بن حمادي
2009-12-21, 22:33
جلست كالعادة في غرفتي الباردة أطارد شبحا للذكريات الغبية، أنسج أخر دوائر الوحدة.أتحسر على حالي فلست أملك ثمن سيجارة . تلك التي تذهب عني وحشة المكان وبرده القارص.
تلمست كالآمل الطامع جيوبي لعلي أجد بعضها... لكن عبثا... فلن يترك الأمس لليوم شيئا. بحث بعناية أركان الغرفة ...... ويعقب خيبة الأمل شعور بالبرد. أحسست به يصفعني بكراهية مطلقة لم أجد لها مبررا. فاتكأت على وسادة بالية مثلي ، ورحت أستعذب رجفات جسدي الغريبة. تأملتها فأشعرتني بالضحك. ... نعم .. عجبا إني أضحك ..أضحك من جديد بعد سنة أو يزيد. أضحك من جسدي النحيل، بل العليل. أضحك من أعمدة تتدلى على جانبيا ومن عصي تحيط بي. هذا الهيكل يرتجف. وبحركة كأنها رقص من نوع فريد. أهو البرد ؟
أسدلت الغطاء على وجهي لعلي أستسلم للنوم لكن هيهات أن يغمض جفن من لازمته الهموم، وقدت مضجعه المصائب، وقوست الأوجاع جسده، وقضى الجوع على بقايا الصبر لديه.
انتفضت من السرير مكرها.. لا ألوي على شيء .. وفجأة شعرت برغبة جامحة في مغادرة هذه الغرفة الملعونة، استجمعت بقايا الشجاعة وهممت بالقيام بمثل تلك الجولات التي كنت أقوم بها أيام طفولتي ليلا. بين الغابة والحقول الموحشة، راقتني الفكرة.. وتلذذت بوقعها ، وانتشيت لها طربا بعد كل هذه السنين وفي هذه المدينة الغريبة عني، اقتربت من النافذة كالمتردد الذي ينتظر من يردعه لأحمل معطفي وإذا بشبح أحدهم يهرب من الباحة . هل هو صاحب الخطى المتثاقلة.. (آه .. وجد البطال ما يشغل باله).
طاردت طيفه بين منازل القرويين المتناثرة. وفي الشوارع الضيقة وفي مدخل منازل الأسياد الفاخرة والتي كانت تبعث بروائح عبقة لأطعمة توخذ كالإبر مشاعر أصحاب البطون الجائعة. ثم واصلت المطاردة إلى خارج الحي مرورا بجدار الطوب المهدم، ثم عبر الكثبان الباردة ولمحته تحت ضوء القمر الخافت يتوجه صوب البساتين القريبة ... لقد ابتعد ... مسرعا ... ليته يبطئ قليلا فلست أقوى على مجاراته ولي قلب سينفجر إن واصلت الركض هكذا ... وكالمستسلم واصلت المطاردة بغير نشوة أحث خطاه لأجد نفسي خائر القوى أستريح لاهثا قرب ساقية لم أعهد وجودها هنا.
شربت منها ماءا سائغا عذبا سلسبيل . ينساب دافئا بين أصابعي المتجمدة ، في هذه الليلة الباردة. وكالسكران شطح بي بصري إلى السماء الصافية، فأغوتني نجومها الزاهية ، وانتبهت كالعارف إلى عشوائية توضعها وبريقها. وإذا ما رقص شهاب يمخر عبابها صفقت له الأنجم فرحا.
انتبهت بعد فترة لا أدري كم دامت إلى سبب وجودي في هذا المكان. وبهذه الساعة المتأخرة فتذكرت أني كنت أطارد صاحب الخطى المتثاقلة والذي لم أعد أعرف أين تراه مضى. وهل كان حقيقة أم سراب. واصلت بفضول السير متوغلا في الغابة بين الحقول .. شعرت بنسائم الجو تداعب وجنتيا، وعبق الندى على أشجار الصنوبر يغريني بمواصلة السير رفقة همسات الجنادب تغازل إناثها الذكور. وإذا ما سكنت برهة لخطايا أصواتها.. رفرفت أجنحة العصافير في أوكارها يهفو لها قلبي العليل شدوا وطربا . استمعت إلى خرير السواقي في الظلمة تتقاذف مياهها من ساقية لساقية. ولسعت أنفي رائحة النعناع من الحقل المجاور تدعوني للإقتراب . رباه ما هذه الكرات الصغيرة المنجدلة أهي الطماطم . ما أسعدني بها وما ألذها لجائع شره. وأتبعت اللقيمات بفرع نعناع محلي وضعته منتصرا على أنفي أتنشق ريحه.
رباه أهي الجنة .. إن كانت هي ... فأين الحور فيها؟ رباه إنها الدنيا. فما هذه الجنة التي أنا فيها. وتحت نور القمر ... ذاك المسافر الخجول بين مدن الغيوم، كأنه لص يهم بفعل خطير، أغرتني الحقول بشراهة الجائع بل الفضولي بزيارتها تباعا من حقل لأخر حتى وصلت إلى طرفها الغربي لأهتدي في العتمة إلى أخر الحقول وكان الأروع بينها لعمري. فقد حفته الرمال من جهات ثلاث وبه ساقية عليل ماءها تنبع من تحت الكثبان كحية تزحف في مكر ودهاء.
لم انتبه كم استغرقت في هذه البقعة المباركة من أرض الله الطيبة إلا أن تلاحقت أنفاسي وشعرت بالتعب .. وحلت العتمة بعد أن سافر القمر الخجول واختفى تاركا ظلاما دامسا ... تواصلت سعلاتي العنيفة منذرة بنوبة للوجع أخطأت أوانها وجاءت في الوقت المناسب هذه المرة فلن تكون أرض طيبة للموت أفضل من هذه.
صداع رهيب ... وحمى خانقة مفاجئة أتصبب عرقا في هذه الليلة الباردة... استلقيت مرغما على الكثيب قرب الساقية ... استلقاء الميت المرتاح . وعلى حاشيتها انتظرت ملاك الموت... وطافت بي رجة ودوار رهيب فأغمضت عيني هلعا. وشعرت بأني هالك لا محالة .. لقد جاءت الأوجاع المستوطنة في جسدي العليل منذرة بالنهاية. لكن اليوم قد خدعت الموت واستدرجته إلى أجمل رحلة في حياتي...
أغمضت عينيا صابرا محتسبا أسلم الروح إلى بارئها.. صابرا على الوجع المدمر ، آملا في الراحة في أجمل الأماكن وانتظرت...
تلمست كالآمل الطامع جيوبي لعلي أجد بعضها... لكن عبثا... فلن يترك الأمس لليوم شيئا. بحث بعناية أركان الغرفة ...... ويعقب خيبة الأمل شعور بالبرد. أحسست به يصفعني بكراهية مطلقة لم أجد لها مبررا. فاتكأت على وسادة بالية مثلي ، ورحت أستعذب رجفات جسدي الغريبة. تأملتها فأشعرتني بالضحك. ... نعم .. عجبا إني أضحك ..أضحك من جديد بعد سنة أو يزيد. أضحك من جسدي النحيل، بل العليل. أضحك من أعمدة تتدلى على جانبيا ومن عصي تحيط بي. هذا الهيكل يرتجف. وبحركة كأنها رقص من نوع فريد. أهو البرد ؟
أسدلت الغطاء على وجهي لعلي أستسلم للنوم لكن هيهات أن يغمض جفن من لازمته الهموم، وقدت مضجعه المصائب، وقوست الأوجاع جسده، وقضى الجوع على بقايا الصبر لديه.
انتفضت من السرير مكرها.. لا ألوي على شيء .. وفجأة شعرت برغبة جامحة في مغادرة هذه الغرفة الملعونة، استجمعت بقايا الشجاعة وهممت بالقيام بمثل تلك الجولات التي كنت أقوم بها أيام طفولتي ليلا. بين الغابة والحقول الموحشة، راقتني الفكرة.. وتلذذت بوقعها ، وانتشيت لها طربا بعد كل هذه السنين وفي هذه المدينة الغريبة عني، اقتربت من النافذة كالمتردد الذي ينتظر من يردعه لأحمل معطفي وإذا بشبح أحدهم يهرب من الباحة . هل هو صاحب الخطى المتثاقلة.. (آه .. وجد البطال ما يشغل باله).
طاردت طيفه بين منازل القرويين المتناثرة. وفي الشوارع الضيقة وفي مدخل منازل الأسياد الفاخرة والتي كانت تبعث بروائح عبقة لأطعمة توخذ كالإبر مشاعر أصحاب البطون الجائعة. ثم واصلت المطاردة إلى خارج الحي مرورا بجدار الطوب المهدم، ثم عبر الكثبان الباردة ولمحته تحت ضوء القمر الخافت يتوجه صوب البساتين القريبة ... لقد ابتعد ... مسرعا ... ليته يبطئ قليلا فلست أقوى على مجاراته ولي قلب سينفجر إن واصلت الركض هكذا ... وكالمستسلم واصلت المطاردة بغير نشوة أحث خطاه لأجد نفسي خائر القوى أستريح لاهثا قرب ساقية لم أعهد وجودها هنا.
شربت منها ماءا سائغا عذبا سلسبيل . ينساب دافئا بين أصابعي المتجمدة ، في هذه الليلة الباردة. وكالسكران شطح بي بصري إلى السماء الصافية، فأغوتني نجومها الزاهية ، وانتبهت كالعارف إلى عشوائية توضعها وبريقها. وإذا ما رقص شهاب يمخر عبابها صفقت له الأنجم فرحا.
انتبهت بعد فترة لا أدري كم دامت إلى سبب وجودي في هذا المكان. وبهذه الساعة المتأخرة فتذكرت أني كنت أطارد صاحب الخطى المتثاقلة والذي لم أعد أعرف أين تراه مضى. وهل كان حقيقة أم سراب. واصلت بفضول السير متوغلا في الغابة بين الحقول .. شعرت بنسائم الجو تداعب وجنتيا، وعبق الندى على أشجار الصنوبر يغريني بمواصلة السير رفقة همسات الجنادب تغازل إناثها الذكور. وإذا ما سكنت برهة لخطايا أصواتها.. رفرفت أجنحة العصافير في أوكارها يهفو لها قلبي العليل شدوا وطربا . استمعت إلى خرير السواقي في الظلمة تتقاذف مياهها من ساقية لساقية. ولسعت أنفي رائحة النعناع من الحقل المجاور تدعوني للإقتراب . رباه ما هذه الكرات الصغيرة المنجدلة أهي الطماطم . ما أسعدني بها وما ألذها لجائع شره. وأتبعت اللقيمات بفرع نعناع محلي وضعته منتصرا على أنفي أتنشق ريحه.
رباه أهي الجنة .. إن كانت هي ... فأين الحور فيها؟ رباه إنها الدنيا. فما هذه الجنة التي أنا فيها. وتحت نور القمر ... ذاك المسافر الخجول بين مدن الغيوم، كأنه لص يهم بفعل خطير، أغرتني الحقول بشراهة الجائع بل الفضولي بزيارتها تباعا من حقل لأخر حتى وصلت إلى طرفها الغربي لأهتدي في العتمة إلى أخر الحقول وكان الأروع بينها لعمري. فقد حفته الرمال من جهات ثلاث وبه ساقية عليل ماءها تنبع من تحت الكثبان كحية تزحف في مكر ودهاء.
لم انتبه كم استغرقت في هذه البقعة المباركة من أرض الله الطيبة إلا أن تلاحقت أنفاسي وشعرت بالتعب .. وحلت العتمة بعد أن سافر القمر الخجول واختفى تاركا ظلاما دامسا ... تواصلت سعلاتي العنيفة منذرة بنوبة للوجع أخطأت أوانها وجاءت في الوقت المناسب هذه المرة فلن تكون أرض طيبة للموت أفضل من هذه.
صداع رهيب ... وحمى خانقة مفاجئة أتصبب عرقا في هذه الليلة الباردة... استلقيت مرغما على الكثيب قرب الساقية ... استلقاء الميت المرتاح . وعلى حاشيتها انتظرت ملاك الموت... وطافت بي رجة ودوار رهيب فأغمضت عيني هلعا. وشعرت بأني هالك لا محالة .. لقد جاءت الأوجاع المستوطنة في جسدي العليل منذرة بالنهاية. لكن اليوم قد خدعت الموت واستدرجته إلى أجمل رحلة في حياتي...
أغمضت عينيا صابرا محتسبا أسلم الروح إلى بارئها.. صابرا على الوجع المدمر ، آملا في الراحة في أجمل الأماكن وانتظرت...