تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : النية والإمساك للصيام


زهرة المسيلة
2020-05-11, 12:08
1- إذا ثبتَ دخول شهر رمضان بالرُّؤية، أو إكمال العِدَّة، وجبَ على كلٍّ مسلمٍ مكلَّف أن ينوِي صيامه في اللَّيل؛ تقرُّبًا إلى الله تعالى، وامتثالًا لأمره؛ لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ»[1].



ولا بُدَّ أن تكون النِّية قبل الفجر من كلِّ ليلةٍ من ليالي شهر رمضان، وتصح في أي جزءٍ من أجزاء اللَّيل، فمن تسَحَّر بالليل، قاصدًا الصِّيام، أو عزَم على الكفِّ عن المفطرات - أثناء النَّهار - مُخلِصًا لله، فهو ناوٍ، وإن لم يتسحَّر[2].



2- والنية عمَلٌ قلبيٌّ محض، لا دخل للِّسان فيه، والتَّلفظُ بها بدعة، وإن رآها النَّاس حَسَنة، قال الإمام ابن القيِّم رحمه الله: "النِّيةُ هي القصْدُ والعزم على فعل الشَّيء، ومحلها القلب، لا تعلُّق لها باللسان أصلًا، ولذلك لم يُنقل عن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا عن أصحابه في النِّية لفظٌ بحال، ولا سمعنا عنهم ذكر ذلك ..."[3].



وتَبييتُ النِّية مخصوصٌ بصومِ الفريضة، فإن كان نفْلًا صحَّت ولو بعد طلوع الفجر وارتفاعِ النَّهار، إن لم يكُن قد طَعِم شيئًا؛ فعن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأتي في غير رمضان، فيقول: «هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟»، فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: «فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ»[4].



3- ومن أدركَه رمضان وهو لا يدري، فأكلَ أو شرِب ثم عَلِمَ، فليُمسِك؛ وليُتمَّ صومه، ويُجزِئه ذلك، ومن لم يأكُل فلا يَطعم، وتبييتُ النَّية لا يكون شرطًا في حقِّه لأنه لم يستطيع، ومن أصول الشَّريعة المقرَّرة: أنَّ القدرة مناط التَّكليف[5]؛ قال تعالى: ï´؟ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ï´¾ [التغابن: 16].



4- والإمساك عن المفطرات في الصِّيام، يكون من طلُوع الفجر إلى غروب الشَّمس، قال تعالى: ï´؟ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ï´¾ [البقرة: 87].



والمراد بالخيط الأبيض، والخيط الأسود:

بياض النَّهار، وسَواد الليل؛ فالآية هنا تحدِّدُ معالم يوم الصِّائم: ابتداءه وانتِهاءه، وأنَّه من تبيُّن الفجر إلى غروب قُرصِ الشَّمس وراء الحجاب، وإقبال الليل.



♦ وقد بيَّن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ الفجر: فجران، فجر (كاذب) حذَّرنا منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا يُحرمُ طعامًا ولا شرابًا ولا جماعًا، ولا يُحِلُّ صلاةً، وفجرٌ (صادق) تترتب عليه أحكام الصِّيام والصَّلاة، ولكلٍّ منهما أوصافٌ تميِّزه عن الآخر، وقد بيَّنها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلّ البيان: فالفجرُ الكاذِب، هو ذلكم الفجر الأبيض الطَّويل العمودي النَّازل الذي يُشبه ذَنَبَ السِّرْحَانِ؛ (أي: الذِّئب).



♦ وأمَّا الفجر الصَّادق، فهو ذلكم الفجر المعترض على رؤُوس الشِّعابِ والجبال، المنتشرُ في الطُّرق والسِّكَك والبيُوت، وهذا هو الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى بتحَرِّيه ومُراقبته، والكفِّ عن الطعام والشَّراب والجِماعِ بعد رؤيته، وهو الذي تتعَلَّقُ به أحكام الصِّيام والصَّلاة؛ فعن طلق بن عليٍّ أنَّ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «كُلُوا وَاشْرَبُوا، وَلَا يَهيدَنَّكُمُ السَّاطِعُ المُصْعِدُ، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا، حَتَّى يَعْتَرِضَ لَكُمُ الأَحْمَرُ».[6]



وعن سُمرة بن جُنْدُب رضي الله عنه قال: قال رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ، وَلَا هَذَا الْبَيَاضُ لِعَمُودِ الصُّبْحِ حَتَّى يَسْتَطِيرَ هَكَذَا»[7].



قال الإمام القُرطبي في تفسير الآية السَّابقة: "ï´؟ حَتَّى ï´¾ غَايَةٌ للتَّبْيين، ولا يصِحُّ أن يقع التَّبْيِينُ لأحد وَيُحَرَّمُ عليه الأكلُ إِلَّا وقد مَضَى لطلُوع الفَجْرِ قَدْرٌ، وَاخْتُلِفَ في الحدِّ الذي بِتَبَيُّنِه يَجِبُ الإمساك، فقال الجمهور: ذلك الفَجرُ المعتَرِضُ في الأفقِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً، وبهذا جاءت الأخبَارُ ومَضَتْ عليه الأَمْصَارُ... ثم قال: وقالت طَائِفَةٌ: ذلك بعد طُلُوعِ الفَجرِ وَتَبَيُّنِهِ في الطُّرُقِ والبُيوت، رُؤُوسِ الجبال... وقالَ مَسْرُوقٌ: لم يَكُن يَعُدُّونَ الفجر فَجْرَكُمْ، إنَّما كانُوا يَعُدُّونَ الفجر الَّذي يَمْلَأُ البُيُوت"[8].

[1] حديث صحيح: أخرجه أبو داود (2454) واللفظ له، وابن خزيمة، والطحاوي، والبيهقي، وغيرهم من حديث: حفصة رضي الله عنها، وصحَّحه الألباني في "الإرواء" (4/ 914)، و"صحيح الجامع" (6538).

[2] انظر للفائدة: "تفسير الإمام القرطبي" (2/ 319)، و"الروضة الندية"(2/ 15)، و"فقه السنة"(1/ 405).

[3] في كتابه: "إغاثة اللَّهفان من مصايد الشيطان" (1/ 137).

[4] حديث صحيح: أخرجه مسلم (2/ 809)، وانظر أيضًا: "مختصر صحيح مسلم" (630).

وإلى التَّفريق بين الفرض والتَّطوع في النّية ذهب جماهير أهل العلم؛ راجع لذلك: "السيل الجرار" (2/ 117)، و"شرح النووي على مسلم" (5/ 139)، و"الروضة الندية"(2/ 14)، و"منهاج المسلم" (ص/ 228).

[5] وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن حزم في "المحلى" (4/ مسألة: 729)، وهو الحقُّ الذي تسنده الأدلة، انظر: بسط ذلك في: "النَّيل" (4/ 222)، و"السَّيل" (2/ 116)، و"صفة صَوم النَّبي" (ص/ 31).

[6] حديث صحيح: أخرجه الترمذي (3/ 76)، وأبو داود (2/ 304)، وأحمد (4/ 23)، عن قيس بن طلق عن أبيه، وسندهُ صحيح، وقد صحَّحه الألباني، في: "صحيح الجامع الصغير" (4382)، وغيره.

وقال الترمذي: والعَمَلُ على هذا عند أهل العلم أَنَّهُ: لا يَحْرُمُ على الصَّائِم الأكل والشُّربُ حتَّى يكون الفجرُ الأحْمَرُ المعْتَرِض، وبه يقولُ عامَّةُ أهل العلم".

[7] حديث صحيح: أخرجه مسلم (3/ 130)، وأبو داود (2346)، الترمذي (1/ 132)، والإمام أحمد (5/ 1314)، وغيرهم، من طرق عن سوادة بن حنظلة القشيري عن سمرة بن جندب مرفوعاً به.

وقال الإمام الترمذي: "حديث حسن".

[8] في كتابه: "الجامع لأحكام القرآن" (2/ 318- 319) -بتصرّف يسير-.

كمال بدر
2020-05-14, 18:45
جزاكِ الله خيراً أختنا الفاضلة عن هذا الطرح الطيب المبارك ... تقبلي تحياتي.

زهرة المسيلة
2020-05-14, 18:55
جزاكِ الله خيراً أختنا الفاضلة عن هذا الطرح الطيب المبارك ... تقبلي تحياتي.

شكرا لك اخي الفاضل على مرورك الكريم
:19::19: