تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المقامة النسائية .


علي قسورة الإبراهيمي
2007-10-29, 14:09
بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا قسورة، قال :

و كما هي الحال يا سادة ، لم تفارقني تلك العادة . و هو تجوالي في ازقة" باريس" كل اسبوع ، و حالي الى صغو ذلك مطبوع ، ما انتهى ظلام إلى فلق، وتأدى غروب إلى غسق . فأمعنت في الدوران و السياحة، وجعلت أقطع ساحة بعد ساحة .. و قد طفت على بعض المعالم متفرجــًا ، و في بعض الأزقة معرّجــًا .. و انا غارق في تفكيري و تخميني ، فلم افق الاّ و انا بالحي " اللاتيني " ..
آهٍ ! باريس بمنتزهاتها جوهر، ونسيم " السين " المعطر، وجوّها مسك أذفر. ناهيك عن يومها غداة وليلها سحر ... طعامها هني، وشرابها مري.. مدينة واسعة الرقعة، نظيفة البقعة. كأن محاسن الدنيا فيها مفروشة، وصورة الحسن بها منقوشة ، فهي واسطة البلاد وسرتها، وواجهة الدولة وغرتها.
و مع ما حكى عنها من القول ، الاّ أن هذا ذكّرني بالشاعرالعربي الفحل . و هو يقول :
ولكن الفتى العربي فيها ***** غريب الوجه و اليد و اللسان .
و عند بلوغ أمنيتي ، و وصولي الى غايتي .. فاذا بي امام زميلة ايام التعلّم و الدرس ، و " صديقة " الصبا لا الانس..ومن دون المقدمات ، و التحيات ، بادرتني سائلة ، و بغضب قائلة : أ هذا حالكم ايها الرجال ؟ من كنا نعقد عليكم الآمال ؟
فقلت لها : عمن تتكلمين ؟ و باسئلتكِ ماذا تقصدين ؟.. فأجابت : انظر ماذا كتب بعض " السلف " ، ليحتجّ به علينا بعض الخلف " الاصابة في منع النساء من تعلم الكتابة " أ تصدق هذا ؟ .. ان " سلفكم " جعل الكتاب حجة و اصابة يعني صواب ، ولكل سؤال جواب..
عندئذ طلبت منها التوقف ، فوقفنا.. و امام الملأ في حديقة عامة استرحنا .. فقلت لها : بالرغم ما ذهب اليه المؤلف ، فرأيه يعلوه النقص و الضعف .. و لم يكن محل اجماع ، وكلّ اتى بما استطاع .. فمنهم من نقل عن أخبارهم زورًا و مينـــًا ، و منهم من أستعبد عقولا ضعافًأ من الدهر حينـًا ، و منهم ـ يا أختاه !ـ من كتب كتابًا أوأملاه ، و على طريقته سمّاه " عقود الجمان في جواز تعليم الكتابة للنسوان .. "
و برأيها الصريح أجابت ، و لسانها الفصيح قالت : و لكن المانعين رأيهم هو الذي ساد حينًا من الدهر ، و جُهّلت المرأة أوانًا من العصر .. وبثقة هائلة استطردت قائلة : و يحك ! ان العلم في ديننا ليس حقّا يمكن عنه الاستغناء ، بل هو واجب يستوجب الاداء .. و اقرأ ايها المتعلم فـ" طلب العلم فريضة على كل مسلم " . و اعلم ان اول كلمة ارسلت ، و في اول سورة على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنزلت ، هي: " اقرأ " . فالامر جاء مطلقًا غير مقيّد ، و يتكلم عن المسلم سواء كان امرأة او سيّد.. فمن اظلم من تقوّل على الاسلام و و افترى على خير الانام .. و زعم أنه يمنع المرأة من اكتساب المهن و الحرفة ، او يحرمها من تحصيل العلم و المعرفة .
فأوحت اهواء الناس ، فتجرأوا على رب الناس ، و نسبوا الى رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ كلامًا ، ليس عليه من نور كلامه وقوله ، و ليس فيه من منطق الاسلام و عدله ، و هو " لا تعلموهن الكتابة ، و لا تسكنوهن الغرف ".
بالله يا هذا ، كيف ينهى رسول الله ـ عليه الصلاة و السلام ـ و يأتي مثله ؟ فقد روي ابو داود عن الشفاء بنت عبد الله قولها : (( دخل عليّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ و أنا عند حفصة ، فقال لي : الا تعلمين هذه رقية النّمِلة كما علمتها الكتابة )) .. و تابعت مسترسلة ، و بالشعر قائلة :
هـذا رســـــــــــــول الله لم ***** ينقص حقوق المؤمنات
العلم كان شريعـــــــــــــــة ***** لنسائه المتفقهـــــــــات
رضن التجارة و السياسة ***** و العلوم الأخريـــــات .
كانت سكينة تملأ الـــــــــد***** نيا و تهزأ بالــــــــــرواة
روت الحـديث و فسّرت ***** آي الكتــــــاب البينات .

ثم ما بال هؤلاء يؤمنون ببعض " الحديث " و يكفرون ببعض ، و ما تقوّلوه فغيض من فيض .. حيث منعوا النساء من القراءة و الكتابة ؛ و لكنهم اسكنوهن الصروح الممردة الخلابة ؟.. ان بعض " العلماء " على الامة بلاء ، و أحكامهم لغوب و عناء .. فبعضهم زهّد هذه الامة في أخذها من الدنيا نصيبها ، و ضيّقوا عليها أفق رحيبها ، وكم اشاعوا فيها من التواكل و التكاسل ، و ثبطوها عن الضرب في الارض كالجنادل ، و حرموها من المشي في مناكبها ذات الدلائل ، و بعضهم غرس فيها جرثومة التعصب المذهبي فاهلكتها ، و منهم أحدث طائفية في الامة فأكلتها .. حيث صار المسلم لا يصلي وراء أخيه المسلم ، لاختلافهما في المذهب لا المشرب ؛ بل اصبح المسلم يستحل دم أخيه المسلم بسبب اختلاف المذهب .. فكيف لا تتأخر امة و هذا النوع من " العلماء " هم قادتها ؟ و أنّى لأمة ان تنهض و هذا الصنف من " الفقهاء " رادَتُها ؟.
يا هذا ! فالمرأة ظنت ان كلام الله قد وصل الأذن ، و ان التجارب و الايام قد فتحت الأعين ، و شرحت الصدور ، و وسعت العقول ، و ميّـز الناس بين الدين الحق الذي جاء به محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ و بين " الدين " الذي اشاعه ضعاف و ضيّقوا العقول ، و لكن الظنون كواذب ، و ظهر للمرأة عكس ذلك و تجلت العواقب ، و تأكدت ان بعض الناس يضيقون ما وسعه الله ، و يقيدون ما أطلقه الله ، و يمنعون ما اباحه الله من غير قرآن كريم، و لا ذي حجة عليم ، و لا حديث شريف ، و لا رأي حصيف ، و لا أجماع قويم ، و لا من قياس سليم ..
فقلت لها : انكِ ـ يا أختاه !ـ تبالغين ، و بلا روية ولا تأن تعاندين ..
فخنقت من كلامي و استشاطت ، و في غضبٍ قالت : ما رأيك ان عالمًا كبيرا ، و داعية شهيرا . افنى سواده ، و ابلى بياضه للعلم ناشرًا ،و مجادلا عن الاسلام مجاهرًا ، و ما يجحد اعماله و علمه ، الاّ من يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله . و لكن ، كلامه ليس كله صوابًا ، و لا اراءه كلها حجة و جوابًا . فما هو الا بشر يشمله قول الحبيب ـ عليه الصلاة و السلام ـ " كل بني ادم خطاء .... "
ألف هذا العالم كتابًا و أملاه ، و بـ " الدستور الاسلامي " أسماه . كتاب ارتحت لعيانه، واهتززت لعنوانه.. و عندما قرأت ذلك " السفر" و تابعت ، و لكن يا هول ! ما رأيت و اطّلعت .. فقد حدد هذا الداعية المعلم ، للبنت سنوات التعلّم ، فقال : (( و أما سنوات التعليم فلتُحدّد بخمس سنوات فقط ، حيث تدخل البنت المدرسة في سن السادسة ، و تبارحها في نهاية السنة العاشرة من عمرها ، و لا تختبر اثناء الدراسة ، و لا تعطى شهادة بعدها ، و انما يكفيها ان تدرس المقرر لكل سنة دراسية وافية ، و تطبقه في حياتها عمليّا ، اذ القصد الاول و الاخير من تعليم البنت المسلمة هو تربيتها ، و تعليمها أمر دينها ، و ما يصلح اخلاقها )) و يا هول الفاجعة ، مخافة أن تحل بنا قارعة ، بل هي باقعة ما لها راقعة .
و قد قرأت هذا" السفر" مرارًا و تكرارًا ، و بماذا خرجت ؟ و ماذا استنتاجت ؟ .. لا حظت ان فضيلة شيخنا فيما ذهب اليه لم يستشهد ، لا بآية قرآنية.. و فيما زعمه لم يؤكد ، لا بأحاديث نبوية ، و لا اقوال صحابة ، و لا اراء تابعين نجّابة.. ناهيك عن امام من ائمة المذاهب ، لعله يقيم الحجة و البرهان فيما إليه ذهب ... في حين استشهد في المسائل الاخرى فقد أقام " الحجة " بآيات قرأنية مادحــًا ، برهن بأحاديث نبوية صادحـًا ... و لو وجد مستندًا ، لِما ذهب اليه لما تردد في اراده مؤكدًا .
كما اعلم ـ و يعلم غيري ـ ان فضيلة الشيخ ممن يوصون المسلم بعرض بناته أو زوجته المصون، اذا أصابها مرض على طبيبة مسلمة ، فإن لم توجد فطبيبة للأدواء عالمة ، و لو لم تكن مسلمة ، فإن لم توجد فطبيب مسلم ، فإن لم يوجد فطبيب و لا يهم .. فللضرورة أحكام، و ما لمريضة إيلام .. و السؤال هو : كيف توجد طبيبة مسلمة. و سماحته قد اغلق الباب في وجه البنت المسلمة لتكون طبيبة أو متعلمة ؟..
و أعلم يا هذا ، ان ثورة كثير من النساء على " الاسلام " سببها هو حرمانهن من كثير مما منحه لهن الاسلام ... حيث زخرف البعض لهن بالقول و " البيان "، و اوحى لهن شياطين الانس و الجان ، ان الاسلام هو المانع لهن عن بعض الحقوق ، فكانت منهن بعض الحنق و " العقوق " فارتَمينَ في احضان هؤلاء الشياطين ، و اغتررن بزخرف القول من كلامهم الهجين ، فدفعنَ الثمن غاليّا من شرفهن ، و اعراضهن ، و كرامتهن ، و استغلّهن اعداء الاسلام للإساءة للإسلام .
و سكتت " صديقتي " و سكت ، بعد ان غلبتني ، و بالحجة افحمتني .. و انصرفت غاضبة غير مودعة و لكنها قادحة ، و ابتعدت عني غير مصافحة .. و عدت ادراجي مهموم البال ، و تابعت طريقي مكسوف الحال.

le fugitif
2007-10-29, 18:45
بسم الله الرحمن الرحيم
كما اعلم ـ و يعلم غيري ـ ان فضيلة الشيخ ممن يوصون المسلم بعرض بناته أو زوجته المصون، اذا أصابها مرض على طبيبة مسلمة ، فإن لم توجد فطبيبة للأدواء عالمة ، و لو لم تكن مسلمة ، فإن لم توجد فطبيب مسلم ، فإن لم يوجد فطبيب و لا يهم .. فللضرورة أحكام، و ما لمريضة إيلام .. و السؤال هو : كيف توجد طبيبة مسلمة. و سماحته قد اغلق الباب في وجه البنت المسلمة لتكون طبيبة أو متعلمة ؟..
و سكتت " صديقتي " و سكت ، بعد ان غلبتني ، و بالحجة افحمتني .. و انصرفت غاضبة غير مودعة و لكنها قادحة ، و ابتعدت عني غير مصافحة .. و عدت ادراجي مهموم البال ، و تابعت طريقي مكسوف الحال.

اشكرك على المقامة الرائعة وانا اتفق مع الاخت محاورتك، فمعها كل الحق فتعلم المرأة واجب شرعي وضرورة تمليها حياتنا العصرية ، فبعض العلماء يهينون المراة وليس لهم دليل شرعي

http://www.moveed.com/data/thumbnails/31/hearts.gif

علي قسورة الإبراهيمي
2007-10-29, 22:02
اشكرك على المقامة الرائعة وانا اتفق مع الاخت محاورتك، فمعها كل الحق فتعلم المرأة واجب شرعي وضرورة تمليها حياتنا العصرية ، فبعض العلماء يهينون المراة وليس لهم دليل شرعي

http://www.moveed.com/data/thumbnails/31/hearts.gif


" الهارب " ، ايها الفاضل !

ما كنتُ لأسميها مقامة لو لم تحظَ بشرف مرورك...
الشوق لك كبيرٌٌ أيها الكريم
ولكن.. ربما تجد ليَ العذر في تقصيري مع الأفاضل مثلك

لك من الود ما تعرفه.

علي قسورة الإبراهيمي
2007-10-30, 09:44
موضوعاتك جدا مميزة لولا المسحة السياسة التي تطبعها..


سقيتِ جدب المكان من ندى وردكِ يا جميلة الاسم..
و أما السياسةُ .. فـ " شرٌّ " لابد منه ، و " قدرٌ" لا نملكُ له ردّاً

" جلفاوية ! .. حضوركِ يمطرني بهجةً
فعاوديه جوداً ، نعاودك شكراً ودعاءً.

تحياتي.