تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فتاوى الصلاة : في حكم الصلاة بقميصٍ فيه دمٌ


محمد محمد.
2020-08-01, 21:43
السؤال:

ما حكمُ مَنْ وَجَد آثارَ دمٍ في قميصه وصلَّى على ذلك الحال، ولم يَنتبِهْ له إلَّا وقتَ النوم، وهذه الآثارُ ناتجةٌ عن جرحٍ: فهل يُعيدُ صلاةَ اليومِ كُلِّه؟ وجزاكم الله خيرًا.



الجواب:


الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فاعْلَمْ أنَّ الدماء ما عَدَا دمَ الحيضِ حكمُها الطهارةُ، سواءٌ كان الدمُ دمَ إنسانٍ أو دمَ مأكولٍ مِنَ الحيوان(١)؛ استصحابًا للبراءة الأصلية؛ إذ «الأَصْلُ فِي الأَعْيَانِ الطَّهَارَةُ»، ولا يُعْدَلُ عن هذا الأصلِ إلَّا بنصٍّ شرعيٍّ صحيحٍ، ولم يأتِ مَنْ خالَفَ هذا بحجَّةٍ ظاهرةٍ سوى نصوصٍ مُشتمِلةٍ على تحريم الدماء.

ولا يخفى أنه لا يَلْزَمُ مِنَ التحريمِ النجاسةُ، بخلاف النجاسة فإنه يَلْزَمُ منها التحريمُ، وفي هذا المعنى قال الصنعانيُّ ـ رحمه الله ـ: «والحقُّ أنَّ الأصلَ في الأعيانِ الطهارةُ، وأنَّ التحريم لا يُلازِمُ النجاسةَ؛ فإنَّ الحشيشةَ محرَّمةٌ طاهرةٌ، وكذا المخدِّراتُ والسمومُ القاتلة لا دليلَ على نجاستها. وأمَّا النجاسةُ فيُلازِمُها التحريمُ؛ فكُلُّ نجسٍ محرَّمٌ ولا عكسَ؛ وذلك لأنَّ الحكم في النجاسة هو المنعُ عن مُلابَستها على كُلِّ حالٍ؛ فالحكمُ بنجاسةِ العين حكمٌ بتحريمها، بخلاف الحكم بالتحريم؛ فإنه يَحْرُمُ لُبْسُ الحريرِ والذهب وهما طاهران ضرورةً شرعيةً وإجماعًا»(٢)، ويُؤكِّد ذلك ما ذَهَبَ إليه الحسنُ البصريُّ ـ رحمه الله ـ بقوله: «مَا زَالَ المُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ»(٣)، وقد «نَحَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ جَزُورًا فَتَلَطَّخَ بِدَمِهَا وَفَرْثِهَا، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ»(٤)، وما كان في غزوةِ ذاتِ الرِّقاع مِنَ الأنصاريِّ الذي قام يُصلِّي في الليل، فرَماهُ المشركُ بسهمٍ فوَضَعه فيه فنَزَعه، حتَّى رماهُ بثلاثةِ أَسْهُمٍ، ثمَّ رَكَعَ وسَجَد ومضى في صلاته وهو يموج دمًا(٥)، وصحَّ أنَّ عمر رضي الله عنه صلَّى وجُرْحُه يَثْعَبُ دمًا(٦).

وعليه، فإذا لم يَرِدْ نصٌّ صحيحٌ يقضي بنجاسته فهو على الطهارة؛ عملًا بقاعدةِ: «بَقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ»، والصلاةُ صحيحةٌ ـ حالتَئذٍ ـ وإِنْ عَلِمَ بوجود الدم قبل الصلاةِ أو أثناءَها.

ولو سلَّمْنا ـ جدلًا ـ أنَّ الدم نجسٌ، أو عَلِقَ به ما هو نجسٌ كالغائط أو البول ونحوهما، ثمَّ عَلِم بالنجاسة على ثوبه بعد أنِ انتهى مِنْ صلاته؛ لَصحَّتْ صلاتُه ـ أيضًا ـ ولا قضاءَ عليه ولا إعادةَ؛ لحديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه في خَلْعِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم نعلَيْه في الصلاة، قال: «بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ القَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟» قَالُوا: «رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا ـ أَوْ قَالَ: أَذًى ـ»، وَقَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى المَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ: فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا»»(٧).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.


http://ferkous.com/home/?q=fatwa-279