مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة قصص الأنبياء....
بسم الله الرحمن الرحيم.
الصلاة والسلام على على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السلام عليكم.
إخوتي وأخواتي أعضاء المنتدى جئتكم اليوم بفكرة لعلها تنال إعحابكم ورضاكم ولذا الرجاء التفاعل معها وهي أنني أضع هنا شجرة الأنبياء وكل عضويكتب على النبي الذي يختاره.
وأخيرا أتمنى أن تعجبكم الفكرة وتعم الفائدة وننال الأجر بإذن الله.
هذه شجرة الأنبياء:
http://www.khayma.com/qsesalanbia/tree.jpg
أبدأ أنا على بركة الله مع أول الأنبياء :آدم عليه السلام.
أبو البشر، خلقه الله بيده وأسجد له الملائكة وعلمه الأسماء وخلق له زوجته وأسكنهما الجنة وأنذرهما أن لا يقربا شجرة معينة ولكن الشيطان وسوس لهما فأكلا منها فأنزلهما الله إلى الأرض ومكن لهما سبل العيش بها وطالبهما بعبادة الله وحده وحض الناس على ذلك، وجعله خليفته في الأرض، وهو رسول الله إلى أبنائه وهو أول الأنبياء.
خلق آدم عليه السلام:
أخبر الله سبحانه وتعالى ملائكة بأنه سيخلق بشرا خليفة له في الأرض. فقال الملائكة: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ).
ويوحي قول الملائكة هذا بأنه كان لديهم تجارب سابقة في الأرض , أو إلهام وبصيرة , يكشف لهم عن شيء من فطرة هذا المخلوق , ما يجعلهم يتوقعون أنه سيفسد في الأرض , وأنه سيسفك الدماء . . ثم هم - بفطرة الملائكة البريئة التي لا تتصور إلا الخير المطلق - يرون التسبيح بحمد الله والتقديس له , هو وحده الغاية للوجود . . وهو متحقق بوجودهم هم , يسبحون بحمد الله ويقدسون له, ويعبدونه ولا يفترون عن عبادته !
هذه الحيرة والدهشة التي ثارت في نفوس الملائكة بعد معرفة خبر خلق آدم.. أمر جائز على الملائكة، ولا ينقص من أقدارهم شيئا، لأنهم، رغم قربهم من الله، وعبادتهم له، وتكريمه لهم، لا يزيدون على كونهم عبيدا لله، لا يشتركون معه في علمه، ولا يعرفون حكمته الخافية، ولا يعلمون الغيب . لقد خفيت عليهم حكمة الله تعالى , في بناء هذه الأرض وعمارتها , وفي تنمية الحياة , وفي تحقيق إرادة الخالق في تطويرها وترقيتها وتعديلها , على يد خليفة الله في أرضه . هذا الذي قد يفسد أحيانا , وقد يسفك الدماء أحيانا . عندئذ جاءهم القرار من العليم بكل شيء , والخبير بمصائر الأمور: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).
وما ندري نحن كيف قال الله أو كيف يقول للملائكة . وما ندري كذلك كيف يتلقى الملائكة عن الله ، فلا نعلم عنهم سوى ما بلغنا من صفاتهم في كتاب الله . ولا حاجة بنا إلى الخوض في شيء من هذا الذي لا طائل وراء الخوض فيه . إنما نمضي إلى مغزى القصة ودلالتها كما يقصها القرآن .
أدركت الملائكة أن الله سيجعل في الأرض خليفة.. وأصدر الله سبحانه وتعالى أمره إليهم تفصيلا، فقال إنه سيخلق بشرا من طين، فإذا سواه ونفخ فيه من روحه فيجب على الملائكة أن تسجد له، والمفهوم أن هذا سجود تكريم لا سجود عبادة، لأن سجود العبادة لا يكون إلا لله وحده.
جمع الله سبحانه وتعالى قبضة من تراب الأرض، فيها الأبيض والأسود والأصفر والأحمر - ولهذا يجيء الناس ألوانا مختلفة - ومزج الله تعالى التراب بالماء فصار صلصالا من حمأ مسنون. تعفن الطين وانبعثت له رائحة.. وكان إبليس يمر عليه فيعجب أي شيء يصير هذا الطين؟
سجود الملائكة لآدم:
من هذا الصلصال خلق الله تعالى آدم .. سواه بيديه سبحانه ، ونفخ فيه من روحه سبحانه .. فتحرك جسد آدم ودبت فيه الحياة.. فتح آدم عينيه فرأى الملائكة كلهم ساجدين له .. ما عدا إبليس الذي كان يقف مع الملائكة، ولكنه لم يكن منهم، لم يسجد .. فهل كان إبليس من الملائكة ? الظاهر أنه لا . لأنه لو كان من الملائكة ما عصى . فالملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . . وسيجيء أنه خلق من نار . والمأثور أن الملائكة خلق من نور . . ولكنه كان مع الملائكة وكان مأموراً بالسجود .
أما كيف كان السجود ? وأين ? ومتى ? كل ذلك في علم الغيب عند الله . ومعرفته لا تزيد في مغزى القصة شيئاً..
فوبّخ الله سبحانه وتعالى إبليس: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ) . فردّ بمنطق يملأه الحسد: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) . هنا صدر الأمر الإلهي العالي بطرد هذا المخلوق المتمرد القبيح: (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) وإنزال اللعنة عليه إلى يوم الدين. ولا نعلم ما المقصود بقوله سبحانه (مِنْهَا) فهل هي الجنة ? أم هل هي رحمة الله . . هذا وذلك جائز . ولا محل للجدل الكثير . فإنما هو الطرد واللعنة والغضب جزاء التمرد والتجرؤ على أمر الله الكريم .
قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) (ص)
هنا تحول الحسد إلى حقد . وإلى تصميم على الانتقام في نفس إبليس: (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) . واقتضت مشيئة الله للحكمة المقدرة في علمه أن يجيبه إلى ما طلب , وأن يمنحه الفرصة التي أراد. فكشف الشيطان عن هدفه الذي ينفق فيه حقده: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) ويستدرك فيقول: (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) فليس للشيطان أي سلطان على عباد الله المؤمنين .
وبهذا تحدد منهجه وتحدد طريقه . إنه يقسم بعزة الله ليغوين جميع الآدميين . لا يستثني إلا من ليس له عليهم سلطان . لا تطوعاً منه ولكن عجزاً عن بلوغ غايته فيهم ! وبهذا يكشف عن الحاجز بينه وبين الناجين من غوايته وكيده ; والعاصم الذي يحول بينهم وبينه . إنه عبادة الله التي تخلصهم لله . هذا هو طوق النجاة . وحبل الحياة ! . . وكان هذا وفق إرادة الله وتقديره في الردى والنجاة . فأعلن - سبحانه - إرادته . وحدد المنهج والطريق: (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) .
هي المعركة إذن بين الشيطان وأبناء آدم , يخوضونها على علم . والعاقبة مكشوفة لهم في وعد الله الصادق الواضح المبين . وعليهم تبعة ما يختارون لأنفسهم بعد هذا البيان . وقد شاءت رحمة الله ألا يدعهم جاهلين ولا غافلين . فأرسل إليهم المنذرين .
وبالتوفيق للجميع.
حسناء العابدة
2009-12-20, 19:42
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاك الله كل الخير على فكرتك واثابك الرحمان عنها وفي ميزان حسناتك و إن شاء الله تلقى الصدى والتجاوب من إخوانك بارك الله فيك ووفقك لكل خير
شعيب عليه السلام:
لقد برز في قصة شعيب أن الدين ليس قضية توحيد وألوهية فقط، بل إنه كذلك أسلوب لحياة الناس.. أرسل الله تعالى شعيبا إلى أهل مدين. فقال شعيب (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُه) نفس الدعوة التي يدعوها كل نبي.. لا تختلف من نبي إلى آخر.. لا تتبدل ولا تتردد. هي أساس العقيدة.. وبغير هذه الأساس يستحيل أن ينهض بناء.
بعد تبيين هذا الأساس.. بدأ شعيب في توضيح الأمور الاخرى التي جاءت بها دعوته (وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ) بعد قضية التوحيد مباشرة.. ينتقل النبي إلى قضية المعاملات اليومية.. قضية الأمانة والعدالة.. كان أهل مدين ينقصون المكيال والميزان، ولا يعطون الناس حقهم.. وهي رذيلة تمس نظافة القلب واليد.. كما تمس كمال المروءة والشرف، وكان أهل مدين يعتبرون بخس الناس أشياءهم.. نوعا من أنواع المهارة في البيع والشراء.. ودهاء في الأخذ والعطاء.. ثم جاء نبيهم وأفهمهم أن هذه دناءة وسرقة.. أفهمهم أنه يخاف عليهم بسببها من عذاب يوم محيط.. انظر إلى تدخل الإسلام الذي بعث به شعيب في حياة الناس، إلى الحد الذي يرقب فيه عملية البيع والشراء. قال: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) لم يزل شعيب ماضيا في دعوته.. ها هو ذا يكرر نصحه لهم بصورة إيجابية بعد صورة النهي السلبية..إنه يوصيهم أن يوفوا المكيال والميزان بالقسط.. بالعدل والحق.. وهو يحذرهم أن يبخسوا الناس أشيائهم.
لنتدبر معا في التعبير القرآني القائل: (وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ) كلمة الشيء تطلق على الأشياء المادية والمعنوية.. أي أنها ليست مقصورة على البيع والشراء فقط، بل تدخل فيها الأعمال، أو التصرفات الشخصية. ويعني النص تحريم الظلم، سواء كان ظلما في وزن الفاكهة أو الخضراوات، أو ظلما في تقييم مجهود الناس وأعمالهم.. ذلك أن ظلم الناس يشيع في جو الحياة مشاعر من الألم واليأس واللامبالاة، وتكون النتيجة أن ينهزم الناس من الداخل، وتنهار علاقات العمل، وتلحقها القيم.. ويشيع الاضطراب في الحياة.. ولذلك يستكمل النص تحذيره من الإفساد في الأرض: (وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)العثو هو تعمد الإفساد والقصد إليه فلا تفسدوا في الأرض متعمدين قاصدين (بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ).. ما عند الله خير لكم.. (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
بعدها يخلي بينهم وبين الله الذي دعاهم إليه.. ينحي نفسه ويفهمهم أنه لا يملك لهم شيئا.. ليس موكلا عليهم ولا حفيظا عليهم ولا حارسا لهم.. إنما هو رسول يبلغهم رسالات ربه: (وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ) بهذا الأسلوب يشعر شعيب قومه بأن الأمر جد، وخطير، وثقيل.. إذ بين لهم عاقبة إفسادهم وتركهم أمام العاقبة وحدهم.
رد قوم شعيب:
كان هو الذي يتكلم.. وكان قومه يستمعون.. توقف هو عن الكلام وتحدث قومه: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) كان أهل مدين كفارا يقطعون السبيل، ويخيفون المارة، ويعبدون الأيكة.. وهي شجرة من الأيك حولها غيضة ملتفة بها.. وكانوا من أسوأ الناس معاملة، يبخسون المكيال والميزان ويطففون فيهما، ويأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص.. انظر بعد هذا كله إلى حوارهم مع شعيب: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا)... ؟
بهذا التهكم الخفيف والسخرية المندهشة.. واستهوال الأمر.. لقد تجرأت صلاة شعيب وجنت وأمرته أن يأمرهم أن يتركوا ما كان يعبد آباؤهم.. ولقد كان آباؤهم يعبدون الأشجار والنباتات.. وصلاة شعيب تأمرهم أن يعبدوا الله وحده.. أي جرأة من شعيب..؟ أو فلنقل أي جرأة من صلاة شعيب..؟ بهذا المنطق الساخر الهازئ وجه قوم شعيب خطابهم إلى نبيهم.. ثم عادوا يتساءلون بدهشة ساخرة: (أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء) تخيل يا شعيب أن صلاتك تتدخل في إرادتنا، وطريقة تصرفنا في أموالنا.. ما هي علاقة الإيمان والصلاة بالمعاملات المادية؟
بهذا التساؤل الذي ظنه قوم شعيب قمة في الذكاء.. طرحوا أمامه قضية الإيمان، وأنكروا أن تكون لها علاقة بسلوك الناس وتعاملهم واقتصادهم. هذه المحاولة للتفريق بين الحياة الاقتصادية والإسلام، وقد بعث به كل الأنبياء، وإن اختلفت أسماؤه.. هذه المحاولة قديمة من عمر قوم شعيب. لقد أنكروا أن يتدخل الدين في حياتهم اليومية، وسلوكهم واقتصادهم وطريقة إنفاقهم لأموالهم بحرية.. إن حرية إنفاق المال أو إهلاكه أو التصرف فيه شيء لا علاقة له بالدين.. هذه حرية الإنسان الشخصية.. وهذا ماله الخاص، ما الذي أقحم الدين على هذا وذاك؟.. هذا هو فهم قوم شعيب للإسلام الذي جاء به شعيب، وهو لا يختلف كثيرا أو قليلا عن فهم عديد من الأقوام في زماننا الذي نعيش فيه. ما للإسلام وسلوك الإنسان الشخصي وحياتهم الاقتصادية وأسلوب الإنتاج وطرق التوزيع وتصرف الناس في أموالهم كما يشاءون..؟ ما للإسلام وحياتنا اليومية..؟
ثم يعودون إلى السخرية منه والاستهزاء بدعوته (إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) أي لو كنت حليما رشيدا لما قلت ما تقول.
أدرك شعيب أن قومه يسخرون منه لاستبعادهم تدخل الدين في الحياة اليومية.. ولذلك تلطف معهم تلطف صاحب الدعوة الواثق من الحق الذي معه، وتجاوز سخريتهم لا يباليها، ولا يتوقف عندها، ولا يناقشها.. تجاوز السخرية إلى الجد.. أفهمهم أنه على بينة من ربه.. إنه نبي يعلم وهو لا يريد أن يخالفهم إلى ما ينهاهم عنه، إنه لا ينهاهم عن شيء ليحقق لنفسه نفعا منه، إنه لا ينصحهم بالأمانة ليخلوا له السوق فيستفيد من التلاعب.. إنه لا يفعل شيئا من ذلك.. إنما هو نبي.. وها هو ذا يلخص لهم كل دعوات الأنبياء هذا التلخيص المعجز: (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ) إن ما يريده هو الإصلاح.. هذه هي دعوات الأنبياء في مضمونها الحقيقي وعمقها البعيد.. إنهم مصلحون أساسا، مصلحون للعقول، والقلوب، والحياة العامة، والحياة الخاصة.
بعد أن بين شعيب عليه السلام لقومه أساس دعوته، وما يجب عليهم الالتزام به، ورأى منهم الاستكبار، حاول إيقاض مشاعرهم بتذكيرهم بمصير من قبلهم من الأمم، وكيف دمرهم الله بأمر منه. فذكرهم قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط. وأراهم أن سبيل النجاة هو العودة لله تائبين مستغفرين، فالمولى غفور رحيم.
تحدي وتهديد القوم لشعيب:
لكن قوم شعيب أعرضوا عنه قائلين: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا) إنه ضعيف بمقياسهم. ضعيف لأن الفقراء والمساكيهم فقط اتبعوه، أما علية القوم فاستكبروا وأصروا على طغيانهم. إنه مقياس بشري خاطئ، فالقوة بيد الله، والله مع أنبياءه. ويستمر الكفرة في تهديهم قائلين: (وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) لولا أهلك وقومك ومن يتبعك لحفرنا لك حفرة وقتلناك ضربا بالحجارة.
نرى أنه عندما أقام شعيب -عليه السلام- الحجة على قومه، غيروا أسلوبهم، فتحولوا من السخرية إلى التهديد. وأظهروا حقيقة كرههم له. لكن شعيب تلطف معهم.. تجاوز عن إساءتهم إليه وسألهم سؤالا كان هدفه إيقاظ عقولهم: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ) يا لسذاجة هؤلاء. إنهم يسيئون تقدير حقيقة القوى التي تتحكم في الوجود.. إن الله هو وحده العزيز.. والمفروض أن يدركوا ذلك.. المفروض ألا يقيم الإنسان وزنا في الوجود لغير الله.. ولا يخشى في الوجود غير الله.. ولا يعمل حسابا في الوجود لقوة غير الله .. إن الله هو القاهر فوق عباده.
ويبدو أن قوم شعيب ضاقوا ذرعا بشعيب. فاجتمع رؤساء قومه. ودخلوا مرحلة جديدة من التهديد.. هددوه أولا بالقتل، وها هم أولاء يهددونه بالطرد من قريتهم.. خيروه بين التشريد، والعودة إلى ديانتهم وملتهم التي تعبد الأشجار والجمادات.. وأفهمهم شعيب أن مسألة عودته في ملتهم مسألة لا يمكن حتى التفكير بها فكيف بهم يسألونه تنفيذها. لقد نجاه الله من ملتهم، فكيف يعود إليها؟ أنه هو الذي يدعوهم إلى ملة التوحيد.. فكيف يدعونه إلى الشرك والكفر؟ ثم أين تكافؤ الفرص؟ أنه يدعوهم برفق ولين وحب.. وهم يهددونه بالقوة.
واستمر الصراع بين قوم شعيب ونبيهم.. حمل الدعوة ضده الرؤساء والكبراء والحكام.. وبدا واضحا أن لا أمل فيهم.. لقد أعرضوا عن الله.. أداروا ظهورهم لله. فنفض شعيب يديه منهم. لقد هجروا الله، وكذبوا نبيه، واتهموه بأنه مسحور وكاذب.. فليعمل كل واحد.. ولينتظروا جميعا أمر الله.
هلاك قوم شعيب:
وانتقل الصراع إلى تحد من لون جديد. راحوا يطالبونه بأن يسقط عليهم كسفا من السماء إن كان من الصادقين.. راحوا يسألونه عن عذاب الله.. أين هو..؟ وكيف هو..؟ ولماذا تأخر..؟ سخروا منه.. وانتظر شعيب أمر الله.
أوحى الله إليه أن يخرج المؤمنين ويخرج معهم من القرية.. وخرج شعيب.. وجاء أمره تعالى:
وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (94) (هود)
هي صيحة واحدة.. صوت جاءهم من غمامة أظلتهم.. ولعلهم فرحوا بما تصوروا أنها تحمله من المطر.. ثم فوجئوا أنهم أمام عذاب عظيم ليوم عظيم.. انتهى الأمر. أدركتهم صيحة جبارة جعلت كل واحد فيهم يجثم على وجهه في مكانه الذي كان فيه في داره.. صعقت الصيحة كل مخلوق حي.. لم يستطع أن يتحرك أو يجري أو يختبئ أو ينقذ نفسه.. جثم في مكانه مصروعا بصيحة
السلام عليكم.
بارك الله فيك أختي حسناء العابدة وأتمنى من الإخوة والأخوات المشاركة في الموضوع حتى يكون مرجعا للجميع ،وبذلك تعم الفائدة على الكل.
ونطلب من الله العلي القدير التوفيق للجميع.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك أخي جمال
**********
قصة سيدنا إدريس عليه السلام
باختصار
قال الله تعالى بشأنه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 56-57].
وقد جاء في صحيحي (البخاري ومسلم) في حديث المعراج:
"ثم صعد بي - أي جبريل – حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء. ففُتح. فلما خلصتُ فإذا إدريس، فقال: هذا إدريس فسلِّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح".
نسب إدريس:
ويذكر النسّابون أنه: إدريس عليه السلام بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن (شيث عليه السلام) بن (آدم عليه السلام). والله أعلم.
وإدريس عند العبرانيين: (حنوخ) أو (خنوخ)، وعُرِّب: (أخنوخ).
أقوال المؤرِّخين في ديانته ومن ينتسب إليها:
يقول المؤرخون: إن أمة السريان أقدم الأمم، وملتهم هي ملة الصابئين - نسبة إلى صابي أحد أولاد شيث -، ويذكر الصابئون أنهم أخذوا دينهم عن شيث وإدريس، وأن لهم كتاباً يعزونه إلى شيث ويسمونه: "صحف شيث"، ويتضمن هذا الكتاب على ما يذكرون الأمرَ بمحاسن الأخلاق، والنهي عن الرذائل.
وأصل دينهم التوحيد وعبادة الخالق جل وعلا، وتخليص النفوس من العذاب في الآخرة بالعمل الصالح في الدنيا، والحض على الزهد في الدنيا، والعمل بالعدل، وبعد ذلك أحدثوا ما أحدثوا في دين الله وحرفوا.
وكانت مدة إقامة إدريس عليه السلام في الأرض(82) سنة ثم رفعه الله إليه.
__________________
السلام عليكم.
بارك الله فيك أخي الكريم:أبو حسين .وجعل الله عملك هذا في ميزان حسناتك.
السلام عليكم.
أين أنتم يا إخوان فالعملية بسيطة ولا تحتاج إلى جهد كبير ،فما عليك إلا كتابة اسم النبي في موقع google وستجد المطلوب.
إخوتي أنا أريد من هذا العمل الأجر لي ولكم ثم هو خدمة لطلابنا ومعرفة لنا أيضا.
وبارك الله فيكم ولم يبق إلا 22 نبيا .
رحيق القلوب
2009-12-21, 21:38
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيك اخي جمال و جعله الله في ميزان حسناتك
قصة يوسف عليه السلام
يوسف عليه السلام
نبذة:
ولد سيدنا يوسف وكان له 11 أخا وكان أبوه يحبه كثيرا وفي ذات ليلة رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين، فقص على والده ما رأى فقال له ألا يقصها على إخوته، ولكن الشيطان وسوس لإخوته فاتفقوا على أن يلقوه في غيابات الجب وادعوا أن الذئب أكله، ثم مر به ناس من البدو فأخذوه وباعوه بثمن بخس واشتراه عزيز مصر وطلب من زوجته أن ترعاه، ولكنها أخذت تراوده عن نفسه فأبى فكادت له ودخل السجن، ثم أظهر الله براءته وخرج من السجن ، واستعمله الملك على شئون الغذاء التي أحسن إدارتها في سنوات القحط، ثم اجتمع شمله مع إخوته ووالديه وخروا له سجدا وتحققت رؤياه.
المسيرة
سيرته:
قبل أن نبدأ بقصة يوسف عليه السلام، نود الإشارة لعدة أمور. أولها اختلاف طريقة رواية قصة يوسف عليه السلام في القرآن الكريم عن بقية قصص الأنبياء، فجاءت قصص الأنبياء في عدة سور، بينما جاءت قصة يوسف كاملة في سورة واحدة. قال تعالى في سورة (يوسف):
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) (يوسف)
واختلف العلماء لم سميت هذه القصة أحسن القصص؟ قيل إنها تنفرد من بين قصص القرآن باحتوائها على عالم كامل من العبر والحكم.. وقيل لأن يوسف تجاوز عن إخوته وصبر عليهم وعفا عنهم.. وقيل لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين، والعفة والغواية، وسير الملوك والممالك، والرجال والنساء، وحيل النساء ومكرهن، وفيها ذكر التوحيد والفقه، وتعبير الرؤيا وتفسيرها، فهي سورة غنية بالمشاهد والانفعالات.. وقيل: إنها سميت أحسن القصص لأن مآل من كانوا فيها جميعا كان إلى السعادة.
ومع تقديرنا لهذه الأسباب كلها.. نعتقد أن ثمة سببا مهما يميز هذه القصة.. إنها تمضي في خط واحد منذ البداية إلى النهاية.. يلتحم مضمونها وشكلها، ويفضي بك لإحساس عميق بقهر الله وغلبته ونفاذ أحكامه رغم وقوف البشر ضدها. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) هذا ما تثبته قصة يوسف بشكل حاسم، لا ينفي حسمه أنه تم بنعومة وإعجاز.
لنمضي الآن بقصة يوسف -عليه السلام- ولنقسمها لعدد من الفصول والمشاهد ليسهل علينا تتبع الأحداث.
المشهد الأول من فصل طفوله يوسف:
ذهب يوسف الصبي الصغير لأبيه، وحكى له عن رؤيا رآها. أخبره بأنه رأى في المنام أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له. استمع الأب إلى رؤيا ابنه وحذره أن يحكيها لأخوته. فلقد أدرك يعقوب -عليه السلام- بحدسه وبصيرته أن وراء هذه الرؤية شأنا عظيما لهذا الغلام. لذلك نصحه بأن لا يقص رؤياه على إخوته خشية أن يستشعورا ما وراءها لأخيهم الصغير -غير الشقيق، حيث تزوج يعقوب من امرأة ثانية أنجبت له يوسف وشقيقه- فيجد الشيطان من هذا ثغرة في نفوسهم، فتمتلئ نفوسهم بالحقد، فيدبروا له أمرا يسوؤه. استجاب يوسف لتحذير أبيه.. لم يحدث أخوته بما رأى، وأغلب الظن أنهم كانوا يكرهونه إلى الحد الذي يصعب فيه أن يطمئن إليهم ويحكي لهم دخائله الخاصة وأحلامه.
المشهد الثاني:
اجتمع أخوة يوسف يتحدثون في أمره. (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) أي نحن مجموعة قوية تدفع وتنفع، فأبونا مخطئ في تفضيل هذين الصبيين على مجموعة من الرجال النافعين! فاقترح أحدهم حلا للموضوع: (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا). إنه الحقد وتدخل الشيطان الذي ضخم حب أبيهم ليوسف وإيثاره عليهم حتى جعله يوازي القتل. أكبر جرائم الأرض قاطبة بعد الشرك بالله. وطرحه في أرض بعيدة نائية مرادف للقتل، لأنه سيموت هناك لا محاله. ولماذا هذا كله؟! حتى لا يراه أبوه فينساه فيوجه حبه كله لهم. ومن ثم يتوبون عن جريمتهم (وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ).
قال قائل منهم -حرك الله أعماقه بشفقة خفية، أو أثار الله في أعماقه رعبا من القتل: ما الداعي لقتله؟ إن كنتم تريدون الخلاص منه، فلنلقه في بئر تمر عليها القوافل.. ستلتقطه قافلة وترحل به بعيدا.. سيختفي عن وجه أبيه.. ويتحقق غرضنا من إبعاده.
انهزمت فكرة القتل، واختيرت فكرة النفي والإبعاد. نفهم من هذا أن الأخوة، رغم شرهم وحسدهم، كان في قلوبهم، أو في قلوب بعضهم، بعض خير لم يمت بعد.
المشهد الثالث:
توجه الأبناء لأبيهم يطلبون منه السماح ليوسف بمرافقتهم. دار الحوار بينهم وبين أبيهم بنعومة وعتاب خفي، وإثارة للمشاعر.. مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ ..؟ أيمكن أن يكون يوسف أخانا، وأنت تخاف عليه من بيننا ولا تستأمننا عليه، ونحن نحبه وننصح له ونرعاه؟ لماذا لا ترسله معنا يرتع ويلعب؟
وردا على العتاب الاستنكاري الأول جعل يعقوب عليه السلام ينفي -بطريقة غير مباشرة- أنه لا يأمنهم عليه، ويعلل احتجازه معه بقلة صبره على فراقه وخوفه عليه من الذئاب: قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ .
ففندوا فكرة الذئب الذي يخاف أبوه أن يأكله.. نحن عشرة من الرجال.. فهل نغفل عنه ونحن كثرة؟ نكون خاسرين غير أهل للرجولة لو وقع ذلك.. لن يأكله الذئب ولا داعي للخوف عليه.
وافق الأب تحت ضغط أبنائه.. ليتحقق قدر الله وتتم القصة كما تقتضي مشيئته!
المشهد الرابع:
خرج الأخوة ومعهم يوسف، وأخذوه للصحراء. اختاروا بئرا لا ينقطع عنها مرور القوافل وحملوه وهموا بإلقائه في البئر.. وأوحى الله إلى يوسف أنه ناج فلا يخاف.. وأنه سيلقاهم بعد يومهم هذا وينبئهم بما فعلوه.
المشهد الخامس:
عند العشاء جاء الأبناء باكين ليحكوا لأبيهم قصة الذئب المزعومة. أخبروه بأنهم ذهبوا يستبقون، فجاء ذئب على غفلة، وأكل يوسف. لقد ألهاهم الحقد الفائر عن سبك الكذبة، فلو كانوا أهدأ أعصابا ما فعلوها من المرة الأولى التي يأذن لهم فيها يعقوب باصطحاب يوسف معهم! ولكنهم كانوا معجلين لا يصبرون، يخشون ألا تواتيهم الفرصة مرة أخرى. كذلك كان التقاطهم لحكاية الذئب دليلا على التسرع، وقد كان أبوهم يحذرهم منها أمس، وهم ينفونها. فلم يكن من المستساغ أن يذهبوا في الصباح ليتركوا يوسف للذئب الذي حذرهم أبوهم منه أمس! وبمثل هذا التسرع جاءوا على قميصه بدم كذب لطخوه به في غير إتقان ونسوا في انفعالهم أن يمزقوا قميص يوسف.. جاءوا بالقميص كما هو سليما، ولكن ملطخا بالدم.. وانتهى كلامهم بدليل قوي على كذبهم حين قالوا: (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) أي وما أنت بمطمئن لما نقوله، ولو كان هو الصدق، لأنك تشك فينا ولا تطمئن لما نقوله.
أدرك يعقوب من دلائل الحال ومن نداء قلبه ومن الأكذوبة الواضحة، أن يوسف لم يأكله الذئب، وأنهم دبروا له مكيدة ما، وأنهم يلفقون له قصة لم تقع، فواجههم بأن نفوسهم قد حسنت لهم أمرا منكرا وذللته ويسرت لهم ارتكابه؛ وأنه سيصبر متحملا متجملا لا يجزع ولا يفزع ولا يشكو، مستعينا بالله على ما يلفقونه من حيل وأكاذيب: قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ
المشهد الأخير من الفصل الأول من حياة سيدنا يوسف عليه السلام:
أثناء وجود يوسف بالبئر، مرت عليه قافلة.. قافلة في طريقها إلى مصر.. قافلة كبيرة.. سارت طويلا حتى سميت سيارة.. توقفوا للتزود بالماء.. وأرسلوا أحدهم للبئر فأدلى الدلو فيه.. تعلق يوسف به.. ظن من دلاه أنه امتلأ بالماء فسحبه.. ففرح بما رأى.. رأى غلاما متعلقا بالدلو.. فسرى على يوسف حكم الأشياء المفقودة التي يلتقطها أحد.. يصير عبدا لمن التقطه.. هكذا كان قانون ذلك الزمان البعيد.
فرح به من وجده في البداية، ثم زهد فيه حين فكر في همه ومسئوليته، وزهد فيه لأنه وجده صبيا صغيرا.. وعزم على التخلص منه لدى وصوله إلى مصر.. ولم يكد يصل إلى مصر حتى باعه في سوق الرقيق بثمن زهيد، دراهم معدودة. ومن هناك اشتراه رجل تبدو عليه الأهمية.
انتهت المحنة الأولى في حياة هذا النبي الكريم، لبتدأ المحنة الثانية، والفصل الثاني من حياته.
ثم يكشف الله تعالى مضمون القصة البعيد في بدايتها (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). لقد انطبقت جدران العبودية على يوسف. ألقي في البئر، أهين، حرم من أبيه، التقط من البئر، صار عبدا يباع في الأسواق، اشتراه رجل من مصر، صار مملوكا لهذا الرجل.. انطبقت المأساة، وصار يوسف بلا حول ولا قوة.. هكذا يظن أي إنسان.. غير أن الحقيقة شيء يختلف عن الظن تماما.
ما نتصور نحن أنه مأساة ومحنة وفتنة.. كان هو أول سلم يصعده يوسف في طريقه إلى مجده.. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) .. ينفذ تدبيره رغم تدبير الآخرين. ينفذ من خلاله تدبير الآخرين فيفسده ويتحقق وعد الله، وقد وعد الله يوسف بالنبوة.
وها هو ذا يلقي محبته على صاحبه الذي اشتراه.. وها هو ذا السيد يقول لزوجته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا. وليس هذا السيد رجلا هين الشأن.. إنما هو رجل مهم.. رجل من الطب (http://www.almhml.com/s/-56)قة الحاكمة في مصر.. سنعلم بعد قليل أنه وزير من وزراء الملك. وزير خطير سماه القرآن "العزيز"، وكان قدماء المصريين يطلقون الصفات كأسماء على الوزراء. فهذا العزيز.. وهذا العادل.. وهذا القوي.. إلى آخره.. وأرجح الآراء أن العزيز هو رئيس وزراء مصر.
وهكذا مكن الله ليوسف في الأرض.. سيتربى كصبي في بيت رجل يحكم. وسيعلمه الله من تأويل الأحاديث والرؤى.. وسيحتاج إليه الملك في مصر يوما. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). تم هذا كله من خلال فتنة قاسية تعرض لها يوسف.
ثم يبين لنا المولى عز وجل كرمه على يوسف فيقول:
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) (يوسف)
كان يوسف أجمل رجل في عصره.. وكان نقاء أعماقه وصفاء سريرته يضفيان على وجهه مزيدا من الجمال. وأوتي صحة الحكم على الأمور.. وأوتي علما بالحياة وأحوالها. وأوتي أسلوبا في الحوار يخضع قلب من يستمع إليه.. وأوتي نبلا وعفة، جعلاه شخصية إنسانية لا تقاوم.
وأدرك سيده أن الله قد أكرمه بإرسال يوسف إليه.. اكتشف أن يوسف أكثر من رأى في حياته أمانة واستقامة وشهامة وكرما.. وجعله سيده مسئولا عن بيته وأكرمه وعامله كابنه.
ويبدأ المشهد الأول من الفصل الثاني في حياته:
في هذا المشهد تبدأ محنة يوسف الثانية، وهي أشد وأعمق من المحنة الأولى. جاءته وقد أوتي صحة الحكم وأوتي العلم -رحمة من الله- ليواجهها وينجو منها جزاء إحسانه الذي سجله الله له في قرآنه. يذكر الله تعالى هذه المحنة في كتابه الكريم:
وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) (يوسف)
لا يذكر السياق القرآني شيئا عن سنها وسنه، فلننظر في ذلك من باب التقدير. لقد أحضر يوسف صبيا من البئر، كانت هي زوجة في الثلاثة والعشرين مثلا، وكان هو في الثانية عشرا. بعد ثلاثة عشر عاما صارت هي في السادسة والثلاثين ووصل عمره إلى الخامسة والعشرين. أغلب الظن أن الأمر كذلك. إن تصرف المرأة في الحادثة وما بعدها يشير إلى أنها مكتملة جريئة.
والآن، لنتدبر معنا في كلمات هذه الآيات.
(وَرَاوَدَتْهُ) صراحة (عَن نَّفْسِهِ )، وأغلقت (الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ). لن تفر مني هذه المرة. هذا يعني أنه كانت هناك مرات سابقة فر فيها منها. مرات سابقة لم تكن الدعوة فيها بهذه الصراحة وهذا التعري. فيبدوا أن امرأة العزيز سئمت تجاهل يوسف لتلميحاتها المستمرة وإباءه.. فقررت أن تغير خطتها. خرجت من التلميح إلى التصريح.. أغلقت الأبواب ومزقت أقنعة الحياء وصرحت بحبها وطالبته بنفسه.
ثم يتجاوزز السياق القرآني الحوار الذي دار بين امرأة العزيز ويوسف عليه السلام، ولنا أن نتصور كيف حاولت إغراءه إما بلباسها أو كلماتها أو حركاتها. لكن ما يهمنا هنا هو موقف يوسف -عليه السلام- من هذا الإغواء.
يقف هذا النبي الكريم في وجه سيدته قائلا (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أعيذ نفسي بالله أن أفعل هذا مع زوجة من أكرمني بأن نجاني من الجب وجعل في هذه الدار مثواي الطيب الآمن. ولا يفلح الظالمون الذين يتجاوزون حدود الله، فيرتكبون ما تدعينني اللحظة إليه.
ثم (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) اتفق المفسرون حول همها بالمعصية، واختلفوا حول همه. فمنهم من أخذ بالإسرائيليات وذكر أن يعقوب ظهر له، أو جبريل نزل إليه، لكن التلفيق والاختلاق ظاهر في هذه الزوايات الإسرائيلية. ومن قائل: إنها همت به تقصد المعصية وهم بها يقصد المعصية ولم يفعل، ومن قائل: إنها همت به لتقبله وهم بها ليضربها، ومن قائل: إن هذا الهم كان بينهما قبل الحادث. كان حركة نفسية داخل نفس يوسف في السن التي اجتاز فيها فترة المراهقة. ثم صرف الله عنه. وأفضل تفسير تطمئن إليه نفسي أن هناك تقديما وتأخيرا في الآية.
قال أبو حاتم: كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة، فلما أتيت على قوله تعالى: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا). قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير. بمعنى ولقد همت به.. ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها. يستقيم هذا التفسير مع عصمة الأنبياء.. كما يستقيم مع روح الآيات التي تلحقه مباشرة (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) وهذه الآية التي تثبت أن يوسف من عباد الله المخلصين، تقطع في نفس الوقت بنجاته من سلطان الشيطان. قال تعالى لإبليس يوم الخلق (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) وما دام يوسف من عباده المخلصين، فقد وضح الأمر بالنسبة إليه. لا يعني هذا أن يوسف كان يخلو من مشاعر الرجولة، ولا يعني هذا أنه كان في نقاء الملائكة وعدم احتفالهم بالحس. إنما يعني أنه تعرض لإغراء طويل قاومه فلم تمل نفسه يوما، ثم أسكنها تقواها كونه مطلعا على برهان ربه، عارفا أنه يوسف بن يعقوب النبي، ابن إسحق النبي، ابن إبراهيم جد الأنبياء وخليل الرحمن.
يبدو أن يوسف -عليه السلام- آثر الانصراف متجها إلى الباب حتى لا يتطور الأمر أكثر. لكن امرأة العزيز لحقت به لتمسكه، تدفهعا الشهوة لذلك. فأمسكت قميصه من الخلف، فتمزق في يدها. وهنا تقطع المفاجأة. فتح الباب زوجها -العزيز. وهنا تتبدى المرأة المكتملة، فتجد الجواب حاضرا على السؤال البديهي الذي يطرح الموقف. فتقول متهمة الفتى: قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
واقترحت هذه المراة -العاشقة- سريعا العقاب -المأمون- الواجب تنفيذه على يوسف، خشية أن يفتك به العزيز من شدة غضبه. بيّنت للعزيز أن أفضل عقاب له هو السجن. بعد هذا الاتهام الباطل والحكم السريع جهر يوسف بالحقيقة ليدافع عن نفسه: قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي
تجاوز السياق القرآني رد الزوج، لكنه بين كيفية تبرأة يوسف -عليه السلام- من هذه التهمة الباطلة:
وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) (يوسف)
لا نعلم إن كان الشاهد مرافقا للزوج منذ البداية، أم أن العزيز استدعاه بعد الحادثة ليأخذ برأيه.. كما أشارت بعض الروايات أن هذا الشاهد رجل كبير، بينما أخبرت روايات أخرى أنه طفل رضيع. كل هذا جائز. وهو لا يغير من الأمر شيئا. ما يذكره القرآن أن الشاهد أمرهم بالنظر للقميص، فإن كان ممزقا من الأمام فذلك من أثر مدافعتها له وهو يريد الاعتداء عليها فهي صادقة وهو كاذب. وإن كان قميصه ممزقا من الخلف فهو إذن من أثر تملصه منها وتعقبها هي له حتى الباب، فهي كاذبة وهو صادق.
فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) (يوسف)
فتأكد الزوج من خيانة زوجته عندما رأى قميص يوسف ممزق من الخلف. لكن الدم لم يثر في عروقه ولم يصرخ ولم يغضب. فرضت عليه قيم الطب (http://www.almhml.com/s/-56)قة الراقية التي وقع فيها الحادث أن يواجه الموقف بلباقة وتلطف.. نسب ما فعلته إلى كيد النساء عموما. وصرح بأن كيد النساء عموم عظيم. وهكذا سيق الأمر كما لو كان ثناء يساق. ولا نحسب أنه يسوء المرأة أن يقال لها: (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ). فهو دلالة على أنها أنثى كاملة مستوفية لمقدرة الأنثى على الكيد. بعدها التفت الزوج إلى يوسف قائلا له: (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا) أهمل هذا الموضوع ولا تعره اهتماما ولا تتحدث به. هذا هو المهم.. المحافظة على الظواهر.. ثم يوجه عظة -مختصرة- للمرأة التي ضبطت متلبسة بمراودة فتاها عن نفسها وتمزيق قميصه: (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ).
انتهى الحادث الأول.. لكن الفتنة لم تنته.. فلم يفصل سيد البيت بين المرأة وفتاها.. كل ما طلبه هو إغلاق الحديث في هذا الموضوع. غير أن هذا الموضوع بالذات. وهذا الأمر يصعب تحقيقه في قصر يمتلئ بالخدم والخادمات والمستشارين والوصيفات.
بوركت اخي و اثابك الله الجنة
السلام عليكم
قصة سيدنا
نوح عليه السلام
وقد أرسله الله إلى قومٍ فسد حالهم، ونسوا أصول شريعة الله التي أنزلها على أنبيائه ورسله السابقين، وصاروا يعبدون الأوثان. وقد أثبت القرآن الكريم خمسة أوثان لهم، كانوا يقدسونها ويعبدونها، وهي: (وَدّ - سُوَاع - يَغُوث - يَعُوق - نْسْر). قال الله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23].
نسب نوح:
يذكر النسَّابون أنه: نوح (عليه السلام) بن لامك بن متوشالح بن إدريس ("أخنوخ" عليه السلام) بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث (عليه السلام) بن آدم (عليه السلام) أبي البشر. والله أعلم.
حياة نوح مع قومه في فقرات:
وقد ذُكرت قصة نوح مع قومه في ست سور من القرآن الكريم بشكل مفصَّل، وأبرز ما فيها النقاط التالية:
- إثبات نبوته ورسالته.
دعوته لقومه دعوة ملحَّة، وثباته وصبره فيها، واتخاذه فيها مختلف الحجج والوسائل.
إعراض قومه عنه، فكلما زادهم دعاءً وتذكيراً زادوه فراراً وإعراضاً، وإصراراً على الباطل، واحتقاراً لأتباعه من الضعفاء.
عبادة قومه الأوثان الخمسة التي مرَّ ذكرها، وضلالهم الكثير.
تنكّر قومه لدعوته، وتكذيبه فيها بحجة أنه رجل منهم، ثم طلبهم إنزال العذاب الذي يَعِدهم به.
شكوى نوح إلى ربه أن قومه عصَوْه، واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلاَّ خساراً.
إعلام أو إخبار الله لنوح بأنه لن يؤمن من قومه إلاَّ من آمن، وذلك بعد زمن طويل لبعثه فيهم وهو يدعوهم ويصبر عليهم، وقد تعاقبت عليه منهم أجيال.
دعوة نوح عليهم بقوله: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 26-27].
أمْرُ الله لنوح أن يصنع السفينة - وقد كان ماهراً في النجارة - وذلك تهيئة لإِنقاذه هو ومَن معه من الطوفان الذي سيغسل الأرض من الكفر.
سخرية قوم نوح منه كلما مرَّ عليه ملأَ منهم ورأَوْهِ يصنع السفينة، وذلك إمعاناً منهم بالضلال وهم يَرَون منذرات العذاب.
حلول الأجل الذي قضاه الله وقدَّره للطوفان، وكان من علامة ذلك أن فار الماء من التَّنُّور.
أمر الله لنوح أن يحمل في السفينة:
(أ) من كلٍّ زوجين اثنين.
(ب)أهله إلاَّ من كفر منهم، ومنهم ولده الذي كان من المُغْرَقين وزوجته.
(ج) الذين آمنوا معه، وهؤلاء قليل.
فركبوا فيها وقالوا: {بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: 41].
تفجّر عيون الأرض، وانسكاب سحب السماء، ووقوع قضاء الله، ودعوة نوحٍ ولدَه في آخر الساعات قبيل غرقه، ولكن هذا الولد رفض الإِيمان، وظن النجاة بالاعتصام بالجبل وجرت السفينة بأمر الله، وقُضي الأمر، وكان ولد نوح من المغرقين.
تحسُّر نوحٍ على ولده وهو في السفينة تجري بأمر الله وتمنِّيه أن يكون معه ناجياً، وقوله لربه: "إن ابني من أهلي" وعتاب الله له، وإخباره بأن هذا الولد ليس من أهله، لأنه كافر عمل عملاً غير صالح.
ختم القصة بالإِعلان عن انقضاء الأمر:
{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود: 44].
الجودي: جبل في نواحي ديار بكر من بلاد الجزيرة، وهو متصل بجبال أرمينية. ويُسمى في التوراة: "أراراط".
ذِكْرُ المدة التي لبثها نوح في قومه، وهي: ألف سنة إلاَّ خمسين عاماً، فهل هي مجموع حياته، أو هي فترة دعوته لقومه - أي: منذ رسالته حتى وفاته - أو هي منذ ولادته أو رسالته إلى زمن الطوفان؟ كل ذلك محتمل والله أعلم بالحقيقة.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمْ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [العنكبوت: 14].
ويرجح الرأي الأخير لقوله تعالى: {فأخذهم الطوفان} بعد قوله: {فلبث فيهم ألف سنة إلاَّ خمسين عاماً}، لما تفيده الفاء من الترتيب.
بيان أن الذين بقوا بعد نوح هم ذريته فقط، وذلك في قوله تعالى: {وجعلنا ذريته هم الباقين}.
قال المؤرخون: وهم ذرية أولاده الثلاثة، سام وحام ويافث.
ويقولون أيضاً:
-1 سام: أبو العرب وفارس الروم.
-2 وحام: أبو السودان والفرنج والقبط والهند والسند.
-3 ويافث: أبو الترك والصين والصقالبة ويأجوج ومأجوج.
والله أعلم بالحقيقة
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيك اخي جمال و جعله الله في ميزان حسناتك
قصة يوسف عليه السلام
يوسف عليه السلام
نبذة:
ولد سيدنا يوسف وكان له 11 أخا وكان أبوه يحبه كثيرا وفي ذات ليلة رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين، فقص على والده ما رأى فقال له ألا يقصها على إخوته، ولكن الشيطان وسوس لإخوته فاتفقوا على أن يلقوه في غيابات الجب وادعوا أن الذئب أكله، ثم مر به ناس من البدو فأخذوه وباعوه بثمن بخس واشتراه عزيز مصر وطلب من زوجته أن ترعاه، ولكنها أخذت تراوده عن نفسه فأبى فكادت له ودخل السجن، ثم أظهر الله براءته وخرج من السجن ، واستعمله الملك على شئون الغذاء التي أحسن إدارتها في سنوات القحط، ثم اجتمع شمله مع إخوته ووالديه وخروا له سجدا وتحققت رؤياه.
المسيرة
سيرته:
قبل أن نبدأ بقصة يوسف عليه السلام، نود الإشارة لعدة أمور. أولها اختلاف طريقة رواية قصة يوسف عليه السلام في القرآن الكريم عن بقية قصص الأنبياء، فجاءت قصص الأنبياء في عدة سور، بينما جاءت قصة يوسف كاملة في سورة واحدة. قال تعالى في سورة (يوسف):
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) (يوسف)
واختلف العلماء لم سميت هذه القصة أحسن القصص؟ قيل إنها تنفرد من بين قصص القرآن باحتوائها على عالم كامل من العبر والحكم.. وقيل لأن يوسف تجاوز عن إخوته وصبر عليهم وعفا عنهم.. وقيل لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين، والعفة والغواية، وسير الملوك والممالك، والرجال والنساء، وحيل النساء ومكرهن، وفيها ذكر التوحيد والفقه، وتعبير الرؤيا وتفسيرها، فهي سورة غنية بالمشاهد والانفعالات.. وقيل: إنها سميت أحسن القصص لأن مآل من كانوا فيها جميعا كان إلى السعادة.
ومع تقديرنا لهذه الأسباب كلها.. نعتقد أن ثمة سببا مهما يميز هذه القصة.. إنها تمضي في خط واحد منذ البداية إلى النهاية.. يلتحم مضمونها وشكلها، ويفضي بك لإحساس عميق بقهر الله وغلبته ونفاذ أحكامه رغم وقوف البشر ضدها. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) هذا ما تثبته قصة يوسف بشكل حاسم، لا ينفي حسمه أنه تم بنعومة وإعجاز.
لنمضي الآن بقصة يوسف -عليه السلام- ولنقسمها لعدد من الفصول والمشاهد ليسهل علينا تتبع الأحداث.
المشهد الأول من فصل طفوله يوسف:
ذهب يوسف الصبي الصغير لأبيه، وحكى له عن رؤيا رآها. أخبره بأنه رأى في المنام أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له. استمع الأب إلى رؤيا ابنه وحذره أن يحكيها لأخوته. فلقد أدرك يعقوب -عليه السلام- بحدسه وبصيرته أن وراء هذه الرؤية شأنا عظيما لهذا الغلام. لذلك نصحه بأن لا يقص رؤياه على إخوته خشية أن يستشعورا ما وراءها لأخيهم الصغير -غير الشقيق، حيث تزوج يعقوب من امرأة ثانية أنجبت له يوسف وشقيقه- فيجد الشيطان من هذا ثغرة في نفوسهم، فتمتلئ نفوسهم بالحقد، فيدبروا له أمرا يسوؤه. استجاب يوسف لتحذير أبيه.. لم يحدث أخوته بما رأى، وأغلب الظن أنهم كانوا يكرهونه إلى الحد الذي يصعب فيه أن يطمئن إليهم ويحكي لهم دخائله الخاصة وأحلامه.
المشهد الثاني:
اجتمع أخوة يوسف يتحدثون في أمره. (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) أي نحن مجموعة قوية تدفع وتنفع، فأبونا مخطئ في تفضيل هذين الصبيين على مجموعة من الرجال النافعين! فاقترح أحدهم حلا للموضوع: (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا). إنه الحقد وتدخل الشيطان الذي ضخم حب أبيهم ليوسف وإيثاره عليهم حتى جعله يوازي القتل. أكبر جرائم الأرض قاطبة بعد الشرك بالله. وطرحه في أرض بعيدة نائية مرادف للقتل، لأنه سيموت هناك لا محاله. ولماذا هذا كله؟! حتى لا يراه أبوه فينساه فيوجه حبه كله لهم. ومن ثم يتوبون عن جريمتهم (وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ).
قال قائل منهم -حرك الله أعماقه بشفقة خفية، أو أثار الله في أعماقه رعبا من القتل: ما الداعي لقتله؟ إن كنتم تريدون الخلاص منه، فلنلقه في بئر تمر عليها القوافل.. ستلتقطه قافلة وترحل به بعيدا.. سيختفي عن وجه أبيه.. ويتحقق غرضنا من إبعاده.
انهزمت فكرة القتل، واختيرت فكرة النفي والإبعاد. نفهم من هذا أن الأخوة، رغم شرهم وحسدهم، كان في قلوبهم، أو في قلوب بعضهم، بعض خير لم يمت بعد.
المشهد الثالث:
توجه الأبناء لأبيهم يطلبون منه السماح ليوسف بمرافقتهم. دار الحوار بينهم وبين أبيهم بنعومة وعتاب خفي، وإثارة للمشاعر.. مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ ..؟ أيمكن أن يكون يوسف أخانا، وأنت تخاف عليه من بيننا ولا تستأمننا عليه، ونحن نحبه وننصح له ونرعاه؟ لماذا لا ترسله معنا يرتع ويلعب؟
وردا على العتاب الاستنكاري الأول جعل يعقوب عليه السلام ينفي -بطريقة غير مباشرة- أنه لا يأمنهم عليه، ويعلل احتجازه معه بقلة صبره على فراقه وخوفه عليه من الذئاب: قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ .
ففندوا فكرة الذئب الذي يخاف أبوه أن يأكله.. نحن عشرة من الرجال.. فهل نغفل عنه ونحن كثرة؟ نكون خاسرين غير أهل للرجولة لو وقع ذلك.. لن يأكله الذئب ولا داعي للخوف عليه.
وافق الأب تحت ضغط أبنائه.. ليتحقق قدر الله وتتم القصة كما تقتضي مشيئته!
المشهد الرابع:
خرج الأخوة ومعهم يوسف، وأخذوه للصحراء. اختاروا بئرا لا ينقطع عنها مرور القوافل وحملوه وهموا بإلقائه في البئر.. وأوحى الله إلى يوسف أنه ناج فلا يخاف.. وأنه سيلقاهم بعد يومهم هذا وينبئهم بما فعلوه.
المشهد الخامس:
عند العشاء جاء الأبناء باكين ليحكوا لأبيهم قصة الذئب المزعومة. أخبروه بأنهم ذهبوا يستبقون، فجاء ذئب على غفلة، وأكل يوسف. لقد ألهاهم الحقد الفائر عن سبك الكذبة، فلو كانوا أهدأ أعصابا ما فعلوها من المرة الأولى التي يأذن لهم فيها يعقوب باصطحاب يوسف معهم! ولكنهم كانوا معجلين لا يصبرون، يخشون ألا تواتيهم الفرصة مرة أخرى. كذلك كان التقاطهم لحكاية الذئب دليلا على التسرع، وقد كان أبوهم يحذرهم منها أمس، وهم ينفونها. فلم يكن من المستساغ أن يذهبوا في الصباح ليتركوا يوسف للذئب الذي حذرهم أبوهم منه أمس! وبمثل هذا التسرع جاءوا على قميصه بدم كذب لطخوه به في غير إتقان ونسوا في انفعالهم أن يمزقوا قميص يوسف.. جاءوا بالقميص كما هو سليما، ولكن ملطخا بالدم.. وانتهى كلامهم بدليل قوي على كذبهم حين قالوا: (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) أي وما أنت بمطمئن لما نقوله، ولو كان هو الصدق، لأنك تشك فينا ولا تطمئن لما نقوله.
أدرك يعقوب من دلائل الحال ومن نداء قلبه ومن الأكذوبة الواضحة، أن يوسف لم يأكله الذئب، وأنهم دبروا له مكيدة ما، وأنهم يلفقون له قصة لم تقع، فواجههم بأن نفوسهم قد حسنت لهم أمرا منكرا وذللته ويسرت لهم ارتكابه؛ وأنه سيصبر متحملا متجملا لا يجزع ولا يفزع ولا يشكو، مستعينا بالله على ما يلفقونه من حيل وأكاذيب: قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ
المشهد الأخير من الفصل الأول من حياة سيدنا يوسف عليه السلام:
أثناء وجود يوسف بالبئر، مرت عليه قافلة.. قافلة في طريقها إلى مصر.. قافلة كبيرة.. سارت طويلا حتى سميت سيارة.. توقفوا للتزود بالماء.. وأرسلوا أحدهم للبئر فأدلى الدلو فيه.. تعلق يوسف به.. ظن من دلاه أنه امتلأ بالماء فسحبه.. ففرح بما رأى.. رأى غلاما متعلقا بالدلو.. فسرى على يوسف حكم الأشياء المفقودة التي يلتقطها أحد.. يصير عبدا لمن التقطه.. هكذا كان قانون ذلك الزمان البعيد.
فرح به من وجده في البداية، ثم زهد فيه حين فكر في همه ومسئوليته، وزهد فيه لأنه وجده صبيا صغيرا.. وعزم على التخلص منه لدى وصوله إلى مصر.. ولم يكد يصل إلى مصر حتى باعه في سوق الرقيق بثمن زهيد، دراهم معدودة. ومن هناك اشتراه رجل تبدو عليه الأهمية.
انتهت المحنة الأولى في حياة هذا النبي الكريم، لبتدأ المحنة الثانية، والفصل الثاني من حياته.
ثم يكشف الله تعالى مضمون القصة البعيد في بدايتها (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). لقد انطبقت جدران العبودية على يوسف. ألقي في البئر، أهين، حرم من أبيه، التقط من البئر، صار عبدا يباع في الأسواق، اشتراه رجل من مصر، صار مملوكا لهذا الرجل.. انطبقت المأساة، وصار يوسف بلا حول ولا قوة.. هكذا يظن أي إنسان.. غير أن الحقيقة شيء يختلف عن الظن تماما.
ما نتصور نحن أنه مأساة ومحنة وفتنة.. كان هو أول سلم يصعده يوسف في طريقه إلى مجده.. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) .. ينفذ تدبيره رغم تدبير الآخرين. ينفذ من خلاله تدبير الآخرين فيفسده ويتحقق وعد الله، وقد وعد الله يوسف بالنبوة.
وها هو ذا يلقي محبته على صاحبه الذي اشتراه.. وها هو ذا السيد يقول لزوجته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا. وليس هذا السيد رجلا هين الشأن.. إنما هو رجل مهم.. رجل من الطب (http://www.almhml.com/s/-56)قة الحاكمة في مصر.. سنعلم بعد قليل أنه وزير من وزراء الملك. وزير خطير سماه القرآن "العزيز"، وكان قدماء المصريين يطلقون الصفات كأسماء على الوزراء. فهذا العزيز.. وهذا العادل.. وهذا القوي.. إلى آخره.. وأرجح الآراء أن العزيز هو رئيس وزراء مصر.
وهكذا مكن الله ليوسف في الأرض.. سيتربى كصبي في بيت رجل يحكم. وسيعلمه الله من تأويل الأحاديث والرؤى.. وسيحتاج إليه الملك في مصر يوما. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). تم هذا كله من خلال فتنة قاسية تعرض لها يوسف.
ثم يبين لنا المولى عز وجل كرمه على يوسف فيقول:
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) (يوسف)
كان يوسف أجمل رجل في عصره.. وكان نقاء أعماقه وصفاء سريرته يضفيان على وجهه مزيدا من الجمال. وأوتي صحة الحكم على الأمور.. وأوتي علما بالحياة وأحوالها. وأوتي أسلوبا في الحوار يخضع قلب من يستمع إليه.. وأوتي نبلا وعفة، جعلاه شخصية إنسانية لا تقاوم.
وأدرك سيده أن الله قد أكرمه بإرسال يوسف إليه.. اكتشف أن يوسف أكثر من رأى في حياته أمانة واستقامة وشهامة وكرما.. وجعله سيده مسئولا عن بيته وأكرمه وعامله كابنه.
ويبدأ المشهد الأول من الفصل الثاني في حياته:
في هذا المشهد تبدأ محنة يوسف الثانية، وهي أشد وأعمق من المحنة الأولى. جاءته وقد أوتي صحة الحكم وأوتي العلم -رحمة من الله- ليواجهها وينجو منها جزاء إحسانه الذي سجله الله له في قرآنه. يذكر الله تعالى هذه المحنة في كتابه الكريم:
وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) (يوسف)
لا يذكر السياق القرآني شيئا عن سنها وسنه، فلننظر في ذلك من باب التقدير. لقد أحضر يوسف صبيا من البئر، كانت هي زوجة في الثلاثة والعشرين مثلا، وكان هو في الثانية عشرا. بعد ثلاثة عشر عاما صارت هي في السادسة والثلاثين ووصل عمره إلى الخامسة والعشرين. أغلب الظن أن الأمر كذلك. إن تصرف المرأة في الحادثة وما بعدها يشير إلى أنها مكتملة جريئة.
والآن، لنتدبر معنا في كلمات هذه الآيات.
(وَرَاوَدَتْهُ) صراحة (عَن نَّفْسِهِ )، وأغلقت (الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ). لن تفر مني هذه المرة. هذا يعني أنه كانت هناك مرات سابقة فر فيها منها. مرات سابقة لم تكن الدعوة فيها بهذه الصراحة وهذا التعري. فيبدوا أن امرأة العزيز سئمت تجاهل يوسف لتلميحاتها المستمرة وإباءه.. فقررت أن تغير خطتها. خرجت من التلميح إلى التصريح.. أغلقت الأبواب ومزقت أقنعة الحياء وصرحت بحبها وطالبته بنفسه.
ثم يتجاوزز السياق القرآني الحوار الذي دار بين امرأة العزيز ويوسف عليه السلام، ولنا أن نتصور كيف حاولت إغراءه إما بلباسها أو كلماتها أو حركاتها. لكن ما يهمنا هنا هو موقف يوسف -عليه السلام- من هذا الإغواء.
يقف هذا النبي الكريم في وجه سيدته قائلا (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أعيذ نفسي بالله أن أفعل هذا مع زوجة من أكرمني بأن نجاني من الجب وجعل في هذه الدار مثواي الطيب الآمن. ولا يفلح الظالمون الذين يتجاوزون حدود الله، فيرتكبون ما تدعينني اللحظة إليه.
ثم (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) اتفق المفسرون حول همها بالمعصية، واختلفوا حول همه. فمنهم من أخذ بالإسرائيليات وذكر أن يعقوب ظهر له، أو جبريل نزل إليه، لكن التلفيق والاختلاق ظاهر في هذه الزوايات الإسرائيلية. ومن قائل: إنها همت به تقصد المعصية وهم بها يقصد المعصية ولم يفعل، ومن قائل: إنها همت به لتقبله وهم بها ليضربها، ومن قائل: إن هذا الهم كان بينهما قبل الحادث. كان حركة نفسية داخل نفس يوسف في السن التي اجتاز فيها فترة المراهقة. ثم صرف الله عنه. وأفضل تفسير تطمئن إليه نفسي أن هناك تقديما وتأخيرا في الآية.
قال أبو حاتم: كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة، فلما أتيت على قوله تعالى: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا). قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير. بمعنى ولقد همت به.. ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها. يستقيم هذا التفسير مع عصمة الأنبياء.. كما يستقيم مع روح الآيات التي تلحقه مباشرة (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) وهذه الآية التي تثبت أن يوسف من عباد الله المخلصين، تقطع في نفس الوقت بنجاته من سلطان الشيطان. قال تعالى لإبليس يوم الخلق (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) وما دام يوسف من عباده المخلصين، فقد وضح الأمر بالنسبة إليه. لا يعني هذا أن يوسف كان يخلو من مشاعر الرجولة، ولا يعني هذا أنه كان في نقاء الملائكة وعدم احتفالهم بالحس. إنما يعني أنه تعرض لإغراء طويل قاومه فلم تمل نفسه يوما، ثم أسكنها تقواها كونه مطلعا على برهان ربه، عارفا أنه يوسف بن يعقوب النبي، ابن إسحق النبي، ابن إبراهيم جد الأنبياء وخليل الرحمن.
يبدو أن يوسف -عليه السلام- آثر الانصراف متجها إلى الباب حتى لا يتطور الأمر أكثر. لكن امرأة العزيز لحقت به لتمسكه، تدفهعا الشهوة لذلك. فأمسكت قميصه من الخلف، فتمزق في يدها. وهنا تقطع المفاجأة. فتح الباب زوجها -العزيز. وهنا تتبدى المرأة المكتملة، فتجد الجواب حاضرا على السؤال البديهي الذي يطرح الموقف. فتقول متهمة الفتى: قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
واقترحت هذه المراة -العاشقة- سريعا العقاب -المأمون- الواجب تنفيذه على يوسف، خشية أن يفتك به العزيز من شدة غضبه. بيّنت للعزيز أن أفضل عقاب له هو السجن. بعد هذا الاتهام الباطل والحكم السريع جهر يوسف بالحقيقة ليدافع عن نفسه: قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي
تجاوز السياق القرآني رد الزوج، لكنه بين كيفية تبرأة يوسف -عليه السلام- من هذه التهمة الباطلة:
وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) (يوسف)
لا نعلم إن كان الشاهد مرافقا للزوج منذ البداية، أم أن العزيز استدعاه بعد الحادثة ليأخذ برأيه.. كما أشارت بعض الروايات أن هذا الشاهد رجل كبير، بينما أخبرت روايات أخرى أنه طفل رضيع. كل هذا جائز. وهو لا يغير من الأمر شيئا. ما يذكره القرآن أن الشاهد أمرهم بالنظر للقميص، فإن كان ممزقا من الأمام فذلك من أثر مدافعتها له وهو يريد الاعتداء عليها فهي صادقة وهو كاذب. وإن كان قميصه ممزقا من الخلف فهو إذن من أثر تملصه منها وتعقبها هي له حتى الباب، فهي كاذبة وهو صادق.
فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) (يوسف)
فتأكد الزوج من خيانة زوجته عندما رأى قميص يوسف ممزق من الخلف. لكن الدم لم يثر في عروقه ولم يصرخ ولم يغضب. فرضت عليه قيم الطب (http://www.almhml.com/s/-56)قة الراقية التي وقع فيها الحادث أن يواجه الموقف بلباقة وتلطف.. نسب ما فعلته إلى كيد النساء عموما. وصرح بأن كيد النساء عموم عظيم. وهكذا سيق الأمر كما لو كان ثناء يساق. ولا نحسب أنه يسوء المرأة أن يقال لها: (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ). فهو دلالة على أنها أنثى كاملة مستوفية لمقدرة الأنثى على الكيد. بعدها التفت الزوج إلى يوسف قائلا له: (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا) أهمل هذا الموضوع ولا تعره اهتماما ولا تتحدث به. هذا هو المهم.. المحافظة على الظواهر.. ثم يوجه عظة -مختصرة- للمرأة التي ضبطت متلبسة بمراودة فتاها عن نفسها وتمزيق قميصه: (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ).
انتهى الحادث الأول.. لكن الفتنة لم تنته.. فلم يفصل سيد البيت بين المرأة وفتاها.. كل ما طلبه هو إغلاق الحديث في هذا الموضوع. غير أن هذا الموضوع بالذات. وهذا الأمر يصعب تحقيقه في قصر يمتلئ بالخدم والخادمات والمستشارين والوصيفات.
بوركت اخي و اثابك الله الجنة
السلام عليكم.
بارك الله فيك وجعل هذا العمل في ميزان حسناتك.
السلام عليكم
قصة سيدنا
نوح عليه السلام
وقد أرسله الله إلى قومٍ فسد حالهم، ونسوا أصول شريعة الله التي أنزلها على أنبيائه ورسله السابقين، وصاروا يعبدون الأوثان. وقد أثبت القرآن الكريم خمسة أوثان لهم، كانوا يقدسونها ويعبدونها، وهي: (وَدّ - سُوَاع - يَغُوث - يَعُوق - نْسْر). قال الله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23].
نسب نوح:
يذكر النسَّابون أنه: نوح (عليه السلام) بن لامك بن متوشالح بن إدريس ("أخنوخ" عليه السلام) بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث (عليه السلام) بن آدم (عليه السلام) أبي البشر. والله أعلم.
حياة نوح مع قومه في فقرات:
وقد ذُكرت قصة نوح مع قومه في ست سور من القرآن الكريم بشكل مفصَّل، وأبرز ما فيها النقاط التالية:
- إثبات نبوته ورسالته.
دعوته لقومه دعوة ملحَّة، وثباته وصبره فيها، واتخاذه فيها مختلف الحجج والوسائل.
إعراض قومه عنه، فكلما زادهم دعاءً وتذكيراً زادوه فراراً وإعراضاً، وإصراراً على الباطل، واحتقاراً لأتباعه من الضعفاء.
عبادة قومه الأوثان الخمسة التي مرَّ ذكرها، وضلالهم الكثير.
تنكّر قومه لدعوته، وتكذيبه فيها بحجة أنه رجل منهم، ثم طلبهم إنزال العذاب الذي يَعِدهم به.
شكوى نوح إلى ربه أن قومه عصَوْه، واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلاَّ خساراً.
إعلام أو إخبار الله لنوح بأنه لن يؤمن من قومه إلاَّ من آمن، وذلك بعد زمن طويل لبعثه فيهم وهو يدعوهم ويصبر عليهم، وقد تعاقبت عليه منهم أجيال.
دعوة نوح عليهم بقوله: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 26-27].
أمْرُ الله لنوح أن يصنع السفينة - وقد كان ماهراً في النجارة - وذلك تهيئة لإِنقاذه هو ومَن معه من الطوفان الذي سيغسل الأرض من الكفر.
سخرية قوم نوح منه كلما مرَّ عليه ملأَ منهم ورأَوْهِ يصنع السفينة، وذلك إمعاناً منهم بالضلال وهم يَرَون منذرات العذاب.
حلول الأجل الذي قضاه الله وقدَّره للطوفان، وكان من علامة ذلك أن فار الماء من التَّنُّور.
أمر الله لنوح أن يحمل في السفينة:
(أ) من كلٍّ زوجين اثنين.
(ب)أهله إلاَّ من كفر منهم، ومنهم ولده الذي كان من المُغْرَقين وزوجته.
(ج) الذين آمنوا معه، وهؤلاء قليل.
فركبوا فيها وقالوا: {بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: 41].
تفجّر عيون الأرض، وانسكاب سحب السماء، ووقوع قضاء الله، ودعوة نوحٍ ولدَه في آخر الساعات قبيل غرقه، ولكن هذا الولد رفض الإِيمان، وظن النجاة بالاعتصام بالجبل وجرت السفينة بأمر الله، وقُضي الأمر، وكان ولد نوح من المغرقين.
تحسُّر نوحٍ على ولده وهو في السفينة تجري بأمر الله وتمنِّيه أن يكون معه ناجياً، وقوله لربه: "إن ابني من أهلي" وعتاب الله له، وإخباره بأن هذا الولد ليس من أهله، لأنه كافر عمل عملاً غير صالح.
ختم القصة بالإِعلان عن انقضاء الأمر:
{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود: 44].
الجودي: جبل في نواحي ديار بكر من بلاد الجزيرة، وهو متصل بجبال أرمينية. ويُسمى في التوراة: "أراراط".
ذِكْرُ المدة التي لبثها نوح في قومه، وهي: ألف سنة إلاَّ خمسين عاماً، فهل هي مجموع حياته، أو هي فترة دعوته لقومه - أي: منذ رسالته حتى وفاته - أو هي منذ ولادته أو رسالته إلى زمن الطوفان؟ كل ذلك محتمل والله أعلم بالحقيقة.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمْ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [العنكبوت: 14].
ويرجح الرأي الأخير لقوله تعالى: {فأخذهم الطوفان} بعد قوله: {فلبث فيهم ألف سنة إلاَّ خمسين عاماً}، لما تفيده الفاء من الترتيب.
بيان أن الذين بقوا بعد نوح هم ذريته فقط، وذلك في قوله تعالى: {وجعلنا ذريته هم الباقين}.
قال المؤرخون: وهم ذرية أولاده الثلاثة، سام وحام ويافث.
ويقولون أيضاً:
-1 سام: أبو العرب وفارس الروم.
-2 وحام: أبو السودان والفرنج والقبط والهند والسند.
-3 ويافث: أبو الترك والصين والصقالبة ويأجوج ومأجوج.
والله أعلم بالحقيقة
السلام عليكم.
بارك الله فيك وجعل هذا العمل في ميزان حسناتك.
حسناء العابدة
2009-12-22, 11:34
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزيتم كل الخير إخوتي جمال أبو حسين سوسو على الإفادة
قصة يونس عليه السلام
قال الله تعالى في سورة يونس:
{ فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلي حين} (سورة يونس:98)
وقال تعالى في سورة الأنبياء:
{ وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم، وكذلك ننجي المؤمنين } (سورة الأنبياء:87ـ88)
وقال تعالى في سورة الصافات:
{وإن يونس لمن المرسلين * إذ أبق إلي الفلك المشحون * فساهم فكان من المدحضين * فالتقمه الحوت وهو مليم * فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلي يوم يبعثون * فنبذناه بالعراء وهو سقيم * وأنبتنا عليه شجرة من يقطين * وأرسلناه إلي مائة ألف أو يزيدون * فآمنوا فمتعناهم إلي حين} (سورة الصافات:139ـ148)
وقال تعالى في سورة نون:
{فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصحاب الحوت إذ نادى وهو مكظوم * لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم * فاجتباه ربه فجعله من الصالحين } (القلم:48ـ50)
قال علماء التفسير: بعث الله يونس ، عليه السلام ـ إلي أهل "نينوي" من أرض الموصل، فدعاهم إلي الله عز وجل، فكذبوه وتمردوا على كفرهم وعنادهم، فلما طال ذلك عليه من أمرهم خرج من بين أظهرهم، ووعدهم حلول العذاب بهم بعد ثلاث.
قال ابن مسعود ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة، وغير واحد من السلف والخلف: فلما خرج من بين ظهرانيهم، وتحققوا من نزول العذاب بهم قذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة، وندموا على ما كان منهم إلي نبيهم، فلبسوا المسوح وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عجوا إلي الله عز وجل، وصرخوا، وتضرعوا إليه، وتمسكنوا لديه، وبكى الرجال والنساء والبنون والبنات والأمهات، وجأرت الأنعام والدواب والمواشي: فرغت الإبل وفصلانها، وخارت البقر وأولادها، وثغب الغنم وحملانها، وكانت ساعة عظيمة هائلة.
فكشف الله العظيم ـ بحوله وقوته ورأفته ورحمته ـ عنهم العذاب؛ الذي كان قد اتصل بهم سببه، ودار على رءوسهم كقطع الليل المظلم. ولهذا قال تعالى:
{ فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها } (سورة يونس:98)
أي: هلا وجدت فيما سلف من القرون قرية آمنت بكمالها، فدل على أنه لم يقع ذلك، بل كما قال تعالى:
{ وما أرسلنا في قرية من نبي إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون } (سورة سبأ:34)
وقوله:
{ إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلي حين } (سورة يونس:98)
أي: آمنوا بكاملهم. وقد اختلف المفسرون: هل ينفعهم هذا الإيمان في الدار الآخرة، فينقذهم من العذاب الأخروي كما أنقذهم من العذاب الدنيوي؟ على قولين:
الأظهر من السياق: نعم، والله أعلم.
كما قال تعالى: (لما آمنوا) وقال تعالى:
{ وأرسلناه إلي مائة ألف أو يزيدون * فآمنوا فمتعناهم إلي حين } (سورة الصافات:147ـ148)
وهذا المتاع إلي حين لا ينفي أن يكون معه غيره من رفع العذاب الأخروي، والله أعلم. وقد كانوا مائة ألف لا محالة، واختلفوا في الزيادة، فعن مكحول عشرة آلاف،
وروى الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم من حديث زهير عمن سمع أبا العالية؛ حدثني أبي بن كعب، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله:
{وأرسلناه إلي مائة ألف أو يزيدون} (سورة الصافات:147)
قال: "يزيدون عشرين ألفا". فلولا هذا الرجل المبهم لكان هذا الحديث فاصلاً في هذا الباب
وعن ابن عباس: كانوا مائة ألف وثلاثين ألفاً، وعنه: وبضعة وثلاثين ألفاً، وعنه: وبضعة وأربعين ألفا. وقال سعيد بن جبير: كانوا مائة ألف وسبعين ألفاً. واختلفوا: هل كان إرساله إليهم قبل الحوت أو بعده؟ أو هما أمتان؟ على ثلاثة أقوال، هي مبسوطة في التفسير. والمقصود أنه عليه السلام لما ذهب مغاضباً بسبب قومه، ركب سفينة في البحر فلجت بهم، واضطربت، وماجت بهم، وثقلت بما فيها، وكادوا يغرقون على ما ذكره المفسرون.
وقالوا: فتشاوروا فيما بينهم على أن يقترعوا، فمن وقعت عليه القرعة ألقوه من السفينة ليتخففوا منه. فلما اقترعوا وقعت القرعة على نبي الله يونس فلم يسمحوا به، فأعادوها ثانية فوقعت عليه أيضاً، فشمر ليخلع ثيابه ويلقي بنفسه، فأبوا عليه ذلك، ثم أعادوا القرعة ثالثة فوقعت عليه أيضاً، لما يريده الله به من الأمر العظيم.
قال الله تعالى:
{وإن يونس لمن المرسلين * إذ أبق إلي الفلك المشحون * فساهم فكان المدحضين * فالتقمه الحوت وهو مليم} (سورة لصافات:139ـ143)
وذلك أنه لما وقعت عليه القرعة ألقى في البحر، وبعث الله عز وجل حوتاً عظيماً من البحر الأخضر فالتقمه، وأمره الله تعالى ألا يأكل له لحماً، ولا يهشم له عظماً، فليس لك برزق، فأخذه فطاف به البحار كلها، وقيل: إنه ابتلع ذلك الحوت حوت آخر أكبر منه.
قالوا: ولما استقر في جوف الحوت حسب أنه قد مات فحرك جوارحه فتحركت، فإذا هو حي فخر لله ساجداً، وقال: يا رب اتخذت لك مسجداً في موضع لم يعبدك أحد في مثله. وقد اختلفوا في مقدار لبثه في بطنه؛ فقال مجالد عن الشعبي: التقمه ضحى ولفظه عشية، وقال قتادة: مكث فيه ثلاثاً، وقال جعفر الصادق: سبعة أيام، ويشهد له شعر أمية بن أبي الصلت:
وأنت بفضل منك نجيت يونسا وقد بات في أضعاف حوت لياليا
وقال سعيد بن أبي الحسن وأبو مالك: مكث في جوفه أربعين يوماً، والله أعلم كم مقدار ما لبث فيه.
والمقصود أنه لما جعل الحوت يطوف به قرار البحار اللجية، ويقتحم به لجج الموج الأجاجي، فسمع تسبيح الحيتان للرحمن، وحتى سمع تسبيح الحصى لفالق الحب والنوى ورب السماوات السبع والأرضين السبع وما بينهما وما تحت الثرى. فعند ذلك وهنالك؛ قال ما قال بلسان الحال والمقال، كما أخبر عنه ذو العزة والجلال؛ الذي يعلم السر والنجوى، ويكشف الضر والبلوى، سامع الأصوات وإن ضعفت، وعالم الخفيات وإن دقت، ومجيب الدعوات وإن عظمت، حيث قال في كتابه المبين، المنزل على رسوله الأمين، وهو أصدق القائلين ورب العالمين وإله المرسلين:
{ وذا النون إذ ذهب } (سورة الأنبياء:87)
{ مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين } (سورة القلم:48ـ50)
(فظن أن لن نقدر عليه) أن نضيق عليه، وقيل معناه: نقدر على التقدير وهي لغة مشهورة، قدر وقدر كما قال الشاعر:
فلا عائد ذاك الزمان الذي مضى تباركت، وتقدر يكن، فلك الأمر
(فنادى في الظلمات) قال ابن مسعود وابن عباس وعمرو بن ميمونة وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب والحسن وقتادة الضحاك: ظلمة الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل. وقال سالم بن أبي الجعد: ابتلع الحوت حوت آخر فصارت ظلمة الحوتين مع ظلمة البحر.
وقوله تعالى:
{فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلي يوم يبعثون } (سورة الصافات:143ـ144)
قيل معناه: فلولا أنه سبح الله هنالك، وقال ما قال من التهليل والتسبيح، والاعتراف لله بالخضوع، والتوبة إليه والرجوع؛ للبث هنالك إلي يوم القيامة، ولبعث من جوف ذلك الحوت. هذا معنى ما روي عن سعيد بن جبير في إحدى الروايتين عنه.
وقيل معناه: (فلولا أنه كان) من قبل أخذ الحوت له (من المسبحين) أي: المطيعين المصلين الذاكرين الله كثيراً، قاله الضحاك بن قيس وابن عباس وأبو العالية ووهب بن منبه وسعيد بن جبير والسدي وعطاء بن السائب والحسن البصري وقتادة وغير واحد، واختاره ابن جرير.
وشهد لهذا ما رواه الإمام احمد وبعض أهل السنن عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "يا غلام إني معلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلي الله في الرخاء يعرفك في الشدة"
وروى ابن جرير في تفسيره، والبزار في مسنده من حديث محمد بن إسحاق، عمن حدثه، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت أوحى الله إلي الحوت: أن خذه ولا تخدش له لحماً ولا تكسر له عظماً، فلما انتهى به إلي أسفل البحر سمع يونس حساً، فقال في نفسه: ما هذا؟ فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت: إن هذا تسبيح دواب البحر، قال: فسبح وهو في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربنا إنا نسمع صوتاً ضعيفا بأرض غريبة! قال: ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر، قالوا: العبد الصالح؛ الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح؟ قال: نعم، قال: فشفعوا له عند ذلك، فأمر الحوت فقذفه في الساحل"
كما قال الله:
{ فنبذناه بالعراء وهو سقيم } (سورة الصفات:145)
هذا لفظ ابن جرير إسناداً ومتناً، ثم قال البزار: لا نعلمه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد. كذا قال.
وقد قال ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا أبو عبد الله احمد بن عبد الرحمن ابن أخي وهب، حدثنا عمي، حدثنا أبو صخر، أن يزيد الرقاشي قال: سمعت أنس بن مالك، ولا أعلم إلا أن أنساً يرفع الحديث إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن يونس النبي عليه السلام حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات وهو في بطن الحوت قال: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. فأقبلت هذه الدعوة تحت العرش فقالت الملائكة: يا رب صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة، فقال: أما تعرفون ذاك؟ قالوا: لا يا رب، ومن هو؟ قال: عبدي يونس، قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوة مجابة؟ قالوا: يا ربنا أو لا ترحم ما كان يصنعه في الرخاء فتنجيه من البلاء؟ قال: بلى: فأمر الحوت فطرحه في العراء". ورواه ابن جرير عن يونس عن وهب به
زاد أبي حاتم: قال أبو صخر حميد بن زياد، فأخبرني ابن قسيط وأنا أحدثه هذا الحديث، أن سمع أبا هريرة يقول: طرح بالعراء، وأنبت الله عليه اليقطينة، قلنا: يا أبا هريرة وما اليقطينة؟ قال: شجرة الدباء، قال أبو هريرة: وهيأ الله أروية وحشية تأكل من خشاش الأرض، أو قال: هشاش الأرض، قال: فتفسخ عليه فترويه من لبنها كل عشية وبكرة حتى نبت.
وقال أمية بن أبي الصلت في ذلك بيتاً من شعر:
فأنبت يقطينا عليه برحمةٍ من الله لولا الله أصبح ضاويا
وهذا غريب أيضاً من هذا الوجه، ويزيد الرقاشي ضعيف، ولكن يتقوى بحديث أبي هريرة المتقدم، كما يتقوى ذاك بهذا، والله أعلم. وقد قال الله تعالى: (فنبذناه) أي: ألقيناه (بالعراء) وهو المكان القفر الذي ليس فيه شيء من الأشجار، بل هو عار منها، (وهو سقيم) أي: ضعيف البدن، قال ابن مسعود: كهيئة الفرخ ليس عليه ريش، وقال ابن عباس والسدي وابن زيد: كهيئة الصبي حين يولد وهو المنفوس عليه شيء. (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين) قال ابن مسعود وابن عباس وعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير ووهب بن منبه وهلال بن يساف وعبد الله بن طاووس والسدي وقتادة والضحاك وعطاء الخراساني وغير واحد: هو القرع. قال بعض العلماء: في إنبات القرع عليه حكم جمة، منها أن ورقة في غاية النعومة، وكثير وظليل، ولا يقربه ذباب، ويؤكل ثمره من أول طلوعه إلي آخره، نياً ومطبوخاً، وبقشره وببذره أيضاً، وفيه نفع كثير وتقوية للدماغ وغير ذلك.
وتقدم كلام أبي هريرة في تسخير الله تعالى له تلك الأروية التي كانت ترضعه لبنها وترعى في البرية، وتأتيه بكرة وعشية، وهذا من رحمة الله به ونعمته عليه وإحسانه إليه، ولهذا قال تعالى: (فاستجبنا له ونجيناه من الغم) أي: الكرب والضيق الذي كان فيه: (وكذلك ننجي المؤمنين) أي: وهذا صنيعنا بكل من دعانا واستجار بنا.
قال ابن جرير: حدثني عمران بن بكار الكلاعي، حدثنا يحيى بن صالح، حدثنا أبو يحيى بن عبد الرحمن، حدثني بشر بن منصور، عن علي بن زيد، عن سعيد ابن المسيب قال: سمعت سعد بن مالك ـ وهو ابن أبي وقاص ـ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اسم الله الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، دعوة يونس بن متى"، قال: فقلت يا رسول الله هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين؟ قال: "هي ليونس خاصة وللمؤمنين عامة إذا دعوا بها، ألم تسمع قول الله تعالى: (فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) فهو شرط من الله لمن دعاه به"
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن كثير ابن زيد، عن المطلب بن حنطب قال: قال أبو خالد: أحسبه عن مصعب ـ يعني ابن سعد ـ عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دعا بدعاء يونس استجيب له"
قال أبو سعيد الأشج: يريد به: (وكذلك ننجي المؤمنين). وهذان طريقان عن سعد.
وثالث أحسن منهما، قال الإمام احمد: حدثنا إسماعيل بن عمير، حدثنا يونس ابن أبي إسحاق الهمداني، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سعد، حدثني والدي محمد، عن أبيه سعد ـ وهو ابن أبي وقاص رضي الله عنه ـ قال: مررت بعثمان بن عفان في المسجد فسلمت عليه، فملأ عينيه مني ثم لم يردد علي السلام، فأتيت عمر بن الخطاب، فقلت: يا أمير المؤمنين؛ هل حدث في الإسلام شيء؟ قال: لا، وما ذاك؟ قلت: لا، إلا أني مررت بعثمان آنفاً في المسجد فسلمت عليه فملأ عينيه مني ثم لم يرد علي السلام، قال: فأرسل عمر إلي عثمان فدعاه فقال: ما منعك أن لا تكون رددت على أخيك السلام؟ قال: ما فعلت، قال سعد: قلت: بلى، حتى حلف وحلفت.
قال: ثم إن عثمان ذكر فقال: بلى، واستغفر الله وأتوب إليه، إنك مررت بي آنفاً، وأنا أحدث نفسي بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا والله ما ذكرتها قط إلا تغشي بصري وقلبي غشاوة.
قال سعد: فأنا أنبئك بها، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لنا أول دعوة، ثم جاء أعرابي فشغله حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعته، فلما أشفقت أن يسبقني إلي منزله ضربت بقدمي الأرض، فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من هذا؟ أبو إسحاق" قال: قلت: نعم يا رسول الله، قال: "فمه؟" قلت: لا والله، إلا أنك ذكرت لنا أول دعوة، ثم جاء هذا الأعرابي فشغلك، قال: "نعم، دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين). فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له".
ورواه الترمذي والنسائي من حديث إبراهيم بن محمد بن سعد به
حياة نور الدين
2009-12-22, 11:41
http://69.59.144.138/icon.aspx?m=blank
http://www.m7shsh.com/vb/14.gif
قصة سيدنا لوط عليه السلام
باختصار
* يعتبر لوط عليه السلام من الرسل من غير أولي العزم بعثه الله تعالى في فترة بعثة عمه نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام، قال تعالى: { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } العنكبوت26
. فاستقر به المقام في الخليل مع عمه، ثم نزح لوط إلى مدينة سدوم في نطاق غور الأردن اليوم، وكانت هذه القرية تقوم بأعمال قبيحة وعادات منكرة تتنافى مع الفطرة السليمة.
- وقد ارتكبوا جريمة الشذوذ الجنسي وهي إتيان الذكور من دون النساء
، قال تعالى: { وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } الأعراف80-82.
- لقد استهل لوط عليه السلام دعوته في قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأمرهم بترك الفواحش والمنكرات فلما ألح عليهم مغبة استمرارهم في هذا الطريق المعوج فكان جوابهم قال تعالى: { ..لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ } الشعراء167،
كما قرروا طرده بعد أن استشاطوا غضباً لدعوته قال تعالى: { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } النمل56.
- وحينما أراد الله سبحانه اجتثاث أصحاب الطباع السيئة والعادات القبيحة من على هذه الأرض... أرسل الله إليهم الملائكة ليقلبوا ديارهم رأساً على عقب، وكانت لهم قرى خمسة، ويزيد عددهم على أربعمائة ألف... فمروا في طريقهم على إبراهيم الخليل فبشروه بغلام حليم، وأخبروه أنهم ذاهبون إلى قوم لوط، أهل سدوم وعمورة، وأن الله قد أمرهم بذلك لإهلاك جميع أهل القرى، الذين كانوا يعملون الخبائث..
- فتخوف إبراهيم على ابن أخيه لوط إذا قلبت بهم الأرض أن يكون ضمن الهالكين فأخذ يناقشهم ويجادلهم وقال لهم: إن فيهم لوطاً فأخبروه بأن الله سينجيه وأهله ومن معه من المؤمنين من العذاب الذي سيحل على قوم لوط العصاة،
قال تعالى: { وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } العنكبوت31-35.
قال تعالى: { وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } العنكبوت33-35
- قال تعالى: { َإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا
عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } الصافات.
- قال ابن كثير في تفسيره: أن الله بعث لوطاً عليه السلام إلى قومه فكذبوه فنجاه الله تعالى من بين أظهرهم هو وأهله إلا امرأته فإنها هلكت مع من هلك من قومها فأن الله تعالى أهلكهم بأنواع من العقوبات وجعل محلتهم من الأرض بحيرة منتنة قبيحة المنظر والطعم والريح، وجعلها بسبيل مقيم يمر بها المسافرون ليلاً ونهاراً،
ولهذا قال تعالى: { وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ }،
أي أفلا تعتبرون بهم كيف دمر الله عليهم وتعلمون أن للكافرين أمثالها.
والله اعلم
يوسُف سُلطان
2009-12-22, 13:50
.. السلام عليكم ورحمة الله
جميل أن نتذاكر قصص الانبياء والرسل ... فقط أريد التنبيه الى التحقق من المصدر ..فهناك من الكتب الكثير والتي تتناقل الاحاديث الضعيفة دون التنبيه الى ذلك ..وكثيرا من الاسرائيليات والتركيز على الاحداث الثانوية التي تغري الفضول فقط دون النظر للعبرة من ذلك ..وقد كانت محلّ تحذير ونقد من طرف علماء كبار ...والله الموفق
تحياتي اخي جمال
رحيق القلوب
2009-12-22, 14:02
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
قصة يحي عليه السلام
ابن نبي الله زكريا، ولد استجابة لدعاء زكريا لله أن يرزقه الذرية الصالحة فجعل آية مولده أن لا يكلم الناس ثلاث ليال سويا، وقد كان يحيى نبيا وحصورا ومن الصالحين ، كما كان بارا تقيا ورعا منذ صباه
قال تعالى في سورة (آل عمران):
هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء (38) فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ
وقال تعالى في سورة (مريم):
يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا
وقال تعالى في سورة (مريم):
يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا
هذا هو يحيي، نبي الله الذي شهد الحق عز وجل له أنه لم يجعل له من قبل شبيها ولا مثيلا، وهو النبي الذي قال الحق عنه: (وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا)..
ومثلما أوتي الخضر علما من لدن الله، أوتي يحيي حنانا من لدن الله، والعلم مفهوم، والحنان هو العلم الشمولي الذي يشيع في نسيجه حب عميق للكائنات ورحمة بها، كأن الحنان درجة من درجات الحب الذي ينبع من العلم.
ولقد كان يحيي في الأنبياء نموذجا لا مثيل له في النسك والزهد والحب الإلهي.. هو النبي الناسك. كان يضيء حبا لكل الكائنات، وأحبه الناس وأحبته الطيور والوحوش والصحاري والجبال، ثم أهدرت دمه كلمة حق قالها في بلاط ملك ظالم، بشأن أمر يتصل براقصة بغي.
يذكر العلماء فضل يحيي ويوردون لذلك أمثلة كثيرة. كان يحيي معاصرا لعيسى وقريبه من جهة الأم (ابن خالة أمه)..
وتروي السنة أن يحيي وعيسى التقيا يوما.
فقال عيسى ليحيي: استغفر لي يا يحيي.. أنت خير مني.
قال يحيي: استغفر لي يا عيسى. أنت خير مني.
قال عيسى: بل أنت خير مني.. سلمت على نفسي وسلم الله عليك.
تشير القصة إلى فضل يحيي حين سلم الله عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه يوما فوجدهم يتذاكرون فضل الأنبياء.
قال قائل: موسى كليم الله.
وقال قائل: عيسى روح الله وكلمته.
وقال قائل: إبراهيم خليل الله.
ومضى الصحابة يتحدثون عن الأنبياء، فتدخل الرسول عليه الصلاة والسلام حين رآهم لا يذكرون يحيي. أين الشهيد ابنالشهيد؟ يلبس الوبر ويأكل الشجر مخافة الذنب. أين يحيي بن زكريا؟
ولد يحيي عليه السلام.. كان ميلاده معجزة.. فقد جاء لأبيه زكريا بعد عمر طال حتى يئس الشيخ من الذرية.. وجاء بعد دعوة نقية تحرك بها قلب النبي زكريا.
ولد يحيي عليه السلام فجاءت طفولته غريبة عن دنيا الأطفال.. كان معظم الأطفال يمارسون اللهو، أما هو فكان جادا طوال الوقت.. كان بعض الأطفال يتسلى بتعذيب الحيوانات، وكان يحيي يطعم الحيوانات والطيور من طعامه رحمة بها، وحنانا عليها، ويبقى هو بغير طعام.. أو يأكل من أوراق الشجر أو ثمارها.
وكلما كبر يحيي في السن زاد النور في وجهه وامتلأ قلبه بالحكمة وحب الله والمعرفة والسلام. وكان يحيي يحب القراءة، وكان يقرأ في العلم من طفولته.. فلما صار صبيا نادته رحمة ربه:
يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا
صدر الأمر ليحيي وهو صبي أن يأخذ الكتاب بقوة، بمعنى أن يدرس الكتاب بإحكام، كتاب الشريعة.. رزقه الله الإقبال على معرفة الشريعة والقضاء بين الناس وهو صبي.. كان أعلم الناس وأشدهم حكمة في زمانه درس الشريعة دراسة كاملة، ولهذا السبب آتاه الله الحكم وهو صبي.. كان يحكم بين الناس، ويبين لهم أسرار الدين، ويعرفهم طريق الصواب ويحذرهم من طريق الخطأ.
وكبر يحيي فزاد علمه، وزادت رحمته، وزاد حنانه بوالديه، والناس، والمخلوقات، والطيور، والأشجار.. حتى عم حنانه الدنيا وملأها بالرحمة.. كان يدعو الناس إلى التوبة من الذنوب، وكان يدعو الله لهم.. ولم يكن هناك إنسان يكره يحيي أو يتمنى له الضرر. كان محبوبا لحنانه وزكاته وتقواه وعلمه وفضله.. ثم زاد يحيي على ذلك بالتنسك.
وكان يحيي إذا وقف بين الناس ليدعوهم إلى الله أبكاهم من الحب والخشوع.. وأثر في قلوبهم بصدق الكلمات وكونها قريبة العهد من الله وعلى عهد الله..
وجاء صباح خرج فيه يحيي على الناس.. امتلأ المسجد بالناس، ووقف يحيي بن زكريا وبدأ يتحدث.. قال: إن الله عز وجل أمرني بكلمات أعمل بها، وآمركم أن تعملوا بها.. أن تعبدوا الله وحده بلا شريك.. فمن أشرك بالله وعبد غيره فهو مثل عبد اشتراه سيده فراح يعمل ويؤدي ثمن عمله لسيد غير سيده.. أيكم يحب أن يكون عبده كذلك..؟ وآمركم بالصلاة لأن الله ينظر إلى عبده وهو يصلي، ما لم يلتفت عن صلاته.. فإذا صليتم فاخشعوا.. وآمركم بالصيام.. فان مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك جميل الرائحة، كلما سار هذا الرجل فاحت منه رائحة المسك المعطر. وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، فان مثل ذلك كمثل رجل طلبه أعداؤه فأسرع لحصن حصين فأغلقه عليه.. وأعظم الحصون ذكر الله.. ولا نجاة بغير هذا الحصن.
كان أحد ملوك ذلك الزمان طاغية ضيق العقل غبي القلب يستبد برأيه، وكان الفساد منتشرا في بلاطه.. وكان يسمع أنباء متفرقة عن يحيي فيدهش لأن الناس يحبون أحدا بهذا القدر، وهو ملك ورغم ذلك لا يحبه أحد.
وكان الملك يريد الزواج من ابنة أخيه، حيث أعجبه جمالها، وهي أيضا طمعت بالملك، وشجعتها أمها على ذلك. وكانوا يعلمون أن هذا حرام في دينهم. فأرد الملك أن يأخذ الإذن من يحيى عليه السلام. فذهبوا يستفتون يحيى ويغرونه بالأموال ليستثني الملك.
لم يكن لدى الفتاة أي حرج من الزواج بالحرام، فلقد كانت بغيّ فاجرة. لكن يحيى عليه السلام أعلن أمام الناس تحريم زواج البنت من عمّها. حتى يعلم الناس –إن فعلها الملك- أن هذا انحراف. فغضب الملك وأسقط في يده، فامتنع عن الزواج.
لكن الفتاة كانت لا تزال طامعة في الملك. وفي إحدى الليالي الفاجرة أخذت البنت تغني وترقص فأرادها الملك لنفسهن فأبت وقالت: إلا أن تتزوجني. قال: كيف أتزوجك وقد نهانا يحيى. قالت: ائتني برأس يحيى مهرا لي. وأغرته إغراء شديدا فأمر في حينه بإحضار رأس يحيى له.
فذهب الجنود ودخلوا على يحيى وهو يصلي في المحراب. وقتلوه، وقدموا رأسه على صحن للملك، فقدّم الصحن إلى هذه البغيّ وتزوجها بالحرام
السلام عليكم.
حسناء العابدة وأبو حسين وsoosoou34bba .مشكورين كلكم على ما قمتم به من عمل طيب وجعله الله في ميزان حسناتكم جميعا.
.. السلام عليكم ورحمة الله
جميل أن نتذاكر قصص الانبياء والرسل ... فقط أريد التنبيه الى التحقق من المصدر ..فهناك من الكتب الكثير والتي تتناقل الاحاديث الضعيفة دون التنبيه الى ذلك ..وكثيرا من الاسرائيليات والتركيز على الاحداث الثانوية التي تغري الفضول فقط دون النظر للعبرة من ذلك ..وقد كانت محلّ تحذير ونقد من طرف علماء كبار ...والله الموفق
تحياتي اخي جمال
السلام عليكم.
بارك الله فيك أخي سلطان وما أشرت إليه معمول حسابه بعد نهاية السلسلة بحيث تدرج جميع الأحاديث المكذوبة مع التنبيهات الخاصة بذلك.
قمر الزمان رؤية
2009-12-22, 14:35
بارك الله فيكم
رحيق القلوب
2009-12-22, 14:41
صالح عليه السلام
نبذة:
أرسله الله إلىقوم ثمود وكانوا قوما جاحدين آتاهم الله رزقا كثيرا ولكنهم عصوا ربهم وعبدواالأصنام وتفاخروا بينهم بقوتهم فبعث الله إليهم صالحا مبشرا ومنذرا ولكنهم كذبوهوعصوه وطالبوه بأن يأتي بآية ليصدقوه فأتاهم بالناقة وأمرهم أن لا يؤذوها ولكنهمأصروا على كبرهم فعقروا الناقة وعاقبهم الله بالصاعقة فصعقوا جزاء لفعلتهم ونجىالله صالحا والمؤمنين.
سيرته:
إرسال صالح عليه السلام لثمود:
جاء قوم ثمود بعد قومعاد، وتكررت قصة العذاب بشكل مختلف مع ثمود. كانت ثمود قبيلة تعبد الأصنام هيالأخرى، فأرسل الله سيدنا "صالحا" إليهم.. وقال صالح لقومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ) نفس الكلمة التي يقولها كل نبي.. لا تتبدل ولا تتغير، كما أن الحق لا يتبدلولا يتغير.
فوجئ الكبار من قوم صالح بما يقوله.. إنه يتهم آلهتهم بأنها بلاقيمة، وهو ينهاهم عن عبادتها ويأمرهم بعبادة الله وحده. وأحدثت دعوته هزة كبيرة فيالمجتمع.. وكان صالح معروفا بالحكمة والنقاء والخير. كان قومه يحترمونه قبل أن يوحيالله إليه ويرسله بالدعوة إليهم.. وقال قوم صالح له:
قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَاأَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّاتَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) (هود)
تأمل وجهة نظر الكافرين منقوم صالح. إنهم يدلفون إليه من باب شخصي بحت. لقد كان لنا رجاء فيك. كنت مرجوا فينالعلمك وعقلك وصدقك وحسن تدبيرك، ثم خاب رجاؤنا فيك.. أتنهانا أن نعبد ما يعبدآباؤنا؟! يا للكارثة.. كل شيء يا صالح إلا هذا. ما كنا نتوقع منك أن تعيب آلهتناالتي وجدنا آبائنا عاكفين عليها.. وهكذا يعجب القوم مما يدعوهم إليه. ويستنكرون ماهو واجب وحق، ويدهشون أن يدعوهم أخوهم صالح إلى عبادة الله وحده. لماذا؟ ما كان ذلككله إلا لأن آبائهم كانوا يعبدون هذه الآلهة.
معجزة صالحعليه السلام:
ورغم نصاعة دعوة صالح عليه الصلاة والسلام، فقد بداواضحا أن قومه لن يصدقونه. كانوا يشكون في دعوته، واعتقدوا أنه مسحور، وطالبوهبمعجزة تثبت أنه رسول من الله إليهم. وشاءت إرادة الله أن تستجيب لطلبهم. وكان قومثمود ينحتون من الجبال بيوتا عظيمة. كانوا يستخدمون الصخر في البناء، وكانوا أقوياءقد فتح الله عليهم رزقهم من كل شيء. جاءوا بعد قوم عاد فسكنوا الأرض التياستعمروها.
قال صالح لقومه حين طالبوه بمعجزة ليصدقوه:
وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَاتَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌقَرِيبٌ (64) (هود)
والآية هي المعجزة، ويقال إن الناقة كانت معجزةلأن صخرة بالجبل انشقت يوما وخرجت منها الناقة.. ولدت من غير الطريق المعروفللولادة. ويقال إنها كانت معجزة لأنها كانت تشرب المياه الموجودة في الآبار في يومفلا تقترب بقية الحيوانات من المياه في هذا اليوم، وقيل إنها كانت معجزة لأنها كانتتدر لبنا يكفي لشرب الناس جميعا في هذا اليوم الذي تشرب فيه الماء فلا يبقى شيءللناس. كانت هذه الناقة معجزة، وصفها الله سبحانه وتعالى بقوله: (نَاقَةُ اللّهِ) أضافها لنفسه سبحانه بمعنى أنها ليست ناقة عادية وإنما هي معجزة من الله. وأصدرالله أمره إلى صالح أن يأمر قومه بعدم المساس بالناقة أو إيذائها أو قتلها، أمرهمأن يتركوها تأكل في أرض الله، وألا يمسوها بسوء، وحذرهم أنهم إذا مدوا أيديهمبالأذى للناقة فسوف يأخذهم عذاب قريب.
في البداية تعاظمت دهشة ثمود حين ولدتالناقة من صخور الجبل.. كانت ناقة مباركة. كان لبنها يكفي آلاف الرجال والنساءوالأطفال. كان واضحا إنها ليست مجرد ناقة عادية، وإنما هي آية من الله. وعاشتالناقة بين قوم صالح، آمن منهم من آمن وبقي أغلبهم على العناد والكفر. وذلك لأنالكفار عندما يطلبون من نبيهم آية، ليس لأنهم يريدون التأكد من صدقه والإيمان به،وإنما لتحديه وإظهار عجزه أمام البشر. لكن الله كان يخذلهم بتأييد أنبياءه بمعجزاتمن عنده.
كان صالح عليه الصلاة والسلام يحدث قومه برفق وحب، وهو يدعوهم إلىعبادة الله وحده، وينبههم إلى أن الله قد أخرج لهم معجزة هي الناقة، دليلا على صدقهوبينة على دعوته. وهو يرجو منهم أن يتركوا الناقة تأكل في أرض الله، وكل الأرض أرضالله. وهو يحذرهم أن يمسوها بسوء خشية وقوع عذاب الله عليهم. كما ذكرهم بإنعام اللهعليهم: بأنه جعلهم خلفاء من بعد قوم عاد.. وأنعم عليهم بالقصور والجبال المنحوتةوالنعيم والرزق والقوة. لكن قومه تجاوزوا كلماته وتركوه، واتجهوا إلى الذين آمنوابصالح.
يسألونهم سؤال استخفاف وزراية: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًامُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ ؟!
قالت الفئة الضعيفة التي آمنت بصالح: إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ
فأخذت الذين كفرواالعزة بالإثم.. قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِكَافِرُونَ . هكذا باحتقار واستعلاء وغضب.
تآمرالملأ على الناقة:
وتحولت الكراهية عن سيدنا صالح إلى الناقةالمباركة. تركزت عليها الكراهية، وبدأت المؤامرة تنسج خيوطها ضد الناقة. كرهالكافرون هذه الآية العظيمة، ودبروا في أنفسهم أمرا.
وفي إحدى الليالي،انعقدت جلسة لكبار القوم، وقد أصبح من المألوف أن نرى أن في قصص الأنبياء هذهالتدابير للقضاء على النبي أو معجزاته أو دعوته تأتي من رؤساء القوم، فهم من يخافونعلى مصالحهم إن تحول الناس للتوحيد، ومن خشيتهم إلى خشية الله وحده. أخذ رؤساءالقوم يتشاورون فيما يجب القيام به لإنهاء دعوة صالح. فأشار عليهم واحد منهم بقتلالناقة ومن ثم قتل صالح نفسه.
وهذا هو سلاح الظلمة والكفرة في كل زمانومكان، يعمدون إلى القوة والسلاح بدل الحوار والنقاش بالحجج والبراهين. لأنهميعلمون أن الحق يعلوا ولا يعلى عليه، ومهما امتد بهم الزمان سيظهر الحق ويبطل كلحججهم. وهم لا يريدون أن يصلوا لهذه المرحلة، وقرروا القضاء على الحق قبل أن تقوىشوكته.
لكن أحدهم قال: حذرنا صالح من المساس بالناقة، وهددنا بالعذابالقريب. فقال أحدهم سريعا قبل أن يؤثر كلام من سبقه على عقول القوم: أعرف من يجرأعلى قتل الناقة. ووقع الاختيار على تسعة من جبابرة القوم. وكانوا رجالا يعيثونالفساد في الأرض، الويل لمن يعترضهم.
هؤلاء هم أداة الجريمة. اتفق على موعدالجريمة ومكان التنفيذ. وفي الليلة المحددة. وبينما كانت الناقة المباركة تنام فيسلام. انتهى المجرمون التسعة من إعداد أسلحتهم وسيوفهم وسهامهم، لارتكاب الجريمة. هجم الرجال على الناقة فنهضت الناقة مفزوعة. امتدت الأيدي الآثمة القاتلة إليها. وسالت دمائها.
هلاك ثمود:
علم النبي صالح بماحدث فخرج غاضبا على قومه. قال لهم: ألم أحذركم من أن تمسوا الناقة؟
قالوا: قتلناها فأتنا بالعذاب واستعجله.. ألم تقل أنك من المرسلين؟
قال صالح لقومه: تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُمَكْذُوبٍ
بعدها غادر صالح قومه. تركهم ومضى. انتهى الأمر ووعده اللهبهلاكهم بعد ثلاثة أيام.
ومرت ثلاثة أيام على الكافرين من قوم صالح وهميهزءون من العذاب وينتظرون، وفي فجر اليوم الرابع: انشقت السماء عن صيحة جبارةواحدة. انقضت الصيحة على الجبال فهلك فيها كل شيء حي. هي صرخة واحدة.. لم يكد أولهايبدأ وآخرها يجيء حتى كان كفار قوم صالح قد صعقوا جميعا صعقة واحدة.
هلكواجميعا قبل أن يدركوا ما حدث. أما الذين آمنوا بسيدنا صالح، فكانوا قد غادروا المكانمع نبيهم ونجوا.
بسم الله الرحمن الرحيم
*****************
قصة إبراهيم عليه السلام
نبذة:
هو خليل الله، اصطفاه الله برسالته وفضله على كثير من خلقه، كان إبراهيم يعيش في قوم يعبدون الكواكب، فلم يكن يرضيه ذلك، وأحس بفطرته أن هناك إلها أعظم حتى هداه الله واصطفاه برسالته، وأخذ إبراهيم يدعو قومه لوحدانية الله وعبادته ولكنهم كذبوه وحاولوا إحراقه فأنجاه الله من بين أيديهم، جعل الله الأنبياء من نسل إبراهيم فولد له إسماعيل وإسحاق، قام إبراهيم ببناء الكعبة مع إسماعيل.
سيرته:
منزلة إبراهيم عليه السلام:
هو أحد أولي العزم الخمسة الكبار الذين اخذ الله منهم ميثاقا غليظا، وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد.. بترتيب بعثهم. وهو النبي الذي ابتلاه الله ببلاء مبين. بلاء فوق قدرة البشر وطاقة الأعصاب. ورغم حدة الشدة، وعنت البلاء.. كان إبراهيم هو العبد الذي وفى. وزاد على الوفاء بالإحسان.
وقد كرم الله تبارك وتعالى إبراهيم تكريما خاصا، فجعل ملته هي التوحيد الخالص النقي من الشوائب. وجعل العقل في جانب الذين يتبعون دينه.
وكان من فضل الله على إبراهيم أن جعله الله إماما للناس. وجعل في ذريته النبوة والكتاب. فكل الأنبياء من بعد إبراهيم هم من نسله فهم أولاده وأحفاده. حتى إذا جاء آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، جاء تحقيقا واستجابة لدعوة إبراهيم التي دعا الله فيها أن يبعث في الأميين رسولا منهم.
ولو مضينا نبحث في فضل إبراهيم وتكريم الله له فسوف نمتلئ بالدهشة. نحن أمام بشر جاء ربه بقلب سليم. إنسان لم يكد الله يقول له أسلم حتى قال أسلمت لرب العالمين. نبي هو أول من سمانا المسلمين. نبي كان جدا وأبا لكل أنبياء الله الذين جاءوا بعده. نبي هادئ متسامح حليم أواه منيب.
يذكر لنا ربنا ذو الجلال والإكرام أمرا آخر أفضل من كل ما سبق. فيقول الله عز وجل في محكم آياته: (وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) لم يرد في كتاب الله ذكر لنبي، اتخذه الله خليلا غير إبراهيم. قال العلماء: الخُلَّة هي شدة المحبة. وبذلك تعني الآية: واتخذ الله إبراهيم حبيبا. فوق هذه القمة الشامخة يجلس إبراهيم عليه الصلاة والسلام. إن منتهى أمل السالكين، وغاية هدف المحققين والعارفين بالله.. أن يحبوا الله عز وجل. أما أن يحلم أحدهم أن يحبه الله، أن يفرده بالحب، أن يختصه بالخُلَّة وهي شدة المحبة.. فذلك شيء وراء آفاق التصور. كان إبراهيم هو هذا العبد الرباني الذي استحق أن يتخذه الله خليلا.
حال المشركين قبل بعثة إبراهيم:
يتحدث القرآن عن ميلاده أو طفولته، ولا يتوقف عند عصره صراحة، ولكنه يرسم صورة لجو الحياة في أيامه، فتدب الحياة في عصره، وترى الناس قد انقسموا ثلاث فئات:
فئة تعبد الأصنام والتماثيل الخشبية والحجرية.
وفئة تعبد الكواكب والنجوم والشمس والقمر.
وفئة تعبد الملوك والحكام.
نشأة إبراهيم عليه السلام:
وفي هذا الجو ولد إبراهيم. ولد في أسرة من أسر ذلك الزمان البعيد. لم يكن رب الأسرة كافرا عاديا من عبدة الأصنام، كان كافرا متميزا يصنع بيديه تماثيل الآلهة. وقيل أن أباه مات قبل ولادته فرباه عمه، وكان له بمثابة الأب، وكان إبراهيم يدعوه بلفظ الأبوة، وقيل أن أباه لم يمت وكان آزر هو والده حقا، وقيل أن آزر اسم صنم اشتهر أبوه بصناعته.. ومهما يكن من أمر فقد ولد إبراهيم في هذه الأسرة.
رب الأسرة أعظم نحات يصنع تماثيل الآلهة. ومهنة الأب تضفي عليه قداسة خاصة في قومه، وتجعل لأسرته كلها مكانا ممتازا في المجتمع. هي أسرة مرموقة، أسرة من الصفوة الحاكمة.
من هذه الأسرة المقدسة، ولد طفل قدر له أن يقف ضد أسرته وضد نظام مجتمعه وضد أوهام قومه وضد ظنون الكهنة وضد العروش القائمة وضد عبدة النجوم والكواكب وضد كل أنواع الشرك باختصار.
مرت الأيام.. وكبر إبراهيم.. كان قلبه يمتلأ من طفولته بكراهية صادقة لهذه التماثيل التي يصنعها والده. لم يكن يفهم كيف يمكن لإنسان عاقل أن يصنع بيديه تمثالا، ثم يسجد بعد ذلك لما صنع بيديه. لاحظ إبراهيم إن هذه التماثيل لا تشرب ولا تأكل ولا تتكلم ولا تستطيع أن تعتدل لو قلبها أحد على جنبها. كيف يتصور الناس أن هذه التماثيل تضر وتنفع؟!
يتبع .....
بسم الله الرحمن الرحيم
*****************
قصة إبراهيم عليه السلام
مواجهة عبدة الكواكب والنجوم:
قرر إبراهيم عليه السلام مواجهة عبدة النجوم من قومه، فأعلن عندما رأى أحد الكواكب في الليل، أن هذا الكوكب ربه. ويبدو أن قومه اطمأنوا له، وحسبوا أنه يرفض عبادة التماثيل ويهوى عبادة الكواكب. وكانت الملاحة حرة بين الوثنيات الثلاث: عبادة التماثيل والنجوم والملوك. غير أن إبراهيم كان يدخر لقومه مفاجأة مذهلة في الصباح. لقد أفل الكوكب الذي التحق بديانته بالأمس. وإبراهيم لا يحب الآفلين. فعاد إبراهيم في الليلة الثانية يعلن لقومه أن القمر ربه. لم يكن قومه على درجة كافية من الذكاء ليدركوا أنه يسخر منهم برفق ولطف وحب. كيف يعبدون ربا يختفي ثم يظهر. يأفل ثم يشرق. لم يفهم قومه هذا في المرة الأولى فكرره مع القمر. لكن القمر كالزهرة كأي كوكب آخر.. يظهر ويختفي. فقال إبراهيم عدما أفل القمر (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) نلاحظ هنا أنه عندما يحدث قومه عن رفضه لألوهية القمر.. فإنه يمزق العقيدة القمرية بهدوء ولطف. كيف يعبد الناس ربا يختفي ويأفل. (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي) يفهمهم أن له ربا غير كل ما يعبدون. غير أن اللفتة لا تصل إليهم. ويعاود إبراهيم محاولته في إقامة الحجة على الفئة الأولى من قومه.. عبدة الكواكب والنجوم. فيعلن أن الشمس ربه، لأنها أكبر من القمر. وما أن غابت الشمس، حتى أعلن براءته من عبادة النجوم والكواكب. فكلها مغلوقات تأفل. وأنهى جولته الأولى بتوجيهه وجهه للذي فطر السماوات والأرض حنيفا.. ليس مشركا مثلهم.
استطاعت حجة إبراهيم أن تظهر الحق. وبدأ صراع قومه معه. لم يسكت عنه عبدة النجوم والكواكب. بدءوا جدالهم وتخويفهم له وتهديده. ورد إبراهيم عليهم قال:
أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) (الأنعام)
لا نعرف رهبة الهجوم عليه. ولا حدة الصراع ضده، ولا أسلوب قومه الذي اتبعه معه لتخويفه. تجاوز القرآن هذا كله إلى رده هو. كان جدالهم باطلا فأسقطه القرآن من القصة، وذكر رد إبراهيم المنطقي العاقل. كيف يخوفونه ولا يخافون هم؟ أي الفريقين أحق بالأمن؟
بعد أن بين إبراهيم عليه السلام حجته لفئة عبدة النجوم والكواكب، استعد لتبيين حجته لعبدة الأصنام. آتاه الله الحجة في المرة الأولى كما سيؤتيه الحجة في كل مرة.
سبحانه.. كان يؤيد إبراهيم ويريه ملكوت السماوات والأرض. لم يكن معه غير إسلامه حين بدأ صراعه مع عبدة الأصنام. هذه المرة يأخذ الصراع شكلا أعظم حدة. أبوه في الموضوع.. هذه مهنة الأب وسر مكانته وموضع تصديق القوم.. وهي العبادة التي تتبعها الأغلبية.
مواجهة عبدة الأصنام:
خرج إبراهيم على قومه بدعوته. قال بحسم غاضب وغيرة على الحق:
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (الأنبياء)
انتهى الأمر وبدأ الصراع بين إبراهيم وقومه.. كان أشدهم ذهولا وغضبا هو أباه أو عمه الذي رباه كأب.. واشتبك الأب والابن في الصراع. فصلت بينهما المبادئ فاختلفا.. الابن يقف مع الله، والأب يقف مع الباطل.
قال الأب لابنه: مصيبتي فيك كبيرة يا إبراهيم.. لقد خذلتني وأسأت إلي.
قال إبراهيم:
يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) (مريم)
انتفض الأب واقفا وهو يرتعش من الغضب. قال لإبراهيم وهو ثائر إذا لم تتوقف عن دعوتك هذه فسوف أرجمك، سأقتلك ضربا بالحجارة. هذا جزاء من يقف ضد الآلهة.. اخرج من بيتي.. لا أريد أن أراك.. اخرج.
انتهى الأمر وأسفر الصراع عن طرد إبراهيم من بيته. كما أسفر عن تهديده بالقتل رميا بالحجارة. رغم ذلك تصرف إبراهيم كابن بار ونبي كريم. خاطب أباه بأدب الأنبياء. قال لأبيه ردا على الإهانات والتجريح والطرد والتهديد بالقتل:
قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا (48) (مريم)
وخرج إبراهيم من بيت أبيه. هجر قومه وما يعبدون من دون الله. وقرر في نفسه أمرا. كان يعرف أن هناك احتفالا عظيما يقام على الضفة الأخرى من النهر، وينصرف الناس جميعا إليه. وانتظر حتى جاء الاحتفال وخلت المدينة التي يعيش فيها من الناس.
وخرج إبراهيم حذرا وهو يقصد بخطاه المعبد. كانت الشوارع المؤدية إلى المعبد خالية. وكان المعبد نفسه مهجورا. انتقل كل الناس إلى الاحتفال. دخل إبراهيم المعبد ومعه فأس حادة. نظر إلى تماثيل الآلهة المنحوتة من الصخر والخشب. نظر إلى الطعام الذي وضعه الناس أمامها كنذور وهدايا. اقترب إبراهيم من التماثيل وسألهم: (أَلَا تَأْكُلُونَ) كان يسخر منهم ويعرف أنهم لا يأكلون. وعاد يسأل التماثيل: (مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ) ثم هوى بفأسه على الآلهة.
وتحولت الآلهة المعبودة إلى قطع صغيرة من الحجارة والأخشاب المهشمة.. إلا كبير الأصنام فقد تركه إبراهيم (لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) فيسألونه كيف وقعت الواقعة وهو حاضر فلم يدفع عن صغار الآلهة! ولعلهم حينئذ يراجعون القضية كلها، فيرجعون إلى صوابهم.
إلا أن قوم إبراهيم الذين عطّلت الخرافة عقولهم عن التفكير، وغلّ التقليد أفكارهم عن التأمل والتدبر. لم يسألوا أنفسهم: إن كانت هذه آلهة فكيف وقع لها ما وقع دون أن تدفع عن أنفسها شيئا؟! وهذا كبيرها كيف لم يدفع عنها؟! وبدلا من ذلك (قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ).
عندئذ تذكر الذين سمعوا إبراهيم ينكر على أبيه ومن معه عبادة التماثيل، ويتوعدهم أن يكيد لآلهتهم بعد انصرافهم عنها!
فأحضروا إبراهيم عليه السلام، وتجمّع الناس، وسألوه (أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ)؟ فأجابهم إبراهيم (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ) والتهكم واضح في هذا الجواب الساخر. فلا داعي لتسمية هذه كذبة من إبراهيم -عليه السلام- والبحث عن تعليلها بشتى العلل التي اختلف عليها المفسرون. فالأمر أيسر من هذا بكثير! إنما أراد أن يقول لهم: إن هذه التماثيل لا تدري من حطمها إن كنت أنا أم هذا الصنم الكبير الذي لا يملك مثلها حراكا. فهي جماد لا إدراك له أصلا. وأنتم كذلك مثلها مسلوبو الإدراك لا تميزون بين الجائز والمستحيل. فلا تعرفون إن كنت أنا الذي حطمتها أم أن هذا التمثال هو الذي حطمها!
ويبدو أن هذا التهكم الساخر قد هزهم هزا، وردهم إلى شيء من التدبر التفكر:
فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) (الأنبياء)
وكانت بادرة خير أن يستشعروا ما في موقفهم من سخف، وما في عبادتهم لهذه التماثيل من ظلم. وأن تتفتح بصيرتهم لأول مرة فيتدبروا ذلك السخف الذي يأخذون به أنفسهم، وذلك الظلم الذي هم فيه سادرون. ولكنها لم تكن إلا ومضة واحدة أعقبها الظلام، وإلا خفقة واحدة عادت بعدها قلوبهم إلى الخمود:
ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ (الأنبياء)
وحقا كانت الأولى رجعة إلى النفوس، وكانت الثانية نكسة على الرؤوس؛ كما يقول التعبير القرآني المصور العجيب.. كانت الأولى حركة في النفس للنظر والتدبر. أما الثانية فكانت انقلابا على الرأس فلا عقل ولا تفكير. وإلا فإن قولهم هذا الأخير هو الحجة عليهم. وأية حجة لإبراهيم أقوى من أن هؤلاء لا ينطقون؟
ومن ثم يجيبهم بعنف وضيق على غير عادته وهو الصبور الحليم. لأن السخف هنا يجاوز صبر الحليم:
قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) (الأنبياء)
وهي قولة يظهر فيها ضيق الصدرن وغيظ النفس، والعجب من السخف الذي يتجاوز كل مألوف.
عند ذلك أخذتهم العزة بالإثم كما تأخذ الطغاة دائما حين يفقدون الحجة ويعوزهم الدليل، فيلجأون إلى القوة الغاشمة والعذاب الغليظ:
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68) (الأنبياء)
يتبع ......
بسم الله الرحمن الرحيم
*****************
قصة إبراهيم عليه السلام
نجاة إبراهيم عليه السلام من النار:
وفعلا.. بدأ الاستعداد لإحراق إبراهيم. انتشر النبأ في المملكة كلها. وجاء الناس من القرى والجبال والمدن ليشهدوا عقاب الذي تجرأ على الآلهة وحطمها واعترف بذلك وسخر من الكهنة. وحفروا حفرة عظيمة ملئوها بالحطب والخشب والأشجار. وأشعلوا فيها النار. وأحضروا المنجنيق وهو آلة جبارة ليقذفوا إبراهيم فيها فيسقط في حفرة النار.. ووضعوا إبراهيم بعد أن قيدوا يديه وقدميه في المنجنيق. واشتعلت النار في الحفرة وتصاعد اللهب إلى السماء. وكان الناس يقفون بعيدا عن الحفرة من فرط الحرارة اللاهبة. وأصدر كبير الكهنة أمره بإطلاق إبراهيم في النار.
جاء جبريل عليه السلام ووقف عند رأس إبراهيم وسأله: يا إبراهيم.. ألك حاجة؟
قال إبراهيم: أما إليك فلا.
انطلق المنجنيق ملقيا إبراهيم في حفرة النار. كانت النار موجودة في مكانها، ولكنها لم تكن تمارس وظيفتها في الإحراق. فقد أصدر الله جل جلاله إلى النار أمره بأن تكون (بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ). أحرقت النار قيوده فقط. وجلس إبراهيم وسطها كأنه يجلس وسط حديقة. كان يسبّح بحمد ربه ويمجّده. لم يكن في قلبه مكان خال يمكن أن يمتلئ بالخوف أو الرهبة أو الجزع. كان القلب مليئا بالحب وحده. ومات الخوف. وتلاشت الرهبة. واستحالت النار إلى سلام بارد يلطف عنه حرارة الجو.
جلس الكهنة والناس يرقبون النار من بعيد. كانت حرارتها تصل إليهم على الرغم من بعدهم عنها. وظلت النار تشتعل فترة طويلة حتى ظن الكافرون أنها لن تنطفئ أبدا. فلما انطفأت فوجئوا بإبراهيم يخرج من الحفرة سليما كما دخل. ووجهه يتلألأ بالنور والجلال. وثيابه كما هي لم تحترق. وليس عليه أي أثر للدخان أو الحريق.
خرج إبراهيم من النار كما لو كان يخرج من حديقة. وتصاعدت صيحات الدهشة الكافرة. خسروا جولتهم خسارة مريرة وساخرة.
وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) (الأنبياء)
لا يحدثنا القرآن الكريم عن عمر إبراهيم حين حطم أصنام قومه، لا يحدثنا عن السن التي كلف فيها بالدعوة إلى الله. ويبدو من استقراء النصوص القديمة أن إبراهيم كان شابا صغيرا حين فعل ذلك، بدليل قول قومه عنه: (سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ). وكلمة الفتى تطلق على السن التي تسبق العشرين.
مواجهة عبدة الملوك:
إن زمن اصطفاء الله تعالى لإبراهيم غير محدد في القرآن. وبالتالي فنحن لا نستطيع أن نقطع فيه بجواب نهائي. كل ما نستطيع أن نقطع فيه برأي، أن إبراهيم أقام الحجة على عبدة التماثيل بشكل قاطع، كما أقامها على عبدة النجوم والكواكب من قبل بشكل حاسم، ولم يبق إلا أن تقام الحجة على الملوك المتألهين وعبادهم.. وبذلك تقوم الحجة على جميع الكافرين.
فذهب إبراهيم عليه السلام لملك متألّه كان في زمانه. وتجاوز القرآن اسم الملك لانعدام أهميته، لكن روي أن الملك المعاصر لإبراهيم كان يلقب (بالنمرود) وهو ملك الآراميين بالعراق. كما تجاوز حقيقة مشاعره، كما تجاوز الحوار الطويل الذي دار بين إبراهيم وبينه. لكن الله تعالى في كتابه الحكيم أخبرنا الحجة الأولى التي أقامها إبراهيم عليه السلام على الملك الطاغية، فقال إبراهيم بهدوء: (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ)
قال الملك: (أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ) أستطيع أن أحضر رجلا يسير في الشارع وأقتله، وأستطيع أن أعفو عن محكوم عليه بالإعدام وأنجيه من الموت.. وبذلك أكون قادرا على الحياة والموت.
لم يجادل إبراهيم الملك لسذاجة ما يقول. غير أنه أراد أن يثبت للملك أنه يتوهم في نفسه القدرة وهو في الحقيقة ليس قادرا. فقال إبراهيم: (فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ)
استمع الملك إلى تحدي إبراهيم صامتا.. فلما انتهى كلام النبي بهت الملك. أحس بالعجز ولم يستطع أن يجيب. لقد أثبت له إبراهيم أنه كاذب.. قال له إن الله يأتي بالشمس من المشرق، فهل يستطيع هو أن يأتي بها من المغرب.. إن للكون نظما وقوانين يمشي طبقا لها.. قوانين خلقها الله ولا يستطيع أي مخلوق أن يتحكم فيها. ولو كان الملك صادقا في ادعائه الألوهية فليغير نظام الكون وقوانينه.. ساعتها أحس الملك بالعجز.. وأخرسه التحدي. ولم يعرف ماذا يقول، ولا كيف يتصرف. انصرف إبراهيم من قصر الملك، بعد أن بهت الذي كفر.
هجرة إبراهيم عليه السلام:
انطلقت شهرة إبراهيم في المملكة كلها. تحدث الناس عن معجزته ونجاته من النار، وتحدث الناس عن موقفه مع الملك وكيف أخرس الملك فلم يعرف ماذا يقول. واستمر إبراهيم في دعوته لله تعالى. بذل جهده ليهدي قومه، حاول إقناعهم بكل الوسائل، ورغم حبه لهم وحرصه عليهم فقد غضب قومه وهجروه، ولم يؤمن معه من قومه سوى امرأة ورجل واحد. امرأة تسمى سارة، وقد صارت فيما بعد زوجته، ورجل هو لوط، وقد صار نبيا فيما بعد. وحين أدرك إبراهيم أن أحدا لن يؤمن بدعوته. قرر الهجرة.
قبل أن يهاجر، دعا والده للإيمان، ثم تبين لإبراهيم أن والده عدو لله، وأنه لا ينوي الإيمان، فتبرأ منه وقطع علاقته به.
للمرة الثانية في قصص الأنبياء نصادف هذه المفاجأة. في قصة نوح كان الأب نبيا والابن كافرا، وفي قصة إبراهيم كان الأب كافرا والابن نبيا، وفي القصتين نرى المؤمن يعلن براءته من عدو الله رغم كونه ابنه أو والده، وكأن الله يفهمنا من خلال القصة أن العلاقة الوحيدة التي ينبغي أن تقوم عليها الروابط بين الناس، هي علاقة الإيمان لا علاقة الميلاد والدم.
خرج إبراهيم عليه السلام من بلده وبدأ هجرته. سافر إلى مدينة تدعى أور. ومدينة تسمى حاران. ثم رحل إلى فلسطين ومعه زوجته، المرأة الوحيدة التي آمنت به. وصحب معه لوطا.. الرجل الوحيد الذي آمن به.
بعد فلسطين ذهب إبراهيم إلى مصر. وطوال هذا الوقت وخلال هذه الرحلات كلها، كان يدعو الناس إلى عبادة الله، ويحارب في سبيله، ويخدم الضعفاء والفقراء، ويعدل بين الناس، ويهديهم إلى الحقيقة والحق.
وتأتي بعض الروايات لتبين قصة إبراهيم عليه السلام وزوجته سارة وموقفهما مع ملك مصر. فتقول:
وصلت الأخبار لملك مصر بوصول رجل لمصر معه أمرأة هي أجمل نساء الأرض. فطمع بها. وأرسل جنوده ليأتونه بهذه المرأة. وأمرهم بأن يسألوا عن الرجل الذي معها، فإن كان زوجها فليقتلوه. فجاء الوحي لإبراهيم عليه السلام بذلك. فقال إبراهيم -عليه السلام- لسارة إن سألوك عني فأنت أختي -أي أخته في الله-، وقال لها ما على هذه الأرض مؤمن غيري وغيرك -فكل أهل مصر كفرة، ليس فيها موحد لله عز وجل. فجاء الجنود وسألوا إبراهيم: ما تكون هذه منك؟ قال: أختي.
لنقف هنا قليلا.. قال إبراهيم حينما قال لقومه (إني سقيم) و (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوه) و (هي أختي). كلها كلمات تحتمل التاويل. لكن مع هذا كان إبراهيم عليه السلام خائفا جدا من حسابه على هذه الكلمات يوم القايمة. فعندما يذهب البشر له يوقم القيامة ليدعوا الله أن يبدأ الحساب يقول لهم لا إني كذب على ربي ثلاث مرات.
ونجد أن البشر الآن يكذبون أمام الناس من غير استحياء ولا خوف من خالقهم.
لما عرفت سارة أن ملك مصر فاجر ويريدها له أخذت تدعوا الله قائلة: اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر.
فلما أدخلوها عليه. مد يده إليها ليلمسها فشلّ وتجمدت يده في مكانها، فبدأ بالصراخ لأنه لم يعد يستطيع تحريكها، وجاء أعوانه لمساعدته لكنهم لم يستطيعوا فعل شيء. فخافت سارة على نفسها أن يقتلوها بسبب ما فعلته بالملك. فقالت: يا رب اتركه لا يقتلوني به. فاستجاب الله لدعائها.
لكن الملك لم يتب وظن أن ما حدث كان أمرا عابرا وذهب. فهجم عليها مرة أخرى. فشلّ مرة ثانية. فقال: فكيني. فدعت الله تعالى فَفَكّه. فمد يده ثالثة فشلّ. فقال: فكيني وأطلقك وأكرمك. فدعت الله سبحانه وتعالى فَفُك. فصرخ الملك بأعوانه: أبعدوها عني فإنكم لم تأتوني بإنسان بل أتيتموني بشيطان.
فأطلقها وأعطاها شيئا من الذهب، كما أعطاها أَمَةً اسمها "هاجر".
هذه الرواية مشهورة عن دخول إبراهيم -عليه السلام- لمصر.
وكانت زوجته سارة لا تلد. وكان ملك مصر قد أهداها سيدة مصرية لتكون في خدمتها، وكان إبراهيم قد صار شيخا، وابيض شعره من خلال عمر أبيض أنفقه في الدعوة إلى الله، وفكرت سارة إنها وإبراهيم وحيدان، وهي لا تنجب أولادا، ماذا لو قدمت له السيدة المصرية لتكون زوجة لزوجها؟ وكان اسم المصرية "هاجر". وهكذا زوجت سارة سيدنا إبراهيم من هاجر، وولدت هاجر ابنها الأول فأطلق والده عليه اسم "إسماعيل". كان إبراهيم شيخا حين ولدت له هاجر أول أبنائه إسماعيل.
ولسنا نعرف أبعاد المسافات التي قطعها إبراهيم في رحلته إلى الله. كان دائما هو المسافر إلى الله. سواء استقر به المقام في بيته أو حملته خطواته سائحا في الأرض. مسافر إلى الله يعلم إنها أيام على الأرض وبعدها يجيء الموت ثم ينفخ في الصور وتقوم قيامة الأموات ويقع البعث.
يتبع ....
بسم الله الرحمن الرحيم
*****************
قصة إبراهيم عليه السلام
إحياء الموتى:
ملأ اليوم الآخر قلب إبراهيم بالسلام والحب واليقين. وأراد أن يرى يوما كيف يحيي الله عز وجل الموتى. حكى الله هذا الموقف في سورة (البقرة).. قال تعالى:
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي
لا تكون هذه الرغبة في طمأنينة القلب مع الإيمان إلا درجة من درجات الحب لله.
قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
فعل إبراهيم ما أمره به الله. ذبح أربعة من الطير وفرق أجزاءها على الجبال. ودعاها باسم الله فنهض الريش يلحق بجناحه، وبحثت الصدور عن رؤوسها، وتطايرت أجزاء الطير مندفعة نحو الالتحام، والتقت الضلوع بالقلوب، وسارعت الأجزاء الذبيحة للالتئام، ودبت الحياة في الطير، وجاءت طائرة مسرعة ترمي بنفسها في أحضان إبراهيم. اعتقد بعض المفسرين إن هذه التجربة كانت حب استطلاع من إبراهيم. واعتقد بعضهم أنه أراد أن يرى يد ذي الجلال الخالق وهي تعمل، فلم ير الأسلوب وإن رأى النتيجة. واعتقد بعض المفسرين أنه اكتفى بما قاله له الله ولم يذبح الطير. ونعتقد أن هذه التجربة كانت درجة من درجات الحب قطعها المسافر إلى الله. إبراهيم
رحلة إبراهيم مع هاجر وإسماعيل لوادي مكة:
استيقظ إبراهيم يوما فأمر زوجته هاجر أن تحمل ابنها وتستعد لرحلة طويلة. وبعد أيام بدأت رحلة إبراهيم مع زوجته هاجر ومعهما ابنهما إسماعيل. وكان الطفل رضيعا لم يفطم بعد. وظل إبراهيم يسير وسط أرض مزروعة تأتي بعدها صحراء تجيء بعدها جبال. حتى دخل إلى صحراء الجزيرة العربية، وقصد إبراهيم واديا ليس فيه زرع ولا ثمر ولا شجر ولا طعام ولا مياه ولا شراب. كان الوادي يخلو تماما من علامات الحياة. وصل إبراهيم إلى الوادي، وهبط من فوق ظهر دابته. وأنزل زوجته وابنه وتركهما هناك، ترك معهما جرابا فيه بعض الطعام، وقليلا من الماء. ثم استدار وتركهما وسار.
أسرعت خلفه زوجته وهي تقول له: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه شيء؟
لم يرد عليها سيدنا إبراهيم. ظل يسير. عادت تقول له ما قالته وهو صامت. أخيرا فهمت أنه لا يتصرف هكذا من نفسه. أدركت أن الله أمره بذلك وسألته: هل الله أمرك بهذا؟ قال إبراهيم عليه السلام: نعم.
قالت زوجته المؤمنة العظيمة: لن نضيع ما دام الله معنا وهو الذي أمرك بهذا. وسار إبراهيم حتى إذا أخفاه جبل عنهما وقف ورفع يديه الكريمتين إلى السماء وراح يدعو الله: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ).
لم يكن بيت الله قد أعيد بناؤه بعد، لم تكن الكعبة قد بنيت، وكانت هناك حكمة عليا في هذه التصرفات الغامضة، فقد كان إسماعيل الطفل الذي ترك مع أمه في هذا المكان، كان هذا الطفل هو الذي سيصير مسؤولا مع والده عن بناء الكعبة فيما بعد. وكانت حكمة الله تقضي أن يمتد العمران إلى هذا الوادي، وأن يقام فيه بيت الله الذي نتجه جميعا إليه أثناء الصلاة بوجوهنا.
ترك إبراهيم زوجته وابنه الرضيع في الصحراء وعاد راجعا إلى كفاحه في دعوة الله. أرضعت أم إسماعيل ابنها وأحست بالعطش. كانت الشمس ملتهبة وساخنة وتثير الإحساس بالعطش. بعد يومين انتهى الماء تماما، وجف لبن الأم. وأحست هاجر وإسماعيل بالعطش.. كان الطعام قد انتهى هو الآخر. وبدا الموقف صعبا وحرجا للغاية.
ماء زمزم:
بدأ إسماعيل يبكي من العطش. وتركته أمه وانطلقت تبحث عن ماء. راحت تمشي مسرعة حتى وصلت إلى جبل اسمه "الصفا". فصعدت إليه وراحت تبحث بهما عن بئر أو إنسان أو قافلة. لم يكن هناك شيء. ونزلت مسرعة من الصفا حتى إذا وصلت إلى الوادي راحت تسعى سعي الإنسان المجهد حتى جاوزت الوادي ووصلت إلى جبل "المروة"، فصعدت إليه ونظرت لترى أحدا لكنها لم تر أحدا. وعادت الأم إلى طفلها فوجدته يبكي وقد اشتد عطشه. وأسرعت إلى الصفا فوقفت عليه، وهرولت إلى المروة فنظرت من فوقه. وراحت تذهب وتجيء سبع مرات بين الجبلين الصغيرين. سبع مرات وهي تذهب وتعود. ولهذا يذهب الحجاج سبع مرات ويعودون بين الصفا والمروة إحياء لذكريات أمهم الأولى ونبيهم العظيم إسماعيل. عادت هاجر بعد المرة السابعة وهي مجهدة متعبة تلهث. وجلست بجوار ابنها الذي كان صوته قد بح من البكاء والعطش.
وفي هذه اللحظة اليائسة أدركتها رحمة الله، وضرب إسماعيل بقدمه الأرض وهو يبكي فانفجرت تحت قدمه بئر زمزم. وفار الماء من البئر. أنقذت حياتا الطفل والأم. راحت الأم تغرف بيدها وهي تشكر الله. وشربت وسقت طفلها وبدأت الحياة تدب في المنطقة. صدق ظنها حين قالت: لن نضيع ما دام الله معنا.
وبدأت بعض القوافل تستقر في المنطقة. وجذب الماء الذي انفجر من بئر زمزم عديدا من الناس. وبدأ العمران يبسط أجنحته على المكان.
الأمر بذبح إسماعيل عليه السلام:
كبر إسماعيل.. وتعلق به قلب إبراهيم.. جاءه العقب على كبر فأحبه.. وابتلى الله تعالى إبراهيم بلاء عظيما بسبب هذا الحب. فقد رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ابنه الوحيد إسماعيل. وإبراهيم يعمل أن رؤيا الأنبياء وحي.
انظر كيف يختبر الله عباده. تأمل أي نوع من أنواع الاختبار. نحن أمام نبي قلبه أرحم قلب في الأرض. اتسع قلبه لحب الله وحب من خلق. جاءه ابن على كبر.. وقد طعن هو في السن ولا أمل هناك في أن ينجب. ثم ها هو ذا يستسلم للنوم فيرى في المنام أنه يذبح ابنه وبكره ووحيده الذي ليس له غيره.
أي نوع من الصراع نشب في نفسه. يخطئ من يظن أن صراعا لم ينشأ قط. لا يكون بلاء مبينا هذا الموقف الذي يخلو من الصراع. نشب الصراع في نفس إبراهيم.. صراع أثارته عاطفة الأبوة الحانية. لكن إبراهيم لم يسأل عن السبب وراء ذبح ابنه. فليس إبراهيم من يسأل ربه عن أوامره.
فكر إبراهيم في ولده.. ماذا يقول عنه إذا أرقده على الأرض ليذبحه.. الأفضل أن يقول لولده ليكون ذلك أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قهرا ويذبحه قهرا. هذا أفضل.. انتهى الأمر وذهب إلى ولده (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى). انظر إلى تلطفه في إبلاغ ولده، وترك الأمر لينظر فيه الابن بالطاعة.. إن الأمر مقضي في نظر إبراهيم لأنه وحي من ربه.. فماذا يرى الابن الكريم في ذلك؟ أجاب إسماعيل: هذا أمر يا أبي فبادر بتنفيذه (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). تأمل رد الابن.. إنسان يعرف أنه سيذبح فيمتثل للأمر الإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده أنه سيجده (إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). هو الصبر على أي حال وعلى كل حال.. وربما استعذب الابن أن يموت ذبحا بأمر من الله.. ها هو ذا إبراهيم يكتشف أن ابنه ينافسه في حب الله. لا نعرف أي مشاعر جاشت في نفس إبراهيم بعد استسلام ابنه الصابر.
ينقلنا الحق نقلة خاطفة فإذا إسماعيل راقد على الأرض، وجهه في الأرض رحمة به كيلا يرى نفسه وهو يذبح. وإذا إبراهيم يرفع يده بالسكين.. وإذا أمر الله مطاع. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) استخدم القرآن هذا التعبير.. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) هذا هو الإسلام الحقيقي.. تعطي كل شيء، فلا يتبقى منك شيء.
عندئذ فقط.. وفي اللحظة التي كان السكين فيها يتهيأ لإمضاء أمره.. نادى الله إبراهيم.. انتهى اختباره، وفدى الله إسماعيل بذبح عظيم - وصار اليوم عيدا لقوم لم يولدوا بعد، هم المسلمون. صارت هذه اللحظات عيدا للمسلمين. عيدا يذكرهم بمعنى الإسلام الحقيقي الذي كان عليه إبراهيم وإسماعيل.
ومضت قصة إبراهيم. ترك ولده إسماعيل وعاد يضرب في أرض الله داعيا إليه، خليلا له وحده. ومرت الأيام. كان إبراهيم قد هاجر من أرض الكلدانيين مسقط رأسه في العراق وعبر الأردن وسكن في أرض كنعان في البادية. ولم يكن إبراهيم ينسى خلال دعوته إلى الله أن يسأل عن أخبار لوط مع قومه، وكان لوط أول من آمن به، وقد أثابه الله بأن بعثه نبيا إلى قوم من الفاجرين العصاة.
يتبع .....
بسم الله الرحمن الرحيم
*****************
قصة إبراهيم عليه السلام
البشرى بإسحاق:
كان إبراهيم جالس لوحده. في هذه اللحظة، هبطت على الأرض أقدام ثلاثة من الملائكة: جبريل وإسرافيل وميكائيل. يتشكلون في صور بشرية من الجمال الخارق. ساروا صامتين. مهمتهم مزودجة. المرور على إبراهيم وتبشيره. ثم زيارة قوم لوط ووضع حد لجرائمهم.
سار الملائكة الثلاثة قليلا. ألقى أحدهم حصاة أمام إبراهيم. رفع إبراهيم رأسه.. تأمل وجوههم.. لا يعرف أحدا فيهم. بادروه بالتحية. قالوا: سلاما. قال: سلام.
نهض إبراهيم ورحب بهم. أدخلهم بيته وهو يظن أنهم ضيوف وغرباء. أجلسهم واطمأن أنهم قد اطمأنوا، ثم استأذن وخرج. راغ إلى أهله.
نهضت زوجته سارة حين دخل عليها. كانت عجوزا قد ابيض شعرها ولم يعد يتوهج بالشباب فيها غير وميض الإيمان الذي يطل من عينيها.
قال إبراهيم لزوجته: زارنا ثلاثة غرباء.
سألته: من يكونون؟
قال: لا أعرف أحدا فيهم. وجوه غريبة على المكان. لا ريب أنهم من مكان بعيد، غير أن ملابسهم لا تشي بالسفر الطويل. أي طعام جاهز لدينا؟
قالت: نصف شاة.
قال وهو يهم بالانصراف: نصف شاة.. اذبحي لهم عجلا سمينا. هم ضيوف وغرباء. ليست معهم دواب أو أحمال أو طعام. ربما كانوا جوعى وربما كانوا فقراء.
اختار إبراهيم عجلا سمينا وأمر بذبحه، فذكروا عليه اسم الله وذبحوه. وبدأ شواء العجل على الحجارة الساخنة. وأعدت المائدة. ودعا إبراهيم ضيوفه إلى الطعام. أشار إبراهيم بيده أن يتفضلوا باسم الله، وبدأ هو يأكل ليشجعهم. كان إبراهيم كريما يعرف أن الله لا يتخلى عن الكرماء وربما لم يكن في بيته غير هذا العجل، وضيوفه ثلاثة ونصف شاة يكفيهم ويزيد، غير أنه كان سيدا عظيم الكرم. راح إبراهيم يأكل ثم استرق النظر إلى ضيوفه ليطمئن أنهم يأكلون. لاحظ أن أحدا لا يمد يده إلى الطعام. قرب إليهم الطعام وقال: ألا تأكلون؟ عاد إلى طعامه ثم اختلس إليهم نظرة فوجدهم لا يأكلون.. رأى أيديهم لا تصل إلى الطعام. عندئذ (أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً). في تقاليد البادية التي عاش فيها إبراهيم، كان معنى امتناع الضيوف عن الأكل أنهم يقصدون شرا بصاحب البيت.
ولاحظ إبراهيم بينه وبين نفسه أكثر من ملاحظة تؤيد غرابة ضيوفه. لاحظ أنهم دخلوا عليه فجأة. لم يرهم إلا وهم عند رأسه. لم يكن معهم دواب تحملهم، لم تكن معهم أحمال. وجوههم غريبة تماما عليه. كانوا مسافرين وليس عليهم أثر لتراب السفر. ثم ها هو ذا يدعوهم إلى طعامه فيجلسون إلى المائدة ولا يأكلون. ازداد خوف إبراهيم.
كان الملائكة يقرءون أفكاره التي تدور في نفسه، دون أن يشي بها وجهه. قال له أحد الملائكة: (لاَ تَخَفْ). رفع إبراهيم رأسه وقال بصدق عظيم وبراءة: اعترف إنني خائف. لقد دعوتكم إلى الطعام ورحبت بكم، ولكنكم لا تمدون أيديكم إليه.. هل تنوون بي شرا؟
ابتسم أحد الملائكة وقال: نحن لا نأكل يا إبراهيم.. نحن ملائكة الله.. وقد (أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ)
ضحكت زوجة إبراهيم.. كانت قائمة تتابع الحوار بين زوجها وبينهم، فضحكت.
التفت إليها أحد الملائكة وبشرها بإسحاق.
صكت العجوز وجهها تعجبا:
قَالَت يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) (هود)
عاد أحد الملائكة يقول لها:
وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ
جاشت المشاعر في قلب إبراهيم وزوجته. شف جو الحجرة وانسحب خوف إبراهيم واحتل قلبه نوع من أنواع الفرح الغريب المختلط. كانت زوجته العاقر تقف هي الأخرى وهي ترتجف. إن بشارة الملائكة تهز روحها هزا عميقا. إنها عجوز عقيم وزوجها شيخ كبير. كيف؟! كيف يمكن؟!
وسط هذا الجو الندي المضطرب تساءل إبراهيم:
أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) (الحجر)
أكان يريد أن يسمع البشارة مرة أخرى؟ أكان يريد أن يطمئن قلبه ويسمع للمرة الثانية منة الله عليه؟ أكان ما بنفسه شعورا بشريا يريد أن يستوثق؟ ويهتز بالفرح مرتين بدلا من مرة واحدة؟ أكد له الملائكة أنهم بشروه بالحق.
قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ (55) (الحجر)
قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ (الحجر)
لم يفهم الملائكة إحساسه البشري، فنوه عن أن يكون من القانطين، وأفهمهم أنه ليس قانطا.. إنما هو الفرح.
لم تكن البشرى شيئا بسيطا في حياة إبراهيم وزوجته. لم يكن لإبراهيم غير ولد واحد هو إسماعيل، تركه هناك بعيدا في الجزيرة العربية. ولم تكن زوجته سارة قد أنجبت خلال عشرتها الطويلة لإبراهيم، وهي التي زوجته من جاريتها هاجر. ومن هاجر جاء إسماعيل. أما سارة، فلم يكن لها ولد. وكان حنينها إلى الولد عظيما، لم يطفئ مرور الأيام من توهجه. ثم دخلت شيخوختها واحتضر حلمها ومات. كانت تقول: إنها مشيئة الله عز وجل.
هكذا أراد الله لها. وهكذا أراد لزوجها. ثم ها هي ذي في مغيب العمر تتلقى البشارة. ستلد غلاما. ليس هذا فحسب، بشرتها الملائكة بأن ابنها سيكون له ولد تشهد مولده وتشهد حياته. لقد صبرت طويلا ثم يئست ثم نسيت. ثم يجيء جزاء الله مفاجأة تمحو هذا كله في لحظة.
فاضت دموعها وهي تقف. وأحس إبراهيم عليه الصلاة والسلام بإحساس محير. جاشت نفسه بمشاعر الرحمة والقرب، وعاد يحس بأنه إزاء نعمة لا يعرف كيف يوفيها حقها من الشكر. وخرّ إبراهيم ساجدا على وجهه.
انتهى الأمر واستقرت البشرى في ذهنيهما معا. نهض إبراهيم من سجوده وقد ذهب عنه خوفه، واطمأنت حيرته، وغادره الروع، وسكنت قلبه البشرى التي حملوها إليه. وتذكر أنهم أرسلوا إلى قوم لوط. ولوط ابن أخيه النازح معه من مسقط رأسه، والساكن على مقربة منه. وإبراهيم يعرف معنى إرسال الملائكة إلى لوط وقومه. هذا معناه وقوع عذاب مروع. وطبيعة إبراهيم الرحيمة الودودة لا تجعله يطيق هلاك قوم في تسليم. ربما رجع قوم لوط وأقلعوا وأسلموا أجابوا رسولهم.
وبدأ إبراهيم يجادل الملائكة في قوم لوط. حدثهم عن احتمال إيمانهم ورجوعهم عن طريق الفجور، وأفهمه الملائكة أن هؤلاء قوم مجرمون. وأن مهمتهم هي إرسال حجارة من طين مسومة من عند ربك للمسرفين. وعاد إبراهيم، بعد أن سد الملائكة باب هذا الحوار، عاد يحدثهم عن المؤمنين من قوم لوط. فقالت الملائكة: نحن أعلم بمن فيها. ثم أفهموه أن الأمر قد قضي. وإن مشيئة الله تبارك وتعالى قد اقتضت نفاذ الأمر وهلاك قوم لوط. أفهموا إبراهيم أن عليه أن يعرض عن هذا الحوار. ليوفر حلمه ورحمته. لقد جاء أمر ربه. وتقرر عليهم (عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) عذاب لن يرده جدال إبراهيم. كانت كلمة الملائكة إيذانا بنهاية الجدال.. سكت إبراهيم. وتوجهت الملائكة لقوم لوط عليه السلام.
رحيق القلوب
2009-12-22, 16:11
قصة إسحاق و يعقوب عليهما السلام (http://www.mekkaoui.net/MaktabaIslamya/Chagsiyat/AR/Rosol/010.htm)
ولد اسحاق ولأبيه مائة سنة، بعد أخيه إسماعيل بأربع عشر سنة، وكان عمر أمه سارة حين بُشّرت به تسعين سنة.
قال الله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ، وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}.
وقد ذكر الله تعالى بالثناء عليه في غير ما آية من كتابه العزيز.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم".
وذكر أهل الكتاب : أن اسحاق لما تزوج رفقا بنت بتواييل في حياة أبيه كان عمره أربعين سنة، وأنها كانت عاقراً فدعا الله لها فحملت، فولدت غلامين توأمين أولهما اسمه (عيصو) وهو الذي تسميه العرب العيص، وهو والد الروم. والثاني خرج وهو آخذ بعقب أخيه فسموه "يعقوب" وهو إسرائيل الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل.
قالوا: وكان إسحاق يحب عيصو أكثر من يعقوب، لأنه بكره، وكانت أمهما رفقا تحبُّ يعقوب أكثر لأنه الأصغر.
قالوا: فلما كبر إسحاق وضعف بصره اشتهى على ابنه العيص طعاماً، وأمره أن يذهب فيصطاد له صيداً، ويطبخه له ليبارك عليه ويدعو له، وكان العيص صاحب صيد فذهب يبتغي ذلك، فأمرت رفقا ابنها يعقوب أن يذبح جَدْيَيْنِ من خيار غنمهِ ويصنع منهما طعاماً كما اشتهاه أبوه، ويأتي إليه به قبل أخيه، ليدعو لهن فقامت فألبسته ثياب أخيه، وجعلت على ذراعيه وعنقه من جلد الجديين، لأن العيص كان أشعر الجسد، ويعقوب ليس كذلك
فلما جاء به وقربه إليه قال: من أنت
قال: ولدك، فضمه إليه وجسَّه وجعل يقول: أما الصوت فصوت يعقوب، وأما الجُسُّ والثياب فالعيص، فلما أكل وفرغ دعا له أن يكون أكبر إخوته قدراً، وكلمته عليهم وعلى الشعوب بعده، وأن يكثر رزقه وولده.
فلما خرج من عنده جاء أخوه العيص بما أمره به والده فقربه إليه، فقال له: ما هذا يا بني؟
قال: هذا الطعام الذي اشتهيته.
فقال: أما جئتني به قبل السّاعة وأكلت منه ودعوت لك؟
فقال: لا والله. وعرف أن أخاه قد سبقه إلى ذلك، فوجد في نفسه عليه وجداً كثيراً. وذكروا أنه تواعده بالقتل إذا مات أبوهما، وسأل أباه فدعا له بدعوة أخرى، وأن يجعل لذريته غليظ الأرض، وأن يكثر أرزاقهم وثمارهم.
فلما سمعت أمهما ما يتواعد به العيصُ أخاه يعقوب، أمرت ابنها يعقوب أن يذهب إلى أخيها "لابان" الذي بأرض حران، وأن يكون عنده إلى حين يسكن غضب أخيه، وأن يتزوج من بناته، وقالت لزوجها إسحاق أن يأمره بذلك ويوصيه ويدعو له ففعل.
فخرج يعقوب عليه السلام من عندهم من آخر ذلك اليوم
قالوا: فما قدم يعقوب على خاله أرض حران إذا له ابنتان اسم الكبرى "ليا" واسم الصغرى "راحيل" وكانت أحسنهما وأجملهما فطلب يعقوب الصغرى من خاله، فأجابه إلى ذلك بشرط أن يرعى على غنمه سبع سنين، فلما مضت المدة على خاله "لابان"، صنع طعاماً وجمع الناس عليه، وزفّ إليه ابنته الكبرى "ليا"، وكانت ضعيفة العينين قبيحة المنظر.
فلما أصبح يعقوب إذا هي "ليا"، فقال لخاله: لم غدرت بي، وأنت إنما خطبت إليك راحيل؟.
فقال: إنه ليس من سنتنا أن نزوج الصغرى قبل الكبرى، فإن أحببت أختها فاعمل سبع سنين أخرى، وأزوجكها.
فعمل سبع سنين وأدخلها عليه مع أختها وكان ذلك سائغاً في ملّتهم. ثم نسخ في شريعة التوراة
ووهب "لابان" لكل واحدة من ابنتيه جارية فوهب لليا جارية اسمها "زلفى"، ووهب لراحيل جارية اسمها "بلهى".
وجبر الله تعالى ضعف "ليا" بأن وهب لها أولاداً، فكان أول من ولدت ليعقوب روبيل، ثم شمعون، ثم لاوي، ثم يهوذا، فغارت عند ذلك "راحيل
ثم دعت الله تعالى "راحيل" وسألته أن يهب لها غلاماً من يعقوب فسمع الله ندائها وأجاب دعائها فحملت من نبي الله يعقوب فولدت له غلاماً عظيماً شريفاً حسناً جميلاً سمته "يوسف".
كل هذا وهم مقيمون بأرض حران وهو يرعى على خاله غنمه بعد دخوله على البنتين ست سنين أخرى، فصار مدة مقامه عشرين سنة.
فطلب يعقوب من خاله لابان أن يسرّحه ليمر إلى أهله .. فذهب إلى أهله و اجتمع بأخيه العيص
فلما رآه العيص تقدم إليه واحتضنه وقبله وبكى، ورفع العيصُ عينيه ونظر إلى النساء والصبيان، فقال: من أين لك هؤلاء؟ فقال هؤلاء الذين وهب لعبدك
ورجع العيص فتقدم أمامه، ولحقه يعقوب بأهله وما معه من الأنعام والمواشي والعبيد، قاصدين جبال "ساعير".
فلما مر بساحور، ابتنى له بيتاً ولدوا به ظلالاً، ثم مر على أورشليم ، فنزل قبل القرية، واشترى مزرعة ، فضرب هنالك فسطاطه، وابتنى ثم مذبحاً، فسماه "إيل" إله إسرائيل وأمره الله ببنائه ليستعلن له فيه ، وهو بيت المقدس اليوم، الذي جدده بعد ذلك سليمان بن داود عليهما السلام
ثم حملت "راحيل" فولدت غلاماً هو "بنيامين" إلاّ أنها جهدت في طلقها به جهداً شديداً، وماتت عقيبه، فدفنها يعقوب في وهي بيت لحم، وصنع يعقوب على قبرها حجراً، وهي الحجارة المعروفة بقبر راحيل إلى اليوم. وكان أولاد يعقوب الذكور اثني عشر رجلاً، فمن ليا: روبيل، وشمعون، ولاوي، ويهوذا، وايساخر، وزابلون، ومِنْ راحيل : يوسف، وبنيامين، ومن أمة راحيل: دان، ونفتالي. ومن أمة ليا: جاد، واشير، عليهم السلام.
وجاء يعقوب إلى أبيه اسحاق فأقام عنده بقرية حبرون، التي في أرض كنعان، حيث كان يسكن إبراهيم، ثم مرض إسحاق، ومات عن مائة وثمانين سنة ، ودفنه ابناه العيص ويعقوب مع أبيه إبراهيم الخليل في المغارة التي اشتراها كما قدمنا.
المزيد ان شاء الله ....
بسم الله الرحمن الرحيم
قصة سيدنا
إسماعيل عليه السلام
نبذة:
هو ابن إبراهيم البكر وولد السيدة هاجر، سار إبراهيم بهاجر - بأمر من الله - حتى وضعها وابنها في موضع مكة وتركهما ومعهما قليل من الماء والتمر ولما نفد الزاد جعلت السيدة هاجر تطوف هنا وهناك حتى هداها الله إلى ماء زمزم ووفد عليها كثير من الناس حتى جاء أمر الله لسيدنا إبراهيم ببناء الكعبة ورفع قواعد البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجر وإبراهيم يبني حتى أتما البناء ثم جاء أمر الله بذبح إسماعيل حيث رأى إبراهيم في منامه أنه يذبح ابنه فعرض عليه ذلك فقال "يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين" ففداه الله بذبح عظيم، كان إسماعيل فارسا فهو أول من استأنس الخيل وكان صبورا حليما، يقال إنه أول من تحدث بالعربية البينة وكان صادق الوعد، وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة، وكان ينادي بعبادة الله ووحدانيته.
سيرته:
الاختبار الأول:
ذكر الله في كتابه الكريم، ثلاث مشاهد من حياة إسماعيل عليه السلام. كل مشهد عبارة عن محنة واختبار لكل من إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) وإسماعيل عليهما السلام. أول هذه المشاهد هو أمر الله سبحانه وتعالى لإبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) بترك إسماعيل وأمه في واد مقفر، لا ماء فيه ولا طعام. فما كان من إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) عليه السلام إلا الاستجابة لهذا الأمر الرباني. وهذا بخلاف ما ورد في الإسرائيليات من أن إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) حمل ابنه وزوجته لوادي مكة لأن سارة -زوجة إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) الأولى- اضطرته لذلك من شدة غيرتها من هاجر. فالمتأمل لسيرة إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) عليه السلام، سيجد أنه لم يكن ليتلقّى أوامره من أحد غير الله.
أنزل زوجته وابنه وتركهما هناك، ترك معهما جرابا فيه بعض الطعام، وقليلا من الماء. ثم استدار وتركهما وسار.
أسرعت خلفه زوجته وهي تقول له: يا إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه شيء؟
لم يرد عليها سيدنا إبراهيم وظل يسير.. عادت تقول له ما قالته وهو صامت.. أخيرا فهمت أنه لا يتصرف هكذا من نفسه.. أدركت أن الله أمره بذلك فسألته: هل الله أمرك بهذا؟
فقال إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) عليه السلام: نعم.
قالت زوجته المؤمنة العظيمة: لن نضيع ما دام الله معنا وهو الذي أمرك بهذا.
وسار إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) حتى إذا أخفاه جبل عنهما وقف ورفع يديه الكريمتين إلى السماء وراح يدعو الله:
رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) (إبراهيم)
لم يكن بيت الله قد أعيد بناؤه بعد، لم تكن الكعبة قد بنيت، وكانت هناك حكمة عليا في أمر الله سبحانه لإبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp)، فقد كان إسماعيل -الطفل الذي تُرِكَ مع أمه في هذا المكان- ووالده من سيكونان المسؤولان بناء الكعبة فيما بعد.. وكانت حكمة الله تقضي أن يسكن أحد في هذا الوادي، لميتد إليه العمران.
بعد أن ترك إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) زوجته وابنه الرضيع في الصحراء بأيام نفد الماء وانتهى الطعام، وجف لبن الأم.. وأحست هاجر وإسماعيل بالعطش.
بدأ إسماعيل يبكي من العطش.. فتركته أمه وانطلقت تبحث عن ماء.. راحت تمشي مسرعة حتى وصلت إلى جبل اسمه "الصفا".. فصعدت إليه وراحت تبحث به عن بئر أو إنسان أو قافلة.. لم يكن هناك شيء. ونزلت مسرعة من الصفا حتى إذا وصلت إلى الوادي راحت تسعى سعي الإنسان المجهد حتى جاوزت الوادي ووصلت إلى جبل "المروة"، فصعدت إليه ونظرت لترى أحدا لكنها لم تر أحدا. وعادت الأم إلى طفلها فوجدته يبكي وقد اشتد عطشه.. وأسرعت إلى الصفا فوقفت عليه، وهرولت إلى المروة فنظرت من فوقه.. وراحت تذهب وتجيء سبع مرات بين الجبلين الصغيرين.. سبع مرات وهي تذهب وتعود - ولهذا يذهب الحجاج سبع مرات ويعودون بين الصفا والمروة إحياء لذكريات أمهم الأولى ونبيهم العظيم إسماعيل. عادت هاجر بعد المرة السابعة وهي مجهدة متعبة تلهث.. وجلست بجوار ابنها الذي كان صوته قد بح من البكاء والعطش.
وفي هذه اللحظة اليائسة أدركتها رحمة الله، وضرب إسماعيل بقدمه الأرض وهو يبكي فانفجرت تحت قدمه بئر زمزم.. وفار الماء من البئر.. أنقذت حياتا الطفل والأم.. راحت الأم تغرف بيدها وهي تشكر الله.. وشربت وسقت طفلها وبدأت الحياة تدب في المنطقة.. صدق ظنها حين قالت: لن نضيع ما دام الله معنا.
وبدأت بعض القوافل تستقر في المنطقة.. وجذب الماء الذي انفجر من بئر زمزم عديدا من الناس.. وبدأ العمران يبسط أجنحته على المكان.
كانت هذه هي المحنة الاولى.. أما المحنة الثانية فهي الذبح.
الاختبار الثاني:
كبر إسماعيل.. وتعلق به قلب إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp).. جاءه العقب على كبر فأحبه.. وابتلى الله تعالى إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) بلاء عظيما بسبب هذا الحب. فقد رأى إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) عليه السلام في المنام أنه يذبح ابنه الوحيد إسماعيل. وإبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) يعمل أن رؤيا الأنبياء وحي.
انظر كيف يختبر الله عباده. تأمل أي نوع من أنواع الاختبار. نحن أمام نبي قلبه أرحم قلب في الأرض. اتسع قلبه لحب الله وحب من خلق. جاءه ابن على كبر.. وقد طعن هو في السن ولا أمل هناك في أن ينجب. ثم ها هو ذا يستسلم للنوم فيرى في المنام أنه يذبح ابنه وبكره ووحيده الذي ليس له غيره.
أي نوع من الصراع نشب في نفسه. يخطئ من يظن أن صراعا لم ينشأ قط. لا يكون بلاء مبينا هذا الموقف الذي يخلو من الصراع. نشب الصراع في نفس إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp).. صراع أثارته عاطفة الأبوة الحانية. لكن إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) لم يسأل عن السبب وراء ذبح ابنه. فليس إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) من يسأل ربه عن أوامره.
فكر إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) في ولده.. ماذا يقول عنه إذا أرقده على الأرض ليذبحه.. الأفضل أن يقول لولده ليكون ذلك أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قهرا ويذبحه قهرا. هذا أفضل.. انتهى الأمر وذهب إلى ولده (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى). انظر إلى تلطفه في إبلاغ ولده، وترك الأمر لينظر فيه الابن بالطاعة.. إن الأمر مقضي في نظر إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) لأنه وحي من ربه.. فماذا يرى الابن الكريم في ذلك؟ أجاب إسماعيل: هذا أمر يا أبي فبادر بتنفيذه (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). تأمل رد الابن.. إنسان يعرف أنه سيذبح فيمتثل للأمر الإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده أنه سيجده (إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). هو الصبر على أي حال وعلى كل حال.. وربما استعذب الابن أن يموت ذبحا بأمر من الله.. ها هو ذا إبراهيم يكتشف أن ابنه ينافسه في حب الله. لا نعرف أي مشاعر جاشت في نفس إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) بعد استسلام ابنه الصابر.
ينقلنا الحق نقلة خاطفة فإذا إسماعيل راقد على الأرض، وجهه في الأرض رحمة به كيلا يرى نفسه وهو يذبح. وإذا إبراهيم يرفع يده بالسكين.. وإذا أمر الله مطاع. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) استخدم القرآن هذا التعبير.. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) هذا هو الإسلام الحقيقي.. تعطي كل شيء، فلا يتبقى منك شيء.
عندئذ فقط.. وفي اللحظة التي كان السكين فيها يتهيأ لإمضاء أمره.. نادى الله إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp).. انتهى اختباره، وفدى الله إسماعيل بذبح عظيم - وصار اليوم عيدا لقوم لم يولدوا بعد، هم المسلمون. صارت هذه اللحظات عيدا للمسلمين. عيدا يذكرهم بمعنى الإسلام الحقيقي الذي كان عليه إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) وإسماعيل.
خبر زوجة إسماعيل:
عاش إسماعيل في شبه الجزيرة العربية ما شاء الله له أن يعيش.. روض الخيل واستأنسها واستخدمها، وساعدت مياه زمزم على سكنى المنطقة وتعميرها. استقرت بها بعض القوافل.. وسكنتها القبائل.. وكبر إسماعيل وتزوج، وزاره إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) فلم يجده في بيته ووجد امرأته.. سألها عن عيشهم وحالهم، فشكت إليه من الضيق والشدة.
قال لها إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp): إذا جاء زوجك مريه أن يغير عتبة بابه.. فلما جاء إسماعيل، ووصفت له زوجته الرجل.. قال: هذا أبي وهو يأمرني بفراقك.. الحقي بأهلك.
وتزوج إسماعيل امرأة ثانية.. زارها إبراهيم، يسألها عن حالها، فحدثته أنهم في نعمة وخير.. وطاب صدر إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) بهذه الزوجة لابنه.
الاختبار الثالث:
وها نحن الآن أمام الاختبار الثالث.. اختبار لا يمس إبراهيم وإسماعيل فقط. بل يمس ملايين البشر من بعدهم إلى يوم القيامة.. إنها مهمة أوكلها الله تعالى لهذين النبيين الكريمين.. مهمة بناء بيت الله تعالى في الأرض.
كبر إسماعيل.. وبلغ أشده.. وجاءه إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) وقال له: يا إسماعيل.. إن الله أمرني بأمر. قال إسماعيل: فاصنع ما أمرك به ربك.. قال إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp): وتعينني؟ قال: وأعينك. فقال إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp): فإن الله أمرني أن ابني هنا بيتا. أشار بيده لصحن منخفض هناك.
صدر الأمر ببناء بيت الله الحرام.. هو أول بيت وضع للناس في الأرض.. وهو أول بيت عبد فيه الإنسان ربه.. ولما كان آدم (http://alnoor-world.com/prophets/adam.asp) هو أول إنسان هبط إلى الأرض.. فإليه يرجع فضل بنائه أول مرة.. قال العلماء: إن آدم (http://alnoor-world.com/prophets/adam.asp) بناه وراح يطوف حوله مثلما يطوف الملائكة حول عرش الله تعالى.
بنى آدم (http://alnoor-world.com/prophets/adam.asp) خيمة يعبد فيها الله.. شيء طبيعي أن يبني آدم (http://alnoor-world.com/prophets/adam.asp) -بوصفه نبيا- بيتا لعبادة ربه.. وحفت الرحمة بهذا المكان.. ثم مات آدم (http://alnoor-world.com/prophets/adam.asp) ومرت القرون، وطال عليه العهد فضاع أثر البيت وخفي مكانه.. وها هو ذا إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) يتلقى الأمر ببنائه مرة ثانية.. ليظل في المرة الثانية قائما إلى يوم القيامة إن شاء الله. وبدأ بناء الكعبة..
هدمت الكعبة في التاريخ أكثر من مرة، وكان بناؤها يعاد في كل مرة.. فهي باقية منذ عهد إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) إلى اليوم.. وحين بعث رسول الله (http://alnoor-world.com/prophets/mohamed.asp)، صلى الله عليه وسلم، تحقيقا لدعوة إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp).. وجد الرسول (http://alnoor-world.com/prophets/mohamed.asp) الكعبة حيث بنيت آخر مرة، وقد قصر الجهد بمن بناها فلم يحفر أساسها كما حفره إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp).
نفهم من هذا إن إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) وإسماعيل بذلا فيها وحدهما جهدا استحالت -بعد ذلك- محاكاته على عدد كبير من الرجال.. ولقد صرح الرسول (http://alnoor-world.com/prophets/mohamed.asp) بأنه يحب هدمها وإعادتها إلى أساس إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp)، لولا قرب عهد القوم بالجاهلية، وخشيته أن يفتن الناس هدمها وبناؤها من جديد.. بناؤها بحيث تصل إلى قواعد إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) وإسماعيل.
أي جهد شاق بذله النبيان الكريمان وحدهما؟ كان عليهما حفر الأساس لعمق غائر في الأرض، وكان عليهما قطع الحجارة من الجبال البعيدة والقريبة، ونقلها بعد ذلك، وتسويتها، وبناؤها وتعليتها.. وكان الأمر يستوجب جهد جيل من الرجال، ولكنهما بنياها معا.
لا نعرف كم هو الوقت الذي استغرقه بناء الكعبة، كما نجهل الوقت الذي استغرقه بناء سفينة نوح (http://alnoor-world.com/prophets/noo7.asp)، المهم أن سفينة نوح (http://alnoor-world.com/prophets/noo7.asp) والكعبة كانتا معا ملاذا للناس ومثوبة وأمنا.. والكعبة هي سفينة نوح (http://alnoor-world.com/prophets/noo7.asp) الثابتة على الأرض أبدا.. وهي تنتظر الراغبين في النجاة من هول الطوفان دائما.
لم يحدثنا الله عن زمن بناء الكعبة.. حدثنا عن أمر أخطر وأجدى.. حدثنا عن تجرد نفسية من كان يبنيها.. ودعائه وهو يبنيها:
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (129) (البقرة)
إن أعظم مسلمين على وجه الأرض يومها يدعوان الله أن يتقبل عملهما، وأن يجعلهما مسلمين له.. يعرفان أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن. وتبلغ الرحمة بهما أن يسألا الله أن يخرج من ذريتهما أمة مسلمة له سبحانه.. يريدان أن يزيد عدد العابدين الموجودين والطائفين والركع السجود. إن دعوة إبراهيم وإسماعيل تكشف عن اهتمامات القلب المؤمن.. إنه يبني لله بيته، ومع هذا يشغله أمر العقيدة.. ذلك إيحاء بأن البيت رمز العقيدة. ثم يدعوان الله أن يريهم أسلوب العبادة الذي يرضاه، وأن يتوب عليهم فهو التواب الرحيم. بعدها يتجاوز اهتمامها هذا الزمن الذي يعيشان فيه.. يجاوزانه ويدعوان الله أن يبث رسولا لهؤلاء البشر. وتحققت هذه الدعوة الأخيرة.. حين بعث محمد بن عبد الله (http://alnoor-world.com/prophets/mohamed.asp)، صلى الله عليه وسلم.. تحققت بعد أزمنة وأزمنة.
انتهى بناء البيت، وأراد إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) حجرا مميزا، يكون علامة خاصة يبدأ منها الطواف حول الكعبة.. أمر إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) إسماعيل أن يأتيه بحجر مميز يختلف عن لون حجارة الكعبة.
سار إسماعيل ملبيا أمر والده.. حين عاد، كان إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) قد وضع الحجر الأسود في مكانه.. فسأله إسماعيل: من الذي أحضره إليك يا أبت؟ فأجاب إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp): أحضره جبريل عليه السلام.
انتهى بناء الكعبة.. وبدأ طواف الموحدين والمسلمين حولها.. ووقف إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) يدعو ربه نفس دعائه من قبل.. أن يجعل أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إلى المكان.. انظر إلى التعبير.. إن الهوى يصور انحدارا لا يقاوم نحو شيء.. وقمة ذلك هوى الكعبة. من هذه الدعوة ولد الهوى العميق في نفوس المسلمين، رغبة في زيارة البيت الحرام.
وصار كل من يزور المسجد الحرام ويعود إلى بلده.. يحس أنه يزداد عطشا كلما ازداد ريا منه، ويعمق حنينه إليه كلما بعد منه، وتجيء أوقات الحج في كل عام.. فينشب الهوى الغامض أظافره في القلب نزوعا إلى رؤية البيت، وعطشا إلى بئر زمزم.
قال تعالى حين جادل المجادلون في إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) وإسماعيل.
مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) (آل عمران)
عليه الصلاة والسلام.. استجاب الله دعاءه.. وكان إبراهيم (http://alnoor-world.com/prophets/ibrahim1.asp) أول من سمانا المسلمين.
رحيق القلوب
2009-12-22, 22:19
السلام عليكم
قصة إلياس عليه السلام
إلياس عليه السلام: قال الله تعالى بعد قصة موسى وهارون من سورة "الصافات": {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ، أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ، اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ، فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ، إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ، سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِين، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}.
قال علماء النسب هو: إلياس النشبي،
وقيل: إلياس بن العازر بن العيزار بن هارون بن عمران.
قالوا وكان إرساله إلى أهل بعلبك غربي دمشق، فدعاهم إلى الله عز وجل وأن يتركوا عبادة صنم لهم كانوا يسمونه "بعلا" وقيل كانت امرأة اسمها "بعل" والله أعلم.
والأول أصح ولهذا قال لهم:
{أَلا تَتَّقُونَ، أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ، اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ}.
فكذبوه وخالفوه وأرادوا قتله. فيقال إنه هرب منهم، واختفى عنهم
عن كعب الأحبار أنه قال: إن إلياس اختفى من ملك قومه في الغار الذي تحت الدم عشر سنين، حتى أهلك الله الملك وولَّى غيره، فأتاه إلياس فعرض عليه الإسلام فأسلم، وأسلم من قومه خلق عظيم غير عشرة آلاف منهم. فأمر بهم فقتلوا عن آخرهم.
وقال ابن أبي الدنيا: عن بعض مشيخة دمشق قال: أقام إلياس عليه السلام هارباً من قومه في كهف في جبل عشرين ليلة - أو قال أربعين ليلة تأتيه - الغربان برزقه.
وقوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ}
أي للعذاب، إما في الدنيا والآخرة، أو في الآخرة. والأول أظهر على ما ذكره المفسرون والمؤرخون
وقوله: {إلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} أي إلا من آمن منهم.
وقوله: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ}
أي أبقينا بعده ذكراً حسناً له في العالمين فلا يذكر إلا بخير
ولهذا قال: {سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} أي سلام على إلياس
والعرب تُلحق النون في أسماء كثيرة وتبدلها من غيرها كما قالوا: إسماعيل وإسماعين. وإسرائيل وإسرائين، وإلياس وإلياسين .
وقد قرئ: سلام على آل ياسين، أي على آل محمد والصحيح أنه غيره كما تقدم. والله أعلم.
ان شاء الله المزيد .........
السلام عليكم.
بارك الله فيك أختي sousou34bba .ولك الأجر إن شاء الله.
السلام عليكم
قصة سيدنا ذو الكفل عليه السلام
نبذة:
من الأنبياء الصالحين، وكان يصلي كل يوم مائة صلاة، قيل إنه تكفل لبني قومه أن يقضي بينهم بالعدل ويكفيهم أمرهم ففعل فسمي بذي الكفل.
سيرته:
قال أهل التاريخ ذو الكفل هو ابن أيوب (http://alnoor-world.com/prophets/ayob.asp) عليه السلام وأسمه في الأصل (بشر) وقد بعثه الله بعد أيوب (http://alnoor-world.com/prophets/ayob.asp) وسماه ذا الكفل لأنه تكفل ببعض الطاعات فوقي بها، وكان مقامه في الشام وأهل دمشق يتناقلون أن له قبرا في جبل هناك يشرف على دمشق يسمى قاسيون. إلا أن بعض العلماء يرون أنه ليس بنبي وإنما هو رجل من الصالحين من بني إسرائيل. وقد رجح ابن كثير نبوته لأن الله تعالى قرنه مع الأنبياء فقال عز وجل:
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ (85) (الأنبياء)
قال ابن كثير : فالظاهر من ذكره في القرآن العظيم بالثناء عليه مقرونا مع هؤلاء السادة الأنبياء أنه نبي عليه من ربه الصلاة والسلام وهذا هو المشهور.
والقرآن الكريم لم يزد على ذكر اسمه في عداد الأنبياء أما دعوته ورسالته والقوم الذين أرسل إليهم فلم يتعرض لشيء من ذلك لا بالإجمال ولا بالتفصيل لذلك نمسك عن الخوض في موضوع دعوته حيث أن كثيرا من المؤرخين لم يوردوا عنه إلا الشيء اليسير. ومما ينبغي التنبه له أن (ذا الكفل) الذي ذكره القرآن هو غير (الكفل) الذي ذكر في الحديث الشريف ونص الحديث كما رواه الأمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع عن ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينار على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت فقال لها ما يبكيك ؟ أكرهتك ؟ قالت : لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط وإنما حملتني عليه الحاجة ..قال : فتفعلين هذا ولم تفعليه قط ؟ ثم نزل فقال أذهبي بالدنانير لك ، ثم قال : والله لا يعصي الله الكفل أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه : قد غفر الله للكفل). رواه الترمذي وقال: حديث حسن وروي موقوفا على ابن عمر وفي إسناده نظر. فإن كان محفوظا فليس هو ذا الكفل وإنما لفظ الحديث الكفل من غير إضافة فهو إذا رجل آخر غير المذكور في القرآن.
ويذكر بعض المؤرخين أن ذا الكفل تكفل لبني قومه أن يكفيهم أمرهم ويقضي بينهم بالعدل فسمي ذا الكفل وذكروا بعض القصص في ذلك ولكنها قصص تحتاج إلى تثبت وإلى تمحيص وتدقيق.
الرجل الصالح:
أما من يقول أن ذو الكفل لم يكن نبيا وإنما كان رجلا صالحا من بني إسرائيل فيروي أنه كان في عهد نبي الله اليسع (http://alnoor-world.com/prophets/aleasa.asp) عليه السلام. وقد روي أنه لما كبر اليسع (http://alnoor-world.com/prophets/aleasa.asp) قال لو أني استخلفت رجلاً على الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل؟ فجمع الناس فقال: من يتقبل لي بثلاث استخلفه: يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يغضب. فقام رجل تزدريه العين، فقال: أنا، فقال: أنت تصوم النهار، وتقوم الليل، ولا تغضب؟ قال: نعم. لكن اليسع (http://alnoor-world.com/prophets/aleasa.asp) -عليه السلام- ردّ الناس ذلك اليوم دون أن يستخلف أحدا. وفي اليوم التالي خرج اليسع (http://alnoor-world.com/prophets/aleasa.asp) -عليه السلام- على قومه وقال مثل ما قال اليوم الأول، فسكت الناس وقام ذلك الرجل فقال أنا. فاستخلف اليسع (http://alnoor-world.com/prophets/aleasa.asp) ذلك الرجل.
فجعل إبليس يقول للشياطين: عليكم بفلان، فأعياهم ذلك. فقال دعوني وإياه فأتاه في صورة شيخ كبير فقير، وأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة، وكان لا ينام الليل والنهار، إلا تلك النّومة فدقّ الباب. فقال ذو الكفل: من هذا؟ قال: شيخ كبير مظلوم. فقام ذو الكفل ففتح الباب. فبدأ الشيخ يحدّثه عن خصومة بينه وبين قومه، وما فعلوه به، وكيف ظلموه، وأخذ يطوّل في الحديث حتى حضر موعد مجلس ذو الكفل بين الناس، وذهبت القائلة. فقال ذو الكفل: إذا رحت للمجلس فإنني آخذ لك بحقّك.
فخرج الشيخ وخرج ذو الكفل لمجلسه دون أن ينام. لكن الشيخ لم يحضر للمجلس. وانفض المجلس دون أن يحضر الشيخ. وعقد المجلس في اليوم التالي، لكن الشيخ لم يحضر أيضا. ولما رجع ذو الكفل لمنزله عند القائلة ليضطجع أتاه الشيخ فدق الباب، فقال: من هذا؟ فقال الشيخ الكبير المظلوم. ففتح له فقال: ألم أقل لك إذا قعدت فاتني؟ فقال الشيخ: إنهم اخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد قالوا لي نحن نعطيك حقك، وإذا قمت جحدوني. فقال ذو الكفل: انطلق الآن فإذا رحت مجلسي فأتني.
ففاتته القائلة، فراح مجلسه وانتظر الشيخ فلا يراه وشق عليه النعاس، فقال لبعض أهله: لا تدعنَّ أحداً يقرب هذا الباب حتى أنام، فإني قد شق عليّ النوم. فقدم الشيخ، فمنعوه من الدخول، فقال: قد أتيته أمس، فذكرت لذي الكفل أمري، فقالوا: لا والله لقد أمرنا أن لا ندع أحداً يقربه. فقام الشيخ وتسوّر الحائط ودخل البيت ودق الباب من الداخل، فاستيقظ ذو الكفل، وقال لأهله: ألم آمركم ألا يدخل علي أحد؟ فقالوا: لم ندع أحدا يقترب، فانظر من أين دخل. فقام ذو الكفل إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه؟ وإذا الرجل معه في البيت، فعرفه فقال: أَعَدُوَّ اللهِ؟ قال: نعم أعييتني في كل شيء ففعلت كل ما ترى لأغضبك.
فسماه الله ذا الكفل لأنه تكفل بأمر فوفى به!
السلام عليكم.
بارك الله فيك أخي أبو حسين وجعل الله عملك هذا في ميزان حسناتك.
رحيق القلوب
2009-12-24, 15:37
السلام عليكم ورحمة اللهوبركاته
قصة سليمان عليه السلام
--------------------
نبذة:
آتاه الله العلم والحكمة وعلمه منطق الطير و سخر له الرياح والجن، وكان له قصة مع الهدهد حيث أخبره أن هناك مملكة باليمن يعبد أهلها الشمس من دون الله فبعث سليمان إلى ملكة سبأ يطلب منها الإيمان ولكنها أرسلت له الهدايا فطلب من الجن أن يأتوا بعرشها فلما جاءت ووجدت عرشها آمنت بالله.
سيرته:
(وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ) ورثه في النبوة والملك.. ليس المقصود وراثته في المال، لأن الأنبياء لا يورثون. إنما تكون أموالهم صدقة من بعدهم للفقراء والمحتاجين، لا يخصون بها أقربائهم. قال محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: "نحن معشر الأنبياء لا نورث".
ملك سليمان
لقد آتى الله سليمان –عليه السلام- ملكا عظيما، لم يؤته أحدا من قبله، ولن يعطه لأحد من بعده إلى يوم القيامة. فقد استجاب الله تعالى لدعوة سليمان (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي). لنتحدث الآن عن بعض الأمور التي سخرها الله لنبيه سليمان عليه السلام. لقد سخر له أمرا لم يسخره لأحد من قبله ولا بعده.. سخر الله له "الجن". فكان لديه –عليه السلام- القدرة على حبس الجن الذين لا يطيعون أمره، وتقييدهم بالسلاسل وتعذيبهم. ومن يعص سليمان يعذبه الله تعالى. لذلك كانوا يستجيبون لأوامره، فيبنون له القصور، والتماثيل –التي كانت مباحة في شرعهم- والأواني والقدور الضخمة جدا، فلا يمكن تحريكها من ضخامتها. وكانت تغوص له في أعماق البحار وتستخرج اللؤلؤ والمرجان والياقوت..
وسخر الله لسليمان –عليه السلام- الريح فكانت تجري بأمره. لذلك كان يستخدمها سليمان في الحرب. فكان لديه بساطا خشبيا ضخم جدا، وكان يأمر الجيش بأن يركب على هذا الخشب، ويأمر الريح بأن ترفع البساط وتنقلهم للمكان المطلوب. فكان يصل في سرعة خارقة.
ومن نعم الله عليه، إسالة النحاس له. مثلما أنعم على والده داود بأن ألان له الحديد وعلمه كيف يصهره.. وقد استفاد سليمان من النحاس المذاب فائدة عظيمة في الحرب والسلم.
ونختم هذه النعم بجيش سليمان عليه السلام. كان جيشه مكون من: البشر، والجن، والطيور. فكان يعرف لغتها.
سليمان و الخيل
بعد عرض أنعم الله عليه، لنبدأ بقصته عليه السلام. وبعض أحداثها.
كان سليمان –عليه السلام- يحب الخيل كثيرا، خصوصا ما يسمى (بالصافنات)، وهي من أجود أنواع الخيول وأسرعها. وفي يوم من الأيام، بدأ استعراض هذه الخيول أمام سليمان عصرا، وتذكر بعد الروايات أن عددها كان أكثر من عشرين ألف جواد، فأخذ ينظر إليها ويتأمل فيها، فطال الاستعراض، فشغله عن ورده اليومي في ذكر الله تعالى، حتى غابت الشمس، فانتبه، وأنب نفسه لأن حبه لهذه الخيول شغله عن ذكر ربه حتى غابت الشمس، فأمر بإرجاع الخيول له (فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِوَالْأَعْنَاقِ). وجاءت هنا روايتان كلاهما قوي. رواية تقول أنه أخذ السيف وبدأ بضربها على رقابها وأرجلها، حتى لا ينشغل بها عن ذكر الله. ورواية أخرى تقول أنه كان يمسح عليها ويستغفر الله عز وجل، فكان يمسحها ليرى السقيم منها من الصحيح لأنه كان يعدّها للجهاد في سبيل الله.
ويذكر لنا القرآن الكريم مواقف عدة، تتجلى لنا فيها حكمة سليمان –عليه السلام- ومقدرته الفائقة على استنتاج الحكم الصحيح في القضايا المعروضه عليه. ومن هذه القصص ما حدث في زمن داود –عليه السلام- قال تعالى:
وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْنَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا
جلس داود كعادته يوما يحكم بين الناس في مشكلاتهم.. وجاءه رجل صاحب حقل ومعه رجل آخر..
وقال له صاحب الحقل: سيدي النبي.. إن غنم هذا الرجل نزلت حقلي أثناء الليل، وأكلت كل عناقيد العنب التي كانت فيه.. وقد جئت إليك لتحكم لي بالتعويض..
قال داود لصاحب الغنم: هل صحيح أن غنمك أكلت حقل هذا الرجل؟
قال صاحب الغنم: نعم يا سيدي..
قال داود: لقد حكمت بأن تعطيه غنمك بدلا من الحقل الذي أكلته.
قال سليمان.. وكان الله قد علمه حكمة تضاف إلى ما ورث من والده: عندي حكم آخر يا أبي..
قال داود: قله يا سليمان..
قال سليمان: أحكم بأن يأخذ صاحب الغنم حقل هذا الرجل الذي أكلته الغنم.. ويصلحه له ويزرعه حتى تنمو أشجار العنب، وأحكم لصاحب الحقل أن يأخذ الغنم ليستفيد من صوفها ولبنها ويأكل منه، فإذا كبرت عناقيد الغنم وعاد الحقل سليما كما كان أخذ صاحب الحقل حقله وأعطى صاحب الغنم غنمه..
قال داود: هذا حكم عظيم يا سليمان.. الحمد لله الذي وهبك الحكمة.
ومنها ما جاء في الحديث الصحيح: حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنِى شَبَابَةُ حَدَّثَنِى وَرْقَاءُ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا . فَقَالَتْ هَذِهِ لِصَاحِبَتِهَا إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ أَنْتِ . وَقَالَتِ الأُخْرَى إِنَّما ذَهَبَ بِابْنِكِ . فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ ائْتُونِى بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا . فَقَالَتِ الصُّغْرَى لاَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا . فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى ». قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاللَّهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ قَطُّ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ مَا كُنَّا نَقُولُ إِلاَّ الْمُدْيَةَ.
سليمان والنملة:
ويذكر لنا القرآن الكريم قصة عجيبة:
وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَجُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَـتَّىإِذا أتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَايَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيأَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْأَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَالصَّالِحِينَ (19) (النمل)
يقول العلماء "ما أعقلها من نملة وما أفصحها". (يَا) نادت، (أَيُّهَا) نبّهت، (ادْخُلُوا) أمرت، (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ) نهت، (سُلَيْمَانُ) خصّت، (وَجُنُودُهُ) عمّت، (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) اعتذرت. سمع سليمان كلام النملة فتبسم ضاحكا من قولها.. ما الذي تتصوره هذه النملة! رغم كل عظمته وجيشه فإنه رحيم بالنمل.. يسمع همسه وينظر دائما أمامه ولا يمكن أبدا أن يدوسه.. وكان سليمان يشكر الله أن منحه هذه النعمة.. نعمة الرحمة ونعمة الحنو والشفقة والرفق.
سليمان عليه السلام وبلقيس ملكة سبأ:
ولعل أشهر قصة عن سليمان –عليه السلام- هي قصته مع بلقيس ملكة سبأ.
جاء يوم.. وأصدر سليمان أمره لجيشه أن يستعد.. بعدها، خرج سليمان يتفقد الجيش، ويستعرضه ويفتش عليه.. فاكتشف غياب الهدهد وتخلفه عن الوقوف مع الجيش، فغضب وقرر تعذيبه أو قتله، إلا إن كان لديه عذر قوي منعه من القدوم.
فجاء الهدهد ووقف على مسافة غير بعيدة عن سليمان –عليه السلام- (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) وانظروا كيف يخاطب هذا الهدهد أعظم ملك في الأرض، بلا إحساس بالذل أو المهانة، ليس كما يفعل ملوك اليوم لا يتكلم معهم أحد إلا ويجب أن تكون علامات الذل ظاهرة عليه. فقال الهدهد أن أعلم منك بقضية معينة، فجئت بأخبار أكيدة من مدينة سبأ باليمن. (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً) بلقيس (تَمْلِكُهُمْ) تحكمهم (وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ) أعطاها الله قوة وملكا عظيمين وسخّر لها أشياء كثيرة (وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) وكرسي الحكم ضخم جدا ومرصّع بالجواهر (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ) وهم يعبدون الشمس (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ) أضلهم الشيطان (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) يسجدون للشمس ويتركون الله سبحانه وتعالى (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) وذكر العرش هنا لأنه ذكر عرش بلقيس من قبل، فحتى لا يغترّ إنسان بعرشها ذكر عرش الله سبحانه وتعالى.
فتعجب سليمان من كلام الهدهد، فلم يكن شائعا أن تحكم المرأة البلاد، وتعجب من أن قوما لديهم كل شيء ويسجدون للشمس، وتعجب من عرشها العظيم، فلم يصدق الهدهد ولم يكذبه إنما (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) وهذا منتهى العدل والحكمة. ثم كتب كتابا وأعطاه للهدهد وقال له: (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ) ألق الكتاب عليهم وقف في مكان بعيد يحث تستطيع سماع ردهم على الكتاب.
يختصر السياق القرآني في سورة النمل ما كان من أمر ذهاب الهدهد وتسليمه الرسالة، وينتقل مباشرة إلى الملكة، وسط مجلس المستشارين، وهي تقرأ على رؤساء قومها ووزرائها رسالة سليمان..
قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) (النمل)
هذا هو نص خطاب الملك سليمان لملكة سبأ..
إنه يأمر في خطابه أن يأتوه مسلمين.. هكذا مباشرة.. إنه يتجاوز أمر عبادتهم للشمس.. ولا يناقشهم في فساد عقيدتهم.. ولا يحاول إقناعهم بشيء.. إنما يأمر فحسب.. أليس مؤيدا بقوة تسند الحق الذي يؤمن به..؟ لا عليه إذن أن يأمرهم بالتسليم..
كان هذا كله واضحا من لهجة الخطاب القصيرة المتعالية المهذبة في نفس الوقت..
طرحت الملكة على رؤساء قومها الرسالة.. وكانت عاقلة تشاورهم في جميع الأمور: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ).
كان رد فعل الملأ وهم رؤساء قومها التحدي.. أثارت الرسالة بلهجتها المتعالية المهذبة غرور القوم، وإحساسهم بالقوة. أدركوا أن هناك من يتحداهم ويلوح لهم بالحرب والهزيمة ويطالبهم بقبول شروطه قبل وقوع الحرب والهزيمة (قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ).
أراد رؤساء قومها أن يقولوا: نحن على استعداد للحرب.. ويبدو أن الملكة كانت أكثر حكمة من رؤساء قومها.. فإن رسالة سليمان أثارت تفكيرها أكثر مما استنفرتها للحرب..
فكرت الملكة طويلا في رسالة سليمان.. كان اسمه مجهولا لديها، لم تسمع به من قبل، وبالتالي كانت تجهل كل شيء عن قوته، ربما يكون قويا إلى الحد الذي يستطيع فيه غزو مملكتها وهزيمتها.
ونظرت الملكة حولها فرأت تقدم شعبها وثراءه، وخشيت على هذا الثراء والتقدم من الغزو.. ورجحت الحكمة في نفسها على التهور، وقررت أن تلجأ إلى اللين، وترسل إليه بهدية.. وقدرت في نفسها أنه ربما يكون طامعا قد سمع عن ثراء المملكة، فحدثت نفسها بأن تهادنه وتشتري السلام منه بهدية.. قدرت في نفسها أيضا إن إرسالها بهدية إليه، سيمكن رسلها الذين يحملون الهدية من دخول مملكته، وإذا سيكون رسلها عيونا في مملكته.. يرجعون بأخبار قومه وجيشه، وفي ضوء هذه المعلومات، سيكون تقدير موقفها الحقيقي منه ممكنا..
أخفت الملكة ما يدور في نفسها، وحدثت رؤساء قومها بأنها ترى استكشاف نيات الملك سليمان، عن طريق إرسال هدية إليه، انتصرت الملكة للرأي الذي يقضي بالانتظار والترقب.. وأقنعت رؤساء قومها بنبذ فكرة الحرب مؤقتا، لأن الملوك إذا دخلوا قرية انقلبت أوضاعها وصار رؤساءها هم أكثر من فيها تعرضا للهوان والذل..
واقتنع رؤساء قومها حين لوحت الملكة بما يتهددهم من أخطار..
وصلت هدية الملكة بلقيس إلى الملك النبي سليمان..
جاءت الأخبار لسليمان بوصول رسل بلقيس وهم يحملون الهدية.. وأدرك سليمان على الفور أن الملكة أرسلت رجالها ليعرفوا معلومات عن قوته لتقرر موقفها بشأنه.. ونادى سليمان في المملكة كلها أن يحتشد الجيش.. ودخل رسل بلقيس وسط غابة كثيفة مدججة بالسلاح.. فوجئ رسل بلقيس بأن كل غناهم وثرائهم يبدو وسط بهاء مملكة سليمان.. وصغرت هديتهم في أعينهم.
وفوجئوا بأن في الجيش أسودا ونمورا وطيورا.. وأدركوا أنهم أمام جيش لا يقاوم..
ثم قدموا لسليمان هدية الملكة بلقيس على استحياء شديد. وقالوا له نحن نرفض الخضوع لك، لكننا لا نريد القتال، وهذه الهدية علامة صلح بيننا ونتمنى أن تقبلها. نظر سليمان إلى هدية الملكة وأشاح ببصره (فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) كشف الملك سليمان بكلماته القصيرة عن رفضه لهديتهم، وأفهمهم أنه لا يقبل شراء رضاه بالمال. يستطيعون شراء رضاه بشيء آخر (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) ثم هددهم (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ).
وصل رسل بلقيس إلى سبأ.. وهناك هرعوا إلى الملكة وحدثوها أن بلادهم في خطر.. حدثوها عن قوة سليمان واستحالة صد جيشه.. أفهموها أنها ينبغي أن تزوره وتترضاه.. وجهزت الملكة نفسها وبدأت رحلتها نحو مملكة سليمان..
جلس سليمان في مجلس الملك وسط رؤساء قومه ووزرائه وقادة جنده وعلمائه.. كان يفكر في بلقيس.. يعرف أنها في الطريق إليه.. تسوقها الرهبة لا الرغبة.. ويدفعها الخوف لا الاقتناع.. ويقرر سليمان بينه وبين نفسه أن يبهرها بقوته، فيدفعها ذلك للدخول في الإسلام. فسأل من حوله، إن كان بإمكان احدهم ان يحضر له عرش بلقيس قبل أن تصل الملكة لسليمان.
فعرش الملكة بلقيس هو أعجب ما في مملكتها.. كان مصنوعا من الذهب والجواهر الكريمة، وكانت حجرة العرش وكرسي العرش آيتين في الصناعة والسبك.. وكانت الحراسة لا تغفل عن العرش لحظة..
فقال أحد الجن أنا أستطيع إحضار العرش قبل أن ينتهي المجلس –وكان عليه السلام يجلس من الفجر إلى الظهر- وأنا قادر على حمله وأمين على جواهره.
لكن شخص آخر يطلق عليه القرآن الكريم "الذي عنده علم الكتاب" قال لسليمان أنا أستطيع إحضار العرش في الوقت الذي تستغرقه العين في الرمشة الواحدة.
واختلف العلماء في "الذي عنده علم الكتاب" فمنهم من قال أنه وزيره أو أحد علماء بني إسرائيل وكان يعرف اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب. ومنهم من قال أنه جبريل عليه السلام.
لكن السياق القرآني ترك الاسم وحقيقة الكتاب غارقين في غموض كثيف مقصود.. نحن أمام سر معجزة كبرى وقعت من واحد كان يجلس في مجلس سليمان.. والأصل أن الله يظهر معجزاته فحسب، أما سر وقوع هذه المعجزات فلا يديره إلا الله.. وهكذا يورد السياق القرآني القصة لإيضاح قدرة سليمان الخارقة، وهي قدرة يؤكدها وجود هذا العالم في مجلسه.
هذا هو العرش ماثل أمام سليمان.. تأمل تصرف سليمان بعد هذه المعجزة.. لم يستخفه الفرح بقدرته، ولم يزهه الشعور بقوته، وإنما أرجع الفضل لمالك الملك.. وشكر الله الذي يمتحنه بهذه القدرة، ليرى أيشكر أم يكفر.
تأمل سليمان عرش الملكة طويلا ثم أمر بتغييره، أمر بإجراء بعض التعديلات عليه، ليمتحن بلقيس حين تأتي، ويرى هل تهتدي إلى عرشها أم تكون من الذين لا يهتدون.
كما أمر سليمان ببناء قصر يستقبل فيه بلقيس. واختار مكانا رائعا على البحر وأمر ببناء القصر بحيث يقع معظمه على مياه البحر، وأمر أن تصنع أرضية القصر من زجاج شديد الصلابة، وعظيم الشفافية في نفس الوقت، لكي يسير السائر في أرض القصر ويتأمل تحته الأسماك الملونة وهي تسبح، ويرى أعشاب البحر وهي تتحرك.
تم بناء القصر، ومن فرط نقاء الزجاج الذي صنعت منه أرض حجراته، لم يكن يبدو أن هناك زجاجا. تلاشت أرضية القصر في البحر وصارت ستارا زجاجيا خفيا فوقه.
يتجاوز السياق القرآني استقبال سليمان لها إلى موقفين وقعا لها بتدبيره: الأول موقفها أمام عرشها الذي سبقها بالمجيء، وقد تركته وراءها وعليه الحراس. والثاني موقفها أمام أرضية القصر البلورية الشفافة التي تسبح تحتها الأسماك.
لما اصطحب سليمان عليه السلام بلقيس إلى العرش، نظرت إليه فرأته كعرشها تماما.. وليس كعرشها تماما.. إذا كان عرشها فكيف سبقها في المجيء..؟ وإذا لم يكن عرشها فكيف أمكن تقليده بهذه الدقة ..؟
قال سليمان وهو يراها تتأمل العرش: (أَهَكَذَا عَرْشُكِ؟)
قالت بلقيس بعد حيرة قصيرة: (كَأَنَّهُ هُوَ!)
قال سليمان: (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ).
توحي عبارته الأخيرة إلى الملكة بلقيس أن تقارن بين عقيدتها وعلمها، وعقيدة سليمان المسلمة وحكمته. إن عبادتها للشمس، ومبلغ العلم الذي هم عليه، يصابان بالخسوف الكلي أمام علم سليمان وإسلامه.
لقد سبقها سليمان إلى العلم بالإسلام، بعدها سار من السهل عليه أن يسبقها في العلوم الأخرى، هذا ما توحي به كلمة سليمان لبلقيس..
أدركت بلقيس أن هذا هو عرشها، لقد سبقها إلى المجيء، وأنكرت فيه أجزاء وهي لم تزل تقطع الطريق لسليمان.. أي قدرة يملكها هذا النبي الملك سليمان؟!
انبهرت بلقيس بما شاهدته من إيمان سليمان وصلاته لله، مثلما انبهرت بما رأته من تقدمه في الصناعات والفنون والعلوم.. وأدهشها أكثر هذا الاتصال العميق بين إسلام سليمان وعلمه وحكمته.
انتهى الأمر واهتزت داخل عقلها آلاف الأشياء.. رأت عقيدة قومها تتهاوى هنا أمام سليمان، وأدركت أن الشمس التي يعبدها قومها ليست غير مخلوق خلقه الله تعالى وسخره لعباده، وانكسفت الشمس للمرة الأولى في قلبها، أضاء القلب نور جديد لا يغرب مثلما تغرب الشمس.
ثم قيل لبلقيس ادخلي القصر.. فلما نظرت لم تر الزجاج، ورأت المياه، وحسبت أنها ستخوض البحر، (وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا) حتى لا يبتل رداؤها.
نبهها سليمان -دون أن ينظر- ألا تخاف على ثيابها من البلل. ليست هناك مياه. (إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ).. إنه زجاج ناعم لا يظهر من فرط نعومته..
اختارت بلقيس هذه اللحظة لإعلان إسلامها.. اعترفت بظلمها لنفسها وأسلمت (مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). وتبعها قومها على الإسلام.
أدركت أنها تواجه أعظم ملوك الأرض، وأحد أنبياء الله الكرام.
يسكت السياق القرآني عن قصة بلقيس بعد إسلامها.. ويقول المفسرون أنها تزوجت سليمان بعد ذلك.. ويقال أنها تزوجت أحد رجاله.. أحبته وتزوجته، وثبت أن بعض ملوك الحبشة من نسل هذا الزواج.. ونحن لا ندري حقيقة هذا كله.. لقد سكت القرآن الكريم عن ذكر هذه التفاصيل التي لا تخدم قصه سليمان.. ولا نرى نحن داعيا للخوض فيما لا يعرف أحد..
هيكل سليمان:
من الأعمال التي قام بها سليمان –عليه السلام- إعادة بناء المسجد الأقصى الذي بناه يعقوب من قبل. وبنى بجانب المسجد الأقصى هيكلا عظيما كان مقدسا عند اليهود –ولا زالوا يبحثون عنه إلى اليوم. وقد ورد في الهدي النبوي الكريم أن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه عز وجل ثلاثا، فأعطاه الله اثنتين ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة: سأله حكما يصادف حكمه –أي أحكاما عادلة كأحكام الله تعالى- فأعطاه إياه، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه، وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه، وأسأل الله أن تكون لنا.
وقد تفننت التوراة في وصف الهيكل.. وهذا بعض ما ورد في التوراة عنه:
كان هيكل سليمان في أورشليم هو مركز العبادة اليهودية، ورمز تاريخ اليهود، وموضع فخارهم وزهوهم.. وقد شيده الملك سليمان وأنفق ببذخ عظيم على بنائه وزخرفته.. حتى لقد احتاج في ذلك إلى أكثر من 180 ألف عامل (سفر الملوك الأول).. وقد أتى له سليمان بالذهب من ترشيش، وبالخشب من لبنان، وبالأحجار الكريمة من اليمن، ثم بعد سبع سنوات من العمل المتواصل تكامل بناء الهيكل، فكان آية من آيات الدنيا في ذلك الزمان.
وامتدت يد الخراب إلى الهيكل مرات عديدة، إذ كان هدفا دائما للغزاة والطامعين ينهبون ما به من كنوز، ثم يشيعون فيه الدمار، (سفر الملوك الثاني).. ثم قام أحد الملوك بتجديد بنائه تحببا في اليهود.. فاستغرق بناء الهيكل هذه المرة 46 سنة، أصبح بعدها صرحا ضخما تحيط به ثلاثة أسوار هائلة.. وكان مكونا من ساحتين كبيرتين: إحداهما خارجية والأخرى داخلية، وكانت تحيط بالساحة الداخلية أروقة شامخة تقوم على أعمدة مزدوجة من الرخام، وتغطيها سقوف من خشب الأرز الثمين. وكانت الأروقة القائمة في الجهة الجنوبية من الهيكل ترتكز على 162 عمودا، كل منها من الضخامة بحيث لا يمكن لأقل من ثلاثة رجال متشابكي الأذرع أن يحيطوا بدائرته.. وكان للساحة الخارجية من الهيكل تسع بوابات ضخمة مغطاة بالذهب.. وبوابة عاشرة مصبوبة كلها على الرغم من حجمها الهائل من نحاس كونثوس. وقد تدلت فوق تلك البوابات كلها زخارف على شكل عناقيد العنب الكبيرة المصنوعة من الذهب الخالص، وقد استمرت هدايا الملوك للهيكل حتى آخر زمانه (سفر الملوك الأول)، فكان يزخر بالكنوز التي لا تقدر بثمن..
وفاته عليه السلام:
عاش سليمان وسطمجد دانت له فيه الأرض.. ثم قدر الله تعالى عليه الموت فمات.. ومثلما كانت حياةسليمان قمة في المجد الذي يمتلئ بالعجائب والخوارق.. كان موته آية من آيات اللهتمتلئ بالعجائب والخوارق.. وهكذا جاء موته منسجما مع حياته، متسقا مع مجده، جاءنهاية فريدة لحياة فريدة وحافلة.
لقد قدر الله تعالى أن يكون موت سليمانعليه الصلاة والسلام بشكل ينسف فكرة معرفة الجن للغيب.. تلك الفكرة التي فتن الناسبها فاستقرت في أذهان بعض البشر والجن..
كان الجن يعملون لسليمان طالما هوحي.. فلما مات انكسر تسخيرهم له، وأعفوا من تبعة العمل معه..
وقد مات سليماندون أن يعلم الجن، فظلوا يعملون له، وظلوا مسخرين لخدمته، ولو أنهم كانوا يعلمونالغيب ما لبثوا في العذاب المهين.
كان سليمان متكئا على عصاه يراقب الجن وهميعملون. فمات وهو على وضعه متكئا على العصا.. ورآه الجن فظنوا أنه يصلي واستمروا فيعملهم. ومرت أيام طويلة.. ثم جاءت دابة الأرض، وهي نملة تأكل الخشب.. وبدأت تأكلعصا سليمان.. كانت جائعة فأكلت جزء من العصا.. استمرت النملة تأكل العصا أياما.. كانت تأكل الجزء الملامس للأرض، فلما ازداد ما أكلته منها اختلت العصا وسقطت من يدسليمان.. اختل بعدها توازن الجسد العظيم فهوى إلى الأرض.. ارتطم الجسد العظيمبالأرض فهرع الناس إليه..
أدركوا أنه مات من زمن.. تبين الجن أنهم لا يعلمونالغيب.. وعرف الناس هذه الحقيقة أيضا.. لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا فيالعذاب المهين، ما لبثوا يعملون وهم يظنون أن سليمان حي، بينما هو ميت منذفترة..
بهذه النهاية العجيبة ختم الله حياة هذا النبيالملك.
--------------------
sousou24
2009-12-24, 15:43
http://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gifhttp://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gifhttp://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gifhttp://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gifhttp://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gifب___________________http://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gif______________________الله__________http ://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gif____________________________ارك ف----------------------------------------------------------------------------------ي---------------------------------------------------------------------------------كhttp://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gifhttp://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gifhttp://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gifhttp://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gifhttp://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gif
المخليصة لله
2009-12-24, 16:59
مشكوووووووووووووووووووووووووووووووووووور على هذا الله يعطيك ألف عفية
http://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gifhttp://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gifhttp://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gifhttp://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gifhttp://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gifب___________________http://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gif______________________الله__________http ://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gif____________________________ارك ف----------------------------------------------------------------------------------ي---------------------------------------------------------------------------------كhttp://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gifhttp://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gifhttp://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gifhttp://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gifhttp://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon24.gif
السلام عليكم.
وبارك الله فيك أنت كذلك وننتظر مشاركتك ................
مشكوووووووووووووووووووووووووووووووووووور على هذا الله يعطيك ألف عفية
السلام عليكم.
والشكر موصول لك وأنتظر مشاركة منك في الموضوع ...........
السلام عليكم
قصة سيدنا
زكريا عليه السلام
نبذة:
عبد صالح تقي أخذ يدعو للدين الحنيف، كفل مريم العذراء، دعا الله أن يرزقه ذرية صالحة فوهب له يحيى الذي خلفه في الدعوة لعبادة الله الواحد القهار.
سيرته:
امرأة عمران:
في ذلك العصر القديم.. كان هناك نبي.. وعالم عظيم يصلي بالناس.. كان اسم النبي زكريا عليه السلام.. أما العالم العظيم الذي اختاره الله للصلاة بالناس، فكان اسمه عمران عليه السلام.
وكان لعمران زوجته لا تلد.. وذات يوم رأت طائرا يطعم ابنه الطفل في فمه ويسقيه.. ويأخذه تحت جناحه خوفا عليه من البرد.. وذكرها هذا المشهد بنفسها فتمنت على الله أن تلد.. ورفعت يديها وراحت تدعو خالقها أن يرزقها بطفل..
واستجابت لها رحمة الله فأحست ذات يوم أنها حامل.. وملأها الفرح والشكر لله فنذرت ما في بطنها محررا لله.. كان معنى هذا أنها نذرت لله أن يكون ابنها خادما للمسجد طوال حياته.. يتفرغ لعبادة الله وخدمة بيته.
ولادة مريم:
وجاء يوم الوضع ووضعت زوجة عمران بنتا، وفوجئت الأم! كانت تريد ولدا ليكون في خدمة المسجد والعبادة، فلما جاء المولود أنثى قررت الأم أن تفي بنذرها لله برغم أن الذكر ليس كالأنثى.
سمع الله سبحانه وتعالى دعاء زوجة عمران، والله يسمع ما نقوله، وما نهمس به لأنفسنا، وما نتمنى أن نقوله ولا نفعله.. يسمع الله هذا كله ويعرفه.. سمع الله زوجة عمران وهي تخبره أنها قد وضعت بنتا، والله أعلم بما وضعت، الله.. هو وحده الذي يختار نوع المولود فيخلقه ذكرا أو يخلقه أنثى.. سمع الله زوجة عمران تسأله أن يحفظ هذه الفتاة التي سمتها مريم، وأن يحفظ ذريتها من الشيطان الرجيم.
ويروي الإمام مسلم في صحيحه: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخاً مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَانِ إِلاَّ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ». ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (وَإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
كفالة زكريا لمريم:
أثار ميلاد مريم بنت عمران مشكلة صغيرة في بداية الأمر.. كان عمران قد مات قبل ولادة مريم.. وأراد علماء ذلك الزمان وشيوخه أن يربوا مريم.. كل واحد يتسابق لنيل هذا الشرف.. أن يربي ابنة شيخهم الجليل العالم وصاحب صلاتهم وإمامهم فيها.
قال زكريا: أكفلها أنا.. هي قريبتي.. زوجتي هي خالتها.. وأنا نبي هذه الأمة وأولاكم بها.
وقال العلماء والشيوخ: ولماذا لا يكفلها أحدنا..؟ لا نستطيع أن نتركك تحصل على هذا الفضل بغير اشتراكنا فيه.
ثم اتفقوا على إجراء قرعة. أي واحد يكسب القرعة هو الذي يكفل مريم، ويربيها، ويكون له شرف خدمتها، حتى تكبر هي وهي تخدم المسجد وتتفرغ لعبادة الله، وأجريت القرعة.. وضعت مريم وهي مولودة على الأرض، ووضعت إلى جوارها أقلام الذين يرغبون في كفالتها، وأحضروا طفلا صغيرا، فأخرج قلم زكريا..
قال زكريا: حكم الله لي بأن أكفلها.
قال العلماء والشيوخ: لا.. القرعة ثلاث مرات.
وراحوا يفكرون في القرعة الثانية.. حفر كل واحد اسمه على قلم خشبي، وقالوا: نلقي بأقلامنا في النهر.. من سار قلمه ضد التيار وحده فهو الغالب.
وألقوا أقلامهم في النهر، فسارت أقلامهم جميعا مع التيار ما عدا قلم زكريا.. سار وحده ضد التيار.. وظن زكريا أنهم سيقتنعون، لكنهم أصروا على أن تكون القرعة ثلاث مرات. قالوا: نلقي أقلامنا في النهر.. القلم الذي يسير مع التيار وحده يأخذ مريم. وألقوا أقلامهم فسارت جميعا ضد التيار ما عدا قلم زكريا. وسلموا لزكريا، وأعطوه مريم ليكفلها.. وبدأ زكريا يخدم مريم، ويربيها ويكرمها حتى كبرت..
كان لها مكان خاص تعيش فيه في المسجد.. كان لها محراب تتعبد فيه.. وكانت لا تغادر مكانها إلا قليلا.. يذهب وقتها كله في الصلاة والعبادة.. والذكر والشكر والحب لله..
وكان زكريا يزورها أحيانا في المحراب.. وكان يفاجأه كلما دخل عليها أنه أمام شيء مدهش.. يكون الوقت صيفا فيجد عندها فاكهة الشتاء.. ويكون الوقت شتاء فيجد عندها فاكهة الصيف.
ويسألها زكريا من أين جاءها هذا الرزق..؟
فتجيب مريم: إنه من عند الله..
وتكرر هذا المشهد أكثر من مرة.
دعاء زكريا ربه:
كان زكريا شيخا عجوزا ضعف عظمه، واشتعل رأسه بالشعر الأبيض، وأحس أنه لن يعيش طويلا.. وكانت زوجته وهي خالة مريم عجوزا مثله ولم تلد من قبل في حياتها لأنها عاقر.. وكان زكريا يتمنى أن يكون له ولد يرث علمه ويصير نبيا ويستطيع أن يهدي قومه ويدعوهم إلى كتاب الله ومغفرته.. وكان زكريا لا يقول أفكاره هذه لأحد.. حتى لزوجته.. ولكن الله تعالى كان يعرفها قبل أن تقال.. ودخل زكريا ذلك الصباح على مريم في المحراب.. فوجد عندها فاكهة ليس هذا أوانها.
سألها زكريا: (قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا)؟!
مريم: (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ).
قال زكريا في نفسه: سبحان الله.. قادر على كل شيء.. وغرس الحنين أعلامه في قلبه وتمنى الذرية.. فدعا ربه.
سأل زكريا خالقه بغير أن يرفع صوته أن يرزقه طفلا يرث النبوة والحكمة والفضل والعلم.. وكان زكريا خائفا أن يضل القوم من بعده ولم يبعث فيهم نبي.. فرحم الله تعالى زكريا واستجاب له. فلم يكد زكريا يهمس في قلبه بدعائه لله حتى نادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا).
فوجئ زكريا بهذه البشرى.. أن يكون له ولد لا شبيه له أو مثيل من قبل.. أحس زكريا من فرط الفرح باضطراب.. تسائل من موضع الدهشة: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) أدهشه أن ينجب وهو عجوز وامرأته لا تلد..
(قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) أفهمته الملائكة أن هذه مشيئة الله وليس أمام مشيئة الله إلا النفاذ.. وليس هناك شيء يصعب على الله سبحانه وتعالى.. كل شيء يريده يأمره بالوجود فيوجد.. وقد خلق الله زكريا نفسه من قبل ولم يكن له وجود.. وكل شيء يخلقه الله تعالى بمجرد المشيئة (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
امتلأ قلب زكريا بالشكر لله وحمده وتمجيده.. وسأل ربه أن يجعل له آية أو علامة. فأخبره الله أنه ستجيء عليه ثلاثة أيام لا يستطيع فيها النطق.. سيجد نفسه غير قادر على الكلام.. سيكون صحيح المزاج غير معتل.. إذا حدث له هذا أيقن أن امرأته حامل، وأن معجزة الله قد تحققت.. وعليه ساعتها أن يتحدث إلى الناس عن طريق الإشارة.. وأن يسبح الله كثيرا في الصباح والمساء..
وخرج زكريا يوما على الناس وقلبه مليء بالشكر.. وأراد أن يكلمهم فاكتشف أن لسانه لا ينطق.. وعرف أن معجزة الله قد تحققت.. فأومأ إلى قومه أن يسبحوا الله في الفجر والعشاء.. وراح هو يسبح الله في قلبه.. صلى لله شكرا على استجابته لدعوته ومنحه يحيي..
ظل زكريا عليه السلام يدعوا إلى ربه حتى جاءت وفاته.
ولم ترد روايات صحيحة عن وفاته عليه السلام. لكن روايات كثيرة -ضعيفة- أوردت قتله على يد جنود الملك الذي قتل يحيى من قبل.
والله أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم
*******
قصة سيدنا
يحيى عليه السلام
نبذة:
ابن نبي الله زكريا، ولد استجابة لدعاء زكريا لله أن يرزقه الذرية الصالحة فجعل آية مولده أن لا يكلم الناس ثلاث ليال سويا، وقد كان يحيى نبيا وحصورا ومن الصالحين ، كما كان بارا تقيا ورعا منذ صباه.
سيرته:
ذكر خبر ولادة يحيى عليه السلام في قصة نبي الله زكريا. وقد شهد الحق عز وجل له أنه لم يجعل له من قبل شبيها ولا مثيلا، وهو النبي الذي قال الحق عنه: (وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا)..
ومثلما أوتي الخضر علما من لدن الله، أوتي يحيي حنانا من لدن الله، والعلم مفهوم، والحنان هو العلم الشمولي الذي يشيع في نسيجه حب عميق للكائنات ورحمة بها، كأن الحنان درجة من درجات الحب الذي ينبع من العلم.
ولقد كان يحيي في الأنبياء نموذجا لا مثيل له في النسك والزهد والحب الإلهي.. هو النبي الناسك. كان يضيء حبا لكل الكائنات، وأحبه الناس وأحبته الطيور والوحوش والصحاري والجبال، ثم أهدرت دمه كلمة حق قالها في بلاط ملك ظالم، بشأن أمر يتصل براقصة بغي.
فضل يحيى عليه السلام:
يذكر العلماء فضل يحيي ويوردون لذلك أمثلة كثيرة. كان يحيي معاصرا لعيسى وقريبه من جهة الأم (ابن خالة أمه)..
وتروي السنة أن يحيي وعيسى التقيا يوما.
فقال عيسى ليحيي: استغفر لي يا يحيي.. أنت خير مني.
قال يحيي: استغفر لي يا عيسى. أنت خير مني.
قال عيسى: بل أنت خير مني.. سلمت على نفسي وسلم الله عليك.
تشير القصة إلى فضل يحيي حين سلم الله عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه يوما فوجدهم يتذاكرون فضل الأنبياء.
قال قائل: موسى كليم الله.
وقال قائل: عيسى روح الله وكلمته.
وقال قائل: إبراهيم خليل الله.
ومضى الصحابة يتحدثون عن الأنبياء، فتدخل الرسول عليه الصلاة والسلام حين رآهم لا يذكرون يحيي. أين الشهيد ابن الشهيد؟ يلبس الوبر ويأكل الشجر مخافة الذنب. أين يحيي بن زكريا؟
نشأته:
ولد يحيي عليه السلام.. كان ميلاده معجزة.. فقد جاء لأبيه زكريا بعد عمر طال حتى يئس الشيخ من الذرية.. وجاء بعد دعوة نقية تحرك بها قلب النبي زكريا.
ولد يحيي عليه السلام فجاءت طفولته غريبة عن دنيا الأطفال.. كان معظم الأطفال يمارسون اللهو، أما هو فكان جادا طوال الوقت.. كان بعض الأطفال يتسلى بتعذيب الحيوانات، وكان يحيي يطعم الحيوانات والطيور من طعامه رحمة بها، وحنانا عليها، ويبقى هو بغير طعام.. أو يأكل من أوراق الشجر أو ثمارها.
وكلما كبر يحيي في السن زاد النور في وجهه وامتلأ قلبه بالحكمة وحب الله والمعرفة والسلام. وكان يحيي يحب القراءة، وكان يقرأ في العلم من طفولته.. فلما صار صبيا نادته رحمة ربه: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا).
صدر الأمر ليحيي وهو صبي أن يأخذ الكتاب بقوة، بمعنى أن يدرس الكتاب بإحكام، كتاب الشريعة.. رزقه الله الإقبال على معرفة الشريعة والقضاء بين الناس وهو صبي.. كان أعلم الناس وأشدهم حكمة في زمانه درس الشريعة دراسة كاملة، ولهذا السبب آتاه الله الحكم وهو صبي.. كان يحكم بين الناس، ويبين لهم أسرار الدين، ويعرفهم طريق الصواب ويحذرهم من طريق الخطأ.
وكبر يحيي فزاد علمه، وزادت رحمته، وزاد حنانه بوالديه، والناس، والمخلوقات، والطيور، والأشجار.. حتى عم حنانه الدنيا وملأها بالرحمة.. كان يدعو الناس إلى التوبة من الذنوب، وكان يدعو الله لهم.. ولم يكن هناك إنسان يكره يحيي أو يتمنى له الضرر. كان محبوبا لحنانه وزكاته وتقواه وعلمه وفضله.. ثم زاد يحيي على ذلك بالتنسك.
وكان يحيي إذا وقف بين الناس ليدعوهم إلى الله أبكاهم من الحب والخشوع.. وأثر في قلوبهم بصدق الكلمات وكونها قريبة العهد من الله وعلى عهد الله..
وجاء صباح خرج فيه يحيي على الناس.. امتلأ المسجد بالناس، ووقف يحيي بن زكريا وبدأ يتحدث.. قال: إن الله عز وجل أمرني بكلمات أعمل بها، وآمركم أن تعملوا بها.. أن تعبدوا الله وحده بلا شريك.. فمن أشرك بالله وعبد غيره فهو مثل عبد اشتراه سيده فراح يعمل ويؤدي ثمن عمله لسيد غير سيده.. أيكم يحب أن يكون عبده كذلك..؟ وآمركم بالصلاة لأن الله ينظر إلى عبده وهو يصلي، ما لم يلتفت عن صلاته.. فإذا صليتم فاخشعوا.. وآمركم بالصيام.. فان مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك جميل الرائحة، كلما سار هذا الرجل فاحت منه رائحة المسك المعطر. وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، فان مثل ذلك كمثل رجل طلبه أعداؤه فأسرع لحصن حصين فأغلقه عليه.. وأعظم الحصون ذكر الله.. ولا نجاة بغير هذا الحصن.
مواجهة الملك:
كان أحد ملوك ذلك الزمان طاغية ضيق العقل غبي القلب يستبد برأيه، وكان الفساد منتشرا في بلاطه.. وكان يسمع أنباء متفرقة عن يحيي فيدهش لأن الناس يحبون أحدا بهذا القدر، وهو ملك ورغم ذلك لا يحبه أحد.
وكان الملك يريد الزواج من ابنة أخيه، حيث أعجبه جمالها، وهي أيضا طمعت بالملك، وشجعتها أمها على ذلك. وكانوا يعلمون أن هذا حرام في دينهم. فأرد الملك أن يأخذ الإذن من يحيى عليه السلام. فذهبوا يستفتون يحيى ويغرونه بالأموال ليستثني الملك.
لم يكن لدى الفتاة أي حرج من الزواج بالحرام، فلقد كانت بغيّ فاجرة. لكن يحيى عليه السلام أعلن أمام الناس تحريم زواج البنت من عمّها. حتى يعلم الناس –إن فعلها الملك- أن هذا انحراف. فغضب الملك وأسقط في يده، فامتنع عن الزواج.
لكن الفتاة كانت لا تزال طامعة في الملك. وفي إحدى الليالي الفاجرة أخذت البنت تغني وترقص فأرادها الملك لنفسهن فأبت وقالت: إلا أن تتزوجني. قال: كيف أتزوجك وقد نهانا يحيى. قالت: ائتني برأس يحيى مهرا لي. وأغرته إغراء شديدا فأمر في حينه بإحضار رأس يحيى له.
فذهب الجنود ودخلوا على يحيى وهو يصلي في المحراب. وقتلوه، وقدموا رأسه على صحن للملك، فقدّم الصحن إلى هذه البغيّ وتزوجها بالحرام.
والله أعلم
السلام عليكم.
بارك الله فيك أخي أبو حسين وجزاك الله عنا خير الجزاء.
http://www.m7shsh.com/vb/14.gif
قصة سيدنا هودعليه السلام
نبذة:
أرسل إلى قوم عاد الذين كانوا بالأحقاف، وكانوا أقوياء الجسم والبنيان وآتاهم الله الكثير من رزقه ولكنهم لم يشكروا الله على ما آتاهم وعبدوا الأصنام فأرسل لهم الله هودا نبيا مبشرا، كان حكيما ولكنهم كذبوه وآذوه فجاء عقاب الله وأهلكهم بريح صرصر عاتية استمرت سبع ليال وثمانية أيام.
سيرته:
عبادة الناس للأصنام:
بعد أن ابتلعت الأرض مياه الطوفان الذي أغرق من كفر بنوح عليه السلام، قام من آمن معه ونجى بعمارة الأرض. فكان كل من على الأرض في ذلك الوقت من المؤمنين. لم يكن بينهم كافر واحد. ومرت سنوات وسنوات. مات الآباء والأبناء وجاء أبناء الأبناء. نسى الناس وصية نوح، وعادت عبادة الأصنام. انحرف الناس عن عبادة الله وحده، وتم الأمر بنفس الخدعة القديمة.
قال أحفاد قوم نوح (http://alnoor-world.com/prophets/noo7.asp): لا نريد أن ننسى آبائنا الذين نجاهم الله من الطوفان. وصنعوا للناجين تماثيل ليذكروهم بها، وتطور هذا التعظيم جيلا بعد جيل، فإذا الأمر ينقلب إلى العبادة، وإذا بالتماثيل تتحول بمكر من الشيطان إلى آلهة مع الله. وعادت الأرض تشكو من الظلام مرة ثانية. وأرسل الله سيدنا هودا إلى قومه.
إرسال هود عليه السلام:
كان "هود" من قبيلة اسمها "عاد" وكانت هذه القبيلة تسكن مكانا يسمى الأحقاف.. وهو صحراء تمتلئ بالرمال، وتطل على البحر. أما مساكنهم فكانت خياما كبيرة لها أعمدة شديدة الضخامة والارتفاع، وكان قوم عاد أعظم أهل زمانهم في قوة الأجسام، والطول والشدة.. كانوا عمالقة وأقوياء، فكانوا يتفاخرون بقوتهم. فلم يكن في زمانهم أحد في قوتهم. ورغم ضخامة أجسامهم، كانت لهم عقول مظلمة. كانوا يعبدون الأصنام، ويدافعون عنها، ويحاربون من أجلها، ويتهمون نبيهم ويسخرون منه. وكان المفروض، ما داموا قد اعترفوا أنهم أشد الناس قوة، أن يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة.
قال لهم هود نفس الكلمة التي يقولها كل رسول. لا تتغير ولا تنقص ولا تتردد ولا تخاف ولا تتراجع. كلمة واحدة هي الشجاعة كلها، وهي الحق وحده (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ).
وسأله قومه: هل تريد أن تكون سيدا علينا بدعوتك؟ وأي أجر تريده؟
إن هذه الظنون السئية تتكرر على ألسنة الكافرين عندما يدعوهم نبيهم للإيمان بالله وحده. فعقولهم الصغيرة لا تتجاوز الحياة الدنيوية. ولا يفكروا إلا بالمجد والسلطة والرياسة.
أفهمهم هود أن أجره على الله، إنه لا يريد منهم شيئا غير أن يغسلوا عقولهم في نور الحقيقة. حدثهم عن نعمة الله عليهم، كيف جعلهم خلفاء لقوم نوح، كيف أعطاهم بسطة في الجسم، وشدة في البأس، كيف أسكنهم الأرض التي تمنح الخير والزرع. كيف أرسل عليهم المطر الذي يحيى به الأرض. وتلفت قوم هود حولهم فوجدوا أنهم أقوى من على الأرض، وأصابتهم الكبرياء وزادوا في العناد.
قالوا لهود: كيف تتهم آلهتنا التي وجدنا آباءنا يعبدونها؟
قال هود: كان آباؤكم مخطئين.
قال قوم هود: هل تقول يا هود إننا بعد أن نموت ونصبح ترابا يتطاير في الهواء، سنعود إلى الحياة؟
قال هود: ستعودون يوم القيامة، ويسأل الله كل واحد فيكم عما فعل.
انفجرت الضحكات بعد هذه الجملة الأخيرة. ما أغرب ادعاء هود. هكذا تهامس الكافرون من قومه. إن الإنسان يموت، فإذا مات تحلل جسده، فإذا تحلل جسده تحول إلى تراب، ثم يهب الهواء ويتطاير التراب. كيف يعود هذا كله إلى أصله؟! ثم ما معنى وجود يوم للقيامة؟ لماذا يقوم الأموات من موتهم؟
استقبل هود كل هذه الأسئلة بصبر كريم.. ثم بدأ يحدث قومه عن يوم القيامة.. أفهمهم أن إيمان الناس بالآخرة ضرورة تتصل بعدل الله، مثلما هي ضرورة تتصل بحياة الناس. قال لهم ما يقوله كل نبي عن يوم القيامة. إن حكمة الخالق المدبر لا تكتمل بمجرد بدء الخلق، ثم انتهاء حياة المخلوقين في هذه الأرض. إن هذه الحياة اختبار، يتم الحساب بعدها. فليست تصرفات الناس في الدنيا واحدة، هناك من يظلم، وهناك من يقتل، وهناك من يعتدي.. وكثيرا ما نرى الظالمين يذهبون بغير عقاب، كثيرا ما نرى المعتدين يتمتعون في الحياة بالاحترام والسلطة. أين تذهب شكاة المظلومين؟ وأين يذهب ألم المضطهدين؟ هل يدفن معهم في التراب بعد الموت؟
إن العدالة تقتضي وجود يوم للقيامة. إن الخير لا ينتصر دائما في الحياة. أحيانا ينظم الشر جيوشه ويقتل حملة الخير. هل تذهب هذه الجريمة بغير عقاب؟
إن ظلما عظيما يتأكد لو افترضنا أن يوم القيامة لن يجئ. ولقد حرم الله تعالى الظلم على نفسه وجعله محرما بين عباده. ومن تمام العدل وجود يوم للقيامة والحساب والجزاء. ذلك أن يوم القيامة هو اليوم الذي تعاد فيه جميع القضايا مرة أخرى أمام الخالق، ويعاد نظرها مرة أخرى. ويحكم فيها رب العالمين سبحانه. هذه هي الضرورة الأولى ليوم القيامة، وهي تتصل بعدالة الله ذاته.
وثمة ضرورة أخرى ليوم القيامة، وهي تتصل بسلوك الإنسان نفسه. إن الاعتقاد بيوم الدين، والإيمان ببعث الأجساد، والوقوف للحساب، ثم تلقي الثواب والعقاب، ودخول الجنة أو النار، هذا شيء من شأنه أن يعلق أنظار البشر وقلوبهم بعالم أخر بعد عالم الأرض، فلا تستبد بهم ضرورات الحياة، ولا يستعبدهم الطمع، ولا تتملكهم الأنانية، ولا يقلقهم أنهم لم يحققوا جزاء سعيهم في عمرهم القصير المحدود، وبذلك يسمو الإنسان على الطين الذي خلق منه إلى الروح الذي نفخه ربه فيه. ولعل مفترق الطريق بين الخضوع لتصورات الأرض وقيمها وموازينها، والتعلق بقيم الله العليا، والانطلاق اللائق بالإنسان، يكمن في الإيمان بيوم القيامة.
حدثهم هود بهذا كله فاستمعوا إليه وكذبوه. قالوا له هيهات هيهات.. واستغربوا أن يبعث الله من في القبور، استغربوا أن يعيد الله خلق الإنسان بعد تحوله إلى التراب، رغم أنه خلقه من قبل من التراب. وطبقا للمقاييس البشرية، كان ينبغي أن يحس المكذبون للبعث أن إعادة خلق الإنسان من التراب والعظام أسهل من خلقه الأول. لقد بدأ الله الخلق فأي صعوبة في إعادته؟! إن الصعوبة -طبقا للمقياس البشري- تكمن في الخلق. وليس المقياس البشري غير مقياسٍ بشري ينطبق على الناس، أما الله، فليست هناك أمور صعبة أو سهلة بالنسبة إليه سبحانه، تجري الأمور بالنسبة إليه سبحانه بمجرد الأمر.
موقف الملأ من دعوة هود:
يروي المولى عزل وجل موقف الملأ (وهم الرؤساء) من دعوة هود عليه السلام. سنرى هؤلاء الملأ في كل قصص الأنبياء. سنرى رؤساء القوم وأغنيائهم ومترفيهم يقفون ضد الأنبياء. يصفهم الله تعالى بقوله: (وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) من مواقع الثراء والغنى والترف، يولد الحرص على استمرار المصالح الخاصة. ومن مواقع الثراء والغنى والترف والرياسة، يولد الكبرياء. ويلتفت الرؤساء في القوم إلى أنفسهم ويتساءلون: أليس هذا النبي بشرا مثلنا، يأكل مما نأكل، ويشرب مما نشرب؟ بل لعله بفقره يأكل أقل مما نأكل، ويشرب في أكواب صدئة، ونحن نشرب في أكواب الذهب والفضة.. كيف يدعي أنه على الحق ونحن على الباطل؟ هذا بشر .. كيف نطيع بشرا مثلنا؟ ثم.. لماذا اختار الله بشرا من بيننا ليوحى إليه؟
قال رؤساء قوم هود: أليس غريبا أن يختار الله من بيننا بشرا ويوحي إليه؟!
تسائل هو: ما هو الغريب في ذلك؟ إن الله الرحيم بكم قد أرسلني إليكم لأحذركم. إن سفينة نوح، وقصة نوح ليست ببعيدة عنكم، لا تنسوا ما حدث، لقد هلك الذين كفروا بالله، وسيهلك الذين يكفرون بالله دائما، مهما يكونوا أقوياء.
قال رؤساء قوم هود: من الذي سيهلكنا يا هود؟
قال هود: الله .
قال الكافرون من قوم هود: ستنجينا آلهتنا.
وأفهمهم هود أن هذه الآلهة التي يعبدونها لتقربهم من الله، هي نفسها التي تبعدهم عن الله. أفهمهم أن الله هو وحده الذي ينجي الناس، وأن أي قوة أخرى في الأرض لا تستطيع أن تضر أو تنفع.
واستمر الصراع بين هود وقومه. وكلما استمر الصراع ومرت الأيام، زاد قوم هود استكبارا وعنادا وطغيانا وتكذيبا لنبيهم. وبدءوا يتهمون "هودا" عليه السلام بأنه سفيه مجنون.
قالوا له يوما: لقد فهمنا الآن سر جنونك. إنك تسب آلهتنا وقد غضبت آلهتنا عليك، وبسبب غضبها صرت مجنونا.
انظروا للسذاجة التي وصل إليها تفكيرهم. إنهم يظنون أن هذه الحجارة لها قوى على من صنعها. لها تأثير على الإنسان مع أنا لا تسمع ولا ترى ولا تنطق. لم يتوقف هود عند هذيانهم، ولم يغضبه أن يظنوا به الجنون والهذيان، ولكنه توقف عند قولهم: (وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ).
بعد هذا التحدي لم يبق لهود إلا التحدي. لم يبق له إلا التوجه إلى الله وحده. لم يبق أمامه إلا إنذار أخير ينطوي على وعيد للمكذبين وتهديدا لهم.. وتحدث هود:
إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56) فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) (هود)
إن الإنسان ليشعر بالدهشة لهذه الجرأة في الحق. رجل واحد يواجه قوما غلاظا شدادا وحمقى. يتصورون أن أصنام الحجارة تستطيع الإيذاء. إنسان بمفرده يقف ضد جبارين فيسفه عقيدتهم، ويتبرأ منهم ومن آلهتهم، ويتحداهم أن يكيدوا له بغير إبطاء أو إهمال، فهو على استعداد لتلقي كيدهم، وهو على استعداد لحربهم فقد توكل على الله. والله هو القوي بحق، وهو الآخذ بناصية كل دابة في الأرض. سواء الدواب من الناس أو دواب الوحوش أو الحيوان. لا شيء يعجز الله.
بهذا الإيمان بالله، والثقة بوعده، والاطمئنان إلى نصره.. يخاطب هود الذين كفروا من قومه. وهو يفعل ذلك رغم وحدته وضعفه، لأنه يقف مع الأمن الحقيقي ويبلغ عن الله. وهو في حديثه يفهم قومه أنه أدى الأمانة، وبلغ الرسالة. فإن كفروا فسوف يستخلف الله قوما غيرهم، سوف يستبدل بهم قوما آخرين. وهذا معناه أن عليهم أن ينتظروا العذاب.
هلاك عاد:
وهكذا أعلن هود لهم براءته منهم ومن آلهتهم. وتوكل على الله الذي خلقه، وأدرك أن العذاب واقع بمن كفر من قومه. هذا قانون من قوانين الحياة. يعذب الله الذين كفروا، مهما كانوا أقوياء أو أغنياء أو جبابرة أو عمالقة.
انتظر هود وانتظر قومه وعد الله. وبدأ الجفاف في الأرض. لم تعد السماء تمطر. وهرع قوم هود إليه. ما هذا الجفاف يا هود؟ قال هود: إن الله غاضب عليكم، ولو آمنتم فسوف يرضى الله عنكم ويرسل المطر فيزيدكم قوة إلى قوتكم. وسخر قوم هود منه وزادوا في العناد والسخرية والكفر. وزاد الجفاف، واصفرت الأشجار الخضراء ومات الزرع. وجاء يوم فإذا سحاب عظيم يملأ السماء. وفرح قوم هود وخرجوا من بيوتهم يقولون: (هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا).
تغير الجو فجأة. من الجفاف الشديد والحر إلى البرد الشديد القارس. بدأت الرياح تهب. ارتعش كل شيء، ارتعشت الأشجار والنباتات والرجال والنساء والخيام. واستمرت الريح. ليلة بعد ليلة، ويوما بعد يوم. كل ساعة كانت برودتها تزداد. وبدأ قوم هود يفرون، أسرعوا إلى الخيام واختبئوا داخلها، اشتد هبوب الرياح واقتلعت الخيام، واختبئوا تحت الأغطية، فاشتد هبوب الرياح وتطايرت الأغطية. كانت الرياح تمزق الملابس وتمزق الجلد وتنفذ من فتحات الجسم وتدمره. لا تكاد الريح تمس شيئا إلا قتلته ودمرته، وجعلته كالرميم.
استمرت الرياح مسلطة عليهم سبع ليال وثمانية أيام لم تر الدنيا مثلها قط. ثم توقفت الريح بإذن ربها. لم يعد باقيا ممن كفر من قوم هود إلا ما يبقى من النخل الميت. مجرد غلاف خارجي لا تكاد تضع يدك عليه حتى يتطاير ذرات في الهواء.
نجا هود ومن آمن معه.. وهلك الجبابرة.. وهذه نهاية عادلة لمن يتحدى الله ويستكبر عن عبادته.
السلام عليكم.
مشكور أخي أبو الحسين على التواصل والإستمرار في اتمام الموضوع .
بارك الله فيك وأكثر الله من أمثالك الخيرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك أخي جمال
**********
قصة سيدنا عيسى عليه السلام
نبذة:
مثل عيسى مثل آدم خلقه الله من تراب وقال له كن فيكون، هو عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وهو الذي بشر بالنبي محمد، آتاه الله البينات وأيده بروح القدس وكان وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، كلم الناس في المهد وكهلا وكان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيرا، ويبرئ الأكمه والأبرص ويخرج الموتى كل بإذن الله، دعا المسيح قومه لعبادة الله الواحد الأحد ولكنهم أبوا واستكبروا وعارضوه، ولم يؤمن به سوى بسطاء قومه، رفعه الله إلى السماء وسيهبط حينما يشاء الله إلى الأرض ليكون شهيدا على الناس.
سيرته:
الحديث عن نبي الله عيسى عليه السلام، يستدعي الحديث عن أمه مريم، بل وعن ذرية آل عمران هذه الذرية التي اصطفاها الله تعالى واختارها، كما اختار آدم ونوحا وآل إبراهيم على العالمين.
آل عمران أسرة كريمة مكونة من عمران والد مريم، وامرأة عمران أم مريم، ومريم، وعيسى عليه السلام؛ فعمران جد عيسى لأمه، وامرأة عمران جدته لأمه، وكان عمران صاحب صلاة بني إسرائيل في زمانه، وكانت زوجته امرأة عمران امرأة صالحة كذلك، وكانت لا تلد، فدعت الله تعالى أن يرزقها ولدا، ونذرت أن تجعله مفرغا للعبادة ولخدمة بيت المقدس، فاستجاب الله دعاءها، ولكن شاء الله أن تلد أنثى هي مريم، وجعل الله تعالى كفالتها ورعايتها إلى زكريا (http://alnoor-world.com/prophets/zakria.asp) عليه السلام، وهو زوج خالتها، وإنما قدر الله ذلك لتقتبس منه علما نافعا، وعملا صالحا.
كانت مريم مثالا للعبادة والتقوى، وأسبغ الله تعالى عليها فضله ونعمه مما لفت أنظار الآخرين، فكان زكريا (http://alnoor-world.com/prophets/zakria.asp) عليه السلام كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا، فيسألها من أين لك هذا، فتجيب: (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ).
كل ذلك إنما كان تمهيدا للمعجزة العظمى؛ حيث ولد عيسى عليه السلام من هذه المرأة الطاهرة النقية، دون أن يكون له أب كسائر الخلق، واستمع إلى بداية القصة كما أوردها القرآن الكريم، قال تعالى:
وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ (42) (آل عمران)
بهذه الكلمات البسيطة فهمت مريم أن الله يختارها، ويطهرها ويختارها ويجعلها على رأس نساء الوجود.. هذا الوجود، والوجود الذي لم يخلق بعد.. هي أعظم فتاة في الدنيا وبعد قيامة الأموات وخلق الآخرة.. وعادت الملائكة تتحدث:
يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) (آل عمران)
ولادة عيسى عليه السلام:
كان الأمر الصادر بعد البشارة أن تزيد من خشوعها، وسجودها وركوعها لله.. وملأ قلب مريم إحساس مفاجئ بأن شيئا عظيما يوشك أن يقع.. ويروي الله تعالى في القرآن الكريم قصة ولادة عيسى عليه السلام فيقول:
وَاذكُر فِى الكِتَابِ مَريَمَ إِذِ انتَبَذَت مِن أَهلِهَا مَكَاناً شَرقِياً (16) فَاتخَذَت مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرسَلنَا إِلَيهَا رُوحَنَا فَتَمَثلَ لَهَا بَشَراً سَوِياً (17) قَالَت إِني أَعُوذُ بِالرحمَـنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِياً (18) قَالَ إِنمَا أَنَا رَسُولُ رَبكِ لأهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِياً (19) قَالَت أنى يَكُونُ لِى غُلامٌ وَلَم يَمسَسنِى بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِياً (20) قَالَ كَذلِكَ قَالَ رَبكَ هُوَ عَلَى هَينٌ وَلِنَجعَلَهُ ءايَةً للناسِ وَرَحمَةً منا وَكَانَ أَمراً مقضِياً (21) (مريم)
جاء جبريل –عليه السلام- لمريم وهي في المحراب على صورة بشر في غاية الجمال. فخافت مريم وقالت: (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا) أرادت أن تحتمي في الله.. وسألته هل هو إنسان طيب يعرف الله ويتقيه.
فجاء جوابه ليطمئنها بأنه يخاف الله ويتقيه: (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا)
اطمئنت مريم للغريب، لكن سرعان ما تذكّرت ما قاله (لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا) استغربت مريم العذراء من ذلك.. فلم يمسسها بشر من قبل.. ولم تتزوج، ولم يخطبها أحد، كيف تنجب بغير زواج!! فقالت لرسول ربّها: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا)
قال الروح الأمين: (كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا)
استقبل عقل مريم كلمات الروح الأمين.. ألم يقل لها إن هذا هو أمر الله ..؟ وكل شيء ينفذ إذا أمر الله.. ثم أي غرابة في أن تلد بغير أن يمسسها بشر..؟ لقد خلق الله سبحانه وتعالى آدم من غير أب أو أم، لم يكن هناك ذكر وأنثى قبل خلق آدم. وخلقت حواء من آدم فهي قد خلقت من ذكر بغير أنثى.. ويخلق ابنها من غير أب.. يخلق من أنثى بغير ذكر.. والعادة أن يخلق الإنسان من ذكر وأنثى.. العادة أن يكون له أب وأم.. لكن المعجزة تقع عندما يريد الله تعالى أن تقع.. عاد جبريل عليه السلام يتحدث: (إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ)
زادت دهشة مريم.. قبل أن تحمله في بطنها تعرف اسمه.. وتعرف أنه سيكون وجيها عند الله وعند الناس، وتعرف أنه سيكلم الناس وهو طفل وهو كبير.. وقبل أن يتحرك فم مريم بسؤال آخر.. نفخ جبريل عليه السلام في جيب مريم –الجيب هو شق الثوب الذي يكون في الصدر- فحملت فورا.
ومرت الأيام.. كان حملها يختلف عن حمل النساء.. لم تمرض ولم تشعر بثقل ولا أحست أن شيئا زاد عليها ولا ارتفع بطنها كعادة النساء.. كان حملها به نعمة طيبة. وجاء الشهر التاسع.. وفي العلماء من يقول إن الفاء تفيد التعقيب السريع.. بمعنى أن مريم لم تحمل بعيسى تسعة أشهر، وإنما ولدته مباشرة كمعجزة..
خرجت مريم ذات يوم إلى مكان بعيد.. إنها تحس أن شيئا سيقع اليوم.. لكنها لا تعرف حقيقة هذا الشيء.. قادتها قدماها إلى مكان يمتلئ بالشجر.. والنخل، مكان لا يقصده أحد لبعده.. مكان لا يعرفه غيرها.. لم يكن الناس يعرفون أن مريم حامل.. وإنها ستلد.. كان المحراب مغلقا عليها، والناس يعرفون أنها تتعبد فلا يقترب منها أحد..
جلست مريم تستريح تحت جذع نخلة؛ لم تكن نخلة كاملة، إنما جذع فقط، لتظهر معجزات الله سبحانه وتعالى لمريم عند ولادة عيسى فيطمئن قلبها.. وراحت تفكر في نفسها.. كانت تشعر بألم.. وراح الألم يتزايد ويجيء في مراحل متقاربة.. وبدأت مريم تلد..
فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23) (مريم)
إن ألم الميلاد يحمل لنفس العذراء الطاهرة آلاما أخرى تتوقعها ولم تقع بعد.. كيف يستقبل الناس طفلها هذا..؟ وماذا يقولون عنها..؟ إنهم يعرفون أنها عذراء.. فكيف تلد العذراء..؟ هل يصدق الناس أنها ولدته بغير أن يمسسها بشر..؟ وتصورت نظرات الشك.. وكلمات الفضول.. وتعليقات الناس.. وامتلأ قلبها بالحزن..
وولدت في نفس اللحظة من قدر عليه أن يحمل في قلبه أحزان البشرية.. لم تكد مريم تنتهي من تمنيها الموت والنسيان، حتى نادها الطفل الذي ولد:
فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26) (مريم)
نظرت مريم إلى المسيح.. سمعته يطلب منها أن تكف عن حزنها.. ويطلب منها أن تهز جذع النخلة لتسقط عليها بعض ثمارها الشهية.. فلتأكل، ولتشرب، ولتمتلئ بالسلام والفرح ولا تفكر في شيء.. فإذا رأت من البشر أحدا فلتقل لهم أنها نذرت للرحمن صوما فلن تكلم اليوم إنسانا.. ولتدع له الباقي..
لم تكد تلمس جذعها حتى تساقط عليها رطب شهي.. فأكلت وشربت ولفت الطفل في ملابسها.. كان تفكير مريم العذراء كله يدور حول مركز واحد.. هو عيسى، وهي تتساءل بينها وبين نفسها: كيف يستقبله اليهود..؟ ماذا يقولون فيه..؟ هل يصدق أحد من كهنة اليهود الذين يعيشون على الغش والخديعة والسرقة..؟ هل يصدق أحدهم وهو بعيد عن الله أن الله هو الذي رزقها هذا الطفل؟ إن موعد خلوتها ينتهي، ولا بد أن تعود إلى قومها.. فماذا يقولون الناس؟
مواجهة القوم:
كان الوقت عصرا حين عادت مريم.. وكان السوق الكبير الذي يقع في طريقها إلى المسجد يمتلئ بالناس الذي فرغوا من البيع والشراء وجلسوا يثرثرون. لم تكد مريم تتوسط السوق حتى لاحظ الناس أنها تحمل طفلا، وتضمه لصدرها وتمشي به في جلال وبطئ..
تسائل أحد الفضوليين: أليست هذه مريم العذراء..؟ طفل من هذا الذي تحمله على صدرها..؟
قال أحدهم: هو طفلها.. ترى أي قصة ستخرج بها علينا..؟
وجاء كهنة اليهود يسألونها.. ابن من هذا يا مريم؟ لماذا لا تردين؟ هو ابنك قطعا.. كيف جاءك ولد وأنت عذراء؟
يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) (مريم)
الكلمة ترمي مريم بالبغاء.. هكذا مباشرة دون استماع أو تحقيق أو تثبت.. ترميها بالبغاء وتعيرها بأنها من بيت طيب وليست أمها بغيا.. فكيف صارت هي كذلك؟ راحت الاتهامات تسقط عليها وهي مرفوعة الرأس.. تومض عيناها بالكبرياء والأمومة.. ويشع من وجهها نور يفيض بالثقة.. فلما زادت الأسئلة، وضاق الحال، وانحصر المجال، وامتنع المقال، اشتد توكلها على ذي الجلال وأشارت إليه..
أشارت بيدها لعيسى.. واندهش الناس.. فهموا أنها صائمة عن الكلام وترجو منهم أن يسألوه هو كيف جاء.. تساءل الكهنة ورؤساء اليهود كيف يوجهون السؤال لطفل ولد منذ أيام.. هل يتكلم طفل في لفافته..؟!
قالوا لمريم: (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا).
قال عيسى:
قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) (مريم)
لم يكد عيسى ينتهي من كلامه حتى كانت وجوه الكهنة والأحبار ممتقعة وشاحبة.. كانوا يشهدون معجزة تقع أمامهم مباشرة.. هذا طفل يتكلم في مهده.. طفل جاء بغير أب.. طفل يقول أن الله قد آتاه الكتاب وجعله نبيا.. هذا يعني إن سلطتهم في طريقها إلى الانهيار.. سيصبح كل واحد فيهم بلا قيمة عندما يكبر هذا الطفل.. لن يستطيع أن يبيع الغفران للناس، أو يحكمهم عن طريق ادعائه أنه ظل السماء على الأرض، أو باعتباره الوحيد العارف في الشريعة.. شعر كهنة اليهود بالمأساة الشخصية التي جاءتهم بميلاد هذا الطفل.. إن مجرد مجيء المسيح يعني إعادة الناس إلى عبادة الله وحده.. وهذا معناه إعدام الديانة اليهودية الحالية.. فالفرق بين تعاليم موسى (http://alnoor-world.com/prophets/moosa.asp) وتصرفات اليهود كان يشبه الفرق بين نجوم السماء ووحل الطرقات.. وتكتم رهبان اليهود قصة ميلاد عيسى وكلامه في المهد.. واتهموا مريم العذراء ببهتان عظيم.. اتهموها بالبغاء.. رغم أنهم عاينوا بأنفسهم معجزة كلام ابنها في المهد.
وتخبرنا بعض الروايات أن مريم هاجرت بعيسى إلى مصر، بينما تخبرنا روايات أخرى بأن هجرتها كانت من بيت لحم لبيت المقدس. إلا أن المعروف لدينا هو أن هذه الهجرة كانت قبل بعثته.
معجزاته:
كبر عيسى.. ونزل عليه الوحي، وأعطاه الله الإنجيل. وكان عمره آنذاك -كما يرى الكثير من العلماء- ثلاثون سنة. وأظهر الله على يديه المعجزات. يقول المولى عزّ وجل في كتابه عن معجزات عيسى عليه السلام:
وَيُعَلمُهُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَالتورَاةَ وَالإِنجِيلَ (48) وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسرائيلَ أني قَد جِئتُكُم بِآيَةٍ من ربكُم أَنِي أَخلُقُ لَكُم منَ الطينِ كَهَيئَةِ الطيرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيرًا بِإِذنِ اللهِ وَأُبرِىْ الأكمَهَ والأبرَصَ وَأُحي المَوتَى بِإِذنِ اللهِ وَأُنَبئُكُم بِمَا تَأكُلُونَ وَمَا تَدخِرُونَ فِى بُيُوتِكُم إِن فِي ذلِكَ لآيَةً لكُم إِن كُنتُم مؤمِنِينَ (49) وَمُصَدقًا لمَا بَينَ يَدَي مِنَ التورَاةِ وَلأحِل لَكُم بَعضَ الذِي حُرمَ عَلَيكُم وَجِئتُكُم بِآيَةٍ من ربكُم فَاتقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِن اللهَ رَبي وَرَبكُم فَاعبُدُوهُ هَـذَا صِراطٌ مستَقِيمٌ (51) (آل عمران)
فكان عيسى –عليه السلام- رسولا لبني إسرائيل فقط. ومعجزاته هي:
علّمه الله التوراة.
يصنع من الطين شكل الطير ثم ينفخ فيه فيصبح طيرا حيّا يطير أمام أعينهم.بإذن الله
يعالج الأكمه (وهو من ولد أعمى)، فيمسح على عينيه أمامهم فيبصر.بإذن الله
يعالج الأبرص (وهو المرض الذي يصيب الجلد فيجعل لونه أبيضا)، فيسمح على جسمه فيعود سليما.
بإذن الله
يخبرهم بما يخبئون في بيوتهم، وما أعدّت لهم زوجاتهم من طعام.
وكان –عليه السلام- يحيي الموتى.بإذن الله
إيمان الحواريون:
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) (آل عمران)
وقال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14) (الصف)
قيل أن عدد الحواريين كان سبعة عشر رجلا، لكن الروايات الأرجح أنهم كانوا اثني عشر رجلا. آمن الحواريون، لكن التردد لا يزال موجودا في نفوسهم. قال الله تعالى قصة هذا التردد:
إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112) قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (115) (المائدة)
استجاب الله عز وجل، لكنه حذّرهم من الكفر بعد هذه الآية التي جاءت تلبية لطلبهم. نزلت المائدة، وأكل الحواريون منها، وظلوا على إيمانهم وتصديقهم لعيسى –عليه السلام- إلا رجل واحد كفر بعد رفع عيسى عليه السلام.
رفع عيسى عليه السلام:
لما بدأ الناس يتحدثون عن معجزات عيسى عليه السلام، خاف رهبان اليهود أن يتبع الناس الدين الجديد فيضيع سلطانهم. فذهبوا لمَلك تلك المناطق وكان تابعا للروم. وقالوا له أن عيسى يزعم أنه مَلك اليهود، وسيأخذ المُلك منك. فخاف المَلك وأمر بالبحث عن عيسى –عليه السلام- ليقتله.
جاءت روايات كثيرة جدا عن رفع عيسى –عليه السلام- إلى السماء، معظمها من الإسرائيليات أو نقلا عن الإنجيل. وسنشير إلى أرجح رواية هنا.
عندما بلغ عيسى عليه السلام أنهم يريدون قتله، خرج على أصحابه وسألهم من منهم مستعد أن يلقي الله عليه شبهه فيصلب بدلا منه ويكون معه في الجنة. فقام شاب، فحنّ عليه عيسى عليه السلام لأنه لا يزال شابا. فسألهم مرة ثانية، فقام نفس الشاب. فنزل عليه شبه عيسى عليه السلام، ورفع الله عيسى أمام أعين الحواريين إلى السماء. وجاء اليهود وأخذوا الشبه وقتلوه ثم صلبوه. ثم أمسك اليهود الحواريين فكفر واحد منهم. ثم أطلقوهم خشية أن يغضب الناس. فظل الحواريون يدعون بالسر. وظل النصارى على التوحيد أكثر من مئتين سنة. ثم آمن أحد ملوك الروم واسمه قسطنطين، وأدخل الشركيات في دين النصارى.
يقول ابن عباس: افترق النصارى ثلاث فرق. فقالت طائفة: كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء. وقالت طائفة: كان فينا ابن الله ما شاء ثم رفعه الله إليه. وقلت طائفة: كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء ثم رفعه الله إليه. فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمدا (http://alnoor-world.com/prophets/mohamed.asp) –صلى الله عليه وسلم- فذلك قول الله تعالى: (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ).
وقال تعالى عن رفعه:
وَقَولِهِم إِنا قَتَلنَا المَسِيحَ عِيسَى ابنَ مَريَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبهَ لَهُم وَإِن الذِينَ اختَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَك منهُ مَا لَهُم بِهِ مِن عِلمٍ إِلا اتبَاعَ الظن وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَل رفَعَهُ اللهُ إِلَيهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) وَإِن من أَهلِ الكِتَابِ إِلا لَيُؤمِنَن بِهِ قَبلَ مَوتِهِ وَيَومَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيهِم شَهِيداً (159) (النساء)
لا يزال عيسى –عليه السلام- حيا. ويدل على ذلك أحاديث صحيحة كثيرة. والحديث الجامع لها في مسند الإمام أحمد:
حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا يحيى، عن ابن أبي عروبة قال:حدثنا قتادة، عن عبد الرحمن بن آدم، عن أبي هريرة،: (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأنبياء إخوة لعلات، دينهم واحد وأمهاتهم شتى، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، وأنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، سبط كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل بين ممصرتين، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، و يعطل الملل حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها غير الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال الكذاب، وتقع الأمنة في الأرض حتى ترتع الإبل مع الأسد جميعاً، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا يضر بعضهم بعضاً، فيمكث ما شاء الله أن يمكث ثم يتوفى، فيصلي عليه المسلمون و يدفنونه.)
(مربوع) ليس بالطويل وليس بالقصير، (إلى الحمرة والبياض) وجهه أبيض فيه احمرار، (سبط) شعره ناعم، (ممصرتين) عصاتين أو منارتين وفي الحديث الآخر ينزل عند المنارة البيضاء من مسجد دمشق.
وفي الحديث الصحيح الآخر يحدد لنا رسولنا الكريم مدة مكوثه في الأرض فيقول: (فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى، و يصلي عليه المسلمون).
لا بد أن يذوق الإنسان الموت. عيسى لم يمت وإنما رفع إلى السماء، لذلك سيذوق الموت في نهاية الزمان.
ويخبرنا المولى عز وجل بحوار لم يقع بعد، هو حواره مع عيسى عليه السلام يوم القيامة فيقول:
وَإِذ قَالَ اللهُ يا عِيسَى ابنَ مَريَمَ أَءنتَ قُلتَ لِلناسِ اتخِذُونِي وَأُميَ إِلَـهَينِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَن أَقُولَ مَا لَيسَ لِي بِحَق إِن كُنتُ قُلتُهُ فَقَد عَلِمتَهُ تَعلَمُ مَا فِى نَفسِي وَلاَ أَعلَمُ مَا فِى نَفسِكَ إِنكَ أَنتَ عَلامُ الغُيُوبِ (116) مَا قُلتُ لَهُم إِلا مَا أَمَرتَنِي بِهِ أَنِ اعبُدُوا اللهَ رَبي وَرَبكُم وَكُنتُ عَلَيهِم شَهِيداً ما دُمتُ فِيهِم فَلَما تَوَفيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرقِيبَ عَلَيهِم وَأَنتَ عَلَى كُل شَىء شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذبهُم فَإِنهُم عِبَادُكَ وَإِن تَغفِر لَهُم فَإِنكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (118) (المائدة)
هذا هو عيسى بن مريم عليه السلام، آخر الرسل قبل سيدنا محمد (http://alnoor-world.com/prophets/mohamed.asp) صلى الله عليه وسلم.
السلام عليكم.
بقي 5 فقط وهم: أيوب وهارون واليسع وداود وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
رحيق القلوب
2009-12-26, 17:56
إنّه أوّاب
«قصة سيّدنا أيوب عليه السّلام »
قبلَ أكثرَ من 2500 سنة عاشَ في أرضِ حُوران رجلٌ من ذرّية سيّدنايوسف عليه السّلام، إنّه سيّدُنا أيّوب عليه السّلام: كانَ رجلاً طيّباً تَزوّج منفتاةٍ اسمُها « رَحْمَة » هي أيضاً من ذرّية يوسف عليه السّلام.
عاشَ الزوجانِسعيدَين بحياتِهما، وكانا مؤمنينِ بالله ورُسُلهِ.
اللهُ سبحانه أنعَمَ علىأيوبَ ورَزَقَهُ أولاداً وبَناتٍ، وكانت عنده أرضٌ واسعةٌ مليئةٌ بالحُقولِوالمَراعي، وتَرعى فيها قِطْعانُ المَاشيةِ مِن بَقَرٍ وأغنامٍ وماعز.
كانَأيوبُ يَعبُدُ اللهَ وحدَهُ لا يُشرِكُ به أحَداً، فهو على دِينِ آبائه إبراهيمَوإسحاقَ ويعقوب.
وذاتَ يومٍ هَبَطت الملائكةُ وبَشَّرته بالنبوّةِ، وسَجَدَأيّوبُ للهِ شُكراً.
كلُّ الناسِ كانوا يُحبّونَ أيّوب.. الرجلَ الطيِّبَ الذيأكرمَهُ اللهُ بالنبوّة.
كانَ منزلُ أيوبَ كبيراً، فَلَديهِ أولادٌ كثيرونَوبَنات، وفيه الحُبوبُ والطَّعام.
سيّدُنا أيوبُ كانَ يُحبُّ الفقراءَ.. يُطعِمُهم، ويَكسُوهُم. وكانَ لا يأكُلُ طَعاماً إلاّ وعلى مائدتهِ يَتيمٌ أو بائسٌأو فقير.
الناسُ الفقراءُ كانوا يَقصدونَ منزلَ أيوبَ مِن مناطقَ بعيدة، وكانوايَعودونَ إلى ديارهِم وهم يَحمِلونَ مَعهم الطعامَ والكِساءَ والفَرَحَ لأطفالِهموأهلِهم.
الناسُ أحَبّوا نبيَّ اللهِ أيّوبَ، الذي لا يَرُدُّ أحداً ولا يَمُنُّعلى أحد.
منزل أيوب
ذاتَ يومٍ جاءَشيخٌ طاعِنٌ في السِّنّ.. جاءَ إلى منزلِ أيّوب. الشيخُ حَيّى أيوبَ قائلاً:
ـالسلامُ على أيوّبَ نَبيِّ الله.
ـ وعليكَ السلامُ ورحمةُ الله... تَفضَّل أنتَفي بيتِكَ وأهلِك.
ـ زادَ اللهُ في كرامةِ أيّوب.. أنا كما تَرى شيخٌ عاجز وعنديأبناءٌ جِياعٌ، ونبيُّ اللهِ يُطعِمُ الجِياعَ ويَكْسُو العُراة.
تألّمَ سيدُناأيوبُ وقال:
ـ أُظنُّكَ غريباً أيّها الشيخ ؟
ـ لا يا نبيَّ الله، أنا مِنبلادِ حُوران.
تألّمَ سيدُنا أيوب أكثَر وقال:
ـ ما أقساني.. بَيتي مليءٌبالطعامِ وأنتَ جائع؟!
الشيخ قال:
ـ إنّه ذَنبي أنا.. لم أعرِضْ حاجَتي عليكمِن قَبل.
قال أيوب:
ـ الحقُّ علَيّ أنا لأنّني لم أبحَثْ عنكَبنفسي.
التَفتَ أيوبُ إلى أبنائه وقال:
ـ ألا تَخافونَ من غَضَبِ الله ؟! كيفتَرضَونَ لأنفسِكُم أن تَبيتوا شِباعاً وفي حُورانَ أطفالٌ وشُيوخٌ جِياع؟!
الأبناءُ اعتَذروا وقالوا:
ـ لقد بَحَثنا كثيراً ولكنّنا لم نَجد أحداً فيحُورانَ مُحتاجاً..
قال الأب بألم:
ـ وهذا الشيخ ؟ ؟
ـ عَفْواً ياأبانا.
ـ هَيّا احمِلوا من الطعامِ والكِساءِ وأوصِلُوه إلى منزلهِ.
ـسَمْعاً وطاعةً للنبيّ.
هكذا كانَ يعيشُ سيدُنا أيوبُ.. في ذلك البيتِ المَبْنيّمن الصُّخور. هو يَتفقَّدُ العَمَلَ في الحُقولِ والمَزارع، وزَوجتُه تَطحَنُ ومعهابناتُها وجَواريها يُساعدونها.
وأبناءُ أيوبَ يَحمِلونَ الطعامَ والكِساءَويَبحثونَ عن الفقراءِ والمُحتاجينَ في حُوران، والخَدَمُ يَعملونَ في المَزارعِويَحمِلونَ الثِّمارَ والحُبوبَ إلى المَخازن.
والرعاةُ يَسُوقونَ المَواشي إلىالمَراعي، وكان أيوبُ يَشكرُ الله الذي بارَكَ له في أموالهِ وأولادهِ.
الناسُكانوا يُحِبّونَ أيوبَ النبيّ.. لأنّه مؤمنٌ باللهِ يَشكرُ اللهَ على نِعَمِه.. ويُساعدُ الناسَ جميعاً.. لم تُبطِرْهُ الأموال، من مَزارعَ وحُقولٍ وماشيةٍوأولادٍ كثيرين.. كان يعمل.
كانَ يُمكنهُ أن يعيشَ في راحة، ولكنّه كانَ يَعملُبيدهِ؛ وزَوجتُه رحمةٌ هي الأخرى كانت تَعمل.. كانا يعتقدانِ أنّ كلَّ ما عندَهماهو من الله سبحانه؛ لهذا كانا يَذكُرانهِ دائماً ويَشكُرانهِ كثيراً.
الناسُأحبُّوه واعتَقدوا أنّه رجلٌ مُبارَك، وأنه نبيٌّ من أنبياءِ الله. لهذا آمَنواباللهِ سبحانه الذي يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشاء ويَقْدِر.
الشيطان
الشيطانُ حسَدَسيدنَا أيوّب، أيوبُ يريدُ الهدايةَ والخيرَ للناس، والشيطانُ يريدُ لهم الشُّرورَوالضَّلال، لهذا راحَ يُوَسوِسُ للناسِ، يقولُ لهم: إنّ أيوبَ يَعبدُ اللهَ لأنّهُيخافُ على أموالهِ وحُقولهِ أن يأخُذَها منه... لو كانَ أيوبُ فقيراً ما عَبدَ اللهولا سَجَدَ له...
الناسُ أصغَوا إلى وَساوِسِ الشيطانِ وصَدَّقوا.. تَغَيرّتنَظرتُهم إلى أيوبَ: إنّه يَعبدُ اللهَ لأنّ الله أنعَمَ عليهِ ورَزَقهُ وهو يَخافُمِن أن يَسلبَهُ نِعمتَه... إنّ أيوبَ لو حَلَّت به مصيبةٌ لَتَركَ العبادة... لوأحرَقَت الصَّواعِقُ حُقولَه لَجَزِع!! لَو سَلَبهُ الله نِعمتَهُ لَماسَجَد!
هكذا راحَ الشيطانُ يُوَسوِسُ في نفوسِ أهلِ حُوران...
الامتحان
الله سبحانهأرادَ أن يُظهِرَ للناسِ كذبَ الشيطان.. أرادَ أن يُظهرَ للناسِ صدقَ أيّوبَوصبرَهُ وإيمانَه.. لهذا بَدَأت المِحنة.. سوف تَحلُّ بأيوّبَ المَصائبُ الواحدةُبعد الأخرى... لِنرَى مدى إيمانِ سيدِنا أيوّبَ وصبرِه.
كلُّ شيءٍ كانَ يَمضيهادئاً.. أيّوبُ كانَ ساجِداً لله يَشكرُهُ على نعمهِ وآلائه.. وأبناؤه كانوايَحمِلونَ أجْرِبَةَ الطَّعام ويَبحَثونَ عن فقيرٍ أو مِسكينٍ أو رجُلٍ مُسافرٍانقَطَعت به السُّبل..
الخَدَمُ والعَبيدُ كانوا يَعملونَ في الأرض، ويَحملونَحُبوبَ القمحِ إلى المَخازن.
« رحمةٌ » زوجةُ سيدِنا أيوبَ كانت تَطحَنُ فيالرَّحى..
والبعضُ كانوا يَحملونَ حُزَمَ الحَطَب وآخرون يَجلِبونَ الماءَ منالنَّبع.
والرُّعاةُ كانوا يَسُوقونَ قِطعانَ الماشِيةِ إلى المُروج.. كلُّ شيءٍكانَ يَمضي هادئاً وجميلاً...
وفي تلك اللحظاتِ.. برَزَ الشيطان يُعَربِدُويُدَمِّر. يُريدُ أن يُدمّرَ إيمانَ أيّوب.
فجأةً جاءَ أحدُ الرُّعاة مَبهورَالأنفاس... هَتَف:
ـ اينَ نبيُّ الله أيّوب ؟!!
ـ ماذا حَصَل ؟! تَكَلّمْ.
ـ لقد قَتَلوهُم.. قَتَلوا جميعَ رِفاقي.. الرُّعاةَ والفَلاّحين... جَميعهم قُتلوا.. جَرَت دِماؤهُم فوقَ الأرض...
ـ ماذا ؟!
ـ هاجَمَناالأشرار.. واخَتَطفوا قِطْعانَ الماشيةِ، أخَذوا أبقارَنا وخِرافَناوذَهَبوا!
الجبلُ لا يَهتزُّ أمامَ العاصفةِ.. سيدُنا أيوبُ تألّم ولكنّهتَحمّل، قالَ بثبات:
ـ إنّا للهِ وإنّا إليهِ راجعون...
إنّ اللهَ سبحانَهُشاءَ أن يَمتَحِن أيوبَ.. يَمتحنَ إيمانَهُ بِرَبِّ العالَمين.. أيَصبِرُ أم يَكفُر؟
في اليومِ التالي حَدَثَ أمرٌ عجيب.. تَجَمّعت سُحُبٌ سَوداء في السماء.. وانفَجَرت الصَّواعِقُ ودَوَّت الرُّعود... وجاء أحدُ الفلاّحين.. كانت ثيابهُمُحترقةً وجهُه أسوَد من الحرُوقِ والدُّخان.. هتَفَ سيدُنا أيوب:
ـ ماذا حَصَل؟!
ـ النار! يا نبيَّ اللهِ النار!!
ـ أهِي مُصيبةٌ أخرى ؟!
ـ نعم يانبيَّ الله، لقد احترَقَ كلُّ شيء.. لقد نَزَل البلاء.. الصَّواعقُ أحرَقَتالحُقولَ والمَزارع.. أصبَحَت أرضُنا رَماداً يا نبيَّ الله.. كل رفِاقي ماتُوااحتَرَقوا.
قالت رحمة:
ـ إن مصائبَ العالَم كلَّها ستَنزِلُ علينا!
ـاصبِري يا رحمة.. هذه مشيئةُ الله.
ـ مشيئةُ الله!!
أجل.. لقد حانَ وقتُالامتحان.. ما مِن نبيٍ إلاّ وامتَحَنَ اللهُ قلبَه.
نظرَ أيوبَ إلى السماء وقالبِضَراعة:
ـ إلهي، امنَحْني الصَّبر.
في ذلك اليوم أمَرَ سيدُنا أيّوبُالخَدَمَ والعبيدَ بمغادرةِ مَنزلهِ.. قالَ لهم بإشفاق:
ـ عُودوا إلى أهليكم أوابحَثوا عن مكانٍ آخر، إنّ الله سبحانه يَمتَحِنُني.
قالَ أحد الخَدَم:
ـسنَعملُ على إصلاحِ الحقولِ والمَزارع... إنّني لا أُحبّ أن أُفارِقَكَ، نحن نؤمنُبكَ ونُحبّكَ يا نبيَّ الله.
ـ يا أبنائي أعرِفُ ذلك.. ولكنّ البلاءَسيَتَضاعَفُ، وأنا لا أُريدُ أن أرى أن تَحتَرقوا أمامي.. اذهَبوا يا أبنائي.. دَعُوني أواجِهُ الامتحانَ لوحدي.
يا صبرَ أيوب!
لمتَنْتَهِ مِحنةُ أيوبَ عند هذا الحدِّ، لم تَحترَقْ حُقولُه وتَتحوَّلْ إلى رمادٍ،لم تَفْنَ ماشيتُه جميعاً فقط. إنّه يُواجهُ محنةً أخرى.. لقد ماتَ جميعُ أولادِهوبناته، لم يَبقَ معه سوى رحمة زوجتهِ الطيّبة.. بعد ذلك أيضاً ابتُليَ أيّوب فيجسده.. أصابه المرض، وتقرّح جِلُده، فزاد ابتعاد الناس عنه خوفاً منالعَدوى.
أصبَحَ منزلهُ خالياً، ليس فيه وَلَدٌ واحدٌ من أولاده.. وهو شيخٌمُسِنٌّ وزوجتُهُ المسكينةُ تبكي..
هذه مشيئةُ الله وعلَينا أن نُسَلِّمَلأمره..
الشيطانُ لم يَترُكْه لحالهِ، جاء إليه ليوسوسَ له:
ـ يا لها مِنمصيبةٍ كُبرى.. سَبَعةُ بنينَ وثلاثُ بناتٍ في لحظةٍ واحدةٍ ماتوا.. كانوا أملاً.. بماذا يُسلِّي الإنسانُ نفسَه ؟.!
نَظَر أيوبُ إلى السماءِ الزاخرةِبالنجوم:
ـ يا الله... أعرِفُ أنكَ مصدرٌ للخيرِ، كلِّ الخير..
إلهي وربّي،امنَحْني الصَّبر.
الشيطانُ فَرَّ بعيداً.. لا شيءَ يُرهِبُ الشيطانَ أكثرَ مِنذِكرِ الله.. لا شيءَ يُخيفُ الشيطانَ أكثرَ مِن اسمِ الله.
فإذا قال الإنسان: أعوذُ باللهِ من الشيطان.. فإنّ الله يَحفَظُه ويَحميهِ ويَجعَلُ قَلبَهُ طاهراً.. اللهُ سبحانه يُحِبُّ عِبادَهُ ويُريدُ لهم الخير..
من أجلِ هذا كان سيّدنُاأيوبُ لا يزدادُ على البلاءِ إلاّ صبراً. يَعرفُ أن الله هو مصدرُ الخيرِ ويُريد لهالخير.. أمّا الشرُّ فمِن الشيطانِ الذي يُريدُ للإنسانِ أن يَكفُر.
أهل حُوران
الشيطانُ لميَكُفَّ عن وَسوَسَتهِ، إنّه يريدُ أن يَقهَرَ أيّوبَ.
ذهبَ الشيطانُ إلى أهلالقريةِ وقال لهم: إنّ الله قد غَضِبَ على أيوب.. فصَبَّ عليه البلاء.. لقد أذنَبَأيّوبُ ذنباً كبيراً فحَلَّت بهِ اللعنة.. إنّ في بقائه خَطَراً عليكم.. ربّماتَشمَلُكُم اللعنة.. مِن الأفضلِ أن تُخرِجوه مِن قريَتِكم.
أهالي حُورانَأصْغَوا لوسوسةِ الشيطانِ، وجاءوا إلى منزلِ أيّوب.. لم يكن في منزلهِ أحدٌ سوىزوجتهِ رحمة..
قالَ رجلٌ منهم:
ـ نحنُ نَظُنُّ أن اللعنةَ قد حَلَّت بك،ونخافُ أن تَعُمَّ القريةَ كلَّها.. فاخرُجْ من قَريتِنا واذهْبْ بعيداً عنّا، نحنلا نُريدكَ أن تَبقى بيننا.
غَضِبَت رحمةٌ من هذا الكلام، قالت:
ـ نحنُ نعيشُفي مَنزلنا ولا يَحِقُّ لكم أن تُؤذوا نبيَّ الله..
أهالي القرية قالوابِوَقاحَة:
ـ إذا لم تَخْرُجا فسنُخرِجُكما بالقوّة.. لقد حَلّت بكما اللعنةُوستعمُّ القريةَ كلَّها بسببكما..
قال لهم أيوبُ بإشفاق!
ـ يا أبنائي، ما هذاالذي تَقولونه ؟! إنّ ما حَدَث لي هو امتحانٌ إلهي... الله سبحانه قد امتَحَنَالأنبياء قبلي.. خافُوا الله يا أهلَ حُوران، ولا تُؤذوا نبيّكم.
قال رجلٌأحمَق:
ـ ولكنّك عَصَيتَ الله، وهو الذي غَضِبَ عليك.
قالت رحمة:
ـ أنتمتَظلِمونَ نبيَّكم.. هل نَسِيتُم إحسانَهُ إليكُم ؟! هل نَسِيتُم يا أهلَ حُورانَالكِساءَ والطعامَ الذي كانَ يأتيكم من منزلِ أيوب ؟!
نظر أيوبُ إلى السماءوقالَ بحزن:
ـ يا إلهي، إذا كانت هذه مَشيئتُك فسَأخرُجُ من القرية، وأسكُنُ فيالصحراء.. يا الله سامِحْ هؤلاءِ على جَهلِهم.. لو كانوا يَعرفونَ الحقَّ مافَعَلوا ذلك بنبيّهم.
في العَراء
هكذا وَصَلتمِحنةُ سيّدِنا أيوبَ؛ أن جاء أهلُ حُورانَ وأخرَجوه من منزلهِ.
كانوا يَظنّونأنّ اللعنَة قد حَلّت به، فخافوا أن تَشمَلَهُم أيضاً..
نَسُوا كل إحسانِ أيوبَوطيبتهِ ورحمتهِ بالفقراءِ والمساكين!
لقد سَوَّلَ الشيطانُ لهم ذلك فاتَّبعوهوتَركوا أيّوبَ يُعاني آلامَ الوحدةِ والضعفِ.. لم يَبقَ معه سوى « رحمة » زوجتهِالوفيّة.. وحدَها كانت تُؤمن بأن أيوبَ في محنةٍ تُشبهِ محنةَ الأنبياءِ، وعليها أنتَقِفَ إلى جانبهِ ولا تَترُكَه وحيداً.
كان على رحمة أن تَعملَ في بيوتِحُوران، تَخدِمُ وتَكْدَحُ في المَنازِل لقاءَ لُقمةِ خُبزٍ لها ولزوجها..
وفيكلِّ مرّةٍ كانت تعودُ إلى أيوّبَ وهي قَلِقَةٌ عليه، فالصحراءُ لا تَخلو منالذئابِ والضِّباع، وأيّوب لا يَقْوى على النهوضِ والدفاعِ عن نفسهِ.
كان أيوبُصابراً يَتحمّلُ الألمَ بإيمانه العميقِ بالله، وكانت رحمةٌ تَستمدُّ صبرَها منصبرِ زوجها وتَحَمُّلِه.. وفي تلك المدّةِ صَنَعَت رحمة لزوجِها عَريشاً يُظِلُّهمن الشمسِ ويَحميهِ من المطرِ. وهكذا تمرّ الأيام وفي كلِّ يومٍ كانت مِحنةُ أيوبَتزداد.
وكانت رحمة تَشْقى في منازلِ حُوران.
يتبع....
رحيق القلوب
2009-12-26, 18:08
الجوع
ذات يومٍ بَحَثت رحمة عمّن يَستَخدِمُها في العمل، ولكنْ لا أحَد! كلُّ أهلِ حُورانَ أغلَقوا الأبوابَ في وجهِها.. ومع ذلك فرحمةٌ لم تَمُدَّ يدها إلى أحدٍ ولم تَسْتَجدِ أحداً.
كان أيّوبُ يَنتظرُ عودةَ زوجتهِ؛ لقد تأخَّرت هذه المرّة.
زوجتُه بَحثَت عن عملٍ في منازلِ حُورانَ، فوَجَدت الأبوابَ دونها مُوصَدَة... لهذا اضطُرّت أن تَقصَّ ضَفيرتَيها لِتبيعَهُما مُقابِلَ رَغيفَينِ من الخُبز.
عادَت رحمةٌ إلى زوجِها وقَدَّمت له رغيفَ الخبز. عندما رأى أيوبُ ما فعَلَت زوجتُه بنفسِها شَعَرَ بالغضب.
حَلَف أيوبُ أن يَضرِبَها إذا قَوِيَ على ذلك، لم يَأكُل رغيفَه، كانَ غاضباً مِن تَصَرُّفِ رحمة، ما كانَ يَنبغي لها أن تَفعلَ ذلك.
بَكَت رحمةٌ كثيراً، لم تَعُد تَتَحمّلُ هذا العذابَ والألم.. لم تَعُد تَتَحمّلُ الحياةَ القاسيةَ وشَماتَةَ الناس.. ومع ذلك فكلّما كانَ الشيطانُ يُوسوسُ في قلبِها أن تَترُكَ زوجَها، كانت تَستعَيذُ باللهِ، لهذا ظَلَّت وفيّةً لزوجِها تَرعاهُ وتَسهَرْ على راحتِه.
إنّ سيدَنا أيوبَ يُحبُّ زوجَته كثيراً؛ لأنها امرأةٌ مؤمنةٌ صابرةٌ راضيةٌ بقضاء الله.
من أجلِ ذلك قالت له زوجته:
ـ أنتَ نبيُّ اللهِ.. أُدْعُ اللهَ لِيُنقِذَكَ من هذه المِحنة!
قال أيوب:
ـ لقد عِشتُ سنواتٍ طويلةً في رَفاهٍ من العَيش، بَنونَ وأموالٌ ومَزارعُ وحُقول.. أفَلا أصِبرُ على حياةِ الفقرِ بقدرِ ذلك.
قالت رحمةٌ وهي تبكي:
ـ أكثَرُ ما يُحزِنُني شَماتَةُ الأعداء..
ـ اللهُ سبحانه يُراقِبُ حالَنا وهو أرحمُ الراحمين.
ـ ليسَ لدينا ما نأكُلُ هذا اليوم.. سأذهَبُ إلى أهلِ حُورانَ فلعلّ أحدَهُم يتذكّرُ إحسانَنا إليه.. مَن يدري فلعلّ قلبَ أحدِهم يَخفِقُ لِحُبِّ الخير.
ربيع الحياة
ذَهَبت رحمة إلى القريةِ لتحصَلَ على كِسرةِ خبزٍ لزوجها.. وظَلّ أيوبُ وحيداً تحتَ أشعّةِ الشمس..
كانَ يَعبدُ اللهَ ويَشكُرهُ. لم يَجْزَعْ أبداً ولم يَفقِدْ إيمانَه بالله.. إنّ الله مصدرُ الخيرِ والرحمةِ والبركة، وهو وحده القادرُ على كل شيء.
في الأثناءِ مَرّ رجُلانِ من أهل حُورانَ. تَوقَّفا عند أيّوبَ ونظرا إليه. قال أحدهما:
ـ ماذا أذنَبتَ لكي يَفَعلَ اللهُ بك هذا ؟!
وقال الآخر:
ـ إنكَ فَعَلت شيئاً كبيراً تَستُرهُ عنّا، فعاقَبَك اللهُ عليه.
تألمّ سيدُنا أيّوبُ. إنّ البعض يَتّهمُه بما هو بريء منه. قال أيوبُ بحزن:
ـ وعِزّةِ ربّي إنّه لَيَعلَمُ أنّي ما أكَلتُ طعاماً إلاّ ويتيمٌ أو ضعيفٌ يأكُلُ معي.
ونظر إلى السماء وقال:
إلهي أنا راضٍ بقضائك... بِيدِكَ الخيرُ إنّك على كلِّ شيء قدير، إلهي بيدِك شفائي.. بيدكَ مَرَضي.. أنتَ وحدَك تَستطيعُ أن تُعيدَ إليّ سلامتي.. ويا الهي! إنّي مَسَّنيَ الشيطانُ بِنُصْبٍ وعَذاب.
تَعجَّبَ الرجلانِ من صبرِ أيّوب، وانصَرَفا عنه في طريقهِما وهما يفكّرانِ في كلماتِ أيّوب!
فجأةً أضاءَ المكانُ بنورٍ شفّافٍ جميل، وامتلأ الفضاءُ برائحةٍ طيبّة، ورأى أيّوبُ مَلاكاً يَهبِطُ من السماءِ ويقول له:
السلامُ على أيّوبَ أعزّ عبادِ الله.. نِعْمَ العبدَ أنتَ يا أيّوب، إنّ الله يُقرئك السلامَ ويقول: لقد أُجِيبَت دَعوتُك، وأنّ الله يُعطيكَ أجرَ الصابرين. إضرِبْ برِجْلكَ الأرضَ يا أيّوب! واغسِلْ في النَّبعِ المقدّس.
غابَ المَلاك، وشَعَرَ أيوبُ بالنور يُضيء في قلبهِ، فضَرَب بقدمهِ الأرض، فجأة انبثَقَ نبعٌ باردٌ عَذبُ المَذاق.. ارتَوى أيّوبُ من الماءِ الطاهر، وتَدفَّقت دماءُ العافية في وجهه، وغادَره الضعفُ تماماً.
عاودته العافية و القوّة، فاذا هو إنسان جديد أقوى ممّا كان عليه قبل أيامَ المحنةِ والمرض.
خَلَعَ أيوبُ ثَوَب المرضِ والضَّعف وارتَدى ثياباً بيضاءَ ناصعةً مُضَمَّخةً برائحةِ الفِردوس.
وشيئاً فشيئاً ازدَهَرتِ الأرضُ مِن حولِ أيوبَ وأعْشَبَت.
عادَت رحمة تَبحَثُ عن زوجِها، فلم تَجِدْه، ووَجَدَت رجلاً يَفيضُ وجهُه نعمةً وصِحّةً وعافية. فقالت له باستعطاف:
ـ ألم تَرَ أيوب.. أيوبَ نبيَّ الله ؟!
ـ أنا أيوبُ يا رحمة!
ـ أنت ؟! إن زوجي رجلٌ عجوزٌ وضعيف.. ومريض أيضاً!
ـ المَرَضُ من الله، والصِّحَّةُ والسلامةُ منه أيضاً.. وهو سبحانه بيده كلُّ شيء.
ـ أنتَ أيوبُ حقاً ؟!
ـ نعم يا رحمة، لقد شاءَ اللهُ أن يَمُنَّ علَيَّ بالصحةِ والعافية، وأن تَنتهي مِحنتُنا. هيّا يا رحمة! اغتَسِلي في النَّبع، إنّ الله يُكافئك على صبرِك ووفائكِ وسيُعيدُ إليكِ شَبابَكِ.
اغتَسَلت رحمةُ في مياه النَّبعِ، وخَلَعَت ثوبَ الفقرِ والحاجةِ، وألبَسَها اللهُ ثوبَ الشبابِ والعافية.
كانت مياهُ النَّبع تتدفّق وتَسقي الحقولَ المُحترقةَ المليئة بالرمادِ، فتعيد إليها الخُضرةَ والبَهجةَ. وراحت المياهُ الطاهرةُ المقدّسةُ تَجري في الأرض فترَوي قبورَ أولادِ أيوبَ الذين ماتوا قبلَ سنينَ طويلة.
وانبَعَث أبناءُ أيّوبَ ليعودوا إلى أبوَيهم.. عادَ كلُّ شيءٍ كما كان عليه قبل سَبعِ سنوات يومَ كانَ أيّوبُ صَحيحاً مُعافى.
لقد أرادَ الله امتحانَ أيوبَ لِيَعبدَهُ عبادةَ الصبرِ، كما عَبَدهُ عبادةَ الشُّكر من قبل..
اللهُ سبحانه أرادَ للناسِ أن يَعرفوا أنْ المَرَضَ والصحةَ مِن اللهِ، وأن الفقرَ والثَّراءَ من الله..
الله أرادَ للناس أن لا يَطرُدوا الفقيرَ لفقرِه، ولا الضعيفَ لمرِضه أو شيخوختِه.
وهكذا أصبَحَت قصّةُ سيدِنا أيوبَ آيةً للناس وعِبرة، ودليلاً على أن الله هو القادرُ على كلّ شيء، هو الذي سَلَبَ أيوبَ نِعمَتَهُ وكلَّ ما يَملكهُ حتّى سلامَته، وهو الذي أعادَ إليه جميعَ أُسرتهِ بل وباركَ فيها، فنَمَت حُقولُه وتَكاثرت ماشيتُه وعادَ إليه شبابُه وصحتُه ورزقَه الله بَنيَن وحَفَدَة، وآمنَ الناسُ باللهِ الواحدِ الأحد وآمَنوا بنبوّةِ سيدِنا أيوبَ ورسالِته.
بسم الله الرحمن الرحيم
وأيّوبَ إذْ نادى ربَّه أنّي مَسّنيَ الضُّرُّ وأنتَ أرحمُ الرّاحمين * فآستَجَبْنا له فكَشَفْنا ما بهِ مِن ضُرٍّ وآتيناه أهلَه ومِثْلَهم مَعَهم رحمةً مِن عندنا وذكرى للعابِدين (1).
بسم الله الرحمن الرحيم
وآذكُرْ عبدَنا أيّوبَ إذْ نادى ربَّه أنّي مَسّنيَ الشيطانُ بنُصْبٍ وعذاب * اركُضْ برِجْلِكَ هذا مُغتَسَلٌ باردٌ وشراب * ووَهَبْنا له أهلَه ومِثْلَهم مَعَهم رحمةً مِنّا وذكرى لأُولي الألباب * وخُذْ بيدِك ضِغْثاً فآضرِبْ به ولا تَحْنثْ إنّا وَجَدْناه صابراً نِعْمَ العبدُ إنّه أوّاب (2).
http://www.m7shsh.com/vb/14.gif
قصة سيدنا هارون عليه السلام
نبذة:
أخو موسى ورفيقه في دعوة فرعون إلى الإيمان بالله لأنه كان فصيحا ومتحدثا، استخلفه موسى على قومه عندما ذهب للقاء الله فوق جبل الطور، ولكن حدثت فتنة السامري الذي حول بني إسرائيل إلى عبادة عجل من الذهب له خوار ، فدعاهم هارون إلى الرجوع لعبادة الله بدلا من العجل ولكنهم استكبروا فلما رجع موسى ووجد ما آل إليه قومه عاتب هارون عتابا شديدا.
سيرته:
لا يذكر الكثير عن سيرة هارون عليه السلام. إلا أن المعلوم هو أن الله أيد موسى (http://alnoor-world.com/prophets/moosa.asp) بأخيه هارون في دعوته فلقد كان هارون عليه السلام أفصح لسانا. وورد موقف موسى (http://alnoor-world.com/prophets/moosa.asp) عليه السلام من أخيه حين استخلفه على بني إسرائيل وذهب للقاء ربه، فعبدت بنو إسرائيل العجل الذي صنعه السامري. القصة مذكورة بتفاصيلها في قصة موسى (http://alnoor-world.com/prophets/moosa.asp) عليه السلام.
http://www.m7shsh.com/vb/14.gif
قصة سيدنا اليسع عليه السلام
سيرته:
من أنبياء الله تعالى، الذين يذكر الحق أسمائهم ويثني عليهم، ولا يحكي قصصهم.. نبي الله تعالى اليسع.
قال تعالى في سورة (ص): وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الْأَخْيَارِ
وقال جل جلاله في سورة (الأنعام) : وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ
جاء في تاريخ الطبري حول ذكر نسبة أنه اليسع بن أخطوب ويقال أنه ابن عم إلياس (http://alnoor-world.com/prophets/elias.asp) النبي عليهما السلام ، وذكر الحافظ ابن عساكر نسبة على الوجه الآتي: اسمه أسباط بن عدي بن شوتلم بن أفرائيم بن يوسف (http://alnoor-world.com/prophets/yousuf1.asp) الصديق عليه السلام وهو من أنبياء بني إسرائيل، وقد أوجز القرآن الكريم عن حياته فلم يذكر عنها شيئاً وإنما اكتفى بعده في مجموعة الرسل الكرام الذي يجب الإيمان بهم تفصيلاً.
قام بتبليغ الدعوة بعد انتقال إلياس (http://alnoor-world.com/prophets/elias.asp) إلى جوار الله فقام يدعو إلى الله مستمسكاً بمنهاج نبي الله إلياس (http://alnoor-world.com/prophets/elias.asp) وشريعته وقد كثرت في زمانه الأحداث والخطايا وكثر الملوك الجبابرة فقتلوا الأنبياء وشردوا المؤمنين فوعظهم اليسع وخوفهم من عذاب الله ولكنهم لم يأبهوا بدعوته ثم توفاه الله وسلط على بني إسرائيل من يسومهم سوء العذاب كما قص علينا القرآن الكريم. ويذكر بعض المؤرخين أن دعوته في مدينة تسعى بانياس إحدى مدن الشام، ولا تزال حتى الآن موجودة وهي قريبة من بلدة اللاذقية والله أعلم.
http://www.m7shsh.com/vb/14.gif
قصة سيدنا داود عليه السلام
نبذة:
آتاه الله العلم والحكمة وسخر له الجبال والطير يسبحن معه وألان له الحديد، كان عبدا خالصا لله شكورا يصوم يوما ويفطر يوما يقوم نصف الليل وينام ثلثه ويقوم سدسه وأنزل الله عليه الزبور وقد أوتي ملكا عظيما وأمره الله أن يحكم بالعدل.
سيرته:
حال بنو إسرائيل قبل داود:
قبل البدء بقصة داود عليه السلام، لنرى الأوضاع التي عاشها بنو إسرائل في تلك الفترة.
لقد انفصل الحكم عن الدين..فآخر نبي ملك كان يوشع بن نون (http://alnoor-world.com/prophets/yousha3.asp).. أما من بعده فكانت الملوك تسوس بني إسرائيل وكانت الأنبياء تهديهم. وزاد طغيان بني إسرائيل، فكانوا يقتلون الأنبياء، نبيا تلو نبي، فسلط الله عليهم ملوكا منهم ظلمة جبارين، ألوهم وطغوا عليهم.
وتتالت الهزائم على بني إسرائيل، حتى انهم أضاعوا التابوت. وكان في التابوت بقية مما ترك آل موسى (http://alnoor-world.com/prophets/moosa.asp) وهارون (http://alnoor-world.com/prophets/haroon.asp)، فقيل أن فيها بقية من الألواح التي أنزلها الله على موسى (http://alnoor-world.com/prophets/moosa.asp)، وعصاه، وأمورا آخرى. كان بنو إسرائيل يأخذون التابوت معهم في معاركهم لتحل عليهم السكينة ويحققوا النصر. فتشروا وساءت حالهم.
في هذه الظروف الصعبة، كانت هنالك امرأة حامل تدعو الله كثيرا أن يرزقها ولدا ذكرا. فولدت غلاما فسمته أشموئيل.. ومعناه بالعبرانية إسماعيل.. أي سمع الله دعائي.. فلما ترعرع بعثته إلى المسجد وأسلمته لرجل صالح ليتعلم منه الخير والعبادة. فكان عنده، فلما بلغ أشده، بينما هو ذات ليلة نائم: إذا صوت يأتيه من ناحية المسجد فانتبه مذعورا ظانا أن الشيخ يدعوه. فهرع أشموئيل إلى يسأله: أدعوتني..؟ فكره الشيخ أن يفزعه فقال: نعم.. نم.. فنام..
ثم ناداه الصوت مرة ثانية.. وثالثة. وانتبه إلى جبريل عليه السلام يدعوه: إن ربك بعثك إلى قومك.
اختيار طالوت ملكا:
ذهب بنو إسرائيل لنبيهم يوما.. سألوه: ألسنا مظلومين؟
قال: بلى..
قالوا: ألسنا مشردين؟
قال: بلى..
قالوا: ابعث لنا ملكا يجمعنا تحت رايته كي نقاتل في سبيل الله ونستعيد أرضنا ومجدنا.
قال نبيهم وكان أعلم بهم: هل أنتم واثقون من القتال لو كتب عليكم القتال؟
قالوا: ولماذا لا نقاتل في سبيل الله، وقد طردنا من ديارنا، وتشرد أبناؤنا، وساء حالنا؟
قال نبيهم: إن الله اختار لكم طالوت ملكا عليكم.
قالوا: كيف يكون ملكا علينا وهو ليس من أبناء الأسرة التي يخرج منها الملوك -أبناء يهوذا- كما أنه ليس غنيا وفينا من هو أغنى منه؟
قال نبيهم: إن الله اختاره، وفضله عليكم بعلمه وقوة جسمه.
قالوا: ما هي آية ملكه؟
قال لهم نبيهم: يسرجع لكم التابوت تجمله الملائكة.
ووقعت هذه المعجزة.. وعادت إليهم التوراة يوما.. ثم تجهز جيش طالوت، وسار الجيش طويلا حتى أحس الجنود بالعطش.. قال الملك طالوت لجنوده: سنصادف نهرا في الطريق، فمن شرب منه فليخرج من الجيش، ومن لم يذقه وإنما بل ريقه فقط فليبق معي في الجيش..
وجاء النهر فشرب معظم الجنود، وخرجوا من الجيش، وكان طالوت قد أعد هذا الامتحان ليعرف من يطيعه من الجنود ومن يعصاه، وليعرف أيهم قوي الإرادة ويتحمل العطش، وأيهم ضعيف الإرادة ويستسلم بسرعة. لم يبق إلا ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا، لكن جميعهم من الشجعان.
كان عدد أفراد جيش طالوت قليلا، وكان جيش العدو كبيرا وقويا.. فشعر بعض -هؤلاء الصفوة- أنهم أضعف من جالوت وجيشه وقالوا: كيف نهزم هذا الجيش الجبار..؟!
قال المؤمنون من جيش طالوت: النصر ليس بالعدة والعتاد، إنما النصر من عند الله.. (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ).. فثبّتوهم.
وبرز جالوت في دروعه الحديدية وسلاحه، وهو يطلب أحدا يبارزه.. وخاف منه جنود طالوت جميعا.. وهنا برز من جيش طالوت راعي غنم صغير هو داود.. كان داود مؤمنا بالله، وكان يعلم أن الإيمان بالله هو القوة الحقيقية في هذا الكون، وأن العبرة ليست بكثرة السلاح، ولا ضخامة الجسم ومظهر الباطل.
وكان الملك، قد قال: من يقتل جالوت يصير قائدا على الجيش ويتزوج ابنتي.. ولم يكن داود يهتم كثيرا لهذا الإغراء.. كان يريد أن يقتل جالوت لأن جالوت رجل جبار وظالم ولا يؤمن بالله.. وسمح الملك لداود أن يبارز جالوت..
وتقدم داود بعصاه وخمسة أحجار ومقلاعه (وهو نبلة يستخدمها الرعاة).. تقدم جالوت المدجج بالسلاح والدروع.. وسخر جالوت من داود وأهانه وضحك منه، ووضع داود حجرا قويا في مقلاعه وطوح به في الهواء وأطلق الحجر. فأصاب جالوت فقتله. وبدأت المعركة وانتصر جيش طالوت على جيش جالوت.
جمع الله الملك والنبوة لداود:
بعد فترة أصبح داود -عليه السلم- ملكا لبني إسرائيل، فجمع الله على يديه النبوة والملك مرة أخرى.
وتأتي بعض الروايات لتخبرنا بأن طالوت بعد أن اشتهر نجم داوود أكلت الغيرة قلبه، وحاول قتله، وتستمر الروايات في نسج مثل هذه الأمور. لكننا لا نود الخوض فيها فليس لدينا دليل قوي عليها. ما يهمنا هو انتقال الملك بعد فترة من الزمن إلى داود.
لقد أكرم الله نبيه الكريم بعدة معجزات. لقد أنزل عليه الزبور (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)، وآتاه جمال الصوت، فكان عندما يسبّح، تسبح الجبال والطيور معه، والناس ينظرون. وألان الله في يديه الحديد، حتى قيل أنه كان يتعامل مع الحديد كما كان الناس يتعاملون مع الطين والشمع، وقد تكون هذه الإلانة بمعنى أنه أول من عرف أن الحديد ينصهر بالحرارة. فكان يصنع منه الدروع.
كانت الدروع الحديدية التي يصنعها صناع الدروع ثقيلة ولا تجعل المحارب حرا يستطيع أن يتحرك كما يشاء أو يقاتل كما يريد. فقام داوود بصناعة نوعية جديدة من الدروع. درع يتكون من حلقات حديدية تسمح للمحارب بحرية الحركة، وتحمي جسده من السيوف والفئوس والخناجر.. أفضل من الدروع الموجودة أيامها..
وشد الله ملك داود، جعله الله منصورا على أعدائه دائما.. وجعل ملكه قويا عظيما يخيف الأعداء حتى بغير حرب، وزاد الله من نعمه على داود فأعطاه الحكمة وفصل الخطاب، أعطاه الله مع النبوة والملك حكمة وقدرة على تمييز الحق من الباطل ومعرفة الحق ومساندته.. فأصبح نبيا ملكا قاضيا.
القضايا التي عرضت على داود:
يروي لنا القرآن الكريم بعضا من القضايا التي وردت على داود -عليه السلام.
فلقد جلس داود كعادته يوما يحكم بين الناس في مشكلاتهم.. وجاءه رجل صاحب حقل ومعه رجل آخر..
وقال له صاحب الحقل: سيدي النبي.. إن غنم هذا الرجل نزلت حقلي أثناء الليل، وأكلت كل عناقيد العنب التي كانت فيه.. وقد جئت إليك لتحكم لي بالتعويض..
قال داود لصاحب الغنم: هل صحيح أن غنمك أكلت حقل هذا الرجل؟
قال صاحب الغنم: نعم يا سيدي..
قال داود: لقد حكمت بأن تعطيه غنمك بدلا من الحقل الذي أكلته.
قال سليمان (http://alnoor-world.com/prophets/soliman.asp).. وكان الله قد علمه حكمة تضاف إلى ما ورث من والده: عندي حكم آخر يا أبي..
قال داود: قله يا سليمان (http://alnoor-world.com/prophets/soliman.asp)..
قال سليمان (http://alnoor-world.com/prophets/soliman.asp): أحكم بأن يأخذ صاحب الغنم حقل هذا الرجل الذي أكلته الغنم.. ويصلحه له ويزرعه حتى تنمو أشجار العنب، وأحكم لصاحب الحقل أن يأخذ الغنم ليستفيد من صوفها ولبنها ويأكل منه، فإذا كبرت عناقيد الغنم وعاد الحقل سليما كما كان أخذ صاحب الحقل حقله وأعطى صاحب الغنم غنمه..
قال داود: هذا حكم عظيم يا سليمان (http://alnoor-world.com/prophets/soliman.asp).. الحمد لله الذي وهبك الحكمة..
وقد ورد في الصحيح قصة أخرى: حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنِى شَبَابَةُ حَدَّثَنِى وَرْقَاءُ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا . فَقَالَتْ هَذِهِ لِصَاحِبَتِهَا إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ أَنْتِ . وَقَالَتِ الأُخْرَى إِنَّما ذَهَبَ بِابْنِكِ . فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ ائْتُونِى بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا . فَقَالَتِ الصُّغْرَى لاَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا . فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى ». قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاللَّهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ قَطُّ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ مَا كُنَّا نَقُولُ إِلاَّ الْمُدْيَةَ.
فتنة داود:
وكان داود رغم قربه من الله وحب الله له، يتعلم دائما من الله، وقد علمه الله يوما ألا يحكم أبدا إلا إذا استمع لأقوال الطرفين المتخاصمين.. فيذكر لنا المولى في كتابه الكريم قضية أخرى عرضت على داود عليه السلام.
جلس داود يوما في محرابه الذي يصلي لله ويتعبد فيه، وكان إذا دخل حجرته أمر حراسه ألا يسمحوا لأحد بالدخول عليه أو إزعاجه وهو يصلي.. ثم فوجئ يوما في محرابه بأنه أمام اثنين من الرجال.. وخاف منهما داود لأنهما دخلا رغم أنه أمر ألا يدخل عليه أحد. سألهما داود: من أنتما؟
قال أحد الرجلين: لا تخف يا سيدي.. بيني وبين هذا الرجل خصومة وقد جئناك لتحكم بيننا بالحق.
سأل داود: ما هي القضية؟ قال الرجل الأول: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ). وقد أخذها مني. قال أعطها لي وأخذها مني..
وقال داود بغير أن يسمع رأي الطرف الآخر وحجته: (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ).. وإن كثيرا من الشركاء يظلم بعضهم بعضا إلا الذين آمنوا..
وفوجئ داود باختفاء الرجلين من أمامه.. اختفى الرجلان كما لو كانا سحابة تبخرت في الجو وأدرك داود أن الرجلين ملكان أرسلهما الله إليه ليعلماه درسا.. فلا يحكم بين المتخاصمين من الناس إلا إذا سمع أقوالهم جميعا، فربما كان صاحب التسع والتسعين نعجة معه الحق.. وخر داود راكعا، وسجد لله، واستغفر ربه..
نسجت أساطير اليهود قصصا مريبة حول فتنة داود عليه السلام، وقيل أنه اشتهى امرأة أحد قواد جيشه فأرسله في معركة يعرف من البداية نهايتها، واستولى على امرأته.. وليس أبعد عن تصرفات داود من هذه القصة المختلقة.. إن إنسانا يتصل قلبه بالله، ويتصل تسبيحه بتسبيح الكائنات والجمادات، يستحيل عليه أن يرى أو يلاحظ جمالا بشريا محصورا في وجه امرأة أو جسدها..
وفاته عليه السلام:
عاد داود يعبد الله ويسبحه حتى مات… كان داود يصوم يوما ويفطر يوما.. قال رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عن داود: "أفضل الصيام صيام داود. كان يصوم يوما ويفطر يوما. وكان يقرأ الزبور بسبعين صوتا، وكانت له ركعة من الليل يبكي فيها نفسه ويبكي ببكائه كل شيء ويشفي بصوته المهموم والمحموم"..
جاء في الحديث الصحيح أن داود عليه السلام كان شديد الغيرة على نساءه، فكانت نساءه في قصر، وحول القصر أسوار، حتى لا يقترب أحد من نساءه. وفي أحد الأيام رأى النسوة رجلا في صحن القصر، فقالوا: من هذا والله لن رآه داود ليبطشنّ به. فبلغ الخبر داود -عليه السلام- فقال للرجل: من أنت؟ وكيف دخلت؟ قال: أنا من لا يقف أمامه حاجز. قال: أنت ملك الموت. فأذن له فأخذ ملك الموت روحه.
مات داود عليه السلام وعمره مئة سنة. وشيع جنازته عشرات الآلاف، فكان محبوبا جدا بين الناس، حتى قيل لم يمت في بني إسرائيل بعد موسى (http://alnoor-world.com/prophets/moosa.asp) وهارون (http://alnoor-world.com/prophets/haroon.asp) أحد كان بنو إسرائيل أشد جزعا عليه.. منهم على داود.. وآذت الشمس الناس فدعا سليمان (http://alnoor-world.com/prophets/soliman.asp) الطير قال: أظلي على داود. فأظلته حتى أظلمت عليه الأرض. وسكنت الريح. وقال سليمان (http://alnoor-world.com/prophets/soliman.asp) للطير: أظلي الناس من ناحية الشمس وتنحي من ناحية الريح. وأطاعت الطير. فكان ذلك أول ما رآه الناس من ملك سليمان (http://alnoor-world.com/prophets/soliman.asp).
****
والله أعلم
ابواحمد123
2009-12-27, 08:08
http://www.ashefaa.com/up//uploads/images/ashefaa-b287e001f6.jpg
http://img26.imageshack.us/img26/6484/e69nh9kp0.gif
رحيق القلوب
2009-12-27, 14:06
شيث عليه السلام
نبذة:
لما مات آدم عليه السلام قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث عليه السلام وكان نبياً.
المسيرة
سيرته:
لما مات آدم عليه السلام قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث عليه السلام وكان نبياً. ومعنى شيث: هبة الله، وسمياه بذلك لأنهما رزقاه بعد أن قُتِلَ هابيل. فلما حانت وفاته أوصى إلى أبنه أنوش فقام بالأمر بعده، ثم بعده ولده قينن ثم من بعده ابنه مهلاييل - وهو الذي يزعم الأعاجم من الفرس أنه ملك الأقاليم السبعة، وأنه أول من قطع الأشجار، وبنى المدائن والحصون الكبار، وأنه هو الذي بنى مدينة بابل ومدينة السوس الأقصى وأنه قهر إبليس وجنوده وشردهم عن الأرض إلى أطرافها وشعاب جبالها وأنه قتل خلقاً من مردة الجن والغيلان، وكان له تاج عظيم، وكان يخطب الناس ودامت دولته أربعين سنة.
فلما مات قام بالأمر بعده ولده يرد فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ولده خنوخ، وهو إدريس عليه السلام على المشهور
رحيق القلوب
2009-12-27, 14:20
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
"سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم"
هو خاتم رسل الله وأنبيائه، وقد أرسله الله إلى الناس كافةً، برسالةٍ عامةٍ شاملةٍ.
قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 40].
وقال تعالى خطاباً لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28].
* نسبه الشريف صلى الله عليه وسلم:
هو سيدنا محمد، واسمه في الإِنجيل أحمد.
1- ابن عبد الله، وهو أصغر أولاد عبد المطلب العشرة.
2- ابن عبد المطَّلب - واسمه شيبة الحمد لأنه ولد وله شيبة - وإنما قيل له: عبد المطلب، لأن عمه المطَّلب أردفه خلفه وكان بهيئة رثة لفقره، فقيل له: من هذا؟ فقال: عبدي، حياء ممن سأله!!
3- ابن هاشم - واسمه عمرو - وسمي هاشماً: لأنه خرج إلى الشام في مجاعة شديدة أصابت قريشاً، فاشترى دقيقاً وكعكاً، وقدم به مكة في الموسم، فهشم الخبز والكعك، ونحر جُزُراً وجعل ذلك ثريداً، وأطعم الناس حتى أشبعهم.
4- ابن عبد مناف - واسمه المغيرة - وكان يقال له: قمر البطحاء لحسنه وجماله، ومناف: اسم صنم.
5- ابن قصيّ - واسمه زيد - ولقب بقصي: لأنه أُبعد عن أهله ووطنه مع أمه بعد وفاة أبيه. ويقال له: مُجمّع لأن الله جمع به القبائل من قريش في مكة بعد تفرقها.
6- ابن كلاب - واسمه حكيم، وقيل: عروة - ولُقِّب بكلاب: لأنه كان يكثر الصيد بالكلاب.
7- ابن مُرّة وهو الجد السادس لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
8- ابن كعب وقد كان يجمع قومه يوم العروبة - أي: يوم الرحمة، وهو يوم الجمعة - فيعظهم ويذكرهم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وينبئهم بأنه من ولده، ويأمرهم باتباعه.
9- ابن لؤي ولؤي تصغير لأي، وهو الثور الوحشي.
10- ابن غالب.
11- ابن فهر وكان كريماً يفتش عن ذوي الحاجات فيحسن إليهم، وفهر: اسم للحجر على مقدار ملء الكف.
12- ابن مالك.
13- ابن النَّضْر وهو قريش فمن كان من ولده فهو قرشي، ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي. والنضر في اللغة: الذهب الأحمر. وقيل: قريش هو فهر بن مالك.
14- ابن كنانة.
15- ابن خزيمة.
16- ابن مُدرِكة.
17- ابن إلياس وكان في العرب مثل لقمان الحكيم في قومه.
18- ابن مُضَر وكان جميلاً لم يره أحد إلاَّ أحبه، وله حِكَمٌ مأثورةٌ. والمضر في اللغة: الأبيض. ومضر من ولد إسماعيل باتفاق جميع أهل النسب.
19- ابن نِزار وكان أجمل أهل زمانه، وأرجحهم عقلاً. ونزار في اللغة مأخوذة من النزارة، وهي القلة.
20- ابن مَعَدّ وقد كان صاحب حروب وغارات، ولم يحارب أحداً إلاَّ رجع بالنصر. ومعدُّ: مأخوذ من تمعدد، إذا اشتد وقوي.
21- ابن عدنان.
وعند عدنان يقف ما صحَّ من سلسلة نسب الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغ نسبه الكريم إلى عدنان قال: من ههنا كذب النسّابون.
وكل هؤلاء الجدود سادة في قومهم، قادةً أطهاراً، ونسب الرسول صلى الله عليه وسلم أشرف الأنساب.
ولا يختلف النسّابون في نسب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى عدنان، وإنما اختلفوا من عدنان إلى إسماعيل، ومن المجمع عليه - الحقّ الذي لا ريب فيه -: أن نسبه عليه الصلاة والسلام ينتهي إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
وأمه صلى لله عليه وسلم: هي آمنة بنت وهبٍ بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة.. وهكذا حتى آخر سلسلة نسب الرسول صلوات الله عليه، فتجتمع هي وزوجها عبد الله في كلاب.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم خيار من خيار من خيار.
فعن العباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم، من خير قرنهم، ثمّ تخيَّر القبائل فجعلني من خير قبيلةٍ، ثم تخير البيوت فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً".
وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم".
* حياته صلى الله عليه وسلم:
1- ولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين (9) من شهر ربيع الأول عام الفيل، وذلك حوالي سنة (570م)، أي قبل الهجرة بنحو (53) سنة.
2- وتزوج بخديجة لما بلغ من العمر (25) سنة.
3- وأوحى الله إليه لما بلغ عمره أربعين سنة، وذلك حوالي سنة (610م).
4- وأمره الله بتبليغ ما أُنزل إليه بعد نحو ثلاث سنين من نبوته، فقام يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولبث يدعو إلى الله في مكة وما حولها نحواً من عشر سنين بعد بعثته، حتى أذن الله له بالهجرة إلى يثرب (المدينة المنورة).
5- فهاجر إليها وجعلها مركز دعوته، وعاصمة دولته الدينية، دولة الإِسلام، وكان ذلك في 12 من ربيع الأول للسنة الأولى من حساب السنوات الهجرية، التي يوافق أولها (16 تموز 622م).
6- ولما أكمل الله للناس دينهم، وأتم عليهم نعمته، وأدى رسوله محمد صلوات الله عليه الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وفتح الله عليه بالنصر المبين، اصطفاه الله فقبض روحه، وكان ذلك في يوم الاثنين 12 من ربيع الأول لسنة 11 من الهجرة، الموافق (7 حزيران 632م). هذا ما عليه الجمهور، واستشكل كونه يومَ الاثنين إذ كان يوم عرفة في حجة الوداع يوم الجمعة باتفاق فلا يكون الثاني عشر من ربيع الأول يوم الاثنين، وعليه فإمّا أن يكون الخطأ في تعيين اليوم، أو في تحديد التاريخ.
7- وأما سيرته وغزواته وسائر ما يتعلق بحياته فمبسوطة محققة في كتب السيرة النبوية، وقد تعرض القرآن الكريم إلى القسم الأعظم من حياته صلى الله عليه وسلم بعد الرسالة
ان شاء الله المزيد من سيرة نبينا محمد عليه ازكي الصلاة و السلام .................................
السلام عليكم.
وبالنبي محمد صلى الله عليه وسلم تنتهي سلسلة الأنبياء ونتمنى للجميع الفائدة وكذلك الشكر الجزيل لكل من ساهم في هذه السلسلة وخاصة أبو حسين والأخت sousou34bba ولكل من مر هنا .
بارك الله في الجميع وجعل عملهم هذا في ميزان حسناتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون...............
والسلام عليكم ورحمة الله.
بارك الله فيكم أخوتي على الطرح و جعله الله في مزان حسناتكم
تحياتي.................................
sousou24
2009-12-28, 14:00
Merciiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii iiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii
عبدالباسط عبيد
2010-01-01, 12:57
مشكور اخي بارك الله فيك تقبل مروري
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir