل مكلف (بر الوالدين) أي الإحسان إليهما (ولو كانا فاسقين) بغير الشرك، بل (وإن كانا مشركين) للآيات الدالة على العموم، والحقوق لا تسقط بالفسق ولا بالمخالفة في الدين" انتهى.
أما بخصوص طاعة الوالدين الكافرين في المعروف، فقد اختلف العلماء في وجوبها، فذكر جمع من العلماء وجوب طاعتهما أيضا فيما ليس بمعصية لله سبحانه وتعالى.
اللواط
جريمة اللواط من أعظم الجرائم، وأقبح الذنوب، وأسوأ الأفعال وقد عاقب الله تعالى فاعليها بما لم يعاقب به أمة من الأمم، وهي تدل على انتكاس الفطرة، وطمْس البصيرة، وضعف العقل، وقلة الديانة، وهي علامة الخذلان، وسلم الحرمان، نسأل الله تعالى العفو والعافية.
قال الله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ. إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ. فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ. وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} [الأعراف:80-84].
وقال الله سبحانه: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ. فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ. فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ. إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ} [الحجر:72-76] إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.
وروى الترمذي (1456) وأبو داود (4462) وابن ماجه (2561) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وروى أحمد (2915) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، ثَلاثًا» وحسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
وقد أجمع الصحابة رضي الله تعالى عنهم على قتل اللوطي، لكن اختلفوا في طريقة قتله، فمنهم من ذهب إلى أن يحرق بالنار، وهذا قول علي رضي الله تعالى عنه، وبه أخذ أبو بكر رضي الله تعالى عنه، كما سيأتي. ومنهم قال: يرمى به من أعلى شاهق، ويتبع بالحجارة، وهذا قول ابن عباس رضي الله تعالى عنه.
ومنهم من قال: يرجم بالحجارة حتى يموت، وهذا مروي عن علي وابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
ثم اختلف الفقهاء بعد الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فمنهم من قال يقتل على أي حال كان، محصنا أو غير محصن.
ومنهم من قال: بل يعاقب عقوبة الزاني، فيرجم إن كان محصنا، ويجلد إن كان غير محصن.
ومنهم من قال: يعزر التعزير البليغ الذي يراه الحاكم.
وقد بسط ابن القيم رحمه الله تعالى الكلام على هذه المسألة، وذكر حجج الفقهاء وناقشها، وانتصر للقول الأول، وذلك في كتابه (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) والذي وضعه لعلاج هذه الفاحشة المنكرة. ونحن ننقل طرفا من كلامه رحمه الله تعالى: قال:
"ولما كانت مفسدة اللواط من أعظم المفاسد، كانت عقوبته في الدنيا والآخرة من أعظم العقوبات.
وقد اختلف الناس هل هو أغلظ عقوبة من الزنا، أو الزنا أغلظ عقوبة منه، أو عقوبتهما سواء؟ على ثلاثة أقوال:
فذهب أبو بكر الصديق وعلى بن أبي طالب وخالد بن الوليد وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس ومالك وإسحق بن راهويه والإمام أحمد في أصح الروايتين عنه والشافعي في أحد قوليه إلى أن عقوبته أغلظ من عقوبة الزنا، وعقوبته القتل على كل حال، محصنا كان أو غير محصن.
وذهب الشافعي في ظاهر مذهبه والإمام أحمد في الرواية الثانية عنه إلى أن عقوبته وعقوبة الزاني سواء.
وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن عقوبته دون عقوبة الزاني وهى التعزير".
إلى أن قال: "قال أصحاب القول الأول وهم جمهور الأمة وحكاه غير واحد إجماعا للصحابة رضي الله تعالى عنهم: ليس في المعاصى مفسدة أعظم من مفسدة اللواط وهى تلي مفسدة الكفر وربما كانت أعظم من مفسدة القتل كما سنبينه إن شاء الله تعالى.
قالوا: ولم يبتل الله تعالى بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحدا من العالمين، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أمة غيرهم، وجمع عليهم أنواعا من العقوبات من الإهلاك، وقلب ديارهم عليهم، والخسف بهم ورجمهم بالحجارة من السماء، وطمس أعينهم، وعذّبهم وجعل عذابهم مستمرا فنكّل بهم نكالا لم ينكّله بأمة سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عُملت عليها، وتهرب الملائكة عليهم السلام إلى أقطار السموات والأرض إذا شاهدوها خشية نزول العذاب على أهلها، فيصيبهم معهم، وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى وتكاد الجبال تزول عن أماكنها.
وقتل المفعول به خير له من وطئه، فإنه إذا وطأه الرجل قتله قتلا لا ترجي الحياة معه، بخلاف قتله فإنه مظلوم شهيد. قالوا: والدليل على هذا (يعني على أن مفسدة اللواط أشد من مفسدة القتل) أن الله سبحانه جعل حد القاتل إلى خيرة الولي إن شاء قتل وإن شاء عفى، وحتم قتل اللوطي حدا كما أجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصريحة التي لا معارض لها، بل عليها عمل أصحابه وخلفائه الراشدين رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
وقد ثبت عن خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه أنه وجد في بعض نواحي العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة، فكتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، فاستشار أبو بكر الصديق الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فكان على بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أشدهم قولا فيه، فقال: ما فعل هذا إلا أمة من الأمم واحدة وقد علمتم ما فعل الله تعالى بها. أرى أن يحرق بالنار، فكتب أبو بكر إلى خالد رضي الله تعالى عنهم فحرقه.
وقال عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: ينظر أعلى ما في القرية فيرمى اللوطي منها منكسا ثم يتبع بالحجارة.
وأخذ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هذا الحد من عقوبة الله تعالى للوطية قوم لوط عليه السلام.
وابن عباس رضي الله تعالى عنهما هو الذي روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» رواه أهل السنن وصححه ابن حبان وغيره، واحتج الإمام أحمد بهذا الحديث وإسناده على شرط البخاري.
قالوا: وثبت عنه أنه قال: (لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط) ولم يجىء عنه لعنة الزاني ثلاث مرات في حديث واحد ، وقد لعن جماعة من أهل الكبائر ، فلم يتجاوز بهم في اللعن مرة واحدة، وكرر لعن اللوطية فأكده ثلاث مرات، وأطبق أصحاب رسول الله على قتله لم يختلف منهم فيه رجلان، وإنما اختلفت أقوالهم في صفة قتله، فظن بعض الناس أن ذلك اختلاف منهم فى قتله، فحكاها مسألة نزاع بين الصحابه، وهي بينهم مسألة إجماع، لا مسألة نزاع.
قالوا : ومن تأمل قوله سبحانه : {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا} وقوله في اللواط: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} تبين له تفاوت ما بينهما، فإنه سبحانه نَكّرَ الفاحشة في الزنا، أي هو فاحشة من الفواحش، وعرّفها في اللواط وذلك يفيد أنه جامع لمعاني اسم الفاحشة، كما تقول: زيد الرجل، ونعم الرجل زيد، أي: أتأتون الخصلة التي استقر فحشها عند كل أحد، فهي لظهور فحشها وكماله غنيّة عن ذكرها، بحيث لا ينصرف الاسم إلى غيرها …" انتهى من (الجواب الكافي:ص 260- 263).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "وأما اللواط فمن العلماء من يقول: حده كحد الزنا، وقد قيل دون ذلك. والصحيح الذي اتفقت عليه الصحابة رضي الله تعالى عنهم: أن يقتل الاثنان الأعلى والأسفل. سواء كانا محصنين ، أو غير محصنين . فإن أهل السنن رووا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ، فاقتلوا الفاعل والمفعول به » وروى أبو داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (في البكر يوجد على اللواطية، قال: يرجم) ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه نحو ذلك. ولم تختلف الصحابة رضي الله تعالى عنهم في قتله، ولكن تنوعوا فيه، فروي عن الصديق رضي الله تعالى عنه أنه أمر بتحريقه، وعن غيره قتله.
وعن بعضهم: أنه يلقى عليه جدار حتى يموت تحت الهدم.
وقيل: يحبسان في أنتن موضع حتى يموتا.
وعن بعضهم: أنه يرفع على أعلى جدار في القرية، ويرمى منه، ويتبع بالحجارة، كما فعل الله تعالى بقوم لوط عليه السلام وهذه رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، والرواية الأخرى قال: يرجم، وعلى هذا أكثر السلف، قالوا: لأن الله تعالى رجم قوم لوط عليه السلام، وشرع رجم الزاني تشبيها برجم لوط، فيرجم الاثنان، سواء كانا حرين أو مملوكين، أو كان أحدهما مملوك الآخر، إذا كانا بالغين، فإن كان أحدهما غير بالغ عوقب بما دون القتل، ولا يرجم إلا البالغ" انتهى من (السياسة الشرعية: ص 138).
ثانيا:
المفعول به كالفاعل، لأنهما اشتركا في الفاحشة، فكان عقوبتهما القتل كما جاء في الحديث، لكن يستثنى من ذلك صورتان:
الأولى: من أكره على اللواط بضرب أو تهديد بالقتل ونحوه، فإنه لا حد عليه.
قال في (شرح منتهى الإرادات:3/348): "ولا حد إن أكره ملوط به على اللواط بإلجاءٍ بأن غلبه الواطئ على نفسه أو بتهديد بنحو قتل أو ضرب" انتهى بتصرف.
الثانية: إذا كان المفعول به صغيرا لم يبلغ، فإنه لا يحد، لكن يؤدب ويعزر بما يردعه عن اقتراف هذه الجريمة، كما سبق في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.
ونقل ابن قدامة رحمه الله تعالى في (المغني:9/62) أنه لا خلاف بين العلماء في أن الحد لا يُقام على المجنون ولا الصبيّ الذي لم يبلغ.
والله تعالى أعلى وأعلم.
الربا
الربا هو الزيادة في شيء مخصوص، وهو مشتق من الزيادة، ومنه قول الله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ} أي لا يزيد ولا يرتفع عند الله تعالى، وقوله {لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ} أي يكثر.
وأصله أن أهل الجاهلية كان إذا حلّ الدين على أحدهم طلبوا منه فقالوا: أعطنا المئة أو زدناها إلى مئة وخمسين. وإذا حلّت المئة وخمسين قالوا له: أعطنا المئة وخمسين أو جعلناها مئتين .. وهكذا.
وجاءت الشريعة بتحريم ربا آخر هو ربا الفضل وهو زيادة في أحد الجنسين إذا بيع أحدهما بالآخر. بحيث إذا بيع ذهب بذهب فإنه لا يجوز إلا مِثلا بمثل ويدا بيد، فاشترط فيه التقابض والتماثل فمن زاد أو استزاد فقد أربى، فإذا باع صاع بُر بصاعين ولو كان يدا بيد وقع في الربا.
الربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع القطعي، فمن استحله كان كافرا.
لأن القاعدة: أن من أنكر شيئاً أجمع العلماء عليه إجماعاً ظاهراً أنه كافر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
إن الإيمان بوجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة هو من أعظم أصول الإيمان، وقواعد الدين، والجاحد لها كافر بالاتفاق اهـ (مجموع الفتاوى:12/497).
وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
ومن اعتقد حل شيء أجمع على تحريمه وظهر حكمه بين المسلمين وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه كلحم الخنزير والزنى وأشباه ذلك مما لا خلاف فيه كَفَر اهـ (المغني:12/276).
وقال النووي رحمه الله تعالى:
فَأَمَّا الْيَوْم وَقَدْ شَاعَ دِينُ الْإِسْلَام وَاسْتَفَاضَ فِي الْمُسْلِمِينَ عِلْمُ وُجُوب الزَّكَاة حَتَّى عَرَفَهَا الْخَاصّ وَالْعَامّ، وَاشْتَرَكَ فِيهِ الْعَالِم وَالْجَاهِل، فَلَا يُعْذَر أَحَد بِتَأْوِيلِ يَتَأَوَّلهُ فِي إِنْكَارهَا. وَكَذَلِكَ الْأَمْر فِي كُلّ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِمَّا أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَيْهِ مِنْ أُمُور الدِّين إِذَا كَانَ عِلْمه مُنْتَشِرًا كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْس وَصَوْم شَهْر رَمَضَان وَالاغْتِسَال مِنْ الْجَنَابَة وَتَحْرِيم الزِّنَا وَالْخَمْر وَنِكَاح ذَوَات الْمَحَارِم وَنَحْوهَا مِنْ الْأَحْكَام إِلَّا أَنْ يَكُون رَجُلًا حَدِيث عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَلَا يَعْرِف حُدُوده فَإِنَّهُ إِذَا أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْهَا جَهْلًا بِهِ لَمْ يَكْفُر . . . فَأَمَّا مَا كَانَ الْإِجْمَاع فِيهِ مَعْلُومًا مِنْ طَرِيق عِلْم الْخَاصَّة كَتَحْرِيمِ نِكَاح الْمَرْأَة عَلَى عَمَّتهَا وَخَالَتهَا، وَأَنَّ الْقَاتِل عَمْدًا لَا يَرِث وَأَنَّ لِلْجَدَّةِ السُّدُس، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَام فَإِنَّ مَنْ أَنْكَرَهَا لا يَكْفُر، بَلْ يُعْذَر فِيهَا لِعَدَمِ اِسْتِفَاضَة عِلْمهَا فِي الْعَامَّة اهـ .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: (حكم الربا: أنه محرم بالقرآن والسنة وإجماع المسلمين. ومرتبته: أنه من كبائر الذنوب ؛ لأن الله تعالى قال : {ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} ، وقال الله تعالى: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله}؛ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه فهو من أعظم الكبائر.
وهو مجمع على تحريمه، ولهذا من أنكر تحريمه ممن عاش في بيئة مسلمة فإنه مرتد؛ لأن هذا من المحرمات الظاهرة المجمع عليها.
ولكن إذا قلنا هذا ، هل معناه أن العلماء أجمعوا على كل صورة؟ الجواب: لا، فقد وقع خلاف في بعض الصور، وهذا مثل ما قلنا في أن الزكاة واجبة بالإجماع، ومع ذلك ليس الإجماع على كل صورة، فاختلفوا في الإبل والبقر العوامل (التي تستخدم في الحرث والسقي)، واختلفوا في الحلي وما أشبه ذلك، لكن في الجملة العلماء مجمعون على أن (الربا حرام بل من كبائر الذنوب) انتهى من (الشرح الممتع على زاد المستقنع:8/387)
وعلى هذا فيقال:
من أنكر تحريم الربا فهو كافر لأن تحريمه من الأمور التي دلت النصوص عليها، وأجمع العلماء على تحريمه إجماعا ظاهراً وانتشر ذلك بين المسلمين.
لكن إذا أنكر تحريم صورة من صور الربا والتي وقع الخلاف فيها بين العلماء أو لم يكن الإجماع على تحريمها ظاهراً فهذا لا يكفر بل ينظر في حاله فقد يكون مجتهداً مأجوراً على اجتهاده، وقد يكون معذوراً، وقد يكون فاسقاً إذا كان استحلاله لها اتباعاً للهوى .
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
الزنا
دلت النصوص من الكتاب والسنة على أن الزنا من كبائر الذنوب :
قال الله تعالى : {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء:32]
وروى البخاري (5578) ومسلم (57) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» .
وقد جعل الله تعالى مجانبة هذه البلايا والخبائث شرطا في تكفير السيئات ورفع الدرجات ، قال الله تعالى : « إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً » [النساء:31].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ» رواه مسلم (233) .
ثانيا:
والزنا من أعظم الكبائر؛ فإن الله تعالى قرن ذكره بعبادة الأصنام وقتل النفس ، فقال الله تعالى: «وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ» [الفرقان:68].
ولأنه مع كونه كبيرة بالنظر إلى حق الله تعالى، فهو اعتداء على أعز وأشرف ما يملك العبد، وهو عرضه، مع ما يترتب عليه من المفاسد العظام، والشرور الجسام، والتلطخ بأوضار العار، وقد يستمر ذلك مد الزمان، فتتوارثه الأجيال وراء الأجيال – عياذا بالله تعالى - .
قال المنذري رحمه الله تعالى:
"وقد صح أن مدمن الخمر إذا مات لقي الله كعابد وثن، ولا شك أن الزنا أشد وأعظم عند الله من شرب الخمر" انتهى .
(الترغيب والترهيب:3 / 190)
وقال السفاريني رحمه الله تعالى:
" الزِّنَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ وَالْقَتْلِ " انتهى ملخصا .
(غذاء الألباب:2 / 305)
ولذلك كان حد الزنا أشد من حد شرب الخمر، وخاصة إذا كان الزاني محصنا.
أنواع الزنا
ليس الزنا هو فقط زنا الفرْج، بل هناك زنا اليد وهو اللمس المحرَّم، وزنا العين وهو النظر المحرَّم، وإن كان زنا الفرْج هو الذي يترتب عليه الحد.
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنَّى وتشتهي، والفرْج يصدق ذلك كله ويكذبه» . رواه البخاري ( 588) ومسلم ( 265).
ولا يحل للمسلم أن يستهين بمقدمات الزنا كالتقبيل والخلوة والملامسة والنظر فهي كلها محرّمات، وهي تؤدي إلى الفاحشة الكبرى وهي الزنا .
قال الله تعالى: {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً} [الإسراء:32] .
والنظرة المحرمة سهم من سهام الشيطان، تنقل صاحبها إلى موارد الهلكة، وإن لم يقصدها في البداية ولهذا قال الله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون . وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} ]النور:30-31].
فتأمل كيف ربط الله تعالى بين غض البصر وبين حفظ الفرج في الآيات، وكيف بدأ بالغض قبل حفظ الفرج لأن البصر رائد القلب .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله تعالى - :
أمر الله سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار، وحفظ الفروج، وما ذاك إلا لعظم فاحشة الزنا وما يترتب عليها من الفساد الكبير بين المسلمين، ولأن إطلاق البصر من وسائل مرض القلب ووقوع الفاحشة ، وغض البصر من أسباب السلامة من ذلك، ولهذا قال الله سبحانه: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون}، فغض البصر وحفظ الفرج أزكى للمؤمن في الدنيا والآخرة، وإطلاق البصر والفرج من أعظم أسباب العطب والعذاب في الدنيا والآخرة، نسأل الله تعالى العافية من ذلك.
وأخبر عز وجل أنه خبير بما يصنعه الناس، وأنه لا يخفى عليه خافية، وفي ذلك تحذير للمؤمن من ركوب ما حرم الله عليه، والإعراض عما شرع الله تعالى له، وتذكير له بأن الله سبحانه يراه ويعلم أفعاله الطيبة وغيرها. كما قال الله تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} [غافر:19].
انتهى من (التبرج وخطره).
فعلى المسلم أن يتقي الله تعالى ربَّه في السر والعلن، وأن يبتعد عما حرَّمه الله سبحانه عليه من الخلوة والنظر والمصافحة والتقبيل وغيرها من المحرَّمات والتي هي مقدمات لفاحشة الزنا.
ولا يغتر العاصي بأنه لن يقع في الفاحشة وأنه سيكتفي بهذه المحرمات عن الزنا، فإن الشيطان لن يتركه. وليس في هذه المعاصي كالقبلة ونحوها حد لأن الحد لا يجب إلا بالجماع (الزنى)، ولكن يعزره الحاكم ويعاقبه بما يردعه وأمثاله عن هذه المعاصي.