المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من تشبه بفوم فهو منهم


عبدالله الأحد
2025-01-11, 21:25
ضوابط التشبّه بالكفار
ما هي حدود التشبه بالغرب؟ هل كل ما هو حديث وجديد ويأتينا من الغرب فهو تشبه بهم؟ بمعنى آخر : كيف نطلق الحكم على شيء ما بأنه محرم لأنه تشبه بالكفار؟

ملخص الجواب
ضوابط التشبه بأهل الكتاب في الأمور الدنيوية: 1- أن لا يكون هذا من تقاليدهم وشعارهم التي يميّزون بها. 2- أن لا يكون ذلك الأمر من شرعهم ويثبت ذلك أنه من شرعهم بنقل موثوق به. 3- أن لا يكون في شرعنا بيان خاص لذلك. 4- أن لا تؤدي هذه الموافقة إلى مخالفة أمر من أمور الشريعة. 5- أن لا تكون الموافقة في أعيادهم. 6- أن تكون الموافقة بحسب الحاجة المطلوبة ولا تزيد عنها.
الجواب


تحريم التشبه بالكفار
أقسام التشبه بالكفار
ضوابط التشبه بأهل الكتاب في الأمور الدنيوية
الحمد لله.

تحريم التشبه بالكفار
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ رواه أبو داود (اللباس/3512) قال الألباني رحمه الله في "صحيح أبي داود": "حسن صحيح" برقم (3401).

قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَالْعَلْقَمِيّ: أَيْ تَزَيَّى فِي ظَاهِره بِزِيِّهِمْ، وَسَارَ بِسِيرَتِهِمْ وَهَدْيهمْ فِي مَلْبَسهمْ وَبَعْض أَفْعَالهمْ اِنْتَهَى. وَقَالَ الْقَارِي: أَيْ مَنْ شَبَّهَ نَفْسه بِالْكُفَّارِ مَثَلا مِنْ اللِّبَاس وَغَيْره، أَوْ بِالْفُسَّاقِ أَوْ الْفُجَّار أَوْ بِأَهْلِ التَّصَوُّف وَالصُّلَحَاء الأَبْرَار فَهُوَ مِنْهُمْ: أَيْ فِي الإِثْم وَالْخَيْر.

قَالَ شَيْخ الإِسْلام اِبْن تَيْمِيَّةَ فِي "الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم": وَقَدْ اِحْتَجَّ الإِمَام أَحْمَد وَغَيْره بِهَذَا الْحَدِيث، وَهَذَا الْحَدِيث أَقَلّ أَحْوَاله أَنْ يَقْتَضِيَ تَحْرِيم التَّشَبُّه بِهِمْ كَمَا فِي قَوْله: مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ المائدة/51، وَهُوَ نَظِير قَوْل عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ بَنَى بِأَرْضِ الْمُشْرِكِينَ وَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمِهْرَجَانَهمْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوت حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة" فَقَدْ يُحْمَل هَذَا عَلَى التَّشَبُّه الْمُطْلَق فَإِنَّهُ يُوجِب الْكُفْر، وَيَقْتَضِي تَحْرِيم أَبْعَاض ذَلِكَ، وَقَدْ يُحْمَل عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ فِي الْقَدْر الْمُشْتَرَك الَّذِي يُشَابِههُمْ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ كُفْرًا أَوْ مَعْصِيَة أَوْ شِعَارًا لَهَا كَانَ حُكْمه كَذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ التَّشَبُّه بِالأَعَاجِمِ، وَقَالَ: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى. وَبِهَذَا اِحْتَجَّ غَيْر وَاحِد مِنْ الْعُلَمَاء عَلَى كَرَاهَة أَشْيَاء مِنْ زِيّ غَيْر الْمُسْلِمِينَ. أهـ. انظر "عون المعبود شرح سنن أبي داود".

أقسام التشبه بالكفار
والتشبه بالكفار على قسمين:

تشبه محرَّم، وتشبه مباح.

القسم الأول: التشبه المحرّم: وهو فعل ما هو من خصائص دين الكفار مع علمه بذلك، ولم يرد في شرعنا.. فهذا محرّم، وقد يكون من الكبائر، بل إن بعضه يصير كفراً بحسب الأدلة.

سواء فعله الشخص موافقة للكفار، أو لشهوة، أو شبهة تخيل إليه أنّ فعله نافع في الدنيا والآخرة.

فإن قيل هل من عمل هذا العمل وهو جاهل يأثم بذلك، كمن يحتفل بعيد الميلاد؟

الجواب: الجاهل لا يأثم لجهله، لكنه يعلّم، فإن أصر فإنه يأثم.

القسم الثاني: التشبه الجائز: وهو فعل عمل ليس مأخوذاً عن الكفار في الأصل، لكن الكفار يفعلونه أيضاً. فهذا ليس فيه محذور المشابهة لكن قد تفوت فيه منفعة المخالفة.

ضوابط التشبه بأهل الكتاب في الأمور الدنيوية
"التشبه بأهل الكتاب وغيرهم في الأمور الدنيوية لا يباح إلا بشروط:

1- أن لا يكون هذا من تقاليدهم وشعارهم التي يميّزون بها.

2- أن لا يكون ذلك الأمر من شرعهم ويثبت ذلك أنه من شرعهم بنقل موثوق به، مثل أن يخبرنا الله تعالى في كتابه أو على لسان رسوله أو بنقل متواتر مثل سجدة التحية الجائزة في الأمم السابقة.

3- أن لا يكون في شرعنا بيان خاص لذلك، فأما إذا كان فيه بيان خاص بالموافقة أو المخالفة استغنى عن ذلك بما جاء في شرعنا.

4- أن لا تؤدي هذه الموافقة إلى مخالفة أمر من أمور الشريعة.

5- أن لا تكون الموافقة في أعيادهم.

6- أن تكون الموافقة بحسب الحاجة المطلوبة ولا تزيد عنها" انظر: "كتاب السنن والآثار في النهي عن التشبه بالكفار" لسهيل حسن (ص 58- 59).

والله أعلم.

إسلام سؤال

عبدالله الأحد
2025-01-11, 21:56
الحمد لله.


جاء التشريع بتحريم تشبه المسلمين بالكفار ، سواء في عباداتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم .
وهذه قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية ، خرج عنها اليوم - مع الأسف - كثير من المسلمين ، جهلاً بدينهم ، أو اتباعاً لأهوائهم ، أو انجرافاً مع العادات والتقاليد المخالفة للشرع.
ومن العجيب أن هذا الأصل ـ الذي يجهله كثير من المسلمين اليوم ـ قد عرفه اليهود الذين كانوا في المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، عرفوا أنه صلى الله عليه وسلم يريد أن يخالفهم في كل شؤونهم الخاصة بهم .
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه : ( أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا ، وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ).. إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ ، فَقَالُوا : مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ ) رواه مسلم (302) .
وأدلة هذه القاعدة كثيرة في الكتاب والسنة .
أما أدلة القرآن الكريم ، فمنها :
1. قول الله تعالى : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ . وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنْ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ . ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) الجاثية/16-18 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"أخبر سبحانه أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم الدين والدنيا ، وأنهم اختلفوا بعد مجيء العلم بغياً من بعضهم على بعض ، ثم جعل محمداً صلى الله عليه وسلم على شريعة من الأمر ، شرعها له ، وأمره باتباعها ، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون ، وقد دخل في ( الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) كل من خالف شريعته ، و( أهواؤهم ) هي ما يهوونه ، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر الذي هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع ذلك فهم يهوونه ، وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه ، ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في بعض أمورهم ، ويسرون به ، ويودون أن لو بذلوا مالاً عظيماً ليحصل ذلك" انتهى .
ومثل هذه الآية في الاستدلال ، قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنْ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ . وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ) الرعد/36 ، 37 .
فمتابعتهم والتشبه بهم فيما يختصون به هو من اتباع أهوائهم .
2. قول الله تعالى : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) الحديد/16 .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
" فقوله : (ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب) نهي مطلق عن مشابهتهم ، وهو خاص أيضاً في النهي عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم ، وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي" انتهى .
وقال ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية (4/396) : "ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية " انتهى .
3. قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) البقرة/104 .
قال ابن كثير رحمه الله (1/197) : " نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم ، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص ، عليهم لعائن الله ، فإذا أرادوا أن يقولوا : اسمع لنا قالوا : راعنا ، ويورون بالرعونة ، كما قال تعالى : ( مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ) النساء/46 .
وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم بأنهم كانوا إذا سلموا إنما يقولون : ( السام عليكم ) والسام هو الموت ، ولهذا أمرنا أن نرد عليهم بـ ( وعليكم ) وإنما يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم علينا ، والغرض أن الله تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولاً وفعلاً " انتهى .
فهذه الآيات ـ وغيرها مما لم نذكره ـ تبين أن ترك التشبه بالكفار في أعمالهم وأقوالهم وأهوائهم من المقاصد والغايات التي جاء بها القرآن الكريم .
وأما أدلة السنة على هذه القاعدة ، فهي كثيرة جداً ، منها :
1. عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ) رواه أبو داود (4031) .
وصحح إسناده العراقي في تخريج الإحياء (1/342) ، وحسنه الحافظ في الفتح (10/222) ، والألباني في كتاب "حجاب المرأة المسلمة" (ص203) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم ، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبِّه بهم ، كما في قوله : ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) .
فقد يحمل هذا على التشبه المطلق فإنه يوجب الكفر ، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك ، وقد يحمل على أنه صار منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه ، فإن كان كفراً أو معصية أو شعاراً للكفر أو للمعصية كان حكمه كذلك .
وبكل حال ، فهو يقتضي تحريم التشبه بهم بعلة كونه تشبهاً [ أي : تحريم التشبه بهم من أجل أنه تشبه ، لا لسبب آخر ] " انتهى .
2. روى أبو داود (652) عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَالِفُوا الْيَهُودَ ، فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا خِفَافِهِمْ ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وهذا يدل على أن مخالفة اليهود أمر مقصود في الشرع .
3. عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ ، فَقَالَ : ( إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا ) رواه مسلم (2077) .
فعلَّل الرسول صلى الله عليه وسلم النهي عن لبس هذه الثياب بأنها من لباس الكفار .
4. عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ ، أَحْفُوا الشَّوَارِبَ ، وَأَوْفُوا اللِّحَى ) رواه مسلم (259) .
فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمخالفة المشركين أمراً مطلقاً ، ثم ذكر من ذلك : قص الشوارب ، وإعفاء اللحي .
5. عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ ) رواه البخاري (3462) ومسلم (2103) .
وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( غَيِّرُوا الشَّيْبَ ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى ) رواه أحمد (7492) ، وقال الألباني في "حجاب المرأة المسلمة (ص189) : " إسناده حسن " انتهى .
وهذا الحديث أدل على الأمر بمخالفتهم ، والنهي عن مشابهتهم ؛ لأن بياض الشيب ليس من فعلنا ، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم إبقاءه وعدم تغييره من التشبه باليهود والنصارى ، وقد نهى عن ذلك ، فلأن ينهى عن إحداث التشبه بهم أولى .
6. عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ : ( اهْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلَاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا ، فَقِيلَ لَهُ : انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ ، قَالَ : فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ (يعني : البوق) ، فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ ، وَقَالَ : هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ ، قَالَ : فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ ، فَقَالَ : هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى ، فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأُرِيَ الْأَذَانَ فِي مَنَامِهِ ) رواه أبو داود (498) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
فعَّلل النبي صلى الله عليه وسلم كراهته للبوق بأنه من أمر اليهود ، وكراهته للناقوس بأنه من أمر النصارى ، وهذا يقتضي نهيه عما هو من أمر اليهود والنصارى .
7. عن عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ رضي الله عنه قال : ( قلت : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ ، وَأَجْهَلُهُ ، أَخْبِرْنِي عَنْ الصَّلَاةِ ، قَالَ : صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، حَتَّى تَرْتَفِعَ ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ) رواه مسلم (832) .
قال شيخ الإسلام بن تيمية :
"فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت الغروب معللاً ذلك النهي بأنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان ، وأنه حينئذ يسجد لها الكفار .
ومعلوم أن المؤمن لا يقصد السجود إلا لله تعالى ، وأكثر الناس قد لا يعلمون أن طلوعها وغروبها بين قرني شيطان ، ولا أن الكفار يسجدون لها ، ثم إنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في هذا الوقت حسماً لمادة المشابهة بكل طريق ..... وكان فيه تنبيه على أن كل ما يفعله المشركون من العبادات ونحوها مما يكون كفراً أو معصية بالنية ، ينهى المؤمنون عن ظاهره وإن لم يقصدوا به قصد المشركين ، سداً للذريعة ، وحسماً للمادة" انتهى .
8. وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال : حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ) ، قَالَ : فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رواه مسلم (1134) .
فعزم الرسول صلى الله عليه وسلم على مخالفة اليهود والنصارى بصيام يوم آخر مع يوم عاشوراء .
ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنها : (صوموا التاسع والعاشر ، خالفوا اليهود) أخرجه البيهقي ، وصححه الألباني في "حجاب المرأة المسلمة" (ص177) .
فهذه بعض الأدلة من الكتاب والسنة على النهي عن التشبه بالمشركين ، والأمر بمخالفتهم ، وهذا يدل على أن ذلك من مقاصد الشريعة الإسلامية ، فعلى المسلمين أن يراعوا ذلك في شؤونهم كلها .
وقد اختصرنا هذا البحث من كتاب اقتضاء الصراط المستقيم ، فمن أراد التوسع فليرجع إليه ، فإنه لم يؤلف في هذا الموضوع مثله .
وانظر كتاب "حجاب المرأة المسلمة" للألباني رحمه الله (ص161-212) .
والله أعلم .

اسلام سؤال

عبدالله الأحد
2025-01-11, 21:57
حَرَص الإسلامُ على تميُّزِ المسلِمينَ عن غَيرِهم حتَّى في المظهَرِ العامِّ، سواءٌ على مستوى الفَردِ أو المجتَمَعِ ككُلٍّ، فحَفَل الكِتابُ والسُّنَّةُ بأدِلَّةٍ كثيرةٍ حَولَ مَسألةِ النَّهيِ عن التشَبُّهِ بالكُفَّارِ ومُسايَرتِهم، فهذا التشَبُّهُ الظَّاهِريُّ له أثَرُه الذي قد يمتَدُّ إلى مُوافَقتِهم فيما هو أشَدُّ مِن اعتِقاداتٍ وتَشريعاتٍ ونحوِ ذلك.
قال اللهُ تعالى: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يونس: 104، 105].
قال الغزِّيُّ: (هذه الآيةُ أصلٌ عَظيمٌ في الأمرِ بالتشَبُّهِ بالمؤمِنينَ، والنَّهيِ عن التشَبُّهِ بالمُشرِكينَ، والشِّرْكُ المتَّصِفونَ به شامِلٌ للشِّركِ الأكبَرِ، والشِّرْكِ الأصغَرِ الشَّامِلِ لسائِرِ المعاصي) .
وقال أيضًا: (التشَبُّهُ عِبارةٌ عن مُحاوَلةِ الإنسانِ أن يكونَ شَبَهَ المتشَبَّهِ به، وعلى هَيئتِه وحِلْيَتِه، ونَعْتِه وصِفَتِه، أو هو عِبارةٌ عن تكَلُّفِ ذلك وتقَصُّدِه وتعَمُّلِه) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (المشارَكةُ في الهَدْيِ الظَّاهِرِ تُورِثُ تناسُبًا وتَشاكُلًا بيْن المتشابهِينَ، يقودُ إلى موافَقةِ ما في الأخلاقِ والأعمالِ، وهذا أمرٌ مَحسوسٌ... المشابَهةُ في الظَّاهِرِ تُورِثُ نَوعَ مَودَّةٍ ومَحَبَّةٍ ومُوالاةٍ في الباطِنِ، كما أنَّ المَحَبَّةَ في الباطِنِ تُورِثُ المُشابَهةَ في الظَّاهِرِ، وهذا أمرٌ يَشهَدُ به الحِسُّ والتَّجرِبةُ) .
قال محمَّدُ بنُ إبراهيمَ آل الشيخ: (اعلَمْ أنَّ التشَبُّهَ بالكُفَّارِ يكونُ بمُجَرَّدِ عَمَلِ ما يَعمَلونَ، قَصَدَ المشابهةَ أوْ لا. قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ ابنُ تَيميَّةَ رحمه اللهُ: وقد نهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الصَّلاةِ عِندَ طُلوعِ الشَّمسِ وعِندَ غُروبِها مُعَلِّلًا ذلك النَّهيَ بأنَّها تَطلُعُ وتَغرُبُ بيْن قَرْنَيْ شَيطانٍ، وحينَئذٍ يَسجُدُ لها الكُفَّارُ. ومعلومٌ أنَّ المؤمِنَ لا يَقصِدُ السُّجودَ إلَّا للهِ، وأكثَرُ النَّاسِ قد لا يَعلَمونَ أنَّ طُلوعَها وغُروبَها بَيْنَ قَرْنَي شَيطانٍ، ولا أنَّ الكُفَّارَ يَسجُدونَ لها، ثمَّ إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عن الصَّلاةِ في ذلك؛ حَسْمًا لمادَّةِ المُشابَهةِ مِن كُلِّ طَريقٍ) .
وقال ابنُ باز: (الواجِبُ على المؤمِنينَ والمُسلِمينَ أن يَبتَعِدوا عن التشَبُّهِ بأعداءِ اللهِ في جميعِ الأُمورِ، وأن يَستَقِلُّوا بأنفُسِهم في جميعِ أُمورِهم؛ حتَّى يتمَيَّزوا عن عَدُوِّهم، وحتَّى يُعرَفوا أينما كانوا بزِيِّهم وطرائِقِهم وعاداتِهم الإسلاميَّةِ، وأعمالِهم الإسلاميَّةِ.
لكِنْ لو وُجِدَ شَيءٌ مُشتَرَكٌ، فعَلَه المسلِمونَ والكافِرونَ، فلا يُسَمَّى هذا تشَبُّهًا... فالأمورُ التي للمسلِمينَ فيها نَفعٌ يجوزُ لهم أن يأخُذوها مِن عَدُوِّهم، ولا يُسَمَّى تشَبُّهًا؛ لِما فيه من الإعدادِ والنَّفعِ العامِّ للمُسلِمينَ، وهكذا الأشياءُ التي اشتَرَك فيها المُسلِمونَ، وصارت من عادةِ الجَميعِ لا يكونُ فيها تشَبُّهٌ، وإنَّما التَّشَبُّهُ يكونُ فيما اختَصُّوا به، وصار من زِيِّهم الخاصِّ، المقصودُ أنَّ الأشياءَ التي فيها نَفعٌ لنا، ولا يختَصُّ فيها المُشرِكونَ، أمَّا ما كان خاصًّا بالمُشرِكينَ، ليس لنا فيه نَفعٌ، لا نتزَيَّنُ به، لكِنَّ الذي فيه نَفعٌ نأخُذُه منهم، ونحتَجُّ بقَولِه تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة [الأنفال: 60]، والله سُبحانَه يَقولُ: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف: 32] ، والحَذَر مِن أُمورِ الدِّينِ التي هي من زِيِّهم وأخلاقِهم، وليست من دِينِنا، وإذا كان مِن دِينِنا نَستَعمِلُه، ولو تشَبَّهوا بنا فيه، ولو شارَكونا، كما لو أجمَعوا على إرخاءِ اللِّحَى، نُرخِيها نحن، ولو أَرْخَوها، لا نخالِفُهم في ذلك، بل نُرْخِيها؛ لأنَّنا مأمورونَ بإرخائِها، وهكذا لو بَنَوا المساجِدَ، وصَلَّوا في المساجِدِ، لا نَهدِمُ مَساجِدَنا، ما كان مِن دينِنا نَلزَمُه ولو شاركونا فيه، وكذلك الأنظِمةُ التي تنفَعُنا نأخُذُ بها، كنِظامِ المرورِ والشُّرطةِ، ونظامِ كذا وكذا، الذي ينفَعُ الأُمَّةَ) .
وقال ابنُ عثيمين: (التَّشَبُّهُ أن يأتيَ الإنسانُ بما هو من خَصائِصِهم بحيثُ لا يشارِكُهم فيه أحَدٌ، كلِباسٍ لا يَلبَسُه إلَّا الكُفَّارُ، فإن كان اللِّباسُ شائِعًا بيْن الكُفَّارِ والمُسلِمينَ فليس تشَبُّهًا، لكِنْ إذا كان لباسًا خاصًّا بالكُفَّارِ، سواءٌ كان يَرمُزُ إلى شَيءٍ دِينيٍّ، كلِباسِ الرُّهبانِ، أو إلى شَيءٍ عاديٍّ لكِنْ مَن رآه قال: هذا كافِرٌ بناءً على لباسِه، فهذا حرامٌ) .
وهناك عددٌ مِن الأدِلَّةِ التي يمكِنُ الاستِدلالُ بها على النَّهيِ عن التَّشَبُّهِ بالكُفَّارِ.
فمِنَ القُرآنِ:
1- قَولُ اللهِ تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ [الجاثية: 18-19] .
2- قَولُ اللهِ سُبحانَه: وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ [المائدة: 49] .
ومِنَ السُّنَّةِ:
1- ما جاء عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن كانَ قَبْلَكم، شِبْرًا شِبْرًا وذِراعًا بذِراعٍ، حتَّى لو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُموهم))، قُلْنا: يا رَسولَ اللَّهِ، اليَهُودُ والنَّصارَى؟ قال: ((فمَن؟)) .
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَأخُذَ أُمَّتي بأَخْذِ القُرُونِ قَبْلَها، شِبْرًا بشِبْرٍ وذِراعًا بذِراعٍ))، فقِيلَ: يا رَسولَ اللَّهِ، كَفارِسَ والرُّومِ؟ فقالَ: (( ومَنِ النَّاسُ إلَّا أُولَئِكَ؟ )) .
قال المناويُّ: (أي: لتتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبلَكم اتِّباعًا شِبرًا مُتلَبِّسًا بشِبرٍ، وذِراعًا متلَبِّسًا بذراعٍ، وهو كنايةٌ عن شِدَّةِ الموافَقةِ لهم في المخالَفاتِ والمعاصي لا الكُفْرِ، ثمَّ إنَّ هذا لَفظٌ خَبَرٌ مَعناه النَّهيُ عن اتِّباعِهم، ومَنْعُهم من الالتِفاتِ لغيرِ دِينِ الإسلامِ؛ لأنَّ نُورَه قد بَهَر الأنوارَ، وشِرعَتَه نسَخَت الشَّرائِعَ، وذا مِن مُعجِزاتِه، فقد اتَّبَع كثيرٌ مِن أمَّتِه سَنَنَ فارِسَ في شِيَمِهم ومَراكِبِهم ومَلابِسِهم، وإقامةِ شِعارِهم في الحُروبِ وغَيرِها، وأهلِ الكِتابَينِ في زَخْرفةِ المساجِدِ، وتعظيمِ القُبورِ، حتَّى كاد أن يَعبُدَها العوامُّ، وقَبولِ الرِّشَا، وإقامةِ الحُدودِ على الضُّعَفاءِ دونَ الأقوياءِ، وتَرْكِ العَمَلِ يومَ الجُمُعةِ، والتَّسليمِ بالأصابِعِ... إلى غيرِ ذلك ممَّا هو أشنَعُ وأبشَعُ) .
3- عن أبي واقِدٍ اللَّيثيِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّهم خَرَجوا عن مكَّةَ مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى حُنَينٍ، وكان للكُفَّارِ سِدرةٌ يَعكُفونَ عِندَها، ويُعَلِّقونَ بها أسلِحَتَهم، يُقالُ لها: ذاتُ أنواطٍ، فمَرَرْنا بسِدرةٍ خَضْراءَ عظيمةٍ، فقُلْنا: يا رَسولَ اللهِ، اجعَلْ لنا ذاتَ أنواطٍ كما لهم ذاتُ أنواطٍ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قُلْتُم -والذي نفسي بيَدِه- كما قال قَومُ موسى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف: 138] ، إنَّها السُّنَنُ، لتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَن كان قَبْلَكم سُنَّةً سُنَّةً)) .
قال نَجمُ الدِّينِ الغزِّيُّ ذاكِرًا أخلاقَ الجاهليَّةِ: (منها: تعظيمُ شَجَرةٍ مخصوصةٍ، أو بُقعةٍ مَخصوصةٍ، أو حَجَرٍ مَخصوصٍ لم يعظِّمْه الشَّرعُ الشَّريفُ. وهذا يتَّفِقُ لعوامِّ المُسلِمينَ في سائرِ البِلادِ، فرُبَّما تَبَرَّكوا بشَجَرةٍ فعلَّقوا عليها خِرَقًا من أثوابِهم، وربَّما طافوا بها وتمَسَّحوا، وربَّما عَظَّموا بعضَ القُبورِ والمَشاهِدِ، وعَكَفوا عليها في بَعضِ الأيَّامِ واللَّيالي، ورُبَّما تمَسَّحوا بالسُّتورِ المعَلَّقةِ عليها) .
والأحاديثُ الوارِدةُ في الإخبارِ عن اتِّباعِ كثيرٍ مِنَ الأمَّةِ سُنَنَ الأُمَمِ الماضيةِ خرَجَتَ مخرجَ الخَبَرِ عن وقوعِ ذلك، وذَمًّا لمُشابَهةِ اليَهودِ والنَّصارى، وفارِسَ والرُّومِ، وذلك قد ورد مُفَصَّلًا في عدَدٍ مِن الأبوابِ الاعتِقاديَّةِ والعَمَليَّةِ.
ومن ذلك الرَّهبانيَّةُ التي ابتَدَعَها النَّصارى:
قال اللهُ تعالى: ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد: 27] .
قال علي القاري في شَرحِ هذا الحَديثِ: ( ... (ورهبانيَّةً): نُصِبَ بفِعلٍ يُفَسِّرُه ما بَعْدَه، أي: ابتَدَعوا رهبانيَّةً (ابتَدَعوها) يُقالُ: ابتَدَع: إذا أتى بشَيءٍ بَديعٍ، أي: جديدٍ لم يفعَلْه قَبْلَه أحدٌ، (ما كتَبْناها) أي: ما فرَضْنا تلك الرَّهبانيَّةَ (عليهم): مِن تَرْكِ التلَذُّذِ بالأطعِمةِ، وتَرْكِ التزَوُّجِ، والاعتزالِ عن النَّاسِ، والتوطُّنِ في رُؤوسِ الجِبالِ، والمواضِعِ البَعيدةِ عن العُمرانِ... قال تعالى: فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا [الحديد: 27] أي: لم يَرْعَوا الرَّهبانيَّةَ حَقَّ رِعايتِها، وضَيَّعوا وكَفَروا بدينِ عيسى... ودَخَلوا في دينِ مُلوكِهم، وتركُوا الترَهُّبَ، وأقام منهم أناسٌ على دينِ عيسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، حتَّى أدركوا محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فآمَنوا به، فذلك قَولُه عزَّ وجَلَّ: فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد: 27] ) .
وعن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وقَارِبُوا، وأَبْشِرُوا، واسْتَعِينُوا بالغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ وشيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ))
ومن الأَمثِلةِ على ذلك أيضًا المَنهِيَّاتُ الواردةُ في شأنِ الصَّلاةِ مِن أجْلِ تحقيقِ مُخالَفةِ الكُفَّارِ والمُشرِكينَ.
- فمِنها ما يتعَلَّقُ بالنِّداءِ للصَّلاةِ، كما جاء عن أبي عُمَيرِ بنِ أنَسٍ عن عُمومةٍ له من الأنصارِ قالوا: ((اهتَمَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للصَّلاةِ كيف يَجمَعُ النَّاسَ لها؟ فقيل له: انصِبْ رايةً عند حُضورِ الصَّلاةِ، فإذا رأوها آذَنَ بَعضُهم بعضًا، فلم يُعِجْبه ذلك، قال: فذُكِرَ له القُنْعُ -شَبُّورُ اليهودِ-، فلم يُعجِبْه ذلك، وقال: هو مِن أمرِ اليَهودِ، فذُكِرَ له النَّاقوسُ، قال: هو مِن أمرِ النَّصارى، فانصرف عبدُ اللهِ بنُ زيدِ بنِ عبدِ رَبِّه، وهو مهتَمٌّ لِهَمِّ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأُرِيَ الأذانَ في مَنامِه، فغدا على رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأخبَرَه، فقال: يا رَسولَ اللهِ: إنِّي لبَيْنَ نائمٍ ويَقْظانَ، إذ أتاني آتٍ، فأَراني الأذانَ، قال: وكان عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه قد رآه قبل ذلك، فكتَمَه عِشرينَ يومًا، ثمَّ أخبَرَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال له: ما منَعَك أن تخبِرَني؟! فقال: سبَقَني عبدُ اللهِ بنُ زَيدٍ، فاستحيَيْتُ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا بِلاُل، قمْ فانظُرْ ما يأمُرُك به عبدُ اللهِ بنُ زَيدٍ فافعَلْه. قال: فأذَّنَ بلِالٌ)) .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (هذا يقتضي كراهةَ هذا النَّوعِ مِنَ الأصواتِ مُطلَقًا في غيرِ الصَّلاةِ أيضًا؛ لأنَّه مِن أمْرِ اليَهودِ والنَّصارى؛ فإنَّ النَّصارى يَضرِبونَ بالنَّواقيسِ في أوقاتٍ مُتعَدِّدةٍ، غيرِ أوقاتِ عِباداتِهم، وإنَّما شِعارُ الدِّينِ الحَنيفِ الأذانُ المتضَمِّنُ للإعلانِ بذِكرِ اللهِ، الذي به تُفتَحُ أبوابُ السَّماءِ، فتَهرُبُ الشَّياطينُ، وتَنزِلُ الرَّحمةُ) .
- ومنها ما يتعَلَّقُ بهَيئةِ الصَّلاةِ:
فعن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال: اشْتَكَى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَصَلَّينا ورَاءَه وهو قَاعِدٌ، وأبو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَه، فَالْتَفَتَ إلينا فَرَآنَا قِيَامًا، فأشَارَ إلينا فَقَعَدْنَا، فَصَلَّينا بصَلَاتِه قُعُودًا، فلَمَّا سَلَّمَ قال: ((إنْ كِدْتُم آنِفًا لَتَفْعَلونَ فِعْلَ فَارِسَ والرُّومِ؛ يَقُومونَ على مُلُوكِهم وهم قُعودٌ، فلا تَفعَلوا، ائْتَمُّوا بأئِمَّتِكم؛ إنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وإنْ صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا)) .
في هذا الحَديثِ: أنَّه أمَرَهم بتَرْكِ القيامِ الذي هو فَرضٌ في الصَّلاةِ، وعَلَّل ذلك بأنَّ قيامَ المأمومِينَ مع قعودِ الإمامِ يُشبِهُ فِعلَ فارِسَ والرُّومِ بعُظَمائِهم في قيامِهم وهم قُعودٌ.
وفي هذا الحَديثِ أيضًا أنَّه نهى عمَّا يُشبِهُ فِعلَ فارِسَ والرُّومِ، مع أنَّ نِيَّتَنا غيرُ نيَّتِهم؛ لقَولِه: ((فلا تَفعَلوا))؛ مما يَدُلُّ على أنَّ النَّهيَ وارِدٌ حتَّى في مجَرَّدِ مُشابَهتِهم في الصُّورةِ .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِي اللهُ عنه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه نهى أن يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُختَصِرًا .
وعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها كانت تَكرَهُ أن يَجعَلَ المصَلِّي يَدَه في خاصِرتِه، وتقولُ: (إنَّ اليَهودَ تَفعَلُه) .
وجاء النَّهيُ عن مُشابَهةِ الكُفَّارِ كذلك في مَسائِلَ تتعَلَّقُ بأحكامِ الصِّيامِ.
ومن ذلك:
- التسَحُّرُ؛ فعن عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (( فَصْلُ ما بيْنَ صِيَامِنا وَصِيامِ أَهْلِ الكِتابِ أُكْلَةُ السَّحَرِ )).
- ومِن ذلك صيامُ اليَومِ التَّاسِعِ مِن شَهرِ اللهِ المحَرَّمِ مع العاشِرِ منه؛ مخالَفةً لليَهودِ الذين كانوا يَصومونَ اليَومَ العاشِرَ فقط.
فعن عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: حِينَ صَامَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَومَ عَاشُورَاءَ وأَمَرَ بصِيَامِه، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه يَومٌ تُعَظِّمُه اليَهُودُ وَالنَّصَارى، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فإذا كانَ العامُ المُقْبِلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا اليومَ التَّاسِعَ))، قال: فلم يَأتِ العامُ المُقْبِلُ حتَّى تُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (فتدَبَّرْ هذا، يومُ عاشَوراءَ يَومٌ فاضِلٌ، يُكَفِّرُ سَنةً ماضِيةً، صامه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأمَرَ بصِيامِه، ورَغَّب فيه، ثمَّ لَمَّا قِيلَ له قُبَيلَ وَفاتِه: إنَّه يومٌ تُعَظِّمُه اليَهودُ والنَّصارى، أمَرَ بمخالفتِهم بضَمِّ يَومٍ آخَرَ إليه، وعَزَم على ذلك؛ ولهذا استحَبَّ العُلَماءُ -منهم الإمامُ أحمدُ- أن يصومَ تاسُوعاءَ وعاشُوراءَ، وبذلك عَلَّلَت الصِّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم) .
- ومِن أحكامِ الصِّيامِ المقَرَّرةِ في الشَّرعِ مُخالَفةً لليَهودِ والنَّصارى: تعجيلُ الفِطرِ للصَّائِمِ.
فعن أبي هُرَيرةَ رَضِي اللهُ عنه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يَزالُ الدِّينُ ظاهِرًا ما عَجَّلَ النَّاسُ الفِطرَ؛ لأنَّ اليَهودَ والنَّصارى يؤخِّرونَ)) .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (هذا نَصٌّ في أنَّ ظُهورَ الدِّينِ الحاصِلَ بتَعجيلِ الفِطْرِ؛ لأجْلِ مخالَفةِ اليَهودِ والنَّصارى، وإذا كان مُخالفتُهم سَبَبًا لظُهورِ الدِّينِ -فإنَّما المقصودُ بإرسالِ الرُّسُلِ أن يَظهَرَ دِينُ اللهِ على الدِّينِ كُلِّه- فيكونُ نَفسُ مخالفَتِهم مِن أكبَرِ مَقاصِدِ البَعْثةِ) .
وفي أحكامِ الحَجِّ جاء النَّهيُ عن مُخالَفةِ أهلِ الجاهِليَّةِ كذلك.
فعن قَيسِ بنِ أبي حازمٍ، قال: (دَخَلَ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ علَى امْرَأَةٍ مِن أحْمَسَ يُقالُ لها: زَيْنَبُ، فَرَآها لا تَكَلَّمُ، فقال: ما لها لا تَكَلَّمُ؟ قالوا: حَجَّتْ مُصْمِتةً، قال لها: تَكَلَّمِي؛ فإنَّ هذا لا يَحِلُّ، هذا مِن عَمَلِ الجَاهِلِيَّةِ، فَتَكَلَّمَتْ، فقالت: مَن أنتَ؟ قال: امرُؤٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ، قالت: أيُّ المُهَاجِرينَ؟ قال: مِن قُرَيشٍ، قالت: مِن أيِّ قُرَيشٍ أنْتَ؟ قالَ: إنَّكِ لَسَؤولٌ! أنَا أبو بَكْرٍ، قالَتْ: ما بَقَاؤُنَا على هذا الأمْرِ الصَّالِحِ الذي جَاءَ اللَّهُ به بَعْدَ الجَاهِلِيَّةِ؟ قال: بَقَاؤُكم عليه ما استَقَامَتْ بكم أئِمَّتُكم، قالتْ: وما الأئِمَّةُ؟ قالَ: أمَا كانَ لِقَوْمِكِ رُؤُوسٌ وأشْرافٌ يَأمُرُونَهم فيُطِيعُونَهم؟ قالت: بَلَى، قالَ: فَهم أُولَئِكِ على النَّاسِ) .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (فأخبَرَ أبو بكرٍ أنَّ الصَّمتَ المُطلَقَ لا يَحِلُّ، وعقَّب ذلك بقَولِه: هذا مِن عَمَلِ الجاهليَّةِ، قاصِدًا بذلك عَيْبَ هذا العَمَلِ وذَمَّه. وتَعقيبُ الحُكمِ بالوَصْفِ: دليلٌ على أنَّ الوَصفَ عِلَّةٌ، ولم يُشرَعْ في الإسلامِ، فيَدخُلُ في هذا: كُلُّ ما اتُّخِذَ من عِبادةٍ مِمَّا كان أهلُ الجاهِليَّةِ يتعَبَّدونَ به، ولم يَشرَعِ اللهُ التعَبُّدَ به في الإسلامِ، وإنْ لم يَنَوَّهْ عنه بعَيْنِه، كالمُكَاءِ والتَّصْديةِ؛ فإنَّ اللهَ تعالى قال عن الكافِرينَ: وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً [الأنفال: 35] . والمُكاءُ: الصَّفيرُ ونَحوُه. والتَّصْديةُ: التَّصفيقُ؛ فاتخاذُ هذا قُربةً وطاعةً: مِن عَمَلِ الجاهليَّةِ الذي لم يُشرَعْ في الإسلامِ، وكذلك: بُروزُ المُحرِمِ وغَيرِه للشَّمسِ، حتَّى لا يَستَظِلَّ بظِلٍّ، أو تَرْكُ الطَّوافِ بالثِّيابِ المتقَدِّمةِ، أو تَرْكُ كُلِّ ما عُمِلَ في غيرِ الحَرَمِ، ونحوُ ذلك من أُمورِ الجاهِليَّةِ التي كانوا يتَّخِذونَها عِباداتٍ) .
وجاء النَّهيُ أيضًا عن مُشابَهةِ المُشرِكينَ في أعيادِهم.
فعن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قَدِمَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ ولهم يومانِ يَلعَبونَ فيهما، فقال: ((ما هذانِ اليومانِ؟ قالوا: كنَّا نَلعَبُ فيهما في الجاهليَّةِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ اللَّهَ قد أبدلَكم بِهما خيرًا منهما: يومَ الأَضْحى ويومَ الفِطْرِ)) .
فلم يُقِرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذينِ اليَومَينِ، ولا تَرَك أصحابَه يَلعَبونَ فيهما على عادةِ النَّاسِ، بل قال: ((إنَّ اللهَ قد أبدَلَكم بهما خيرًا منهما...))، والإبدالُ مِنَ الشَّيءِ يَقتَضي تَرْكَ المبدَلِ منه. وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((خيرًا منهما)) يقتضي الاعتياضَ بما شُرِعَ لنا عمَّا كان في الجاهِليَّةِ.
والمحذورُ في أعيادِ أهلِ الكِتابَينِ أشَدُّ مِنَ المحذورِ في أعيادِ الجاهليَّةِ؛ فإنَّ الأُمَّةَ قد حُذِّروا مِن مُشابَهةِ اليَهودِ والنَّصارى، وأُخبِروا أنَّه سيَفعَلُ قَومٌ منهم هذا المحذورَ، بخِلافِ دينِ الجاهليَّةِ الذي لا يعودُ إلَّا في آخِرِ الدَّهرِ عندَ اختِرامِ أنفُسِ المؤمِنينَ عُمومًا .
ومِن الأحكامِ الشَّرعيَّةِ التي ورد فيها النَّهيُ عن مُشابَهةِ اليَهودِ: تَرْكُ مُؤاكَلةِ المَرأةِ حالَ حَيضِها.
فعن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ اليَهُودَ كانوا إذَا حَاضَتِ المَرْأةُ فيهم لم يُؤَاكِلُوها، ولم يُجَامِعُوهُنَّ في البُيُوتِ، فَسَأَلَ أصْحَابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ في الْمَحِيضِ[البقرة: 222] إلى آخِرِ الآيَةِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اصنَعُوا كُلَّ شَيءٍ إلَّا النِّكاحَ)) فَبَلَغَ ذلكَ اليَهُودَ، فَقالوا: ما يُرِيدُ هذا الرَّجُلُ أنْ يَدَعَ مِن أمْرِنَا شيئًا إلَّا خَالَفَنا فِيهِ! فَجَاءَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ، وعَبَّادُ بنُ بِشْرٍ فَقالَا: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ اليَهُودَ تَقُولُ: كَذَا وكَذَا، فلا نُجَامِعُهُنَّ؟ فَتَغَيَّرَ وجْهُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى ظَنَنَّا أنْ قدْ وجَدَ عليهما، فَخَرَجَا فَاسْتقْبلَهما هَدِيَّةٌ مِن لَبَنٍ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأرْسَلَ في آثَارِهما فَسَقَاهما، فَعَرَفَا أنْ لم يَجِدْ عليهما .
هذا الحَديثُ يَدُلُّ على كَثرةِ ما شرَعَه اللهُ لنبيِّه مِن مخالفةِ اليَهودِ، وأنَّه خالَفَهم في عامَّةِ أُمورِهم، حتَّى قالوا: ما يريدُ أن يدَعَ مِن أمْرِنا شَيئًا إلَّا خالَفَنا فيه .
قال ابنُ تَيميَّةَ عن مُخالَفةِ الكُفَّارِ: (تارةً تَكونُ في أصلِ الحُكمِ، وتارةً في وَصْفِه. ومجانبةُ الحائِضِ: لم يُخالَفوا أي: اليَهودُ في أصلِه، بل خُولِفوا في وَصْفِه؛ حيث شَرَع اللهُ مُقارَبةَ الحائِضِ في غيرِ مَحَلِّ الأذى، فلمَّا أراد بَعضُ الصَّحابةِ أن يعتَدِيَ في المخالَفةِ إلى تَرْكِ ما شَرَعه اللهُ، تغَيَّرَ وَجهُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .
وجاء النَّهيُ أيضًا في مَسائِلَ تتعَلَّقُ بمَظهَرِ المُسلِمِ مِن لبِاسٍ وزِينةٍ ونَحوِ ذلك.
فعن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((خالِفُوا المُشْرِكِينَ، أحْفُوا الشَّوارِبَ، وأَوْفُوا اللِّحَى)) .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((جُزُّوا الشَّوارِبَ، وأرْخُوا اللِّحَى، خالِفوا المجوسَ)) .
وعن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن تَشَبَّهَ بقَومٍ فهو مِنهم)) .
قال ابنُ عُثَيمين: (يَحرُمُ على الإنسانِ أن يتشَبَّهَ بالكُفَّارِ، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ في كِتابِه اقتِضاءِ الصِّراطِ المُستَقيمِ: أقَلُّ أحوالِ هذا الحديثِ التَّحريمُ، وإن كان ظاهِرًا يقتضي كُفرَ المتشَبِّهِ بهم. ومن فوائِدِ الحديثِ: أنَّه متى حَصَل الشَّبَهُ ثَبَت الحُكمُ، سواءٌ كان بإرادةٍ أم بغيرِ إرادةٍ. فلو قال قائِلٌ: إنَّه لَبِسَ ثيابَ الكُفَّارِ، لكِنْ لم يقصِدِ التَّشَبُّهَ، قُلْنا: ولكِنْ حَصَل الشَّبَهُ، والنيَّةُ محَلُّها القَلبُ، فنُنكِرُ عليه ما أظهَرَه مِنَ المُشابَهةِ، وأمَّا فيما بيْنه وبيْن رَبِّه، فهذا ليس إلينا) .
فمخالَفةُ المُشرِكينَ -ومنهم المجوسُ- أمرٌ مَقصودٌ للشَّارِعِ، وقد فَهِمَ السَّلَفُ كراهةَ التَّشَبُّهِ بالمجوسِ في هذا وغَيرِه، فكَرِهوا أشياءَ غَيرَ مَنصوصةٍ بعَينِها عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولكِنَّها من هَدْيِ المجوسِ، منها: حَلْقُ القَفَا.
قال المَروزيُّ: سألتُ أبا عبدِ اللهِ -يعني: أحمدَ بنَ حَنبَلٍ- عن حَلْقِ القَفَا، فقال: (هو مِن فِعلِ المجوسِ، ومَن تَشَبَّه بقَومٍ فهو منهم) .
وعن المعتَمِرِ بنِ سُلَيمانَ التَّيميِّ قال: كان أبي إذا جَزَّ شَعرَه لم يحلِقْ قَفاه، قيل له: لمَ؟ قال: كان يَكرَهُ أن يتشَبَّهَ بالعَجَمِ .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اليَهودَ والنَّصارى لا يَصبُغونَ، فخالِفوهم)) .
وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما قال: رَأَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فقال: ((أأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بهذا؟)) قُلتُ: أَغْسِلُهما، قال: ((بَلْ أَحْرِقْهما)). وفي روايةٍ: رَأَى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فقال: ((إنَّ هذِه مِن ثِيَابِ الكُفَّارِ؛ فلا تَلْبَسْهَا)) .
وعن أبي عُثمانَ النَّهديِّ قال: كتَبَ إلينا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه ونحن بأذربيجان: (... وإيَّاكُمْ والتنَعُّمَ، وزِيَّ أهلِ الشِّرْكِ، ولَبُوسَ الحَرِيرِ) .
فمخالَفةُ المُشرِكينَ أصلٌ في دينِ اللهِ تعالى وأحكامِ شَريعتِه، وعليه عَمَلُ الصَّحابةِ فمَن بَعْدَهم من الأئِمَّةِ، وقد حكى ابنُ تَيميَّةَ إجماعَ الأُمَّةِ في الجُملةِ على النَّهيِ عن التَّشَبُّهِ بأهلِ الكِتابِ والأعاجِمِ .
ولا تعارُضَ بيْن النَّهيِ عن التَّشَبُّهِ بالكُفَّارِ وبيْن قاعِدةِ أنَّ شَرعَ مَن قَبْلَنا شَرعٌ لنا، ما لم يَرِدْ شَرعُنا بخِلافِه؛ فتلك القاعدةُ مَبنيَّةٌ على شَيئَينِ مُنتَفِيَينِ في مَسألةِ التَّشَبُّهِ بهم:
الأوَّلُ: أن يَثبُتَ أنَّ ذلك شَرعٌ لهم، بنَقلٍ موثوقٍ به، مِثلُ أن يُخبِرَنا اللهُ في كِتابِه، أو بما صَحَّ على لسانِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأمَّا مُجَرَّدُ الرُّجوعِ إلى قَولِهم، أو إلى ما في كُتُبِهم، فلا يجوزُ بالاتِّفاقِ.
الثَّاني: ألَّا يَكونَ في شَرْعِنا بيانٌ خاصٌّ حَولَ ذلك بالموافَقةِ أو بالمُخالَفةِ، فقد أَمَرَنا نَبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يكونَ هَدْيُنا مخالِفًا لهَدْيِ اليَهودِ والنَّصارى، وإنَّما تجيءُ الموافَقةُ في بعضِ الأحكامِ العارِضةِ، لا في الهَدْيِ الرَّاتِبِ، والشِّعارِ الدَّائِمِ.
- وقد تَشتَبِهُ مَسألةُ التَّشَبُّه أيضًا مع ما رواه ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أهْلِ الكِتاب فِيما لم يُؤْمَرْ فيه، وكان أهْلُ الكِتابِ يَسْدِلُونَ أشْعَارَهم، وكانَ المُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُؤُوسَهم، فَسَدَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ناصِيَتَه، ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ) .
فالجوابُ على ذلك مِن عِدَّةِ وُجوهٍ:
منها: أنَّ هذا كان مُتقَدِّمًا، ثمَّ نَسَخ اللهُ ذلك، وشَرَع لنَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مخالفةَ أهلِ الكِتابِ، وأمَرَه بذلك، وفي مَتنِ الحَديثِ: أنَّه سَدَلَ شَعرَه مُوافَقةً لهم، ثمَّ فَرَق شَعرَه بَعْدُ؛ وصار الفَرْقُ شِعارًا للمُسلِمينَ، وكان مِن الشُّروطِ على أهلِ الذِّمَّةِ ألَّا يَفرُقوا شُعورَهم.
وممَّا يُوضِّحُ ذلك أنَّ اللهَ تعالى شَرَع له في أوَّلِ الأمرِ استِقبالَ بَيتِ المَقدِسِ مُوافقةً لأهلِ الكِتابِ، ثمَّ نَسَخَ ذلك، وأمَرَه باستِقبالِ الكَعبةِ، وأخبَرَه عن اليَهودِ وغَيرِهم مِنَ السُّفَهاءِ أنَّهم سيَقولونَ: مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا [البقرة: 142] ، وأخبَرَه أنَّهم لا يَرضَونَ عنه حتَّى يتَّبِعَ قِبلتَهم، وأنَّه إنِ اتَّبَع أهواءَهم مِن بَعدِ ما جاءه مِنَ العِلمِ، فما له مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ ولا نصيرٍ.
وممَّا يوضِّحُ ذلك أيضًا أنَّ يومَ عاشُوراءَ الذي صامه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقال: ((نحن أحَقُّ بموسى منكم)) قد شَرَعَ قُبَيلَ مَوتِه مخالفةَ اليَهودِ في صَومِه، وأمَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذلك؛ ولهذا فابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما الذي قال: (كان يُعجِبُه مُوافَقةُ أهلِ الكِتابِ فيما لم يُؤمَرْ فيه بشَيءٍ) هو الذي روى أيضًا شَرْعَ المخالَفةِ في صَومِ عاشُوراءَ، وكان أشَدَّ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم أمرًا بمخالَفةِ اليَهودِ في صَومِ عاشُوراءَ.
ومن الأوجُهِ: أنَّه على فَرْضِ أنَّ ذلك لم يُنسَخْ، فالنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو الذي كان له أن يُوافِقَهم؛ لأنَّه يَعلَمُ حَقَّهم مِن باطِلِهم، بما يُعَلِّمُه اللهُ إيَّاه، ونحن نتَّبِعُه، فأمَّا نحن فلا يجوزُ لنا أن نأخُذَ شيئًا من الدِّينِ عنهم، لا مِن أقوالِهم، ولا مِن أفعالِهم، بإجماعِ المُسلِمينَ المعلومِ بالاضطرارِ مِن دِينِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولو قال رجُلٌ: يُستحَبُّ لنا مُوافَقةُ أهلِ الكِتابِ الموجودينَ في زَمانِنا، لكان قد خَرَج عن دِينِ الأُمَّةِ.
ومن الأوجُهِ: أنَّنا مَنهيُّونَ عن التَّشَبُّهِ بهم فيما لم نُؤمَر به، فأمَّا ما أُمرنا به فلا رَيبَ في اتِّباعِه، سواءٌ فَعَلَه الكُفَّارُ أو تَرَكوه؛ فلا ينبغي تَرْكُ ما أمَرَ اللهُ به لأجْلِ أنَّ الكُفَّارَ تَفعَلُه، مع ملاحَظةِ أنَّ اللهَ لم يَأمُرْنا بشَيءٍ يوُافِقوننا عليه إلَّا ولا بُدَّ فيه مِن نَوعِ مُغايرةٍ يتمَيَّزُ بها دينُ اللهِ المحكَمُ عن غَيرِه .

موقع الدرر الشنية

عبدالله الأحد
2025-01-11, 21:58
أقوال أهل العلم رحمهم الله


قال خليل بن إسحاق المالكي: الردة كفر المسلم بصريح، أو لفظ يقتضيه، أو فعل يتضمنه كإلقاء مصحف بقذر، وشد زنار. اهـ.

قال الدردير: والمراد به ملبوس الكافر الخاص به، أي إذا فعله حبا فيه، وميلا لأهله، وأما إن لبسه لعبا، فحرام وليس بكفر. اهـ.

وسئل الهيتمي-رحمه الله تعالى-: هل يحل اللعب بالقسي الصغار التي لا تنفع، ولا تقتل صيدا بل أعدت للعب الكفار، وأكل الموز الكثير المطبوخ بالسكر، وإلباس الصبيان الثياب الملونة بالصفرة تبعا لاعتناء الكفرة بهذه في بعض أعيادهم، وإعطاء الأثواب، والمصروف لهم فيه إذا كان بينه وبينهم تعلق من كون أحدهما أجيرا للآخر من قبيل تعظيم النيروز ونحوه، فإن الكفرة صغيرهم، وكبيرهم، وضعيفهم، ورفيعهم حتى ملوكهم يعتنون بهذه القسي الصغار، واللعب بها، وبأكل الموز الكثير المطبوخ بالسكر اعتناء كثيرا، وكذا بإلباس الصبيان الثياب المصفرة، وإعطاء الأثواب، والمصروف لمن يتعلق بهم وليس لهم في ذلك اليوم عبادة صنم، ولا غيره. وذلك إذا كان القمر في سعد الذابح، في برج الأسد وجماعة من المسلمين إذا رأوا أفعالهم يفعلون مثلهم فهل يكفر، أو يأثم المسلم إذا عمل مثل عملهم من غير اعتقاد تعظيم عيدهم، ولا اقتداء بهم أو لا؟

فأجاب - رحمه الله تعالى- بقوله: لا كفر بفعل شيء من ذلك، فقد صرح أصحابنا بأنه لو شد الزنار على وسطه، أو وضع على رأسه قلنسوة المجوس، لم يكفر بمجرد ذلك. اهـ. فعدم كفره بما في السؤال أولى، وهو ظاهر، بل فعل شيئا مما ذكر فيه لا يحرم إذا قصد به التشبيه بالكفار، لا من حيث الكفر وإلا كان كفرا قطعا. فالحاصل أنه إن فعل ذلك بقصد التشبيه بهم في شعار الكفر، كفر قطعا، أو في شعار العيد مع قطع النظر عن الكفر، لم يكفر، ولكنه يأثم. وإن لم يقصد التشبيه بهم أصلا، ورأسا فلا شيء عليه. ثم رأيت بعض أئمتنا المتأخرين ذكر ما يوافق ما ذكرته، فقال: ومن أقبح البدع موافقة المسلمين النصارى في أعيادهم بالتشبه بأكلهم، والهدية لهم، وقبول هديتهم فيه، وأكثر الناس اعتناء بذلك المصريون، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من تشبه بقوم فهو منهم. بل قال ابن الحاج: لا يحل لمسلم أن يبيع نصرانيا شيئا من مصلحة عيده لا لحما، ولا أدما، ولا ثوبا، ولا يعارون شيئا ولو دابة؛ إذ هو معاونة لهم على كفرهم، وعلى ولاة الأمر منع المسلمين من ذلك. ومنها اهتمامهم في النيروز بأكل الهريسة، واستعمال البخور في خميس العيدين سبع مرات، زاعمين أنه يدفع الكسل، والمرض، وصبغ البيض أصفر، وأحمر وبيعه، والأدوية في السبت الذي يسمونه سبت النور، وهو في الحقيقة سبت الظلام، ويشترون فيه الشبث ويقولون إنه للبركة، ويجمعون ورق الشجر ويلقونها ليلة السبت بماء يغتسلون به فيه لزوال السحر، ويكتحلون فيه لزيادة نور أعينهم، ويدهنون فيه بالكبريت، والزيت ويجلسون عرايا في الشمس لدفع الجرب، والحكة، ويطبخون طعام اللبن، ويأكلونه في الحمام إلى غير ذلك من البدع التي اخترعوها، ويجب منعهم من التظاهر بأعيادهم. اهـ.

عائلة المعلمي
2025-02-28, 09:59
لا حول ولا قوة الا بالله