المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النخبة الوطنية


sidahmed 01
2009-12-13, 08:32
:dj_17:








-بروز النخبة الجزائرية وكتابة العرائض:
لقد عرفت الجزائر عشية نهاية القرن 19 و بداية القرن العشرين ظهور نخبة من المثقفين الجزائريين، بادرت هي بدورها لتحمل قضايا مطلبية، و تمثلت في المطالبة بالمساواة في الحقوق و الواجبات كما هو الشأن بالنسبة للفرنسيين، و برزت بقوة فعالة كتابة العرائض ،كما شكلت الوفود، و أضحى ضروريا توضيح و تقديم المطالب إلى الإدارة الفرنسية، ومن جملة المطالب التي قدمتها النخبة المثقفة في أواخر القرن التاسع عشر ،مطالب بلقاسم بن سديرة للإدارة الفرنسية سنة 1876 و التي تناولت إصلاح شؤون التعليم العربي، و إعادة الاعتبار لقضايا الديانة الإسلامية في الجزائر بعدما تعرضت للمسخ و التشويه.
.(1) Combes, Rapport Sur l’enseignement, P332.
وبرغم هذه المطالب التي تعد بادرة جديدة أراد من خلالها جماعة النخبة تحميل فرنسا مسؤولياتها تجاه الجزائريين، فإن جهود بن سديرة استثمرتها مدرسة الاستشراق الفرنسية، وخدمتها أكثر ما خدمت القضية الوطنية بحسب تعبير الدكتور سعد الله.(2) تاريخ الجزائر الثقافي، الجزء السادس، ص 27.
والظاهر أن مطالب نخبة نهاية القرن19 والتي من جملتها مطالب بن سديرة وجماعته لم تحمل في طياتها القضايا الجوهرية والعميقة التي كانت الأمة الجزائرية تعاني منها وقتئذ، ومع ذلك فإننا لا يمكن إهمال مثل تلك الجهود المبكرة لابن سديرة وصحبه، بل تعد محاولة فاعلة نفظت الغبار على أذهان الجزائريين كما أنها أرجعت بعض الأمل إلى ذوي النزعة الوطنية، التي سوف تثمر لاحقاً عشية إنهاء الحرب العالمية الأولى، وبروز حركة الجزائر الفتاة التي تولت الدفاع عن المطالب الجزائرية مع تنظيم حركة الشباب الجزائري.
وتعد مدينة قسنطينة من المدن السباقة التي بادر أعيانها إلى تقديم المطالب الجزائرية للإدارة الفرنسية، و بعثوا بالعرائض العديدة ما بين سنة 1881و 1895 للسلطة الاستعمارية، و برزت خلال هذه الفترة أسماء لامعة لعائلات قسنطينية ساهمة في ذلك، من بين هذه الأسماء المكي بن باديس، والطيب بن وادفل، وصالح بن مهنا ،ومحمود بن السويكي، وعائلة الفقون ،وباشتارزي، و عائلة ابن جلول، وغيرهم من الشخصيات المنتمية للعائلات المثقفة من أعيان المجتمع القسنطيني وقتئذ.
وقد رفضت الكثير من هذه الوجوه الصمت، و عبرت عن سخطها أمام مظلمة الاستعمار، و يذكر المؤرخ الفرنسي شارل أندري نوشي أن مبادرة النخبة القسنطينية في رفعها للمطالب الجزائرية، وعلي رأسها عائلة بن باديس تعد بادرة هامة في بداية العمل السياسي المنظم، بعد أن أرسلت هذه الجماعة سنة1881 عريضة تحوي مطالب إلى المجلس العام بقسنطينة تطالب من خلالها بتوسيع مقاعد التمثيل الجزائري في المجالس المختلفة، و نفس المساهمة أكدها ألان كر يستلو في دراسة له حول مساهمة المكي بن باديس في إرساء دعائم الحركة الوطنية.
(1)Nous chi .La Naissance Du Nationalisme /p20. و كذلك كر يستلو، المكي بن باديس، مجلة الثقافة، 1981، ص42.
وهذه نماذج من عرائض النخبة القسنطينية في أواخر القرن 19 موقعة بأسماء لامعة لعائلات مرموقة أمثال عائلة بن باديس، وبن المهنا و الونيسي و باشتارزي ونحوهم و لعل الشيء الملاحظ على هذه النماذج من هذه العرائض أنها ركزت بالدرجة الأولى على الجوانب الدينية و الإسلامية و دعت إلى ضرورة إصلاح أمور المساجد وترميم هياكلها و تقديم لها الدعم المادي والمعنوي حتى تصبح فاعلة في خدمة المجتمع و من تم فإن عرائض هؤلاء الجماعة برغم كونها دينية ألا أنها تعد دعما حيا لنصرة المطالب الجزائرية التي تجلت في الأفق والتي شملت أيضا التوجهات السياسية و بالتالي أصبح المطلب الديني يصب في الوعاء السياسي والعكس صحيح.
(http://www.infpe.edu.dz/cours/Enseignants/secondaire/Histoire/1Eveil/_private/page11.htm)


و لعل الشيء الملفت للانتباه هو أن الإدارة الاستعمارية لم تستجب مباشرة للمطالب الجزائرية التي تضمنتها هذه العرائض و نحوها، و لكنها أخذت تبحث عن صيغ جديدة في تعاملها مع اليقظة الجزائرية، ولعل ما يفسر ذلك التوجه الفرنسي المهادن للجزائريين، أنه في سنة 1891 أرسلت باريس لجنة برلمانية إلى الجزائر برئاسة جول فيري للوقوف عند أوضاع الجزائريين، ورسم معالم لسياسة جديدة أقل ما يقال عنها أنها تهدف إلى احتواء الجزائريين، وذلك بالتشاور و التنسيق مع الحاكم العام جول كامبون الذي ولي حاكما عاما على الجزائر مابين 1891و 1897 ويعد الرجل من بين الحكام الواعين بالسياسة الفرنسية الجديدة التي سوف تنتهج في الجزائر. (1)Esquer Gabriel.Histoire De LAlgerie p90.
والظاهر أن زيارة اللجنة البرلمانية إلى الجزائر، لم تكن بعيدة عن إنشغالات النخبة الجزائرية، و من تم فأنه لا يستبعد أن تكون اللجنة البرلمانية قد التقت ببعض عناصر النخبة الجزائرية إذ تذكر بعض المصادر التاريخية إنه خلال سنة 1891 سافر إلى باريس وفد من أعيان الجزائر بقيادة عناصر لامعة، منهم الدكتور محمد بن العربي، والشيخ محمد بن رحال وهما من العناصر الفاعلة في الحياة الجزائرية وقتئذ، و قد احتوت هذه العريضة التي سلمت للإدارة الفرنسية على جملة من المطالب الأساسية نلخصها في النقاط التالية:
1- تعميم التعليم لكافة الطبقات، و فتح الآفاق أمام التعليم العالي مع ضرورة الاعتناء باللغة العربية و أصول الفقه الإسلامي.
2- التراجع عن تطبيق قرار سبتمبر 1886 القاضي بإلغاء المحاكم الإسلامية و استبدالها بالمحاكم الفرنسية.
3- إعانة الفقراء و المعوزين وتوزيع مدا خيل الأوقاف لخدمة المشاريع الخيرية.
4- التخلي عن فكرة الملكية الجزئية للأملاك المشاعة بين العائلة الواحدة.
5- لا يعاقب البريء بجريمة المجرم وسط القبيلة الواحدة.
6- إلغاء قانون الأهالي الجائر.
7- تجنيد الجزائريين في الجيش الفرنسي يكون اختيارياً مع إلزامية الترقية في الرتب والمسؤوليات كبقية الفرنسيين.
8- إلزامية الجزائريين بالجنس هو كراهية على ترك الشريعة الإسلامية التي التزمت فرنسا باحترامها.
9- فتح آفاق الانتخابات لكل الجزائريين والاحتكام لعامل الكفاءة لا للمساومة.
10- ضرورة إشراك الجزائريين في المجلس الأعلى الذي من مهامه معالجة قضايا الأهالي.
11- انتخاب الأهالي لنيابة مجلس الأمة الفرنسي، أو إرسال وفد من الجزائريين في كل سنة لإيصال المطالب وحضور جلسات مجلس الأمة.
12- ضرورة اشتراك الجزائريين في المجلس الجنائي للنظر والتداول في الخصومات والأحكام.
13- مراجعة قانون الغاب وتخصيص أماكن للأهالي للحفاظ على ثروتهم الحيوانية.
14- تأسيس بنك عقاري خاص لمساعدة الفلاحين.
15- سلطة الحاكم العام تكون مستوحاة من مجلس الوزراء الفرنسي، وتبقى بعيدة عن ضغوطات الكولون.
16- تخفيف الضرائب المفروضة على الأهالي.
17- الحفاظ على الملكية للصالح العام على أن تكون بالشاوي بين الجزائريين والمعمرين في التمثيل المزايدة وشراء الأراضي.(1)عبد الرحمان بن العقون، الكفاح القومي، ج1، ص19.

ومن الواضح أن مطالب النخبة الجزائرية أصبحت تتبلور أكثر فأكثر مع حلول القرن العشرين، واتجهت نحو ضرورة إشراك الأهالي في المجالس المنتخبة والسماح بالحصول على الحقوق المشروعة ولو كان ذلك في كنف الوجود الفرنسي. لأن ذلك يحقق نمط المساواة مع المعمرين.
وبعد سنة واحدة من زيارة فيري للجزائر، وفي سنة 1892 ازدادت اهتمامات النخبة بالقضايا الوطنية وخصوصاً مطلب إعادة الاعتبار للهوية العربية الإسلامية، وتجسدت تلك المطالب في اهتمامات الشيخ بن رحال ومنها مسألة تعليم الجزائريين التي جعل منها مطلباً أساسياً أمام لجنة التحقيق البرلمانية التي زارت الجزائر، بعد أن أكد لها ضرورة إحياء وتنظيم المدارس الإسلامية، وتوسيع مؤسسات التعليم ومراقبتها من طرف الجزائريين، مع ترقية الفئة المتعلمة اجتماعيا وسياسياً.(1)عبد القادر جغلول، تاريخ الجزائر الحديث، ص88.
وخلص بن رحال في مشروعه إلى أن التعليم باللغة الفرنسية أضحى عديم الفائدة بالنسبة للجزائريين، لذلك كانت دعوته واسعة لتعليم تدريس اللغة العربية بين الجزائريين دون الانبهار بما تحتويه الثقافة الفرنسية. لذلك نجد بن رحال ربط في مفهومه المطلبي بين الأصالة والتجديد في دعوته لتحضير الجزائريين، وكانت دعوته غير مرغوب فيها لدى الدوائر الاستعمارية وقد أشار إلى ذلك الشيخ عبد الرحمان الجيلالي بقوله:"و يا للفزع والهول الذي يلحق الفرنسيين حينما كان يقف بن رحال يخطب في المحافل السياسية أو يكتب في الصحف والمجلات الدورية ويأتي بحججه القاطعة في نصرة الإسلام والعروبة والوطن".(2) عبد الرحمان الجيلالي، تاريخ الجزائر العام، ج4، ص466.
وقد لقيت مطالب بن رحال رواجاً معتبرا في أوساط النخبة الجزائرية القريبة من توجهاته الفكرية، وآزرته ورحبت بمطالبه، ومن بين هؤلاء الذين هللوا لعمله عمر بن بريهمات، والحاج الطيب الشرشالي، وحمود بن مخفوجي ونحوهم وكانت مسعاهم ترمي إلى إصلاح دائرة تعليم الجزائريين في إطار استعادة الهوية العربية الإسلامية دون التشدق بأمجاد الثقافة الفرنسية.
(3) M.Combes, Rapport sur l’enseignement, P333.
و مع حلول القرن العشرين و مجيء جو نار على رأس الولاية العامة، عرفت الجزائر سياسات جديدة تحت ضغط الكولون، بعد أن استفادوا من قرار 19 ديسمبر 1900 الذي نص على منح الاستقلال المالي للمستعمرة على حساب مصلحة الأهالي، و لعل ما يفسر ذلك الإجحاف عدم التساوي في مقاعد المجلس بين الفرنسيين و الجزائريين فالنصيب الفرنسي يشغل 48 مقعدا، في حين يشغل الطرف الجزائري 21 مقعدا، و تختارهم الإدارة الفرنسية، بحسب ميولا تهم المعهودة لخدمة المصلحة الفرنسية الاستعمارية و تهدئة الرأي العام الجزائري، بحسب تعبير ابن العقون.(4) بن العقون، الكفاح القومي ص 24.
و برغم هشاشة التمثيل الجزائري في المجلس المالي ,فإن ذلك الاشتراك يعد مكسبا إضافيا للمطالب الجزائرية التي كثيرا ما طالبوا بها منذ بداية القرن ,و جعلت من الحكومة الفرنسية تولي بعض الاهتمام لقضايا الجزائر, و تمثل ذلك في زيارة الرئيس الفرنسي لوبي إلى الجزائر، والتي استغرقت قرابة النصف شهر ما بين 10إلى 26 أفريل سنة 1903.
و من دون شك فإن زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر للوقوف عند أحوال الجزائريين قد فتحت الآفاق أوسع أمام مطالب النخبة ,ومنها مبادرة بن رحال الذي ألقى خطابا هاما أمام الرئيس الفرنسي، و يعد الرجل الوحيد من بين جماعة النخبة الذي أوضح صراحة عن حقوق المسلمين الجزائريين، ورفض سياسية الاندماج كما طالب بتوسع دائرة التمثيل السياسي للأهالي، وإلغاء قانون الأهالي البغيض .(1) علي تابليت، نظرة تاريخية عن حركة الترجمة، ص 68.
الظاهر أن الرئيس الفرنسي قد استمع للمطالب الجزائرية، ووعدهم بالمزيد من الإصلاحات، خصوصا و أنه قد لمس فيهم ملامح التوجه نحو الأخذ بمظاهر النهضة و التجديد، و ذلك ما كانت تخشاه فرنسا على مستقبل بقائها في الجزائر . و برغم تماطل الإدارة الفرنسية، و ما عرف عنها من سياسة الهروب نحو الأمام، و تأجيل معالجة القضايا الجزائرية ، فإنه بعد مرور بضع سنوات من زيارة لوبي إلى الجزائر تحصل الأهالي سنة 1908 على مكسب سياسي جديد تمثل في إشراكهم في المجالس العمالية، و حصولهم على عضوية الثلث من مجموع لأعضاء المجلس. (2) جوان غيليسبي، الجزائر الثائرة، ص 34.

secret2009
2011-05-13, 09:28
merci c'est bien