تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : في صفة تكبيرات صلاة العيد


أحمد محمدي الجزائري
2020-07-15, 20:24
في صفة تكبيرات صلاة العيد

السؤال:

هل تكبيرة الإحرام في صلاة العيد تُعَدُّ ضمن التكبيرات السَّبعِ المشروعة فيها أم هي زوائدُ فاضلة عن تكبيرة الافتتاح؟ وهل تكون هذه التكبيرات متواليةً لا يتخلَّلُها ذكرٌ أم لا يُشترط ذلك؟ وما حكم صلاة العيد لمن ترك هذه التكبيرات عمدًا، وهل يُشرع سجود السهو على من تركها نسيانًا؟

أفيدونا ـ رحمكم الله ـ.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالمعلومُ فِقهًا أنَّ صلاةَ العيد ركعتان يُكبِّر في الأولى منهما قبل القراءة سبعًا ولا اعتدادَ بتكبيرة الركوع؛ لأنَّ بينهما قراءة، ويكبِّر في الركعة الثانية قبل القراءة خمسًا ولا اعتدادَ ـ أيضًا ـ بتكبيرة النهوض، لثبوت هذه التكبيرات الاثنتي عشرة من حديث عائشة رضي الله عنها: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا»(ظ،)، وثبت ـ أيضًا ـ من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «التَّكْبِيرُ فِي الْفِطْرِ سَبْعٌ فِي الْأُولَى، وَخَمْسٌ فِي الْآخِرَةِ، وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا»(ظ¢).

وحديث عائشة رضي الله عنها السابق ـ وإن كان موافقًا لعدد التكبيرات ـ إلَّا أنَّه أعمُّ لتناوله للفطر والأضحى.

هذه التكبيرات الواردة في الحديثين هي المشهورة فقهًا وعملًا، وهي الأكثر عددًا، والأفضل تعبُّدًا وامتثالًا، ولا يمنع ذلك أن تُؤَدَّى تكبيرات صلاة العيد أربعًا أربعًا سواء في الفطر أو في الأضحى لثبوت ذلك ـ أيضًا ـ في السُّنَّة النَّبوية المطهَّرة، فعن القاسم أبي عبد الرحمن قال: حدَّثني بعض أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: «صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عِيدٍ، فَكَبَّرَ أَرْبَعًا وَأَرْبَعًا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ حِينَ انْصَرَفَ، قَالَ: «لَا تَنْسَوْاكَتَكْبِيرِ الْجَنَائِزِ» وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ وَقَبَضَ إِبْهَامَهُ»(ظ£)، يعني: في صلاة العيد.

ولا تعارض بين هذا الحديث والذي قبله لإمكانية الجمع بينهما بتغاير الحال، إذ هو اختلاف إباحةٍ وتوسعةٍ وتنوُّع، لثبوت ذلك كلِّه عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على نحو ما أخذوا عنه صلى الله عليه وسلم الوضوء واحدة واثنتين وثلاثًا، ويبقى الأكثر عددًا مقدَّم لكونه الأفضل تعبُّدًا وامتثالًا ـ كما تقدَّم ـ وفقًا لقاعدة: «مَا كَانَ أَكْثَرَ فِعْلًا كَانَ أَكْثَرَ فَضْلًا»(ظ¤).

هذا، ولا تشترط الموالاة بين التكبيرات نسقًا خلافًا لمذهب مالك ومَن وافقه؛ فإنَّه لا يفصل بين التكبيرات بذِكرٍ ولا غيرِه(ظ¥)، بل يجوز الذِّكر ـ على الصحيح ـ بين كلِّ تكبيرتين مِن حمدٍ لله عزَّ وجلَّ وثناءٍ عليه لحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال في صلاة العيد: «بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ حَمدٌ للَّهِ عزَّ وجلَّ وَثَنَاءٌ عَلَى اللهِ»(ظ¦)، «ولأنَّها تكبيراتٌ حالَ القيام فاستُحبَّ أن يتخلَّلها ذِكرٌ كتكبيراتِ الجنازة، وتفارقُ التسبيح؛ لأنه ذِكر يخفى ولا يظهر، بخلاف التكبير»(ظ§).

وهذه التكبيرات والذكر بينها سُنَّة غيرُ واجبةٍ لا تَبطُلُ الصلاةُ بترك التكبير أو الذِّكر سواء كان عمدًا أو سهوًا، ولا يُعلم في ذلك خلافٌ كما صرَّح به ابن قدامة ـ رحمه الله ـ(ظ¨).

غيرَ أنَّ العامد يأثَم بتعمُّده ترك السُّنَّةِ مُطلقًا لِمَا نَقَل النوويُّ الإجماع على إثم تاركها مُطلقًا، أمَّا إذا سها في التكبير وشرع في القراءة فالأَولى أن لا يعود إليه، شأنه كدعاء الاستفتاح إلَّا أنه يُستحبُّ له سجود السهو ـ على الرَّاجح ـ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ مَا يُسَلِّم»(ظ©).

هذا، والعلماء يختلفون في التكبيرات الأولى هل يكبِّر سبعًا مع تكبيرة الإحرام، وهو مذهب أكثر أهل العلم من الصحابة وفقهاء المدينة السَّبعة وعمر بن عبد العزيز والزهري ومالك وأحمد والمُزَني، وهو قول ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ـ أيضا ـ(ظ،ظ*).

أم أنه يُكبِّر سبعًا في الأولى سوى تكبيرة الافتتاح وهو مذهب الأوزاعي والشافعي وغيرهم(ظ،ظ،)؟ وفي المسألة خلاف وأقوال أخرى.

والذي يظهر لي راجحًا في هذه المسألة أنَّ تكبيرة الإحرام معدودةٌ من السَّبع الأولى لأحاديث كثيرةٍ ومنها ما سبق من حديث عائشة رضي الله عنها وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وغيرهما، قال ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ: «وقد روي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه كبَّر في صلاة العيدين سبعًا في الركعة الأولى وخمسًا في الثانية من طُرُقٍ كثيرةٍ حسان». وذكرَ جُملةً من هذه الطرق، ثمَّ قال: «.. ولو لم تكن تكبيرة الافتتاح في السَّبع لقيل: كبَّر ثمانيًا وستًّا»(ظ،ظ¢).

ولأنه ثبت ـ أيضًا ـ من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم «كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً، سَبْعًا فِي الْأُولَى، وَخَمْسًا فِي الْآخِرَةِ، وَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا، وَلَا بَعْدَهَا»(ظ،ظ£).

والأصل في الكلام عدم الإضمار ولا الحذف لعدم وجود قرينة أو دليل يدلُّ عليه، وقد جاء في «الموطإ» ما يؤيِّد استقلال اللفظ، فَعَنْ نافع مولى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «شَهِدْتُ الْأَضْحَى وَالْفِطْرَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ. وَفِي الآخِرَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ»(ظ،ظ¤).

أمَّا حديث عائشة رضي الله عنها أنَّه كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً سِوَى تَكْبِيرَةِ الِاسْتِفْتَاحِ»(ظ،ظ¥) وعنها ـ أيضًا ـ أنَّه صَلَّى الله عليه وسلم «كَبَّرَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً سِوَى تَكْبِيرَةِ الِاسْتِفْتَاحِ وتكبيرة الرُّكُوعِ» فقد قال عنه الحافظ: «ومداره على ابن لهيعة وهو ضعيف»(ظ،ظ¦).

ويزيد ذلك تأييدًا وتأكيدًا أنَّ حديث القاسم أبي عبد الرحمن السابق بيَّن أنَّ النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم كان يُكبِّر يومَ العِيد في الصلاة أربعًا مثل تكبيره على الجنائز، وقال: «لَا تَنْسَوْا كَتَكْبِيرِ الْجَنَائِزِ»(ظ،ظ§).

ولا يخفى أنَّ تكبيرة الافتتاح في الجنازة معدودة من ضمن الأربع تكبيرات فدلَّ ذلك على أنَّ تكبير العيد مثله وأنَّ الأصل في اللفظ أن يكون مستقلًّا لا يتوقَّف على إضمارٍ، ويُحمل على الاستقلال لقِلَّة اضطرابه من جهةٍ ولعدم وجود صارفٍ عنه من قرينةٍ أو دليلٍ من جهةٍ أخرى ـ كما تقدَّم ـ لذلك يترجح مذهب أكثر أهل العلم من الصحابة وفقهاء المدينة السَّبعة وغيرهم لأنّ غالب السنن والآثار توافق مذهبهم في تكبيرات العيد الزوائد: الأولى سبع بتكبيرات الافتتاح والإحرام وفي الثانية خمس كما صرَّح به ابن تيمية رحمه الله(ظ،ظ¨).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ظ،ظ¥ من ذي القعدة ظ،ظ¤ظ¤ظ،ﻫ
الموافق ï»ں: ظ*ظ¦ جويلية ظ¢ظ*ظ¢ظ*م

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ


(ظ،) أخرجه أبو داود في «الصلاة» (ظ،ظ،ظ¤ظ©) باب التكبير في العيدين، وابن ماجه في «إقامة الصلاة، والسنة فيها» (ظ،ظ¢ظ¨ظ*) باب ما جاء في كم يكبِّر الإمام في صلاة العيدين، وأحمد (ظ¢ظ¤ظ¤ظ*ظ©)، وصححه الألباني في «إرواء الغليل» (ظ£/ ظ،ظ*ظ§).

(ظ¢) أخرجه أبو داود في «الصلاة» (ظ،ظ،ظ¥ظ،) باب التكبير في العيدين، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ظ¦ظ،ظ§ظ¢)، والحديث صححه البخاري. انظر: «نصب الراية» للزيلعي (ظ¢/ ظ¢ظ،ظ§)، و«إرواء الغليل» للألباني (ظ£/ ظ،ظ،ظ*).

(ظ£) أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ظ§ظ¢ظ§ظ£)، والمحاملي في «صلاة العيدين» (ظ£) والحديث حسّنه الألباني في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (ظ¢ظ©ظ©ظ§).

(ظ¤) «الأشباه والنظائر» للسيوطي (ظ،ظ¤ظ£)، ثم قال: «وأصله قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: أَجْرُكِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ.رواه مسلم».

(ظ¥) انظر: «الاستذكار» لابن عبد البر (ظ¢/ ظ£ظ©ظ¦)، «المغني» لابن قدامة (ظ¢/ ظ£ظ¨ظ¢)، «القوانين الفقهية» لابن جزي (ظ©ظ*).

(ظ¦) أخرجه المحاملي في «صلاة العيدين» (ظ©) وجوَّد إسناده الألباني في «إرواء الغليل» (ظ£/ ظ،ظ،ظ¥).

(ظ§) «المغني» لابن قدامة (ظ¢/ ظ£ظ¨ظ£).

(ظ¨) المصدر السابق الجزء والصفحة نفسها.

(ظ©) أخرجه أبو داود في «الصلاة» (ظ،ظ*ظ£ظ¨) باب من نسي أن يتشهد وهو جالس، وابن ماجه في «كتاب إقامة الصلاة، والسنة فيها» (ظ،ظ¢ظ،ظ©) باب ما جاء فيمن سجدهما بعد السلام، وأحمد (ظ¢ظ¢ظ¤ظ،ظ§)، من حديث ثوبان رضي الله عنه. والحديث حسّنه الألباني في «إرواء الغليل» (ظ¢/ ظ¤ظ§).

(ظ،ظ*) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (ظ¢ظ*/ ظ£ظ¦ظ¢)، «زاد المعاد» لابن القيم (ظ،/ ظ¤ظ¤ظ£).

(ظ،ظ،) انظر: «الاستذكار» لابن عبد البر (ظ¢/ ظ£ظ©ظ¥)، «المغني» لابن قدامة (ظ¢/ ظ£ظ¨ظ*).

(ظ،ظ¢) المصدر السابق (ظ¢/ ظ£ظ©ظ¥).

(ظ،ظ£) أخرجه أحمد (ظ¦ظ¦ظ¨ظ¨)، وقد صحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه لـ «مسند أحمد» (ظ¦/ ظ¢ظ¤ظ،)، وانظر: «صحيح سنن أبي داود» للألباني (ظ¤/ ظ£ظ،ظ¦).

(ظ،ظ¤) أخرجه مالك في «الموطإ» (ظ¦ظ،ظ©)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ظ¦ظ،ظ§ظ©). وصححه عبد الله الداني في «سلسلة الآثار الصحيحة» (ظ¦ظ*ظ*)، وزكريا الباكستاني في «ما صح من آثار الصحابة في الفقه» (ظ،/ ظ¥ظ*ظ¨)، والأرنؤوط في «شرح السُّنَّة» للبغوي (ظ¤/ ظ£ظ*ظ©).

(ظ،ظ¥) أخرجه الدارقطني (ظ،ظ§ظ¢ظ*)، والحاكم (ظ،ظ،ظ*ظ¨)، والحديث أعلّه الدارقطني والبيهقي والطحاوي، وابن عبد الهادي والذهبي. انظر: «تنقيح التحقيق» لابن عبد الهادي: (ظ¢/ ظ¥ظ¨ظ¤)، «تنقيح التحقيق» للذهبي (ظ،/ ظ¢ظ¨ظ§).

(ظ،ظ¦) «التلخيص الحبير» لابن حجر (ظ¢/ ظ¨ظ¥)، انظر ـ أيضًا ـ: «تنقيح التحقيق» لابن عبد الهادي (ظ¢/ ظ¥ظ¨ظ¤).

(ظ،ظ§) سبق تخريجه، الهامش رقم (ظ£).

(ظ،ظ¨) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (ظ¢ظ*/ ظ£ظ¦ظ¢).

للشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله تعالى.


https://ferkous.com/home/?q=fatwa-1237