المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل يكون اليأس مرادفاً للعِلْم


coding78
2009-12-30, 17:05
هل يكون اليأس مرادفاً للعِلْم

اليأس أحد الراحتين


خلال مشاهدتي لأحد المسلسلات التاريخية عن أواخر أيام الخلافة الأموية وبداية الدعوة للعباسيين على يد أبي مسلم الخراساني ،وفي مشهد يُبيِّنُ انغماس أمراء بني أمية في اللعب واللهو وانصرافهم عما يُدبَّر لهم ، كان أميران يلعبان الشطرنج وقد أوشك أحدهما أن ينال من صاحبه فقال له مستهزءاً {إن اليأس أحد الرحتين كما يقول المثل}.
وفي الحقيقة لقد استرعاني المثل لثلاثة عوامل، أولها أنني لم أسمع به من قبل- مع اهتمامي بالحكم والأمثال العربية -، وثانيها استغرابي من اقتران اليأس بالراحة وكيف يجوز أن يكون سبباً لها ،أما الثالث فتساؤلٌ عن الراحة الأخرى بعد اليأس

وإذا كنت قد خرجت من العامل الأول بفائدة جديدة وهي إضافة مَثًل جديد لمعجمي الشخصي فإن العامل الثاني استوقفني للبحث عن المفارقة الظاهرة بين اليأس المؤدي عادة للقنوط وبين الراحة المنافية له ،وفي غمرة البحث عثرت على الموضوع التالي:


http://www.alwahatech.net/vb/mwaextraedit2/frames/tr2.gif
http://www.alwahatech.net/vb/mwaextraedit2/frames/tl2.gif

يشتهر بين الناس "اليأس إحدى الراحتين"، وهو يفيد العلم لأن المرء لا ييأس إلا إذا علم الاستحالة. وقد عثرت في كتاب "تاريخ القرآن الكريم" ص256-257 للدكتور عبد الصبور شاهين في كتابه على شواهد ذلك اللغوية.
قال في مبحث مصحف علي رضي الله عنه: قراءة علي وجماعة كثيرة "أفلم ييئس الذين آمنوا" في القراءة العامة "ألم يتبين الذين آمنوا".
وبعد أن أورد الدكتور هذا الجزء من الآية 31 من سورة الرعد ذكر تمهيدا ذكر فيه أسماء من شارك الإمام عليا هذه القراءة- نقل كلام ابن جني من كتابه المحتسب قائلا: قال أبو الفتح: هذه القراءة فيها تفسير معنى قوله تعالى: "أفلم ييئس الذين آمنوا"، أي يتبينوا. وروينا عن ابن عباس أنها لغة فخذ من النخع. قال:
ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه ** وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا
وروينا لسحيم بن وثيل:
أقول لأهل الشعب إذ يأسرونني ** ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
أي: ألم تعلموا.
وذكر أبو حيان أن اليأس هنا في قول الأكثرية بمعنى العلم، كأنه قيل: ألم يعلم الذين آمنوا. قال ابن القاسم بن معن: هي لغة هوازن، وقال ابن الكلبي: هي لغة حي من النخع


وقال الطاهر ابن عاشور
وييأس : بمعنى يوقن ويعلم ، ولا يستعمل هذا الفعل إلا مع { أن } المصدرية ، وأصله مشتق من اليَأس الّذي هو تيقّن عدم حصول المطلوب بعد البحث ، فاستعمل في مطلق اليقين على طريقة المجاز المرسل بعلاقة اللزوم لتضمن معنى اليأس معنى العلم وشاع ذلك حتى صار حقيقة ، ومنه قول سُحَيم بن وَثيل الرياحي
: ... أقول لهم بالشّعْب إذ يَيْسَرُونَنِي
ألم تأيسوا أني ابنُ فارس زهدم ... وشواهد أخرى

http://www.alwahatech.net/vb/mwaextraedit2/frames/br2.gif
http://www.alwahatech.net/vb/mwaextraedit2/frames/bl2.gif


من كل هذا أدركت أن اليأس الذي قد يكون أحد الراحتين إنما هو العِلْم فلا راحة إلا عن علم ويقين
ولعل هذا أحد أسرار لغتنا العربية التي تفصح لنا كل يوم عن شواردها.

أما العامل الثالث وهو التساؤل عن الراحة الأخرى بعد اليأس فأترك إجابته لمن يشرف موضوعي بمروره

مع تحياتي