المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التحذير من الإلحاد وبيان خطره


عبدالله الأحد
2024-12-28, 15:32
الإلحاد وخطره على المجتمع






يجب قيام مؤسسات التربية من تعليم ومعاهد وجامعات بأنشطة للوقوف في وجه موجة الإلحاد الجديدة



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الإلحاد ذكره الله تعالى في كتابه؛ حيث قال: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ۗ أَفَمَنْ يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}(فصلت: 40) فأثبت الله - عز وجل - الإلحاد في الآيات، والآيات المذكورة في هذه الآية كونية وشرعية، والكونية هي كل ما يتعلق بالخلق والتكوين، والشرعية هي كل ما يتعلق بالوحي والرسل المعجزات، والذي يلحد في الآيات الكونيه سوف يكذب بالمعجزات بداهة، والإلحاد في الآيات بنوعيه الكونيه والشرعية خطر داهم على المجتمع يجب الحذر منه والتحذير من أصحابه.

والذي نريد إلقاء الضوء عليه وبيانه هو الإلحاد في الآيات الكونية، وهي كل ما يتعلق بالخلق والتكوين؛ فالملحدون في هذا النوع ينسبون أمر الخلق والتكوين إلى غير الله، كمن ينسب وجود الليل والنهار والشمس والقمر إلى الطبيعة أو أنه وجد صدفة؛ لذلك هم ينكرون وجود الخالق تبارك وتعالى، وينكرون وجود الملائكة والجنة والنار وحصول البعث بعد الموت، وبالتالي هم ينكرون كل ما يتعلق بالوحي والرسل وحصول المعجزات على أيديهم وبيانهم للأحكام والحلال والحرام؛ لذلك تبنت الحركات الصهيونية نشر هذا المذهب الخبيث في المجتمعات الإسلامية والعربية من خلال الجامعات والنوادي والمقاهي وكافة ملتقيات الشباب بغرض وجود انحلال أخلاقي وتفسخ في القيم واقتراف شتى الموبقات دون النظر لوجود رقيب أو عمل حساب لموت وجنة و نار، فيقطع في قلب الشباب كل وازع يردعه عن الوقوع في براثن هذا الفكر ويحول بينه وبين التوبة والرجوع إلى الله؛ لأنه ينكر وجوده أساساً - فيكتمل المخطط الصهيوني بالسيطرة على المجتمعات الإسلامية والعربية بعد تفسخها وانحلالها وخراب عقيدته؛ لذلك كان لابد من إلقاء الضوء على هذا الفكر الخبيث وبيان معناه، وإظهار عواره والرد على ما يثيره أصحابه من شبهات التي قد تنطلي على بعض الشباب وبيان أسباب انتشار هذا الإلحاد في مجتمعاتنا .

وفي بحث أعدته الندوة العالمية للشباب الإسلامي عن الإلحاد جاء أن الإلحاد هو: مذهب فلسفي يقوم على فكرة عدمية أساسها إنكار وجود الله الخالق سبحانه وتعالى .

ويعد أتباع العلمانية هم المؤسسون الحقيقيون للإلحاد ، ومن هؤلاء : أتباع الشيوعية والوجودية والداروينية .

وقد أرادت الحركة الصهيونية نشر الإلحاد في الأرض فنشرت العلمانية لإفساد أمم الأرض بالإلحاد والمادية المفرطة والانسلاخ من كل الضوابط التشريعية والأخلاقية كي تهدم هذه الأمم نفسها بنفسها، وكانت محاولات نشر هذا الفكر داخل المجتمعات الإسلامية بعد سقوط الخلافة الإسلامية .

فقد حاول إسماعيل أحمد أدهم نشر الإلحاد «في مصر، وألف رسالة بعنوان لماذا أنا ملحد؟ وطبعها بمطبعة التعاون بالإسكندرية سنة 1926م وتبعه إسماعيل مظهر الذي أصدر في سنة 1928م مجلة العصور في مصر، وكانت قبل توبته تدعو للإلحاد والطعن في العرب والعروبة طعناً قبيحاً. معيداً تاريخ الشعوبية، ومتهماً العقلية العربية بالجمود والانحطاط، ومشيداً بأمجاد بني إسرائيل ونشاطهم وتفوقهم واجتهادهم .

وفي سنة 1928م أسست في مصر جماعة لنشر الإلحاد تحت شعار الأدب ـ واتخذت دار العصور مقراً لها واسمها رابطة الأدب الجديد وكان أمين سرها كامل كيلاني، وقد تاب إلى الله بعد ذلك.

وتقوم أفكار الملحدين ومعتقداتهم على الآتي: إنكار وجود الله سبحانه الخالق -عز وجل- تعالى الله عمّا يقولون علواً كبيراً .

- الكون والإنسان والحيوان والنبات وجد صدفة وسينتهي كما بدأ ولا توجد حياة بعد الموت .

- المادة أزلية أبدية وهي الخالق والمخلوق في الوقت نفسه .

- النظرة الغائية للكون والمفاهيم الأخلاقية تعيق تقدم العلم.

- إنكار معجزات الأنبياء؛ لأن تلك المعجزات لا يقبلها العلم، كما يزعمون، ومن العجب أن الملحدين الماديين يقبلون معجزات الطفرة الوحيدة التي تقول بها الداروينية ولا سند لها إلا الهوس والخيال.

- عدم الاعتراف بالمفاهيم الأخلاقية ولا بالحق والعدل ولا بالأهداف السامية.

- ينظر الملاحدة للتاريخ بعدِّه صورة للجرائم والحماقة وخيبة الأمل وقصته لا تعني شيئاً.

- الإنسان مادة تنطبق عليه قوانين الطبيعة التي اكتشفتها العلوم كما تنطبق على غيره من الأشياء المادية .

وقد يتساءل بعضهم عن الأسباب التي ساعدت على تسلل هذا الفكر الخبيث إلى بلادنا ومجتمعاتنا؟ هذه بعض الأسباب التي أدت إلى ذلك، بتصرف من بحث بعنوان حتى لا يصبح الإلحاد ظاهرة بيننا.


1- غياب القدوة الصالحة في الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام .

2- تعرض الشاب ولاسيما في بدايات تكوينه الفكري وقبل نضجه للفكر الإلحادي من خلال قراءته الكتب الفلسفية واتصاله بمفكرين ملاحدة وإعجابه بأدبهم وأطروحاتهم .

3- تغلب الشهوات على بعض الشباب ويرون أن الدين يمنعهم منها ويشكل حاجزاً بينهم وبين رغبتهم في الاستمتاع بالحياة .

4- انتشار القنوات والإنترنت ودور النشر والمقاهي الثقافية وما يُبث فيها من شهوات وشبهات تأخذ كل واحدة منها بنصيبها من شبابنا، مع عدم وجود حملة تحصين مضادة لأثارها السلبية.

5- عدم قيام مؤسسات التربية من تعليم ومعاهد وجامعات بأنشطة تذكر للوقوف في وجه موجة الإلحاد الجديدة، وبطء استجابتها للمستجدات .

6- وجود فئات من المجتمع أساءت للدين من خلال حماسها غير المنضبط وجهلها العريض ليتحول الدين عندها إلى مظاهر لا يصاحبها في كثير من الأحيان جواهر نقية؛ فتسببت في حدوث ردّ فعل معاكس عند بعض الشباب.

وبعد هذا البيان المختصر لمعنى الإلحاد فما نسمع الآن على صفحات الإنترنت وداخل أسوار الجامعات العربية والإسلامية ما يقوم به هذا الشباب الملحد من سب للذات الإلهية والتنقص من رب العالمين تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، ومن استهزاء بالرسل الكرام والقرآن العظيم يجعل المرء المسلم الغيور على دينه وعقيدته يتجرع مرارات من الأسى والكمد والحزن ويندى جبينه لذلك، ولاسيما وأن هذا الكلام يتفوه به أناس وشباب مسلم أصالة، ولكن أحاطت به شياطين الإنس والجن فجعلته يخرج من الدين بهذا الفكر الخبيث، ويغرق في شهوات الدنيا؛ لذلك فالحمل ثقيل على أتباع هذا الدين في بذل كل ممكن ومستطاع لطرد هذا الفكر الخبيث من مجتمعاتنا وعقول شبابنا وإرجاعهم إلى الدين والعمل على تحصين المجتمع من هذا الفكر الدخيل؛ فالتبعة ثقيلة ويحتاج الأمر إلى جهود كل المخلصين. وسوف نتناول بإذن الله تعالى في مقالات لاحقة الرد على الشبهات التي أوردها الملحدون بشيء من التفصيل .

والحمد لله رب العالمين.



الإلـحاد في المملكة العربية السعودية

أظهرت دراسة أعدها معهد غالوب الدولي الذي يتخذ من زوريخ مقرا له أن نسبة الإلحاد في المملكة العربية السعودية تتراوح بين 5 و9 بالمئة من مجموع عدد سكان المملكة.

ولا شك أن هذه النسبة هي الأكثر ارتفاعا مقارنة مع دول عربية حتى مع تلك التي تعرف بميولها العلمانية كتونس ولبنان؛ حيث إن هذه الدراسة بينت أن نسبة الإلحاد في هاتين الدولتين لا تتجاوز 5٪ من مجموع السكان.



وتعد نسبة الملحدين في السعودية مرتفعة ومفاجئة نظرا لطبيعة المجتمع السعودي، الذي يخضع لتطبيق صارم لمبادئ الشريعة الإسلامية. فما الذي يدفع بالسعوديين إلى إعلان إلحادهم؟ وهل أن السلطات السعودية من خلال إصدارها لمراسيم ملكية منذ بضعة أسابيع تعد التشكيك في مبادئ الديانة الإسلامية والإلحاد إرهابا، تحاول اجتثاث هذه الظاهرة الاجتماعية من البلاد قبل أن تتوسع وتخرج عن السيطرة؟ وما دور وسائل الإعلام الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي في انتشار هذه الظاهرة في المملكة؟








اعداد: إيهاب شاهين

عبدالله الأحد
2024-12-28, 15:32
الإلحاد وخطره على المجتمع(2)




يقول ديكارت أيضاً: أنا موجود فمن أوجدني ومن خلقني؟ إنني لم أخلق نفسي، فلابد لي من خالق . وهذا الخالق لا بد أن يكون واجب الوجود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقد قدمنا في المقال السابق أن الإلحاد هو: مذهب فلسفي يقوم على فكرة عدمية أساسها إنكار وجود الله الخالق -سبحانه وتعالى-، والمتأمل لآيات القرآن يجد أن بها المدني، وهو ما نزل بعد الهجرة، والمكي وهو ما نزل قبل الهجرة، وتتميز الآيات المكية بطابع خاص في الخطاب كقوة الأسلوب وشدة الخطاب وقوة المحاجة وتقرير توحيد الله تعالى والعقيدة الصحيحة؛ وذلك لأن المخاطبين معرضون مستكبرون معاندون فخوطبوا بما تقتضيه حالهم.
ومن يمعن النظر يتبين له أن هؤلاء المشركين لم يكونوا ينكرون وجود الخالق إلا طائفة شاذة، ولكن السواد الأعظم منهم لم يكن ينكر ذلك، ولكنهم كانوا ينكرون استحقاق الخالق أن يفرد بالعبادة؛ لذلك كان أعظم دليل وحجة عليهم على إفراد الرب الخالق بالأمر والنهى هو إقرارهم بأنه الخالق الرازق المدبر المعطي المانع؛ لذلك جاء أول أمر فى كتاب الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} (البقرة:21)؛ لأنهم لم يكونوا ينكرون ذلك كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (الزمر:38)، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ َ} (الزخرف:87)، {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ غڑ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ غڑ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (يونس:31)، يعنى أي فهذا الذي اعترفتم بأنه فاعل ذلك كله هو ربكم وإلهكم الحق الذي يستحق أن يفرد بالعبادة فهذا حال المشركين الأوائل، ولكن كانت هناك طائفة من الدهريين ينكرون وجود الخالق -تبارك وتعالى- وتبعهم على ذلك قوم من الملاحدة لا يخلو منهم زمان على هذا الخلل العقلي، وزاد ذلك في زماننا بإشعال الصهاينة له لأغراض خبيثة، ذكرنا شيئاً منها في المقال السابق، ولولا انتشار هذا الأمر وسط قطاع من الشباب ما كان الأمر يستأهل الرد والتفنيد؛ لأنه لا ينكر وجود الخالق تبارك وتعالى إلا عديم العقل كمن ينكر وجود الشمس في رابعة النهار؛ فهؤلاء لا يصح فى أذهانهم شيء كما قال شيخ الإسلام: ولا يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل.
فكيف يطلب هؤلاء أدلة على وجود الخالق وكل شيء في الوجود آية ودليل على وجوده، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد، ومع وضوح دلائل وجود الخالق سبحانه، إلا أنه لا بد من الإتيان على ما يتشبث به الملاحدة من شبه بالنقض والإبطال، ليعلموا أن ليس معهم من العلم شيءٌ يستندون إليه في إنكار خالقهم ورازقهم.
أول شبهات الملاحدة قولهم: إن العقول عاجزة عن تصور كنه هذا الإله وحقيقته، وما عجزت العقول عن إدراكه وتصوره فهذا دليل على عدم وجوده .
وهؤلاء قد ردَّ الله عليهم بأوجز العبارات؛ حيث قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ï´؟ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ} (الطور:35-36)، قال ابن عباس- رضي الله عنهما-: أم خلقوا من غير شيء أي من غير رب؟ ومعناه أخلقوا من غير شيء خلقهم فوجدوا بلا خالق؟ وذلك مما لا يجوز أن يكون؛ لأن تعلق الخلق بالخالق من ضرورة الاسم فلابد له من خالق، فإن أنكروا الخالق لم يجز أن يوجدوا بلا خالق أم هم الخالقون لأنفسهم؟ وذلك في البطلان أشد؛ لأن ما لا وجود له كيف يخلق؟ فإذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقا فليؤمنوا به، أم خلقوا السموات والأرض؟ وهذا في البطلان أشد وأشد، فإن المسبوق بالعدم يستحيل أن يوجد بنفسه، فضلاً عن أن يكون موجداً لغيره - وكثيراً ما يرشد الله تبارك وتعالى عباده إلى الاستدلال على معرفته بآياته الظاهرة من المخلوقات العلوية والسفلية كما قال تعالى: {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلمُوقِنِينَ} (الذاريات:20)، أي: فيها من الآيات الدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة؛ مما قد ذرأ فيها من صنوف النبات والحيوانات والمهاد والجبال والقفار والأنهار والبحار واختلاف ألسنة الناس وألوانهم، وما جبلوا عليه من الإرادات والقوى وما بينهم من التفاوت في العقول والفهوم والحركات والسعادة والشقاوة، وما في تركيبهم من الحكم في وضع كل عضو من أعضائهم في المحل الذي هو محتاج إليه فيه ولهذا قال عز وجل: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } (الذاريات:21)، قال قتادة: من تفكر في خلق نفسه علم أنه إنما لينت مفاصله للعبادة؛ وكذا ما في ابتداء الإنسان من الآيات العظيمة؛ إذ كان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً إلى أن نفخ فيه الروح وقال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (فصلت:53).
والآيات في هذا الباب العظيم من الاستدلال بالمخلوقات على وجود خالقها وقدرته وعظمته أكثر من أن تحصى، وأجل من أن تُستقصى، وفيما ذكرنا كفاية وغنى يغني عن خرط المناطقة ومقدماتهم ونتائجهم وتناقضهم فيها والله - تبارك وتعالى- أعلى وأكبر وأجل وأعظم من أن يحتاج في معرفة وجوده إلى شواهد واستدلالات؛ فذات المخلوق نفسه شاهدة بوجود خالقه؛ حيث أوجده ولم يكن من قبل شيئاً، فلم يذهب يستدل بغيره وفي نفسه الآية الكبرى والبرهان الأعظم؟ - وشأن الله تعالى أكبر من ذلك - ولم يجحد وجوده تعالى من جحده من أعدائه إلا على سبيل المكابرة؛ ولهذا قال -تعالى- في كفرهم بآياته: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْ هَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا غڑ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (النمل:14).
وقد سار الأئمة الكرام يردون على هؤلاء الملاحدة بما في الكون من آيات تدل دلالة واضحة على وجود الخالق -تبارك وتعالى- فعن الإمام مالك - رحمه الله تعالى - أن الرشيد سأله عن ذلك فاستدل له باختلاف اللغات والأصوات والنغمات، وعن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى- أن بعض الزنادقة سألوه عن وجود الباري -تعالى- فقال لهم: دعوني فإني مفكر في أمر قد أخبرت عنه، ذكروا أن سفينة في البحر موخرة فيها أنواع من المتاجر وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها، وهي مع ذلك تذهب وتجيء وتسير بنفسها وتخترق الأمواج العظام حتى تخلص منها وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد، فقالوا: هذا شيء لا يقوله عاقل. فقال: ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة ليس لها صانع؟ فبهت القوم ورجعوا إلي الحق وأسلموا علي يديه، وعن الشافعي - رحمه الله تعالى - أنه سُئل عن وجود الخالق - عز وجل - فقال: هذا ورق التوت طعمه واحد، تأكله الدود فيخرج منه الإبرسيم، وتأكله النحل فيخرج منه العسل، وتأكله الشاة والبقر والأنعام فتلقيه بعراً وروثاً، وتأكله الظباء فيخرج منه المسك وهو شيء واحد - وعن الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله- أنه سُئل عن ذلك فقال: ههنا حصن حصين أملس ليس له باب ولا منفذ ظاهره كالفضة البيضاء وباطنه كالذهب الإبريز فبينا هو كذلك؛ إذ انصدع جداره فخرج منه حيوان سميع بصير ذو شكل حسن وصوت مليح يعني بذلك البيضة إذا خرج منها الديك، وسُئل بعض الأعراب عن هذا وما الدليل على وجود الرب تعالى فقال: يا سبحان الله، إن البعر ليدل على البعير، وإن أثر الأقدام ليدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير -بتصرف من كتاب معارج القبول-.
وفي خاتمة هذا المقال نقل لبعض مقولات الفلاسفة الذين نصوا على وجود الله سبحانه، والإيمان به : يقول (أفلاطون): إن العالم آية في الجمال والنظام، ولا يمكن أن يكون هذا نتيجة علل اتفاقية، بل هو صنع عاقل، توخى الخير، ورتب كل شيء عن قصد وحكمة .
ويقول (ديكارت): إنِّي مع شعوري بنقصٍ في ذاتي، أُحسُّ في الوقت نفسه بوجود ذاتٍ كاملة، وأراني مضطرًّا إلى اعتقادي؛ لأنَّ الشعور قد غَرَسَتْه في ذاتي تلك الذات الكاملة المتحليَّة بجميع صفات الكمال، وهي الله .
ويقول (أناكساغورس) أحد فلاسفة اليونان الأوائل: من المستحيل على قوة عمياء، أن تبدع هذا الجمال، وهذا النظام اللذين يتجليان في هذا العالم؛ لأن القوة العمياء لا تنتج إلا الفوضى، فالذي يحرك المادة هو عقل رشيد، بصير حكيم .
ويقول ديكارت أيضاً: أنا موجود فمن أوجدني ومن خلقني؟ إنني لم أخلق نفسي، فلا بد لي من خالق . وهذا الخالق لا بد أن يكون واجب الوجود، وغير مفتقر إلى من يوجده، أو يحفظ له وجوده، ولابد أن يكون متصفاً بكل صفات الجمال، وهذا الخالق هو الله بارئ كل شيء .
ويقول باسكال: إن إدراكنا لوجود الله، هو من الإدراكات الأولية، التي لا تحتاج إلى جدل البراهين العقلية، فإنه كان يمكن ألا أكون، لو كانت أمي ماتت قبل أن أولد حياً، فلست إذا كائناً واجب الوجود، ولست دائماً ولا نهائياً، فلابد من كائن واجب الوجود، دائم لا نهائي، يعتمد عليه وجودي، وهو الله الذي ندرك وجوده إدراكاً أولياً، بدون أن نتورط في جدل البراهين العقلية، ولكن على الذين لم يقدر لهم هذا الإيمان القلبي أن يسعوا للوصول إليه بعقولهم.
وبهذه الثلة من أقوال هؤلاء الفلاسفة وبما سبق من أدلة عقلية جلية، يتبين أن الإيمان بوجود الخالق قضية ضرورية بديهية، مركوزة في النفس والعقل، لا يخالطها ريب ولا شك، ولا تحتاج لبرهان إلا لمن فسدت فطرته.
والحمد لله رب العالمين.




اعداد: إيهاب شاهين