عبدالله الأحد
2024-11-24, 15:21
بيان خطر الشرك ووجوب التحذير منه والتنفير عنه
مالك بن محمد بن أحمد أبو دية
بيان خطر الشرك ووجوب التحذير منه والتنفير عنه
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فاعلم أخي - جنَّبك الله الفتن - أن الشركَ بالله أقبحُ الذنوب وأكبرها على الإطلاق، لا يغفره الله لمن مات عليه، بل هو خالدٌ مخلدٌ في النار لِعظم جُرمه في حق الله الكبير المتعال؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات))؛ رواه البخاري ومسلم.
فعَدَّ النبي صلى الله عليه وسلم في أول ما عدَّ من هذه الموبقات المهلكات الشركَ بالله سبحانه وتعالى، وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لقِي الله لا يشرك به شيئًا، دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا، دخل النار))؛ رواه مسلم.
فدلَّت نصوص الكتاب والسنة على خطورة أمر الشرك، وعِظم المصيبة فيه، فليس هو بالأمر الهيِّن، بل هو أخطر من القتل والزنا والسرقة؛ لتعلُّقه بالله العظيم وبحقه في الإفراد والتوحيد.
فالشرك بالله: تسوية غير الله بالله في ما هو من خصائصه سبحانه وتعالى، فهو تَنَقصٌّ لله وهضمٌ لحقه العظيم وهو التوحيد.
واعلم أنّ مِن خطورة الشرك: أنه يحبط الأعمال؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 88]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65]، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم بُعِثَ في أشرفِ الناس وخيارِهم من أهل الأرض - وقد كانوا يحجون ويتصدَّقون، ويكرمون الضيف، ويفعلون الكثير من أمور الخير والبر والصلة والإحسان - ليُعلمهم أن شركَهم بالله العظيم مُحبِطٌ لجميع هذه الأعمال.
ومن خطورة الشرك: أن المصيرَ المحتومَ للمتلبسِ به هو النار وبئس المصير؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72]، وقد مرَّ معنا حديث جابر وفيه: (( ... ومن لقِيه يُشرك به شيئًا، دخل النار))؛ رواه مسلم.
ولأنَّ الشركَ ينافي التوحيد الذي جاء به الأنبياء، فإنه ما مِن نبي بعثه الله إلا بعثه بالنذارة عن الشرك؛ قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ﴾ [الأحقاف: 21].
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أُنزِل عليه: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، فقال: ((يا معشر قريش – أو كلمة نحوها – اشتروا أنفسكم، لا أغني عنك من الله شيئًا، يا عباس بن عبدالمطلب، لا أغني عنك من الله شيئًا، يا صفية عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئًا))، فغَلَّظ لهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر؛ لأنه سيعاديهم عليه بعد ذلك.
ولولا هذا التغليظ، لَمَا جرى على النبي صلى الله وأصحابه مِن قريش مِن الأذى والبطش ما جرى مِمَّا هو مُفَصَّلٌ في كتب السِّيَر.
ولخطورة الشرك: كان الصالحون وأولياء الله المتقون - ولا يزالون – يخافون على أنفسهم من مقاربته أو الوقوع فيه؛ لِعلمهم ما يورثه الشرك من المهانة والذل والصغار، وعلمهم أن مصير المشركين النار، فهذا إمام الموحدين وسيد الحنفاء إبراهيم عليه السلام، يخاف الشرك على نفسه وعلى بنيه، فيقول في دعائه: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، وهذا يعقوب عليه السلام يخاف على بنيه من بعده أن يَحيدوا عن التوحيد، وأن يواقعوا الشرك بالله العظيم، فيجمعهم كما حكى الله تعالى عنه: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 133]، وكيف لا يخاف يعقوب وقد خاف أبوه إبراهيم من قبل؟! قال إبراهيم التيمي رحمه الله: «ومَن يأمَن البلاء بعد إبراهيم؟!».
بل هذا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم يخاف الشرك، ويحذِّر منه أُمَّته، ويخافه عليهم، ويسدُّ عليهم منافذه وطُرقه الموصِّلة إليه؛ حمايةً وصيانةً لجانب التوحيد، وحِفظًا ووقايةً لأمته من الوقوع في الشرك، فمن ذلك:
١- ما روى البخاري في «الأدب المفرد»، وصحَّحه الألباني عن معقل بن يسار قال: انطلقت مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ( (يا أبا بكر، للشركُ فيكم أخفى من دبيب النمل))، فقال أبو بكر: وهل الشرك إلا من جعل مع الله إلهًا آخرَ؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده للشرك أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا قلته، ذهب عنك قليله وكثيرُه؟ قال: قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لِما لا أعلم)).
٢- وروى أحمد في مسنده وحسنه الألباني، عن أبي موسى الأشعري قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: ((يا أيها الناس، اتقوا هذا الشرك؛ فإنه أخفى من دبيب النمل))، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتَّقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟! قال: قولوا: ((اللهم إنَّا نعوذ بك من أن نُشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لِما لا نعلمه)).
فخاف النبي صلى الله عليه وسلم الشرك على أمَّته، وحذَّرهم خطره، وبيَّن لهم أنه من خطره يخفى حتى يكون أشد في خفائه من دبيب النمل.
وقد علِم النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الشرك سيقع في هذه الأمة، فعن ثوبان مرفوعًا مِن حديث طويل رواه أبو نعيم في الحلية وفيه: (( ... ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تُعبد قبائل من أمتي الأوثان)).
فحرَص النبي صلى الله عليه وسلم على تجنيب أُمته ذلك الخطر العظيم؛ فنهاهم عن اتخاذ القبور مساجد، ونهاهم عن الصلاة عندها، ونهاهم عن إيقاد السرج عليها، ونهاهم عن تجصيصها والبناء عليها والزيادة عليها من غير ترابها، وأمر بتسويتها، ونهى عن عيادتها بما فيها قبره صلى الله عليه وسلم، ونهى عن الألفاظ التي تحتمل الشرك وعدمه، ونهى عن الغلو في ذاته صلى الله عليه وسلم وحذر من ذلك.
كل هذا وغيره كثير؛ حمايةً وصيانةً لجانب التوحيد، وسدًّا وقطعًا لمنافذ الشرك والتنديد، وحفظًا ومنعًا لأُمته من خطره العظيم.
فحريٌّ بك أيها المسلم أن تعرف الشرك لِتحذَره، وتعرف طرقه لتتجنَّبها، وقد قيل:
عرَفتُ الشرَّ لا للشرِّ لكن لتوقِّيهِ *** ومَن لم يَعرِفِ الشرَّ من الخيرِ يَقَعْ فيهِ
وقد روى البخاري في صحيحه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشرِّ مخافةَ أن يدركني"، عصَمنا الله وإياكم من الفتن، ونجَّانا وإياكم من الشرك ومن نوافذه وطرقه، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/145443/%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D8%AE%D8%B7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%83-%D9%88%D9%88%D8%AC%D9%88%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%B0%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D9%86%D9%87-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%81%D9%8A%D8%B1-%D8%B9%D9%86%D9%87/#ixzz8sVZvbilM
مالك بن محمد بن أحمد أبو دية
بيان خطر الشرك ووجوب التحذير منه والتنفير عنه
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فاعلم أخي - جنَّبك الله الفتن - أن الشركَ بالله أقبحُ الذنوب وأكبرها على الإطلاق، لا يغفره الله لمن مات عليه، بل هو خالدٌ مخلدٌ في النار لِعظم جُرمه في حق الله الكبير المتعال؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات))؛ رواه البخاري ومسلم.
فعَدَّ النبي صلى الله عليه وسلم في أول ما عدَّ من هذه الموبقات المهلكات الشركَ بالله سبحانه وتعالى، وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لقِي الله لا يشرك به شيئًا، دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا، دخل النار))؛ رواه مسلم.
فدلَّت نصوص الكتاب والسنة على خطورة أمر الشرك، وعِظم المصيبة فيه، فليس هو بالأمر الهيِّن، بل هو أخطر من القتل والزنا والسرقة؛ لتعلُّقه بالله العظيم وبحقه في الإفراد والتوحيد.
فالشرك بالله: تسوية غير الله بالله في ما هو من خصائصه سبحانه وتعالى، فهو تَنَقصٌّ لله وهضمٌ لحقه العظيم وهو التوحيد.
واعلم أنّ مِن خطورة الشرك: أنه يحبط الأعمال؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 88]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65]، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم بُعِثَ في أشرفِ الناس وخيارِهم من أهل الأرض - وقد كانوا يحجون ويتصدَّقون، ويكرمون الضيف، ويفعلون الكثير من أمور الخير والبر والصلة والإحسان - ليُعلمهم أن شركَهم بالله العظيم مُحبِطٌ لجميع هذه الأعمال.
ومن خطورة الشرك: أن المصيرَ المحتومَ للمتلبسِ به هو النار وبئس المصير؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72]، وقد مرَّ معنا حديث جابر وفيه: (( ... ومن لقِيه يُشرك به شيئًا، دخل النار))؛ رواه مسلم.
ولأنَّ الشركَ ينافي التوحيد الذي جاء به الأنبياء، فإنه ما مِن نبي بعثه الله إلا بعثه بالنذارة عن الشرك؛ قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ﴾ [الأحقاف: 21].
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أُنزِل عليه: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، فقال: ((يا معشر قريش – أو كلمة نحوها – اشتروا أنفسكم، لا أغني عنك من الله شيئًا، يا عباس بن عبدالمطلب، لا أغني عنك من الله شيئًا، يا صفية عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئًا))، فغَلَّظ لهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر؛ لأنه سيعاديهم عليه بعد ذلك.
ولولا هذا التغليظ، لَمَا جرى على النبي صلى الله وأصحابه مِن قريش مِن الأذى والبطش ما جرى مِمَّا هو مُفَصَّلٌ في كتب السِّيَر.
ولخطورة الشرك: كان الصالحون وأولياء الله المتقون - ولا يزالون – يخافون على أنفسهم من مقاربته أو الوقوع فيه؛ لِعلمهم ما يورثه الشرك من المهانة والذل والصغار، وعلمهم أن مصير المشركين النار، فهذا إمام الموحدين وسيد الحنفاء إبراهيم عليه السلام، يخاف الشرك على نفسه وعلى بنيه، فيقول في دعائه: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، وهذا يعقوب عليه السلام يخاف على بنيه من بعده أن يَحيدوا عن التوحيد، وأن يواقعوا الشرك بالله العظيم، فيجمعهم كما حكى الله تعالى عنه: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 133]، وكيف لا يخاف يعقوب وقد خاف أبوه إبراهيم من قبل؟! قال إبراهيم التيمي رحمه الله: «ومَن يأمَن البلاء بعد إبراهيم؟!».
بل هذا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم يخاف الشرك، ويحذِّر منه أُمَّته، ويخافه عليهم، ويسدُّ عليهم منافذه وطُرقه الموصِّلة إليه؛ حمايةً وصيانةً لجانب التوحيد، وحِفظًا ووقايةً لأمته من الوقوع في الشرك، فمن ذلك:
١- ما روى البخاري في «الأدب المفرد»، وصحَّحه الألباني عن معقل بن يسار قال: انطلقت مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ( (يا أبا بكر، للشركُ فيكم أخفى من دبيب النمل))، فقال أبو بكر: وهل الشرك إلا من جعل مع الله إلهًا آخرَ؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده للشرك أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا قلته، ذهب عنك قليله وكثيرُه؟ قال: قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لِما لا أعلم)).
٢- وروى أحمد في مسنده وحسنه الألباني، عن أبي موسى الأشعري قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: ((يا أيها الناس، اتقوا هذا الشرك؛ فإنه أخفى من دبيب النمل))، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتَّقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟! قال: قولوا: ((اللهم إنَّا نعوذ بك من أن نُشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لِما لا نعلمه)).
فخاف النبي صلى الله عليه وسلم الشرك على أمَّته، وحذَّرهم خطره، وبيَّن لهم أنه من خطره يخفى حتى يكون أشد في خفائه من دبيب النمل.
وقد علِم النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الشرك سيقع في هذه الأمة، فعن ثوبان مرفوعًا مِن حديث طويل رواه أبو نعيم في الحلية وفيه: (( ... ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تُعبد قبائل من أمتي الأوثان)).
فحرَص النبي صلى الله عليه وسلم على تجنيب أُمته ذلك الخطر العظيم؛ فنهاهم عن اتخاذ القبور مساجد، ونهاهم عن الصلاة عندها، ونهاهم عن إيقاد السرج عليها، ونهاهم عن تجصيصها والبناء عليها والزيادة عليها من غير ترابها، وأمر بتسويتها، ونهى عن عيادتها بما فيها قبره صلى الله عليه وسلم، ونهى عن الألفاظ التي تحتمل الشرك وعدمه، ونهى عن الغلو في ذاته صلى الله عليه وسلم وحذر من ذلك.
كل هذا وغيره كثير؛ حمايةً وصيانةً لجانب التوحيد، وسدًّا وقطعًا لمنافذ الشرك والتنديد، وحفظًا ومنعًا لأُمته من خطره العظيم.
فحريٌّ بك أيها المسلم أن تعرف الشرك لِتحذَره، وتعرف طرقه لتتجنَّبها، وقد قيل:
عرَفتُ الشرَّ لا للشرِّ لكن لتوقِّيهِ *** ومَن لم يَعرِفِ الشرَّ من الخيرِ يَقَعْ فيهِ
وقد روى البخاري في صحيحه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشرِّ مخافةَ أن يدركني"، عصَمنا الله وإياكم من الفتن، ونجَّانا وإياكم من الشرك ومن نوافذه وطرقه، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/145443/%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D8%AE%D8%B7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%83-%D9%88%D9%88%D8%AC%D9%88%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%B0%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D9%86%D9%87-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%81%D9%8A%D8%B1-%D8%B9%D9%86%D9%87/#ixzz8sVZvbilM