المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقامة العيدية


علي قسورة الإبراهيمي
2007-10-27, 19:23
بسم الله الرحمن الرحيم .

أيها الأحبة ! هذه خاطرة كنت قد كتبتها بمناسبة العيد الأضحى في عامٍ ما ، فارتأيت إعادتها الآن بمناسبة عيد الفطر أعاده الله عليكم بالرفاهية و الإزدهار ... و كم أتمنى أن تروقكم .

حكى قسورة ، قال :
لحق بي العيد ، وأنا عن أهلي بعيد ، هذا بعد أخذتني عادة الأسفار، و التغرب عن الديار ، و بُعدالمزار .. و نتيجة عملي فلطالما تغرّبتُ ، و شرّقتُ و غرّبت ُ ، و زرتُ مرابعَ بدوٍ وديارَ حضرٍ ، و كم قطعت من بر و من بحرٍ .كأن الشاعر يعْنِيـني :
المرء فيكورته ضــــائع**** و الليث في غيضته جائع.
فانهض تــــــــــرى الدنيا****و الموت لا يدفعه دافـع
و مع هذا ، فقد خنقتني العبرة ، و أخذتني الزفرة . حين تمثلت بقول الشاعر :
إذا ما ذكرتُ الدارَ فاضت مدامعي **** و صارفؤادي نهبـــة للهماهمِ.
حنينًا إلى أرضٍ بها إخضرّ شاربـي **** و حلّت بهاعني عقود التمــائم .
و انتابني الوجوم و الدهول ، حتى صرت لا أعي ما أقول ... فإذا بشخصٍ صريح يتقدم مني ، و بلسان فصيح يحييني ...فوقفتُ مما أسمع ذاهلاً، وصار سحبان بياني باقلاً ، لأنني قد أخترت من الكلام الصوم ، بعد أن ألفتُ القوم ، و عن لسانهم كنت بينهم كإبن الحمير ، لولا مخاطبتهم بلغة شكسبير .. فابتدرني صاحبي بالسلام، بعد أن تكلم بأحسن الكلام ..و قال لي : أنا غريب مثلك ، و حالي كحالك .
ثم بادرني مجاملاً و أنشدني قائلا :
أجارتنا إنا غريبان ههنا **** وكل غريب للغريب نسيب
ثم سرني بعذب الكلام من النثر و اتبعه بمعسول الشعر ...فكفكف مدامعي و التقط مجامعي حين اسمعني :
عيد بأية حال عدت يا عيد**** بما مضى أم لأمر فيك تجديد؟
و بعد هذا ،بسط عنان الخطاب،و عن العيد مدّ أطناب الإطناب، وطلب الأمد في الإسهاب.حيث قال : إن في العيد يطرح فيها المسلمون همومهم، وينسون غمومهم، فتفرح قلوبهم، وتصفو نفوسهم، وتنشرح صدورهم، وتتهلل وجوههم، وتنطلق ألسنتهم بأعذب الكلمات، وتخرج من أفواههم ألطف العبارات، وأرق التحيات، فيتغافرون، ويتعانقون..
و بعد الانتهاء ،تنفس صاحبي الصعداء . و قال :
لكنْ، أَينَ ـ نحن مسلمي هذا الزمان ـ من هذه المعاني النبيلة، والذكريات الجليلة؟.. إننا ـ إلا من تداركه رحمة من ربه ـ أكثر تنكّرًا وإعراضًا عن هذه الذكريات، وأبعد الناس عن هذه المعاني و هذه الصفات . لذلك صرنا نعيش معيشة الحيوان البهيم، ونحيا حياة الذيل غير الكريم.
فقلتُ : أبيت اللعن ! ليتني أعرف ما بخاطرك يجول ، علّني أفهم ما تقول .
فنظر إليّ و عبس ،حتى ما نبس ..
و بعد هنيهة ، زمجر و صاح :ما الذي يمنعنا أن نكونَ كأوائلنا أعزة على الكافرين، أذلة على المؤمنين؟.. ما الذي يمنعنا أن نكون كأسلافنا أشداء على الكفار، رحماء بالأبرار؟ ما منعنا من ذلك أننا فرطنا في حبل الله المتين ،وابتعادنا عن الدين ، واستبدالنا الذي هو أدنى بالذي هو خير و أعم ، وخيانتنا لله وللرسول ولآماناتنا ونحن نعلم.
أما الحديث عن العالم الإسلامي فحدث عن البحر ولاحرج ، فتجد نفسك أحفظ من حمادٍ وأجمع من أبي الفرج .
يا صاح ! أجّل ببصرك في الأوطان و الدول ؛يرجع إليك البصر خاسئـــًا من الاول ، لأنك لن ترى ما يسرّ. و لو تصاب بالعمى والعور.
ففي المغرب هوى متبع ، والجزائر وتونس مايزالان كما قال الشاعر:
بتونس أمة الإسلام ظُلمت**** و في الجزائر دين الله يهتضم
وليبيا تعاني من "معمرها" أكثر مما عانته من مخرّبها و مستعمرها..
ومصر استخفّ قومها شخصٌ رجع بها القهقرى ،وقال كأخيه، ما أريكم إلا ما أرى.
وفلسطين صار عدوها يُقبّل، وابنها بابنها يُقتل..والأردن قطعة أنكرها التاريخ، وأثبتتها الجغرافيا، لتكون شوكة دامية في الرجل السّاعية..
والعراق مايزال كما وُصف "بلد الشقاق"، وعاد إلى ما وصفه به ابنه الرصافي:
وإن تسأل عمــا**** هو في بغداد كائن
فحكم مشرقي الضرْ**** ع،غربي المـلابن
وطنـي الإسم لكن**** انجليزي الشناشن.
ولبنان مسرح ٌ يمثل فيهالفُجّار ما يمليه عليهم الكبار.
وتركيا رفضت أن تكون رأسًا أولاً، وفضلت أن تصيرَ ذيلاً..
وسوريا يلبس فيها الحق بالباطل، فلا هي سالمت و لا هي تقاتل .وإيران لهاوجهان، تحارب أمريكا في لبنان، وتهادنها في بغدان ، وتستأسد في الخليج على العربان.
والسودان مزقه الطغيان، وأوهنه العصيان.
واليمن، بلقيسُها أرشد من ذي يزن. والسعودية تُظهر الإسلام، وتستقسم بالأزلام، تحذر القريب، وتأمن الغريب، تزخرف البيت، وتصب على النار الزيت.. و باقي الخليج منظره يهيج، وأمره مريج، ألهاه التكاثر في الأموال، وأنساه ما ينتظره من الأهوال..
أما باكستان،ومعناها أرض الأطهار، ركنت إلى الأشرار، وطاردت الأخيار، و سلّمت الأحرار. وأفغانستان أرجعها سوء الإنسان إلى بداية الأزمان ..
أما أندونيسيا فقد خلقهاالله جنةً للإنسان، فصارت ملعبــًا للشيطان.و بعد حيرة ، قال في حسرة :وليس لنا من العيد إلا مظاهر، تتمثل في خرافٍ تذبح، و أطفال ٍتمرح .

ثم ودعني على أمل اللقاء ، إن كان في العمر بقاء

lalla
2007-10-27, 19:33
شكرا على الموضوع اختي

زهرة القدس
2007-10-27, 20:46
شكراجزيلا لك

رائعه جدا

علي قسورة الإبراهيمي
2007-10-29, 13:58
شكرا على الموضوع اختي

لالا! يا أختاه.


كم سرني مروركِ على هذه الخاطرة و تعليقكِ عليها .


تحياتي.

علي قسورة الإبراهيمي
2007-10-29, 14:04
شكراجزيلا لك

رائعه جدا


ايتها الفاضلة .

ارحميني من هذا الإطراء يا يا أختاه !
فوالله لقد أتعبتِني بحثاً عن أبجديّة شكرٍٍ تكفيك

دمتَِ لي أختًا عزيزةً.