تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ألم الأمس، و وطن الغد، و ثَمَنْ


مناد بوفلجة
2023-05-20, 00:05
ألم الأمس
و وطن الغد
و ثَمَنْ

عندما إخترقت تلك الرصاصة، رصاصة الإحتلال الفرنسي، للجسد المتهالك لذلك الطفل المحاصَر في قريته الجزائرية، تخترق جسده ببطء، يشعر بها الطفل، يتألم، و ينظر إلى قاتله، و في قلبه حَصْرَة، و خوف، يشعر بحرارة تلك الرصاصة، يتأمل بجِواره، و محيطه المحدود، ينظر إلى مشهد مقتل والدته، و كُلّه خوف، و رُعْب، ، قبل أن تَخْتَرِق تلك الرصاصة جسده الفتي، يتسائل في قلبه: لماذا ؟!

و كأنه يقول في نفسه، أنه وُجِدَ ليموت، و كأن والديه وُجِدوا لتكون هي تلك نهايتهم، و بأن ماضيه القصير الذي عاشه، و ضحكاته السابقة، لم تكن سوى لحظات أعطاها له القَدَر، و هو ينظُر إلى قاتله، يرى الحياة و الموت، لا يفرق بينهما، كأنهما حتمية إلتقيا في جسده، بالصدفة، و هو يَبْكِي قاتله.

يرى تلك الأرض المحيطة به حينها، لم يعلم بأنها هي الوطن، الذي لم يحميه، و هو لا يدرك أنها الشهادة، و أنه هو ذاته ثمن لحرية، لم يتعلمها في المدرسة، لأنه لم يرتديها يوما، و لم يُعَلِّمْها له مجموعة الستة مفجري الثورة، و لا ميصالي الحاج، لأنه لم يعلم بوجودهم من الأصل، و لا بوجود أفكارهم، و أهدافهم، و لا أحلامهم، لم يتعلم بأن كل ذلك هو ثمن لوطن لم يشعر به و لن يشعر به، تم إغتصابه.

فلم يلتقي في حياته بمن يلقنه ذلك، فقد كان مَثَلُه الأعلى هو فقط شيخه الذي يعلمه القرآن، الذي أُحْرِقت مدرسته، و والديه الذين ماتوا قبله بلحظات، لم يكن يدرك حينها أنه هناك وطن، و ثمن، لم يعلم أنه هو من سيدفع جزء من ثمنه، مقابل حرية لم يشعر بها.

كان يظن أنه هو نفسه الخطأ على تلك الأرض، كان يتمنى أنه لو تخفف تلك الرصاصة سرعتها إلى جسده الفتي، ليعتذر لقاتله، ليعتذر له عن وجوده هناك، تحت ذلك السقف المشقوق، و بأنه بريء.

لقد كانت قصة طويلة يحملها ذلك الطفل الشهيد من أجل ذلك الوطن الذي لم يعلم بوجوده، قبل أن يعلم بأنه شهيد، مات و هو يحمل في ذاته و قلبه، قصة ، و تسائل، لماذا أنا؟!

كل تلك الآلام الجسدية و النفسية التي أدت إلى وفاته، لا يشعر بها مسؤولين اليوم، هذه هي المعادلة الصعبة التي نحتاجها اليوم، هي معادلة الشعور بألم الأمس لنبني وطن الغد، الشعور بألم الأمس، ليست آلامنا، و لا أوجاعنا، بل آلام من ماتوا في سبيل هذه الأرض، دون أن يعلموا بأنهم كانوا ثمن، و دون أن يتذوقوا طعم الحرية.

لو إستطعنا الشعور بآلام سكان تلك القرى التي أبادها الإحتلال الفرنسي، و الشعور بآلام من حُرقوا في محرقة مغارة الظهرة بمستغانم و هم أحياء، و التي تحول فيها أكثر من ألف جزائري إلى بقايا متفحمة داخل مغارة، لو تمكنا من الشعور بآلام قبيلة الزعاطشة التي أبيدَت عن بِكرة أبيها، و الشعور بألم الشهيد العربي بن مهيدي حينما سُلِخَ وجهه و هو حي، لو شعرنا بكل ذلك و أكثر، لما تمكنا من العيش في وطن لا نشعر به اليوم.

للموضوع بقية...
موضوع بمناسبة ذكرى يوم
الطالب، 19 ماي 1956 م
الله يرحم الشهداء
مناد بوفلجة...