تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الجزيرة وإِيمان عيَّاد قصةُ وفاءٍ لا تنتهي …!


وسـام
2023-05-02, 21:11
قصةُ وفاءٍ لا تنتهي …!
الجزيرة وإيمان عَيَّاد


بقلم. مؤيّد محمد الباقر السرَّاج

يمضي إيقاع الزمان سريعاً، ونحن نسير في متاهات الحياة، ليبقى لكل منا خصوصية، كما يظل لكل فرد منا في دواخله الكثير من الأحلام والأمنيات، التي تتبلور بامتداد احاسيسه ومشاعره على مرّ الزمان، لتجسد رؤاه وانفعالاته وانتماءاته، فترسم على صفحات حياته ملامحه… ملامح تعكس في الغالب الأعم قسوة الحياة وتحدياتها، فنمضي سائرين ما بين حلم نستنظر تحققه، وأمنية نسعى لإدراكها، وذكريات نتوق لعودتها، وواقع مرير نعيش فيه ونتعاطى معه.. فهي إذاً دروب متباينة لابد لنا من سلوكها برغم ما فيها من التعاج، وكل ذلك بمنطق الحياة الجائر.

بمشاعر تفيض إعجاباً من موقع مراقب، أقف اليوم عند قصة وفاءٍ لا تنتهي جمعت بين قناة الجزيرة والصحفية إيمان عَيَّاد، التي تُعد من أبرز الإعلاميات العرب ذات الأصول الفلسطينية (من بلدة الساحور بالقرب من مدينة بيت لحم)، ولدت في دولة الكويت بعيداً عن التراب الفلسطيني، ونالت الجنسية الأمريكية لاحقاً، ومع ذلك ظلت مرتبطة بعمقها العربي، وفيّةً لبلدها فلسطين، مناصرة لقضاياه.


إيمان التي التحقت بقناة الجزيرة في العام 1999 كمذيعة أخبار رئيسية، ومقدمة برامج، نالت محبة الملايين من المشاهدين، بحنكتها الحوارية، ولغتها الخطابية الرصينة التي تبرَّأ من التصنع والتقليد، فقد حباها الخالق بطبقة صوتية مميزة أخذت بقلوب السامعين، وحُسن يبهر الناظرين حتى لُقبت بــ (سندريلا الجزيرة).

في منتصف العالم 2011، احتجبت إيمان عن شاشة الجزيرة في ظروف غامضة، وخلّف غيابها مادة دسمة للصحافة لما تتمتع به من شعبية كبيرة، بالإضافة لكونها أحد الكوادر الإعلامية الرئيسة في قناة تلفزيونية هي الأشهر عربياً وعالمياً، ظل خطها التحريري محل جدل منذ انطلاقتها.

ومع استمرار كسوف شمس بنت بنّورة (اسم الولادة لإيمان) ردحاً من الزمن، انبرى خصوم الجزيرة في استثمار الحدث، وتسويقه بما يخدم اجندتهم، وراج في الإعلام الإلكتروني الكثير من الأخبار التي تتحدث عن تقديم إيمان لاستقالتها من الجزيرة على خلفية اعتراضها على الخط التحريري، فاحترقت الأسئلة، واحتضرت الامنيات إلى أن أطلت (السندريلا) عبر شاشة الجزيرة في مساء يوم الجمعة الموافق الثاني عشر من ديسمبر /كانون الأول 2013، خلال حلقة من برنامج (لقاء اليوم) أدار دفّة الحوار فيه الإعلامي القدير (محمد كريشان).. تحدثت فيه ايمان عن السبب الذي غيِّبها قسراً (وهو اصابتها بمرض السرطان)، كما تكلمت بإسهاب عن رحلة العلاج بكل ابعادها الإنسانية والتي دامت قرابة ثلاثة أعوام.


أبقتْ إدارة الجزيرة على التعاقد قائماً مع إيمان طوال فترة غيابها، وليس هذا فحسب بل تكفلت بكل نفقات العلاج بسقف يفوق حدود التأمين الصحي الاجتماعي المتعارف عليه، كما عملت على تقدم الدعم المعنوي من خلال خط ساخن كان للقيادة القطرية السياسية دور فيه.

وقد خسر خصوم الجزيرة بالحملات الشعواء التي قادوها معركة الأخلاق والقيم، كما كشفت تلك الحملات عن سذاجة العقل الجمعي وبساطته عند فئة ليست بقليلة من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي في وطننا العربي.

فما قامت به الجزيرة، مثالاً يحتذي به في الالتزام بـ(بيان المعايير المثالية)، في وقت نشهد فيه انهيار المنظومة القيمية والأخلاقية، وغلواء الجانب المادي في زماننا هذا الذي أضحت تحركه أوراق البنكنوت الخضراء، وقد دكَّ السقوط الأخلاقي المهني أسوار كثير من المؤسسات الخدمية في مختلف المجالات في عالمنا العربي.


قد يتساءل البعض عن جدوى الفائدة التي يُجنيّها القارئ الكريم، من قراءة سرد كهذا، يدور الحديث فيه عن علاقة قناة تلفزيونية مع موظفة فيها، وقد ينظر إليه البعض كنص صحفي توثيقي خبري، لا مقال رأي! ولكل منا الحق في تصنيفه وفقاً لما ارتأى، ولكني عمدت من هكذا طرح أن أبرز البعد الإنساني والجانب الأخلاقي في قصة نُسجت أركانها بخيوط وفاءٍ لا ينتهي.

تعافت إيمان.. وعادت مجدداً لتعانق غرفة الأخبار، وتطل من على شاشة الجزيرة، كما يحب أن يراها معجبيها، ولكن بملامح تجسد قوة إرادة الحياة المستمد حتماً من إيمانها بالله جلَّ في عُلاه.