تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تقليد القوي بدل تجديد التاريخ للأمم الضعيفة بنفسها


اسماعيل 03
2020-05-28, 09:04
قال محمود شاكر رحمه الله:
" ومن بلاء الأمم الضعيفة بنفسها أن انبعاثها إلى التقليد -تقليد القوي- أشد من انبعاثها لتجديد تاريخها بأسباب القوة التي تدفع في أعصابها عنفوان الحياة. والضعف يجعل محاكاة القوى أصلًا في كل أعماله. فلما فسدت قيادة أصحاب الرأي عند هذه الأمم الضعيفة، وكان لابد للمستيقظ من أن يعمل، كان عمل الأفراد متفرقين منسحبًا على أصلين: ضعفٌ أورثهم إياه ضياع كيان الدولة السياسي، وضعف كرثهم (1) به تفرُّق القيادة وشتات الأغراض، فلا جرم أن يكون كل عمل موسومًا بسمَةٍ من ضعفٍ مُظَاهر بضعف صاحبه، ولا جرم أن يكون أعظم أعمالنا هو تقليد أعمال الناس على الهوى والجهل والدهشة المتصرفة بغير عقل.
هذا كل شيء تحت أعيننا وبأيدينا: بيوتنا، مدارسنا، أبناؤها، رجالنا، نساؤنا، علمنا، أدبنا، فننا، أخلاقنا. . . كل ذلك على الجملة والتفصيل قد وُسم بميسم الضعف والتفرق وانعدام التشاكل بين أجزائه التي يتكون من مجموعها معنى الأمة، وكلها تقليد قد تفرقت في جمعه أهواء أصحابه من هنا وهنا. والتقليد بطبيعته لا يتناول من الأشياء إلا ظاهرها، فكل مآخذنا من أجل ذلك ليست إلا مظهرًا.
هذه المرأة -وهي فن الحياة الذي يَشْتهِي أبدًا أن يبدع حتى في الأذى- ما تكادُ ترَاها عِندَنا إلا دُمْيَة ملفّقةً من الحضارات وبدعها. . . ثيابها، زينتها، حليها، تطريتها (2)، شعرها، تطريف (3) بنانها، مشيتها، منطقها. . . كل ذلك أجنبي عنها متكلف منتزع من مظاهر غانيات باريس وعابثات هوليوود، ليس له من جنسها ولا أصلها شبَةٌ تَنْزِع إليه، وأسمَجُه أنه ملفَّق لا يتشاكل تشاكل المصدر الذي اجتلب منه بالتقليد.
وهذا الكاتب وهذا الشاعر -وهما فن الحياة الذي يعمل أبدًا في تجديد معانيها بالتأثير والبيان- لا تجد فيما يكتب أكثرهم إلا المعاني الميتة التي نقلت من مكانها بالاعتناف والقسر فوضعت في جو غير جوها فاختنقت فمات ما كان حيا من بيانها في الأصل الذي انتزعت منه.
وهكذا. . . هكذا كل شيء تأخذه العين أو يناله الفكر، إنما هو دعوى ملفقة وتقليد مُسْتَجْلَبٌ وبلاءٌ من البلاء. ولا نزال مقلدين حتى يستطيع الأحرار -وهم قلة مشردة ضائعة- أن يبسطوا سلطانهم على الحياة الاجتماعية كلها، ويردوا إلى الأحياء بعض القلق الروحي العنيف الذي يدفع الحي إلى الاستقلال بنفسه والاعتداد بشخصيته، والحرص على تجديد المواريث التي تلقاها من تاريخه، ويغامر في الحضارة الحديثة بروح المجدد لا بضعف المقلد، فعندئذ ينتزع من الحضارة الأسباب التي تنشأ بقوتها الحضارات، ولا يكون موقفه منها موقف المسكين الذليل المطرود من المائدة. . . ينتظر وفي عينيه الجوع ليتقحَّم من فتاتها ."
*************
(1) كل أمر أثقل الإنسان وشقّ عليه فقد كَرَثَه (من باب ضرب).
(2) يعني بها الأستاذ "المكياج"، وهي كلمة استحدثها.
(3) أراد بها "المانوكير"، وهي كلمة استحدثها الأستاذ، انظر ص: 199.


الجمهرة ص 66 -67
بترقيم الشاملة الحديثة

اسماعيل 03
2020-05-28, 14:50
قال الرافعي رحمه الله:
" وإني أرى أنه لا ينبغي لأهل الأقطار العربية أن يقتبسوا من عناصر المدنية الغربية اقتباس التقليد، بل اقتباس التحقيق، بعد أن يعطوا كل شيء حقه من التمحيص ويقلبوه على حالتيه الشرقية والغربية؛ فإن التقليد لا يكون طبيعة إلا في الطبقات المنحطة، وصناعة التقليد وصناعة المسخ فرعان من أصل واحد، وما قلد المقلد بلا بحث ولا روية إلا أتى على شيء في نفسه من ملكة الابتكار وذهب ببعض خاصيته العقلية؛ "
وحي القلم (3-155)

محمد محمد.
2020-05-30, 20:52
بارك الله فيك أخي وجزاك الله خيرا

نحتاج إلى هذه الكتب وإلى هؤلاء العلماء رحمهم الله في هذا الزمان بقوّة بل بعنف شديد .

اسماعيل 03
2020-06-01, 09:14
بارك الله فيك أخي وجزاك الله خيرا
نحتاج إلى هذه الكتب وإلى هؤلاء العلماء رحمهم الله في هذا الزمان بقوّة بل بعنف شديد .
وفيك بارك الله أخي محمد وجزاك خير الجزاء

Haroune.007
2020-08-11, 12:31
صح بارك الله فيك

mz312002
2021-04-22, 10:13
بارك الله فيك