المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الذباب الإلكتروني


فريد الفاطل
2021-03-25, 11:17
https://aljazair1.com/wp-content/uploads/2020/11/%D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%B1%D9%88%D 9%86%D9%8A.jpg

الذباب الإلكتروني، هو مصطلح حديث في عالم الإعلام الرقمي، يقصد به الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي الموجهة من قبل مبرمجين مختصين لشن حملات إعلامية ممنهجة ضد أشخاص أوكيانات أو دول. انتشر المصطلح بشكل كثيف بعد الأزمة الخليجية في يونيو 2017. فبعد إعلان الرباعية قطع علاقاتها مع قطر تصدر هذا الهاشتاغ في ساعات معدودة قائمة الأكثر تداولاً على تويتر وكل تغريداته كانت تؤيد القرار! تنفق الدول ملايين الدولارات من أجل إسكات أي صوت يزعجها عبر "الذباب الإلكتروني" الذي يُدار عبر مسميات مختلفة مثل "اللجان الإلكترونية" في مصر، أو "الجيش الإلكتروني" التابع للنظام السوري.

فريد الفاطل
2021-03-25, 11:50
من "أخيل" و"عنترة" إلى الذباب الإلكتروني

تكتسب ظاهرة الذباب الإلكتروني مساحة واسعة في الجدل حول مكانة الإنترنت من نشر القيم الديمقراطية أم تعزيز رواية الأنظمة الإستبدادية.
تغيرت الأوضاع، وما عاد الزمن كما الفائت، يستوجب الاستنجاد بالطبول والصنوج والسيوف لإعلان الحروب، فقط تلزم الراغب في إعلان الحرب جرعة كهرباء واتصال بالنت وحركات على الماوس، ليتم تفريخ عشرات المقاتلين الافتراضيين، الذين لا ينتهون من التغريد والنشر والوسم و "الهاشتاغ" دفاعا أو هجوما، وفق ما تقتضيه المصالح والأهواء والنزاعات المدبرة بليل أو نهار.

https://encrypted-tbn0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcS8MVayMv5zRn8Wq49HmH9tCDnWN-2BGaE_6Q&usqp=CAU

لا حاجة اليوم إلى عنترة بن شداد لهزم الخصوم واستقدام النوق العصافير، ولا حاحة إلى البطل الملحمي "أخيل" ولا إلى حصان طروادة لتحقيق نصر كاسح، فقط يلزم المزيد من الذباب الإلكتروني لتكبيد "العدو" خسارات فادحة، فقد تغيرت قوانين الحرب، وانتقلت من الأرضي والرمزي والملحمي إلى ضفاف الإنترنيت حيث المجهولية والسرعة والمباغثة وغير قليل من خسة ودناءة.

فإلى حد قريب لم تكن توصيفات من قبيل: "الذباب الإلكتروني" و "الكتائب الإلكترونية" و "مرتزقة التغريد" و "اللجان الإلكترونية" و "الخلايا السوداء" و "البوتس" و "الجيوش الإلكترونية" و "المليشيات الإلكترونية"، لم تكن حاضرة في المخيال والمجال التداوليين، ولكنها باتت اليوم تؤشر على اندلاع حروب لا تضع الأوزار، وتدل أيضا على أسلوب جديد من الدعاية السوداءيتوسل بالتقنية ويستهدف رصيد الثقة لدى القراء والزائرين.

https://encrypted-tbn0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQJgl4E6ebczixOkrKsp52gJsH4LX2Fc igXtgaAR-oGKbHRAswy4MASosxRejxD20pSY-M&usqp=CAU
يؤكد الباحثون في سوسيولوجيا الإعلام بأن الذباب الإلكتروني هو مصطلح حديث، يعود الفضل في اكتشافه إلى الأزمة القطرية/الخليجية، التي كان من تداعياتها لجوء أطرافها إلى استحداث مجموعة من الحسابات المبرمجة آليا، وذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف دحض الأطروحات المضادة وتحسين الصورة العامة، أملا في "تعليب" الرأي العام وتوجيهه نحو فكرة ما، لكسب التأييد والموالاة والتقليل من نفس المعارضة والرفض.

فيما يعتبر باحثون آخرون بأن هذه الكتائب الإلكترونية قديمة قدم الإنترنيت، بل إنها امتداد محتمل لما دشنه قبلا غوبلز وزير الدعاية لدى هتلر، فالمتغير هو الوعاء والشكل، فيما الجوهر واحد، يتحدد في "قولبة" الرأي العام وتغيير اهتماماته ومواقفه، بالشكل الذي يتسق مع الخلفيات الموجهة للقائمين على هذه الحروب الإلكترونية.

معلوم أن الذباب لا ينتج عسلا، وأنه في الغالب يحوم حول القذارة والبؤس، كما أنه مزعج للغاية بطنينه وطيرانه الأخرق، وعزاؤنا الوحيد هو أن عمره الافتراضي لا يتجاوز ثلاثة أسابيع.

لكنه في الحالة الإلكترونية يصير أكثر إزعاجا وإيلاما، باشتغاله على الأزمة، وامتهانه للكذب والتضليل، واستعماله لأكثر الأساليب خسة وخبثا، تطبيلا أو مبارزة. ولهذا نلاحظ في هذه الحسابات الآلية مخزونا عاليا من التطرف في الدفاع والتهجم، دونما خجل في اعتماد الإشاعة والتزييف والتضخيم.

فالأمر يتعلق بتطور خالص لتقنيات الدعاية التي تحدث عنها هارولد لازويل سنة 1927، لما أهدانا كتابا موسوما بـ"تقنيات الدعاية خلال الحرب العالمية"، والذي كشف من خلاله الأهمية القصوى للآلة الإعلامية في صناعة الحرب أو السلام وكذا في تحقيق الانتصار أو تكبد الهزيمة، إذ يقول بأن "الدعاية تتناغم مع الديمقراطية، فهي تمثل الوسيلة الوحيدة في خلق الانتماء والولاء لدى الجماهير، إضافة إلى كونها وسيلة أكثر اقتصادية من العنف"، فهي غير مكلفة ولا تخلف خسائر في الأرواح والعتاد كما الحرب التقليدية.


TRT عربي