تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : . واقعيات. . صياد الجنائز . -----------------


محمد علي 12
2021-11-29, 16:20
. واقعيات.
. صياد الجنائز
. -----------------
بعد أن قدم التعازي لإبن المتوفى بأقوى العبارات، ودعا له بالرحمة والمغفرة، لجأ إلى ركن من أركان القاعة الفسيحة، وقعد صامتا غارقا في حزن، زاده هدوءه ولغة جسده أسى وألما. كانت القاعة غاصة بجموع المعزّين، فالمتوفى رجل له وجاهة وموقع في قلوب من عرفوه ، فلا تسمع في القاعة إلا عبارات الدعاء والرحمة له، والصبر والإحتساب لأهله وأصدقائه، ظل الناس بين مغادر ومقبل، مغادر يودّع ويدعو، ومقبل يعزي ويواسي، ورغم تقدم الوقت ومغادرة أغلب المعزّين، ظل صاحبنا قابعا في مكانه، متسمرا، كأنه فقد أعز ما يملك.
ولمّا لاحظ أن الوقت مناسب، وقف عند إبن المتوفى ، جاذبه بعض عبارات المواساة مرة ثانية، بلغة فيها ألم وتردّد، ما أثار حيرة إبن المتوفى، فبادره بالسؤال: هل من شيء تريد قوله؟
سكت صاحبنا قليلا، كأنه يصارع نفسه، أيقولها أم يتوقف،
وبعد مهمهة قال: إن مَحبّتي للمرحوم دفعتني للشفقة، وتقديري لكم ولظرفكم زادت من حيرتي، وأخشى لو أؤخر الأمر إلى ظرف أحسن، وقتها سوف تلومني، وربما تبوبخني.
قال له: معاذ الله، هات ما عندك، ولا حرج عليك،
قال المعزي: إنني أعلم أن الميت،حتى ولو كان من أهل الجنة، يبقى معلقا بِدَينه، حتى يُقضى، والمرحوم عزيز علينا، ولا أحب أن يكون هذا مآله.
بادره إبن المتوفي مسرعا وبحركة من جسده توحي بأنه اضطرب مما سمع: هل أبي رحمه له له ديون؟
قال: نعم هو مدين لي بمبلغ كذا.
قال له: لحظة وآتيك، فمكُث غير بعيد، وعاد يحمل ظرفا، ناوله إياه، قائلا أدع لأبي بالرحمة والمغفرة.
أخذ المعزي الظرف وأرسله إلى جيبه بسرعة زادت عن الحد المعتاد.
من طبيعة الموت إذا حل ببيت أن يترك آثاره بدرجات متفاوتة، وإبن المرحوم، الذي لم يكن يعبأ بهذا الظرف الطارىء من قبل، أعني به ظرف الموت، تغير كلية بعد وفاة والده، وأدرك معنى المصيبة وصار كلما سمع خبر جنازة في محيطة، بادر بالتعزية والمواساة. وذات يوم وهو يؤدي واجب العزاء لصديق، وقع بصره في ركن من البيت على شخص لا يعرفه، ولكن ظلت صورته، تومض وتختفي في مخيلته، كأنما تريد تنبهه، وظل يطارد هذا الهاجس، ويسأل نفسه، هل أعرف هذا الشخص؟ لعلي رأيته في المنام! والآن أراه عيانا!.
لعلها أضغاث يقظة!
وفجأة فُتِحت نافذة في ذاكرته، ليرى مسرح رؤية هذا الرجل بكامل تفاصيلها، لكأنه فتح ملفا في موقع بعيد عن ذاكرته، كما ينتقل المتفخص من سطح مكتب حاسوبه إلى ملفات بعيدة في القرص الصلب، وأدرك أنه الذي دفع له دين أبيه ذات يوم عزاء.
راقبه من طرف خفي، لا سيما أن حركاته دعته لريبة لا يدري مصدرها.
وإذا به يرى نفس المشهد الذي وقع معه يتكرر، حيث إقترب من صاحب الدار، وكلمه قليلا، وبنفس الحركات، ولما رآى أن صاحب الدار همّ بالذهاب، كأنه يريد أن يحظر شيئا، توجه نحوه وناداه: إلى أين يا فلان؟
قال له لحظة وآتيك،
بادره إني في انتظارك،
عاد وفي يده كيس صغير، إعترضه قائلا: هل قال لك أن أباك مدين له بمال؟
قال: كيف عرفت ذلك؟
قال: لقد فعلها معي من قبل، لما تُوفي والدي رحمه، ولا أظنني الأول، ولا أظنك الأخير،
فصاحبنا صياد جنائز، همّ صاحب العزاء به رافعا يده كأنه يريد صفعه، أوقفه، فردّ عليه: " دعني أبرّد فيه قلبي"،
فقال له، هو في بيتكم، والمقام لا يناسب، دع عنك الجيفة، ولا تهتم. والمحتال قد سُقِط في يديه ورآى أنه افضح.
لم يتركا له فرصة كلام، اقتاده صاحبنا إلى خارج البيت كانه يطرده في أدب، وهو يقول: فاكتبوه، فاكتبوه، فاكتبوه،
ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا او كبيرا إلى أجله.
إن مخالفة النص القرآني دائما يوقع بالمخالف ضررا أو أضرارا، فاحذروا، أكتبوا الدين،إن لم يكن بالتوثيق، فليكن في كناشتك الخاصة، وأخبر أهلك بذلك، فصيادوا الموتى بيننا يتربصون.

أمير جزائري حر
2021-11-29, 17:22
.
مشهد يُثير الاشمئزاز والغثيان..:o:mad:

baouni
2021-11-29, 17:35
لا حول ولا قوة الا بالله :'(

أستاذ كامل
2021-11-29, 21:43
ولمّا لاحظ أن الوقت مناسب، وقف عند إبن المتوفى ، جاذبه بعض عبارات المواساة مرة ثانية، بلغة فيها ألم وتردّد، ما أثار حيرة إبن المتوفى، فبادره بالسؤال: هل من شيء تريد قوله؟
سكت صاحبنا قليلا، كأنه يصارع نفسه، أيقولها أم يتوقف،
وبعد مهمهة قال: إن مَحبّتي للمرحوم دفعتني للشفقة، وتقديري لكم ولظرفكم زادت من حيرتي، وأخشى لو أؤخر الأمر إلى ظرف أحسن، وقتها سوف تلومني، وربما تبوبخني.
قال له: معاذ الله، هات ما عندك، ولا حرج عليك،
قال المعزي: إنني أعلم أن الميت،حتى ولو كان من أهل الجنة، يبقى معلقا بِدَينه، حتى يُقضى، والمرحوم عزيز علينا، ولا أحب أن يكون هذا مآله.
بادره إبن المتوفي مسرعا وبحركة من جسده توحي بأنه اضطرب مما سمع: هل أبي رحمه له له ديون؟
قال: نعم هو مدين لي بمبلغ كذا.
قال له: لحظة وآتيك، فمكُث غير بعيد، وعاد يحمل ظرفا، ناوله إياه، قائلا أدع لأبي بالرحمة والمغفرة.


يا له من صياد خبيث، بلسان ذلق، وروح شاعرية! من كانت هذه حاله فقد يئس الشيطان من لحاقه!

لا أدري هل أسال لك الرشاد لأنك نبهتنا إلى أمر فلانخدع به، أو ألومك لأنك قد تقتل فينا أكثر حسن الظَّنِ بالناس؟!

إن حدث لك مثل ذلك فأنت بين أمرين على الأغلب:
- إما أن تنكر عليه مايدعيه وتبقى معلق الحال!
- أو تدفع مايطلبه وتُوكّل أمرك لله!
والفعل الثاني هو الأرجح برأيي إن غابت عنك المعطيات، فقد تخسر قليلا إن كان مفتريا، ولكنك وبلا شكٍّ، ستنام كالطفل الصغير في هذه الحالة.

وأتذكر قول والدتي، وقد عرفت بجودة الرأيِّ، قالت لنا في مجلس جمع الأخوال: اقترح عليكم أن يشارك كل واحد فيكم، شخصا آخر بما عنده من ديون، فهكذا إن قدَّرَ الله أن حضرَ أحدَكم الموت، ولم يمهله حتى ينبِّئنا بديونه، يكون قد ترك شخصا آخر يعلمنا بها!

قلت: فانظر رعاك الله الفرق بين النفوس، فلما كانت الوالدة سليمة النفس، طاهرة الروح، لم يخطر ببالها البتة أن يكون اقتراحها ذاك، لأجل أن تمنع النصب والاحتيال مثل الذي ورد في هذا الموضوع!

Djelfa2021
2021-11-29, 22:56
رأيت شخص مماثل يدخل يوميا للأعراس تقريبا بنفس الطريقة كأنه مدعو و يأتي و معه الأطفال.