الزمزوم
2021-11-07, 10:54
يتم تفجير الصراع مرة أخرى داخل ثاني أكبر بلد إفريقي من حيث عدد السكان (نحو117 مليون نسمة في 2020)، وأكثر البلدان اتصالا بالتاريخ العربي والإسلامي، إنها الحبشة. ورغم أن كلمة “حبشة ” تعني (بلد الأجناس المختلفة)، ورغم تاريخها العريق حيث وصف الرسول عليه الصلاة والسلام ملكها بالذي لا يُظلم عنده أحد، هي اليوم تعيش كافة المظالم.
يتسبب الاقتتال الداخلي بها في آلاف الضحايا الأبرياء، وعشرات الآلاف من المُهجَّرين فضلا عما يحدث نتيجة ذلك من فقر وعوز وحرمان وانتهاك للحقوق… لم يشفع لأثيوبيا أن حاز رئيس وزرائها جائزة نوبل للسلام سنة 2019. لم يشفع له أَنْ قام بتمدين الحكم رغم كونه عسكريا سابقا، ولا أنه أفرج عن المعتقلين من سياسيين وصحفيين، وأعاد المعارضة من الخارج، ودعَّم مشاركة النساء في تسيير شؤون البلاد وكان على وشك الانتهاء من ملء سد النهضة لأجل مواصلة النهضة… لم تشفع له كل هذه الأعمال من أجل البناء والديمقراطية ليحافظ على الاستقرار في بلاده، بل كانت الديمقراطية ذاتها من أسباب تفجر الأوضاع بها.
تتشكل أثيوبيا من 12مجموعة عرقية رئيسة وأخرى أقل عدد منها (الأورومو 34.5 بالمائة والأمهرة 26.9 بالمائة والصومالية 6.2 بالمائة وتيغري6,1…الخ). وتعد من الأنظمة الفدرالية القليلة في إفريقيا التي منحت لأقاليمها حق تقرير المصير ولو نظريا، وكذلك من بين الأنظمة السياسية التي سعت إلى الانتقال الديمقراطي من خلال الانتخابات وتشكيل التكتلات الحزبية بديلا عن الأحزاب الصغيرة مثل حزب الرخاء أو (الازدهار الجديد) لرئيس الوزراء الذي أراد الانتقال من خلاله بالبلاد إلى نمط جديد في التسيير والحكم.
أدت هذه التبادلات إلى تدحرج أقلية “التيغري” التي حكمت البلاد لفترات طويلة. وبدا لقادتها أن نجاحات رئيس الوزراء وتطلعه إلى إعادة تشكيل الدولة الأثيوبية في شكل مركزي ستمنعهم مستقبلا من الحكم أو تقضي على خصوصيتهم فكان ذلك من أسباب تحالفهم مع أقليات أخرى للإطاحة بالنظام القائم. وكان ذلك من أسباب إعلان التمرد وبداية الحرب الأهلية التي تسارعت أحداثها اليوم وجذبت إليها تدخلات أجنبية عدة، حتى بات هذا البلد الذي كان يتطلع لإتمام سد النهضة لأجل القيام بنهضة كبرى، على وشك الدخول في نفق مظلم قد يطول لسنوات على غرار ما حدث في سورية أو ليبيا ما بعد العقيد القذافي رحمه الله.
ورغم تأكيد رئيس الوزراء الأثيوبي أن ذلك لن يحدث، تشير الكثير من الدلائل أن الأوضاع لا تبشر بخير في هذا البلد الإفريقي العريق، ذلك أن عالم اليوم لم يعد يرحم من لا يَرحم نفسه. وكثير من القوى الخفية والعلنية تَسعد لاشتعال شرارة حرب هنا أو هناك، لتبيع السلاح وتنهب الثروات وتَتَحكم أكثر… ولا تتردد لتحقيق ذلك في اللجوء إلى كافة الوسائل والأساليب، مادام القاتل والمقتول إفريقيا أو عربيا أو أفغانيا أو من أي بقعة أخرى خارج مركزية الغرب المُهيمن اليوم.
وهذا بلا شك درس آخر لنا ينبغي استخلاص العبرة منه… كانت أثيوبيا آمنة تتطلع إلى الوحدة والنهضة وإلى الاحتفال بسد النهضة، فإذا بها في ظرف وجيز تتحول إلى حرب أهلية بإمكانها الانتشار في كافة القرن الإفريقي لتزيد من مآسي الصوماليين والسودانيين واليمنيين وغيرهم مآسي أخرى على تلك التي يعرفونها.
متى نمتنع عن الاستهانة بالشرارات الأولى للحرب، ولا نقول إننا لسنا ليبيا ولا سوريا ولا اليمن ولا العراق وإيران قبلهما ولا أثيوبيا اليوم التي فازت، قبل سنتين، بنوبل للسلام …
المصدر: الشروق
يتسبب الاقتتال الداخلي بها في آلاف الضحايا الأبرياء، وعشرات الآلاف من المُهجَّرين فضلا عما يحدث نتيجة ذلك من فقر وعوز وحرمان وانتهاك للحقوق… لم يشفع لأثيوبيا أن حاز رئيس وزرائها جائزة نوبل للسلام سنة 2019. لم يشفع له أَنْ قام بتمدين الحكم رغم كونه عسكريا سابقا، ولا أنه أفرج عن المعتقلين من سياسيين وصحفيين، وأعاد المعارضة من الخارج، ودعَّم مشاركة النساء في تسيير شؤون البلاد وكان على وشك الانتهاء من ملء سد النهضة لأجل مواصلة النهضة… لم تشفع له كل هذه الأعمال من أجل البناء والديمقراطية ليحافظ على الاستقرار في بلاده، بل كانت الديمقراطية ذاتها من أسباب تفجر الأوضاع بها.
تتشكل أثيوبيا من 12مجموعة عرقية رئيسة وأخرى أقل عدد منها (الأورومو 34.5 بالمائة والأمهرة 26.9 بالمائة والصومالية 6.2 بالمائة وتيغري6,1…الخ). وتعد من الأنظمة الفدرالية القليلة في إفريقيا التي منحت لأقاليمها حق تقرير المصير ولو نظريا، وكذلك من بين الأنظمة السياسية التي سعت إلى الانتقال الديمقراطي من خلال الانتخابات وتشكيل التكتلات الحزبية بديلا عن الأحزاب الصغيرة مثل حزب الرخاء أو (الازدهار الجديد) لرئيس الوزراء الذي أراد الانتقال من خلاله بالبلاد إلى نمط جديد في التسيير والحكم.
أدت هذه التبادلات إلى تدحرج أقلية “التيغري” التي حكمت البلاد لفترات طويلة. وبدا لقادتها أن نجاحات رئيس الوزراء وتطلعه إلى إعادة تشكيل الدولة الأثيوبية في شكل مركزي ستمنعهم مستقبلا من الحكم أو تقضي على خصوصيتهم فكان ذلك من أسباب تحالفهم مع أقليات أخرى للإطاحة بالنظام القائم. وكان ذلك من أسباب إعلان التمرد وبداية الحرب الأهلية التي تسارعت أحداثها اليوم وجذبت إليها تدخلات أجنبية عدة، حتى بات هذا البلد الذي كان يتطلع لإتمام سد النهضة لأجل القيام بنهضة كبرى، على وشك الدخول في نفق مظلم قد يطول لسنوات على غرار ما حدث في سورية أو ليبيا ما بعد العقيد القذافي رحمه الله.
ورغم تأكيد رئيس الوزراء الأثيوبي أن ذلك لن يحدث، تشير الكثير من الدلائل أن الأوضاع لا تبشر بخير في هذا البلد الإفريقي العريق، ذلك أن عالم اليوم لم يعد يرحم من لا يَرحم نفسه. وكثير من القوى الخفية والعلنية تَسعد لاشتعال شرارة حرب هنا أو هناك، لتبيع السلاح وتنهب الثروات وتَتَحكم أكثر… ولا تتردد لتحقيق ذلك في اللجوء إلى كافة الوسائل والأساليب، مادام القاتل والمقتول إفريقيا أو عربيا أو أفغانيا أو من أي بقعة أخرى خارج مركزية الغرب المُهيمن اليوم.
وهذا بلا شك درس آخر لنا ينبغي استخلاص العبرة منه… كانت أثيوبيا آمنة تتطلع إلى الوحدة والنهضة وإلى الاحتفال بسد النهضة، فإذا بها في ظرف وجيز تتحول إلى حرب أهلية بإمكانها الانتشار في كافة القرن الإفريقي لتزيد من مآسي الصوماليين والسودانيين واليمنيين وغيرهم مآسي أخرى على تلك التي يعرفونها.
متى نمتنع عن الاستهانة بالشرارات الأولى للحرب، ولا نقول إننا لسنا ليبيا ولا سوريا ولا اليمن ولا العراق وإيران قبلهما ولا أثيوبيا اليوم التي فازت، قبل سنتين، بنوبل للسلام …
المصدر: الشروق