المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معنى العلم بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم


عبدالله الأحد
2024-12-05, 15:43
معنى: العلم بالله تعالى ورسوله

الشبكة الاسلامية




الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعلم بالله تعالى هو العلم بتوحيده وما يجب على العبد أن يعتقده فيه سبحانه وتعالى من توحيده في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ومعرفة ذلك من خلال نصوص الوحي هي التي توجب لصاحبها خشية الله ومحبته وهيبته وإجلاله وتعظيمه والقرب منه والأنس به ولزوم طاعته.
والعلم برسل الله بحقيقتهم، وبما جاءوا به، وما يجب لهم من الصدق والأمانة، وما يستحيل عليهم من الكذب والخيانة. ويترتب على هذا: العلم بملائكة الله الكرام، وبكتبه المنزلة، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، كما جاء في حديث جبريل حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فأجابه بقوله: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره. رواه مسلم.
وبهذا يتبين أن العلم بالله ورسوله، هو علم التوحيد الذي مصدره الكتاب والسنة، وهو أفضل العلوم وأشرفها، جاء في مجموع فتاوى ابن عثيمين: أما بعد: فإن علم التوحيد أشرف العلوم، وأجلها قدرا، وأوجبها مطلبا، لأنه العلم بالله تعالى وأسمائه، وصفاته، وحقوقه على عباده. اهـ
وهو أول ما يجب على المكلف تعلمه، كما قال الأخضري المالكي في مقدمته: أول ما يجب على المكلف تصحيح إيمانه. اهـ
وننصح بدراسة بعض المختصرات السهلة في هذا المجال كالأصول الثلاثة، وكشف الشبهات، وأعلام السنة المنشورة: 200سؤال وجواب في العقيدة ـ ونحو ذلك.
والله أعلم.

عبدالله الأحد
2024-12-05, 15:47
إنَّ أوَّلَ ما يَجِبُ على الإنسانِ مَعرِفتُه هو أن يعرِفَ اللهَ عزَّ وجلَّ.
قال اللهُ تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد: 19] .
قال البُخاريُّ في (بابِ العِلمِ قَبْلَ القَولِ والعَمَلِ) من صحيحِه: (فبدأَ بالعِلْمِ) .
وقال ابنُ القيِّمِ مُعَلِّقًا على هذه الآيةِ الكريمةِ: (فالعِلمُ بوحدانيَّتِه تعالى وأنَّه لا إلهَ إلَّا هو: مطلوبٌ لذاتِه، وإن كان لا يُكتفى به وَحْدَه، بل لا بُدَّ معه من عبادتِه وَحْدَه لا شريكَ له، فهما أمرانِ مَطلوبان لأنفُسِهما؛ أن يُعرَفَ الرَّبُّ تعالى بأسمائِه وصِفاتِه وأفعالِه وأحكامِه، وأن يُعبَدَ بموجِبِها ومقتضاها، فكما أنَّ عِبادتَه مَطلوبةٌ مرادةٌ لذاتِها، فكذلك العِلمُ به ومَعرِفتُه) .
وعن عثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من مات وهو يَعلَمُ أنَّه لا إله إلَّا اللهُ، دَخَل الجنَّةَ )) .
في هذا الحديثِ يوضِّحُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَضْلَ العِلمِ بكَلِمةِ التَّوحيدِ، والموتِ على ذلك، وضِدُّ العِلمِ: الجَهلُ، وهو الذي أوقع أهلَ الضَّلالِ مِن هذه الأُمَّةِ في مُخالفةِ معناها، وتَرْكِ العَمَلِ بمُقتضاها .
وعن عليِّ بنِ الحَسَنِ بنِ شقيقٍ قال: سألتُ عبدَ اللهِ بنَ المبارَكِ: كيف ينبغي لنا أن نعرِفَ ربَّنا عزَّ وجلَّ؟ قال: (على السَّماءِ السَّابعةِ على عَرْشِه، ولا نقولُ كما تقولُ الجَهْميَّةُ: إنَّه هاهنا في الأرضِ) .
وقال أبو الحَسَنِ الأشعَرِيُّ: (أجمَعوا على أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دعا جميعَ الخَلْقِ إلى مَعرِفة اللهِ) .
وقال الخَطَّابي: (القولُ فيما يجِبُ من مَعرِفةِ اللهِ سُبحانَه وتعالى:
أوَّلُ ما يجِبُ على من يلزمُه الخِطابُ: أن يعلَمَ أنَّ للعالَمِ بأسِره صانِعًا، وأنَّه هو اللهُ الواحِدُ لا شريكَ له) .
وقال ابنُ مَنْدَه: (ذِكرُ الدَّليلِ على أنَّ المجتهِدَ المُخطئَ في مَعرِفةِ الله عزَّ وجلَّ ووحدانيَّتِه كالمعانِدِ:
قال الله تعالى مخبرًا عن ضلالتِهم ومُعاندتِهم: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 103-104] ، وقال عليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه لَمَّا سُئِلَ عن الأخسَرِينَ أعمالًا، فقال: (كَفَرةُ أهلِ الكِتابِ، كان أوائِلُهم على حقٍّ، فأشركوا برَبِّهم عزَّ وجلَّ، وابتَدَعوا في دِينِهم، وأحدَثوا على أنفُسِهم، فهم يجتَمِعون في الضَّلالةِ، ويَحسَبون أنَّهم على هدًى، ويجتَهِدون في الباطِلِ، ويَحسَبون أنَّهم على حقٍّ، ضَلَّ سعيُهم في الحياةِ الدُّنيا، وهم يَحسَبونَ أنَّهم يُحسِنون صُنعًا!) .
وقال أبو بكرٍ الخوارزميُّ: (بيانُ أنَّ مَعرِفةَ اللهِ تعالى واجبةٌ بالآياتِ الدَّالَّةِ عليها، وإجماعِ الأمَّةِ؛ فأمَّا الآياتُ فقَولُه تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد: 19] ، فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ [الأنفال: 40] ، قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ [يونس: 101] ، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ [البقرة: 164] حتى قال العُلَماءُ: نزلت ثلاثُمائةِ آيةٍ في الحثِّ على النَّظَرِ والمَعرِفةِ، والإجماعُ مُنعَقِدٌ على ذلك) .
وقال الحليميُّ: (لا شيءَ أعوَدُ على العاقِلِ مِن مَعرِفةِ اللهِ تعالى بصفاتِه، ومَعرِفةِ ما يُرضيه عنه؛ ليأتيَه) .
وقال اللَّالَكائيُّ: (إنَّ أوجَبَ ما على المرءِ: مَعرِفةُ اعتقادِ الدِّينِ، وما كَلَّف اللهُ به عبادَه؛ مِن فَهمِ توحيدِه وصفاتِه، وتَصديقِ رُسُلِه بالدَّلائِلِ واليقينِ) .
وقال السِّجزيُّ: (اتَّفَق السَّلَفُ على أنَّ مَعرِفةَ اللهِ مِن طَريقِ العَقلِ مُمكِنةٌ غيرُ واجبةٍ، وأنَّ الوُجوبَ من طريقِ السَّمعِ؛ لأنَّ الوعيدَ مقترِنٌ بذلك؛ قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: 15] ) .
وقال البَيهقيُّ: (فَصلٌ في مَعرِفةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ومَعرِفةِ صفاتِه وأسمائِه. حقيقةُ المَعرِفة أنْ نعَرفَه موجودًا قديمًا، لم يَزَلْ ولا يَفنى، أحدًا صَمَدًا شَيئًا واحِدًا) .
وقال الغزاليُّ: (العِلمُ الأشرَفُ ما معلومُه أشرَفُ، وأشرَفُ المعلوماتِ هو اللهُ تعالى؛ فلذلك كانت مَعرِفةُ اللهِ تعالى أفضَلَ المعارِفِ، بل مَعرِفةُ سائِرِ الأشياءِ أيضًا إنَّما تَشرُفُ؛ لأنَّها مَعرِفةٌ لأفعالِ اللهِ عزَّ وجلَّ أو مَعرِفةٌ للطَّريقِ الذي يقرِّبُ العبدَ من اللهِ عزَّ وجلَّ، أو الأمرِ الذي يَسهُلُ به الوصولُ إلى مَعرِفةِ اللهِ تعالى والقُرْبِ منه، وكلُّ مَعرِفةٍ خارجةٍ عن ذلك فليس فيها كثيرُ شَرَفٍ) .
وقال أبو القاسمِ الأصبَهانيُّ: (قال عُلَماءُ السَّلَفِ: أوَّلُ ما افتَرَض اللهُ على عبادِه الإخلاصُ، وهو مَعرِفةُ اللهِ والإقرارُ به، وطاعتُه بما أمَرَ ونهى، وأوَّلُ الفَرْضِ شهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا عبدُه ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .
وقال ابنُ أبي الخير العِمرانيُّ: (أمَرَ اللهُ نبيَّه أن يسألَه زيادةَ علمٍ، فقال: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه: 114] ، وأجَلُّ المعارفِ المَعرِفةُ باللهِ) .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (مَن عَرَف أسماءَ اللهِ ومَعانيَها وآمَنَ بها، كان إيمانُه أكمَلَ ممَّن لم يَعرِفْ تلك الأسماءَ، بل آمَنَ بها إيمانًا مجمَلًا، أو عَرَف بعضَها، وكلَّما ازداد الإنسانُ مَعرِفةً بأسماءِ اللهِ وصِفاتِه وآياتِه، كان إيمانُه به أكمَلَ) .
وقال أيضًا: (كان أهلُ المَعرِفةِ بالله متَّفِقينَ على أنَّه لا يَتمُّ مَعرِفةُ عبدٍ برَبِّه، ويَتِمُّ قَصدُه له وتوجُّهه إليه ودُعاه له إلَّا بإقرارِه بأنَّه فَوقَ العالَمِ، وأنَّه بإقرارِه بذلك تَثبتُ الإلهيَّةُ في قَلْبِه، ويصيرُ له ربٌّ يَعبُدُه ويَقصِده، وبدون ذلك لا يبقى قَلْبُه مُستَقِرًّا مُطمَئِنًّا إلى إلهٍ يَعبُدُه ويَقصِدُه، بل يبقى عِندَه مِنَ الرَّيبِ والاضطرابِ ما يَجِدُه من جَرَّب قَلْبَه في هذه الأسبابِ، كما قال الشَّيخُ أبو جَعفرٍ الهمذانيُّ: ما قال عارفٌ قطُّ: يا اللهُ، إلَّا وَجَد في قلبِه ضرورةً تَطلُبُ العُلُوَّ، ولا تلتفِتُ يَمنةً ولا يَسْرةً) .
وقال أيضًا مبيِّنًا بَعضَ الطُّرُقِ التي تُنالُ بها مَعرِفةُ الله تعالى: (يجِبُ على من أراد أن يَعرِفَ اللهَ تعالى المَعرِفةَ التامَّةَ أن يفحَصَ عن منافِعِ جَميعِ الموجوداتِ، وأمَّا دلالةُ الاختراعِ فيَدخُلُ فيها وجودُ الحيوانِ كلِّه، ووجودُ النَّباتِ، ووجودُ السَّمواتِ، وهذه الطَّريقةُ تنبني على أصلينِ موجودينِ بالقوَّةِ في جميعِ فِطَرِ النَّاسِ:
أحَدُهما: أنَّ هذه الموجوداتِ مُختَرَعةٌ، وهذا معروفٌ بنَفْسِه في الحيوانِ والنَّباتِ، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ [الحج: 73] الآية؛ فإنَّا نرى أجسامًا جماديَّةً، ثمَّ تحدُثُ فيها الحياةُ، فنعلَمُ قَطعًا أنَّ هاهنا مُوجِدًا للحياةِ ومُنعِمًا بها، وهو اللهُ تبارك وتعالى، وأمَّا السَّمواتُ فنَعلمُ مِن قِبَلِ حَرَكاتِها التي لا تَفتُرُ أنَّها مأمورةٌ بالعنايةِ بما هاهنا، ومُسَخَّرةٌ لنا، والمسخَّرُ المأمورُ، مخترَعٌ مِن قِبَل غَيرِه ضرورةً.
وأمَّا الأصلُ الثَّاني: فهو أنَّ كلَّ مخترَعٍ فله مُخترِعٌ.
فيصحُّ من هذين الأصلَينِ أنَّ للموجودِ فاعِلًا مُخترِعًا له، وفي هذا الجِنسِ دلائِلُ كثيرةٌ على عَدَدِ المختَرَعاتِ؛ ولذلك كان واجبًا على من أراد أن يَعرِفَ اللهَ حَقَّ مَعرِفتِه أن يَعرِفَ جواهِرَ الأشياءِ؛ ليَقِفَ على الاختراعِ الحقيقيِّ في جميعِ الموجوداتِ؛ لأنَّ مَن لم يعرِفْ حقيقةَ الشَّيءِ لم يَعرِفْ حقيقةَ الاختراعِ؛ ولهذا أشار تعالى وتقدَّس بقَولِه: أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ [الأعراف: 185] ، وكذلك أيضًا مَن تتبَّعَ معنى الحِكمةِ في موجودٍ موجودٍ -أعني: مَعرِفةَ السَّبَبِ الذي من أجْلِه خُلِقَ، والغايةِ المقصودةِ به- كان وقوفُه على دليلِ العنايةِ أتمَّ، فهذان الدَّليلانِ هما دليلا الشَّرعِ.
وأمَّا أنَّ الآياتِ المنبِّهةَ على الأدِلَّةِ المُفضِيةِ إلى وُجودِ الصَّانعِ سُبحانَه في الكِتابِ العزيزِ هي مُنحَصِرةٌ في هذينِ الجِنْسينِ من الأدلَّةِ، فهذا بيِّنٌ لمن تأمَّل الآياتِ الواردةَ في الكِتابِ العزيزِ في هذا المعنى، وذلك أنَّ الآياتِ في الكِتابِ العزيزِ في هذا المعنى إذا تُصُفِّحَت وُجِدَت على ثلاثةِ أنواعٍ:
- إمَّا آياتٌ تتضمَّنُ التَّنبيهَ على دَلالةِ العنايةِ.
- وإمَّا آياتٌ تتضَمَّنُ التَّنبيهَ على دَلالةِ الاختراعِ.
- وإمَّا آياتٌ تَجمَعُ الأمرينِ مِن الدَّلالةِ جَميعًا) .
وقال ابنُ جماعةَ: (عِلمُ التَّوحيدِ عِلمٌ يُعنى بمَعرِفةِ اللهِ تعالى والإيمانِ به، ومَعرِفةِ ما يجِبُ له سُبحانَه وما يستحيلُ عليه، وما يجوزُ، وسائرِ ما هو من أركانِ الإيمانِ الستَّةِ، ويَلحَقُ بها، وهو أشرَفُ العُلومِ وأكرمُها على اللهِ تعالى؛ لأنَّ شَرَفَ العلمِ يَتْبَع شَرَفَ المعلومِ، لكِنْ بشَرطِ ألَّا يَخرُجَ عن مدلولِ الكِتابِ والسُّنَّةِ الصَّحيحةِ، وإجماعِ العُدولِ، وفَهْمِ العُقولِ السَّليمةِ في حُدودِ القَواعدِ الشَّرعيَّةِ، وقواعدِ اللُّغةِ العربيَّةِ الأصيلةِ) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (لا يَستَقِرُّ للعَبدِ قَدَمٌ في المَعرِفة، بل ولا في الإيمانِ، حتى يؤمِنَ بصفاتِ الرَّبِّ جلَّ جلالُه، ويَعرِفَها مَعرِفةً تُخرِجُه عن حدِّ الجَهلِ برَبِّه، فالإيمانُ بالصِّفاتِ وتعَرُّفُها: هو أساسُ الإسلامِ، وقاعِدةُ الإيمان، وثَمَرةُ شَجرةِ الإحسانِ؛ فمن جَحَد الصِّفاتِ فقد هَدَم أساسَ الإسلامِ والإيمانِ، وثَمَرةَ شَجَرةِ الإحسانِ، فضلًا عن أن يكونَ من أهلِ العِرْفانِ) .
وقال ابنُ رَجَبٍ: (لا صلاحَ للقُلوبِ حتى يستقِرَّ فيها مَعرِفةُ اللهِ وعَظَمتُه ومَحبَّتُه وخَشيتُه ومَهابتُه ورَجاؤُه والتوَكُّلُ عليه، وتمتَلِئَ من ذلك، وهذا هو حقيقةُ التَّوحيدِ، وهو معنى قَولِ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فلا صلاحَ للقُلوبِ حتى يكونَ إلهُها الذي تألَهُه وتَعرِفُه وتُحبُّه وتخشاه هو اللهَ وَحْدَه لا شريكَ له) .
وقال ابنُ رَجَبٍ أيضًا: (العِلمُ النَّافِعُ يدلُّ على أمرَينِ:
أحَدُهما: على مَعرِفةِ اللهِ، وما يَستَحِقُّه من الأسماءِ الحُسنى، والصِّفاتِ العُلا، والأفعالِ الباهِرةِ، وذلك يَستلزِمُ إجلالَه وإعظامَه، وخَشْيتَه ومهابتَه، ومحبَّته ورجاءَه، والتوكُّلَ عليه، والرِّضا بقَضائهِ، والصَّبرَ على بلائِه.
والأمرُ الثَّاني: المَعرِفةُ بما يحبُّه ويرضاه، وما يَكرَهُه ويَسخَطُه من الاعتِقاداتِ والأعمالِ الظَّاهرةِ والباطِنةِ والأقوالِ، فيُوجِبُ ذلك لِمَن عَلِمَه المسارَعةَ إلى ما فيه محبَّةُ اللهِ ورِضاه، والتَّباعُدَ عما يَكرَهُه ويَسخَطُه، فإذا أثمَرَ العِلمُ لصاحِبِه هذا فهو عِلمٌ نافِعٌ، فمتى كان العِلمُ نافعًا، ووقَرَ في القَلبِ؛ فقد خَشَع القلبُ لله، وانكسَرَ له، وذَلَّ هيبةً وإجلالًا وخَشيةً ومحبَّةً وتعظيمًا، ومتى خَشَع القلبُ لله وذَلَّ وانكسَرَ له قَنَعت النَّفسُ بيسيرِ الحَلالِ مِن الدُّنيا، وشَبِعت به؛ فأوجب لها ذلك القناعةَ والزُّهدَ في الدُّنيا) .
وقال ابنُ الوَزيرِ: (مَعرِفةُ اللهِ جَليَّةٌ في الفِطرةِ، سابقةٌ للشَّكِّ، كما قال تعالى: قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ [إبراهيم: 10] ؛ ولذلك قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفِطرةِ ))... الحديث) .
وقال محمَّدُ بنُ عبدِ الوَهَّابِ: (اعلمْ -رَحِمَك الله- أنَّه يجِبُ علينا تعلُّمُ أربعِ مَسائِلَ.
الأُولى: العِلمُ: وهو مَعرِفةُ اللهِ، ومَعرِفةُ نبيِّه، ومَعرِفةُ دينِ الإسلامِ بالأدلَّةِ.
الثَّانيةُ: العَمَلُ به.
الثَّالِثةُ: الدَّعوةُ إليه.
الرَّابِعةُ: الصَّبرُ على الأذى فيه) .
وقال عبدُ اللهِ أبا بطين: (أفرَضُ العُلومِ: مَعرِفةُ اللهِ سُبحانَه بأسمائِه وصِفاتِه، ومَعرِفةُ حَقِّه على عِبادِه، الذي خَلَق الجِنَّ والإنسَ لأجْلِه، وهو توحيدُ الأُلوهيَّةِ الذي أرسَلَ به جميعَ الرُّسُلِ، وأنزل به جميعَ الكُتُبِ، قال سُبحانَه: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد: 19] ، وقال: فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [هود: 14] أي: واعلَموا أنْ لا إلهَ إلَّا هو، وقال: هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ [إبراهيم: 52] ؛ فبَيَّن سُبحانَه أنَّ من الحكمةِ في إنزالِ القُرآنِ لِيعلَمَ النَّاسُ بما فيه من الحُجَجِ والبَراهينِ أنَّه هو المستَحِقُّ للأُلُوهيَّةِ وَحْدَه، ففَرَض على عبادِه العِلمَ بأنَّه الإلهُ وَحْدَه، وأخبَرَ أنَّه ضَمَّن كتابَه من الأدِلَّةِ والبراهينِ ما يَدُلُّ على ذلك، فتعيَّنَ على كلِّ مُكَلَّفٍ مَعرِفةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ، الذي هو أصلُ الأُصولِ، وأوجَبُ العُلومِ) .
وقال ابنُ عُثيمين: (مَعرِفةُ اللهِ سُبحانَه وتعالى نوعانِ:...
- مَعرِفةُ وجودٍ ومَعانٍ.
- ومَعرِفةُ كُنْهٍ وحقيقةٍ.
أما مَعرِفةُ الوُجودِ والمعاني فهذا هو المطلوبُ مِنَّا.
وأما مَعرِفةُ الكُنْهِ والحقيقةِ فهذا غيرُ مَطلوبٍ مِنَّا، فلا أحدَ يَعرِفُ حقيقةَ ذاتِ اللهِ سُبحانَه وتعالى، ولا حقيقةَ صِفاتِه، والوصولُ إلى ذلك مُستحيلٌ) .

منقول من موقع درر

عبدالله الأحد
2024-12-05, 15:48
مَعْرِفَةُ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم (1)


وَهُوَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَهَاشِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقُرَيْشٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْعَرَبُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ.



وَلَهُ مِنَ الِعُمُرِ: ثَلاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، مِنْهَا أَرْبَعُونَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَثَلاثٌ وعشرون نبياً رسولاً، نبئ بـــ (اقرأ)، وأرسل بــ (المدثر)، وَبَلَدُهُ مَكَّةُ، وهاجر إلى المدينة.



بَعَثَهُ الله بِالنِّذَارَةِ عَنِ الشِّرْكِ، ويدعو إِلَى التَّوْحِيدِ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ï´؟ يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ï´¾ [المدثر: 1 - 7].



ï´؟ قُمْ فَأَنْذِرْ ï´¾: يُنْذِرُ عَنِ الشِّرْكِ، وَيَدْعُو إلى التوحيد.

ï´؟ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ï´¾: أي: عَظِّمْهُ بِالتَّوْحِيدِ.

ï´؟ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ï´¾: أَيْ طَهِّرْ أَعْمَالَكَ عن الشِّرْكِ[1].

ï´؟ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ï´¾: الرُّجْزَ: الأَصْنَامُ، وَهَجْرُهَا: تَرْكُهَا، وَالْبَرَاءَةُ مِنْهَا وَأَهْلُهَا[2].



أَخَذَ عَلَى هَذَا عَشْرَ سِنِينَ، يَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ، وَبَعْدَ الْعَشْرِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَفُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَواتُ الْخَمْسُ، وَصَلَّى فِي مَكَّةَ ثلاث سنين، وبعدها: أُمر بالهجرة إلى الْمَدِينَةِ.



وَالْهِجْرَةُ: الانْتِقَالُ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلَى بَلَدِ الإِسْلامِ، وَالْهِجْرَة:ُ فَرِيضَةٌ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلَى بلد الإِسْلامِ، وَهِيَ: بَاقِيَةٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ؛ وَالدَّلِيلُ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ï´¾ [النساء: 97 - 99] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ï´؟ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ï´¾ [العنكبوت: 56].



قال البغوي رحمه الله: «سبب نزول هذه الآية: في المسلمين الذين بمكة، لم يُهَاجِرُوا؛ نَادَاهُمُ الله بِاسْمِ الإِيمَانِ».



وَالدَّلِيلُ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنَ السُّنَّةِ؛ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: (لا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مغربها).



فَلَمَّا اسْتَقَرَّ بالْمَدِينَةِ: أُمِرَ[3] بِبَقِيَّةِ شَرَائِعِ الإِسْلامِ؛ مِثلِ: الزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَالأَذَانِ، وَالْجِهَادِ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِ الإِسْلامِ، أَخَذَ عَلَى هَذَا عَشْرَ سِنِينَ.



وَبعدها تُوُفِّيَ صلاة[4] الله وَسَلامُهُ عَلَيْهِ، وَدِينُهُ بَاقٍ، وَهَذَا دِينُهُ، لا خَيْرَ إِلا دَلَّ الأُمَّةَ عَلَيْهِ، وَلا شَرَّ إِلا حَذَّرَهَا مِنْهُ[5]، وَالْخَيْرُ الَّذِي دَلَّ[6] عَلَيْهِ: التَّوْحِيدُ، وَجَمِيعُ مَا يُحِبُّهُ الله وَيَرْضَاهُ، وَالشَّرُ الَّذِي حَذَّرَ مِنْهُ[7]: الشِّرْكُ[8]، وَجَمِيعُ مَا يَكْرَهُ الله وَيَأْبَاهُ.



بَعَثَهُ الله إلى[9] النَّاسِ كَافَّةً، وَافْتَرَضَ[10] طَاعَتَهُ عَلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالإِنْسِ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ï´؟ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ï´¾ [الأعراف: 158]، وأَكَمَلَ الله بِهِ[11] الدِّينَ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ï´؟ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ï´¾ [المائدة: 3].



وَالدَّلِيلُ عَلَى مَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ تَعَالَى: ï´؟ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ï´¾ [الزمر: 30، 31]


[1] في (خ): (من الشرك).

[2] في (خ) و (ص): زيادة: (وعداوتها وأهلها وفراقها وأهلها).

[3] في (ص): زيادة: (فيها).

[4] في (خ، ص، م)، وحاشية ابن قاسم (87): (صلوات).

[5] في (خ) و (ص): (عنه).

[6] في (خ): (دلها).

[7] في (د): (حذر عنه). وفي (ص): (حذرها عنه).

[8] في (د): زيادة: (بالله).

[9] في (خ): (في).

[10] في (خ، د، م)، وحاشية ابن قاسم (89): زيادة لفظ: (الله).

[11] في (خ، ص): (له).



رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/144131/%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%81%D8%A9-%D9%86%D8%A8%D9%8A%D9%83%D9%85-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87-%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85-1/#ixzz8tY0VrerL

Ali Harmal
2024-12-06, 15:17
صلى الله على نبينا وحبيبنا محمد وعلى جميع اخوانه الانبياء والرسل وسلم تسليما كيرا…