تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وفاء كلب...


dja_mohamed
2024-10-23, 21:30
وفاء كلب...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ

فِي إِحْدَى لَيَالِي السَّمَرِ اجْتَمَعَتْ العَائِلَةُ حَوْلَ مَجْمَرٍ (الفِرْكَاكَة) يَتَجَاذَبُونَ أَطْرَافَ الحَدِيثِ، طَلَبْتُ مِنْ جَدِّي وَرَجَوْتُهُ أَنْ يَقُصَّ عَلَيْنَا أَغْرَبَ مَا مَرَّ بِهِ مِنْ قِصَصٍ. اِعْتَدَلَ جَالِسًا وَتَأَوَّهَ ثُمَّ قَالَ : إِيه... كُنَّا نَسْكُنُ مَنْطِقَةً تُسَمَّى "عُشَّ الفَرُوجِ" عَامَ المَجَاعَةِ وَلَا نَمْلِكُ مِنَ الغَنَمِ إِلَّا بَعْضَ شُوَيْهَاتٍ عَلَى عِنْزَتَيْنِ يَعْكِفُ عَلَى حِرَاسَتِهَا كَلْبٌ شَدِيدُ البَأسِ لا تَرْمُقُ عَيْنَاهُ خَطَرًا إِلَّا زَالَهُ؛ يَبِيتُ لَيْلَهُ يَقِظًا وَلا يَنَامُ مِنَ النَّهَارِ إِلَّا اليَسِيرَ مِنْهُ. تَقَدَّمَتْ بِهِ السِّنُونُ وَشَاخَ وَلَمْ يَعُدْ قَادِرًا عَلَى تَقْدِيمِ النَّفْعِ لَنَا، فَحَدَّثْتُهُ يَوْمًا قَائِلًا : «اِرْحَلْ عَنَّا فَلَمْ نَعُدْ قَادِرِينَ عَلَى إِطْعَامِكَ وَلَا نَرْجُوا مِنْكَ نَفْعًا». نَظَرَ إِلَيَّ مَلِيًّا ثُمَّ أَخَذَ وِجْهَةَ الجَبَلِ وَهُوَ يَلْتَفِتُ وَكَأَنَّه يَقُولُ شَيْئًا!...، وَبَعْدَ رَحِيلِهِ عَنَّا عَدَا الذِّئْبُ عَلَى مَا كَانَ يَحْرُسُهُ وَنَحْنُ نِيَّامٌ، عِنْدَهَا فَقَطْ أَدْرَكْنَا أَنَّ الكَلْبَ كَانَ ذُو فَائِدَةِ وَلَو نُبَاحًا.
قُلْتُ : رُبَّمَا كَانَ يَقُولُ :

قالوا عَجَزْتَّ فَلا خُبْزٌ وَلا مَرَقُ ... إِنَّ الكِلابَ إذَا شَاخَتْ بِهَا ضَاقُوا

قالوا وَهَنْتَّ وَلَا نَفْعًا، فَقُلْتُ لَهُمْ ... إِنَّ الوَفَاءَ لِسَدِّ الضَعْفِ مِغْلاقُ

وَالضَعْفُ مِن عَاجِزٍ أَو أَصْغَرٍ قَسَرٌ ... وَمِنْهُ شَيْبَةٌ لِطَرْدِ الجَارِ إِمْلاقُ

وَالعَطْفُ عَن وَاهِنٍ أَو أَشْيَخٍ كَرَمٌ ... وَفِيهِ طُهْرَةٌ لِكَسْبِ المَالِ إِنْفَاقُ

قالوا رَحِيلُكَ يُجْدي النُّصْحُ مِنْهُ لَنَا ... إِنَّ الكِلابَ لِصَرفِّ الرِزْقِ مِهْرَاقُ

قُلْتُ الوَفَاءُ يُجْدي النُّفْعُ مِنْهُ لَكُم ... إِنَّ الرَّحِيلَ لِجَلْبِ الشَّرِّ مِغْدَاقُ

أَمَا تَرى الذِّئْبَ يَخْشى وَ هِيَ نَابِحَةٌ ... وَالكَلْبُ يُدْعَى لِكَرْبٍ وَهُوَ سَبَّاقُ

اِسْتَرْسَلَ جَدِّي حَدِيثَهُ، وَمُنْذُ ذَاكَ الوَقْتِ لَمْ نَرَ لَهُ أَثَرًا وَلَمْ نَسْمَعْ لَهُ نُبَاحًا... إِنَّهُ الوَفَاءُ فِي أَبْهَى صُوَرِهِ حَتَى وَإِنْ جَارَ الزَمَانُ وَتَنَكَّرَ الخِلَّانُ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ

محمد جعيجع من الجزائر – آفريل 2020